إسلام ويب

ذكر الله تعالى في هذه الآيات بعضاً من قصة بلقيس ملكة سبأ مع سليمان عليه السلام، فلما أن أرسل سليمان الهدهد بالرسالة إليها فقرأتها ثم مدحتها ووصفتها بالكرم، وأنه خطاب لا على عادة أهل التكبر والطيش، بل هو كلام محكم موزون، قليل المبنى، كثير المعنى، ابتدأ بذكر المرسل، ثم الاستعانة بالله، ثم الأمر لها بعدم العلو والتكبر على دين الله ونبيه، وأن تأتي إليه مع قومها مسلمين، وكانت عاقلة ذكية، فاستشارت قومها واستقر الرأي على إرسال هدية إلى سليمان؛ لتعرف بها حاله أهو نبي فيتبع أم ملك فيقاتل؟ وكان مآل هذه الملكة وقومها إلى الإسلام واتباع نبي الله سليمان عليه السلام.

دعوة سليمان لبلقيس وقومها إلى التوحيد

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل: قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:29-31].

يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن قصة بلقيس لما جاءها الهدهد برسالة سليمان عليه الصلاة والسلام، وكيف أنه أرسل الهدهد بهذه الرسالة إليها.

وقد ابتدأ هذه الرسالة بقوله: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30].

وهذا الخطاب الذي أرسله سليمان عليه السلام لـبلقيس كان فيه دعوتها إلى توحيد رب العالمين سبحانه، وأن تأتي مذعنة خاضعة لرسول رب العالمين عليه الصلاة والسلام، فأرسل إليها: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:31]، أي: مستسلمين للرب سبحانه وتعالى، وألا تعبدوا غيره من المعبودات الباطلة.

وقدمنا: أن سليمان عليه الصلاة والسلام كان قد افتقد الهدهد مرة، فلما سأل عن الهدهد ولم يجده، توعده وقال: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [النمل:21] قال تعالى: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ [النمل:22]، يعني: وظهر الهدهد وجاء إلى سليمان عليه السلام وقال: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل:22] يعني: علمت علماً لا تعلمه أنت، وأحطت بخبر في بلاد قريبة منك وأنت لا تعلم عنها شيئاً، وكان سليمان بالشام وهؤلاء باليمن.

فقال: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل:22]، أي: نبأ ليس كذباً، وليس عن طريق أحد غيري، بل أنا الذي رأيت بنفسي، وليس المخبر كالمعاين، فالذي يعاين الخبر ويراه يكون منه على يقين، أما الذي يخبر عنه فليس على مثل يقين المشاهد.

والنبأ معناه: الخبر الذي غاب عن الإنسان، ومنه النبي والنبيء، يعني: الذي ينبأ بأخبار من الغيب لم يكن يعرفها، ولا يعرفها أحد من البشر سواه، فيخبره الله عز وجل بالنبوءة بأخبار الغيب.

والخبر هو: أني وجدت امرأة ملكة على بلاد اليمن، وهي ملكة سبأ، وهذه المرأة لها عرش عظيم، غير أنها تعبد هي وقومها الشمس من دون الله.

وهذه المرأة كانت غنية جداً؛ ولذلك الهدهد يقول لسليمان عليه السلام: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل:23]، يعني: مما يؤتاه البشر، فقد أوتيت أشياء كثيرة مما يؤتاه البشر، وأوتيت غنى عظيماً، ولها عرش عظيم يدل على قدرة من معها على البناء وعلى الصنع وعلى التجميل، وهذا العرش قد انبهر منه الهدهد ووصفه بأنه عرش عظيم.

فلما قال ذلك لسليمان، وأنهم يعبدون غير الله سبحانه قال: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ [النمل:24]، قال الله عز وجل: أو قال سليمان تعقيباً على كلام الهدهد: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النمل:25]، أو قالها الهدهد.

وفي هذه قراءتان:

الأولى: (ألَا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء). بتخفيف اللام في (ألا)

والثانية: (ألَّا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء). بالتشديد.

والمعنى: التحضيض والحسم، هلا سجدوا لله بدلاً من هذه الأشياء الباطلة التي يعبدونها من دون الله سبحانه؟

فلما سمع سليمان عليه الصلاة والسلام من الهدهد ذلك: قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النمل:27] يعني: هل هو يتعلل لأنه غاب وسليمان هدده بأن يذبحه أو يعذبه عذاباً عظيماً، أم هو صادق في كلامه؟

قَالَ سَنَنظُرُ [النمل:27]، يعني: نتحرى، وكأن القرآن هنا يشير إلينا أن الإنسان لا يندفع، وليأتس بهؤلاء الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، فسليمان عليه السلام تهدد وتوعد الهدهد وقال: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [النمل:21].

فإذاً: يجب على الإنسان إذا غضب من شيء أن ينتظر حتى يهدأ وحتى ينظر في الذي عند هذا الآخر من العذر، فإذا أخبره بعذره قبل هذا العذر.

ولذلك قال سليمان عليه الصلاة والسلام: أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [النمل:21] يعني: بعذر بين أو بحجة قاطعة، فجاء الهدهد بهذا الخبر فقال سليمان: قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النمل:27].

ثم قال له: اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ [النمل:28]، فأخذ الهدهد كتاب سليمان، وذهب إليهم، وألقاه إلى هذه الملكة.

فلما رأت الكتاب، وقد علمت أنه لم يأتها به أحد من البشر، أدركت أن هذا الخطاب أتى من فوق، ثم فتحت الخطاب، فقالت: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]، فهذا الخطاب الكريم من سليمان.

ثم قال تعالى: قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كريم [النمل:29]، وكتاب معناه: مكتوب، يعني: رسالة مكتوبة، ومكتوب فيه: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]، فكأنه قدم نفسه، بحيث لو كانت غبية أو متطاولة فشتمت أو سبت كان شتمها وسبها لأول من ذكر، ولا تسب الله تعالى، فلذلك بدأ باسمه هو فقال: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:30-31].

فذكر كلمات قليلة يسيره فيها البدء بالمرسل، ثم ذكر الله الخالق سبحانه ببعض صفاته العظيمة، وفيه التلطف مع هذه المرأة لعلها تستجيب وتدخل في هذا الدين.

ولذلك لما وجدت هذه الصيغة قالت: كِتَابٌ كَرِيمٌ [النمل:29] يعني: لم يبدأ بالشتم والتهديد، ولكن بدأ ببسم الله الرحمن الرحيم.

وقوله: وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]، دال على أن الله هو المعبود سبحانه وتعالى، وكأنه يقول: أنا أكتب كتابي هذا مستعيناً بالله وحده سبحانه الذي هو الإله المألوه الذي يستحق العبادة وحده، كذلك هو الرحمن الذي يرحم عباده في الدنيا وفي الآخرة، وهو الرحيم سبحانه.

فالرحمن صاحب الرحمة التي تعم الخلق جميعهم، والرحيم صاحب الرحمة العظيمة الخاصة بالمؤمنين.

قال سليمان: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ [النمل:31]، وهذا هو مضمون الخطاب: لا تعلوا علي، ولا تستكبروا، ثم قال: وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:31]، أي: مستسلمين لله رب العالمين، طائعين عابدين له لا تعبدون غيره سبحانه.

فلما قرأت على قومها الكتاب، أو أخبرتهم بمضمونه، أظهرت هنا حكمتها، وأنها ليست مندفعة، فلم تندفع في التهديد والوعيد، مع أنه ذكر عنها أنها تملك جيشاً عظيماً جداً، ويكفي في قوتهم ما صرح الله عز وجل به هنا من كلام جنودها وقادتهم لما قالوا: نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ [النمل:33]، فأثبت الله سبحانه وتعالى ذلك، ولم يكذب ما قالوه، فهم أصحاب قوة عظيمة في أبدانهم، وأصحاب قوة عند القتال.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون)

ثم قالت مستشيرة لهؤلاء الأقوام: يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ [النمل:32].

قَالَتْ: (يَا أَيُّهَا المَلَأُ)، ولم تقل: يا أيها الناس! فهي لم تخاطب الجميع، بل خاطبت القواد والوزراء، إذاً: فقد كان لها مجلس شورى مكون من أكابر القوم، وفي استشارتهم دليل على حلمها وعلمها وحكمتها.

فالإنسان الذي لا يستشير إنسان أحمق، وفيه غباء واندفاع وطيش، وهذا يرى أنه وحده الذي يفهم الأمر وغيره لا يستحق أن يفكر، ولا يستحق أن يؤخذ برأيه، أما الإنسان الحكيم فهو الذي يستشير.

ثم قالت: مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا [النمل:32]، يعني: لم أكن منفذة أمراً، ولا سأقضي في هذه القضية بشيء، ولا أفصل برأي من الآراء حتى تشهدوا مجلسي وتسمعوا مني وأسمع منكم، ثم نخرج برأي يتفق عليه الجميع.

وفي قوله تعالى عنها: (حتى تشهدون) قراءتان: قراءة الجمهور: (حتى تشهدون)، فإذا وصلوا فسيكون النون مكسوراً.

أما قراءة يعقوب فبالياء في آخرها: (حتى تشهدوني)، سواء وصل أم وقف.

تفسير قوله تعالى: (قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد ...)

قال تعالى عن قومها: قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ [النمل:33]، يعني: في أبداننا، وعدة الحرب موجودة عندنا.

ونحن وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ [النمل:33]، أي: ومجربون في القتال، ولدينا صلابة وقوة عند القتال.

ثم أظهروا أيضاً التواضع معها فقالوا: وَالأَمْرُ إِلَيْكِ [النمل:33]، يعني: اصنعي ما ترينه مناسباً.

فهي تواضعت وسألت، وهم تواضعوا وقالوا: وَالأَمْرُ إِلَيْكِ [النمل:33]، فردوا الأمر إليها.

قالوا: فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ [النمل:33]، يعني: نحن طوع أمرك.

تفسير قوله تعالى: (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ...)

وهنا أيضاً ظهرت حكمتها وحنكتها وسياستها، وأنها كانت عاقلة، فلم تقل: أنتم عددكم كبير وألوف، فنبعث له جيشاً لتدميره، ولكن قالت لهم حتى تريهم رأيها: افرضوا أننا انهزمنا؟

فسيدخل هذا الملك بمن معه بلادنا فيدمرها ويذل سادة القوم؛ ولذلك قالت: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا [النمل:34].

وهذا حاصل في غير جند الإسلام، فإنهم يدخلون القرى ليعمروها، وهم ممنوعون من التخريب والإفساد، وإنما يدعونهم إلى توحيد رب العالمين سبحانه وتعالى.

فجهاد المسلمين ليس لتخريب الديار، بل لإعمار البلاد، ولإعمار قلوب العباد، ولإدخال العباد في عبادة الله بدلاً من عبادة العباد من دون الله رب العالمين.

فالإسلام يأمر المقاتلين أن إذا أتيتم قرية فلا تبدأوا بالقتال، ولكن ابدأوا بدعوة هؤلاء إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فإن أطاعوا لذلك فكفوا عنهم، واجعلوا حاكمهم منهم، بشرط أن يحكمهم بشرع الله سبحانه وتعالى.

فهذا الدين جاء ليحكم العباد لا بشريعة العباد، أو شريعة الغاب، ولكن بشرع رب العالمين سبحانه.

وفي هذا الدين: أن الناس سواسية كأسنان المشط، فخيرهم عند الله أتقاهم، وأقربهم إلى الله المؤمن التقي، إذاً: فإذا فتح الإسلام أرضاً حكمها بالعدل.

وقد عرفت اليهود ذلك، فلما ذهب إليهم عبد الله بن رواحه رضي الله عنه يخرص أرض خيبر، أرادوا أن يدفعوا له رشوة من أجل أن يخرص بالظلم، فقال: والله إنكم لأبغض الخلق إلي، ولا يمنعني ذلك من أن أعدل بينكم فيما أرسلني فيه النبي صلى الله عليه وسلم.

فقال اليهود: بهذا قامت السموات والأرض، يعني: بالعدل الذي أنتم عليه قامت السموات والأرض.

فدين الإسلام دين العدالة، فإذا فتح البلاد عدل بين أهلها، لكن أي ملك من الملوك إذا فتح أرضاً خرب فيها، فسجن أهلها، وجعل أعزة الناس فيها أذل الناس وأحطهم.

والناظر في أحوال البلاد يرى كيف يصنع الكفار مع الناس إذا أخذوا بلادهم، وكيف يذلون أهلها، وكيف يخرجون أوضع الناس فيجعلونه الرفيع فيهم، والرئيس عليهم، ويأخذون أعلى الناس فيجعلونهم تحت التراب، ولا يهمهم ما الذي يصنعونه، فيبيحون البلاد، ويغتصبون النساء، ويدمرون البلاد، ويقولون: إن الوقت وقت حرب نفعل فيه ما نشاء لأننا الغالبون، فلا حساب علينا، ولا محاكمة لنا، فالقانون قانون الغاب، القوي الغالب يفعل ما يشاء بالضعفاء، ولا يقدر أحد أن ينكر، وهذه شريعة الغاب المعروفة منذ القدم.

ولذلك أرسل الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدين العظيم، فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90]، أي: يأمرك أن تعدل، وأن تحسن، وأن تؤتي ذوي القربى حقهم، ثم قال: وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل:90]، أي: وينهى عن المنكر، والظلم، وأن يبغي بعضكم على بعض.

وقد سمع هذه الآية الوليد بن المغيرة ، فقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر.

قالت الملكة هنا: وهذا إما أن يكون قولاً لها، وإما أنه تعقيب من رب العزة سبحانه، وفعلاً يحدث هذا الشيء، وكذلك يفعل الملوك، إلا من رحم الله وجعله على شريعة الإسلام يحكم بين الناس بالعدل.

وقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم كيف دخل مكة حين فتحها، ومعه جيش جرار أرعب أهل مكة، فلما فتحها ولاذ الناس ببيوتهم أرسل منادياً ينادي: (من دخل الحرم فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن)، فأمن الناس صلوات الله وسلامه عليه، ولما قال بعض من معه في جيشه: اليوم يوم الملحمة -يعني: يوم القتال- فأرسل ينفي ذلك، ويقول: (بل اليوم يوم المرحمة) أي: يوم الرحمة.

ثم جمع أهل مكة وقال لهم: (ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم)، وهم الذين قتلوا عمه حمزة رضي الله تبارك وتعالى عنه، ومثلوا بجثته، وقتلوا مصعباً وغيره من المسلمين، وهم الذين شجوا وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وكسروا المغفر أو البيضة على رأسه، وأرادوا قتله، ومع ذلك يقول لهم صلى الله عليه وسلم: ما تظنون أني فاعل بكم؟)، قالوا: (أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء).

ولما قال بعض أصحابه: (اليوم يستباح الحرم، قال: لا، اليوم يعظم الحرم).

وبدأت بلقيس بهذا القول: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا [النمل:34]؛ من أجل ألا يشهد عليها الملأ بالقتال، فاستحثت عقولهم: أن فكروا قبل أن تفعلوا شيئاً، فلو دخل الملوك عليكم وهزموكم دمروا قراكم وبلدكم.

وفي هذه الآية مبدأ الشورى الذي أمرنا الله عز وجل به، حين قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159]، فأمره سبحانه أن يشاور المؤمنين، ومن هذا الذي من المؤمنين رأيه أرجح من رأي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المؤيد بالوحي من السماء.

ولكن مهما كان الأمر فسنة رب العالمين في خلقه الشورى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159].

فالإنسان الذي يحكم هو واحد، ورأيه رأي واحد، ولكن إذا استمع إلى مجموعة أضاف عقولهم إلى عقله، ولذلك كان العاقل هو الذي يستشير، وقد قال الله عز وجل يمدح المؤمنين بما فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]، فهو يشاور المؤمنين ويعمل بما نتج عن الشورى من رأي، وقد يخطئون، ومع ذلك يأخذ برأيهم صلوات الله وسلامه عليه.

ففي يوم أحد كان رأي النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لا يخرج من المدينة، وقد رأى رؤيا تؤيد ما قاله صلى الله عليه وسلم، فقد رأى أن المدينة حصن عظيم، ولكن أكثر المؤمنين كان رأيهم أن يخرجوا لقتال المشركين، فنزل على رأيهم صلوات الله وسلامه عليه، واستجاب لهم، ولبس لأمة القتال، فلما وجدوا أنهم فرضوا عليه شيئاً خلاف رأيه تراجعوا، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ننزل عن رأيك، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمة القتال أن ينزعها حتى يقاتل)، فلما خرجوا إلى ساحة الحرب نزل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه منازلهم، وأمر الرماة ألا يفارقوا موضعهم، ولكنهم لما عصوا النبي صلى الله عليه وسلم حاقت بهم الهزيمة بعد ذلك.

وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمشورة القوم في مواطن كثيرة، وكان يقول يوم بدر: (أشيروا علي أيها الناس!)، فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه: (يا رسول الله! لعلك تعنينا - أي: الأنصار-؟ قال: نعم، قالوا: يا رسول الله! سر أينما شئت، ووال من شئت، وعاد من شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، فوالله لو خضت بنا برك الغماد لخضناه معك).

يعني: نخوض هذا البحر حتى نصل إلى المكان الذي تريده. واستشارهم في يوم أحد، واستشارهم في غير ذلك.

بل استشارهم في أمر يخصه صلى الله عليه وسلم حين تكلم الملعون عبد الله بن أبي بن سلول بحديث الإفك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أشيروا علي يا قوم!) أي: في هذا الأمر، فلما استشارهم صلوات الله وسلامه عليه حدث بين الناس كلام، وكاد أن يقوم بعضهم إلى بعض، فأسكتهم النبي صلى الله عليه وسلم ورجع إلى بيته.

والغرض مما ذكر: أن يعلم أن مبدأ الشورى مبدأ عظيم، فلا يخيب أبداً إنسان يستشير، بل الذي يتهور ويندفع هو الأحرى بالخسران والخيبة.

فالمرأة كانت عاقلة وذكية؛ ولذلك استشارت من معها؛ حتى يعرفوا منزلتهم عندها، ثم بعد ذلك ألقت بالنصيحة: أن الحرب سجال، فقد ننتصر، ولكن الهزيمة واردة، فلو حصلت الهزيمة فسيدخلون بلادنا، وهذا الذي أرسل هدهداً برسالة، معناه: أن معه جنوداً كثيرين، فاحتمال الهزيمة كبير.

تفسير قوله تعالى: (وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون)

ثم قالت بعد ذلك: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ [النمل:35]، أي: سنختبر هذا الذي أرسل الرسالة، هل هو نبي من الأنبياء أم أنه ملك ملك من الملوك؟ فلو كان ملكاً فسيقبل الهدية، ونتعامل معه بناءً على ذلك، أما لو كان نبياً فلن يقبل هذه الهدية، وهذا الذي حدث.

ثم قالت: فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [النمل:35] أي: بالذي سيرجع به المرسلون الذين سنبعثهم.

فإذاً: ستبعث هدية ليس مع واحد؛ لأنها تقول: (بم يرجع المرسلون)، وهنا لم تقل: الرسل، ولكن قالت: الْمُرْسَلُونَ [النمل:35]، فكأن العدد ضخم؛ ولذلك ذكرت جمع المذكر السالم هنا.

فإذاً: هي اختارت هدية عظيمة جداً، وأرسلتها لسليمان عليه السلام مع مجموعة كبيرة من الناس.

أما تفصيل ما في الهدية فلم يهتم القرآن بذلك، وما الذي أرسلته إليه، هل أرسلت إليه غلمان، أم أرسلت إليه وصائف، أم أرسلت إليه ذهباً وفضة؟ أياً كان ذلك فقد أغناه الله عز وجل وأعطاه فوق ذلك، ويكفي أنه نبي، فالنبي لا طمع له في الدنيا أصلاً.

فعلى ذلك لا يعنينا ما هي هذه الهدية التي أرسلتها إليه، ولكن من الواضح أنها هدية عظيمة.

ثم ذهبوا بهذه الهدية إلى سليمان عليه الصلاة والسلام، وهي قالت: فَنَاظِرَةٌ [النمل:35] يعني: سأنظر ما الذي سيعمل بها، وبناء على ذلك سنتعامل معه، فإن كان طماعاً فليس برسول، فسنتعامل معه بمنطق القوة، ونرسل إليه جنودنا الأقوياء.

لكن لو رد الهدية، فهذا يعني أنه رجل عظيم قوي، وأنه يحتقر هذه الهدية، فالغالب سيكون نبياً من الأنبياء، ولا طاقة لنا به.

تفسير قوله تعالى: (فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال ...)

قال الله عز وجل: فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ [النمل:36]، أي: لما أتوا إلى سليمان بهذه الهدية، أو جاءه رسول هذه الملكة، وقال: قد جئت ومعي هدية من هؤلاء.

فقال سليمان مباشرة يرد عليهم: أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ [النمل:36]، يعني: تدفعون لي رشوة على أمر الله عز وجل، وما أرسلت إليكم إلا لتسلموا لله رب العالمين، فتدفعون لي مالاً حتى أترككم على كفركم وشرككم، قال: فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ [النمل:36].

القراءات في قوله تعالى: أتمدونن بمال

وفي قوله تعالى: (أتمدوننِ بمال) ثلاث قراءات: قراءة الجمهور: بكسر النون ( أتمدوننِ).

وقراءة نافع وأبي جعفر وأبي عمرو : (أتمدونني بمال)، فإذا وصلوا نطقوا بالياء، وإذا وقفوا حذفوا الياء، فالوقف: (أتمدوننِ) كالجمهور، والوصل (أتمدونني بمال).

وقراءة ابن كثير بالياء في الحالين: (أتمدونني بمال)، سواء وقف أو واصل.

القراءات في قوله تعالى: (فما آتاني الله)

وفي قوله تعالى: فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ [النمل:36] ثلاث قراءات:

قراءة يعقوب وحمزة : (أتمدو~نِّي بمال) بمد طويل فيها وإدغام.

وقراءة نافع وأبي جعفر وأبي عمرو وحفص أيضاً ورويس (فما آتانيَ الله خير مما آتاكم)، فإذا وقفوا فسيكون الوقف بالنون فقط.

ويقرأها أبو جعفر وورش في روايته عن نافع (فما آتان) في الوقف كما ذكرنا، والباقون يقرءون: (فما آتانِ الله خير مما آتاكم) وصلاً ووقفاً.

ثم قال تعالى: خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ [النمل:36]، أي: الذي أعطاني الله تعالى من النبوة ومن الملك خير من هذا المال الذي أتيتم به.

قال تعالى: بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ [النمل:36]، يعني: أنتم تظنون أن هذه الهدية لها قيمة عظيمة، فمثلكم يفرح بها، أما أنا فلا أفرح بمثل هذه الهدية، فقد آتاني الله عز وجل النبوة، وآتاني الملك، والمال العظيم.

والعادة في بني البشر: أن الإنسان كلما كان غنياً كلما كانت له مطامع، وازداد نهماً وحرصاً على المال، وخاصة لماذا كانت هدية عظيمة من ذهب أو فضة ونحوهما، ولكن هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام قد عصمه الله من ذلك.

ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب مال أو وطالب دنيا) فطالب العلم لا يشبع من طلب العلم، وطالب الدنيا لا يشبع من طلب المال وطلب الدنيا.

فلما رد هذه الهدية علمت أنه نبي، فهي امرأة كافرة، وهو لا يقبل هدية الكفار.

وجاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، أنه لم يقبل هدايا المشركين، وجاء عنه أنه قبلها.

ففي الحديث الذي رواه أبو داود ورواه الترمذي عن عياض بن حمار : (أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية، أو ناقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: أسلمت؟ فقال: لا، قال: فإني نهيت عن زبد المشركين)، والزبد: العطاء والرفد والمنحة والهدية، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهي عن ذلك.

وفي حديث آخر: (أن عامر بن مالك -الذي يوصف أو يلقب بملاعب الأسنة- قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك، فأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لا أقبل هدية المشركين).

وفي حديث آخر: أن أم أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، واسمها: قتيلة بنت عبد العزى قدمت على ابنتها أسماء بهدايا، وهي عبارة عن ضباب وأقط وسمن، وكانت أسماء مسلمة وأمها كافرة، وأم أسماء التي هي قتيلة كانت كافرة وهي غير أم عائشة رضي الله عنها التي هي أم رومان فقد كانت مسلمة، فقدمت عليها في وقت الهدنة التي بين الحديبية وبين فتح مكة بذلك، فسألت أسماء النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أمي قدمت وهي راغبة)، يعني: راغبة في الصلة، فتوصلني وأصلها.

فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلي أمك، وأمرها أن تقبل هدية أمها).

وبناء على ذلك اختلف العلماء في هدية المشرك: فبعض العلماء منعوا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني نهيت عن زبد المشركين)، ولرده صلى الله عليه وسلم هدايا المشركين.

والبعض الآخر أجازوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء أن تقبل هدية أمها، وأيضاً قد طلب من سهيل بن عمرو أن يرسل إليه هدية من ماء زمزم.

فأرسل إليه سهيل هدية من ماء زمزم، وأرسل له هدايا معها، فقبلها منه النبي صلى الله عليه وسلم.

وبعض العلماء فصل فقال: إذا كانت هذه الهدايا كنوع من جعل الإنسان المسلم يوافقهم على ما هم فيه ويواطئهم، فتكون مداهنة، فلا تقبل هذه الهدية.

أما إذا كان قبول الهدية فيه تأليف لصاحبها، رجاء أن يسلم بعد ذلك، فيجوز عندها قبول هدية المشرك.

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تهادوا تحابوا) فالهدية تجلب المحبة؛ لذلك أمر المؤمنين أن يتهادوا فيما بينهم، ورفض هدية المشركين للعلة نفسها.

إذاً: إذا أهدى المشرك هدية للمسلم ووجد نوع من أنواع المودة، بحيث تنقلب المودة إلى محبة بين المسلمين والمشركين، ثم تنقلب موالاة بعد ذلك، بحيث إذا فصل القتال بين المسلمين والمشركين لا يرضى المسلم أن يقاتله؛ لأنه أهدى له هدية قبل ذلك؛ فهذا لا يجوز بحال من الأحوال؛ وذلك ولذلك رفض النبي صلى الله عليه وسلم هدايا المشركين إلا أن يتألفهم بقبولها حتى يدخلوا في دين الله تبارك وتعالى.

ولذلك لما جاءت الهدية لسليمان، قال: فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ [النمل:36]، يعني: تفرحون من أجل أن تقولوا: نحن بعثنا لسليمان هدية قوامها كذا وكذا، فتفرحون بذلك، ثم تفتخرون.

تفسير قوله تعالى: (ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ...)

قال: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا [النمل:37] أي: من بلدهم، أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ [النمل:37].

فإذاً: ما قالته الملكة صحيح وهو قولها: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً [النمل:34]، فهي بنظرها أن هذا إفساد، ولكن في نظر سليمان ليس إفساداً؛ لكونهم كفاراً يعبدون الشمس من دون الله، فيستحقون أن يقاتلوا حتى يسلموا أو يقتلوا.

فقال: وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ [النمل:37]، فالجواب كان حاسماً شديداً، ولذلك المرأة فهمت ذلك، وقالت: سأذهب إليه بنفسي، خوفاً منه صلوات الله وسلامه عليه.

فقال سليمان عليه الصلاة والسلام: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها [النمل:37]، أي: لا طاقة لهم بها، وجنود سيلمان من الجن ومن الإنس ومن الطير، فلا أحد يقدر على هؤلاء إلا رب العالمين سبحانه، فلذلك قال ببرود: لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ [النمل:37]، وهذا أسلوب قسم، أي: أقسم أننا سنخرجكم من هذه الديار طالما أنتم على شرككم أذلة وأنتم صاغرون.

ولذلك كانت المرأة ذكية، فطالما أن سليمان عليه السلام قد حلف أنه سيخرجنا، فسنخرج نحن باختيارنا، ونذهب إليه بدلاً من أن يأتي إلينا فيدمر علينا هذه البلدة.

قال سليمان عليه الصلاة والسلام: وَهُمْ صَاغِرُونَ [النمل:37]، أي: مهانون أذلة.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين)

ثم قال لجنوده: يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:38]، فكأن سليمان عليه الصلاة والسلام جاءه من يخبره بمجيئهم، إما عن طريق الوحي أو عن طريق جنوده من الجن أو من الطير، فكأنه قال: ما داموا جاءوا إلينا فسنريهم ما نحن فيه من ملك حتى يحتقروا ملكهم الذي أطمعهم في الدنيا، ودفعهم أن يعبدوا غير الله سبحانه.

وكذلك ليحتقروا هذه الهدية التي أرسلوها، ثم يرجعوا إلى صوابهم، فيعبدوا الله سبحانه وتعالى، فدبر تدبيراً عظيماً حتى يريهم ملكاً لم يروا مثله قبل ذلك أبداً، ولن يروا مثله بعد ذلك أبداً، وهو ما ذكر الله عز وجل هنا من الصرح الممرد من قوارير.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة النمل [29 - 38] للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net