إسلام ويب

القصص القرآني فيه عظة وعبرة وحكمة، ومن القصص القرآني قصة ابني آدم عليه السلام، ففيها بيان كيف يصنع الحسد، وعظم جريمة القتل، وكذلك عظم إثم من سن سنة سيئة، فعلى العبد المسلم أن يحذر من أن يلغ في الدماء، وأن يحذر من أن يسن سنة سيئة يكون عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده.

قصة ابني آدم هابيل وقابيل

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمر محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزون.

قال عز وجل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ * مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة:27-32].

هذه الآيات الكريمة في سورة المائدة تحكي لنا كيف بدأت الجريمة على الأرض، وكيف حدثت أول جريمة قتل على الأرض.

ومناسبة هذه الآيات الكريمات لما قبلها من نفس السورة: أن اليهود حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النبوة والرسالة، فكأن الله عز وجل يقول له: فقل لهم: إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].

ومناسبة هذه الآيات لما بعدها: أن الله عز وجل قبل أن يشرع لنا القصاص وأن يبين لنا أحكام القصاص بين لنا كيف بدأت الجريمة، وكيف كانت أول جريمة قتل على الأرض.

كذلك في هذه الآيات الكريمات يظهر فيها كيف يدعو الحسد أهله، وكيف أن أحد ابني آدم حسد أخاه؛ لأنه تقبل منه قربانه ولم يتقبل منه، فقتله من أجل ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، ألا إنها هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين).

والحسد هو الذي دعا إبليس ألا يسجد لآدم، وقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، وأبى أن يسجد لآدم تنفيذاً لأمر الله عز وجل له بالسجود.

وفي هذه الآيات الكريمات كذلك يظهر فيها نوعان من البشر:

النوع الأول: النوع الخير الذي لا يستطيع أن يعمل إلا الخير، الذي يتقي الله عز وجل ويتقبل الله عز وجل منه، والذي يخاف الله عز وجل في كل قول وعمل، والذي لا تطاوعه نفسه على الشر، وعلى الإقدام على كبائر الذنوب.

والنوع الثاني: هو الذي لا يرزق التقوى، ولا يخاف الله عز وجل، والذي يتجرأ على معصية الله عز وجل وعلى الكبائر وعلى الإفساد في الأرض دون وازع ودون رادع.

كذلك في القصة نجد كيف يسول الشيطان للعبد بالمعصية؟ وكيف يخفي عنه عواقب المعصية؟ وكيف يزين له الشهوات ويدعوه إلى الإعراض عن طاعة رب الأرض والسماوات؟ حتى إذا وقع في معصية الله عز وجل يكون الخسران ويكون الندم ويكون الصغار، وتكون الذلة، ويكون العذاب في الدنيا والآخرة.

يقول عز وجل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].

واختلف العلماء فقال الجمهور: إن هذين الرجلين من صلب آدم.

وقال الحسن البصري والضحاك : إنهما كانا من بني إسرائيل، واستدلوا على ذلك بأن الله عز وجل قال تعقيباً على القصة: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32].

ورد شيخ المفسرين ابن جرير الطبري هذا القول بثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن كل لفظة في القرآن لابد أن يكون لها فائدة، فلو كان من بني إسرائيل ما كان لقول الله عز وجل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ [المائدة:27] معنى، فنسبهما الله عز وجل لآدم، فهذا يدل على أنهما كانا ابني آدم من صلبه، ولم يكونا من بني إسرائيل.

الأمر الثاني: أن هذه أول جريمة وقعت على الأرض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها -أي: نصيب من دمها- لأنه أول من سن القتل)، ويستحيل ألا يكون في البشرية قتل حتى وقت بني إسرائيل، فلابد أنها وقعت هذه الجريمة قبل بني إسرائيل وتكررت في البشرية، وهذا معلوم.

الأمر الثالث: يبعد أن يجهل من كان قبل بني إسرائيل سنة الدفن، وهذا الذي قتل أخاه كان لا يعرف سنة الدفن؛ لأن هذا كان أول قتيل، بل قالوا: أول رجل يموت على الأرض مات قبل آدم، وأنه احتار كيف يواري سوأته، وكيف يداري جريمته، وكيف يدفن أخاه، فبعث الله غراباً يبحث في الأرض، أي: ينقب عن شيء أو يبحث عن شيء أو يدفن شيئاً كما هو شأن الغراب، فتنبه بذلك إلى سنة الدفن، فوارى سوأة أخيه، أي: دفن أخاه.

فيستحيل ألا تهتدي البشرية إلى سنة القتل وأن يجهل الناس سنة الدفن حتى زمن بني إسرائيل، فهذه هي أوجه ثلاثة قوية في بيان أنهما من صلب آدم.

وقد قال جمهور المفسرين: إن اسم القاتل قابيل واسم المقتول هابيل ، والغالب أن ذلك مأخوذ من الإسرائيليات، كما قال العلامة أحمد شاكر ، ولم يرد ذلك في كتاب الله عز وجل ولا في الصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن قال الله عز وجل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ [المائدة:27].

وهذه التفصيلات ليست فيها عبرة وعظة، ولذلك يسكت عنها القرآن، فليس في تسمية الرجلين عبرة وعظة.

والقصة: أن أحد ابني آدم حسد أخاه؛ لأنهما قربا قرباناً إلى الله عز وجل، وكان علامة قبول القربان والغنائم التي يغنمها المجاهدون أن يجعلوها في مكان فتأتي نار من السماء فتحرقها، فهذه علامة على قبول القربان.

قال عز وجل: فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ [المائدة:27].

وفي الآيات حذف واختصار، وكأنه قال: سوف أقتلك، قال: ولماذا تقتلني؟ قال: لأن الله عز وجل تقبل قربانك ولم يتقبل مني، قال: وما ذنبي؟ فدفعه ذلك إلى أن يهدده بالقتل، قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].

وكان هذا الرجل يعظ أخاه بكل أساليب الوعظ الصحيحة، ويدعوه إلى الله عز وجل، وكأنه يقول له: إنما أتيت من قبل نفسك، ومن جرأتك على الله عز وجل ومن تركك لطاعة الله عز وجل، فلو كنت متقياً لتقبل الله عز وجل منك.

وقال بعض السلف: ما أنعاه على أكثر العاملين أعمالهم، قال الله عز وجل: قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].

بكى أحد السلف عند موته فسئل عن سبب بكائه؟ فقال: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، فكيف بأعمالنا ولم نبلغ درجة التقوى؟

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: لو أعلم أن الله عز وجل يقبل مني سجدة بالليل وسجدة بالنهار لطرت شوقاً إلى الموت؛ لأن إن الله عز وجل يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].

فنصح الرجل أخاه بأنه أتي من قبل نفسه، وأنه لو كان يتقي الله عز وجل لتقبل الله عز وجل منه، ثم قال له: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28]، فذكره بالخوف من الله عز وجل، وبأن نفس الشرير لو سولت له أن يقتل أخاه فإن المؤمن المطيع المتقي لا يمكن أن تسمح له نفسه بذلك؛ لأن نفسه مطمئنة بطاعة الله عز وجل، وعدل عن الفعل إلى اسم الفاعل، فلم يقل: لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما بسطت يدي إليك لأقتلك، بل قال: مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ [المائدة:28]، ليدل هذا على أن هذا من سجيته، وأنه لا يمكن أن تطاوعه نفسه إلى قتل أخيه بأي حال.

سبب عدم مدافعة هابيل عن نفسه

فإن قال قائل: لماذا لم يدافع عن نفسه؟

فأجاب العلماء بأجوبة:

الجواب الأول: أنه قال له ذلك أولاً على سبيل التهديد، قال: (لأقتلنك) أي: على سبيل التهديد، ولم يكن شرع في القتل، فنصحه أخاه وقال: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [المائدة:28-29].

فكان ذلك على سبيل التهديد، ولم يشرع في قتله حتى يدافع عن نفسه، ويعضد ذلك ما قاله بعض المفسرين بأنه قتله عندما كان نائماً، أي: لم يستطع أن يدفع عن نفسه، فقتله وهو نائم.

الجواب الثاني: أنه قال له: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ [المائدة:28]، فقال: مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ [المائدة:28]، وليس معنى ذلك أنه لا يبسط يده دفاعاً عن نفسه، أي: أنه قد يبسط يده دفاعاً عن نفسه، ولكن لا تطاوعه نفسه لأن يبسط يده ليقتل أخاه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقالوا: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه)؛ أي: في نيته لو تمكن منه لقتله.

فهو قال: مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ [المائدة:28]، ويجوز له أن يبسط يده ليدافع عن نفسه.

الجواب الثالث: أنه يجوز للمؤمن إذا قُصد بالقتل أن يستسلم للقتل، وألا يدافع عن نفسه، كما قال سعد بن أبي وقاص للنبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيت إذا دخل علي بيتي وبسط إلي يده ليقتلني؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم: كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل).

وفي رواية: (كن كخير ابني آدم) أي: المقتول وليس القاتل.

وكما استسلم عثمان رضي الله عنه لما ألبوا عليه ولما قصده أصحاب الفتنة وأرادوا دمه، وكان طلحة بن عبيد الله وعلي بن أبي طالب وجماعات من المؤمنين أرسلوا أولادهم للدفاع عن الخليفة، فعزم عليهم ألا يدافعوا عنه من أجل أن يحقن دماء المسلمين، فقتلوه ظلماً، ووقع دمه على المصحف، وكان يقرأ في المصحف، فنزل على قول الله عز وجل: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:137]، فقالوا: يجوز للعبد إذا قصد بأن يقتل أن يستسلم ولا يدافع عن نفسه.

الجواب الرابع: لعل هذا كان في شريعتهم، أنه لا يجوز للرجل أن يدفع عن نفسه إذا قصد بالقتل، ولكل أمة شريعة ومنهاجاً كما قال الله عز وجل، فالتوحيد واحد، ولكن التكاليف الشرعية والعبادات تختلف من أمة إلى أمة، فهذه أربعة أجوبة، وفي شريعتنا ما يسمى بدفع الصائل، إذا قصد مسلم بأن يقتل أو ينتهك عرضه أو يسلب ماله فيشرع له أن يدافع عن نفسه، ويشرع له أن يدفع بالأخف، فإن كسر يده فاندفع بذلك لا يجاوز ذلك إلى قتله، فإن كان لا يندفع إلا بالقتل فيجوز له أن يقتله، وهذا ما يسمى بدفع الصائل، وهو المعتدي، هذا الصائل وليس له دية إذا قتل؛ لأنه هو المعتدي.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد)، فهو إذا قتل وهو يدافع عن عرضه أو عن ماله أو عن نفسه فهو شهيد بنص حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

هذه أجوبة عن أن هذا العبد المقتول لم يدافع عن نفسه.

من فوائد القصص القرآني

قال: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28] في هذا أدب حسن، والقصص القرآني يقصد به التربية، ويقصد به الارتفاع بالأحوال الإيمانية في الأمة، وغرس المعاني الإيمانية الشريفة، لا يقصد بذلك إشاعة الفواحش كما يقصد بذلك أصحاب مجلة الحوادث أو الفواحش، أو الذين يشيعون الفواحش على صفحات الجرائد؛ فإنهم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؛ من أجل أن يتجرأ الناس على معصية الله عز وجل، ويستهينون بمعصية الله عز وجل، ولكن القصص القرآني قصص حق وقع في تاريخ البشرية.

قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ [المائدة:27] أي: أن هذا حق، ليس هو كما في القصص الدنيوي من نسج الأفكار، ومن خيال الكتاب، ولكنه قصص واقعي في تاريخ البشرية، يغرس الله عز وجل به المعاني الإيمانية، فكأنه يقصد كيف يفعل المؤمن إذا قصد بالقتل ما يكون جوابه، وكيف ينصح أولاً من يريد أن يعتدي عليه، وكيف يقول له: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28]، فالمؤمن في قلبه من الخوف ما يدفعه عن معصية الله عز وجل، وما يدفع به إلى طاعة الله عز وجل.

الوعيد الشديد في حق المعتدي

ثم قال له: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [المائدة:29]، أي: أريد أن تتحمل أنت وزر أعمالك وسيئاتك التي من أجلها لم يتقبل الله عز وجل قربانك، وتبوء أيضاً بإثمي، وكأنه يقول له: ليس لك حسنات حتى آخذها منك إذا كان يوم القيامة، ولكنك سوف تأخذ سيئات، وتبوء بإثم قتلي أو تبوء بذنوبي؛ لأنه إذا كانت هناك مظلمة فإن المظلوم يأخذ من حسنات الظالم، فإن لم تبق له حسنات طرح عليه من سيئاته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: ولكن المفلس من أمتي من يأتي بحسنات كأمثال الجبال ويأتي وقد قذف هذا، وشتم هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته طرح عليه من سيئاتهم ثم طرح في النار).

فكأنه يقول له ويعظه بأنك سوف تتحمل أوزارك وأوزاري يوم القيامة، فكيف تجرؤ على هذا العمل؟

حرص الشيطان على إيقاع العبد في الغفلة والمعصية

قال: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:30]، (طوعت له) أي: سهلت له، فالعبد إذا وسوس له الشيطان بمعصية يكون في داخله نوازع الخير ونوازع الشر، نوازع الخير تقول له: لا تفعل، وتذكر الآخرة، وتذكر عقاب الله عز وجل، وتذكر الفضيحة على رءوس الأشهاد، وتذكر الفضيحة في الدنيا، ونوازع الشر تدفع به إلى المعصية، والشيطان يخفي عنه عواقب المعصية، وينسيه أن بعد المعصية خسران وبعدها ضنك وشقاء وبعدها عذاب أليم في الآخرة.

تفنى اللذاذة ممن نال لذتها من الحرام ويبقى الإثم والعار

تبقى عواقب سوء من مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار

وقال بعضهم:

وكم من معاص نال منهن لذة ومات فخلاها وذاق الدواهيا

تصرم لذات المعاصي وتنقضي وتبقى تباعات المعاصي كما هيا

فيا سوأتا والله راءٍ وسامع لعبد بعين الله يغشى المعاصي

فالشيطان يخفي العواقب، والإنسان عند المعصية لا يتذكر عذاب النار، ولا يتذكر الوقوف بين يدي العزيز الجبار، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)، أي: أنه في وقت المعصية يضعف في قلبه الإيمان جداً، وقيل: يخرج بالكلية ويكون فوق رأسه، فإن تاب عاد إليه مرة ثانية، وإن أصر لم يعد إليه مرة ثانية.

فالشيطان يحرص على إخفاء العواقب وتزيين الشهوات، كالعصفور الذي يرى الحبة في الفخ ولا يرى الفخ، فإذا أراد الحبة يكون في ذلك هلاكه، فبعد المعصية تبدأ الحسرات ويبدأ الندم ويتقطع قلب العبد بعد المعصية إن لم يوفق إلى التوبة أو يتقطع عندما تحق الحقائق يوم القيامة، ويرى ثواب الطائعين، وعقاب العاصين.

وقوله: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ [المائدة:30]، ما قال: فطوعت له نفسه قتله فقتله، بل كرر ذكر أخيه؛ لأن قتل الرجل كبيرة من الكبائر، فكيف إذا قتل أخاه الذي يجب عليه أن يصله، فالإفضل أن أخاه هو الذي ينصره، (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، فكيف يقتل من ينصره؟ وكيف يقتل من هو له عضد في الدنيا ومن يقويه في الدنيا فأصبح من الخاسرين، أي: خسر كل شيء، خسر أخاه وخسر دينه؛ لأنه تجرأ على هذه الكبيرة، وما نال شيئاً، وإنما دفعه الحسد إلى هذه الكبيرة، فطوعت له نفسه -أي: سهلت له نفسه، وزينت له- قتل أخيه، ونسي كل العواقب الوخيمة، ونسي عذاب الله عز وجل، ونسي انتقام الله عز وجل: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:30].

وهكذا العبد بعد المعصية يحس بالخسارة ويحس بالندم، ويحس كذلك بالضنك والشقاء في الدنيا قبل الآخرة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

عظم جريمة القتل

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

قال عز وجل: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ * مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة:30-32].

بين الله عز وجل عظم هذه الجريمة جريمة القتل، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أعظم محفل شهدته البشرية وأشرف اجتماع حدث على وجه الأرض في حجة الوداع: (إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا).

وقال: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) أي: إن وقع في معاص دون القتل فهو في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً.

بل سد النبي صلى الله عليه وسلم الذرائع إلى هذه الجريمة التي هي أكبر الجرائم بعد الكفر بالله عز وجل، ولذلك قال الله عز وجل في وصف عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان:68]، فذكر بعد الشرك قتل النفس، ثم ذكر الزنا، ولذلك كانت عقوبة الردة عن دين الإسلام القتل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه).

كذلك من قتل يقتل قصاصاً أو يرضى أولياء المقتول بالدية، فعظم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجريمة وسد الذرائع إليها، وقال: (لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بحديدة فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار) أي: لا يفعل ذلك وإن كان مازحاً، لا يشير إلى أخيه بحديدة أو بقطعة سلاح أو سكين ولو على سبيل الهزل، لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم من يحمل أسهماً أن يأخذ بنصالها؛ لئلا تخدش مسلماً.

وكان ابن عباس رضي الله عنهما ينظر إلى الكعبة ويقول: إن الله حرمك وشرفك وعظمك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.

فحرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة التي حرمها الله عز وجل وكرمها وشرفها.

قال عز وجل: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:30]، كيف تطوع النفس عباد الله؟! وكيف تسهل لصاحبها الوقوع في هذه الجريمة الشنيعة؟ ثم لم يدر كيف يفعل بأخيه، فأكثر المفسرين أخذوا من الإسرائيليات أن غرابين تقاتلا فقتل أحدهما الآخر فدفنه، فاهتدى ابن آدم إلى سنة الدفن، ولكن الله عز وجل ما أخبر أنه بعث غرابين بل بعث غراباً، فالراجح أن هذا الغراب كان يحفر في الأرض يبحث عن شيء، أو يدفع شيئاً، فاهتدى بذلك هذا الرجل إلى سنة الدفن.

فوائد من قصة هابيل وقابيل

وفي قول الله عز وجل: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ [المائدة:31] إشارة إلى كثرة البحث، فكأنه ظل يحفر حتى حفر حفرة عميقة؛ لأنه ما قال: بحث في الأرض، بصيغة الماضي، بل قال: (يبحث في الأرض) أي: أطال البحث حتى حفر حفرة عميقة، فاهتدى هذا الرجل إلى سنة الدفن، فحفر لأخيه حفرة عميقة فدفنه فيها فأصبح من النادمين.

وهذا كذلك من جزاء المعصية؛ فإنه تعلم من الغراب، والغراب صار أستاذه؛ لأنه بالذنب صار ذليلاً، فكفاه بذلك صغاراً وذلاً أنه يتعلم من الغراب، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ [المائدة:31]، أي: أحس أن الغراب أشرف منه، وأنه وارى سوأة أخيه، فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة:31] وهذه عاقبة المعصية.

قال الله عز وجل: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32] أعقب الله عز وجل هذه القصة بذكر أن بني إسرائيل كتب الله عز وجل عليهم أنه من قتل نفساً بغير نفس -أي: بغير استحقاق القتل- أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، أي: فإنه يحمل يوم القيامة إثم قتل الناس جميعاً، قال المفسرون: وإنما أعقب الله ذلك تعظيماً لجريمة القتل، ولكثرة الذنوب التي يتحملها القاتل، وإنما ذكر عز وجل بني إسرائيل لأنهم يكثر فيهم القتل، فانظروا كيف يفعلون في إخواننا بفلسطين، لا يكاد يمر يوماً أو ليلة حتى يقتلوا منهم العشرات وأحياناً المئات، فهم يتشوفون إلى سفك الدماء، ويكثرون من سفك الدماء، وهم الذين اجترءوا على قتل نبي الله زكريا، وابنه نبي الله يحيى، وأرادوا قتل عيسى عليه السلام، ولكن رفعه الله عز وجل إليه وما قتلوه يقيناً، بل أرادوا قتل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد سمت امرأة سلام بن مشكم اليهودية شاة وقالت: أي جزء من الشاة أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا لها: الذراع، فسمت وأهدتها للنبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الذراع يخبرني أنه مسموم).

كذلك في قصة إجلاء بني النضير، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى يهود بني النضير، يستعينهم على دية قتيلين في العهد الذي بينه وبين هذه القبيلة التي منها القتيلين، فقالوا: نعم، يا محمد! نجيبك إلى ما سألتنا، وخلا بعضهم مع بعض وقالوا: لا تجدون الرجل على هذه الحال، من منكم يصعد على بيت بني فلان فيلقي عليه صخرة عظيمة فيريحنا منه؟ فأخبر الله النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي وحاصرهم حتى أجلاهم عن مدينته.

فكثر من بني إسرائيل جريمة القتل، قال عز وجل: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32].

كذلك في هذه القصة عقوبة الذين يسنون السنن السيئة، كأهل البدع والذين يشيعون الفواحش فيحملون مثل أوزارهم في ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الآول كفل من دمها).

فالذين يسنون السنن السيئة والذين يشيعون الفواحش والذين يبتدعون في دين الله عز وجل فيتبعهم الناس على ذلك فإنهم يحملون أوزارهم وأوزار من يضلونهم بغير علم، ألا ساء ما يزرون.

قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها)، فكيف تكون ذنوب هذا الرجل يوم القيامة؟! فما قتلت نفس في الأرض إلا وتحمل إثماً من قتلها؛ لأنه أول من سن القتل.

وفي ذلك كذلك بيان كيف يدفع الحسد أصحابه، وقد حسد إخوة يوسف يوسف وهموا بقتله، ولكنهم عدلوا عن ذلك فألقوه في غيابة الجب، من أجل أن يلتقطه بعض السيارة، قال صلى الله عليه وسلم: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، ألا إنها هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين).

اللهم اهدنا فيمن هديت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت.

اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فكده يا رب العالمين! ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه.

اللهم عليك باليهود الغاصبين، والأمريكان الحاقدين، ومن والاهم من المنافقين والعلمانيين، والذين يشيعون الفواحش في بلاد المسلمين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم لا ترفع لهم في الأرض راية، واجعلهم لسائر خلقك عبرة وآية.

اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وانصرنا على من بغى علينا.

اللهم ارفع عن بلاد المسلمين الغلاء والوبا والربا والزنا، وردهم إليك رداً جميلاً.

اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , نبأ ابني آدم للشيخ : أحمد فريد

https://audio.islamweb.net