إسلام ويب

إن هذه المحاضرة تتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وليست ترجمة له فهو أعظم من أن يترجم له مترجم، وليست مدحاً له فهو أرفع من مدح البشر، فقد مدحه الله وزكاه وشرفه وأعلى قدره، وليست سرداً لتأريخه فالمجلدات والمؤلفات لا تفي بجزئية من جزئيات حياته.

ولكنها فيض من خاطر، وهمسة من فؤاد!

إنها تعبير عن إعجاب مسلم بإمامه وزعيمه وأستاذه صلى الله عليه وسلم.

صفات القائد الأعظم عليه الصلاة والسلام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين, وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أيها الكرام البررة:

عنوان هذه المحاضرة: (اسمع يا تاريخ) إنها تتحدث عن الرسول عليه الصلاة والسلام؛ إنها وثيقة أهديها لكم أيها العباد البررة الأخيار, يا طلبة العلم؛ يا حفظة لا إله إلا الله؛ يا أتباع محمد عليه الصلاة والسلام.

إنها ليست ترجمة له صلى الله عليه وسلم، فهو أعظم من أن يترجم له مثلي, وأنا أقول كما قال شوقي -الشاعر المشهور- لما أتى ليمدح الرسول عليه الصلاة والسلام:

أبا الزهراء قد جاوزت قدري>>>>>بمدحك غير أن لي انتسابا

وليست مدحاً له عليه الصلاة والسلام، فهو أرفع من المدح، فالله هو الذي مدحه، وزكاه وطهره، وشرفه وأعلى قدره, وليست هذه الوثيقة تاريخاً أو سرداً لتاريخه, فالمجلدات والمؤلفات والندوات والمحاضرات كلها لا تفي بجزئية من حياته عليه الصلاة والسلام.

ماذا يقول الواصفون له >>>>>وصفاته جلت عن الحصر

ولكن هي فيض من خاطر, وقطرة من قلم, وهمسة من فؤاد, إنها تعبير لغربة المسلم أمام إمامه وعظيمه وزعيمه وأستاذه وشيخه عليه الصلاة والسلام, الله يقول له من فوق سبع سموات: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

وأريد بهذه المحاضرة "اسمع يا تاريخ" أن يسمع سامع, أو يعي واعٍ, أو يستفيق نائم عما يجب عليه نحو الرسول عليه الصلاة والسلام.

يقول بعض العلماء لما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] لم يقل: للناس فيخرج الحيوانات, ولم يقل: للمؤمنين فيخرج الكفار, ولم يقل: رحمة للكبار فيخرج الصغار, ولم يقل: للصغار فيخرج الكبار؛ بل قال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] ولكن يعيش عليه الصلاة والسلام معنا دائماً وأبداً، في مشاعرنا وآمالنا وطموحاتنا, يعيش معنا في بسماتنا وفي دموعنا؛ وفي عيوننا وفي أسماعنا، وفي أبصارنا وفي قلوبنا, يعيش معنا دائماً ونحن نراه دائماً، قدوة وأسوة وإماماً ومعلماً, وأباً ومرشداً, وقائداً وأستاذاً, يعيش معنا وقد أحببناه فعاش في ضمائرنا عظيماً, وفي قلوبنا رحيماً, وفي عيوننا آمراً وناهياً, وفي آذننا مبشراً ومنذراً، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً [الأحزاب:45-46].

أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا>>>>>وأنت لنا التاريخ أنت المحرر

تذوب شخوص الناس في كل لحظة>>>>>وفي كل يوم أنت في القلب تكبر

كلما كثرت الصحوة، وكلما انتشر الصلاح، وكلما أذن المؤذنون، وكلما أفطر الصائمون، وكلما سجد المصلون، وكلما أحرم الحجاج والمعتمرون. ذكرنا محمداً عليه الصلاة والسلام.

كلما ارتفعت السبابة تقول: لا إله إلا الله, وكلما استغفر المستغفر، وكلما تاب التائب، وكلما عاد المنيب إلى الله؛ ذكرنا محمداً عليه الصلاة والسلام.

ويكرر القرآن ذكر هذا الرجل عليه الصلاة والسلام, الذي هو رجل يأكل ويشرب، وينام ويستيقظ, رجل لكن لا كالرجال, رجل ولكنه يحمل هموم الرجال وعظمة الرجال كل الرجال, وإنسان ولكن لا كالناس, إنسان يجمع مناقب الإنسانية، يتحدث عنه القرآن، فإذا هو الخلوق القريب من القلوب: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

من الذي زكاه؟ من الذي مدحه وأعلاه؟ الله الذي مدحه زين -كما يقول عليه الصلاة والسلام- وذمه شين.

أتاه وفد بني تميم فطرقوا عليه الباب فقالوا: (اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين وذمنا شين, قال عليه الصلاة والسلام: ذاك هو الله الذي مدحه زين وذمه شين), ويذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى رحمة رسوله, وشفقة مبعوثه وحنانه, فيقول عنه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] وإذا هو اللين السهل الميسر قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159] أي: كنت قريباً تعيش في القلوب، وتعيش في الأرواح, يحبك الناس جميعاً: أهل الجزيرة، وأهل العراق، وأهل اليمن، وأهل السودان، وأهل المغرب، والعجم يوم يسلمون، والشقر يوم يؤمنون، والحمر يوم يهتدون, كلهم يحبونك لأنك إمامهم.

الإمام القدوة عليه الصلاة والسلام

إنه الإمام الذي على الأمة كل الأمة أن تذعن لإمامته.. في الصلاة.. وفي الحياة.. وفي التربية.. وفي الأخلاق.. وفي الاقتصاد.. وفي علم النفس.. وفي العسكرية.. وفي السلم.. وفي الحرب.. قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

أما الذي لا يرجو الله فليس إمامه محمداً عليه الصلاة والسلام, أما الرعديد، والجبان، والمطبل، والسكير، والمنحرف، والضال، والغاوي، فليبحث له عن إمام غير محمد عليه الصلاة والسلام؛ ليبحث له عن الشيطان وعن فرعون، وعن هامان، وعن قارون، ولا يأتِ لطريق محمد عليه الصلاة والسلام.

هل يحق لنا شرعاً وعقلاً أن نبحث عن غيره؟ لا. لن نبحث عن غيره, هل لنا أن نبحث عن سواه؟ لا. لن نبحث عن سواه, حرام حرام حرام أن نتجه إلى غيره فنجعله إماماً, وحرام أن نبحث عن سواه ونجعله قدوة.

هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعيش لحظات الحياة، ودقائق الزمن، وثواني التاريخ, يعيش بما يجب أن يعاش, في الصلاة خاشع قانت أواب منيب، قال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً [الإسراء:79] يقول المفسرون: يا محمد صلِّ بالقرآن في الليل، واخشع في صلاة الليل، فإن الله سوف يبعثك يوم القيامة مثلما قمت في الليل، سوف يبعثك مقاماً محموداً.

ماهو المقام المحمود؟

المقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون حتى الملائكة, المقام المحمود يوم يجمع الله الأولين والآخرين، والجن والإنس، والكبار والصغار، والأغنياء والفقراء، والملوك والمملوكين، غرلاً بهماً جرداً حفاةً, فينتظرون الله متى يفصل بينهم في القضاء.

واستشفع الناس بأهل العزم في>>>>>إراحة العباد من ذا الموقف

وليس فيهم من رسولٍ نالها>>>>>حتى يقول المصطفى أنا لها

عليه الصلاة والسلام.

{يأتون إلى آدم يقولون: اشفع لنا إلى الله ليحكم بيننا في هذا اليوم -يوم الفصل- فيقول: نفسي نفسي.. -فلا يستطيع، الأمر أعظم من أن يشفع فيه- فيأتون إبراهيم فيقول: نفسي نفسي.. ويعتذر موسى.. ويعتذر عيسى.. فيأتون الرسول عليه الصلاة والسلام -فيتخطى الصفوف، ويتقدم التاريخ، ويقف أمام الأجيال، وينحني تحت العرش- ويقول: أنا لها أنا لها.. ويسجد أمام رب العالمين, ويثني على الله، ويبكي ويسأل, ويدعو ويتضرع, فيقول الله له: ارفع رأسك, وسل تعط, واشفع تُشفَّع، فيسأل الله أن يفصل بين الناس, فيفصل الله بين الناس} يقول الله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79] أي: زيادة في أجرك وأما ذنبك فمغفور, وعيبك مستور, وسعيك مبرور, قال الله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [الفتح:2-3] نصراً سمعه التاريخ، وأذعنت له البشرية, أتظن أنه نصر على المدينة، أو مكة، أو الحجاز؟ لا. نصر دخل به إلى إشبيليا وقرطبة ونهر اللوار وسيبيريا والجنج والهند والسند.

شجاعته صلى الله عليه وسلم

ويأتي -عليه الصلاة والسلام- في الجهاد، فإذا هو الشجاع المبارز والمقدام الصنديد, قال الله: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84] أنت لا تفر إذا فر الأبطال، فلا تهرب من المعركة إذا تأخر الشجعان، فحرام عليك أن تتأخر, يقول علي -رضي الله عنه وأرضاه-: [[كنا إذا اشتد الهول وحمي الوطيس في المعركة، واحمرت الحدق -أي: العيون- كنا نتقي برسول الله عليه الصلاة والسلام فيكون أقربنا إلى القوم]].

أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة>>>>>أدبت فيها هول الردى أبطالها

وإذا وعدت وفيت فيما قلته>>>>>لا من يكذب فعلها أقوالها

وقفت وما في الموت شك لواقف>>>>>كأنك في جفن الردى وهو نائم

وقف عليه الصلاة والسلام في أكثر من عشرين معركة بالسيف والموت حوله, والاغتيالات تدبر له صباح مساء؛ تعرض لأكثر من إحدى عشرة محاولة اغتيال باءت بالفشل, الخناجر حوله, والسيوف والرماح، والله يقول له: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67] يخاف يقول: يا ربِ! هوْل, قال: الله يعصمك من الناس, يا ربِ! مَوت, قال: الله يعصمك من الناس, يا ربِ! الأعداء كُثُر حولي, قال: الله يعصمك من الناس.

وإذا العناية لاحظتك عيونها>>>>>تلقى الحوادث كلهن أمان

هكذا كان عليه الصلاة والسلام، يدخل الغار والموت حول الغار, يطوق بخمسين شاباً، كل شاب منهم يساوي جيشاً فتاكاً في القوة والشجاعة, فيلتفت ويخاف أبو بكر، فيقول كما قال تعالى: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40].

أبداً..

وقفت وما في الموت شك لواقف>>>>>كأنك في جفن الردى وهو نائم

تمر بك الأبطال كلمى هزيمة>>>>>ووجهك وضاح وثغرك باسم

هزم عشرة آلاف من غطفان, ووقف يتبسم والكتائب تمر من بين يديه، وهم يلقون السيوف بين يديه يستسلمون، ويقيدون بالسلاسل مهزومين.

نثرتهم فوق الأحيدب نثرة>>>>>كما نثرت فوق العروس الدراهم

جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم

هذا محمد عليه الصلاة والسلام, يعيش -صلى الله عليه وسلم- كريماً معطاءً باذلاً منفقاً, يسألونه كل شيء، فلا يقول: لا. حتى ثوبه الذي على جنبه، ففي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد: {أن امرأة أتت إليه عليه الصلاة والسلام -أو رجلاً- فسأله ثوبه فأعطاه} لا يعرف لا, إلا في لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ما قال لا قط إلا في تشهده>>>>>لولا التشهد كانت لاؤه نعم

يقول جابر في مسند أحمد بسند جيد: {أتى أعرابي إليه عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! أعطني مالاً, فقال: لا. وأستغفر الله}, لم يكن عنده مال, يقول: أستغفر الله من كلمة لا, إنه ينفق ليل نهار.

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: {كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس} هذا عموم لا خصوص له, أجود الناس, ما ولدت أنثى من وقت آدم إلى قيام الساعة أجود من محمد عليه الصلاة والسلام, {كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن, فلرسول الله عليه الصلاة والسلام أجود بالخير من الريح المرسلة}.

يقولون معنٌ لا زكاة لماله>>>>>وكيف يزكي المال من هو باذله

هو البحر من أي النواحي أتيته>>>>>فدرته المعروف والجود ساحله

ولو لم يكن في كفه غير روحه>>>>>لجاد بها فليتق الله سائله

صبره على الشدائد صلى الله عليه وسلم وتواضعه الجمّ

ويعيش عليه الصلاة والسلام في الفقر صبوراً متماسكاً محتسباً, عاش فترة من حياته فقيراً, لا يجد كسرة الخبز من البر, يبحث عن التمر فلا يجد التمر, يأتيه الملك من السماء بمفاتيح كنوز الدنيا فيقول: {أتريد أن أحول لك -بإذن الله- الجبال ذهباً وفضة؟ قال: لا. بل أجوع يوماً وأشبع يوماً حتى ألقى الله} يعيش فقيراً، لا يجد فِراشاً حتى يثنيه ثنيتين، ثنية واحدة, ينام على الخصف فيؤثر في جنبه, يدخل عليه عمر ورضي الله عن عمر , فيجد سعف النخل قد أثر في جنب المصطفى الشريف عليه الصلاة والسلام, فيبكي عمر، وتسيل دموعه ويهتز، فيقول له عليه الصلاة والسلام: {ما لك يا عمر؟ قال: يا رسول الله! كسرى وقيصر؛ ملوك فارس والروم؛ وهم أعداء الله، يعيشون في ذهب وفضة؛ وحرير وديباج؛ وأنت حبيب الله تعيش في هذه الحالة؟! -فماذا يجيبه عليه الصلاة والسلام- يقول: يـابن الخطاب! أفي شك أنت؟ أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال: بلى}.

كفاك عن كل قصر شاهق عمد>>>>>بيت من الطين أو كهف من العلم

تبني الفضائل أبراجاً مشيدة>>>>>نصب الخيام التي من أروع الخيم

إذا ملوك الورى صفوا موائدهم>>>>>على شهي من الأكلات والأدم

صففت مائدة للروح مطعمها>>>>>هدي من الوحي أو عذب من الكلم

عليه الصلاة والسلام في الرقة والرحمة، صاحب الدمعة الحانية, والشفقة البالغة, يرى العجوز المسن فتدمع عيناه عليه الصلاة والسلام, يرى الشيخ الكبير، فيحترمه ويوقره ويقف معه, يرى الطفل فيحمله ويضمه ويشمه ويقبله ويمازحه ويمسح رأسه عليه الصلاة والسلام.

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] توقفه امرأة عجوز في طريق من طرق المدينة في حرارة الشمس فيقف معها ساعة كاملة, يقف معها حتى تنتهي وهو إمام العالمين.

دعوته صلى الله عليه وسلم ونشره للإسلام

وهو عليه الصلاة والسلام الإنسان الذي أتى إلى الأمة الضعيفة المسلوبة المنهوبة المظلومة, فرفع رأسها بين الرءوس, وبنى منبرها بين المنابر, بل أعلى منارتها على كل المنارات.

من هي الأمة العربية؟! من نحن قبل البعثة المحمدية؟! من نحن يا عرب؟! يا عروبة! من نحن قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام؟! كنا رعاة غنم, لا مجد. لا تاريخ. لا حضارة. لا ثقافة. لا معرفة. الهند لهم حضارة, اليونان لهم ثقافة, والصينيون لهم تاريخ, أما نحن فرعاة إبل وبقر وغنم.

إن البرية يوم مبعث أحمد>>>>>نظر الإله لها فبدل حالها

بل كرم الإنسان حين اختار>>>>>من خير البرية نجمها وهلالها

لبس المرقع وهو قائد أمة>>>>>جبت الكنوز فكسرت أغلالها

لما رآها الله تمشي نحوه>>>>>لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

فأخرجنا من الجزيرة العربية لا أنهار. لا حدائق. لا بساتين. أخرجنا بلا إله إلا الله؛ لنسكن على ضفاف دجلة والفرات , وفي مصر أرض الكنانة، أرض النيل , وفي الشام أرض الخضروات والفواكه والغوطة، وما أدراك ما الغوطة؟! وفي صنعاء اليمن أرض البن وأرض الزهراوات وأرض الورود, وفي إشبيليا وقرطبة، وفي الزيتونة وقرطاجة , وفي السند وتركستان , وفي طاشقند وفي كل البلاد أسكننا هناك بلا إله إلا الله.

أتى عليه الصلاة والسلام والله يقول لنا: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2] كانوا في ضلال ما بعده ضلال, أتى إليها عليه الصلاة والسلام، إلى هذه الأمة وهي ترعى إبلها وبقرها وغنمها في الصحراء القاحلة, صحراء الجوع والظمأ واليأس, فأخرجها بلا إله إلا الله إلى الدنيا وأسمعها بلا إله إلا الله مشارق الدنيا.

أخرج عليه الصلاة والسلام هذه الأمة بلا إله إلا الله من النهب والسلب والتشريد والفتك, إلى الإخاء والحب والوئام والصفاء.

وهدمت دين الشرك يا علم الهدى>>>>>ورفعت دينك فاستقام هناكا

كيف ترقى رقيك الأنبياء>>>>>يا سماء ما طاولتها سماء

إنما مثل صفاتك للنا>>>>>س كمثل النجوم للماء

كانت هذه الأمة أجدادنا يا عرب. أمة تأكل الميتة, وتعاقر الخمر, وتعبد الصنم, وتطوف بالأوثان, فجعلها بلا إله إلا الله أمة تخطب في الحرمين , والأزهر , بنينا الأزهر عمره ألف سنة, وخطبنا من على الأزهر، وتكلمنا من على منبره. والزيتونة! دخل أجدادنا تونس والزيتونة فبنوا جامعة الزيتونة , ودخلواقرطبة في الأندلس , والأموي في دمشق , وصلَّوا في كابل وفي جامع صنعاء وصحراء سيبيريا وفي بغداد , وفي كل شبر من أشبار الدنيا التي ذكرت الله, قال تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103].

معيشة الرسول صلى الله عليه وسلم بيننا بسنته

يعيش معنا عليه الصلاة والسلام, يعيش معنا بعد خمسة عشر قرناً من وفاته, فكأنه بين أظهرنا الآن, نصلي فنتذكر قوله: {صلوا كما رأيتموني أصلي} نحج البيت العتيق فإذا هو يقول لنا: {خذوا عني مناسككم} ونأكل ونشرب, ونستيقظ وننام فهو يقول لنا: {من رغب عن سنتي فليس مني} نبدأ الطعام فإذا هو يقول: {قل باسم الله} وننتهي من الطعام فإذا هو يقول: {قل الحمد لله}, لباسنا على سنته, ومشينا على هديه, وجلوسنا على منهجه.

علمنا التوحيد بعد خيبة الشرك, كان الناس في خيبة ما بعدها خيبة, علمنا التوحيد بعد خيبة الوثنية ورجس الشرك, وعلمنا الحرية بعد ذل العبودية والتبعية لكسرى وقيصر, وعلمنا النبل والشرف والعزة.

إنه يتحدث عن دقائق حياتنا وسلوكنا، يتحدث إليك عن لحيتك وشاربك, يقول: اعف لحيتك وقص شاربك، ويتحدث لك عن أظفارك ويطلب منك أن تقلمها, ويتحدث لك عن غسلك من الجنابة، ويوجب عليك أن تغتسل بعد كل جنابة, ويسن لك أن تغتسل للجمعة, يتحدث لك عن ثوبك ما لونه.؟ ما طوله.؟ السنة عدم الإسبال، لا تلبس ذهباً ولا حريراً, يتحدث لك عن السواك وعن الطيب، وعن الجلوس والمشي, فإذا هو معك دائماً.

تأخرت عن وعد الهوى يا حبيبنا>>>>>وما كنت عن وعد الهوى تتأخر

ظمئنا وفكرنا وشابت دموعنا>>>>>وشاخت ليالينا وما كنت تحضر

أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا>>>>>وأنت لنا التاريخ أنت المحرر

الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش أطوار الحياة

إنه عليه الصلاة والسلام يعيش أطوار الحياة, وأيام العمر في الأعمال والمهن, تاجر عليه الصلاة والسلام بالمال, باع واشترى, رعى الغنم ورعى الأمم, حلب الشاة، وخصف النعل، ورقع الثوب, اغتنى فشكر, وافتقر فصبر, حارب فكان الشجاع الذي يرهبه الأبطال, وتنهزم أمامه الجيوش, وسالم وكان الوفي الملتزم بالمعاهدات, سافر وأقام, مرض وصح, سقم وشفي عليه الصلاة والسلام, بكى وضحك, ليكون لك قدوة في هذه المراحل جميعاً.

لبس الجديد إظهاراً للنعمة وإغاظة للباطل, ونحن نلبس الجديد لنقول لله بلسان الحال: لك الحمد يا من ألبسني الجديد, نلبس الجديد لنظهر روعة الإسلام, وجماله, وعظمته, واقتداءً برسولنا عليه الصلاة والسلام, نلبس الجديد لنقول للناس: قد أنعم الله علينا فله الحمد وله الشكر, ولبس عليه الصلاة والسلام البالي تواضعاً للباري, لبس الصوف القديم البالي ليظهر أنه عبد مسكين, يجلس مع الفقراء والمساكين, ويحب الأيتام, ويزور الأرامل, ويقف مع العجائز, ويأخذ بألباب وعقول الناس قال تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63].

ذاك هو محمد عليه الصلاة والسلام ربَّى الأطفال وضاحكهم, ومازح الأهل وسامرهم, في الصلاة الفريضة كما في الصحيحين يأخذ عليه الصلاة والسلام أمامة بنت بنته زينب وهي طفلة, فيحملها في الصلاة ويصلي بالناس، وهو بالفريضة والطفلة على كتفه, فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها, لماذا؟ لأنه أبو الأطفال, ويأتي وهو ساجد فيأتي الحسن فيرتقي على ظهره, والحسن عمره ثلاث سنوات أو أربع, فلا يرفع رأسه من السجود حتى ينزل الحسن , فلما سلَّم عليه الصلاة والسلام، يلتفت للناس ويقول: {لعلي أطلت عليكم إن ابني هذا ارتحلني -أي: صعد على ظهري- وخشيت أن أؤذيه فمكثت حتى نزل}, أيُّ خلق.؟!

ويخطب عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة, فيأتي الحسن وعمره أربع سنوات، فيتخطى في ثوبه، ويقع مرة ويقوم مرة, فينزل عليه الصلاة والسلام ويترك الخطبة، ويحمل الحسن ويجلسه معه على المنبر، ويضع يده الشريفة على رأس الحسن ابن بنته فاطمة , ويقول: {إن ابني هذا سيد, وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين} وبالفعل يصبح الحسن سيداً ويصلح الله به بعد أربعين سنة أو خمسين بين أهل الشام وأهل العراق في الواقعة المشهورة, فيحقن الدماء ويضع الحرب والحمد لله.

ويأتي عليه الصلاة والسلام مكرماً للضيوف يتحفهم ويسامرهم, ويقطع لهم اللحم, ويبشُّ في وجوههم ويعانقهم.

المعجزة الكبرى

قاد الأمة فكانت قيادته دستوراً للقادة, ومنهجاً للزعماء, ووثيقة للساسة, يا زمن! يا تاريخ! يا أرض! يا دهر! إن أعظم نبأٍ هز العالم، هو نبأ هذا الرسول عليه الصلاة والسلام, ليست المعجزة في اكتشاف القنبلة الذرية, ولا الهيدروجينية, ولا الصعود على سطح القمر, ولا حرب النجوم, ولا مادة من المواد، لا. إن المعجزة هي مبعثه عليه الصلاة والسلام, وليست المعجزة اكتشاف أمريكا , وليست المعجزة أن تُرى النار تحت البحر, ولا أن تفجر من المادة مادة أخرى, ولا أن يحول من الحديد ذهباً بالكيمياء، لا. المعجزة مبعثه عليه الصلاة والسلام.

قال تعالى: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ [النبأ:1] مال العالم يتساءل؟ لماذا يسهر العالم ويتساءل؟ ما هو الحدث الذي فض الدنيا؟ ورضخ برأس المعمورة؟ ودوّخ أذن العالم؟ ما هو الخبر؟ محمد عليه الصلاة والسلام عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ [النبأ:1-2] ولم يسمِ الله النبأ لأنه أعظم من أن يسمى عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ [النبأ:2-3] اختلاف العالم في مبعثه دليل على عظمته, يقول العقاد: إذا اختلف الناس في رجل بين مادح وقادح؛ فاعلم أنه عظيم.

أنام ملء جفوني عن شواردها>>>>>ويسهر الخلق جراها ويختصم

فمحمد عليه الصلاة والسلام نام, ولكن العالم ما نام, انشغل العالم يوم بعث عليه الصلاة والسلام, فالكرة الأرضية مشغولة كلها بمبعثه وهو نائم في مكة , كيف؟ لما بعث أرسل الله الشهب من النجوم ترمي الشياطين, كما قال تعالى: دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ [الصافات:9] وقال: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ [الصافات:6-9].

كانوا قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام يتسمعون، وكانوا يسمعون الوحي, وكان يصعد الشيطان على رأس الشيطان حتى يصلون إلى السماء، فيستمعون كلام السماء, فلما بعث لأول يوم حرس الله السماء, ممنوع الاستماع كما قال جل وعلا: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء:212] وما ينبغي لهم ولا يستطيعون, الشياطين أتوا يستمعون بعد مبعثه؛ فإذا النجوم تتهاوى بالقذائف عليهم وبقنابل الراجمات فتحرق الشيطان فيصبح رماداً, فيعود بعض الجن لبعضهم كما قال تعالى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً [الجن:8] يقول بعضهم لبعض: لا سبيل لكم من السماء انتهى, حدث في الأمر خبر, أتى في الدنيا عجب نزل في الدنيا كيان لا نعلم وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ يقول: اقتربنا من السماء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً [الجن:8] قال ابن عباس: [[ما بقي على نجم إلا وعليه ملك يرمي بالنجم الشيطان]] الفلك كل الفلك أصبح محفوظاً بمبعثه عليه الصلاة والسلام, فرجع الشياطين يتحدثون عن رسالته ويقولون: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً [الجن:1] يقول سيد قطب: عجباً حتى الجن يتذوقون القرآن! حتى الجن يعيشون مع القرآن! حتى الجن يعرفون بلاغة القرآن! نعم. وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الجن:19] انتهى.

وأتى عليه الصلاة والسلام يتحدث للإنسانية، فإذا الجن يلحقونه من وادٍ إلى وادٍ. قال تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ [الأحقاف:29] كان في وادي نخلة بين مكة والمدينة يصلي في الليل، فصرف الله له جناً من نصيبين من اليمن؛ ليسمعوا القرآن فسمعوا القرآن, اسمع إلى تعبير القرآن، واسمع إلى روعته وعظمته، قال تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا [الأحقاف:29] يقول شيخهم خنزر هذا شيخ القافلة، وأستاذ هؤلاء الطلاب الذين أتى بهم من اليمن لما وصل قال: أنصتوا قال تعالى: فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29] انتهى فولوا منذرين إلى قومهم وعادوا!

الجنة من طريق محمد عليه الصلاة والسلام

بعث عليه الصلاة والسلام للثقلين, للجن والإنس, وقال كما في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده! لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار}.

أيها القارات الخمس أو الست.. اسمعي إلى محمد عليه الصلاة والسلام يقول: من لم يؤمن به؛ لن يدخل الجنة أبداً, ولن يجد النعيم ولا السعادة, مهما كان تخصصه وعقله, ومهما كانت مهارته وذكاؤه ونبوغه, مهندساً كان أو عالماً, طبيباً أو جيلوجياً, سياسياً أو اقتصادياً, أديباً أو فناناً, حرام عليه الجنة إلا من طريق محمد عليه الصلاة والسلام.

اسمع يا عالم! أيها العالم! إن محمداً عليه الصلاة والسلام يعلن إعلاناً للناس، أنه لن يدخل الجنة أحد إلا من طريقه, قال ابن تيمية: من اعتقد أنه يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي أرسل به محمداًعليه الصلاة والسلام؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

كل أرض لا تشرق عليها شمس الرسالة، فهي أرض ملعونة, وكل قلب لا يرى نور هذا الدين، فهو مغضوب عليه.

ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل>>>>>لم يهده الهاديان السمع والبصر

كان عليه الصلاة والسلام يعيش هذه الأحداث جميعاً, تتساقط عروش الأكاسرة والقياصرة والشاهنشاه والباباوات في مبعثه, لما بعث ألغى بمبعثه إمبراطورية كسرى وقيصر, ما عنده دبابات! ولا صواريخ! ولا جيوش كجيوش كسرى وقيصر جرارة, أتى في المدينة ببردته, نزل هكذا للعالم فتكلم فاهتدى الصحابة ثم قال: هيا على اسم الله اركبي يا خيل الله.

فدخلوا على أولئك الظلمة الفجرة فتساقطت عروشهم كما قال تعالى: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45] وقال: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81].

أيها الإنسان.. يا بن آدم.. إن سعادتك رهن باتباعه عليه الصلاة والسلام, إن أبواب الجنة بعد مبعثه أوصدت وغلقت, فلا تفتح إلا لأتباعه على دينه, وأنصاره في دعوته, ومحبيه في مبادئه.

يا قومي.. إن محمداً عليه الصلاة والسلام سيعيش معكم بسنته إذا أردتم أنتم أن يعيش معكم, سوف تجدونه يتحدث إليكم في جلساتكم متى ما أردتم أن يتحدث إليكم.

نسينا في ودادك كل غالٍ>>>>>فأنت اليوم أغلى ما لدينا

نلام على محبتكم ويكفي>>>>>لنا شرفاً نلام وما علينا

ولما نلقكم لكن شوقاً>>>>>يذكرنا فكيف إذا التقينا

تسلى الناس بالدنيا وإنا>>>>>لعمر الله بعدك ما سلينا

الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش معنا

يا مسلم! يا مؤمن! يا عبد الله! إن باستطاعتك أن تجعل الرسول عليه الصلاة والسلام يعيش معك دائماً, في الطائرة, في السيارة, على ظهر السفينة, في البيت, في الحديقة, في السوق, في الدكان, في المكتب, في الفصل, بماذا؟! بذكره, بالصلاة عليه, باتباع سنته صلى الله عليه وسلم, بالعيش معه, باقتداء أثره, تعيش معه وأنت تسمع لسيرته في الشريط الإسلامي, وتقرأ سيرته في الكتاب الإسلامي, وتقرأ عظمته في القرآن العظيم.

تعيش معه وأنت فقير, لأنه سيد الفقراء, إذا عضك الفقر بنابيه، وجثم عليك بركبتيه، فتذكر الفقير الأول محمداً عليه الصلاة والسلام.

إذا لم تجد ثوباً للعيد تكتسيه أو ثوباً للمناسبات، فاعلم أن محمداً عليه الصلاة والسلام لم يجد ثوباً في بعض المناسبات.

البس لكل حالة لبوسها>>>>>إما نعيمها وإما بؤسها

إذا لم تجد وجبة شهية تأكلها ونمت جائعاً, فاعلم أنه عليه الصلاة والسلام نام عشرات الليالي بلا طعام, بل أخذ الحجر وربطه على بطنه من الجوع.

إذا سهرت من الحمى، وأضناك المرض، وطارحت النجم، وشكوت برحاءك على الله، وسامرت الكوكب, فاعلم أنه عليه الصلاة والسلام قد حمَّ ومرض وعاش المرض والحمى عشرات الليالي.

إذا اغتنيت ورأيت المال معك والصحة؛ والفلل والقصور؛ والأبناء والأولاد؛ والسيارات فاشكر الله, واعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم اغتنى وجمع الأموال؛ فكان شاكراً لله مخبتاً منفقاً متصدقاً.

إذا انتصرت على الباطل, فلا يجمح بك الهوى، ولا تعجبك نفسك, فقد انتصر عليه الصلاة والسلام فخضع رأسه لله ودمعت عيناه.

إذا غُلِبت في الجولات فعليك بالسكينة والصبر, واعلم أنه عليه الصلاة والسلام غلب فسكن وصبر لله عبودية.

إذا مات ابنك فاحتسبه عند الله, فقد احتسب عليه الصلاة والسلام ابنه إبراهيم أحب الأبناء إليه وعمره سنتان، يودعه عليه الصلاة والسلام ودموعه تراق على خده.

بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا>>>>>شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا

نكاد حين تناجيكم ضمائرنا>>>>>يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

فيقول لابنه إبراهيم: {تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون}.

هذا هو الرسول عليه الصلاة والسلام، سيعيش معكم ما أردتم أن يعيش معكم, وسوف يحرم الإنسان العيش معه عليه الصلاة والسلام يوم يغلق بابه عن دخول سنة محمد عليه الصلاة والسلام, يوم يقول للمصحف: اخرج من بيتي! ويضع مكانه المجلة الخليعة! يوم يخرج الشريط الإسلامي المفيد النافع، ويأتي بشريط الغناء الآثم المجرم! سوف يخرج سنة محمد عليه الصلاة والسلام, وسوف يخرج محمداً عليه الصلاة والسلام من بيته, يوم يترك الحلال من الطعام، ويأكل الربا والحرام, ويوم يتخلف عن الصلوات الخمس, ويوم يهاجم السنة في ملبسه ومظهره ومجلسه وممشاه, معنى ذلك أنه يقول للرسول عليه الصلاة والسلام: أنا لا أقبل سنتك! وأنا لا أذعن لمنهجك! وأنا لا أتبع خطاك! وأنا لا أسير على مبادئك!

معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

إن محمداً عليه الصلاة والسلام عالم من المعجزات, الجذع. الاستسقاء. القمر. الطعام، هذا موجز فما هو التفصيل؟! ما معنى الجذع؟ وما معنى الاستسقاء؟ وما معنى القمر؟ وما معنى الطعام؟

بكاء الجذع حنيناً للرسول صلى الله عليه وسلم

معنى الجذع -وقد تكرر ولكن لا بأس- إنه الجذع الذي خطب عليه الصلاة والسلام عليه من نخلة, جذع نخلة كان يخطب عليها, فصنعوا له منبراً وترك ذاك الجذع في طرف المسجد, فحنّ الجذع له عليه الصلاة والسلام وبكى الجذع وهو من خشب, وسمع الناس بكاء الجذع, كأنه العشار أو صوت الأطفال, ونزل عليه الصلاة والسلام ووضع يده على الجذع يسمي ويبرك ويدعو حتى سكت الجذع, لماذا تبكي يا جذع؟ أبكي لمحمد عليه الصلاة والسلام, لماذا تحن؟ أحن إلى سنته, على ماذا تتلهف؟ أتلهف على منهجه وكلامه ومبادئه, هذا من خشب فأين الأجسام؟! وأين العيون؟! وأين القلوب؟! وأين الأبصار؟!

معجزة الاستسقاء

أما الاستسقاء فيقف عليه الصلاة والسلام على المنبر يوم الجمعة: اسمعي يا بشرية! واسمعوا يا قوم! يقف على المنبر يوم الجمعة والسماء صافية لا غمام ولا سحاب ولا مطر, وهذه المعجزة لو ألقيت بين الملاحدة في موسكو لآمنوا إن كان لهم قلوب, فيدخل أعرابي فيقول: {يا رسول الله! جاع العيال وضاع المال؛ فادع الله أن يغيثنا} فيتبسم عليه الصلاة والسلام! لماذا يتبسم؟ الله أعلم, ربما تبسم لأنه ليس في السماء شيء ينبئ عن نزول الغيث, توقعات الفلكيين خطأ.

تقضون والفلك المسير دائر>>>>>وتقدرون فتضحك الأقدار

يقول أهل الفلك وأهل التوقعات: غداً سينزل الغيث فما ينزل غيث غداً, فإذا الشمس تقطع الظهور, ويقولون: السماء صافية ولا غمام ولا سحاب ونتوقع عدم نزول الأمطار, فإذا في الصباح سيول تأخذ الجبال وتكسر الجسور، حكمة بالغة، وقدرة نافذة فما تغني النذر!

هذه التوقعات لم تكن عنده عليه الصلاة والسلام لكن ثقة بالله, والصحابة أمامه وهو في خطبة الجمعة يتبسم, يتبسم من معجزة سوف تأتي ما مثلها معجزة أبداً, فيرفع يديه ويقول: {اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا، قال أنس: والله ما في السماء من سحاب ولا قزعة -أبداً سماء صافية, حر المدينة يسقط الشعر من على الرءوس- قال: فثارت سحابة كالترس -كالكف- من وراء جبل سلع ثم توسطت سماء المدينة ثم ثارت كالجبال, ثم غطت سماء المدينة , ثم أبرقت وأرعدت وأزبدت ثم أمطرت} فنزل الغيث وهو على المنبر ما زال يتحدث للبشرية, فنزل الماء من على سقف المسجد يتهلل ويتحدر على جبهته الشريفة ولحيته، وهو يتبسم في الخطبة من هذا, يتبسم من العجب, وهو يقول: {أشهد أني رسول الله} ونقول: نشهد أنك رسول الله, ونشهد أنك صادق، ونشهد أنك أمين، ونشهد أنك ناصح، ونشهد أن مبادئك حقة سوف تبقى ما بقي في الأرض مسلمون.

أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15] أخرافة هذه؟ هل هذه أسطورة؟ هل هذه ألغاز الشعوذة والكهنة والسحرة؟ لا, إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذريات:23].

وبعد أسبوع يستمر المطر أسبوعاً وتسيل أودية المدينة , ويدخل الأعرابي من الباب أو غيره فيقول: جاع العيال من كثرة الأمطار, وضاع المال, وتقطعت السبل, فاسأل الله أن يرفع عنا الغيث, فيتبسم عليه الصلاة والسلام, ويقول بيده الشريفة: {اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر} فلا يشير إلى جهة إلا وينزل الغيث في تلك الجهة, يشير شرق المدينة فيتحول المطر شرق المدينة , ويشير شمالها فيتحول شمالها، ويخرج الناس من المسجد والمدينة شمس فقط ليس فيها مطر، بدعائه عليه الصلاة والسلام.

معجزة انشقاق القمر

وما أخبار القمر؟ القمر في السماء يشهد أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام, يخرج على أهل الوثنية, يخرج على العملاء الزنادقة وهم في الحرم , سَامِراً تَهْجُرُونَ [المؤمنون:67] يشربون الخمر ويكفرون بالرب تبارك وتعالى, فيقول لهم: {قولوا لا إله إلا الله} حتى يقول لـأبي جهل: أريد كلمة! قال أبو جهل: قل وأعطيك عشر كلمات, وفي رواية مائة كلمة, قال: {قولوا لا إله إلا الله قال أبو جهل: أما هذه فلا} لأن لا إله إلا الله تغير العالم وتغير القلوب والمجتمعات والشعوب, لأن لا إله إلا الله حياة جديدة, وفكر جديد, ومبدأ جديد, ومنهج جديد, أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً [ص:5] هذا خطأ هذا لا يمكن, فيخرج عليه الصلاة والسلام فيقول لهم: {قولوا لا إله إلا الله قال أبو جهل ويقسم باللات والعزى: لا أؤمن لك حتى تشق لي هذا القمر}.ليلة أربعة عشر والقمر صافٍ في سماء مكة , في الليل بعد العشاء فيقول عليه الصلاة والسلام: {أفإن شققته لك -بإذن الله- تؤمن؟ قال: نعم} فدعا عليه الصلاة والسلام وسأل الله أن يشق له القمر, وما هي إلا لحظة فإذا القمر فلقتان, نصفان, نصف يذهب تجاه عرفة , ونصف يتدحرج إلى جبل أبي قبيس , قال: {انظروا اشهدوا} فقاموا ينفضون ثيابهم ويقولون: سحرنا محمد سحرنا محمد! والله ما هو بسحر, والله إنها لا إله إلا الله تعلن شواهدها ودلائلها, والله إنه الحق نزل في الأرض ليثبت وجوده, والله إنها الرسالة الخالدة التي سوف تطوي ثلاثة أرباع الدنيا؛ لتدخل هذه الرسالة بلا إله إلا الله قرطبة وفيافي دجلة والفرات والنيل وجلط والسند والهند , والله إنها المبادئ التي سوف تعيش مع الإنسان يوم يريد أن يكون إنساناً محترماً, قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ [القمر:1-5].

معجزة نبع الماء من يديه

ِويعيش عليه الصلاة والسلام بمعجزته مع الطعام والماء, يقول أنس: {خرجنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام وكان عددنا ما يقارب سبعمائة، فالتمسنا ماءً فلم يجدوا ماءً ووجدوا أداوة فيها قطرات فقال عليه الصلاة والسلام لـأنس أو بلال: اسكب عليَّ، فسكب على يده الشريفة, فقال: باسم الله، ودعا بالبركة فأخذت أصابعه تثور بالماء كالأنهار أو كالغيول من بين يديه} أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15] أهو السحر أم الرسالة الخالدة، والصدق الصراح، والثبات على الحق؟! ويشرب الناس ويروون إبلهم ويغتسلون ويتوضئون به ويبقى عندهم ماء.

عبادته صلى الله عليه وسلم

وعاش عليه الصلاة والسلام في عالم العبادة, فكان العابد لله, وأقرب الناس من الله, وأخوف الناس من الله, يقول أهل العلم: كل شيء تقترب منه تأمنه إلا الله, كلما اقتربت منه خفته، قال الله: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] وأعلم العلماء محمد عليه الصلاة والسلام.

صلاته عليه الصلاة والسلام

العابد في الصلاة, يقف مع زوجته عائشة يقطع معها اللحم، ويقمُّ البيت، ويخصف النعل عليه الصلاة والسلام, فيسمع الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر, قالت: {فيقوم كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه} كان يهتم ويغتم كما يهتم البشر ويغتمون, فإذا أتاه الهم والغم قال: {أرحنا بها يا بلال} أرحنا بالصلاة أسمعني الله أكبر, قرب لنا هذا الوقت.

وقل لـبلال العزم من قلب صادق>>>>>أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا

توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به>>>>>ترقى أبواب الجنان الثمانيا

ويقف في الصلاة عليه الصلاة والسلام فيصلي فلا يتذكر إلا الله, ولا يخطر بباله إلا الله, فإذا هو الخاشع المخبت المنيب, يقوم الليل.

نامت الأعين إلا مقلة >>>>>تذرف الدمع وترعى مضجعك

تقول عائشة: كان عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل -والحديث عند مسلم - يقول: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} يقول ابن عباس -كما في الصحيحين - لما نام معه عليه الصلاة والسلام تلك الليلة فقام صلى الله عليه وسلم، وتوضأ وأتى إلى القبلة -اسمع إلى الدعاء اسمع إلى اختيار الكلمات التي تفجر القلوب- يقول: {اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد, أنت إله السماوات والأرض ومن فيهن، ولك والحمد, أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد, أنت الحق ووعدك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق, اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت؛ فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، لا إله إلا أنت} هذا دعاؤه عليه الصلاة والسلام, وهذه صلاته في السحر يوم تنام العيون.

قلت لليل هل في جوفك سر>>>>>عامر بالحديث والأسرار

قال: لم ألقَ في حياتي حديثاً>>>>>كحديث الأحباب في الأسحار

ويخبرنا عليه الصلاة والسلام بهذه الساعة, فيقول في الصحيحين: {ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داعٍ فأجيبه؟}.

صيامه عليه الصلاة والسلام

ويعيش عليه الصلاة والسلام الصيام, فيواصل الأيام والليالي, يواصل ثلاثة وأربعة لا يفطر لا في الليل ولا في النهار والوصال له, ولا نستطيعه نحن, أراد الصحابة أن يجربوا تجربته فما استطاعوا, فيقول لهم: {إني لست كهيئتكم} وقيل: {إنكم لستم كهيئتي؛ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني} قال ابن القيم: يطعمه ربه من لطائف المعارف ومن الفتوحات، ما يطعمه الطعام الذي هو طعامنا الخبز؛ والتمر؛ والزبيب؛ إذ لو أطعمه هذا لما سمي صائماً.

فقوت الروح أرواح المعاني>>>>>وليس بأن طعمت ولا شربتا

قال ابن القيم: وهذا القوت يعني: المعاني والحكم والمعارف أعظم من قوت البطون, فإن قوت البطون ينتهي، وقوت البطون مشترك بين الحيوان, بين الثور والحمار، والنعجة والإنسان, والكافر يأكل كما يأكل الحمار, قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12] وقال: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3] أما قوت الروح فليس إلا للمؤمن, وأعظم المؤمنين محمد عليه الصلاة والسلام, قال ابن القيم ويستشهد:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها>>>>>عن الطعام وتلهيها عن الزاد

لها بوجهك نور تستضيء به>>>>>ومن حديثك في أعقابها حاد

ذِكره عليه الصلاة والسلام لله

ويعيش عليه الصلاة والسلام الذكر، فيكون أذكر الناس لرب الناس, كلامه ذكر, ونومه ذكر, ويقظته ذكر, وأكله وشربه ذكر, وممشاه ذكر, وجهاده ذكر, فهو الذاكر لله.

لا يفارق الذكر لسانه ولا قلبه، ولا عينه ولا أذنه, أصبح عليه الصلاة والسلام إنساناً يعيش بذكر الله, ويحيا بهذا الذكر ويعلمه الناس قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] وأعظم القلوب قلب محمد صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152] وأقرب الذاكرين محمد عليه الصلاة والسلام, وقال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الأحزاب:41] وأعظم المؤمنين ذكراً محمد عليه الصلاة والسلام.

جهاد المصطفى عليه الصلاة والسلام

يعيش المصطفى صلى الله عليه وسلم الجهاد, فيأبى التصوف الهندي الهندوسي، التصوف الذي أخزى الأمة, التصوف الذي جعل من الإنسان قطعة من قماش بالية في سراديب الظلام, وجعل منه قطعة لحم عفنة لا يعرف معنى الإسلام, يأباه عليه الصلاة والسلام ويقول للناس: {وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

ويقول في الصحيحين: {والذي نفسي بيده! لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل, ثم أحيا ثم أقتل, ثم أحيا ثم أقتل} ويقول: {لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما عليها} ويقول عليه الصلاة والسلام لما سأله سائل: هل يعدل أجر المجاهد شيء؟ قال: {هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تفطر وتقوم ولا تفتر؟} لا يستطيع أحد.

فيركب الخيل عليه الصلاة والسلام، ويركب بغلته ويباري الأبطال، ويضرب جماجم الطغاة في معترك الحرب, ويركب ناقته عليه الصلاة والسلام.

يخوض أكثر من عشرين معركة قتال, وأكثر من أربعين غزوة وسرية وقافلة وحج وعمرة وسفر في سبيل الله.

يعيش الجهاد بكل شيء, بعينه وأذنه وسمعه وبصره, كلامه جهاد, وتحركه جهاد, وقتاله جهاد, وخطبه جهاد, يقف على المنبر فيعقد الرايات لسيف الله خالد بن الوليد , خالد الذي رباه عليه الصلاة والسلام في المسجد, فلم يربه على الأغنية الماجنة، ولا على المجلة الخليعة، ولا على الكأس والسهرة، يربيهم على لا إله إلا الله, ويعطيه الراية ويقول له من على المنبر: {خالد سيف من سيوف الله سلَّه على المشركين} فيقاتل خالد في مائة معركة ما هزم في معركة أبداً.

تسعون معركة مرت محجلة>>>>>من بعد عشر بنان الفتح يحصيها

وخالد في سبيل الله مشعلها>>>>>وخالد في سبيل الله مذكيها

ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم>>>>>ولا رام الروم إلا طاش راميها

هذا خالد وهو حسنة من حسنات محمد عليه الصلاة والسلام.

المصلحون أصابع جمعت يداً>>>>>هي أنت بل أنت اليد البيضاء

ويعيش عليه الصلاة والسلام الجهاد في كل ميادينه, حتى في ميادين الأدب, لم يحول الأدب صلى الله عليه وسلم تحويلاً يائساً سخيفاً, لم يجعل من الأدب والشعر تغزلاً بامرأة، ولا تشبباً بفتاة, ولا مدحاً لسهرة, ولا تزلفاً إلى قوم، وإنما جعله رسالة يدخل بها إلى الجنة قال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:24-25].

حسان شاعر الدعوة, حامل لواء لا إله إلا الله في الأدب والشعر والجلسات والأندية والبطولات, يجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قائداً للشعراء للجنة, ويقرب منبره عليه الصلاة والسلام لـحسان ويقول: {اهجهم وروح القدس يؤيدك} فيقف حسان , وماذا يقول حسان؟ يقول:

وبيوم بدر إذ يصد وجوههم >>>>>جبريل تحت لوائنا ومحمد

فيدعو له عليه الصلاة والسلام, ويقول حسان: ليدخل بهذه الأبيات, وليست كالأبيات الرخيصة التي يحارب بها الله, ويحارب بها الإسلام, ويضيع بها الوقت والعمر, يقول حسان:

عدمنا خيلنا إن لم تروها>>>>>تثير النقع موعدها كداء

تظل جيادنا متمطرات>>>>>تلطمهن بالخمر النساء

فإما تعرضوا عنا اعتمرنا>>>>>وكان الفتح وانكشف الغطاء

وإلا فاصبروا لجلاد يوم>>>>>يعز الله فيه من يشاء

وقال الله قد يسرت جنداً>>>>>هم الأنصار عرضتها اللقاء

فإن أبي ووالده وعرضي>>>>>لعرض محمد منكم وقاء

رضي الله عنك يا حسان , وصلى الله وسلم على أستاذٍ علمك, وعلى معلمٍ أنبتك ودربك وأحياك بلا إله إلا الله أديباً وشاعراً.

أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام

ويعيش عليه الصلاة والسلام عالم الأخلاق, فإذا على أخلاقه تدار أخلاق العباد, برهان وميزان وعرفان, يقول الله له: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] فإذا هو العظيم في الصبر, وفي الكرم, والعظيم في الحلم, وإذا جزئية من أخلاقه تكفي لعالم من الناس, وأنت إذا استقرأت أحوال الصحابة تجد فيهم رضوان الله عليهم الكمال النسبي, أما الكمال المطلق البشري فللرسول صلى الله عليه وسلم.

ويبدأ العدّ التنازلي من أبي بكر حتى يصل إلينا نحن المقصرين الفقراء في عالم الأخلاق, أما الرسول عليه الصلاة والسلام فيعيش تبسماً وتواضعاً وصبراً وشجاعةً وكرماً, يقول جرير بن عبد الله: [[ما رآني عليه الصلاة والسلام إلا تبسم]] والتبسم هذا يسميه بعض العلماء: السحر الحلال, قيل لعالم من العلماء: ما هو السحر الحلال؟ قال: تبسم في وجه الرجال.

والتبسم سهل وهو يباع في الأسواق بلا ثمن, وهو أرخص العملات, وما بيع أبداً بقيمة وقد وجدوه أرخص ما يسام، ولكنه غالٍ جداً عند الأتقياء, والمتكبرون لا يتبسمون.

وجوههم من سواد الكبر عابسة>>>>>كأنما أوردوا غصباً إلى النار

هانوا على الله فاستاءت مناظرهم>>>>>يا ويحهم من مناكيد وفجار

لكن المؤمنين يتبسمون

ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً>>>>>أهدوك من نورهم ما يتحف الساري

تروى وتشبع من سيماء طلعتهم>>>>>بوصفهم ذكروك الواحد الباري

تبسمك في وجه أخيك صدقة.. لماذا يتبسم عليه الصلاة والسلام؟ ليشتري القلوب, القلوب لا تباع بالذهب ولا بالفضة, ولا بالدراهم ولا بالدنانير, تباع بالبسمات, بقي يتبسم للناس حتى أسر قلوبهم.

جمع القبائل والعرب كقرون الثوم, ما يجتمعون أبداً، ما جمعهم ملك، ولا رئاسة ولا إمبراطورية ولا عرفان ولا ثقافة ولا حضارة جمعهم تبسم محمد عليه الصلاة والسلام قال تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63] وقال: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينتهي

الحديث عنه عليه الصلاة والسلام لا ينتهي, لن ينتهي ولماذا ينتهي؟! وكيف ينتهي؟ لأنه إذا انتهى الحديث عنه عليه الصلاة والسلام معناه ينتهي الإسلام, وينتهي وجودنا, وتنتهي عزتنا وكرامتنا وحياتنا.

فلذلك إذا قطع في هذه اللحظة فإنما هو إيذان باتصاله في حلقات في مجالسنا، ومع أهلنا وأطفالنا ومجتمعنا, في المحاضرات والدروس, في اللقاءات، في الأندية, ليبقى هو الإمام الوحيد, والزعيم الكريم, والمعلم النبيل قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

انتهت هذه المحاضرة بعنوان "اسمع يا تاريخ".

الأسئلة

مقطع من قصيدة سأعود للدنيا

وهنا بعض الأسئلة ربما يكون الوقت ضيقاً عن الإجابة عليها, وهنا أربعة أسئلة تطلب القصيدة الأخيرة, وأنا أذكر المقطع فحسب لضيق الوقت اسمها "سأعود للدنيا".

القلب يملي والمدامع تكتب>>>>>ومشاعري مجروحة تتصبب

النجم يشهد أنني سامرته >>>>>سحراً وطارحني بهم كوكب

ما عشت في دنيا السعادة ماجناً>>>>>كلا ولست بعود سلوى أطرب

أبداً.. وما بعت الغرام شبيبتي>>>>>كلا.. ومثلي في الشبيبة أشيب

حرمت ليل الوالهين وصغت من>>>>>دمعي نشيداً للخلود يُرتَب

وفي آخرها.

سأعود للدنيا بهمة سيد>>>>>يأبى الخنوع وعود مجدي أصلب

والصوت أعلى والمشاعر جمة>>>>>والفكر أرقى والمعلم منجب

أعلي بإذن الله دين محمدٍ>>>>>ما مقصدي مال يحاز ومنصب

بعض آداب المصطاف

السؤال: أيها الإخوة الكرام.. بعض الإخوة يكتبون أسئلة عن آداب المصطاف؟

الجواب: وآداب المصطاف هي آداب المسلم عموماً، وليس هناك أبواب عند أهل العلم، لا عند البخاري ولا الترمذي ولا أبي داود باب المصطاف.

إنما باب المسلم في جلوسه، وباب آداب المسلم في ملبسه, وآدابه في أكله وطعامه, نريد من المسلم المصطاف أن ينقلها هنا كما تعلمها من محمد عليه الصلاة والسلام.

لكن هناك أمور أنبه الإخوة المصطافين منها:

1- أن نرحب بهم, ونسأل الله أن يجمعنا بهم في دار الكرامة, في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.

2- نقول: إن وقت المسلم ليس تزجية, وهل معنى الاصطياف وطلب النزهة والذهاب إلى المنتزهات أن تعدم هذه الساعات من حياتك؟ كلا. إن معنى ذلك أنك سوف تـخسر أياماً وليالي لن تعود عليك.

معنى الاصطياف: أنك ترتاح برهة، وأن تنظر وقتاً من الزمن إلى الخضرة والماء وإلى الشجر والزهر, وتتفكر في آيات الله, وتشكر الله على نعمه. معنى الاصطياف: أن تجم روحك فترة من الزمن؛ لتعود قوياً في طلب العلم والعبادة. معنى الاصطياف: أن تأتي داعية في هذه المنتزهات التي عاشت على لا إله إلا الله, أبناؤها لا يرضون بديلاً بلا إله إلا الله, ترابها يؤسس وحجارتها وشجرها على لا إله إلا الله. ولك في الاصطياف دروس من أعظمها:

1- أن تتفكر في آيات الله, وأن في الرابية وفي سفح الحديقة, ومع الشجرة, لا بد أن تذكر الله عز وجل: من خلق هذه الوردة؟! من صور هذه الشجرة؟! من أبدع هذا البستان؟!

وفي كل شيء له آية>>>>>تدل على أنه واحد

فيا عجباً كيف يُعْصَى الإله>>>>>أم كيف يجحده الجاحد

2- ومنها أن تغض بصرك, فإن في هذه الأماكن محارم المسلمين, وإطلاق البصر معناه محاربة لدين الله وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن آداب الاصطياف:

1- أن تقضي وقتك فيما يقربك من الله، من ذكر، وقرآن، وعبادة، ومدارسة علم، في أمر يقربك من رضوان الله, لا غناء، لا لهو، لا غيبة، لا نميمة، لا هتك للأعراض، لا تعدٍ للحرمات.

2- ومن آداب الاصطياف: أن تقتصد في نعمة الله, فلا تبذر تبذيراً ولا تسرف إسرافاً, واذكر أن ألوفاً من المسلمين يعيشون مجاعة وجهاداً وضنكاً, وأنت في أمن ورغد وعيش فقدر نعم الله.

3- ومن آداب الاصطياف: أن تصلي صلاة الجماعة, وألا يؤخرك عنها مثبط أو شيطان مارد أو رعديد خائن لمبادئه, إذا سمعت صلاة الجماعة وأذن لها فاحضر, في أي مكان من أمكنة الاصطياف.

4- ومن آداب الاصطياف: أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, يقول لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17] تأمر بالحكمة وتنهى بالحكمة وتدعو إلى سبيل ربك, تأمر الناس فإن في الناس مرضى وهلكى ومبتلين, منحرفين عن منهج الله، توصل إليهم الكلمة الطيبة في قالب من النصح كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}. هذه من آداب الاصطياف, وسوف يكون هناك -إن شاء الله- عودة أو درس أو خطبة عن هذه القضية الكبرى؛ لأنها بلد المصطاف يؤمه الناس لطلب الراحة والنزهة, نسأل الله أن يسعد كل مسلم وأن يهنئه بما أعطاه, وأن يجعل ما أعطاه عوناً له على الطاعة.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , اسمع يا تاريخ! للشيخ : عائض القرني

https://audio.islamweb.net