إسلام ويب

أخبرنا الله عز وجل في كتابه عن صفات عباده وأوليائه في العديد من سور القرآن الكريم، من أجل أن يتخلق بها المسلم الحق، ويطبقها واقعاً في حياته؛ إذ إن الدين ليس شعاراً وكلمات تقال باللسان فقط، بل لابد أن يصحبه العمل، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وقد أخبر الله عز وجل أن المتصف بهذه الصفات هم عباد الرحمن، أي: هذه هي صفاتهم لمن أراد أن يكون منهم.

تفسير تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً ...)

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد:

قال الله عز وجل في سورة الفرقان: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:63-67].

في هذه الآيات من آخر سورة الفرقان يخبرنا الله عز وجل عن عباد من عباده ذوي صفات عظيمة جميلة اختصهم الله عز وجل بها، ووصفهم بأنهم عباد الرحمن، والرحمن من أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى، وهو اسم عظيم فيه الرحمة العظيمة، قال سبحانه: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان:63]، والإنسان الهين يعني: السهل الذي فيه سكينة ووقار، فهم يمشون على الأرض مشية هينة، وفيهم تواضع وإخبات لله سبحانه وتعالى، فلا يستكبرون على الخلق، وليس المعنى أنها: مشية بطيئة، ولكن المعنى: أنهم يمشون ولا يضربون بأرجلهم، ولا يغترون ويحركون أذرعاتهم، ويقولون: نحن أقوياء وأعلى من غيرنا، ولكنهم يمشون بوقار وسكينة، وهذا لا يمنع من أن يمشوا بسرعة في حاجاتهم، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيخبرنا الله سبحانه: أن من صفاتهم: أنهم حلماء متواضعون، وأن فيهم اقتصاداً وتؤدة وسكينة، قال تعالى: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، وليس معنى الجاهل: أنه الذي لا يعرف القراءة والكتابة، فهذا أمي، ولكن المقصود به هنا: الجاهل في خلقه، فقد يكون متعلماً إلا أن في أخلاقه نفوراً وشراسة وقسوة، وقد يكون فيه غضب، وإذا غضب لا يفهم ولا يعي ما يقول، فهؤلاء أهل الشراسة والنفور والصياح والجلبة والصخب إذا خاطبوا عباد الرحمن بصورة غير طيبة كان ردهم عليهم رداً طيباً، كما قال تعالى: سَلامًا [الفرقان:63]، يعني: موادعة ومتاركة وليس بيننا وبينكم شيء، ولكن نبتعد عنكم ونترككم فيما أنتم فيه، أو قالوا: سلاماً، أي: تسليم متاركة، يعني: سلام عليكم، كونوا في حالكم ونكون نحن في حالنا، مع أنهم أقوياء وهم لا يدفعون السيئة بالسيئة، ولكن يدفعون بالحسنة السيئة، ويرجون الخير ممن يدعونه إلى الله سبحانه وتعالى من الله وحده، فهم حلماء في دعوتهم إلى الله، وهم أقوياء لا يستذلهم أهل الفساد، وهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كما أمر الله سبحانه بقوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104].

والإنسان القوي يقدر على الانتقام من خصمه ولكنه يتواضع لله سبحانه وتعالى، ويحلم ويصبر، ولكنه لا يهين دين الله أبداً، فإذا وجد من يهينه أمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، وغير هذا المنكر بما استطاع من تغيير، وأما في نفسه فإذا تعرض له إنسان أو شتمه فإنه يحلم ما لم يتعرض لدين الله سبحانه وتعالى، فإذا تعرض لدين الله فإنه يغضب لله ويدافع عن دين الله، وفي أثناء دعوته للناس إلى دين الله قد يجد منهم غلظة وقسوة في الجواب، فيصبر على ذلك، ويدعوه مرة وثانية لعله يستجيب له، فإذا لم يجد فائدة قال: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55]، أي: ليس بيننا وبينكم إلا أمر الله سبحانه وتعالى يحكم بيننا، وهو في تواضعه لا يذل نفسه؛ ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه قالوا: كيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق). أي: أن الإنسان يعز نفسه، ولا يعرض نفسه للذل، ولا يتعرض لبلاء لا يطيق دفعه، ولكنه يدافع عن دين الله، ويدعو الناس إلى الخير ويصبر، وليس بمجرد أن يسيء إليه إنسان يرد الإساءة بالإساءة، ولكنه يصبر ويحلم ويدفع بالتي هي أحسن، فإذا لم يجد بداً من المتاركة تاركه، قال تعالى: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55].

فإذا تعرض لدين الله سبحانه بالإساءة، فإنه يدفع ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بما أمر به ربنا وبما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

تفسير قوله تعالى: (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً)

ومن صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64]، والمبيت: قضاء الليل سواء كان الإنسان نائماً أو يقظان، كما نقول: بت البارحة سهران، فهؤلاء يبيتون أي: يمضي عليهم الليل وهم قائمون لله عز وجل، فيقضون ليلهم بين القيام والسجود، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64].

وليس المعنى: أنهم يصلون الليل كله ولا ينامون فيه، فإن هذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم إلا على الندرة، ولم يمض الليل كله قائماً صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً، ولكنه كان يقوم كثيراً من الليل، كما أمره الله عز وجل: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [المزمل:2-4].

أي: نصف الليل، أو أقل من نصفه، أو أكثر قليلاً من نصفه، ثم قال تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4].

وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إن أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان يصلي لله سبحانه، فيقوم نصف الليل، وينام ثلثه، ويقوم سدسه)، أي: أنه كان يقسم الليل بين قيام ونوم؛ حتى يفهم ما يقول، وحتى يواظب على ذلك، فإن أحب العمل إلى الله عز وجل أدومه وإن قل، فالمؤمن يواظب على قيام الليل، فيصلي بالليل ولو ركعتين، أو يصلي أكثر من ذلك، فيصلي كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، بحسب ما ييسر الله عز وجل له من ذلك.

فعباد الرحمن لا يصلون ليلة واحدة فقط، ولا يقومون الليل في رمضان فقط ويتركونه في غير ذلك، بل قد مدحهم الله عز وجل بالمداومة على ذلك، وبين أنهم يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ [الفرقان:64]، يعني: كل ليلة، فهذا دابهم وعادتهم، إلا ما شاء الله سبحانه، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64]، أي: يراوحون بين ذلك فإنهم يقومون قياماً طويلاً، ثم يركعون ركوعاً طويلاً، ثم يسجدون سجوداً طويلاً، فالليل راحتهم، وقيام الليل جنتهم، فيقومونه لله سبحانه، ويستعينون به على طاعته سبحانه، ولذلك مدحهم الله عز وجل، وأخبر عن قيام الليل بقوله: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6].

والناشئة: القيام، يعني: فإذا كنت نائماً مستريحاً ثم قمت لتصلي فإن هذا القيام يكون فيه فهم وتدبر لمعاني آيات كتاب الله عز وجل، كما قال تعالى: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6]، أي: أن ما تقوله بلسانك أشد مواطئة وموافقة لما في قلبك، فتفهم بعقلك وبقلبك ما ينطق به لسانك، فيكون هناك مواطئة بين الاثنين -القلب واللسان- قال تعالى: وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6]، أي: أقوم استقامة، وأقوم قولاً، والقيل بمعنى: القول، أي: أن ما ترتله تفهمه وتجيد نطقه؛ لأنك قد استرحت بالليل، ثم قمت في وقت نوم الناس تصلي لله سبحانه وتعالى؛ لتكون من عباد الرحمن.

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء فقد بات لله ساجداً وقائماً. وكأنه يقصد من صلى العشاء ثم ذهب إلى بيته فنام، ثم قام فصلى من الليل ولو ركعتين، فهذا يكتب له أجر هذه الليلة.

تفسير قوله تعالى: (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ...)

ومن صفات عباد الرحمن: أنهم يدعون ربهم سبحانه بهذا الدعاء الذي يدل على التواضع، فهم يعرفون قدر أنفسهم، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان:65]، والإنسان كلما ازداد عبادة كلما ازداد قرباً من الله سبحانه وتعالى، فهم يتقربون من ربهم سبحانه، ومع ذلك يخافون عذابه، ومن صفات الأنبياء والمرسلين والأولياء: أنهم يدعون ربهم سبحانه خوفاً وطمعا، ورغباً ورهباً، مع أنهم يحبون ربهم سبحانه، ويتقربون إليه، ويرجون ما عنده من خير، ويخافون ما عنده من عذاب.

فأهل التقوى يخافون على أنفسهم، وقد علموا قول الله سبحانه: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71]، فهذا قسم من الله سبحانه، ووعد ووعيد منه سبحانه، فلا بد من المرور على النار كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ [مريم:71]، أي: ما منكم، وهذا حصر، والمعنى: أن الجميع يردون النار، والورود على الشيء: المرور إليه، فمن الناس من يمر ويدخل النار، ومنهم من يمر فوقها وينجوا، نسأل الله العفو والعافية، قال سبحانه: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71]، أي: قضاءً متحتماً قد فرضه الله سبحانه عليكم، قال تعالى: كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا [مريم:71-72]، فكأنهم استشعروا ذلك، وعلموا أنهم واردون على النار فقالوا: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ [الفرقان:65]، وكأنهم في تواضعهم يستشعر أحدهم أنه لم يتقرب إلى الله بشيء يذكر، وأن عبادته إن لم يقبلها الله عز وجل فسيكون من أهل النار، فيقول: يا رب! اصرف عني عذاب جهنم.

قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان:65]، أي: ملازماً، وهي مأخوذة من الغريم، والغريم هو: الإنسان الذي تستلف منه، وتتدين منه، فالعادة أنه يلازمك ولا يفارقك مطالباً بحقه، فكأن النار -والعياذ بالله- عذابها يلازم أهل النار ملازمة الغريم لصاحبه، حتى ينجي الله عز وجل من يشاء بفضله وبرحمته سبحانه، قال تعالى: إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان:65].

تفسير قوله تعالى: (إنها ساءت مستقراً ومقاماً)

قال تعالى: إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:66]، أي: أنها أسوء ما يلقاه الإنسان في حياته وفي أخراه، فأسوأ شيء يمر عليه أن يرى نار جهنم أو أن يدخلها، قال تعالى: إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:66]، أي: دار قرار يستقر بها الكفار، فهي دار إقامة يقيم بها العصاة كرهاً، أي: يكرههم الله عز وجل فيدخلهم النار، فيدعون فيها ويسحبون ويلقون جزائهم في نار جهنم، قال تعالى: جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26].

فلما عرف عباد الرحمن قدر النار، وما فيها من مصير وعذاب أليم، دعوا: رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا [الفرقان:65-66]، أي: أنها بئس المستقر وبئس المقام.

تفسير قوله تعالى: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ...)

قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67]، أي: وسطاً، فلا يسرفون أو يبذرون فيكونون من إخوان الشياطين، ولا أنهم يقصرون ويفرطون في الإمساك فيكونون بخلاء مذمومين، وإنما كما قال الله عز وجل: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا[الإسراء:29]، أي: لا تجمع يدك إلى عنقك، -وهذا كناية عن التقتير والبخل- ولا تسرف في كل شيء فتضيع مالك وأهلك، فلا تسرف ولا تقتر، وكن وسطاً بينهما. فكان من صفاتهم: أنهم: إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا[الفرقان:67]، أي: لم يعطوا الكثير ويجلسون ولا شيء معهم، وَلَمْ يَقْتُرُوا[الفرقان:67]، من التقتير بمعنى: التضييق والبخل، وفيها ثلاث قراءات وَلَمْ يَقْتُرُوا[الفرقان:67]، وهذه قراءة الكوفيين: عاصم وحمزة والكسائي وخلف ، من الفعل الثلاثي قتر، وقراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب : وَلَمْ يَقْتِرُوا. فهاتان قراءتان من الفعل الثلاثي قتر، وقراءة من الفعل الرباعي أقتر، وهي قراءة نافع المدني وأبي جعفر المدني أيضاً، وقراءة ابن عامر الشامي: وَلَمْ يُقْتِرُوا، فهذه ثلاث قراءات، والمعنى واحد وهو: أنهم لا يبخلون، بل ينفقون في ما أحب الله سبحانه وتعالى.

يقول المفسرون في ذلك: إن من أنفق في غير طاعة الله سبحانه فهو مسرف. يعني: أن الإنفاق في معصية الله إسراف، والإمساك عن الإنفاق في طاعة الله سبحانه وتعالى بخل، فمن لا يدفع زكاة ماله، ولا ينفق النفقة الواجبة عليه، ولا يحسن إلى من أمر أن يحسن إليه فهذا مقتر، وأما من أنفق في طاعة الله سبحانه وتعالى مهما كثرت فهو محسن، وهذا هو القوام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: من أنفق مائة ألف في حقٍ فليس بصدقة. أي: كأن يحسن إلى الناس وإلى ذوي القربى، وينفق المال الكثير في حق، فهذا ليس إسرافاً.

ولذلك لما أنفق أبو بكر الصديق ماله كله لم يعتبر ذلك إسرافاً، ولكن كان إحساناً من أبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه.

يقول ابن عباس : ومن أنفق درهماً في غير حقه فهو إسراف. فمن أنفق ولو شيئاً يسيراً في باطل، كأن يشتري به سيجارة أو خمراً، أو شيئاً يعصي به الله سبحانه وتعالى، أو شيئاً حرمه الله عز وجل فهو مسرف، مع أنه قد يكون مالاً قليلاً.

يقول ابن عباس رضي الله عنه: ومن منع من حق عليه فقد قتر. أي: الذي يمنع الحق الواجب عليه، كأن يترك عياله من غير طعام ولا شراب ولا كسوة ولا سكن وينفق على الغريب فهذا إنسان مقتر.

فعباد الرحمن إذا أعطاهم الله سبحانه مالاً أنفقوه في الحق الذي أراده الله سبحانه، وينفقون النفقة الواجبة، وينفقونه إحساناً منهم، ولا ينفقون في معصية الله سبحانه، ولا يقترون، بل هم قوام أي: وسط بين ذلك.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباد الرحمن.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الفرقان [63 - 67] للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net