اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كلام جميل وفعل قبيح للشيخ : عائض القرني
عنوان هذا الدرس: (كلام جميل وفعل قبيح) وهو تذييل وتعليق لبعض أهل العلم على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44] وهذه الآية هي أول آية معنا في هذا الدرس.
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44] لا زال الحديث مع بني إسرائيل وكان الدرس السابق بعنوان (أول لقاء مع بني إسرائيل) وهو تجريد لأعمالهم وكشف لمخططاتهم وما فعلوه؛ لعلنا أن نجتنب ما وقعوا فيه.
وكما قيل:
إياك أعني واسمعي يا جاره
مصائب قوم عند قوم فوائد
قال أهل العلم كـالرازي وغيره: الخطاب في هذه الآيات لبني إسرائيل ولنا؛ لأنهم انقرضوا أو بقي منهم أناس كفرة فبقي الخطاب لنا نحن الأمة الإسلامية، وهذا الخطاب بالخصوص للدعاة ولطلبة العلم وللعلماء وللآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، يقول الله لنا ولهم: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
هنا مسائل أولها:
يقول أبو الأسود الدؤلي في مقطوعة له:
يا أيها الرجل المعلم غيره>>>>>هلاَّ لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا>>>>>كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها>>>>>فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
يقول عليه الصلاة والسلام والحديث عند أحمد والطبراني ويقبل التحسين، وربما أصله في الصحيح لكن هذه هي الرواية التي اطلعت عليها: {مررت ليلة أسري بي بأناس تقرض شفاههم بالنار، قلت:من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم} تقرض شفاههم بالمقاريض وهم في النار والعياذ بالله؛ وخصت الشفاة؛ لأنهم طالما تكلموا ووعظوا ووجهوا الناس بها.
ذكروا عن أحد الصالحين من الدعاة أن عبداً رقيقاً أتى إليه فقال: أريد أن تخطب الناس في العتق لعل سيدي أن يعتقني من الرق، فخطب الناس ودعاهم، وهكذا في كل جمعة فجاء العبد وقال: في كل جمعة الحث على العتق ولكن سيدي ما أعتقني، قال: انتظرني إذاً وقتاً من الزمن، قال: فأتى هذا الرجل الداعية فجمع أموالاً واشترى عبيداً وأعتقهم لوجه الله، ثم قام فوعظ الناس بالعتق، فلما خرج الناس أتى السيد إلى عبده فأعتقه، فسئل هذا السيد كيف أعتقته والعالم هذا يتكلم من زمن؟ قال: ما وقع كلامه في قلبي إلا هذه الجمعة، وهذا يدل على أن العمل إذا وافق القول، وقع موقعه.
كان بنو إسرائيل -نعوذ بالله من الخذلان- في المجالس والدعوة كلامهم جميل، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، وربما وصل ببعضهم ألا يصلي ويشرب المسكر ويزني ويقتل، ولكن إذا وقف أمام الناس وقف داعية، وقد شهد التاريخ نماذج من هذا، لكن بالخصوص بنو إسرائيل امتازوا بذلك حتى قال الله في عالمهم: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:175-176].
وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {يلقى برجل في النار فتندلق أقتاب بطنه في النار، فيدور عليها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له: يا فلان! أما كنت تأمرنا بالمعروف؟ قال: بلى، قالوا: أما كنت تنهانا عن المنكر؟ قال: بلى، قالوا: فما لك؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر فآتيه} وهذا هو معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
ولذلك كان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؛ لصدقه مع الله، ولإخلاصه، ولقربه من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
ولا يزال الداعية محاسباً نفسه حتى ينطبق قوله مع فعله، ونعوذ بالله من الخذلان، والحرمان، أن نأمر الناس بشيء ثم لا نأتيه.
جاء رجل إلى ابن عباس -وهذه القصة عند ابن كثير - وقال له: أريد أن أعظ الناس، قال: [[ماذا فعلت بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44] أأحكمتها؟ قال: لا، قال فهل أحكمت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3] أأحكمتها؟ قال: لا، قال: فهل أحكمت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن شعيب: إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88] أأحكمتها؟ قال: لا، قال: فاذهب، فأمر نفسك ثم أمر الناس]] ولكن عند أهل العلم أنه من قام بالفرائض واجتنب الكبائر فلا بأس أن يدعو الناس ولو إلى نوافل لا يقوم بها.
قال الإمام أحمد: لو مكث الإنسان حتى لا يكون فيه عيب ولا نقص ولا ذنب، ما أمر أحدٌ بمعروف ولا نهى أحد عن منكر، لكن من وقع في بعض الصغائر وفوت بعض النوافل، فأما الكبائر فلابد للواعظ أن يمتنع عنها، والفرائض حتى يأتي بها ثم ينصح الناس.
إنسان لا يصلي ثم يقوم يدعو الناس إلى الصلاة أليس بأكبر الفجار؟ بلى. إنسان ينادي بنزع الخمر والربا وهو خمار مرابٍ، كيف يقبل منه؟
وقد وقع للعلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان مثل هذا الموقف وكان يعيش في المدينة المنورة وكان هناك رجل أحمق معتوه، مرفوع عنه القلم، كان يأتي عند المسجد النبوي ويقول: صلوا صلوا، فإذا مر الشيخ، والشيخ عليه جلالة وعليه ديانة وزهد وعبادة، يقول للشيخ: صلِّ صلِّ، وهو إذا دخل المسجد لا يصلي؛ لأنه معتوه مرفوع عنه القلم فلا يدخل، فكان كلما رأى الشيخ يقول قال له: يا شيخ صلِّ، قال: وأنت محتاج إلى قليل صلاة، وأنت لماذا لا تصلي؟ أنت تحتاج إلى قليل من الصلاة، قال: إن شاء الله آتيكم، وهذا كأن القلم رفع عنه.
أما النوافل فإنه أحياناً لا يستطيع الإنسان أن يأتيها، إنسان لا يستطيع قيام الليل فقد يكون مشغولاً بالجهاد أو أنه عالم وعنده تدريس ومراجعة وتخريج، وقد يأخذ عليه وقتاً طويلاً فلا يستطيع أن يوتر إلا قبل أن ينام، فلا نقول له: لا تأمر الناس بقيام الليل.
بل يأمرهم لأنهم سوف يكونون في ميزان حسناته إذا قاموا الليل، وقد يوجد إنسان داعية لكنه فقير، فله أن يأمر الناس بالصدقة، وإن كان لا يجد ما يتصدق به، لعله أن يجد من الأثرياء من يتصدق، وقس على هذه الأمور.
إذاً: فلا بأس على الداعي أن يتحدث عن أمور من النوافل ولو لم يستطع لها،كصيام النافلة، وقيام الليل، والصدقة، عل الله أن يهدي: أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح إنما دخل النقص على بني إسرائيل، أنهم كان الرجل إذا لقي أخاه ينهاه ثم لا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه في آخر النهار، حتى قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].
ولا إله إلا الله ما أظلمه!
ولا إله إلا الله ما أوحشه!
فالناس ما بكوا لأن الحجاج هو المتكلم، فهو الذي قتل مائة ألف وقتل العلماء، وأخاف الناس، فأخبر الحسن بهذه الموعظة فقال: سبحان الله! يلبس لباس الفساق، ويعظ وعظ الأخيار، ويضرب رقاب الناس ويقرأ القرآن على لخم وجذام، هذا ما كان له قبول.
لكن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه الزاهد.
عليك سلام الله وقفاً فإنني >>>>>رأيت الكريم الحر ليس له عمر
إذا شجرات العرف جذت أصولها >>>>>ففي أي غصن يوجد الشجر النضر
عمر بن عبد العزيز يقف في الثامنة والثلاثين من عمره على المنبر في أول جمعة قامها بعد الخلافة، فيأتي وينظر إلى الأمة فيبكي ويجلس ثم يقوم يتكلم فلا يستطيع أن يتكلم، قال: يا أيها الناس بيعتكم في أعناقكم، الله حملني الشيخ الكبير والعجوز والأرملة والمسكين، ماذا أقول لربي يوم القيامة؟ ثم بكى.
قال رجاء بن حيوة أحد الوزراء عنده، والله لقد نظرت إلى الجدران هل تبكي معنا أم لا، قال: ما بقي أحد، بكى الناس كلهم، فيرى هل تبكي الجدران؟ لأنه صادق وعلم الله صدقه، ولا بأس أن نقف معه قليلاً.
لما تولى الخلافة أتى إلى عبده، وكلنا عبيد الله لكنه مولى أسمر دائماً يرابط الخلفاء، ومعه سيف طويل للطوارئ، وأي إنسان يعترض في الطريق، يضرب رأسه فإذا هو قسمين رأسه في جهة وجثته في جهة.
كان مزاحم دائماً مع الخلفاء، فلما تولى عمر بن عبد العزيز أخذه عمر بينه وبينه، قال: أحببتك لاثنتين، قال: ما هي؟ قال: رأيتك وقت الضحى ونحن في سفر لا يراك إلا الله خلوت بنفسك وراء الجبل فركعت ركعتين.
انظروا إلى المواصفات عند الخليفة عمر بن عبد العزيز لم يقل: أنت من أسرة فلان وأنت تحمل مؤهلاً، قال له: خلوت وراء جبل وصليت ركعتين في مكان لا يراك فيه إلا الله.
المسألة الثانية: رأيت مصحفك معك دائماً. من علامة الخير أن يكون الرجل مصحفه في جيبه يجلس خمس دقائق في مكتبه يفتح المصحف يتصل بالواحد الأحد، أتظن المنافق يحب القرآن؟! أتظن أن المنافق دائماً مصحفه معه؟! لا.
بل والله إنه يوجد من يقرأ عشرات الجرائد من الصحف والإعلانات، وإعلانات شركات الإسمنت، ودرجة الحرارة، والصيدليات المناوبة، والضائعين والضائعات، ولكن لا يقرأ ولو صفحة في اليوم من القرآن، كيف ترجو له النجاة! كيف تريد له نوراً!
ولذلك يقول: لأجل هاتين الاثنتين اخترتك وزيراً معي.
يا مزاحم: إذا رأيتني عدلت عن الصراط المستقيم؛ فخذني بتلابيب ثوبي وقل لي: اتق الله يا عمر!
ولما تولى الخلافة في أول يوم، بعد سليمان، قال للحاشية الأولى: أنتم معفيون لا أريدكم أبداً إلى يوم القيامة، سبحان الله يا عمر كنا مقربين من عبد الملك والوليد وسليمان! قال: هذا هو الأمر، قالوا: من يجلس معك؟ قال: يجلس معي فلان وفلان وفلان وعد سبعة واختار مطرف بن عبد الله بن الشخير، ورجاء بن حيوة المحدث الكبير، واشترط على هؤلاء السبعة العلماء ثلاثة شروط هي:
الشرط الأول: ألا يُغْتَاب أحد من المسلمين أبداً.
الشرط الثاني: ألا يمدح في المجلس.
الشرط الثالث: ألا تذكر الدنيا في المجلس.
ويبدأ المجلس بعد صلاة العشاء كأن بين أيديهم جنازة.
عمر نوعٌ آخر من الناس، ولذلك هدى الله به الأمة ووجهها إلى المسار الصحيح، فكان إذا تكلم؛ كان لكلامه وقع في القلوب حتى يكاد يرجف بالقلوب.
أولاً: أنتم تأمرون ولو لم تأمروا لكانت المسألة سهلة، تجد إنساناً فاسقاً يستحي على نفسه.
قيل لأحد السلاطين وهو نور الدين محمود زنكي بطل من الأبطال كردي ليس عربي بعض الناس الآن يقول: ما يصلح إلا العربي! لكنه ولي من أولياء الله عز وجل، ترجم له ابن كثير يقول: سقى الله عظامه شآبيب الرضوان، كان مخلصاً لله، ذكروا عنه أنه سجد ذات مرة -من ضمن تضرعه وذلته لله وخشيته من عذاب الله ومقته لنفسه- يقول: اللهم اغفر لعبدك الكلب محمود -وهو يقصد نفسه-.
قيل له: لماذا لا تعظ الناس؟ قال: أنا مثلي يعظ الناس! كم تساوي هذه الكلمة؟! ولذلك قد يأتي من الحمقى رجل إذا وعظته يقول: أتقول هذا الكلام لمثلي أما تستحي أن تعظني، أنا أحتاج إلى دعوة.
حتى ذكروا أن الإمام أحمد قام أمام الناس فوصف الجنة والنار، فقال: يا أيها الناس! والله لا يضمن أحد لنفسه الجنة حتى أنا لا أضمن لي الجنة، أنت أنت يا إمام ماذا فعلت؟ هذه الكلمة كانت إداً.
ذكر أهل السير في ترجمة عيسى عليه السلام وذكرها ابن كثير في مواطن: أن رجلاً من بني إسرائيل كان عابداً، فأخذ فاسقاً بيده فذهب به إلى بيت المقدس، فلما اقتربوا من بيت المقدس دخل العابد ووقف هذا الفاسق، قال: ادخل، قال: أنا مثلي يدخل بيت المقدس أألطخه بسيئاتي وبمعاصيّ! فأوحى الله إلى عيسى قل لذاك الفاسق: كلمته هذه عادلت سبعين سنة من عبادة هذا العابد.
لكن لا يعني ذلك أن الإنسان يقول: ما سمعنا بمثل هذا الشيء السهل، إذاً: نسمع الغناء، ونفعل الزنا والربا والفواحش -نعوذ بالله- ونقول: نحن نلطخ المجتمع بمعاصينا وذنوبنا! لا والله إن هذا هو الفحش والبعد عن الله، لكن وصل هذا العبد إلى تلك المكانة بما وقر في قلبه من الذل لله تعالى.
وفي الحديث الصحيح: {أن عابداً أتاه رجل مسرف كان يقترف المعاصي، فقال له العابد: اتق الله واستح منه، فقال: دعني أنا وربي لعل الله أن يرحمني، فلقيه فقال له: اتق الله، عد إليه ولا تعصيه، قال: دعني وربي لعل الله أن يرحمني، قال: والله لا يغفر الله لك! فقال الله عز وجل: من الذي يتألى عليَّ؟ من الذي حلف على الله؟ أشهدكم يا ملائكتي أني غفرت لهذا المجرم -أو هذا الفاسق- وأحبطت عمل هذا العابد} فليستأنف العمل من الآن، أي: سجلاته شطب عليه في لحظة وذاك غفر له، ويبدأ ذاك من الصفر وهذا من الصفر، ذاك مقبول، وهذا مطرود بكلمة زهو وعجب على الله بها، ولذلك قالوا: أنين المذنبين خير من تسبيح المقربين، فهو مذنب ولكنه يئن إلى الله ويرجع إليه، أما مذنب يذنب ولا يزال في الفحش، ويقول: نحن مذنبون مقصرون فهذا من المخادعة أما إنسان كان له تاريخ أسود وعاد إلى الله فهذا من الأقربين إلى الله، ولذلك تجد ذلة المعصية معه دائماً تستصحبه، حتى يلقى الله وهو من أحسن الناس.
قال سعيد بن جبير كما ذكر عنه الإمام أحمد في كتاب الزهد: رب حسنة أدخلت صاحبها النار، ورب سيئة أدخلت صاحبها الجنة، قالوا: بماذا؟
قال: عاص عمل سيئة فلا يزال يبكي منها ويندم عليها حتى دخل الجنة، ورجل عمل طاعة فلا يزال يدل بها ويتكبر ويفتخر حتى دخل النار.
ولذلك عند الطبراني والبزار بسند فيه كلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن العالم الذي ينفع الناس ولا ينفع نفسه كالشمعة تضيء للناس وتحرق نفسها} ولذلك ما هي الفائدة أن ينجو الناس وتهلك أنت؟
وما الفائدة أن يستفيد الناس ولا تستفيد أنت؟
قال: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44] قالوا: هذا ينطبق على طلبة العلم الذين يدرسون إلا أن يبلغوا هذا العلم الذي بين أيديهم.
وطلبة العلم يؤتون من ثلاثة مداخل:
المدخل الأول: الكتمان نعوذ بالله من الكتمان، فإنك قد تجد طالب علم يكتم ما عنده: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ [البقرة:159] قد تجد عالماً يحفظ عشرين متناً، وقد تسمع من طلبة علم، قالوا: فلان يحفظ المتون كلها لكن في بيته، وحفظ القرآن والصحيحين والسنن والمعاجم والمسانيد، فإذا أتاه طلبة العلم يريدون معلومة منه، تشفعوا وتوسلوا، ودخلوا وخرجوا، وطرقوا الأبواب، وحاولوا أن يخرج فلا يخرج، فإذا أعطاهم وجهه مرة؛ أعطاهم الكلام كأنه يزنه في ميزان الذهب، وقته ضيق لا يستطيع أن يبذله، يقول: ليس عندي وقت، لماذا؟ قال: الوقت حرج، ولذلك ما فائدة العلم:
يزيد بكثرة الإنفاق منه>>>>>وينقص إن به كف شددتا
ولذلك أكثر ما منيت به الأمة الإسلامية اليوم يوم جلس بعض العلماء في الصوامع العادية، فتجد العالم يجلس في الصومعة ولا ينزل للناس، فيترك الشباب وحالهم إما يستقيمون أو يضلون أو يهتدون أو يمرقون وينظِّرون لأنفسهم، وأصبح الشباب هم المفتون والقادة والمنظرون، فلذلك أتى في المسيرة اعوجاج لأن العلماء ما قادوا هذه المسيرة، وهم الذين ينبغي أن يقودوها.
المدخل الثاني: العجب والكبر على الناس؛ وقد يصاب بها بعض أهل العلم، نعوذ بالله من ذلك.
المدخل الثالث: الحسد وهو لا يقع كثيراً نسأل الله العافية والسلامة.
فقال: (الكتاب) ولم يقل (التوراة) لأنه لو قال (التوراة) لسكت أهل القرآن، ولو قال (القرآن) لسكت أهل التوراة، وهكذا أهل الإنجيل، لكن قال (الكتاب).
كل من يقرأ القرآن، ومن يقرأ كتب السنة وغيرها من كتب العلم، فعليه أن يبلغ وأن يستحي على نفسه من ذلك الأمر، أن يقرأ الإنسان ثم لا يبلغه إلى الناس نعوذ بالله من الخذلان.
ومما يحكى في هذا أن أحد طلاب الصوفية مر به ابن تيمية وهو يقرأ -وهو لا يعرف يقرأ- يقول: فخر عليهم السقف من تحتهم، في سورة النحل، والسقف دائماً يكون فوق، والقرآن يقول: فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِم ْ [النحل:26] قال ابن تيمية: سبحان الله لا عقل ولا علم، إذا لم يكن عندك علم تعرف أن السقف دائماً يكون من فوق، فيقولون في المثل: أعمى ويناقر، لا عقل ولا علم، فإن بعض الناس إذا ما كان عنده خشية في الدين، لكن تجد عنده حمية وغيرة، فمثلاً تجد بعض الفسقة يأنس لبعض الأمور، أي: لا يريد الفاحشة أن تنتشر، فمجتمعه فاسق بنفسه، لكن تجد فيه غيرة على المحارم، لا يقبل الدياثة في بيته فهو حازم، يغضب إن قيل له: يا فاسق! يغضب إذا جلس مع شلل السوء، يغضب إذا وجد أحد أولاده في المقاهي وأماكن الخسارة والدمار، ففطرته عريقة وعنده مروءة ونخوة.
وبعضهم يجتمع له تركيب لا دين ولا مروءة ولا نخوة ولذلك يتردى ويصبح كالبهيمة والعياذ بالله، فهذا أمر لا بد أن يلاحظ في هذه الآية ولا بد أن تكون نصب العين.
كان البراء بن مالك فارساً عجيباً- يقول عمر للقواد: لا تولوه الجيش؛ لأنه لو تولى الجيش حطم نفسه وحطم الجيش ودخل به في مضيق لا يخرج منه أبداً، عمر يريد قائداً يريد الحياة نسبياً، يريد أن ينجو بالناس، لكن البراء يريد أن يدخل بالجيش فيدمره، قال: لا تولوه قيادة الجيش، كان إذا أراد أن يصارع في المعركة أتاه إغماء، ثم يقوم من الإغماء بعد أن يرش بالماء، فيأخذ سيفه فلا يزال يقاتل في الأعداء حتى ينكسر سيفه أو ينهزم الذي أمامه، هو من أشجع الناس، دخل عليه أخوه أنس وهو يرتجز -أي: ينشد نشيداً إسلامياً ويرفع صوته- وكان صوته جميلاً والصوت الجميل بالشعر المباح لا بأس به، قال له أنس: أتنشد وأنت من صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: اسكت فوالله الذي لا إله إلا هو لا أموت إلا قتلاً. يحلف؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك) لو حلف على الله لأنفذ الله يمينه؛ لأنه بلغ في الولاية مبلغاً عجيباً، فحلف أن يموت شهيداً.
وسبب هذا الحديث: أن أخت البراء نزعت ثنية امرأة، فأتت المرأة تشتكي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: نقتص من أختك يا براء، قال: أختي تقتصون منها، قال: نعم، قال: بم تقتصون؟ قال: ننزع ثنيتها، قال: والله لا تنزع ثنيتها أبداً -والرسول صلى الله عليه وسلم هو الحاكم- فقال صلى الله عليه وسلم: اذهبوا إلى أهلها فإن رضوا بالأرش فلا بأس، فذهبوا إليهم فرضوا، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: (رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره) أشعث: رأسه ليس مُسَرَّحَاً، لا يعرف الدهن ولا الزيت؛ لأنه فقير ثيابه مغبرة، ينام على الرصيف، ويأكل على الرصيف، ويلقي المحاضرة على الرصيف، ولم ير قصراً إلا بعينه، ومعنى: ذي طمرين أي: ذي ثوبين ممزقين.
ألا رب ذي طمرين محفوفة له>>>>>غدت روضه منسوجة ونمارقه
إلى آخر ما قال ( لو أقسم على الله لأبره) إنما المقصود أقسم أن يموت شهيداً، ويقول عنه أهل السير: إنه قتل مائة فارس مبارزة من غير ما قتل في المعارك.
وأتى وعد الله الحق، وكان إذا حضر المعركة نظروا إلى البراء ماذا يفعل فأتاه الإغماء:
لما حضرنا كشفنا عن جماجمنا>>>>>ليعلموا أننا بكر فينصرفوا
قالوا البقية والهندي يحصدهم >>>>>ولا بقية إلا السيف فانكشفوا
أتى في اليمامة هو والأنصار، فلما رأى المسلمين فروا في أول المعركة، ورأى الكفار أقبلوا؛ قال البراء: [[بئس ما عودتم أقرانكم، والله ما كنا نفر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم]] ثم أخذ غمد السيف وكسره على ركبته، ومعنى كسر السيف أنه لن يعود إلى مكانه، فضرب به حتى نصر الله المسلمين.
وأتت معركة تستر وقائدها أبو موسى الأشعري فرأى أبو موسى الجيش الأجنبي الكافر وإذا هو كالجبال، وجيش المسلمين قليل، فالتفت إلى البراء بن مالك الأشعت الأغبر ذي الطمرين، قال: [[يا براء أسألك بالله أن تقسم اليوم على ربك أن ينصرنا، قال: انتظرني قليلاً]] فانتظره قليلاً فذهب واغتسل ولبس أكفانه وتحنط: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171]:
إذا ما فررنا كان أسوأ فرارنا >>>>>صدود الخدود وازورار المناكب
صدود الخدود والقنا متشاجر >>>>>ولا تبرح الأقدام عند التضارب
أتى والمسلمون صف والمشركون صف، وقال: [[اللهم إني أقسم عليك اليوم أن تنصرنا وتجعلني أول شهيد]] ودارت رحى المعركة وكان أول شهيد في المعركة، وانهزم الأعداء ولحقهم المسلمون يضربون فيهم ضرباً عنيفاً حتى هزموهم فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ [محمد:21] وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
كان سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة إذا أتى في المجلس والرسول صلى الله عليه وسلم معه علماء وكبار وشهداء الصحابة يقول: (هذا خالي فليرني كل خاله) أي: من كان عنده خال فليريني مثل هذا الخال.
فأتى سعد رضي الله عنه فقال: [[لما حضرنا معركة أحد أتى عبد الله بن جحش وهو شاب في الثلاثين قال: يا سعد تعال ندعو الله وراء هذه الصخرات، قال: فملت معه وراء الصخرات، قلت: ادع أنت، قال: فدعوت الله بالنصر للإسلام والمسلمين وللرسول عليه الصلاة والسلام -قبل المعركة بدقائق- فأما عبد الله بن جحش فاستقبل القبلة وقال: اللهم إنك تعلم أني أحبك، اللهم لاقي بيني وبين كافر هذا اليوم شديد حرجه قوي بأسه فيقتلني فيك، فيبقر بطني ويجدع أنفي، ويفقأ عيني، ويقطع أذني، فإذا لقيتك يوم القيامة في هذه الصورة تقول لي: لم فعل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب، قال سعد: والله الذي لا إله إلا هو ما انتهت المعركة إلا ورأيته مبقور البطن، مجدوع الأنف، مفقوء العينين، مقطوع الأذنين، فقلت: أسأل الله أن يلبي له ما سأل]] فقد قدم أول المؤهلات، وهي قوله: (إنك تعلم أني أحبك) وهذه من رواية سعيد بن المسيب.
ولذلك قالوا فصدقوا، ونووا فأعطاهم الله أحسن ما تمنوا، فيالله كيف كانوا من جيل! ولا إله إلا الله كم بنى صلى الله عليه وسلم من صرح! وكم ترك من فئة عبدت الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وأسست كياناً خالداً في الأرض لا يمحى أبد الدهر! أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
أولاً: أن هناك إشكالاً وهو أنه كيف يكون هذا الخطاب لبني إسرائيل وهم لا يصلون؟ وقد أجاب على ذلك بعض العلماء بأنه لعلهم أن يتوبوا وغير ذلك من الأجوبة.
والسؤال الذي أثاره الرازي وغيره كيف يأمرهم الله بالصلاة وهي لم تفرض عليهم كهيئة الصلاة هذه؟ قالوا: الصلاة تشمل الذكر والخشوع والإنابة، فيمكن أن يكون لهم صلاة مختلفة الهيئة عن صلاتنا، إذاً فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ [البقرة:45] كيف يستعينون بالصبر ويصبرون؟
والصبر هذا من أحسن ما يوصى به المؤمن، قال الإمام أحمد: عجيب أمر الصبر تدبرته في القرآن فوجدته في أكثر من تسعين موضعاً.
سئل عمر: [[بم أدركتم هذه المنازل؟ قال: بالصبر أدركنا ما تمنينا]] والصبر لو كان رجلاً لكان جميلاً، ولو كان جبلاً لكان راسياً، ولو كان شجرة لكانت فواحة معطاة، والصَّبْر كالصِّبْر وهو دواء مر علقم يحرق، فالصبر مثله ولكنه في الأخير من أحسن ما يكون:
صابر الصبر فاستجار به الصبر>>>>>فقال الصبور للصبر صبراً
ومعنى هذا الكلام، أي: الرجل العظيم صابر الصبر، وتوافق هو والصبر في منزلة حتى يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200] قالوا: اصبروا على الأعمال، ثم طاولوا في الصبر ومدوا أنفاسكم واثبتوا على مكان الصبر، واتقوا الله لعلكم تفلحون.
فقال الشاعر: هذا الرجل فيه من الصبر أنه صابر الصبر (فاستجار به الصبر) أي حتى قال الصبر: أعوذ بالله منك، فاستعاذ الصبر بالله من هذا الرجل من شدته وقوته، (فقال الصبور) أي الرجل للصبر: صبراً.
وبات أبو وردي المحدث الشاعر الكبير يقول:
تسترت من دهري بظل جناحه>>>>>فعيني ترى دهري وليس يراني
فلو تسأل الأيام عني ما درت>>>>>وأين مكاني ما عرفن مكاني
ثم يقول في قصيدة أخرى:
وبات يريني الدهر كيف اقتداره >>>>>وبت أريه الصبر كيف يكون
قيل: كيف يذاق الصبر؟
قالوا: "من لم يعرف الصبر ما ذاقه".
القسم الأول: صبر على الطاعات، وهو أجلها وأعظمها، فإذا رأيت إنساناً -مثلاً- يتوضأ كل يوم خمس مرات، ويأتي إلى المسجد، فاعلم أنه من أحسن الصابرين، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط} فهذا أعلى درجات الصبر؛ لأن الصبر على مصيبة مثل موت الإبن تحصل في العمر مرة، قد يموت في العمر ابن واحد أو في عشر سنوات لكن الصلوات الخمس كل يوم، في البرد والحر، وفي النشاط والفتور، وفي الصحة والمرض...
ثم تصابر على الصف الأول حينها تتفوق، فالصبر على الطاعات من أجملها.
القسم الثاني: صبر عن المعاصي: أن تجمح نفسك عن فعل أي ذنب وهذه في المرتبة الثانية.
القسم الثالث: صبر على المصائب، وأجمل قصص الصابرين في المصائب.
وممن يشهد له في هذا الجانب عروة بن الزبير تقطع رجله من الفخذ ويموت ابنه في نفس اللحظة، فيستيقظ من إغمائه ويقول: [[اللهم لك الحمد إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، أعطيتني أربعة أبناء، وأخذت ابناً واحداً، وأعطيتني أربعة أعضاء وأخذت عضواً واحداً فلك الحمد]] ثم يقول:
لعمرك ما مديت كفي لريبة>>>>>وما حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا ذل لي فكري ولا نظري لها>>>>>ولا قادني فكري إليها ولا عقلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الله>>>>>إلا قد أصابت فتى قبلي
ولذلك قيل: ما هي علامة الصابر؟ قالوا: ألا يقول: أح، فالطفل إذا قرب يده من شيء حار قال: أح، حتى يقول أحد الشعراء في الصبر وهو الشريف الرضي -لكن صبره في ماذا؟! الشريف الرضي يطلب الإمارة والمنصب في الدنيا، يقول أنا صبرت حتى نلت الإمارة وهذا صبر لكنه ليس الصبر الذي نقصده، يقول:
أقسمت أن أوردها حرة>>>>>وقاحة تحت غلام وقاح
إما فتى نال المنى فاشتفى>>>>>أو فارساً زار الردى فاستراح
قال أحد العلماء ليس صبرك بصبر، بل الصبر:
إذا طلبت الله في كل ما>>>>>أملته نلت المنى والنجاح
بهمة تذهب ماء الحصى>>>>>وعزمة ما شابها قول آح
دخلوا على الإمام أحمد وهو مريض مرض الموت، إمام أهل السنة والجماعة -سلام على الإمام أحمد يوم ولد، وسلام عليه يوم أسلم، وسلام عليه يوم يموت، وسلام عليه يوم يبعث حياً- دخلوا عليه وبه من الحال ما لا يعلمه إلا الله، حتى كان يئن، أي: كان يزفر أنيناً، فقال له أحد الجلاس: سمعنا أن طاوساً كره الأنين للمريض، فما أنَّ بعدها أبداً.
ودخلوا على أبي بكر الصديق فقالوا: ماذا تشتكي؟ قال: [[عرضت أمري على الطبيب -يقصد الله عز وجل- قالوا: ماذا قال لك؟ قال لي: قال: إني فعال لما أريد]] أخذه شاعر الصوفية وقال:
كيف أشكو إلى طبيبي ما بي>>>>>والذي قد أصابني من طبيبي
وهذه منازل يختارها الله لمن يشاء وأعظمها الصبر على الطاعات.
سيد قطب له كلام عجيب على هذا، يقول في كلام ما معناه: إن النفس إذا طاولها الباطل، وأتتها الشواغل والفتن، توقفت فاحتاجت إلى مدد ووقود حتى يأتيها الصبر والصلاة، واستعينوا بالصبر، وإذا انتهى الصبر فعليك بالصلاة.
جاء عند أحمد في المسند: {كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: أرحنا بالصلاة يا بلال} إذا اجتمع عليه أمر هم وغم قال: {أرحنا بالصلاة يا بلال} ولذلك وصيتي لمن أتت عليه هموم أو غموم أو كوارث أو مصائب أن يبدأ بالصلاة.
في ترجمة الحافظ ابن حجر صاحب الفتح، يقولون: خرج يوماً للنزهة فطوقه اللصوص من كل جانب -أراد عمراً فأراد الله خارجة - فقام يصلي ويركع ويقوم، فتبدد اللصوص عنه، فقالوا له: لماذا؟! قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45].
وذكر ابن كثير عن ابن عباس أنه أتاه مقتل أخيه فقام يصلي، قالوا: مالك؟ قال: يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45].
ولذلك ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه قال: {كنا في بدر فنظرت في الليل قبل المعركة بليلة -تصور أن الكفار سوف تواقفهم أنت بالسيف والسيوف بأيديهم ثم يكون قتالاً ذريعاً لا يعلمه إلا الله- قال: فنظرت فرأيت الناس كلهم نيام إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى الصباح} وهذا من باب ما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45] ولذلك يقولون: أكثر الناس صبراً أكثرهم صلاة.
وانظر إلى الإمام أحمد كم كان يصلي غير الفرائض؟ قالوا: ثلاثمائة ركعة، ولذلك لما أتت الفتنة وضرب بالسياط وهدد، كان من أصبر الناس، وأقل الناس صبراً أقلهم صلاة وخشوعاً، فتراه ينهار أمام الحوادث، إذا رأى النتيجة في الامتحان وكان يحمل مادتين بكى وأبكى الناس، وإذا وطئ إنسان رجله في الحافلة أو في مكان أقام الدنيا وأقعدها، وإذا فاتته سبعة ريالات شكا على الجيران والإخوان والناس، هذا انهزام وفشل، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ [المعارج:19-22].
هؤلاء المصلون يحملون طاقات هائلة من الإيمان، يقول محمد إقبال في انتصارات الصحابة:
نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم >>>>>والحرب تسقي الأرض جاماً أحمراً
جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا>>>>>في مسمع الروح الأمين فكبرا
المسألة الأولى: ما معنى هذا الكلام المجمل؟ معناها إن الصلاة كبيرة وثقيلة وصعبة إلا على الخاشع، فهي سهلة يسهلها الله، وإن الصلاة لا يأتيها ولا يستطيع أن يداوم عليها بخشوعها وخضوعها إلا الخاشع، ولذلك أكبر الصلاة على المنافق صلاة الفجر وصلاة العشاء، حتى إذا سمع الأذان تجده يخاف ويقول: قطع علينا جلستنا، وإذا سمعوا المؤذن يقولون: سبحان الله! ما أسرع الوقت! فإذا أذن الظهر وبعده العصر قال: صلاة! صلاة! نسأل الله العافية.
ثم إذا قام يقوم ببطء كأنه يجرجر بالسلاسل، يتوضأ ثم يذهب إلى المسجد مكسوف الخاطر ويقابل رب العالمين ويقف في آخر صف وفي طرفه رجلاً تجاهه، ويتكئ على هذه مرة وعلى هذه مرة، فإذا سلم كان أول الناس خروجاً، فهو آخرهم دخولاً وأولهم خروجاً:
وإذا تكون ملمة أدعى لها>>>>>وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
وهذا أحد العرب كان له أخ أكول، وكانت أمه إذا عملت الحيس دعت جندباً، قالت: تعال كل، فيأكل، ثم إذا انتهى وأبقى شيئاً قالت: يا فلان يا جندل! تعال كل، فإذا سمعوا هيجة واضطراب وقتال قالت: يا جندل أنت الأول، يعني في المعركة هذه:
وإذا تكون ملمة أدعى لها>>>>>وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
ولذلك تجد أكثر الناس على الشهوات أقلهم في الطاعات، إذا أتت أول شهوة أو معصية فهو الأول، ولكنه في الطاعات متخلف متأخر.
قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45].
الجواب: هذا استدلال تبعي، ولو أن هناك أدلة تثبت أن من ترك الصلاة فقد كفر، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} وقوله صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى} فمفهوم المخالفة أن من لم يصلِّ فما عصم دمه، فإذاً هو كافر.
فقوله: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] أي: الذي لا يؤديها ليس من الخاشعين وإنها كبيرة عليه ما دام لم يؤدها ومن الناس من لا يصلي فهو كافر، ومنهم من يصلي لكنه يصلي مرة ويترك مرة يعني على المزاج فهذا كافر صلاة الفجر في البرد يتركها، لكن الظهر مناسبة فيصليها، وهناك قسم آخر هم أناس يصلون، لكن بفتور وكسل مع أنهم يداومون على الصلاة لكنهم يؤخرونها فهذه كبيرة من الكبائر، وهناك أناس يصلون ويخشعون.
الظن أليس فيه شيء من الشك؟ أي أن الظن ليس بيقين!! يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً [يونس:36] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ [يونس:66] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية:32] فالظن ليس بجزم فكيف يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ويمدح الخاشعين الَّذِينَ يَظُنُّونَ [البقرة:46]؟
والجواب: أنه من معاني الظن: التيقن، والظن هنا بمعنى العلم واليقين، يقول دريد بن الصمة وهو شاعر جاهلي:
فقلت لهم: ظنوا بألفي مدجج >>>>>سراتهم في الفارسي المسرج
يقول: قلت لقومي: انتبهوا! يأتيكم غداً ألفان من الأبطال في السراة وفي الخناجر والسلاح، قال: فما أطاعوني فيقول لذلك:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى >>>>>فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
فهل أنا إلا من غزية إن غوت>>>>>غويت وإن ترشد غزية أرشد
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج >>>>>سراتهم في الفارسي المسرج
وهذا شاعر أعمى القلب والبصر، مات كافراً وإلا فهو شاعر جيد، ولكن ما نفعه شعره فالمقصود أنه قال: ظنوا، أي: تيقنوا وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا [الكهف:53] أي تيقنوا أنهم سوف يصلون النار التي يظنون: يعتقدون.
من الناس من يسمع بأخبار الجنة والنار، وتقول له: هذا المال حرام في الدنيا، فيقول لك: الله غفور رحيم:
خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به >>>>>في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل
اتق الله! أجرك في الآخرة وثوابك عند الله، قال: عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة، يعني يقول: ما ندري نموت أو نحيا، إن مت أو حييت لا بد من لقاء الله، وقد قال عز وجل سبحانه: لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49] وصدق الشاعر:
ولو أنا إذا متنا تركنا >>>>>لكان الموت غاية كل حيِّ
ولكنا إذا متنا بعثنا >>>>>ويسأل ربنا عن كل شيِّ
فهذا هو الخلاف بيننا وبين الصحابة، الصحابة كانوا ينظرون إلى أن الجنة قريبة منهم حتى نسب إلى علي بن أبي طالب قوله: [[والله لو كشف الله الغطاء، ورأيت الجنة والنار، ورأيت عرش الله بارزاً، ما زاد عندي على ما عندي من الإيمان ذرة]].
الصحابة يأتي أحدهم يقول: يا رسول الله! أين ألقاك يوم القيامة؟ يعني الأمر كأنه غداً، لذلك يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18] قال: يا رسول الله أين ألقاك يوم القيامة؟ والناس في زحام شديد، مليارات من عهد آدم إلى آخر الساعة، أين ألقاك؟ قال عليه الصلاة والسلام: (التمسني في ثلاثة مواطن لا أغادر أحدها: عند تطاير الصحف، أو عند الميزان، أو عند الصراط).
فالموطن الأول: عند تطاير الصحف:
يقف عليه الصلاة والسلام بنفسه وهو أرفع الناس وأعظمهم منزلة عنده؛ لأنه صادق مخلص وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيقف ينظر إلينا نحن المساكين ماذا فعلنا؟ فيرى تطاير الصحف فيقول عليه الصلاة والسلام، بأبي وأمي هو: (اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم) ويعرف أمته، فأنت يعرفك أنك من أمته لست من أمة موسى ولا شعيب ولا صالح ولا نوح، ويعرف أنك من أمته بالوضوء، علامة الوضوء تتلألأ عليك:
توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً>>>>>به ترق أبواب الجنان الثمانية
قيل: (يا رسول الله! كيف تعرف من لم يأت من أمتك بعد؟ قال: أرأيت إنساناً عنده خيل بهم بها خيل بلق ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى، قال: فإن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل) أنت من بين الملايين، فيعرفك النبي صلى الله عليه وسلم أنك من أمته وينظر إلى تطاير صحفك ويقول: (اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم) يخاف أن يؤخذ أحد من أمته إلى الشمال، إذا أخذ أحد إلى الشمال فلا إله إلا الله:
فليت شعري يرى الأخبار قد نشرت >>>>>على الصراط وكان الهول في ظلم
إلى آخر ما قاله عبد الله بن المبارك.
الموطن الثاني: عند الميزان:
إذا لم تجدني في المكان الأول فسوف تجدني عند الميزان، ميزان الحسنات والسيئات، وقد ذكرها سُبحَانَهُ وَتَعَالى حيث قال: لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا [الكهف:49] وقال سبحانه تعالى : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] حبة الخردل، والذرة من الحسنة والسيئة توزن، والرسول صلى الله عليه وسلم واقف يقول: (اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم) يراك وأنت توزن.
الموطن الثالث: عند الصراط:
الصراط هو آخر عبور إما هنا أو هناك وهو ينظر، والرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم بجوار بعض على حافتي الصراط، موسى بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك نوح وإبراهيم وعيسى ألوف مؤلفة من الأنبياء، حتى أنه في بعض الروايات أن الأنبياء يقاربون أربعمائة ألف، أي مثل بعض سكان الدول الآن، يقفون حول الصراط الذي هو أدق من الشعرة، وأحد من السيف، فيمر الناس وأول من يمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم:
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا>>>>>من العناية ركناً غير منهدم
لما دعا الله داعينا لطاعته>>>>>بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
فيقف وينظر إلى الناس وهم يمرون ويقول: (اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم) وتجد التصادم والخدش على الوجوه والعياذ بالله من الخذلان والحرمان.
وورد أنه صلى الله عليه وسلم يقف على الحوض كذلك وهي من العلامات المميزة، فيأتي قوم من أمته بهم من العطش ما لا يعلمه إلا الله، يأتون أفواجاً فتأتي الملائكة معها مرازب ومعها سياط من حديد فتضرب هؤلاء، فيقول صلى الله عليه وسلم لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (يا رب! أمتي أمتي، أمتي أمتي، قال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك، فيقول: سحقاً سحقا) يعني هلاكاً هلاكاً. أما بلَّغ؟
نشهد والله أنه بلغ الرسالة وقد وصل العذراء في خدرها من دعوته ما وصل علماء الصحابة رضوان الله عليهم، وأصبحت دعوته كالشمس فبلغت دعوته كل إنسان، ولا يعذر من بلغه شيء من دعوته إلا أن ينقذ نفسه من غضب الله ولعنته وسخطه عز وجل.
حتى ذكروا أن تاجراً صلى وراء إمام فسلم الإمام من ثلاث، فقال التاجر: ما صليت إلا ثلاثاً، قال: لا، بل صليت أربعاً قال: لا. والله ما صليت إلا ثلاثاً، قال: كيف علمت، قال: أنا دائماً إذا صليت أربع أبدأ معك في السفر أخرج من بوابة الظهران في الركعة الأولى، وبعدما أجتاز خريص في الركعة الثانية، وأدخل إلى الخرج في الثالثة، وما أصل الرياض إلا في الرابعة، وأنت سلمت بي وأنا في الخرج، لذلك بعض الناس تجده يبيع ويشتري أو يصمم عمارة، أول ما يضع القواعد في الركعة الأولى، ويرفع الهيكل والعظم في الثانية، والتلييس في الثالثة، والفرش والأثاث في الرابعة ثم يسلم وقد انتهى من العمارة: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21] ما سمعنا بأرخص من هذا السعر إنسان يخطط ويعمر وينتهي فلا عمار ولا شيء.
كما قيل: إن أحد الحمقى رأى في المنام أن عنده تيساً، فقالوا: اعطنا تيسك بعشرة دنانير، قال: لا، بعشرين، قالوا: بعشرة، فنازلوه إلى خمسة عشر فرفض، فصحا من المنام فلم يجد لا تيساً ولا دنانير فغمض عينيه، وقال: هات الخمسة عشر! لكن هذه لا شيء، إنها أحلام الإنسان الذي يضيع أحلامه في الصلاة، ولذلك لا يسلم إلا مع الإمام مهما حاول أن يستعجل أو مهما حاول أن يفر، سوف يقيده الإمام فلا يسلم إلا معه. فليتق الله هذا في صلاته!
والمقصود بقوله تعالى: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] قالوا: الكبيرة بمعنى ثقيلة على نفسه أي لا يحبها، وأما الخاشع فإنه يحب الصلاة؛ فلذلك تجد الخاشع إذا أذن المؤذن، قال: الله أكبر ثم تابعه، وتجد الخاشع ينظر إلى ساعته متى يؤذن؟
كم توقيتكم هنا؟
من مؤذنكم؟
قلبه معلق بالمساجد، فهذا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إذا سمع الأذان ذهب إلى المسجد، أما هذا الفاجر، أدهى وأبخس فلا يسمع الأذان، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (وقلبه معلق بالمساجد) والحبيب يرتاح إلى ذكر حبيبه:
وداعٍ دعا إذ نحن بـالخيف من منى >>>>>فهيج أشواق الفؤاد ولا يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما >>>>>أطار بـليلى طائراً كان في صدري
استشهد به ابن رجب عند ذكر الصلاة، هذا مجنون ليلى يقول: كنت أنا في منى أمشي وليلى في العراق، فسمعت إنساناً ينادي عن اسم ليلى فطير قلبي.
فالرجل المسلم إذا سمع: الله أكبر، ذكره بالله الواحد الأحد، قال سعيد بن المسيب: [[الحمد لله ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في المسجد]] تصدقون أنه في عصرنا الآن بعض الناس ما يصدق أن هناك عباداً بلغوا درجة عالية ومرتفعة بسبب ما يرى من المفاسد، وكثرة ما يرى نعوذ بالله من الربا وكثرة التفلت، شيكات مصرفية، وربا فائق، وغناء ماجن، ومجلة متكدسة، ونظر طافح، وقسوة قلوب، وذنوب وخطايا حتى يظن المجتمع أنه هلك، ويقول: هلك الناس وهو أهلكهم، لا، الناس فيهم خير.
في بعض المناطق التي حدثنا عنها إلى هذا الوقت وإلى هذا الزمن، أنه يوجد عباد كبار السن في جهة نجد وقد حدثني بذلك بعض الثقات من طلبة العلم، قال: يجلسون بعد صلاة الفجر يوم الجمعة فيفتح المصحف من الفاتحة ويبدأ يقرأ ويأتي إلى سورة الناس ويختم المصحف قبل أن يدخل الخطيب بوقت بسيط.
وهناك رجل قالوا عنه: والله لو قيل له إن القيامة تقوم غداً، ما استطاع أن يزيد على عمله، عابد انصرف عن الدنيا، حتى ذكر أحد الكتاب -لا أحب أن أذكر اسمه- عن بعض العباد في ضواحي الرياض شيئاً عجيباً، تصور أن هناك شيوخاً كباراً في السن في بعض القرى يجتمعون، قد تعاهدوا وتعاقدوا على الخير والصلاح، وأن يختموا أعمارهم بخير ماذا يفعلون؟! قالوا: يصلون الفجر فإذا صلوا الفجر جلسوا في المسجد يذكرون الله حتى تطلع الشمس، ثم قاموا يصلون إلى أن يرتفع الضحى عشرات الركعات، ثم ذهبوا إلى بيوتهم فإن كانوا صائمين واصلوا وإلا أكلوا وجبة، ثم أتوا قبل صلاة الظهر يذكرون الله ويقرءون القرآن إلى أن يدخل وقت صلاة الظهر، ثم يصلون الظهر ثم يتنفلون ويعودون إلى بيوتهم في قيلولة، ثم يعودون من العصر ويقرءون إلى صلاة المغرب، ومن المغرب إلى العشاء ثم يعودون إلى العَشاء فينامون ثم يستيقظون وسط الليل، هل بقي وقت للمعصية؟! نحن لا نطالب الناس بمثل هذا لكن فاتقوا الله ما استطعتم، فإن الله علم أن الناس منهم موظفون ومهندسون وتجار ومسئولون ورعاة وبناة، فلذلك اتقوا الله ما استطعتم لكن انظر إلى البقية لعل الله أن يرحم بهم الناس.
وهناك قرية من القرى، قالوا: دخل مرض الجدري كل القرى إلا هذه القرية؛ لأنه كان فيهم رجل عابد يقوم الصباح بعد صلاة الفجر فيصلي في مسجده، ثم يطوف بالقرية ويقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، قالوا: والله الذي لا إله إلا هو ما سلمت قرية في تلك المقاطعة من الجدري ذكوراً وإناثاً وأطفالاً إلا هذه القرية، ما أصابها حبة جدري بصلاح هذا الرجل الصالح، ولذلك ورد في أحاديث أن الله يرحم أهل الحي بصلاح رجل واحد، وأن الله يضيف الناس بصلاح الصالح.
ولذلك تجد بعض الناس إذا سافر إلى أماكن يسألونه عن المدن، يقولون له: كيف وجدت الناس؟ قال: والله نعوذ بالله فجر الناس، لأنه نزل على أمثاله:
وفي السماء طيور إسمها البجع >>>>>إن الطيور على أمثالها تقع
زار مثله وأمثاله الذين يتركون الصلاة، زار أهل الموسيقى والليالي الحمراء وأصحاب المجلات الخليعة، فجلس معهم فما رأى إلا هؤلاء، لكن أسأل بعض الأخيار الآن إذا سافر كيف وجدت الرياض وجدة ومكة والطائف، قال: ما شاء الله صحوة عارمة، وإقبال إلى الله، وتوبة نصوح، واستقامة ومجالس ذكر؛ لأنه زار من أمثاله وأقرانه فرأى خيراً، فلذلك ينبغي على الإنسان أن يتخذ عند الله وسيلة من العمل الصالح.
يا أبا المجد يا بن ماء السماء >>>>>يا سليل النجوم في الظلماء
طاغية من الطغاة حبس سبعين قاضياً اتهمهم أنهم يريدون قتله في ناحية من النواحي، فحبسهم وحلف أن يقتلهم جميعاً يوم الجمعة، فلما بقي ليوم الجمعة أربعة أيام ذهب هؤلاء القضاة، فأرسلوا رسائل إلى عالم من العلماء ولا بأس بهذا العالم، عالم جليل، فركب بغلته ونظم قصيدته إلى هذا الملك، ودخل على هذا السلطان المتجبر فقال له:
يا أبا المجد يابن ماء السماء>>>>>يا سليل النجوم في الظلماء
فأجرني كـالمطعم بن عدي حين قال النبي في الإسراء
فقال السلطان: لقد أطلقتهم لك وعفوت عنهم. لماذا؟! لأنه يمدحه يقول له: أنت ابن فلان أنت ابن الأخيار، فلذلك ينبغي للمسلم أن تكون هذه الكلمات في الدعوة على لسانه، يا فلان، يابن الأسرة الجليلة، يابن العابد، يابن الخاشع تفعل بنفسك هذا، أمَّا أن تقول: يا فاجر يا ابن الفاجر لماذا لم تصل؟! سوف يترك الصلاة ثم يكفر والعياذ بالله، هذا ليس بأسلوب قال الله لموسى ولهارون: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] قالوا: كنياه يا أبا مرة مرر الله وجهه في النار.
المقصود قال: يا بني إسرائيل يعني: يا بني الرجل الصالح يعقوب عليه السلام، واسمه إسرائيل: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:47] اذكروا نعمتي ليس ذكر اللسان، بعض الناس يقول: أنعم الله علينا بنعم ظاهرة وباطنة، فلله الحمد، لكن أعماله مخالفة وهذا ليس من الشكر وشكر النعم يكون بثلاث:
الأولى: باللسان: أن تعلنها في الناس قال تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11].
الثانية: بالجنَاَن: تعلم أنها من عند الله عز وجل.
الثالثة: بالفعل: تجعلها في مرضاة الله عز وجل وتعطي منها في سبيله تبارك وتعالى.
قيل: فضلهم على عالم زمانهم وهو الصحيح.
وقيل: فضلهم ببعض الأمور على العالم كله، وهذا رأي ضعيف، لكن الصحيح على عالم زمانهم، يقال للعالم عالم وقته،وزاهد عصره، والعالم أو شيخ الإسلام في عهده فهذا في عالم زمانه، أما هم فليسوا أفضل من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، لا والله لا نقولها تعصباً ولكن الله أخبر بهذا الأمر حيث قال عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] إذاً في عالم زمانهم كانوا سادة، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على لسان موسى: إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ [المائدة:20] حيث كان لديهم أنبياء كثر.
والسؤال هنا: ما الفرق بين النِّعمة والنَّعمة؟
الجواب: النَّعمة بفتح النون معناها: ما نتعيش به في الحياة، نعمة الدواب والحمير والسيارات وغيرها، فهذه نعمة ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ [المزمل:11].
والنِّعمة قالوا: ما استفاد بها العبد في مرضاة الله تبارك وتعالى، فالنَّعْمة: نعمة المعايش، ومن قال: الكفار في نعمة، ولكن المسلمين في نِعْمة من الله، فهذا كلام صحيح فهم تقووا بالنعمة في مرضاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أما بعض النعيم فليس بنعيم فقد يظن بعض الناس أنها نعم.
يقول أبو تمام:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت >>>>>ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
بعض الناس يظن أنها نعمة عليه وهي لعنة والعياذ بالله، فبعضهم يستدرجه الله بزيادة المال، وبعضهم بكثرة الولد، وبعضهم بالمنصب حتى يرديه والعياذ بالله.
لكن النِّعمة: هي ما أوصلتك إلى رضوان الله تبارك وتعالى: اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة:47] لأن النعمة من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم قال: أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة:47] ليختصهم من بين الناس، (وأني فضلتكم على العالمين) ولكن لما لم يقوموا بهذا الفضل، ولم يقوموا بالخلافة؛ مسخهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولعنهم وجعلهم شر طائفة أخرجت للناس، ولذلك لا تجد في العالم أشر من اليهود، وإذا وجدت يهودياً ووجدت بقعة فابسط على اليهودي ولا تبسط على الأرض.
اليهود هم الذين يدبرون الخيانات والعمليات اللعينة والجرائم والفواحش والسيئات في كل شبر من الأرض:
تلك العصا من هذه العصية>>>>>لا تلد الحية إلا حية
قوم غضب الله عليهم، كيف نثق بهم؟! قوم لعنهم الله، كيف نرضى عنهم؟! قوم قطع الله الحبل بينه وبينهم، كيف نصل حبالنا بهم؟! هذا أمر لا بد أن يعرف، وسوف يمر معنا أخبار كثيرة عن اليهود.
قال الله تعالى: وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64].
الجواب: هذا الحديث لا يصح من كلامه عليه الصلاة والسلام، فليس زيادة المال أو إعطاء المال علامة الغضب أو الرضا، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] ففيهم من إذا أعطي مالاً طغى، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر:15-16] يقول: من الناس من إذا أعطاه الله رزقاً ومالاً، قال: ربي أكرمني لمنزلتي عند الله، وهذا ليس بصحيح قد يكون فاجراً، ومنهم من إذا ابتلاه الله وقلل رزقه عليه وأفقره، قال: لحطتي عند الله وعدم قيمتي عنده، وهذا ليس بصحيح قد يكون ولياً من أولياء الله عز وجل.
الجواب: الصحيح أن يصليها متى ذكرها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث أبي قتادة: {من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها} ولو في وقت النهي، أو وسط الليل، أي وقت يصليها متى ذكرها، ولا تنتظر إلى نفس الوقت الذي تركت فيه الصلاة.
الجواب: أولاً: شكر الله لك مجيئك وسوف تجده في ميزان حسناتك، لكن احتسبه عند الله، واعلم أنك حصلت على أمور وهي:
أولاً: لعلك سمعت كلمة ينفعك الله بها ما دامت السماوات والأرض.
ثانياً: لعل الله عز وجل نظر إليك في هذا الحشد المكرم؛ فقال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، لأن الملائكة يقولون: {يا رب كيف تغفر لفلان وليس منهم، وإنما أتى هكذا، يقول الله: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، أشهدكم أني غفرت لهم}.
ثالثاً: لعلك أدركت رحمة تنزلت من السماء في هذه الجلسة، فإن من أعظم الجلسات عند الواحد الأحد جلوس الذكر، فإن هذا المجلس من أعظم ما يباهي الله به ملائكته في السماء.
رابعاً: ثم لعل رحمة الله أدركتك والسكينة وقعت عليك.
أما شد الرحال فلا، بل أنت مأجور ومسافر لطلب الخير، ومقصود الحديث: {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد} المقصود من المساجد أو من الأماكن التي قد يذهب إليها للعبادة، أما زيارة الصالحين فواردة، والرحلة في طلب العلم واردة بل مندوبة، بل قد تجب إذا لم يتعلم الإنسان ما يلزمه، قال البخاري في الصحيح: باب السفر في طلب العلم، وسافر موسى عليه السلام في طلب العلم وقال: لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً [الكهف:62] فستين كيلو متراً أتيتها وأنت مرتاح في سيارتك ما تعادل نصب الصحابة، سافر جابر شهراً كاملاً إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد، فكيف أن تأتي من مسافة خمسمائة كيلو متر أو مثلها أو أمثالها، لا أنت أكثر أجراً ممن كان قريباً من المسجد، وكل بحسب نيته، فأثابك الله في هذا.
الجواب: أن الكلب يلهث سواء حمل عليه أم لا، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى خلقه هكذا، الكلب من علاماته أنك إذا أدخلته في الظل مد لسانه ولهث، فإذا أخرجته في الشمس مد لسانه ولهث، ليس هناك فائدة سواء ظللته أم لا، فالله وصف العالم الذي ما استفاد بعلمه كالكلب جاهل مخطئ، وعالم مخطئ، إذاً ما الذي يصلحه؟
مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، وهذه من أسرار الله في خلقه في الحيوانات، فإن في الحيوانات أسراراً عجيبة لا يعلمها إلا الله.
أثبت الطب أن الكلب عنده حاسة شم يدرك بها الصديق من العدو، ولذلك تجده في البيت من وراء مسافة طويلة يعرف أن سيده أو ابن سيده أو صاحب البيت أقبل فلا ينبحه، ولكن يعرف أن الرجل أجنبي فيقوم بالنباح من قبل مسافات، هذا من الأسرار، إذا أتى الطب وجاء بشيء حقيقي قلنا على العين والرأس، وإذا خالف الطب القرآن وضعنا الطب تحت أقدامنا ودسناه بأرجلنا؛ لأن القرآن قواعد ثابتة وكذلك الحديث، فما دام أن مثل هذه الإشراقات ظهرت فالحمد لله، هذه فائدة نستفيد منها مثل الذباب يقال: يغمس جناحه فإن فيه دواء وفي الآخر داء، ثبت في الطب أن عنده إفرازات، إذا أفرز الدواء على الداء ذهب الداء بإذن الله عز وجل.
الجواب: ليس عليك إثم، أنت متطوع أمير نفسك، لك أن تصوم ولك أن تفطر، فإذا تنشطت فأكثر من الصيام، وإذا كسلت فلا إثم عليك، فاتقوا الله ما استطعتم، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
الجواب: أحب الأسماء في الحديث الصحيح (عبد الله) و(عبد الرحمن) أما حديث: {أفضل الأسماء ما عبد وحمد} فلا يصح فهو موضوع، لكن هناك الحديث الصحيح: {أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها همام وحارث} والعرب تكثر من التسمي بـ همام وحارث، فهمام بنيته فالعبد دائماً يهم، وحارث: يزاول بيده، فالعرب كانت تختار الأسماء القوية مثل: صخر.
يقول: كنا علاقم في فم الأعداء، ومر في حلوقهم، لما كانت أسماؤنا علقم ومرة، وكنا صخوراً وجنادب، لما كانت أسماؤنا صخراً وجندباً، فأصبحنا ذلالاً لما أصبحت أسماؤنا دلالاً، ولذلك العرب لا تريد أسماء إلا مثل: صخر، مرة، حرب، حمزة، طلحة، حنظلة، دائماً أسماؤهم قوية، أما دلال، ودعد، ودعد اسم امرأة لكنه قد يطلق في بعض الأحيان على رجل فهذه الأسماء ترخي العزائم.
الجواب: يقول أبو هريرة في الصحاح أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: {صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام، وركعتي الضحى} وثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، وهي صيام رسولنا عليه الصلاة والسلام وإبراهيم عليه السلام.
الجواب: الصحيح أن يتوب إلى الله ويعود إلى الإسلام، ولا يقضي ما فات، لأنه كان في تلك الفترة كافراً. فإنه لا يطالب بالصلاة في حالة كفره بل يتوب إلى الله.
الجواب: نعم يغتسل ويعيد الصلاة إذا رأى البلل، أما إذا احتلم وما رأى بللاً في ثيابه ولا شيئاً فلا غسل عليه، ولا إعادة.
الجواب: هذا لا يصح بهذا اللفظ لكن في حديث فيه كلام {اذكر الله حتى يقال إنك مجنون} وبعض العلماء صحح هذا الحديث أو حسنه لكن {اسألوا عن دينكم حتى يقال مجنون} هذا من الأمثال في الحث على الإكثار من السؤال في الدين حتى تكون على بصيرة حتى يقولون خبل الرجل من يسألنا في كل مسألة هذا مثل ولكن لا يصح كلام المعصوم عليه الصلاة والسلام.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم له الشفاعة الكبرى، وله المقام الأعظم حين يسجد تحت العرش وكل الأمم راضخون في الموقف -نسأل الله العافية- وذلك حين تدنو الشمس منهم، ويشتد الكرب، ويضيق بهم الحال حتى يقولون: من يشفع لنا، حتى تصل النوبة إلى محمد عليه الصلاة والسلام:
واستشفع الناس بأهل العزم في>>>>>إراحة العباد من ذا الموقف
وليس فيهم من رسول نالها >>>>>حتى يقول المصطفى أنا لها
فهو يشرف على أمته وله الشفاعة العظمى ولا يمنع أثناء جلوسه أن ينادي الله عز وجل، أتدري من أول من يكسى كما في الحديث الصحيح؟! هو إبراهيم عليه السلام. شرفه الله بالكسوة؛ لأن الناس كلهم عراة فأول من يكسى إبراهيم.
من أول من يستفيق من الصعقة ولا يدري هل صعق أم لا؟! إنه موسى عليه السلام، يقول عليه الصلاة والسلام: {يستفيق الناس وأكون أول من يستفيق فأجد موسى باطشاً بالعرش أي ماسكاً به، فلا أدري هل كفاه الله الصعقة في الدنيا أم أفاق قبلي} ولذلك يقول: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً [الأعراف:143] هذه ميزات لبعض الأنبياء.
الجواب: من مفهوم هذا الحديث أنهم كانوا عراة فيكسون، فإن أول من يكسى هو إبراهيم عليه السلام وذلك عند دخول الجنة، ولو أن رسولنا صلى الله عليه وسلم أفضل بلا شك ثم إبراهيم.
الجواب: ثبت في الصحيحين أن ربنا تعالى يغضب غضباً لم يغضبه من قبل، فيستدرك كل إنسان عن الغضب حتى الأنبياء يقولون: نفسي نفسي قد غضب الله غضباً لم يغضب مثله لا قبله ولا بعده، حتى يأتي رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فيخر تحت العرش ساجداً، ثم يثني على الله بمحامد ما كان يعرفها فينزلها الله عليه، فيقول: ارفع رأسك وسل تعط، فأول شفاعة هي في الفصل بين العباد، فيتنزل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويفصل بين الناس، وهذا هو اليوم الحق: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً * وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طه:102-107].
نسأل الله تعالى أن يسهل علينا وعليكم ذاك اليوم، وأن يتولانا وإياكم يوم تزل الأقدام، وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كلام جميل وفعل قبيح للشيخ : عائض القرني
https://audio.islamweb.net