إسلام ويب

من رحمة الله عز وجل أن جعل بابه مفتوحاً لكل محتاج، فمن دعاه أجابه، ومن سأله من فضله أعطاه، ومن رحمته سبحانه أن هدى الإنسان في ظلمات البر والبحر حتى لا يتيه في هذه الأرض الواسعة، وأنزل له من السماء ماءً جعل فيه رزقه، ومع ذلك فإن الإنسان قد يعبد مع ربه غيره، فتعالى الله عما يشركون.

مجيب دعوة المضطر

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة النمل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:62-63].

في هذه الآيات -كما ذكرنا قبل- يخبر الله سبحانه وتعالى فيها عن آياته، وعما خلق سبحانه وتعالى من خلقه، مما يراه كل ذي عينين، وكل من له عقل يفهم ويعرف أن هذه الأشياء لم تخلق سدى، وإنما خلقها الله عز وجل ليتفكر الخلق فيها، ففي خلق السماوات والأرض وما يأكله الإنسان آيات من آيات الله سبحانه.

فهنا يذكر الله عز وجل عباده بقوله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، أي: من الذي يجيبكم إذا اضطررتم، أو أصابكم الضر ولم تجدوا أحداً يجيركم أو يغيثكم؟ حينئذ تلجئون إلى الله، فتقولون: يا رب! وتجأرون إليه بالدعاء، فيستجيب لكم، يقول الله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: المضطر: هو ذو الضرورة المجهود، أي: الإنسان الذي حاقت به مصيبة من المصائب، ووجد نفسه مضطراً يكاد يهلك ويضيع، فيجأر بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى وهو مجهود مكدود متعب لا يجد ملجأً له إلا عند الله سبحانه فيسأله حاجته، ويقول السدي : هو الذي لا حول له ولا قوة، أي: لا حيلة له ولا قدرة، بل وقف عاجزاً لا يقدر أن يدفع عن نفسه، فيقول: يا رب! ويلجأ إلى الله فيعطيه.

ويقول أبو جعفر وأبو عثمان النيسابوري : هو المفلس، وكله داخل تحت هذا المعنى، فإذا صار الإنسان معدماً لا شيء معه، محتاجاً إلى طعام وشراب ونفقه، والكل يطالبونه بما عليه لهم، وهو لا يجده، فيقول: يا رب! ويطلب من الله سبحانه، ويحسن اللجوء إليه، فالله يعطيه، يقول ذو النون: هو الذي قطع العلائق عما دون الله، أي: وجد أنه لا يوجد أي رابطة بينه وبين أحد، فلا أحد ينفعه، فصار وحيداً لا وسيلة ولا علائق بينه وبين أحد، فإذا به يلجأ إلى الله، فيعطيه الله سبحانه وتعالى.

ويقول سهل بن عبد الله : هو الذي إذا رفع يديه إلى الله داعياً لم تكن له وسيلة من طاعة قدمها، أي: وجد نفسه مضطراً لم يكن له قبل ذلك ما ينفعه، فقد كان عاصياً لله سبحانه، وفجأة اضطر ووجد نفسه محتاجاً إلى من يغيثه، وانقطع عنه الخلق، واستحيا من نفسه أنه لم يكن له طاعة قبل ذلك، فرفع يديه إلى الله خجلاً من نفسه، وقال: يا رب! فإذا بالله يعطي هذا المضطر الذي لجأ إليه سبحانه.

جاء رجل إلى مالك بن دينار فقال: أسألك بالله -يقسم عليه- أن تدعو لي لأني مضطر، وكان مالك بن دينار أحد الصالحين رضي الله عنه -فقال له: طالما أنت مضطر فاسأل الله سبحانه- فإنه الذي يجيب المضطر إذا دعاه.

فالإنسان يدعو ربه ويكثر من الدعاء، والله سبحانه يستحيي أن يرفع العبد يديه إليه سبحانه مستغيثاً به ثم يردهما صفراً بدون شيء، فإن الله أكرم من ذلك سبحانه.

تفسير قوله تعالى: (ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) وبيان حكمة الله من خلق الموت

قوله تعالى: يَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62]، السوء: هو كل ما يسوء الإنسان، كالضرر الذي ينزل به، فإذا به لا يقدر على كشفه، فيساء منه أو يسوؤه ذلك، فالذي يكشف عنه ما نزل به هو الله سبحانه وتعالى.

وقوله تعالى: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ [النمل:62]، معناه: أن الذي يجعلكم خلفاء هو الله، أي: يستخلفكم في الأرض، بأن يجعل بعضكم وراء الآخر خليفة له، بحيث يذهب إنسان ويخلف الله غيره، ويذهب هؤلاء ويأتي بخلفاء غيرهم، ومعنى الخليفة كما يقول الله عز وجل للملائكة: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، أي: خلفاء يخلف بعضهم بعضاً، ومن نعم الله سبحانه وتعالى التي من بها على العباد: الموت، ولذا يقول الله تعالى: قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ [الجاثية:26]، فلو ترك الله عز وجل عبده حياً وعاش مائة سنة ومائتين وألف سنة، كما عمر نوح، فلن تكون له قوة ولا قدرة، ولن يعير عقله كاملاً مكتملاً يرى ويفهم ويعي ما حوله؛ فكلما تقدمت به السنون رد إلى أرذل العمر ونسي وجهل وساء خلقه وقلل من طاعة ربه وصار ضعيفاً، فبعد أن كان يصلي قائماً صلى قاعداً، وبعد أن كان يكثر من الصلاة قلت صلاته، وأصابته الأمراض فإذا به لا يقدر على شيء، قال الله عز وجل: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [النحل:70]، وهو العمر الرذيل الذي لا يعلم فيه الإنسان بعد علم شيئاً، فبعد أن كان عالماً يعرف، إذا به لا يعرف شيئاً، وكم رأينا ممن ردوا إلى أرذل العمر لا يجدون شيئاً ولا يقدرون حتى على الصلاة، وإذا جلس أحدهم ليصلي سرح في صلاته واحتاج إلى من يذكره: أنت في الركعة الأولى أو في الثانية وهكذا، وقد يدخل في صلاته ثم ينام وهو فيها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله عز وجل من أن يرد إلى أرذل العمر، فكان يقول: (أعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر)، وعندما يصير الإنسان إلى أرذل العمر يكون عند الناس مكروهاً بغيضاً لا يحبونه، وقد ينفر منه الأقربون، فكيف يكون حال إنسان كانت الدنيا في يوم من الأيام تتكلم عنه، واليوم لا يطيق أحد مجالسته أو التكلم معه!

الأمريكي السابق أصيب الآن بمرض أنساه كل من حوله، وأنساه نفسه بعد أن كان الحرس حوله يحرسونه في كل مكان، وبعد أن كان يتعالى على الناس ويترفع عليهم، أصبحوا الآن يحرسونه ليمنعوا عن الناس شره؛ لأنه لا يعرف من حوله، وقد كان في يوم من الأيام رئيساً لأمريكا التي تعد أقوى دولة في العالم، وكان الناس ينظرون إليه أنه شيء كبير، لكنه الآن في مصحة في قصر عظيم، داخل غرفة مغلقة، لا يختلط بأحد وعندما يعود إليه عقله يجلس وينظر قليلاً من النافذة وهكذا، فالله عز وجل جعل بني الإنسان خلفاء في الأرض يخلف بعضهم بعضاً، وأراح بعضهم من بعض بالموت، بعد أن يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

والموت خير للإنسان المؤمن؛ لأنه إذا مات ابتعد عن الفتن، وصار إلى رحمة رب العالمين سبحانه وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ [القصص:60]، فإذا قارنا بين الدنيا والآخرة كان الأفضل للإنسان ما عند الله، ولذلك ما قبض الله نبياً إلا وخيره، فلما جاءت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم خير بين الدنيا والآخرة، فاختار ما عند الله سبحانه، وقال: (بل الرفيق الأعلى)، أي: أنه طلب الرفيق الأعلى ولم يطلب الدنيا صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى [القصص:60].

وكما أن الموت خير للمؤمن من أن يرد إلى أرذل العمر، فهو خير للكافر أيضاً، قال الله سبحانه: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [آل عمران:178]، فكلما عمر الكافر ازداد إثماً، حتى يتوفى على ذلك، ولذلك كان الموت خيراً له من أن يعيش ويزداد إثماً.

وليس معنى أن الله عز وجل جعل العباد خلفاء في الأرض: أنهم ملوك، إذ ليس كل الناس ملوكاً في الأرض، إنما يكون الملك منهم واحداً، والباقون كلهم رعية، فمعنى جعل الله الناس خلفاء أي: يخلف بعضهم بعضاً، ولو أن الله عز وجل ترك للناس العمر الطويل، وترك لهم عقولهم، وترك فيهم قوتهم أعماراً طويلة، فسيصبح الملك طول عمره ملكاً، ويظل على ذلك مائة سنة ومائتين، وسوف يكرهه الناس، وهو مع ذلك والناس يكرهوه يظل ملكاً عليهم، إذاً: أليس من رحمة رب العالمين سبحانه أنه لم يطل في عمر هذا الإنسان، بل جعل عمره قصيراً، ثم أخذه برحمته؟ فمن رحمته سبحانه وتعالى أنه لا يديم للظالم ملكه، ولا يبقيه في مكانه، ولكن يأخذه سبحانه ويأتي بغيره.

وهكذا فكل إنسان كان رئيساً على قومه ووالٍ عليهم، لو أن الله أطال في عمره وأبقاه في مكانه، فلن يرتقي إلى ذلك المكان الذي هو فيه أحد، وكلما ولد مولود فهو من الرعية الذين لا يملكون شيئاً ولا يقدرون على شيء، ولكن من الله عز وجل على العباد بنعمة الموت، فيقبض هؤلاء، وكل غيرهم محلهم؛ لعلهم يصلحون ويعتبرون فيكونون أحسن ممن كانوا قبلهم.

إذاً: فالله سبحانه يمن على العباد في هذه الآيات ويقول: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ [النمل:62]، فهو يسألهم سؤالاً فيه إنكار على من يعبدون غير الله سبحانه، وفيه تقرير لوحدانيته سبحانه، وأنه مستحق وحده للعبادة دون غيره.

والجواب على هذه الأسئلة: أن الله سبحانه هو الذي يفعل ذلك دون غيره.

قال الله تعالى: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:60]، يستحق العبادة وقد أعطاكم هذه النعم سبحانه وتعالى فهو يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ [النمل:62]، والجواب: لا إله إلا الله ولا يستحق العبادة إلا الله، وحده الذي أعطانا هذه النعم العظيمة.

معنى قوله تعالى: ( قليلاً ما تذكرون )

قال الله عز وجل: قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62]، أي: أن الإنسان كثير النسيان، فهو مشتق من اسمه، فقد سمي إنساناً لكثرة نسيانه، وكثير من الناس ينسون ربهم سبحانه، وفضله، ويجحدون نعمه، قال الله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6]. وفي قوله تعالى: قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62]، ثلاث قراءات: (قليلاً ما تذَّكِّرون)، (قليلاً ما يَذَّكرون)، والمعنى في الجميع: أن الإنسان كثير النسيان يغفل عن عبادة الله سبحانه، ويتغافل عن النعم ولا يشكر ربه سبحانه عليها، ففي كل يوم يدعو ربه، وبعد أن يستجيب له ينسى الله سبحانه وتعالى.

فبعض الناس يكون رئيسه في عمله ظالماً، فيدعو عليه بالهلاك، فلما أزاح الله عز وجل عنه الظلم، وصار في مكان رئيسه، إذا به يظلم الناس، ونسي كم دعا الله عز وجل على هذا الذي ظلمه، وإذا به يقول: هذه هي طبيعة العمل، وكما كان يقول الذي قبله يقول الذي بعده، فالإنسان فيه ظلم ونسيان.

إذاً: فقوله تعالى: قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62]، هذه قراءة حفص عن عاصم ، وقراءة حمزة ، والكسائي ، وخلف ، ويقرؤها أبو عمرو ، وهشام ، وروح عن يعقوب : (قليلاً ما يذِّكرون)، ويقرؤها باقي القراء: (قليلاً ما تذَّكَّرون)، هذه ثلاث قراءات، والمعنى واحد.

الهادي في ظلمات البر والبحر

قال الله تعالى: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:63] أي: من الذي يهديكم؟ ولا يعرف هذه النعمة العظيمة إلا من تاه وضل الطريق، فقد يدخل بسيارته الصحراء، ثم يتوه ولا يعرف طريق العودة، فينظر يميناً وشمالاً، ويقول: يا رب يا رب، فيدله الله عز وجل بمطلع الشمس على المشرق، وبغروبها على المغرب، وبالنظر في النجوم يعرف الشمال من الجنوب، وهكذا يستدل بأشياء خلقها الله عز وجل فيعرف طريقه، وقد يرسل الله إليه من يدله، كأن يجد إنساناً أمامه، فيسأله فيدله على طريق النجاة، بعد أن ضل يوماً أو يومين في هذا المكان، فمن الذي هداه ودله على هذا الذي دله على الطريق؟ إنه الله سبحانه وتعالى.

وقوله تعالى: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [النمل:63]، في الظلام الدامس، فقد يكون الإنسان في البحر يقود سفينة وفجأة لا يعرف أين يذهب، والله سبحانه وتعالى ينير بالقمر مكاناً؛ حتى يعرف هذا الإنسان طريقه، أو ربما تتعطل السفينة في البحر، وتتوقف أجهزتها عن العمل، والنور ينطفئ ولا يستطيع من في السفينة أن يرو شيئاً، وإذا بالله يلهمهم كيف يصلحون العيب الذي فيها، ويضيء لهم ربهم سبحانه وتعالى بعد ظلمة شديدة، وإذا بهم يتناسون ربهم الذي دعوه قبل ذلك.

فقوله: يهديكم، أي: بالدلالات على المشرق والمغرب، والشمال والجنوب،فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [النمل:63].

بشرى الرياح بالمطر

قال الله تعالى: وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [النمل:63]، أي: أن الإنسان إذا كان في غاية الحر فإن الله يرسل رياحاً ترطب ما هو فيه، وإذا به في الشتاء ينتظر المطر ولا مطر، وفجأة تهب الرياح فينتظر البشارة من الله؛ لأن الرياح ما دامت شديدة فستسوق السحاب، وتنزل ماء على الناس، إذاً: فالله عز وجل يرسل الرياح بشارة للخلق بهطول المطر.

و(يرسل الريح)، هذه قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف ، وفي القرآن كلمة: (الرياح) و(الريح)، ومن فرق بين الكلمتين فقال: إن الرياح للخير، والريح للشر فقد أخطأ فيها؛ لأنه لم يطلع على القراءات التي في كل القرآن، والتي فيها: (الرياح) و(الريح)، فقوله: إن الريح تأتي في الشر، والرياح تأتي في الخير بناء على أنه اطلع على قراءة واحدة فقط، وهي قراءة حفص عن عاصم ، ولم يطلع على قراءة أبي جعفر الذي يقرأ: (الرياح) بالجمع في كل القرآن، فإذا جاءت الريح قرأها: الرياح، وهي قراءة متواترة، فالصواب: أن الريح والرياح يأتيان بالخير ويأتيان بغير ذلك.

وكلمة: (بشراً) يقرؤها بالباء عاصم فقط، ويقرؤها نافع وأبو جعفر المدنيان وابن كثير المكي، والبصريان أبو عمرو ويعقوب : (نُشُرَاً بين يدي رحمته)، بضمتين، ويقرؤها ابن عامر (نُشْراً بين يدي رحمته).

ويقرأها حمزة والكسائي وخلف الكوفيون: (نَشْرَاً بين يدي رحمته)، والنشر: من النشور، وكأنه هنا نشر الشيء بمعنى: أحياه، فيرسل الله سبحانه وتعالى الرياح لتنشر رحمة رب العالمين سبحانه وتعالى، وتنزل الأمطار فيحيي بها الأرض بعد موتها، أي: ينبت الأرض، فنشرها بمعنى: رفعها وأحياها بعدما أماتها، وأغاث عباده بهذا الماء الذي نزل من السماء، وبُشْرًا [النمل:63]، من البشارة أي: أنه يفرح عباده بذلك، فالآية عندما تقرأ بقراءتين كأن لها معنيين، وكل قراءة لها حكم من الأحكام، فهنا أرسل الله عز وجل الرياح للبشارة، وأيضاً للنشور؛ لتنشر وترفع وتحيي بفضل الله عز وجل ما أمات من نبات بإنزال المطر من السماء.

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة النمل [62 - 63] للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net