إسلام ويب

يخبر الله عز وجل عن عدله المتمثل في مجازاة المحسن بأضعاف عمله، ومعاقبة المسيء بما يستحق من العذاب على قدر إساءته، فالله عالم بخفايا الأمور، وسيحاسب الإنسان يوم القيامة بما خفي وما ظهر من أعماله.

تفسير قوله تعالى: ( من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ...)

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة فصلت: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ * وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ * لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ [فصلت:46-49].

يخبرنا ربنا سبحانه وتعالى في هذه الآيات الكريمة أن كل إنسان يعمل شيئاً فهو مجزي به، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ [فصلت:46] أي: لنفسه يكون الجزاء الحسن من عند الله سبحانه تبارك وتعالى، وقد عمل وهو المستفيد، وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت:46] أي: فقد اجتلب الإثم والعذاب من الله سبحانه على نفسه، فهو المستحق لذلك بفعله، والله عز وجل لا يظلم أحداً، قال سبحانه: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، فهو يجزي عن الحسنة بعشر أمثالها، ويضاعف لمن يشاء أضعافاً عظيمة كثيرة، وعلى السيئة بمثلها، وقد يعفو ويتجاوز سبحانه تبارك وتعالى، فالله لا يظلم أحداً شيئاً.

وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، وهنا مقام العبودية ومقام العبد بين يدي سيده أنه يستجيب لربه وينفذ ما يؤمر به، وأنه لا يعصيه، وأنه لا يبعد عن سيده، فإذا فعل ذلك استحق عقوبة الله وهو الذي ظلم نفسه، والإنسان هو الذي يظلم نفسه، فالله لا يظلم أحداً.

وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، فالغرض منها أن كل إنسان يؤمل رحمة الله فليعمل صالحاً، فإذا عمل صالحاً استحق رحمة الله واستحق الجزاء الحسن، وكل إنسان يخاف من عذاب الله فليحسن ولا يسيء، قال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ [فصلت:50] فإذا عصى العبد ربه سبحانه، فهو الذي جلب على نفسه الويل والعذاب فلا يظلم ربك أحداً.

تفسير قوله تعالى: (إليه يرد علم الساعة ...)

قال تعالى: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ [فصلت:47]، قرئت بالجمع، وهذه قراءة نافع وأبو جعفر وابن عامر وحفص عن عاصم ، وباقي القراء يقرءونها: مِنْ ثَمَرة على الإفراد.

إِلَيْهِ [فصلت:47] أي: إلى الله عز وجل، يُرَدُّ [فصلت:47] أي: يرجع، يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت:47]، وكأنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟ قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا [النازعات:42-44]، فمنتهى علم الساعة عائد إلى الله عز وجل، ولكن نعلمك أنت حتى تعلم الناس بعلامات الساعة؛ ولذلك لما جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان ثم أجابه؛ لأن الله علمه ذلك، فلما سأله عن الساعة قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: مثلما أنت لا تعلم فأنا كذلك لا أعلم متى الساعة، ولكن أخبرك عن أماراتها، وعن علامات الساعة، فذكر من علامات الساعة: (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاء يتطاولون في البنيان)، فللساعة علامات صغرى وعلامات كبرى، وما ذكر في الحديث السابق تعد من علامات الساعة الصغرى.

ومن العلامات الكبرى ما بينه لنا صلى الله عليه وسلم: من طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، ومجيء الدجال، ونزول المسيح عيسى ابن مريم، وخروج الدخان، وخسوف ثلاثة: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وغير ذلك من العلامات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم من العلامات والتي تحقق بعضها.

فإذاً عند النبي صلى الله عليه وسلم علم بأمارات الساعة، وبالأحداث التي ستحدث قبل الساعة لكن متى يكون وقت الساعة فهذا علمه عند الله سبحانه تبارك وتعالى، وإن كان الله أعلمه أيضاً أنها تكون في يوم جمعة، ولكن أي جمعة من الجمعات؟ أي سنة من السنين؟ أي شهر من الأشهر؟ فالله وحده الذي يعلم بذلك، فإلى الله يرد علم الساعة.

وهناك أشياء -ذكرها الله عز وجل في كتابه- من ادعى علمها فقد أعظم الفرية، كما قالت السيدة عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها وهي قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34]، فهذه أشياء لا يعلمها إلا الله سبحانه تبارك وتعالى، فإذا ادعى إنسان أنه يعلم هذه الأشياء فقد أعظم الكذب على الله، وأعظم على الله الفرية.

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت:47]، فإذا سئلت عن الساعة فرد علمها إلى الله، قل: لا أعلم، الله أعلم.

معنى قوله تعالى: (وما تخرج من ثمرات من أكمامها ...)

قال تعالى: وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا [فصلت:47]، وما تخرج من ثمرات، فالثمرة تخرج من الكم وهو الطلع أو وعاء الطلع، والوعاء القشرة التي تنشق وتخرج من داخله الثمرة، وتسمى بالكم أو بالكمة وجمعها الأكمام، وكذلك تسمى بالكفرة، وهي الطلع الصغير الذي إذا انشق خرجت منه الثمرة، فالله عز وجل عنده علم خروج هذه الثمار، ومتى تنشق وتخرج، ومتى لا تخرج أو لا يخرج منها شيء ومتى تموت.

وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا [فصلت:47]، فالله عز وجل يرينا علمه العظيم المبدع، إذا تأملت في هذا الشيء فإنه تحار فيه العقول، والإنسان يذل ويخضع لرب العالمين سبحانه الذي أخضع كل شيء، والذي خلق كل شيء، والذي علم كل شيء سبحانه تبارك وتعالى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى [الأعلى:3-5]، فالله هو العليم الخبير، وهذا من علم الله وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة:255]، فانظر إلى علم الله سبحانه تبارك وتعالى.

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت:47]، أخفاها الله سبحانه تبارك وتعالى، وإن الساعة آتية لا محالة ولا شك في ذلك قال تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه:15] أخفاها الله سبحانه تبارك وتعالى، فلا يعلم متى تكون الساعة ولا أي مخلوق من مخلوقات الله سبحانه تبارك وتعالى، فبالغ ربنا في إخفائها، والإخفاء يأتي بمعنى عدم الظهور والاستتار، أَكَادُ أُخْفِيهَا [طه:15] يعني: من شدة إخفائها أكاد أخفيها فلا يعلم أحد عنها شيئاً، ولكني أعلمت ببعض علاماتها، ولو شئت ما أخبرتكم شيئاً عنها، فتأتي الساعة فجأة على العباد من غير أن يعرفوا لها أمارة، ولكن الله برحمته بين علاماتها، لنأخذ حذرنا، فإذا وجدتم الحفاة العراة رعاة الشاء يتطاولون في البنيان فإن الساعة آتية، وقال عز وجل: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1]، إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا [طه:15]، يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا [النازعات:42-43].

إذاً أخفاها الله فلا يعلم أحد متى تكون، وهي قريبة جداً على وشك أن تظهر للعباد وعلم ما تخرج من ثمرات من أكمامها، فانظر إلى شجرة واحدة، ونخلة واحدة وانظر إلى عدد الثمار التي فيها، وتأمل في كل بلحة من الذي أحصى عدد هذا الذي في النخلة الواحدة؟ فكم يكون عدد البلح في البستان؟ وكم نخلة في العالم كله؟ فالله هو الذي يحصي كل ثمرة تخرج، بل ويعلمها قبل أن تخرج من الكفرة، ومن طلعها، فالله عز وجل أعلم بخروجها أو عدمه، ويعلم ما يكون مذاقها، ويعلم أي شكل ولون ستصبح!

وقس على ذلك كل خلق الله سبحانه تبارك وتعالى؛ فتتعجب وتحتار في علم الله العظيم القهار سبحانه تبارك وتعالى، فإليه يرد العلم كله، والإنسان لا يحوي على جزء بسيط من علم الله، ولو ظل يدرس شيئاً معيناً، فكلما ازداد علماً وازداد تخصصاً، يقول: أنا متخصص في الشيء الفلاني، ويحضر فيه الدكتوراة، ويحضر فيه ماجستير ويتخصص في جزئية واحدة، فمن المستحيل أن يحيط بهذه الجزئية علماً، ولكنه علم كثيراً عنها أما أن يحيط بها علماً فلا، فالله هو الذي أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً سبحانه تبارك وتعالى.

قال الله: وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا [فصلت:47]، قد علمها الله سبحانه تبارك وتعالى وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فصلت:47]، فهو يعلم سبحانه متى تحمل هذه الأنثى، وقد قدر الله عز وجل ما يكون في ذلك، ومتى تضع هذه الأنثى، فالله عز وجل يقدر ذلك، ويقدر هل تحمل بذكر أو بأنثى، فإلى الله عز وجل علم ذلك، ويعلم متى تلد، وهل ينزل هذا الجنين حياً أو ميتاً، وهل ينزل فيعيش إلى أن يبلغ الشيخوخة أم يموت وهو شاب صغير، وهل يكون شقياً أم سعيداً، فإلى الله علم ذلك كله.

يقول تعالى: وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ [فصلت:47] لا يكون حملها إلا بعلم الله سبحانه تبارك وتعالى، فربنا يعلم كل شيء، ويحصي كل شيء، فإذا جئت يوم القيامة قال لك: عملت كذا وعملت كذا وعملت كذا، وأحصى عليك كل شيء تعمله، فإذا كان الله يراقبك، والله يحصي علينا كل ما نقوله وما نفعله فلنحذر من يوم اللقاء.

معنى قوله تعالى: (ويوم يناديهم أين شركائي ...)

الكفار كانوا يتبجحون في الدنيا فيشركون بالله حتى عند بيته المعظم، وكانوا يذهبون فيطوفون وقد علَّم الله عز وجل من قبلهم أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

فينبهنا الله سبحانه تبارك وتعالى بأنه الإله وحده، فإذا بالمشركين يزيدون في شركهم، ويقولون: لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، وهذا كلام فارغ يقولونه لعنة الله على المشركين!

انظر إلى هذا الأحمق الجاهل المغفل حين يقول: لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك! فكيف يكون شريكاً لله الذي يملكه؟! فهو مخلوق يملكه الله، وإذا بهذا المشرك يقول: لك شريك، وهذا الشريك تملكه، وتملك الذي يملكه هذا الشريك! قال تعالى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ [الروم:28]، أي: هل تقبلون على أنفسكم هذا الشيء؟ وهل لكم شركاء مما ملكت أيمانكم؟ العبد الذي ذهبت إلى السوق واشتريته بمالك وأعطيت هذا العبد من مالك، هل يجرؤ العبد في يوم من الأيام أن يقول لسيده: شاركني؟! فلو قال هذا الشيء لقتله صاحبه، فإذا بهذا العبد يدعي لله عز وجل الشريك، حاشا لله سبحانه تبارك وتعالى!

هؤلاء المتبجحون بالشرك إذا جاءوا يوم القيامة يقول لهم عز وجل: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي [فصلت:47] أين هؤلاء الشركاء ؟ قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ [فصلت:47]، آذَنَّاكٍَ أي: ما رأينا، ولا نعرف، وما لك شريك، فيوم القيامة يتبرءون، قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]، قَالُوا آذَنَّاكَ [فصلت:47] أي: أعلمناك ونشهد أمامك يا رب العالمين أنه ما كان لك شريك أبداً، ما لك شريك أبداً، ويذكرهم الله في الدنيا أنهم سيقولون هذا يوم القيامة، فارجعوا عن هذا الذي تشركونه في الدنيا قبل أن تنكروا يوم القيامة فلا ينفعكم الإنكار.

وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ [فصلت:47]، هذه قراءة الجمهور، وَيَوْمَ يُنَادِيهُمْ قراءة يعقوب .

أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا [فصلت:47]، هذه قراءة الجمهور، وقراءة ابن كثير : أَيْنَ شُرَكَائِيَ قَالُوا آذَنَّاكَ ، أعلمناك، شهدنا أمامك يا رب العالمين، مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ [فصلت:47] أي: ما أحد أبداً يشهد بأن لك شريكاً، ولا نشهد بذلك، ولا نقول بهذا الشيء، وهذا يكون يوم القيامة حين لا ينفع الاعتراف.

تفسير قوله تعالى: ( وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل ... )

قال تعالى: وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ [فصلت:48]، ضل بمعنى: ضاع وتاه، فبحث المشركون عمن قالوا إنهم شركاء فلم يجدوهم ضاعوا، فعلموا أن الملك لله وحده لا شريك له، وأن الحق لله.

وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ [فصلت:48]، وقد كانوا يدعون أحجاراً فعبر بـ( ما ).

وظنوا [فصلت:48] أي: أيقنوا، مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ [فصلت:48] أي: استيقنوا يوم القيامة أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا مهرب يهربون إليه، والمحيص هو: المهرب والمكان الذي يهربون إليه وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ [فصلت:48] أي: أيقنوا ذلك يوم القيامة أنهم لا مهرب لهم من الله سبحانه تبارك وتعالى.

تفسير قوله تعالى: ( لا يسأم الإنسان من دعاء الخير ... )

ثم يخبرنا الله عن حال هذا الإنسان المشرك بالله والكافر فقال: لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ [فصلت:49]، والإنسان جنس، وهذا من العموم الذي يراد به الخصوص، لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً [فصلت:49-50]، هذه جملة من الصفات التي لا يمكن أن تكون في المسلم، ولكن قد تكون فيه بعض الصفات، ولكن لا يمكن أن تكون كلها لذلك يقول العلماء: إن هذا العموم الذي في قول الله سبحانه: الإِنْسَانُ، والمقصود به شيء مخصوص وهو الكافر من الناس، الذي اجتمعت فيه هذه الصفات، وإن كان المسلم قد يكون فيه بعضها، لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ من دعاء الخير [فصلت:49] قد يكون في المسلم، فلا يوجد أحد يسأم من دعاء الخير، والخير هنا بمعنى المال والصحة والعافية، ومتطلبات الإنسان في الدنيا، فكل إنسان يقول: يا رب! أعطني مالاً، أعطني صحة، أعطني عافية، أعطني عزاً، أعطني سلطاناً، فكل إنسان يطلب ذلك.

وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ [فصلت:49] وهذه لا تكون في المؤمن فهو لا ييئس؛ لأن ربنا قال: لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87]، فيستحيل أن ييئس المسلم من روح الله.

قال: وإن مسه الشر [فصلت:49] والشر بمعنى: الضر، والبأساء بمعنى الشيء الذي يبتلى به الإنسان، من فقر يأتي عليه، أو مرض يصيبه، فهذا شر في نظر الإنسان وإن كان بتقدير الله كله خير للإنسان الذي يعقل ويفهم ذلك، فكأن الإنسان الكافر إذا جاء له الخير يدعو ويطلب الخير، وإذا مسه شيء من البأساء، ومن الضر، ومن الفقر والمرض، فيئوس قنوط [فصلت:49]، وهنا صيغة مبالغة وتكرار، والمعنى أنه كثير اليأس، وإن كان يوجد فرق بسيط في المعنى، لكن المقصود شدة يأس الإنسان لما يجيء له شيء من البلاء.

قال: وإن مسه [فصلت:49] أي: شيء يأتيه من الشر، فيئوس [فصلت:49] كأن يأسه في قلبه بأن يسيء الظن بالله سبحانه، وأن الله لن يكشف ما أصابه فييئس من رحمة الله سبحانه، ويسيء الظن في رحمة الله، قنوط [فصلت:49] القنوط هو ظهور أثر اليأس على الإنسان من ذلةٍ وانكسار.

فالله عز وجل تعجب من هذا الإنسان، أصبناه بشيء من البلاء، وإذا به على هذه الحالة وييئس من روح الله ومن رحمته، ويقنط وينكسر!

تفسير قوله تعالى: (ولئن أذقناه رحمة من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي ...)

وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً [فصلت:50] أي: شيء من رحمة الله عز وجل، بعد ما كان في مرض أعطيناه عافية، بعدما كان فقيراً أعطيناه من المال.

قال تعالى: مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ [فصلت:50] يعني: كان فقيراً قبل وقت قريب، لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي [فصلت:50]، أنا أستحق هذا الشيء، وتأخر عني كثيراً هذا الشيء، وكان واجب على ربنا أن يعطيني هذا الشيء، وقد أعطاني الآن لأني استحقه، ويزيد في تبجحه بقوله: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً [فصلت:50]، فبعدما كان يئوساً قنوطاً الآن تكبر وقال: لا تقوم الساعة!

قال تعالى عنه: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى [فصلت:50] أي: مثلما أعطاني في الدنيا فإنه سيعطيني ويدخلني الجنة!

وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي [فصلت:50]، هذه قراءة الجمهور، وقراءة نافع بخلف قالون : وقراءة أبي عمرو وأبي جعفر : وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّيَ إِنَّ لِي وقوله: فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ ، اصبروا وستنظروا ما الذي سيحصل، وسنريكم يوم القيامة ونخبركم، والنبوءة هي الإخبار بما غاب عن الإنسان، فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ [فصلت:50]، فينتظروا عذاب الله.

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة فصلت [46 - 50] للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net