إسلام ويب

إن من استقام في هذه الدنيا على الصراط المستقيم الذي شرعه الله لعباده سهل عليه اجتياز الصراط يوم القيامة، والصراط مزلة عظيمة، عليه كلاليب وخطاطيف تخطف من لم يستقم على شرع الله ودينه، فينبغي للمرء أن يحذر تلك الكلاليب والخطاطيف، ويعد العدة من هنا، فمن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل.

الشفاعة والميزان

الحمد لله حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعمه علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الخامسة عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، فاللهم ارزقنا يا ربنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روح وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً، لا تدع لنا في هذا اليوم العظيم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً.

اللهم من أراد بالمسلمين كيداً فاجعل كيده في نحره.

اللهم أوقع الكافرين في الكافرين وأخرجنا من بينهم سالمين، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك يا رب العالمين معافين غير ضالين ولا مضلين، وغير مبدلين ولا مغيرين.

اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك.

اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النار.

اللهم زحزحنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل.

اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام.

اللهم اسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً.

اللهم أفرح بنا قلب نبينا، اللهم أفرح بنا قلب نبينا، اللهم أفرح بنا قلب نبينا.

اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا.

اللهم أوردنا حوضه، واحشرنا تحت لوائه، واجعلنا من رفقائه في الفردوس الأعلى، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

اللهم إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تبلغنا، اللهم إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصل إلينا.

اللهم أرنا وجهك الكريم، اللهم لا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم، اللهم لا تحرمنا من التمتع بالنظر إلى وجهك الكريم، واجعلنا ممن: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:10] ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، وعلى الأنبياء والصالحين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

توقفنا في الحلقة الرابعة عشرة عند الحديث عن الشفاعة؛ فاللهم شفع فينا نبينا يا رب العالمين، قبل الحديث عن الشفاعة تفرقنا ونحن نشاهد أهل المحشر ونحن منهم، اللهم ثبتنا يومها بالقول الثابت يا ربنا اللهم آمين.

رأينا كيف خرج الناس من القبور، وكيف جمعهم الله في صعيد واحد، في أرض بلقع بيضاء نقية لم يعص الله عليها بمعصية، ولم يرتكب فيها أي نوع من الأخطاء التي تغضب الله رب العالمين كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما قال الله عز وجل: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ [إبراهيم:48] فالأرض سوف تتغير إلى أرض أخرى، والسماوات إلى سماوات أخرى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى [النجم:47] يعني: ربنا سوف ينشئنا، وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ [الواقعة:61] فهو سبحانه سوف ينشئنا نشأة أخرى، تخالف شكلاً، وموضوعاً، وأرضاً، وطريقة، وكلاماً، سوف يبعث الناس يوم القيامة على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء، يعني: إذا كان الذراع يساوي (75سم) ففي الجنة طول الواحد منا (45) متراً، هذه مسألة تخرج خارج حدود العقل، لكن ما علينا إلا أن نقول: صدقت يا رسول الله؛ لأنه هو الصادق الأمين المعصوم، فالكلام الذي يقوله نصدق به، ويجب أن نكون من أول المصدقين بما يقوله الحبيب الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.

ثم بعد ذلك رأينا كيف ذهب وفد من البشر إلى أبيهم آدم ليستشفع لهم عند الله؛ لكي يبدأ الحساب، ولكن أبانا آدم يرفض ويعتذر ويعلم أبناءه من البشرية كلها أن الله قد غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله من قبل، لما غضب الله على قوم نوح في الدنيا أرسل عليهم الطوفان، لكن غضب الله يوم القيامة أشد من غضبه يوم الطوفان، فآدم قال: غضب ربي اليوم غضباً لم يغضب مثله قط.

كذلك لما غضب الله على قوم لوط بعث لهم سيدنا جبريل فأخذ القرية على جناحه لما ارتكبت اللواط والشذوذ، حتى سمع الملائكة نباح كلابهم، فقلب هذه القرية رأساً على عقب، ثم أمطروا بحجارة من سجيل مسومة عند ربك، أي معلمة، يعني: الحجر مكتوب عليها اسم الله، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31] لكن الله يوم القيامة سوف يغضب غضباً أشد من غضبه يوم عقابه لقوم لوط، وأشد من يوم الصيحة، ومن يوم الريح العقيم التي ذكرت في كتاب الله عز وجل.

كذلك لما أخذت بني إسرائيل الصاعقة، نزلت على السبعين شخصاً عندما قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة:55] غضب الله عليهم، لكن غضبه يوم القيامة أشد من غضبه على بني إسرائيل.

إذاً: اعتذار سيدنا آدم، وسيدنا نوح، وسيدنا إبراهيم، وسيدنا موسى، وسيدنا عيسى.. وكل يقول: لقد غضب ربي اليوم غضباً لم يغضب مثله من قبل، ولن يغضب مثله من بعد، هذه الغضبة هي قمة غضب الله عز وجل، اللهم أجرنا من غضبك يا رب العالمين، وارض عنا فيمن رضيت، كل يقول: أنا لست لها، هذا ليس موقفي، كل واحد يهرب, فإبراهيم ينسى ابنه إسماعيل ويمسك بقوائم العرش، وموسى ينسى أخاه هارون ويمسك بقوائم العرش، ونوح لا يجادل في قضية ابنه يمسك بقوائم العرش، وعيسى ينسى أمه مريم ابنة عمران ويقول: نفسي نفسي ويمسك بقوائم العرش، فلا يقوم لهذا المقام إلا صاحب المقام المحمود عليه الصلاة والسلام، ونحن دائماً ندعو له أن يبعثه الله مقاماً محموداً كما وعده رب العباد في كتابه الكريم، والمقام المحمود منزلة لا تكتب إلا لعبد واحد فقط؛ يقول عليه الصلاة والسلام: (فعسى أن يكون أنا هو) هذا من أدبه صلى الله عليه وسلم يقول: أتمنى أن أكون أنا، لم يقل: أنا صاحب هذه المنزلة.

رأينا كيف بدأ الله الحساب، وكيف تطايرت الصحف، وكيف علق لكل إنسان كتابه، وكيف من أخذ الكتاب بيمينه ومن أخذه بشماله ومن أخذه من وراء ظهره، ورأينا كيف نصب الموازين، وكيف أمر الله عز وجل بجهنم أن تجيء؛ وسوف نأتي للتفصيل في موضوعات وحلقات النار والعياذ بالله لموضوع: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ [الفجر:23-24] أي: كل واحد مقصر، وكل واحد في هذا المحشر وفي هذا الموقف: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24]، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ [الانفطار:5] الإنسان يرى أمامه ما قدمه وما أخره؛ إن قدمت خيراً وأنت على قيد الحياة كتب لك خيراً، وإن أخرت خيراً بعد مماتك أيضاً كتب لك خيراً، كمن خلف ولداً صالحاً يدعو له، أو علماً ينتفع به، أو صدقة جارية، أو بنى مسجداً، أو كتب مصحفاً، أو علّم علماً، أو حفر بئراً، أو أجرى نهراً، أو غرس نخلاً..، كل هذه الأعمال يجري ثوابها للعبد بعد موته.

وقفنا في حديثنا عندما تطايرت الصحف، واستلم كل كتابه، اللهم اجعلنا من الذين يتسلمونه بيمينهم يا رب العالمين، ثم وضعت الموازين واتفقنا فيما بيننا أننا نميل إلى أنه ميزان واحد، وقلنا: إن العرب يطلقون الجمع على المفرد، قال تعالى: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:123] وقوم عاد لهم رسول واحد.

إذاً: قوله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأنبياء:47] الموازين هنا هي ميزان واحد يوزن به أعمال العباد كلهم، بحيث تكون الحجة البالغة لله على الخلائق.

إذاً: توزن الأعمال فمنا من يسعد سعادة لن يشقى بعدها أبداً، وذلك بأن تثقل موازينه، وهناك من تخف موازينهم، والرسول صلى الله عليه وسلم واقف عند الميزان، وهو أحد المواقف الثلاثة له صلى الله عليه وسلم، ولما قال له أنس رضي الله عنه: أين نجدك في الآخرة؟ قال له: (اطلبني عند الميزان، أو اطلبني عند الصراط، أو اطلبني عند الحوض؛ لا أخطئ هذه المواطن الثلاثة).

الصراط

سيكون حديثنا اليوم عن أخطر حلقة في حلقات الدار الآخرة، اللهم هون علينا هذا الموقف يا رب العالمين، واجعلنا من الذين تثبتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، واجعلنا من الذين رضيت عنهم وعليهم في الدنيا والآخرة يا رب العالمين.. آمين يا رب، هذه الحلقة تخص الصراط، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم.

قبل أن نتحدث عن موضوع الصراط نأتي بمقدمة نقول فيها: هناك صراط في الدنيا الذي لا يستقيم عليه لا يمشي على صراط الآخرة، نحن نقرأ سبع عشرة مرة على الأقل كل يوم: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] هذا في الفرض، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، قال تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] لأن الفاتحة أم الكتاب فيها الخير كله، وفيها معاني القرآن كلها.

هذا الصراط المستقيم، من الذي أنعم عليهم وعرفهم به سبحانه؟ قال داود: يا رب! من أحب العباد عندك؟ قال: من حببني إلى خلقي وحبب خلقي إلي، قال: يا رب وكيف يحببك إلى خلقك؟ قال: يذكرهم بنعمائي فيحبونني فأحبهم فأغفر لهم فأدخلهم الجنة.

يعني: يذكر الناس بنعم الله عليهم، حتى يكونوا في حالة من الرضا، بحيث لا يقنطون من رحمة الله.

وأسوء العباد من قنط الناس من رحمة الله، اللهم لا تقنطنا من رحمتك، يا رب أمنا من عذابك ولا تؤمنا من مكرك؛ لأنه لا يأمن مكر الله إلا كل خاسر وفاجر وكافر، وقد وضح لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما كان جالساً مع صحابته يوماً، قال أبو هريرة: خط الرسول خطين، وشعب خطوطاً، وقال: (هذا صراط الله المستقيم، وهذه طرق الشيطان على كل ناصية طريق يقف شيطان)، فالواحد عندما يبعد عن الصراط المستقيم يأخذه الشيطان الذي هو واقف على أول ناصية، وربنا مدح المتقين فقال: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201] أي: أن الشيطان يغشى البصر والبصيرة للعبد فلا يرى، لكن المؤمن إذا يمسه طائف من الشيطان يتذكر الله فينجلي بصره وتنجلي بصيرته، فيرى أن الله أقرب إليه من حبل الوريد فيتوب، لكن العبد الذي لا يعود إلى الله سريعاً يسلمه الشيطان إلى الشيطان الذي بعده، فإن رجع وتاب وإلا سلمه إلى الشيطان الثالث. وهكذا.

أضرب لك مثلاً: رجل أتى من حلوان إلى مدينة أخرى يريد الجامع الذي فيه الدرس وهو متجه نحوه اتجاهاً صحيحاً، فلقيه شخص فسأله عن مكان الجامع فقال له: اذهب يميناً، فذهب يميناً فلقيه آخر فسأله عن الجامع فقال: اذهب شمالاً فيذهب شمالاً، فينظر نفسه قد ضاع، فطرق الشيطان مثل هذا.

كذلك الشيطان يزين بضاعته دائماً، ومعلوم لدينا أن الجنة حفت بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، فالنفس تحب أن تغني وترقص، والجنة طريقها محفوف بالمكاره، تأتي المسجد من الساعة التاسعة لكي تحجز المكان، وبعد ذلك تحمل أمانة العلم، وبعدها تعود إلى بيتك فتجد امرأتك متضايقة وأولادك يريدون أن يتفسحوا، كل هذه مكاره، فالعبور إلى رضوان الله كالعبور تماماً على الصراط، وطريق الله واحد قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ [الأنعام:153].

ذلكم الصراط المستقيم في الدنيا وصانا بسلوكه، قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي).

إذاً: صراط الله مستقيم واضح في كتاب الله، وفي حجة الوداع قال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس تركتكم على المحجة البيضاء) المحجة الطريق (ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).

فنحن جماعة المسلمين يسعنا جميعاً كتاب الله وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم، لا داعي للتفرق، المصيبة أن واحداً وثمانين لما اعتقلوا وكانوا من جماعات مختلفة، فكانوا يصلون صلاة الصبح خمس فرق، هؤلاء الذين من الفرقة الفلانية لا يصلون وراء الفرقة الفلانية، مع أنهم كلهم محبوسون على قضية واحدة وهي انتماؤهم للإسلام، والذي حبسهم يكره الإسلام ويكرههم؛ لأنهم يمثلون الإسلام، لكنهم يمثلون الإسلام بأسوأ صورة، يتفرقون وهم في السجن، هل هذا وقت للتفرق؟! كذلك الرعاة عندما يتشاكسون مع بعض ترى الذئب يخطف الغنم، وإذا اختلف أصحاب المحراب احتله أصحاب الحان والخمرة، وربما يقول لك: هذا الجامع جاء بفتن، إذاً أغلقوه.

قال الله تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:78] يعني: حين نقف أمام الله يوم القيامة ويسأل أحدنا هل أقول له: أنا صوفي، أنا أحمدي، أنا رفاعي، أم أنا مسلم؟! هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ [الحج:78].

إذاً: المؤمن يعمل بكتاب الله وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم، أما أن يأتي الواحد وباسم الدين يضرب على الموسيقى، فهذا يعتبر من اللعب بدين الله تعالى، هناك قانون لكل شيء، فهذه الكرة لها قانون، واللاعب إذا لمس الكرة بيده في منطقة الجزاء إما أن يقول له الحكم: ضربة جزاء! أو يعطيه كرت إنذار، وهذا يأتي في دين الإسلام وينسب إليه ما ليس منه، نقول: أليس الدين أيضاً له قانون، وهذا القانون جاء من الكتاب والسنة.

ضرورة الصبر حال السير على الصراط

من سار في الدنيا على الصراط المستقيم سار سريعاً على الصراط يوم القيامة، فمثلاً: لو أن أم زوجتك رفعت سماعة التلفون وقالت لك كلمة غير طيبة، فمن السهولة بمكان أن ترد عليها، لكن من الصعب أن تتحمل جرعة غيظ، وأثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة جرعة غيظ يتجرعها المؤمن وهو قادر على إنفاذها، كما ورد في صحيح البخاري ، فمن تجرع الغيظ في الدنيا وسكت وصبر ابتغاء مرضاة الله سقاه الله وأرواه من حوض الكوثر يوم القيامة، فثمرة الصبر لها حلاوة ما بعدها حلاوة.

كذلك لو أن شخصاً شتمك بأي شتيمة سواء كانت فيك أو ليست فيك فمن السهل أن ترد عليه، ومن الصعب أن تسكت، والأصعب أن تعفو، والأصعب والأصعب أن تدعو له بالهداية؛ ولذلك سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما رأى بطن عمه حمزة قد بقره المشركون ومثلوا به ففي ساعة الغضب البشري قال: (لأمثلن بدلاً منك بسبعين منهم) فلما رجع إلى المدينة، سمع النساء يبكين قتلاهن فقال: (أما حمزة فلا بواكي له) يعني: مات غريباً.

ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (ارحموا اثنين: اليتيم، والغريب، فلقد كنت في الصغر يتيماً وفي الكبر غريباً) قال: (أما حمزة فلا بواكي له، فقال الصحابة: ألا نجعل نساءنا يبكين عليه؟ قال: لا يبك أحد على حمزة كفاه أنه سيد الشهداء في الجنة يوم القيامة).

فنزل القرآن عليه عليه الصلاة والسلام: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:126-127] قال: صبرت يا رب.

وتدور الأيام ويأتي فتح مكة فيسمع سعد بن عبادة يقول: (اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، قال له: لا يا سعد اليوم يوم المرحمة) فيأمر القادة ألا يقاتلوا إلا إذا بدئوا بقتال، كل المجموعات التي دخلت من شعاب مكة لم تجد مقاومة إلا مجموعة خالد بن الوليد وهو داخل حدثت بينه وبين المشركين مناوشات وقتل خالد منهم سبعين.

ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة مطأطئ الرأس وهو يقول: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]).

إذاً: حفت الجنة بالمكاره، ومسألة السير على الصراط المستقيم مسألة صعبة، هذا زوج يبتلى بزوجة تنكر الجميل وتنكر المعروف وتنسى الخير، وأكثر المنزلقين والساقطين على الصراط يوم القيامة من النساء إلا المؤمنات.

إن الزوج المبتلى بزوجة سيئة إذا رأت حسنة كتمتها وإن رأت سيئة أذاعتها فالحل أن يدعو لها بالهداية، كذلك نفس القضية الزوجة المبتلاة بزوج منحرف والعياذ بالله فالحل أن تصبر وتتقي الله وتدعو له بالهداية.

وقف منصور بن عمار أحد تابعي التابعين على شاطئ دجلة ومعه بعض الناس فرأى شباباً يطبلون ويزمرون ويرقصون فقال له من كان معه: ادع عليهم يا إمام فإنهم شباب غير طيبين، فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم كما فرحتهم في الدنيا فرحهم في الآخرة، قالوا: يا إمام نقول لك ادع عليهم ثم أنت تدعو لهم، قال: إن فرحهم في الآخرة فقد تاب عليهم في الدنيا.

إذاً: فالسير على الصراط المستقيم يقتضي صبراً؛ فمن سار على الصراط المستقيم في الدنيا سار على الصراط المستقيم سريعاً في الآخرة.

صفة الصراط

يصف لنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الصراط ويقول: (جسر مضروب فوق جهنم) يعني: من بداية الحافة من جهنم من هذه الناحية إلى الناحية الأخرى، وجهنم هي الدركة الأولى في النار، والنار سبع دركات، تبدأ بجهنم وتنتهي -والعياذ بالله- بالدرك الأسفل، ولذلك عندما كان الصحابة جالسين مرة مع الحبيب صلى الله عليه وسلم إذ سمعوا وجبة، يعني: صوتاً، فقالوا: (ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذا حجر ألقي في جهنم منذ سبعين سنة وصل الآن).

إذاً: الصراط هو سور أو جسر فوق النار، قال تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم:71] يعني: داخلها، وقال عن سيدنا موسى : وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ [القصص:23] يعني: وصل ورأى ونظر، وقولنا: وردت الإبل الماء، يعني: وصلت إلى هناك وعاينت الماء أمامها، وليس معنى ذلك أن الإبل تكون نزلت في البئر؛ لأن هذا غير ممكن، فورود الشخص أي: وصوله إلى هذا المكان ومعاينته له، وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم:71].

وقبل عبور الصراط ينادي: يا فطرة الجبار جوزوا، وأي عبور أصعب من هذا العبور؟ يعني: إن لم يسلم الله يكن الهلاك، نسأل الله السلامة.

وفي أرض المحشر يكون الأنبياء عليهم السلام، والملائكة، والشهداء، والعلماء، والصديقون، والعارفون بالله، والمؤمنون، والمسلمون ويعبر كل هؤلاء الصراط وينجون، أما الباقون فيذهبون إلى أمهم الهاوية.

كذلك الحيوانات عندما يقضي الله بينها يقول لها: كوني تراباً فكانت تراباً، فقال الكافر: يا ليتني كنت تراباً.

قال الحبيب صلى الله عليه وسلم في وصف الصراط: (أحد من سيف أحدكم، ولكنها على المؤمن كالوادي الفسيح)، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم على جنب الصراط جالساً، والدعوة عند الصراط من الملائكة والأنبياء والقريبين من الله عز وجل: يا رب سلم سلم، قيل: (حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا لا دعوة لي إلا يا رب سلم سلم).

قال: (فأرى النار وهي تزفر على أصحابي فأنهض لآخذ بحجزهم) الرسول صلى الله عليه وسلم يحجز أمته بعيداً عن النار، (فيأخذ جبريل بحجزي، فأقول: يا رب أمتي .. يا رب أمتي، يقول: دعه يا جبريل، فيدعني، فأقول: يا رب أمتي، قال: قف هنا يا محمد، فما كبا على الصراط فخذ بيده إلى الجنة).

ويقول صلى الله عليه وسلم واصفاً الصراط: (عليه كلاليب كحسك السعدان) يعني: خطاطيف، والسعدان نوع من الأشواك ينمو في صحراء الجزيرة، (الكلّوب الواحد يسع ربيعة ومضر) يعني: قبيلة ربيعة وقبيلة مضر، إن كان عددهم مائة ألف أو مائتي ألف أو نصف مليون فالخطاف الواحد يأخذ هذا العدد ويرميه في جهنم.

وهذه الكلاليب كل كلّوب وخطاف يختص بذنب من الذنوب، يعني: هناك خطاف يختص بالغيبة، وخطاف للنميمة، وخطاف للكبر، قال صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) والكبر هو أن تظن أنك أحسن واحد في الجامع أو في الحي، هذا كبر لن تدخل الجنة بسببه، والكبر أن تتكبر بمالك، أو بعلمك، أو بمركزك الاجتماعي، وخطاف يختص بالمرابي، وخطاف يختص بالمتثاقل عن الصلاة، وخطاف يختص بمن يظلم المسلمين، وخطاف يختص بمرتكب الفحش.. إلى آخره.

القنطرة الأولى للعبور على الصراط التوحيد

العابرون على الصراط أصناف ثلاثة: سالم، ومخدوش، ومكردس، فالسالم يمر عليه مر البرق؛ لأن ربنا يوسعه له، هذا الأول.

والثاني من يمر كالريح المرسلة، والثالث كالجواد المضمر.

وهناك من يمر عليه فيمكث ألف سنة أو ألفي سنة، هذا هو المخدوش، تراه يسرع قليلاً ويضعف قليلاً، وهذا عندما يخطفه الخطاف يغمسه غمسة في جهنم والعياذ بالله، ثم يصعد به مرة ثانية؛ لأن أعماله كانت صالحة، لكن فيها قليل شوائب لا يزال ينظف منها، فيطلع من جهنم كالفحمة السوداء، ويقال: إن هذا الإنسان كان يعيش كأنعم أهل الدنيا، عمره ما رأى يوم غم ويعيش مرفهاً يقول له ربه: (عبدي هل رأيت نعيماً من قبل قط؟ يقول: وعزتك وجلالك إني في الشقاء منذ أن خلقتني) يعني: غمسة في جهنم أنسته العز في الدنيا كله.

والمخدوش هو الذي ينخدش من هنا ومن هنا.

أما المكردس فهو الذي يسقط ولا يطلع.

وعلى الصراط سبع قناطر ويوقف العبد قنطرة قنطرة، فالأمر ليس سهلاً يا إخوان، اللهم اهدنا الصراط المستقيم، اللهم اهدنا الصراط المستقيم، اللهم اهدنا الصراط المستقيم، ومن علينا بالهداية يا رب العالمين.

والعبد وهو يمر على الصراط تقابله القنطرة الأولى الخاصة بالتوحيد، توقفه الملائكة وتسأله: ما ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ كذلك تقول: يا عبد الله كنت موحداً؟ تقول: الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله، ولا معبود بحق إلا الله.

فإذا كان توحيده خالصاً لا يخاف إلا من الله، ولا يعبد بحق إلا الله، لا يطأطئ الرأس إلا إلى لله فإنه يتعدى القنطرة الأولى.

لما رجع الصحابة من غزوة أحد مرهقين وفيهم شهداء، وفيهم جرحى، والرسول صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته وجرح خده يقول: (لا يفلح قوم يوم القيامة جرحوا وجه نبيهم) وأبو سفيان يقود قريشاً ومعهم هوازن يأتون متحزبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وهم لم يلتقطوا الأنفاس بعد من غزوة أحد، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174] اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب.

انظروا الإيمان الصادق، واليقين الكامل، والتوحيد الخالص عند الصحابة رضوان الله عليهم، فهؤلاء يعدون القنطرة الأولى.

القنطرة الثانية للعبور على الصراط الصلاة والزكاة والحج

القنطرة الثانية: قنطرة الصلاة.

ما حالنا مع الخشوع في الصلاة؟! ليس لابن آدم من صلاته إلا ما وعى منها وما عقل منها. يقول الله تعالى: (يا موسى؛ لا أستجيب لعبد لسانه معي وقلبه مع غيري).

قام الحبيب صلى الله عليه وسلم الليل كله بآية يرددها ويبكي، وهي قوله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] ولا يزال يكررها حتى أذن بلال للفجر، فمن منا الذي يتدبر هكذا؟!

ويقول عليه الصلاة والسلام: (اقرأ علي يا ابن مسعود ، قال له: يا حبيب الله أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: أريد أن أسمعه من غيري، فقرأ من أول سورة النساء حتى وصل قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] فقال: كفى كفى يا ابن مسعود ، والدموع تسيل على خده، ثم قال: من أراد أن يسمع القرآن غضاً كما أنزل فليسمعه من عبد الله بن مسعود).

ويمر المار في شوارع المدينة في الليل فيسمع لبيوت الصحابة دوياً كدوي النحل. من أين؟ من التلفزيونات أم من ذكر الله وقيام الليل؟!

وهذا سيدنا عطاء بن أبي رباح دق على صاحب له قبل الفجر بساعتين، فقالت له الجارية: إنه نائم، فقلب كفه فقال: عجباً لقوم ينامون في السحر وهو يسمعون كلام الحبيب صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم ينزل كل ليلة في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ويقول: هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له، هل من صاحب حاجة فأقضيها له، هل من كذا.. هل من كذا .. حتى يطلع الفجر) كان يتعجب ويقول: لا أظن أن أحداً ينام هذا الوقت.

إذاً: القنطرة الثانية: قنطرة الصلاة، هل أديتها بخشوع وخضوع وإخبات لله وإخلاص نية أم كنت تذهب إلى الجامع لكي يقول الناس: كان فلان يأتي الجامع وكان يحضر الدرس معنا؟ لا، نريد أن تأتي للجامع لله.

يقول سبحانه: انظروا عبدي هل أدى الصلاة كاملة؟ فإن كانت كاملة حملت وسائر عمله، وإن كانت ناقصة ردت وسائر عمله.

كذلك من أكثر من النوافل المؤكدات، ومثل: ركعتين في جوف الليل، وركعتي الضحى، يأتي الحبيب صلى الله عليه وسلم فيأخذ بيده فيشفع له بدخول الجنة، فيكون قد مر من القنطرة الثانية ويأتي إلى القنطرة الثالثة، نجح وفاز في التوحيد ونجح وفاز في الصلاة.

القنطرة الثالثة: الزكاة

والقنطرة الثالثة: الزكاة.

تعال يا عبد الله: هل أديت زكاة مالك؟ يعني: كلما بلغ النصاب خمسة وثمانين جراماً من الذهب تخرج زكاته ربع العشر، تعطي الزكاة من يستحق من الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم.. إلى آخر الأصناف الثمانية الذين ذكروا في سورة التوبة.

والزكاة لا تصرف في مستشفى أو غيره هذا لا ينفع؛ لأن فيه مسلمين وغير مسلمين، والزكاة لا تذهب لغير مسلم، لكن يجوز أن تعطي غير المسلم من الصدقة وليس من الزكاة، بشرط أن يشبع جميع فقراء المسلمين، لا أن يقال: وحدة وطنية .. وما إلى ذلك، فالدين ليس فيه إلا حلال وحرام، صواب وخطأ، استقامة وانحراف، جنة أو نار.

القنطرة الرابعة: الصوم

القنطرة الرابعة: قنطرة الصيام.

جاء في الحديث: (من أفطر يوماً عمداً في رمضان لا يجزئه صوم الدهر كله وإن صامه) فليحذر المسلم من التهاون بالصيام.

كذلك المرأة لو انقطع الدم عنها بعد الولادة بلحظة لوجب عليها الصوم ووجبت الصلاة، كذلك إذا انقطع دم الحيض عندها قبل صلاة المغرب فعليها أن تغتسل وتصلي الظهر والعصر، لكن بعضهن لا يصلين إلا المغرب والعشاء فقط، وهذا من الجهل، ولو أنهن أتين المساجد واستمعن إلى العلم لكان خيراً لهن، فما أكثر الذين ينزلقون على الصراط يوم القيامة.

من رمى مسلماً بعيب يريد أن يضحك عليه وينقص من قدره، فهذا تجتمع عليه كلاليب الصراط فتضعه في جهنم، بمجرد أنه عاب عليه مرة، فكيف لو كان طول حياته يعيب على الناس؟!

إذاً: لا تعب بالذنب على أخيك فيعافيه الله ويبتليك، وإنما تقول: عافانا الله وإياه، اللهم عاف أهل البلاء يا رب وعافنا معهم جميعاً.

القنطرة الخامسة: الحج

القنطرة الخامسة: قنطرة الحج، فلو أن شخصاً جيء له بتذكرة وتكاليف الحج فقال: أنا أخاف من الطائرة وما أقدر أن أذهب للحج، نقول: جاء في الحديث: (من استطاع أن يحج ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً) وكان عمر يقول: لو جاءتني جنازة ميت لم يحج وكان يستطيع لا أصلي عليه.

يعني: لأنه يعتبره غير مسلم، وأوشك عمر أن يفرض جزية على من استطاع أن يحج ولم يحج.

والحج ينبغي أن يكون من مال حلال، وألا يرفث ولا يفسق ولا يجادل في الحج.

القنطرة السادسة: الاغتسال والوضوء

القنطرة السادسة: قنطرة الاغتسال والوضوء، هناك أناس لا تحسن الاغتسال ولا تحسن الوضوء، ولذلك صلاتها باطلة؛ لأن ما بني على الباطل كان باطلاً.

إذاً: الذي لا يعرف كيف يتوضأ يتعلم الوضوء ولو من أولاده، فقد جاء أن سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين لما رأيا رجلاً كبيراً في السن لا يحسن الوضوء، جاءا إليه وقالا: يا عم تعال لتحكم بيننا وتنظر من يحسن الوضوء منا، فقام كل واحد منهما وتوضأ الوضوء الذي فعله جدهم صاحب السنة صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل الكبير: أنا المخطئ وأنتما المصيبان.

لو كان في هذا الزمان لقال: امش يا ولد، هذا كلام باطل، أنا أعرف الوضوء وأنت لا زلت في بطن أمك.

إذاً: قنطرة الاغتسال والوضوء قنطرة مهمة، وإسباغ الوضوء على المكاره، ونقل الخطوات إلى الجماعات، وانتظار الصلوات بعد الصلوات؛ هذه الأشياء التي يختصم فيه الملأ الأعلى، والتي ترفع الدرجات عند الله.

القنطرة السابعة: المظالم

القنطرة السابعة: قنطرة المظالم.

أنت كذبت عليَّ، وغششتني، واغتبتني، ونممت علي، ونظرت إلى أهلي نظرة محرمة، وتجسست عليَّ، وشوشت علي في السلطة، عملت فيَّ كذا، ورأيتني في ورطة ولم تقف بجانبي.. مظالم العباد لا حصر لها، يقف العبد عند هذه القنطرة لا يمر منها.

هذه القناطر كلها على الصراط، فالصراط فيه قناطر وفيه سؤالات وفيه توقفات، وفيه كلاليب تخطف، وفيه جهنم والعياذ بالله تستعر من تحته، وفيه ظلمة وسواد، وفيه رعب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا رب سلم سلم).

الذين يمرون على الصراط مسرعين

فهذه مواقف تحتاج منا إلى استعداد. فمن الذي سيأخذ الله بيده على الصراط ويمر من هذه القناطر سريعاً؟

هم المنفقون على الأرامل واليتامى، وهم والذابون عن أعراض المسلمين، الذي يدافع عن أعراض المسلمين، عندما يتكلم واحد في حق واحد يقول له: عيب لا تأتي بسيرة أحد عندنا، اذهب وقل له هذا الكلام في وجهه، وجاء في الحديث: (من دافع عن عرض أخيه المسلم في غيبته دفع الله عنه جهنم يوم القيامة).

كذلك من الذين يمرون على الصراط سريعاً المبشرون الناس برحمة الله، أي: الذي يجلس ويقول: رحمة ربنا واسعة، قال سيدنا موسى في قصة تحفظونها: (يا رب من أسوأ العباد عندك؟ قال: يا موسى من يدخل المسجد آخر الناس ويخرج أولهم، فسيدنا موسى رأى رجلاً عجوزاً كفيفاً يقوده رجل آخر، دخل آخر واحد، فيموت هذا الرجل الكفيف فموسى يرى هذا الرجل في المنام أنه في الجنة، فيقول: يا رب أنت قلت: أسوأ العباد عندي الذي يدخل المسجد آخر الناس ويخرج أول الناس، وهذا الرجل كان يفعل هذا؟ قال: يا موسى بعد أن خرج من عندك قال لمن يقوده: أين نحن؟ قال: نحن أمام مكان واسع، قال له: رحمة ربك أوسع، فوسعته رحمتي.

نقول: يا من تيئسون الناس من رحمة الله لا تيئسوا الناس من رحمة الله، لم يقل له: من لم يكفر الحاكم فهو كافر، ما دام يقول: أشهد أن لا إله إلا الله! فكما في الحديث: (إن قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)، لا تحكم على أحد بالكفر، (من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما) فاحذر أن تتهم أحداً بالكفر! ولا تلعن أحداً بعينه تقول: فلان هذا ملعون! فلان هذا كذا. ولا تقل على ابنك: هذا شقي من باب أنك تضحك، فإن الشقي هو البعيد عن رحمة الله، حافظ على الألفاظ، قد تكون في ابنك كلمة الشقاء، فهذا سيدنا عمر يسأل رجلاً عن اسمه، قال: اسمي ضرام -ضرام اسم من أسماء النار- قال: ابن من؟ قال: ابن لظى ، من أين أنت يا ضرام ؟ قال: من حرة واقم، قال له: الحق أهلك فقد احترقوا، فذهب فوجدهم قد احترقوا.

فالمسلم ينتبه ويحفظ ألفاظه؛ لأنها قد تكون كلمة تدخل الإنسان الجنة، وقد تكون كلمة والعياذ بالله تدخله النار، هذه هي قناطر الصراط، وهي سبع، وأردت أن أخففها فلم أستطع، وأردت أن ألينها فلم أستطع، وأردت أن أنقلها بصورة مبسطة فلم أستطع؛ ولكن اعذروني فأمانة العلم تقتضي نقلها كما هي، والحديث عن الدار الآخرة من أصعب الأحاديث وأثقلها على القلب، عسى رب العباد سبحانه وتعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتنا جميعاً يوم القيامة.

اللهم ثبتنا على الصراط يوم القيامة، اللهم ثبتنا على الصراط يوم القيامة، اللهم ثبتنا على الصراط يوم القيامة.

اللهم تب على كل عاصِ، واهد كل ضال، واشف كل مريض.

اللهم فك كرب المكروبين، وسد يا رب دين المدينين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين، وتوفنا على الإسلام يا رب العالمين.

اللهم بغض إلينا الحرام وأبعدنا عنه بعد المشرقين، وحبب إلى قلوبنا الحلال وقربنا إليه وبارك لنا فيه وإن كان قليلاً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم اهد لنا أبناءنا وبناتنا وزوجاتنا.

اللهم اهد حكوماتنا إلى الشرع، وإلى الحكم بكتابك وشرع نبيك صلى الله عليه وسلم.

اللهم ول أمورنا خيارنا ولا تول أمورنا شرارنا، وأصلح يا رب أحوالنا.

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاك.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة الدار الآخرة الصراط للشيخ : عمر عبد الكافي

https://audio.islamweb.net