إسلام ويب

أرسل الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه فكذبوه، فآتاه الله آيات مبصرة يعلمون بها صدقه؛ لكنهم جحدوها بعد علمهم بصدقها، ومن رسل الله المكرمين داود وسليمان عليهما السلام، وقد آتاهما الله الملك والنبوة، وأعطاهما من فضله، حتى علمهما منطق الطير.

تفسير قوله تعالى: (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة ...)

قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [النمل:13].

لقد جاءت فرعون وقومه آيات الله ومعجزات نبييه الكريمين موسى وهارون مبصرة بينة واضحة، فمن رآها يبصر بها النور ويبصر بها الحق ويميز بها بين الكذب والصدق، وبين الهدى والضلال، فكأنها في حد ذاتها منيرة مبصرة، فما زاد ذلك فرعون وقومه إلا طغياناً وكفراً وعلواً واستكباراً في الأرض، ومع كل هذا الطغيان قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [النمل:13].

أي: ليست هذه الآيات إلا سحراً وشعوذة ودجلاً مبيناً واضحاً، وذلك في قلوب هؤلاء الكفرة المظلمة، وعند هؤلاء الذين اشتروا الخير بالشر، واشتروا الظلام بالنور، والضلال بالهدى، فما زادهم ذلك إلا إيغالاً في الكفران والجحود.

تفسير قوله تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ...)

قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14].

يخبر تعالى عن هؤلاء أنهم جحدوا بهذه الآيات التسع، وجحدوا برسالة موسى وهارون، وجحدوا بالحق البين المنير، فجحدوا بهذه الآيات وكفروا بها وأنكروها ولم يؤمنوا بها، على أن أنفسهم قد استيقنتها، فكانوا على يقين ثابت من أنها من الله وليست سحراً، وأنها نور وليست ظلاماً، وأنها هداية وليست ضلالاً، فأنكروا الحق الصراح وحاولوا أن يغلفوه بالأباطيل والأضاليل، فكان ذلك ظلماً لأجل الشرك الذي ابتلوا به وران على قلوبهم فأبصروا الباطل ولم يبصروا الحق.

فهؤلاء قوم استعبدوا بني إسرائيل وتصرفوا فيهم بالبيع والشراء، واتخذوهم لأعمالهم القاسية التي لا يكاد يطيقها العصبة أولو القوة ظلماً وعلواً وطغياناً.

قال الله: فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14].

فانظر نظر القلب، فهؤلاء بظلمهم وباستعلائهم وبجحودهم للحق وقد تيقنت به نفوسهم كانت عاقبتهم أن أذلهم الله وأغرقهم في اليم، وأورث أرضهم وأموالهم ونعيمهم وجنانهم وكنوزهم لمن كانوا يستعبدونهم ويحتقرونهم ويبيعونهم بيع الدواب بدراهم قليلة معدودة.

فنصر الله الحق في شخص موسى وقومه، وأذل الباطل في شخص فرعون وقومه.

وعندما هاجر نبينا عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم نجى الله فيه موسى من فرعون، فنحن نصومه شكراً لله، فقال: (نحن أولى بموسى منكم، فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصومه)، وفي سنة وفاته عليه الصلاة والسلام قال: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر)، رغبة في مخالفة الكفار واليهود.

فكان صيام ذلك اليوم ذكرى، وكان شكراً من نبي الله ومن أمته المسلمة الموحدة.

وهكذا كان للحق أنصار ورموز، وكان للباطل أنصار ورموز، فإذا ذكر موسى ذكر معه الحق منتصراً، وإذا ذكر فرعون ذكر معه الباطل منهزماً.

فالله جل جلاله أعاد ذكر هذه القصة بهذا الاختصار وفيها وصف لموسى عبده وكليمه، ففي ذلك إجلال له وإجلال للبشرية في شخصه.

كما أن الله تعالى أكرم بني آدم بأن خلق أباهم آدم بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، وهكذا اختار عبداً من سلالة آدم فكرمه وشرفه بالكلام، ثم شرف وكرم بعده خاتم الأنبياء بما لم ينله ملك مقرب ولا نبي مرسل في ليلة الإسراء والمعراج، فما كان الناس يؤمنون به غيباً آمن به النبي صلى الله عليه وسلم شهوداً وحضوراً.

تفسير قوله تعالى: (ولقد آتينا داود وسليمان علماً ...)

قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل:15].

وهكذا ننتقل بعد اختصار قصة موسى كما ذكرها الله في سورة النمل إلى قصة داود وولده سليمان، فالله جل جلاله يخبر بأنه آتى داود وسليمان علماً، وداود نبي من أنبياء الله وملك، وسليمان ابنه نبي من أنبياء الله وملك، فهذان ممن جمع الله لهم بين النبوءة والملك، ونبينا عليه الصلاة والسلام خير بين أن يكون عبداً رسولاً وملكاً نبياً، فاختار أن يكون عبداً رسولاً، أي: لا يعيش عيشة الملوك ولا ترف الملوك ولا بأوامر ونواهي الملوك، بل عاش عبداً في أوامره وفي نواهيه وإن كانت ولاية الدولة لنبينا عليه الصلاة والسلام، فلا يد أعلى من يده، يولي ويعزل، ويقيم الحدود فيرجم ويقتل ويقطع ويجلد، ويولي الرسل، ويولي القادة، ويولي الأمراء على النواحي والمدن والأقاليم، ويرسل السفراء إلى الأباطرة والقياصرة ليأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويدعوهم إلى الله.

وهذه وظيفة الملك، ولكنه مع ذلك كان يفعل فعل العبد المتواضع لله بلا حشم ولا أتباع على كثرتهم، فكان صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يقام له، ولا يسمح أن يكون قاعداً وهم قائمون على رأسه، فكان يعيش عيشة العبد المتواضع لله على أن أوامره ونواهيه وأحكامه تشمل جميع جزيرة العرب جيوشاً ومدناً وقرى، وكل ما يفعله رئيس الدولة قد فعله، وكل ما يفعله ملك قد فعله.

قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا [النمل:15]، آتى نبييه ورسوليه الكريمين الملكين علماً.

والعلم هنا نكرة يشمل كل نوع من أنواع العلوم، ومع ذلك قد حدده البعض بأنه علم القضاء، وسياق الآية لا يحمل ذلك، بل آتاهما الله علماً في القضاء، وعلماً في الأحكام، وعلماً في الحقيقة، وعلماً في المعرفة، وعلماً في تجنيد الجيوش، وعلماً في تسيير شئون الدولة، وسخر سليمان الرياح، حتى طلب سليمان ألا يكون ذلك الملك لأحد بعده، فكان سليمان أوسع ملكاً وأعظم جاهاً وسلطاناً.

وبعد أن أكرمهما الله بما أكرمهما به شكرا الله على عطائه وعلى ما منحهما به، وعلى ما خصّهما به، قال تعالى: وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ [النمل:15] والذي يبقي النعم هو شكر الله على كل ما أنعم به من النعم الظاهرة والباطنة، والشكر يزيد النعم، قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

وعذاب كفر النعمة أن يُسلبها من أُنعم بها عليه، ولا يفعل هذا إلا بمخذول.

قال تعالى: وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل:15] فحمد الله على أنه فضّلهما على كثير من المؤمنين، ولو قالا: (فضّلنا على جميع عباده المؤمنين) لما بقيت هناك رُتبة لنبينا خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن سليمان مر في إحدى سفراته وهو على بساطه في الجو على مكة، وطاف بالبيت، وحج كفعل جميع الأنبياء قبله وبعده، وقال لمن معه: في هذه البلدة سيولد خاتم الأنبياء وسيد الأنبياء، وحضّ على من عاش وأدركه على أن يؤمن به كما أُخذ عليهم العهد بذلك.

فلو قالا: (فضّلنا على العالمين) لكانا قد فُضِّلا حتى على محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يفضّل على محمد صلى الله عليه وسلم أحد، فهو سيد العبيد وإمامهم.

تفسير قوله تعالى: (وورث سليمان داود ...)

قال تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ [النمل:16].

ذُكر داود في هذه الآية ليذكر سليمان، وستبقى القصة لسليمان وانتهى الكلام في هذه الآية عن داود عليه السلام.

قال تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ [النمل:16] أورث الله سليمان ما تركه داود، والذي تركه داود هو النبوة والرسالة والعلم والمعرفة.

ولم يكن لداود من الأولاد سليمان فقط، بل كان له سبعة عشر رجلاً كلهم من الأفاضل المؤمنين، ولكن لم يكن منهم نبي إلا سليمان، والإرث ليس إرث مال؛ لأن الأنبياء لا يورثون المال، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة).

فمات داود وورث سليمان نبوة أبيه ورسالة أبيه وعلم أبيه، وكان أهلاً لذلك، فقد أهّله الله لذلك جل جلاله، ومن أهّله الله لشيء كان هو الجدير به.

معنى قوله تعالى: (وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير ...)

قال تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ [النمل:16].

يخبر سليمان بأن الله زاده على ما أعطى أباه شيئاً آخر، فقد علّم الله تعالى سليمان منطق الطير، أي: فهم لغة الطير والكلام معه، والألف واللام للجنس، أي: جميع أجناس الطيور، فكان يفهم لغاتها وتفهم عنه كذلك لتتلقى منه الأمر والنهي، فقد كانت جنداً من جنده، وكان ذلك مما أكرم الله به سليمان وخصّه به دون الأنبياء السابقين، وأما نبينا عليه الصلاة والسلام فقد كلّمه الحيوان وكلّمته الأشجار وكلّمته الأخشاب وهي ميتة، ففهم عنها وفهمت عنه، وحصل له ما لم يحصل لمن سبق، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب على جذع في مسجده النبوي، فأرادوا أن يصنعوا له منبراً، فلما صنعوه ترك صلى الله عليه وسلم الخطبة على الجذع، فأخذ يحن حنين الناقة عندما تفقد فصيلها، وسمع حنين هذا الجذع كل من كان في صلاة الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار والرجال والنساء.

فما من معجزة أُعطيها نبي من الأنبياء قبل إلا وأُعطيها نبينا عليه الصلاة والسلام وزيد عليها، كما قال تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ [البقرة:253] .

قال المفسّرون: الذي رفعه الله درجات هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، رفعه الله درجات فوق موسى وفوق سليمان وفوق داود وفوق إبراهيم وفوق نوح وفوق أبيه آدم كذلك، ومن هنا اختص يوم القيامة بالشفاعة العظمى دون جميع الأنبياء والمرسلين، حيث يذهب الناس يوم القيامة إلى أولي العزم يريدون منهم أن يشفعوا لهم عند ربهم لفصل القضاء، وكل منهم يقول: نفسي نفسي، إلى أن يصلوا إلى عيسى، فيقول لهم: اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتونه فيقول: (أنا لها، أنا لها) ثم يذهب فيخر ساجداً تحت ساق العرش، وهو المقام المحمود الذي سمّاه الله، وجعله له على رءوس الخلائق، وقد أخذ الله من جميع الأنبياء السابقين العهد على أن من أدركه وعاصره منهم أن يؤمن به، ولذلك كان يقول صلى الله عليه وسلم: (لو كان موسى حياً لما وسعه إلا أن يتبعني) وموسى كليم الله، ومع هذه الرتبة العلية والمنصب الرفيع لو عاش لما وسعه إلا أن يكون تابعاً من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن المعلوم أن عيسى -وهو آخر أنبياء بني إسرائيل- سينزل في آخر الدنيا، وهو من علامات الساعة الكبرى، فسينزل إلى الأرض من السماء وهو على دين محمد صلى الله عليه وسلم، وسيصلي صلاته ويحج حجه ويزكي زكاته ويصوم صيامه ويصلي خلف أئمة المسلمين، وبذلك أصبح صحابياً، ومن هنا ترجم له من كتب في تراجم الصحابة، كالإمام الحافظ العسقلاني في كتاب الإصابة؛ لأن تعريف الصحابي يشمله، فالصحابي هو من آمن برسول الله حياً ورآه ومات على ذلك، فقد رأى عيسى نبينا ليلة الإسراء في سماء الدنيا، ورحّب به أخاً، وسينزل عيسى بعد ذلك وسيبقى على دين محمد ويموت على دين محمد صلى الله عليهما وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

قال تعالى عن سليمان: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ [النمل:16] يُذيع في الناس قائلاً: قد أكرمنا الله بأن علمنا منطق الطير، وذكر صوت الطير بأنه منطق لأنه لغة فهمها سليمان.

قال تعالى عنه: وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ [النمل:16] آتى الله سليمان من كل ما يحتاج إليه الملوك، أعطاه من القوة، وأعطاه من الجيوش، ومن السلطان، وأعطاه من الذهب والفضة، وأعطاه من البُسُط التي يطير بها في الهواء، وأعطاه من الجند الذين يخضعون له جناً وإنساً وحيواناً وطيراً، وهو أحد الملوك من الأنبياء الكبار، فشكر سليمان الله معترفاً بأن هذا هو الفضل المبين الظاهر.

تفسير قوله تعالى: (وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير ...)

قال تعالى: وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [النمل:17] .

قوله تعالى: (حُشر) أي: جُمع.

فسليمان كان يريد سفراً، فاجتمع له مواكب الجند من الجن والإنس والطير، وكانت وظيفة الطير وظيفة كبيرة يعلمها من يسكن الصحاري، فقد كانت تظلله في مدة سفره، بحيث تحجبه عن الشمس وحرّها، وكانت تحرّك أجنحتها بطبيعة الحال وهي تطير، فكانت كالمكيفات والمراوح.

أما جند الجن فكانوا مكبلين بالسلاسل والأغلال، لأنهم لا يؤتمنون، إذ يسرعون بالأذى للإنس، فهم لا يعملون إلا تحت القهر وتحت القوة، والإنس منهم القادة ومنهم الوزراء ومنهم المستشارون، ومنهم المبلّغون، والجن كانوا يشهدون المكان إن احتاج سليمان للنزول أو المقام.

وقد سخّر الله تعالى لسليمان الريح، وكان يضع فوق هذه الريح ما يشبه اليوم أعظم طائرات الأرض، وهو البساط الذي يحمل الآلاف، وكانت هذه الريح تطير رخاء بالشكل الذي يرغب فيه، وبلا إزعاج ولا إقلاق كطائرات اليوم.

قال تعالى: وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ [النمل:17] أي: من جنس الجن، وجنس الإنس، وجنس الطير، وهذا ما لم يكن لأحد ممن سبقه من الأنبياء، وإن كان سليمان طار في الأجواء فقد طار نبينا صلى الله عليه وسلم فيما لم يصل إليه سليمان ولا من سبقه، فقد طار في ثوان إلى بيت المقدس، واجتمع بالأنبياء فصلى بهم إماماً، ثم عُرج به إلى السماوات العُلى، إلى أن كان قاب قوسين أو أدنى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا ما لم يصل إليه سليمان بريحه ولا بجنه ولا بطيره ولا بإنسه.

يقول تعالى: وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [النمل:17] أي: يرتبون وينظمون كما تنظم المواكب في جيوش الدولة وجيوش القتال، فقوله تعالى: (يوزعون) أي: يُمنعون من أن يتقدم أحد عن رتبته، أو يتأخر عن رتبته، ومن كل أو مل أو مرض يُخرج ليقف حيث يكون أمثاله ويجلس حيث يجلس أمثاله.

فكانوا يلزمون بأن يكونوا مصطفين منظمين كل في مكانه وكل في رتبته، وفي الدرجة العليا نبي الله سليمان، وكان هذا الترتيب يحصل في الأرض وفي الجو وعلى البحار وفي الفيافي، وهو ملك خصّ الله به سليمان من بين جميع أنبياء الأرض، بل ومن بين جميع ملوك الأرض، فـفرعون على فرعنته وطُغيانه لم يكن له أن يأمر ماء أو رياحاً أو جناً أو حيواناً أو طائراً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة النمل [13-17] للشيخ : المنتصر الكتاني

https://audio.islamweb.net