اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن ابن ماجه المقدمة [6] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أبرأ إلى كل خليل من خلته، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، إن صاحبكم خليل الله)، قال: وكيع يعني: نفسه ].
هذا الحديث رواه الشيخان في صحيحيهما، ورواه غيرهما، وفيه إثبات الخلة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والخلة بالنسبة للمخلوق هي كمال المحبة ونهايتها، وهي درجة من درجات المحبة، إذ المحبة درجات ومراتب متعددة، ومن مراتبها: الصبابة، والغرام، والعشق، والتتيم، والتعبد والخلة، وأعلاها الخلة، وسميت الخلة خلة؛ لأنها تتخلل شغاف القلب وتصل إلى سويدائه، ولا يتسع القلب لأكثر من خليل واحد، لكن يتسع لمحبة أناس كثيرين؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن) يعني: نفسه، إذ لو كان في القلب متسع لكان لـأبي بكر ، ولكن قلبي لا يتسع، فقد امتلأ قلبي بخلة ربي عز وجل.
بخلاف المحبة فإن القلب يتسع لأكثر من محبوب، فـأبو بكر حبيب الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد سأله عمرو بن العاص : (من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قال ومن الرجال؟ قال أبوها)، وأسامة كذلك حب رسول الله وابن حب رسول الله.
فيتسع القلب لأكثر من محبوب، لكنه لا يتسع لأكثر من خليل، ولهذا تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من خلة كل أحد من الناس فقال: (وإني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل)؛ لأنه خليل الله، (ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن) يعني: نفسه.
وفيه إثبات الخلة لمحمد صلى الله عليه وسلم كما ثبتت الخلة لإبراهيم، فإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام هما الخليلان.
وأما الخلة بالنسبة للرب فهي صفة من صفاته تليق بجلاله وعظمته، فلا يشبه أحداً من خلقه.
وأنكر المعتزلة والجهمية الخلة جرياً على مذهبهم في نفي الصفات، وأول من نفى الصفات الجعد بن درهم ، وأول ما أنكره صفتان: صفة الخلة والكلام، فزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، وأنه لم يكلم موسى تكليماً، وضحى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق فقتله في يوم عيد الأضحى بفتوى من علماء زمانه، وأكثرهم من التابعين، وقد شكره العلماء على ذلك، وروي عن خالد بن عبد الله أنه قال: ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بـالجعد بن درهم ؛ فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، ثم نزل من خطبة العيد وذبحه أمام الناس. قال ابن القيم :
شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان.
ويرجع إلى هاتين الصفتين جميع الصفات؛ لأن إنكار الكلام إنكار للرسالات وللنبوات وللكتب المنزلة، وإنكار الخلة أيضاً قطع العلاقة بين الخالق والمخلوق.
والجهمية تفسر الخلة بالفقر والحاجة، وهذا من أبطل الباطل، فإن كل الخلق فقراء إلى الله، بل حتى الجمادات فقيرة إلى الله، كالأصنام والأوثان، وعلى قولهم فلا يكون هناك مزية لإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
وأما قول أبي هريرة : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم، فهذه الخلة إنما هي من جانب أبي هريرة لا من جانب النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما قصة مقتل الجعد فهي مشهورة، ولو ضعفت فلا يضر ذلك شيئاً والغالب أن الجهمية يضعفونها لكن لا غرو أن الذين يضعفون هم الجهمية غالباً حتى لا يثبت قتل الجهمية، فهم يشككون في قصة خالد بن عبد الله القسري ، ويشككون في نسبة الرسالة للإمام أحمد ، ويشككون في بقاء ابن سينا على معتقده، ويقولون: إنه تاب، ويشككون في المناظرة التي حصلت بين أهل السنة وأهل البدع. فالأصل ثبوتها فقد أثبتها العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.
قوله: (ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر ) هذا ثابت، وأما البقية ففيه نظر.
قال المحقق: إسناده صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي .
هذا الحديث فيه فضيلة لـأبي بكر رضي الله عنه، وفي اللفظ الآخر: (إن من أمن الناس علي في نفسه وأهله أبا بكر) .
هذا الحديث فيه عنعنة الأعمش، وفيه أبو معاوية ، إلا أنه صرح بالتحديث فزال التدليس، فما دام أنه قد صرح بالتحديث فليس هناك إشكال، وتدليس الأعمش قليل.
هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه الحارث الأعور وهو ضعيف، والحديث له طرق أخرى، والكهل: هو الذي تجاوز مرحلة الشباب ولم يصل إلى مرحلة الشيخوخة، يعني: هو من خالطه الشيب، والجنة ليس فيها كهول وليس فيها إلا شباب، والمراد أنهما سيدا من مات كهلاً، وأبو بكر وعمر ماتا وهما ابنا ثلاث وستين.
قال المحقق: إسناده ضعيف جداً، الحسن بن عمارة بن المضرب البجلي الكوفي متروك، والحارث مجمع على ضعفه، ولكن متن الحديث صحيح جاء عن عدد من الصحابة.
أقول: الحديث ضعيف، والمتن في صحته نظر؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا الشباب، الجنة ليس فيها كهول، لكن يكون باعتبار حالهما في الدنيا وليسا بكهلين، وإلا فـأبو بكر وعمر ماتا وقد تجاوزا الستين.
جاء في الحديث الآخر: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) وهنا: (سيدا كهول أهل الجنة)، فالإشكال في قوله: (كهول أهل الجنة) فالجنة ليس فيها كهول، ما فيها إلا شباب.
هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه عطية العوفي وهو شيعي مدلس، لكن معنى الحديث صحيح، فقد جاء في الحديث الآخر: (إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف كما تتراءون الكوكب الدري في المشرق أو في المغرب، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: كلا والذي نفسي بيده، أو بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) ولاشك أن أبا بكر وعمر في المقدمة.
هذا الحديث إسناده ضعيف؛ لأن فيه مولى ربعي بن حراش واسمه هلال وهو مجهول، وتفرد بالرواية عنه عبد الملك بن عمير ولم يوثقه سوى ابن حبان ، ولكن الحديث صحيح من طرق أخرى، وقد جاء في الحديث الآخر: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي).
هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه في قصة قتل عمر، وقصة دفنه، وقصة الشورى، في حديث طويل وهذا جزء منه، وفيه: (إن عمر لما طعن وجاء الناس يزورونه، قال ابن عباس : فلم يرعني إلا رجل أخذ بمنكبي من الخلف، فإذا هو علي ، فقال هذه المقالة فترحم على عمر ، وقال: ما خلفت أحداً أحب إلي من أن ألقى الله بمثل عمله منك) يخاطب عمر ، وفيه رد على الشيعة الرافضة الذين يسبون عمر ، ويفضلون علياً عليه، وفيه منقبة لـعمر رضي الله عنه، يقول علي : (كنت أسمع الرسول عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقرن بين نفسه وأبي بكر وعمر يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ، فأرجو أن يلحقك الله بصاحبيك).
هذا الحديث إسناده ضعيف؛ لأن فيه سعيد بن مسلمة بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي ، وهو مجمع على ضعفه.
هذا هو الحديث السابق، لكن ذكره هنا بسند آخر.
قال المحقق: إسناده حسن، وأخرجه ابن حبان من طريق خنيس بن بكر بن خنيس عن مالك بن مغول به، وخنيس ليس من رجال الكتب الستة، وقد ضعفه صالح جزرة كما نقل الخطيب .
أقول: لا شك أن الشيخين هما أفضل الناس بعد الأنبياء رضي الله عنهما، لكن الكلام في قوله: (سيدا كهول أهل الجنة).
هذا الحديث إسناده صحيح، وأخرجه الترمذي .
وكانت خديجة أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم بلا شك، لكن من بعد وفاة خديجة كانت عائشة أحب الناس إليه، وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: خديجة بنت خويلد ، ومريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون ، وفاطمة بنت محمد).
وأما المفاضلة بين عائشة وخديجة فهناك كلام لأهل العلم أيهما أفضل، وقد ورد في فضل خديجة : (ان النبي صلى الله عليه وسلم بشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب)، وأقرأها السلام من الله ومن جبريل، وهذه منقبة عظيمة لم ترد لغيرها، وقيل: الأفضل عائشة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).
وقال بعضهم: أن خديجة في نصرتها للنبي صلى الله عليه وسلم ومواساتها له بمالها ونفسها أفضل، وعائشة في علمها وفقهها أفضل.
فالمهم أن هؤلاء الخمس هن أفضل النساء.
حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو أسامة أخبرني الجريري عن عبد الله بن شقيق قال: (قلت لـعائشة : أي أصحابه كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر ، قلت: ثم أيهم؟ قالت: عمر ، قلت: ثم أيهم؟ قالت: أبو عبيدة) ].
هذا الحديث أخرجه الترمذي .
لا شك أن أبا بكر هو أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يليه عمر .
هذا الحديث إسناده ضعيف جداً؛ لأن فيه عبد الله بن خراش بن حوشب الكوفي وهو مجمع على ضعفه، قال البخاري : منكر الحديث، وقال أبو حاتم : منكر الحديث، وقال الذهبي : عامة ما يرويه غير محفوظ.
وفضائل عمر معروفة من غير هذا الحديث.
هذا حديث باطل ومنكر؛ لأن فيه داود بن عطاء وقد اتفقوا على ضعفه، فقوله: (أول من يصافحه الحق عمر) يعني: الحق هو الرب سبحانه وتعالى، والله تعالى لا يصافح أحداً، وإنما ورد هنا أن الله يسلم على أهل الجنة، يسلم عليهم من فوقهم سبحانه وتعالى.
إذاً: هذا ضعيف السند، وهو منكر المتن، وقد يصل إلى درجة الوضع، قال عنه البوصيري : هذا إسناد ضعيف فيه داود بن عطاء المديني ، وقد اتفقوا على ضعفه، وباقي رجاله ثقات.
وقال السيوطي : قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في جامع المسانيد: هذا الحديث منكر جداً، وما هو أبعد من أن يكون موضوعاً، والآفة فيه من داود بن عطاء .
أقول: نعم، إنه حديث منكر شديد النكارة.
هذا حديث ضعيف أيضاً، لأن فيه عبد الملك بن الماجشون والزنجي بن خالد وهما ضعيفان.
والمحفوظ: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، - أو - بأحب العمرين إليك: عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام) هذا هو المحفوظ.
قال البوصيري : هذا إسناد ضعيف، فيه عبد الملك بن الماجشون ضعفه بعضهم، وذكره ابن حبان في الثقات، وفيه مسلم بن خالد الزنجي ، قال البخاري : منكر الحديث، وضعفه أبو حاتم والنسائي وغيرهما.
إذاً: فالحديث ليس بصحيح، بل هو ضعيف.
هذا ثابت عن علي رضي الله عنه، قال هذا على منبر الكوفة، وفيه رد على الشيعة والرافضة الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر ، والشيعة قوم بهت، فهذا علي رضي الله عنه أفضل أهل البيت، ومع ذلك يعلن على رءوس الأشهاد على منبر الكوفة أن خير الناس بعد رسول الله أبو بكر، ثم عمر ، فأبى الرافضة إلا أن يخالفوه، كما قال في النصوص: خالفوا علياً رضي الله عنه الذي يزعمون أنهم يتبعونه.
يقول المحقق: انفرد به ابن ماجة ، وإسناده ضعيف؛ لأن عبد الله بن سلمة المرادي الكوفي ضعيف يعتبر عند المتابعة ولم يتابع، وقد ضعفه البخاري وأبو حاتم والنسائي .
وقال الذهبي : أرجو أنه لا بأس به، وقال ابن حجر : صدوق تغير حفظه.
أقول: الحديث ثابت من طرق متعددة، وقد رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق أبي جحيفة .
وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، وفيه منقبة لـعمر رضي الله عنه.
والله أعلم بكيفية هذا الوضوء، ومعلوم أن الجنة ليس فيها عمل، هذه رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيا الأنبياء وحي، فقد رآها تتوضأ، وبعض الناس يستشكل كيف تتوضأ والجنة ليس فيها عمل، نقول: هذه رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم قبل يوم القيامة.
هذا الحديث معناه صحيح.
الحديث أخرجه أبو داود وإسناده صحيح، وفيه عنعنة ابن إسحاق .
الحديث له شواهد، وقد جاءت النصوص التي تدل على أن عمر ملهم، وأن الله وضع الحق على لسانه، منها قوله: (وافقت ربي -أو وافقني ربي- في ثلاث: قلت: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، وقلت: يا رسول الله! اقطع عن نسائك البر والفاجر فلو حجبتهن، فنزلت آية الحجاب).
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن ابن ماجه المقدمة [6] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
https://audio.islamweb.net