اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة المؤمنون [81-95] للشيخ : المنتصر الكتاني
يذكر الله الكفرة الجدد الذين عاصرهم نبينا صلى الله عليه وسلم وقد أنكروا كل شيء: وأنكروا الوجود والخلق والربوبية والألوهية، وجعلوا لها شركاء من خلق الله، ومن الحيوانات ومن الجمادات، فالله جل جلاله قال لنبيه: قل لهم، وعلم نبيه ليعلمهم، وبلغه ليبلغهم، فما ازداد أكثرهم إلا إصراراً على الكفر، كان ذاك ولا يزال، فالقرآن نحن مخاطبون به كما خوطب به الآباء والأجداد منذ ألف وأربعمائة عام في مختلف بقاع الأرض، وليس محمد نبي العرب فقط، بل نبي الأبيض والأسود، والأحمر والأصفر، وهو خاتم الأنبياء، وقد أرسل للمشارق والمغارب، فجميع الأنبياء ذهبت نبوءاتهم بموتهم، وانتهت بتبليغ عشائرهم وأقوامهم، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فهو النبي المستمر، فلا نبوة ولا رسالة بعده، ورسالته قائمة، ومن أنكرها من الإنس والجان فعليه العذاب واللعنة والغضب.
بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ [المؤمنون:81] أي: كانوا رجعيين، فقد رجعوا إلى مقولة الكفار السابقين من قوم نوح وقوم إبراهيم، ومن زعموا أنهم نصارى، ومن الملاحدة والكفرة، فقال هؤلاء ما قال الأولون، فأنكروا أبرز شيء في الأديان وأظهر شيء في الأديان: بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ [المؤمنون:81]، وأعاد الله (قالوا) للتنويه والإشادة، وبدل الكلام السابق، قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [المؤمنون:82]، فيفخرون ويستفهمون استفهاماً إنكارياً، ويقولون: اسمعوا يا جماعة! هل يتصور أننا بعد أن نصبح تراباً وعظاماً نخرة، وبعد أن تخرج منا الروح أن نعود إلى للحياة مرة أخرى؟ أنبعث بعد الموت؟ أيجتمع التراب ويعود بشراً سوياً كما كان؟
وقد ذكر الله في غير هذه الآية أنهم قالوا وهم يتساءلون: كيف يحيي الله الموتى؟ فقال الله: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس:79]، فالله الذي أوجدنا من عدم وابتكرنا على غير مثال سابق، أقدر عليه وأسهل أن يعيدنا من تراب، وكل شيء سهل عليه جل جلاله، فما دمنا قد آمنا بالواقع، وأنا قد أوجدنا، وأننا لم نكن، ونرى يومياً تزاوج ذكراً بأنثى لا ولد لهذا ولا ولد لهذه، وإذا بعد السنة يأتوننا بطفل، فمن صنعه؟ أشهوتهم صنعت ذلك المخلوق؟ وهل كان لهم علم به؟ هل سعوا في أجله؟ هيهات، ثم هكذا يكبر الطفل ويشب ويصبح كهلاً، ثم يصبح شيخاً، وهكذا يعود إلى التراب، فإذا خلقه الله من عدم أليس قادراً على أن يعيده بعد أن أوجده المرة الأولى؟ بلى، فأخذوا يتساءلون ساخرين مستفسرين.
بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا [المؤمنون:81-82] أي: هلكنا وانتهينا من الدنيا.
قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا [المؤمنون:82] أي: أصبحنا فناءً.
أي: أنبعث مرة أخرى، وأيضاً يستفهمون مستنكرين: أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [المؤمنون:82]، قالوا: لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [المؤمنون:83].
فهكذا جاء الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقد سمعوا بهم، فجاء موسى فقال ذلك، وجاء عيسى وقال ذلك، وجاء أنبياء بني إسرائيل فقالوا ذلك، وجاء الخليل إبراهيم فقال ذلك، قاله جميع الأنبياء لأقوامهم، وإذا بهؤلاء يقولون: أين الذي قالوه؟ ولماذا لم نبعث؟ فنقول: إن ذلك متى أراد الله لا متى أردتم أنتم، فهل انتهى الجسم البشري؟ وهل انتهت الحياة على الأرض؟ وهل دهدهت السماوات والأرض فأصبحت عهناً منفوشاً كأنها لم تكن؟ لم يكن هذا بعد، ولا يعلم الساعة ولا وقتها ولا زمنها إلا الله، وعندما جاء جبريل عليه وعلى نبينا السلام ليعلم الصحابة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، وسأله عن الإحسان، ثم أخذه يسأله: (متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل).
فلا يعلم الساعة تعيينا ولا وقتاً إلا الله، نعم تعلم علاماتها وأشراطها، وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام وأخبرنا الله عن ذلك في كتابه، ولها شرائط صغيرة، ولها شرائط كبيرة، ومن الشروط الأولى الصغرى: البعثة المحمدية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين؛ وأشار بسبابته وبالوسطى من أصابعه) أي: ما بيني وبين الساعة كما بين السبابة والوسطى، وكم مضى من السبابة؟ أيضاً لا نعلم، فلو علمنا كم مضى لعلمنا كم بقي، ولكن الذي نعلمه أن نبينا خاتم الأنبياء فلا نبي بعده، ولذلك كان وجوده وبروز نبوءته هو العلامة الأولى الصغرى لقيام الساعة، وأجدادنا في التاريخ تخاصموا وكتبوا الكتب، وتجادلوا في قيام الساعة، فقال بعضهم: إنه سيكون من البعثة المحمدية إلى قيام الساعة ألف عام، وقال البعض: ثلاثمائة عام، وقال البعض بعد مائة عام، وكتب السيوطي في ذلك كتاباً، واحتج على أولئك فقال: سنتمم ألف سنة، فتمت ألف سنة ومضى بعدها أربعمائة سنة وسنة أيضاً، وستبقى قرون للدنيا؛ لأن العلامات الكبرى لم تبدو بعد، فلن تقوم الساعة وعلى وجه الأرض أحد يقول: ربي الله، ولا تزال ربي الله تقال في مشارق الأرض ومغاربها حتى في بلاد الكفر، فما من رقعة من بلاد الكفر إلا وفيها مؤمنون يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولهم مساجد يصلون فيها، ويعتكفون، ويصومون، دعك من أرض الإسلام التي تعد ملياراً من البشر.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لن تقوم الساعة إلا على لكع ابن لكع) أي: على مشرك خبيث ابن مشرك خبيث، أي: سيطول الزمان في الشرك إلى أجيال: آباء وأبناء وأجداد.
ونقول: قد ابتدأ هذا، ومع ذلك لا تزال المسافة طويلة جداً، ومهما قلنا: عصى آل فلان، أو الشعب الفلاني، أو الدولة الفلانية، فلا تزال بيوت الله ومساجد المسلمين في كل أرض، ونجد المصلين والعاكفين والعابدين، ونجد الزاهدين، وهيهات أن ينقضي هذا بجيل أو جيلين، أو قرن أو قرنين.
بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [المؤمنون:81-82]، وإذا بالله الكريم يقول لنبيه: قل لهؤلاء وحاورهم: قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [المؤمنون:84] أي: سلهم وقل لهم: هذه الأرض التي أنتم عليها، وما عليها من إنسان وحيوان وجن، ومن بحار وهضاب وخيرات وأرزاق لمن هي؟ ومن مالكها؟
فكان الجواب: سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [المؤمنون:85]، فقد أجابوا اعترافاً بوجود الله، وملك الله، وقدرة الله، وخلق الله، قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [المؤمنون:85] أي: قل يا محمد لهؤلاء وقد آمنوا بأن الأرض وما فيها لله، قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [المؤمنون:85] أفلا تعتبرون؟ ألا تفكير ألا عقل ألا رأي؟ فما دمتم وقد اعترفتم بوجود الله، وبقدرة الله، وبخلق الله، وأنكم وجميع من على الأرض من عاقل وغير عاقل، من إنسي وجني وملك، من حيوان ودابة، وكل ما عليها، ما دمتم قد اعترفتم أنها لله أفلا تعون وتعقلون؟ فكيف جعلتم معه شريكاً؟ وكيف أنكرتم وهو الذي أخبركم: أن هناك بعثة، وأن هناك حياة ثانية؟!
قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [المؤمنون:84-85]، أفلا تعون وتقفون يوماً وتتفكرون مع أنفسكم، وتعتبرون بهذا، وتقولون: ما دامت المقدمة صحيحة، وأن الأرض خالقها الله، وأن الأرض مالكها الله، وأن الأرض رازقها الله، فلم إذاً نكران ما جاء به الله؟! وقد أرسل الله أنبياء سابقين يخبرون بالبعث وبالتوحيد، وبالقدرة لله على كل شيء، فلِمَ إذاً تتناقضون؟ وهكذا الكفر قديماً وحديثاً لا منطق له، ولا عقل له، إن هم إلا قردة ببغاوات يقلدون ما وجدوا عليه آباءهم، فإن أنت سألتهم: ما دليلكم وما برهانكم؟ قالوا: هكذا وجدنا آباءنا، وإنا على آثارهم مقتدون.
وأما المؤمن فتارة يخاطبك بدليل العقل، وتارة يخاطبك بدليل السمع، فيقول لك: قال الله، قال رسول الله، قال العلماء، فإن كان المخاطب لا يؤمن بشيء من هذا خاطبه بمنطق العقل، كما يخاطبهم القرآن، وكما يخاطبهم نبينا عليه الصلاة والسلام، وجميع الأنبياء السابقين قبله عليه وعليهم سلام الله وصلاته.
سألهم مرة أخرى، فسألهم أولاً عن الأرض فاعترفوا بأن الله مالكها، وبأن الله خالقها، فقال الله لعبده ونبيه صلى الله عليه وسلم: سلهم مرة أخرى: من رب السماوات السبع؟ هذه المخلوقات العالية الشامخة لمن هي ومن خلقها؟ ومن رب العرش العظيم؟ ومن صاحبه ومن إلهه ومن خالقه؟ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ [المؤمنون:87].
فمرة أخرى اعترفوا وأقروا بأنه كما كانت الأرض ملكه، وما كانت ملكه حتى كانت خلقه، كذلك السماوات السبع وما فيهن، وكذلك أعظم خلق الله وهو العرش العظيم، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهن مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض، وما الكرسي أمام العرش إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض).
ولذلك قال الله: (العرش العظيم) أي: الكبير الذي لا تكاد العقول تصل إليه، وهو كالقبة بالنسبة للمخلوقات من كائنات الكون كله، وهو مستدير كبقية المخلوقات جميعاً، ككروية الأرض وكروية السماء، وهذا ما أجمع عليه المسلمون منذ العصور الأولى كما ذكره ابن حزم وابن تيمية والغزالي وابن القيم ونقلوا الإجماع على ذلك.
فالنبي عليه الصلاة والسلام عندما ذكر العرش أشار بيده هكذا، قال الصحابة: أشار كالقبة فوق هذه الكائنات والمخلوقات، وهم يسمعون بالعرش، ومع ذلك لما سألهم نبينا صلى الله عليه وسلم كما أمره ربه: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ [المؤمنون:86-87] فما دمتم تعترفون وتؤمنون بذلك ألا تخافون الله؟ ألا تتقونه من عذابه ومن نقمته ومن غضبه؟ ألا تصدقون نبيكم؟ ألا تصدقون كتاب ربكم؟ أتكذبون الأنبياء كما كذب من سبقكم أنبياءهم؟ أهذا منطق العقل ومنطق الفهم ومنطق الإدراك؟ هيهات، فهم كالأنعام بل هم أضل.
سلهم يا محمد مرة ثانية: من بيده ملكوت كل شيء؟ (ملكوت) أي: ملك، والتاء للمبالغة، كما يقال: بهموت وجبروت، قل من بيده التصرف في هذا الملك الأعظم؟ ومن الذي نظم هذا العالم: نظم ليله ونهاره، وصيفه وشتاءه، وربيعه وخريفه؟ ومن الذي رزق هؤلاء الخلق من إنسان ومن جن، ومن حيوان، ومن طير، ومن يمشي على أربع، أو يمشي على رجلين، أو يمشي على بطنه، ومنهم من يعيش فوق التراب، ومنهم من يعيش داخل البحار؟ فهذا التنظيم الدقيق في كل شيء من الذي صنعه؟ ومن الذي دبره؟ ومن الذي قام عليه؟ فكان الجواب: الله.
قوله: (يجير) أي: يدفع ويحمي، فالذي يجير هو الله جل جلاله، فمن منعه الله من الناس فلا يخاف أحداً من الخلق، ومن حفظه الله لا يخاف مخلوقاً قط، فقد يقع من الأجواء وشاهق الجبال فتجده بقي حياً؛ لأن الله لا يزال يدافع عنه، ولم يأتِ وقت موته بعد، وقد يحصل الذي يحصل ويبقى حياً، ويبقى مرزوقاً، ويبقى قائماً، ويبقى مقتدراً بقدرة الله، وذكر التعبير هنا بما هو معروف في لغة العرب التي نزل بها القرآن.
فقد كان عادة العرب أن يأتي إنسان فيدخل القبيلة الفلانية فيستجير بفلان فيكون في جواره وفي حمايته وفي وقايته وفي حفظه، فلا يجرؤ أحد أن يمسه بسوء، ولو فعل لبطش به وبكل ما يتصل به سيد القبيلة، ولا يمكن لغير سيدها أن يجير أحداً من الناس يدخل قبيلته؛ لأن ذلك فيه فضول عليه وعلى سلطانه وعلى رئاسته.
فإن حماه الله احتمى، ومن لم يحم ولم يدافع عليه فهيهات أن يستطيع أحد أن يحميه دون الله، فلن يكون هذا وما كان قط.
فلا يمكن أن يأتي إنسان مخلوق أياً كان إذا أراد الله عذاب شخص أو النقمة على شخص أن يأتي إنسان فيحمي ذاك من عذاب الله ويحميه من عقوبة الله، فلن يكون ذلك، ولا يفكر فيه مخلوق على الأرض لا كافر ولا مسلم، ولو فكروا فيه فليحموا أنفسهم من الموت.
وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [المؤمنون:88] أي: إن كنتم كما تزعمون أنكم ذوو عقول مدبرة وأفكار سديدة ورأي مقبول، فافعلوا.
قوله: سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:89].
فهم يقولون: لله، مرة ثانية، أي عادوا فقالوا: صاحب الملكوت ورب الخلق والتصرف المطلق والرزق والتنظيم هو الله وحده لا أحد معه.
قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:89]، والسحر في الأصل معناه: التخييل، أي: كيف تتخيل عليكم الحقائق فتصبح خيالات وأوهاماً؟ وكيف جئتم بالأباطيل فتوهمتم صحتها وأحقيتها وليست كذلك، فكيف خدعتم عن عقولكم؟ وكيف خدعتم عن دينكم؟
فهؤلاء هم الذين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله جل جلاله؛ لتكون الحجة البالغة لله، ولكي لا يقولون: ما أرسلت لنا رسولاً ولا بلغنا شيء، ولم نعلم هذا، وعقولنا في الأصل لم تبلغه ولم تصل إليه، فسيكذبون، بل جاءكم كتاب من السماء وحياً على نبيكم، وهو بشر منكم تعلمون حسبه ونسبه، وتعلمون بيته ونشأته، وتعلمون أبوته وتعلمون بلاده، فكيف تزعمون أنه لم يكن؟!
قال الله تعالى: بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ [المؤمنون:90] أتاهم بالحق .. أتاهم بالقرآن الكريم وهو حق، وأتاهم بالنبي خاتم الأنبياء وهو حق صلى الله عليه وسلم، وأتاهم ببيان كتابه بالسنة المطهرة التي نطق بها صلى الله عليه وسلم، وأتاهم بالحقائق التي لا يجادل فيها إلا أرعن أحمق أخرق، أو من عطل الله حواسه فأنكر الحقائق وهو يسمع ويرى ويبصر ويعي ويدرك.
وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [المؤمنون:90] اللام بعد إن المشددة يقال عنها: اللام الموطئة للقسم، ومعنى الكلام: أن الله يقسم بأنهم كاذبون في جحودهم، كاذبون في شركهم، كاذبون في عصيانهم، وكاذبون فيما ادعوه.
يقول تعالى بمنطق العقول لمن له عقل يسمع ويدرك ويعي: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ [المؤمنون:91] يقول للنصارى: يا كذبة على الله، ويقول لمن قال: إن الملائكة بنات الله: يا كذبة على الله، ويقول لليهود الذين قالوا عن العزير: إنه ابن الله، ويقول للنصارى واليهود جميعاً الذين زعموا أنهم أبناء الله: يا كذبة لم يتخذ الله ولداً قط ولا يليق ذلك بألوهيته ولا بربوبيته، فهو الخالق الرازق، ولو اتخذ ولداً لكان إلهاً، ولدخل ذلك في عموم قوله: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22].
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ [المؤمنون:91] أي: لا شريك له لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فهذا جدل بمنطق العقل للكافر، والمفروض فيه أنه عاقل.
إذاً لو كان هناك إله ولو كان هناك ولد لنازعه في الملك؛ لأن الولد يشارك أباه، فيكون ولي عهده، وقد ينازعه في الحياة في عرشه وسلطانه وماله، وهو شريك له في ماله وفي كل شيء، ويقول له: أنت الذي تسببت في خروجي لهذا العالم وتتركني عالة على الناس! وكذلك لو كان لله ولد سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ [المؤمنون:91] ولأصبحت المملكة والعالم كالممالك في الأرض، فهذا يملك السماء، وهذا يملك الأرض، وهذا يملك البحار، وهذا يملك الجبال، وكثير من اليونانيين القدماء الذين سموا أنفسهم فلاسفة يقولون: رب السماء، ورب الأرض، ورب النور، ورب الظلمة وهكذا، فهؤلاء المجانين وهؤلاء الكفرة المشركون لا يعقلون.
إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ [المؤمنون:91]) لأخذ كل إله من هذه الآلهة المزيفة جزءاً مما خلقه وقام عليه، ولو كان ذلك لعلى بعضهم على بعض كملوك الأرض ودول الأرض وحكام الأرض، فهذا يطمع في حدود هذا، وهذا في مخازن هذا وفي معادن هذا وفي أمواله وفي ثرواته، كما نرى الأرض كما كانت منذ آدم منذ أن تقاتل ابنا آدم، فأحدهما قتل الآخر وإلى الآن والناس تسفك دماء بعضها؛ حباً في المال والجاه والتسلط.
فإذا ملك اثنان فإنه يطمع واحد منهما أن يغلب الثاني، وهذا ما يسمى في لغة الأصول والمنطق: التدافع، والتدافع ما دخل في شيء إلا وألغاه ألبتة، فقد زعم المشركون أن الدنيا فيها آلهة وأن الكون له آلهة، فإذا كان الأمر كذلك كما قال تعالى إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [المؤمنون:91]، وحاول كل واحد من هذه الآلهة أن يكون أعلى وأقوى وأكثر بطشاً وأكثر أتباعاً وأكثر جاهاً وأكثر سلطاناً وأكثر تجبراً، ففي هذه الحالة إما أن يتدافعوا فلا يغلب أحدهم الآخر ولا يصل لغايته، إذاً فكلاهم عاجز، فإذا عجزوا فهم ليسوا بآلهة، وليس العجز من صفة الإله والرب، فسقطوا جميعاً، وإذا غلب أحدهم الآخر فالمغلوب ليس إلهاً، ومن هنا تجد عقول النصارى عقول سخيفة تداس بالأقدام بلا كرامة، فقد زعموا أن عيسى ابن الله، وأحياناً قالوا: هو الله، ثم زعموا أن اليهود تغلبوا عليه وصلبوه وقتلوه، إذاً يصبح اليهود أقوى من ربهم الذي زعموه رباً.
وبذلك لم يكن عيسى إلهاً، ولو كان إلهاً لما تغلب عليه اليهود، وقد جاء في القرآن الكتاب المنزل خاتم الكتب والمهيمن على الحدود كلها: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ [النساء:157] أي: كذبوا وافتروا وأفكوا، وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] أي: قتلوا شبيهاً له، وهذا ما ثبت في إنجيل برنابا، وبرنابا أحد حواري عيسى، فيه أن عيسى لم يقتل، فيه: أن هذا الذي خانه، عندما دخل رفع الله عيسى إليه وشق السقف وإذا بهذا الذي تجسس عليه وباعه بثمن بخس دراهم معدودة إلى الروم من حكام القدس، وإذا بالله تعالى يلبس هذا الخائن يلبسه صورة عيسى، فقال الحاضرون لهم: هذا عيسى فأخذوه، هذا في إنجيل برنابا، أخذوه وجعلوا على كتفيه صليباً أكبر منه وأطول، وجعلوا على رأسه تاج شؤم؛ لأنهم قالوا للروم: إن عيسى يريد أن يأخذ عرشكم وملككم، ويتبعونه بالتفال وبالضرب وبالخزي وباللعنة، فكان يبكي ويقول: لست عيسى، أنا الذي بلغتكم على عيسى، فأخذ يفضح نفسه، فالمؤمنون بعيسى حقاً كانوا يهينونه ويضربونه؛ لخيانته التي اعترف بها، وأولئك كانوا يكذبونه؛ لأن الحواريين أصحاب عيسى قالوا لهم: هذا عيسى؛ لأن وجهه وصفته كانت صفة عيسى، وهو ما قاله الله جل جلاله: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ [النساء:157]، وكان هؤلاء الذين قتلوه أو زعموا أنهم قتلوه في خلاف طويل: هل قتلناه أولم نقتله؟ وهل هو هو أوليس بهو؟ إلى قرون بعد ذلك.
فراحت السلطة وكانت في يد الرومان، والروم كانوا تنصروا فأوجبوا على كل من ادعى النصرانية أن يؤمن بأن عيسى رب، وأن عيسى صلب، فطغى بذلك اليهود ولا يزالون يطغون، وأذلوا النصارى وجعلوهم تحت الأقدام، فقتلوا إلههم وتغلبوا عليه، لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22].
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [المؤمنون:91].
في هذه الحالة لو كان هناك آلهة معه لذهب كل إله بما خلق، أي: لأخذ جزءه الذي خلقه: سماءه أرضه جبله بحره، وعندما يأخذ ذلك ويتسلط عليه لعلا بعضهم على بعض، فهذا يعلو على هذا، وهذا يقاتل هذا، وهذا النوع نفس جين اليونانيين الذين يسمونهم فلاسفة، فقد جعلوا بينهم حروباً، وجعلوا بينهم قصصاً، وجعلوا بينهم خرافات، فقالوا: الرب الأعظم، ورب الأرض، ورب النور، ورب الظلمة، وهذه خرافات ما أنزل الله بها من سلطان، وما نزلت الكتب على الأنبياء إلا لتزيفها ولتبين أنها خرافات وأوهام.
إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [المؤمنون:91]، فالله جل جلاله ينزه نفسه ويعظم نفسه ويعلي شأنه؛ ليعلمنا أنه أعظم وأعلى من ذلك، فليس بحاجة إلى ولد، وليس بحاجة إلى شريك، ولم يكون ذلك الشريك، وكلمنا بالعقول التي تفهم لو حدث ذلك -على أنه لم يحدث-، فالكون منذ وجد يمشي على غاية ما يكون من النظام بالثانية: الليل والنهار، الصيف والشتاء والربيع والخريف، والحياة والإنسان، ولم يوجد في يوم من الأيام أن ولد إنسان حماراً، أو حمار ولد إنساناً، وما يوم من الأيام اختلفت الفصول فكان الصيف ربيعاً، أو أصبحت مكة باردة كبرد الشام أو المغرب، لن يكون هذا في هذا النظام الدقيق الذي أقام الله عليه ملكه، وما كان متصرفاً فيه لم يزد ثانية ولم ينقص على نظامه كما خلقه الله جل جلاله، فمن دبر ذلك؟ ومن أشرف على ذلك؟ ولله ملائكة ولكنهم عبيد يفعلون ما يؤمرون لا يعصون الله ما أمرهم قط.
ولذلك فهذا أعظم دليل منطقي، وعندما يقال: الكتب الدينية فإنهم يعنون كتب النصارى التي اختلفت وتغيرت وتبدلت، وأما نحن فلا نقول: القرآن كتاب ديني، وإنما هو كتاب ديني وكتاب دنيوي، وكتاب عسكري، وهو كتاب مدني، وهو كتاب قانون، وهو كتاب شريعة، وهو كتاب أدب وهو كل شيء، فماذا تقول في هذه المحاورات العقلية: أفلسفة هي، قل إن شئت: هي المنطق والعقل، وقل إن شئت هو محاورة في الأدب والبلاغة؟ ولكن ليس طقوساً كما يزعم النصارى والجهلة من أبناء المسلمين الذين تلقفهم النصارى واليهود وأفسدوا عقولهم، ودينهم، وعلومهم، وجعلوهم خلقاً لا مسلماً ولا كافراً في أكثرهم، إلا من حفظ الله.
(عالم الغيب) صفة لله جل جلاله، وقرئ (عالم الغيب) كلام مستقل، فالله يعلم ما غاب عن خلقه ويعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، ويعلم الشهادة ويعلم حضورنا، ويعلم ما نحن عليه الآن ومن تدارس كتابه تجاه الكعبة المشرفة، ويعلم خلقه، ويعلم ما ينفعهم وما يضرهم، ويعلم ما تجري به الضمائر والنفوس، فلا تخفى عليه خافية جل وعلا وعز مقامه وعلا شأنه.
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [المؤمنون:92] تعالى عن شركهم، نزه نفسه عن شركهم فلا ولد له ولا شريك له، ولا يحتاج إلى شيء من ذلك وإلا لتدهده هذا الكون وخرب وضاع ولا يبقى مستقيماً، كما نرى الدول عندما يختلف حكامها وزعماؤها تقوم الفوضى: فلا بيع ولا شراء ولا قيام ولا قعود إلى أن يغلب أحدهما الآخر، وتخرب معه البلاد والعباد، وهذا لم يحدث في الأرض؛ لأن مالك الأرض واحد، ومالك السماء واحد، وخالق الكل واحد وهو الله جل جلاله، فلا ابن له ولا ولد معه ولا شريك.
علم الله نبيه أن يدعو بذلك، قل يا محمد: رب لقد حققت وعيدك في هؤلاء الظالمين المشركين، وأنزلت بلاءك وعذابك ونقمتك وغضبك على هؤلاء، رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [المؤمنون:94]، رب فلا تجعلني ضمنهم؛ فلم أظلم يوماً، فأنا عبدك الذليل بين يديك، الخانع لجلالك وقدرتك، فالكل منك وإليك يفعلون ما تشاء، ولا تسأل عما تفعل، ولكنني أرجوك.
علمه الله أن يقول: رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ [المؤمنون:93] أي: إما أرأيتني ما وعدتهم به من عذاب، إذا أنزلت بهم عذابك ونقمتك وحضرت ذلك وشاهدته فلا تجعل ذلك العذاب مما يشملني، ولا تجعلني فيهم؛ لأن الله تعالى قال: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25]، فعلم نبيه أن يقول لربه: لا تجعلني يا رب إذا ما أوعدت وحققت وعيدك وعذابك ونقمتك لهؤلاء وعشت وأدركت ذلك فلا تجعلني بينهم، وقد استجاب الله له فلم تكن محنة ولا عذاب على الصحابة والمسلمين أيام الحياة النبوية، وبعد الحياة النبوية ارتد من ارتد، ومنع الزكاة من منعها، وقتل عمر، وسم أبو بكر ، وقتل عثمان، وقتل علي، وتحاربوا فيما بينهم أربع سنوات متصلة أريق فيها الكثير من الدماء، وحدث ما حدث بين الكبار من القوم، وكان ذلك من الله امتحاناً وفتنة وبلاء.
وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ [المؤمنون:95]، ولو أردنا أن نريك أن تعيش في واقع النقمة والعذاب والفتنة والبلاء فإننا على ذلك لقادرون، فيفعل الله ما يشاء، فيحسن للمسيء ويعاقب المحسن، فالله يفعل ما يشاء، والضمائر والقلوب بيد الله، فلا يشق القلوب إلا هو، ونحن نشهد للإنسان بحسب ما رأينا فنقول: فلان صالح، وأما ما في قلبه فلا يعلم هذا إلا الله.
وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ [المؤمنون:95] يقول الله لنبيه ولعبده ورسوله صلى الله عليه وسلم: لو أردنا أن نريك ذلك وأن نعيشك في بلائهم وفي نقمتهم لفعلنا، ولكن الله لم يفعل؛ تكرمةً لنبيه صلى الله عليه وسلم، وتكريماً لأمة نبيه.
والله تعالى منذ أرسل محمداً في الأقوام جميعاً -صلى الله عليه وسلم- حفظهم وصانهم من أن يبتليهم بما ابتلى به الأمم السابقة: من مسخ، وخسف، وصيحة، وبلاء مما كان يبتلى به الأولون، ومن غرق شامل كما كان أيام نوح، فالصيحة تأخذ الحي والميت والكبير والصغير والصالح والطالح، من قذف بحجارة من فوق كما حدث لقوم لوط، ومن قتل بعضهم لبعض؛ ليتوب الله عليهم كما فعل مع بني إسرائيل عندما أشركوا وعبدوا العجل في قصة السامري التي قصها الله علينا، وأما الأمة المحمدية فهي محفوظة من ذلك وإن كان ليست محفوظة من مسخ العقول، فقد مسخت عقول كثير ممن نعايشهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم مخبراً عن قوم: (ألسنتهم ألسنة العرب وقلوبهم قلوب الأعاجم) أي: ليس فيه من الإسلام إلا اللسان، وأما عقولهم فكعقول الكفار، وتفكيرهم كتفكير الكافرين، وما أصدق هذا الحديث على عصرنا! فترى الرجل الحافظ العالم المتكلم الفصيح البليغ فإذا به يفاجئك بأنه من اتباع ماركس اليهودي، ومن اتباع الشياطين، وقد ترك المذاهب والإسلام كله إلا المذاهب الضالة الباطلة الوافدة من خارج حدود ديار الإسلام.
ويأخذ أحياناً يجادل ويحاور وهو يظن نفسه أنه على شيء، فيقول لك: بلى ما قال هذا صحيح، فالدنيا كانت في الأصل خلية واحدة ثم توالدت، ألا ترى الماء يكون راكداً وإذا بنا نجد فيه الديدان، فنقول لهذا: فالخلية الأولى التي تزعم من الذي أوجدها؟ وعندما يقف معناه أنه قد اعترف بعجزه وكفره وشركه، ونحن نقول: الخلية الأولى هي آدم، ولكن من الذي خلقه؟ وهل وجد هكذا سبهللا عبثاً؟ أليس الله هو الذي خلقه؟ أليس الله هو الذي نفخ فيه من روحه؟ والحشرة التي لا تكاد ترى إلا بالمجهر مكبرة على آلاف المرة تجدها في هذا الصغر فهي لا ترى بالعين المجردة، ومع ذلك لها قلب، ولها مصارين، ولها لسان، ولها سمع، ولها كل حركة!
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة المؤمنون [81-95] للشيخ : المنتصر الكتاني
https://audio.islamweb.net