إسلام ويب

القرآن العظيم كتاب الله عز وجل، أنزله لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولينذر الكفرة والمخالفين والعصاة بالعذاب الأليم، وليبشر المؤمنين بجنات النعيم.

تعريف عام بسورة السجدة

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد:

قال الله عز وجل في سورة السجدة:

بسم الله الرحمن الرحيم: الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [السجدة:1-3].

هذه هي السورة الثانية والثلاثون من كتاب الله سبحانه تبارك وتعالى وهي سورة السجدة, وهي من السور المكية التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، ما عدا آيات ذكر أهل العلم أنها نزلت بالمدينة، وهذه الآيات هي: قول الله عز وجل: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.. [السجدة:18-19] إلى آخر ثلاث آيات أو إلى خمس آيات. وقوله عز وجل: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ.. [السجدة:16] إلى قوله: الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [السجدة:20]. وأغلب آياتها مكية، وفيها خصائص السور المكية، والتذكير باليوم الآخر، والتفصيل لما يكون في يوم القيامة، وهي مناسبة جداً ليوم الجمعة، ويوم الجمعة هو اليوم الذي تقوم القيامة فيه، وفيه خلق آدم، وفيه أنزل إلى الأرض، وهو يوم عيد للمسلمين.

الحكمة من قراءة سورتي السجدة والإنسان يوم الجمعة

إذا كانت القيامة ستكون في يوم الجمعة، ونحن لا ندري متى تكون، إلا ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم عن علاماتها التي تكون قبلها, فمن المناسب جداً أن تقرأ هذه السورة في كل يوم جمعة؛ ليتذكر الإنسان يوم القيامة, وما يكون فيه من حساب وعذاب، وما يكون فيه من جنة ونار؛ فلذلك كان يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة وسورة الإنسان في يوم الجمعة. فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في يوم الجمعة في صلاة الفجر الم * تَنزِيلُ -هذه السورة- السجدة، و هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ الإنسان). وقراءة هاتين السورتين مقصودة، فأما السجدة فقد ذكر فيها خلق آدم وكيف بدأ الله عز وجل خلقه من طين، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:8-9]، ثم ذكر كيف يكون مصير هذا العبد عند ربه يوم القيامة، وكيف يجازيه ويحاسبه على ما ذكر في هذه السورة.

وهذا واضح في سورة الإنسان من أول السورة، قال تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1] -أي: هذا الإنسان الذي يستكبر ويتعالى على ربه سبحانه تبارك وتعالى هلا تذكر أنه أتى عليه يوم من الدهر لم يكن شيئاً ولم يكن حتى تراباً؟! فقد كان عدماً ثم أوجد الله عز وجل هذا التراب، وخلق منه الإنسان. فهلا تذكر الإنسان ذلك فانتفع بهذه التذكرة؟

ثم ذكر الله عز وجل في سورة الإنسان أمر الكافرين، وكيف يفعل الله عز وجل بهم، فقد أعد لهم سلاسل وأغلالاً وسعيراً.

وذكر كيف يفعل بالمؤمنين، وأنه يدخلهم جنات، وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ [الإنسان:15]. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ [الإنسان:19]. إلى آخر ما ذكره الله سبحانه في هذه السورة.

فهاتان السورتان مناسبتان ليوم الجمعة، فيقرؤهما المصلي في صلاة الفجر أو يسمعهما، لما فيهما من التذكير بأن يوم الجمعة وإن كان عيداً للمسلمين الآن إلا أن الساعة ستقوم فيه، ومن التذكير بأن بدء خلقه كان في هذا اليوم، وأن إنزالهم من الجنة إلى الأرض كان في هذا اليوم، فيتذكر يوم الجمعة وما يكون فيه.

الحكمة من قراءة سورة السجدة عند النوم

سورة السجدة كان يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم قبل نومه؛ لما فيها من العبر والتذكير بالموت وبالبعث يوم القيامة وبالجزاء وبالحساب. ومن المناسب للإنسان عند نومه أن يتذكر ما الذي صنعه في هذا اليوم، ويتذكر أنه راجع إلى الله سبحانه، فينوي نية حسنة إذا أحياه الله عز وجل في اليوم التالي أن يؤدي الحقوق لأصحابها، وأن يعمل الخير ويزيد في صلاح نفسه بما يشاء الله عز وجل له. فيتذكر بهذه السورة وما فيها. فقد جاء عند الترمذي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ (( الم * تَنزِيلُ )) السجدة، و(( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ))). فعلى ذلك يستحب قبل النوم أن المسلم يقرأ سورة السجدة ويقرأ سورة تبارك، فقد جاء في فضل سورة تبارك أنها المنجية من عذاب القبر، وأن عبداً كان يقرؤها في كل ليلة، فلما مات جاءت هذه السورة تدفع عنه عذاب القبر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سورة ثلاثون آية شفعت لصاحبها في قبره حتى دفعت عنه العذاب).

ذكر الاختلاف في عدد آيات سورة السجدة

بدأ الله سبحانه تبارك وتعالى هذه السورة بقوله: الم ، بالحروف المقطعة الثلاثة. وعدد آيات هذه السورة ثلاثون آية حسب عد أكثر القراء. والبصريون يعدونها تسعة وعشرين آية. فالخلاف في هذه الآية الأولى وهي: الم هل هي آية وحدها أم مع غيرها؟ فعدها أكثر القراء وحدها، وعدها البصريون مع قوله: تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة:2] آية واحدة. وخلاف آخر في قوله سبحانه: أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [السجدة:10]، فوقف عليها أكثر القراء وقالوا: إنها رأس آية، ولم يقف عليها الباقون، وقالوا: إنها ليست رأس آية.

الكلام حول الحروف المقطعة

الحروف المقطعة التي في أوائل السور من أسرار القرآن، ومهما تأمل الإنسان فيها وخرج منها بحكمة من الحكم فليس معنى هذا أن هذه هي الحكمة التي قصدها الله عز وجل.

وقد حاول العلماء أن يعرفوا لماذا ذكر هنا ألف لام ميم؟ ولماذا ذكر هنا ص؟ ولماذا ذكر كذا؟ وذكروا أنه من ضمن ما وصلوا إليه: أن الحرف الذي يأتي في أول السورة أو الأحرف التي تأتي في أول السورة تكون أكثر الحروف تكراراً في هذه السورة، وليس معنى ذلك أن أكثرها تكراراً في السورة لابد أن يكون هو الأكثر، لا، ولكن هو من أكثر ما يكون في السورة. فمثلاً الذي يعد الحروف في هذه السورة سوف يجد أن الألف وهو أول حرف بدأه الله عز وجل في السورة تكرر مائتين وتسعين مرة تقريباً، فهو أعلى حرف تكرر في هذه السورة، واللام تكرر فيها مائة وواحداً وخمسين مرة، فهو من أعلاها وليس الأعلى؛ لأن حرف النون تكرر فيها حوالى مائة وثمانية وخمسين مرة، فهو أعلى منه, والميم أيضاً من أعلا الحروف التي تكررت في هذه السورة. فكأنه إذا افتتح السورة بأحرف معينة فإن هذه الحروف تكون من أعلا ما يتكرر في هذه السورة. فكأنه يقول: هذه الحروف من جنس ما تنطقون به، وقد ألفنا منها هذا القرآن، وجمعناه منها، فأتوا بقرآن مثله إن كنتم تقدرون على ذلك، فلم يقدروا على ذلك.

والغالب في كتاب الله عز وجل أنه إذا بدأ بأحرف مقطعة فإنه يذكر بعدها مباشرة أو بعدها بقليل إشارة إلى هذا القرآن العظيم. فهنا قال: الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ [السجدة:1-2]، فذكر هذا الكتاب الذي هو حروف من جنس ما تنطقون به وأنه منزل من عند رب العالمين سبحانه تبارك وتعالى.

وأيضاً ذكر العلماء أن هذه الحروف في بداية السور تسمى بها السورة، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يقرأ الم تنزيل ). فسميت سورة السجدة بسورة الم تنزيل السجدة. وذكروا غير ذلك من الحكم التي أنزل الله عز وجل هذه الفواتح فيها.

ومما ذكروه أنها لجذب الانتباه؛ لأن العرب لم يكونوا معتادين عليها. فإذا أراد أحد أن يكلم أحداً فإنه يكلمه بكلمة، وأما أن يكلمه بحرف فهذا نادر. فعندما يأتي القرآن يقول لهم: الم ، ويقرؤها آية، والقرآن له طريقة في القراءة بالتجويد وبالترتيل، فعندما يسمعونه يتسألون: ماذا يقول؟! فينتبهون لما يقول، فيقول بعدها: تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة:2]، فكأن من ضمن الحكم جذب الانتباه، وشد الناس الذين ليسوا معتادين على هذا الشيء، فيستمعون له.

وأيضاً ذكروا من ضمن الحكم أنها نزلت إشارة إلى أسماء الله الحسنى. فقالوا: (الألف) من اسم الله، و(اللام) من اسم الله اللطيف، و(الميم) من اسم الله المجيد. وهذا محتمل. وجاء عن ابن عباس رضي الله عنه مثل ذلك. ولكن لا نقدر أن نقول هذا هو السبب الذي من أجله أنزل الله عز وجل هذه الأحرف في أوائل السور. وغاية ما يمكن أن يقال: إن هذه أحرف مفرقة مقطعة في أوائل السور، والغرض منها تعجيز الخلق، وهي من أسرار كتاب الله سبحانه تبارك وتعالى.

القراءات الواردة في قوله تعالى: ( الم )

قال تعالى: (( الم ))[السجدة:1]. قرأها الجمهور بالوصل فيها مع مد اللام والميم، وقرأها أبو جعفر بالوقف على كل حرف من الأحرف الثلاثة، فيقول: ألف. لام. ميم. والغرض من ذلك: بيان أنها ليست كلمة واحدة، ولكنها ألف ولام وميم. وكذا في كل فواتح السور. ومنها نعرف أن طه ليس اسماً، ولكنه حرفان؛ لأن أبا جعفر يقرؤها: ط ها، فيقف على الطاء ويقف على الهاء. وكذلك ياسين ليس اسماً، ولكنه حرفان؛ لأن أبا جعفر يقرؤها: ي سين، فيقف على الياء ويقف على السين؛ لبيان أن الياء حرف وأن السين حرف، وأنهما حرفان في أول السورة.

وأما لحديث الذي جاء مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (لي عند ربي عشرة أسماء، فذكر منها: طه وياسين). فلا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

تفسير قوله تعالى: ( تنزيل الكتاب لا ريب فيه ... )

قال تعالى: تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة:2]. قوله: ( تنزيل ) مرفوع على الابتدأ أو على الخبر؛ فعلى الخبر يكون المعنى: هذا تنزيله, وعلى أنه مبتدأ يكون الخبر: لا رَيْبَ فِيهِ ، أو مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

وقوله: (تنزيل) أي: منزل من السماء من عند رب العالمين، وفيه إشارة إلى أن الله سبحانه فوق سماواته سبحانه تبارك وتعالى، فنزل الكتاب من عنده سبحانه على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من كلام الملائكة، وإنما هو كلام رب العالمين نزله سبحانه كتاباً إلى السماء الدنيا، ثم نزله منجماً على النبي صلى الله عليه وسلم، ففي كل حادثة من الحوادث ينزل من القرآن ما يحكم الله عز وجل فيه بين خلقه.

قال تعالى: تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ أي: لا شك في هذا التنزيل ولا شك في أنه كتاب رب العالمين سبحانه.

وجمهور القراء على عدم المد في اللام، ووجه عند حمزة أنه يمده مداً متوسطاً، فيقول: (لآ ريب فيه). وهذا المد المقصود منه المبالغة في النفي, وكأن مده مبني على حكمة من الحكم، مثل كثير من القراء الذين ينقصون في مد الهمز المنفصل فإذا جاءوا عند كلمة: لا إله إلا الله يمدونها، ليس من أجل المد المنفصل، وإنما مبالغة في التعظيم الله سبحانه تبارك وتعالى، ونفي الشريك عنه سبحانه تبارك وتعالى، وحمزة العادة في المد عنده أنه يمد مداً طويلاً ست حركات، ولكنه هنا يمد مداً متوسطاً على أحد الأوجه عنده، فيقول: (لآ ريب فيه من رب العالمين).

وأيضاً كلمة (فيه) يقرؤها ابن كثير بإشباع كسرة الهاء التي في آخرها، ويقرؤها باقي القراء بالكسر فقط من غير إشباع.

والرب سبحانه هو الخالق المالك المدبر سبحانه تبارك وتعالى، الذي يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد، وهو المشرع الذي يشرع لخلقه. فله الخلق وله الأمر وهو الرب سبحانه تبارك وتعالى.

والفرق بين الإله والرب أن الإله بمعنى: المعبود، والرب بمعنى: الخالق والصانع والفاعل سبحانه تبارك وتعالى. ومقتضى الرب أن يعبد سبحانه تبارك وتعالى؛ لكونه يخلق ويرزق ويفعل أفعالاً يستحق بها أن يعبده الخلق فيؤلهوه. والألوهية مقتضاها عبادة الخلق للرب سبحانه تبارك وتعالى؛ لأنه مستحق لذلك، فالربوبية مقتضاها أفعال من الرب سبحانه من أنه يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويدبر الأمر، وينبني على ذلك أنه يستحق أن يؤلَّه وأن يعبد وحده لا شريك له.

قال تعالى: رَبِّ الْعَالَمِينَ والعالمين: كل ما سوى الله سبحانه تبارك وتعالى، فالإنس عالم، والجن عالم، والدواب عالم، والحشرات عالم، وعالم علوي، وعالم سفلي، فكل واحد منها عالم من العوالم، والله سبحانه هو الرب للجميع، وهو ملك الملوك سبحانه تبارك وتعالى، ورب العالمين.

قال تعالى: تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة:2]. وهذه إذا وقف عليها يعقوب ومثلها الأسماء المجموعة جمع مذكر سالم يقول: العالمينه، بهاء السكت. ومثلها في الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، إذا وقف عليها أبو جعفر ويعقوب فيقرآنها بهاء السكت في آخرها.

وقوله تعالى: تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة:2] يرد على من يقول: إنه سحر أو إفك مفترى أو شعر أو كهانة أو أساطير الأولين، فهو يرد عليهم ويقول: إن هذا كتاب رب العالمين سبحانه.

تفسير قوله تعالى: ( أم يقولون افتراه ... )

قال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [السجدة:3]؟ أم هنا يسمونها بأم الإضرابية المنقطعة، كأنه يقول: أضرب عن هذا، وأنتقل من حديث إلى حديث آخر. فكأنه يقول: إن هذا القرآن نزل من عند رب العالمين، ثم قال: انتظر ننتقل إلى شيء آخر، بل أيقولون: أفترى هذا القرآن؟! فالله عز وجل يخبر عن هذا الكتاب أنه نزل من عنده، ثم بعد ذلك يقول: أهؤلاء الكفار يزعمون أنك افتريت هذا القرآن علينا؟! فأم هنا تقدر ببل وبهمزة الاستفهام بعدها، بل أيقولون افتراه؟ أي: اختلقه وألفه من عنده عليه الصلاة والسلام، وحاشا له.

قال تعالى: بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [السجدة:3]. فالقرآن كلام حق، وهو كلام رب العالمين نزل من عنده. قال تعالى: (بل هو الحق من ربك لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ [السجدة:3]. وتنذر: تعلن مخوفاً. والنذير: المعلن الذي يأتي ليخبر ويهدد ويخوف. وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً، مبشراً أهل التقوى وأهل الطاعة والإيمان بالجنة، ومنذراً ومخوفاً ومهدداً لأهل المعاصي والكفر والشرك بعذاب الله سبحانه. قال تعالى: مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ [السجدة:3]. فمن أيام المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم حوالى ستمائة سنة لم يأت نذير في خلال هذه الفترة. فاندرس دين إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ولم يعلم هؤلاء الكفار عنه شيئاً، فكانوا أهل فترة، فنزل القرآن ليهديهم إلى سبيل الله سبحانه. قال تعالى: لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [السجدة:3].

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة السجدة [1 - 3] للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net