إسلام ويب

الصحوة الإسلامية قدر واقع ومفروض على المجتمع كله، ولكي تؤدي هذه الصحوة دورها الريادي لابد لها من توجيهات وإرشادات تسير عليها، وأهم هذه التوجيهات: تأسيس الصحوة على عقيدة أهل السنة والجماعة؛ لأن رابط العقيدة الصحيحة كفيل باستمرار الصحوة وظهور قوتها، وإذا ما تخلت الصحوة وفرطت في التمسك بالعقيدة الصحيحة؛ فإن ذلك هو طريق الهلاك في الدنيا والآخرة.

التعريف بالصحوة الإسلامية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد:

فإن الحديث عن الصحوة من الأمور الشيقة لكل مسلم، وكل من يهمه أمر الإسلام والمسلمين، والصحوة بالنسبة للمسلم أصبحت حقيقة واضحة جلية، ولذلك أرى أنه من الواجب على أهل العلم وطلابه، بل على كل مسلم أن يعنى بأمر الصحوة، وإن كنا نحتاج إلى تحديد لمعنى الصحوة بمفهومها الشرعي وبمفهومها عند الناس، لكنا مع ذلك نتفق على أن هناك شيئاً اسمه الصحوة، وهو أمر واقع لا بد أن نتعامل معه وأن يتعامل معه الآخرون، لذلك من المناسب أن أُعرف بالصحوة وبأهم سماتها، ثم أعرج على موضوع المحاضرة الأصلي: وهو التوجيهات.

فالصحوة: هي عودة المسلمين للإسلام بمفهومها العالمي العام، والصحوة بمفهومها الحقيقي الشرعي: هي قدر الله الذي لا يرد، وهي: وعد الله الذي لا يتخلف، وهي: سنة الله في خلقه، وهي: سنته الشرعية وسنته الكونية، وذلك أن الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين بالنصر، ووعد بظهور الإسلام وبقائه، ووعد بظهور طائفة من الأمة، تبقى على الحق ويبقى الحق بها بيناً للناس، وتقوم بها الحجة عليهم، ووعد الله سبحانه وتعالى بقوة الأمة بعد ضعفها، وبالصحوة بعد الغربة.

وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته) .

فالصحوة أيضاً هي الخروج من حال الغربة التي يعيشها المسلمون، بل يعيشها الإسلام كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ) والخروج من حالة الغربة إلى محاولة تسلم القيادة قيادة البشرية.

كما أن الصحوة أيضاً في مظهرها العام ستخلص المارد الكبير والعظيم وهو الإسلام والمسلمين، العالم الإسلامي هذا العالم الضخم من الأغلال والقيود، من أغلال الانحراف والبدعة والضلالة والمحدثات في الدين والفرق والافتراق، ومن قيود الاحتلال والاستعمار والتنصير، وقيود الغزو الفكري، وقيود التسلط: تسلط الباطل على الحق وأهله، وتسلط الكفار على بلاد المسلمين وعلى أحوالهم وعلى رقابهم أيضاً.

إذاً: فالصحوة هي عودة المسلمين إلى الإسلام، وهي عودة عامة عارمة قوية، وهي ليست مجرد ظاهرة، وليست مجرد سمة لبلد أو مكان أو شعب من الشعوب، بل أصبحت حقيقة عالمية يحسب لها الناس ألف حساب.

مظاهر الصحوة الإسلامية

تتمثل هذه الصحوة في مظاهر:

انتشار شباب الصحوة

أولها: هذا الشباب الذي انتشر في جميع العالم، إنه شباب الصحوة، فقد انتشر شباب الصحوة في كل بلد إسلامي وغير إسلامي، فهؤلاء الشباب عادوا عودة جادة إلى الإسلام، فهم يتلمسون طريق الحق والهدى والسنة، فمنهم من عرف، ومنهم من لا يزال يتحرى ويتعرف، ومنهم من ربما تجتاله الأهواء.. وغير ذلك من سبل الانحراف، لكن مع ذلك وفوق كل ذلك نجد أن الصحوة تتمثل في هذا الشباب الجاد القوي، المستعد لنبذ الماضي بذله وهوانه واستضعافه وبانحرافه وبدعه إلى محاولة تطبيق الإسلام الحق، كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والقرون الثلاثة الفاضلة.

شباب نراهم أحرص ما يكونون على السنة بحمد الله وفي كل مكان، حتى في البلاد التي لا ترى فيها مظاهر السنة كثيرة، نجد هناك محاولة جادة في الشباب لتلمس الطريق الحق، محاولة جادة لاستئناف الإسلام من جديد.

ظهور الجماعات الإسلامية

المظهر الثاني من مظاهر الصحوة: تلكم الجماعات الإسلامية التي نبتت في كل مكان، وفي كل صقع من هذه الأرض في البلاد الإسلامية وغير البلاد الإسلامية، ورغم ما في هذه الجماعات من سلبيات إلا أنا نراها مظهراً من مظاهر الصحوة، ومظهراً من تحقيق وعد الله تعالى بدخول الناس في دين الله أفواجاً، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في صفة الإسلام، وبعدما اكتمل الدين بشر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بتمكين الإسلام في الأرض، وهذا التمكين لا بد أن يبقى إلى قيام الساعة، وإن انحسر أو اغترب الإسلام بعض الوقت، فإنه لا بد من التمكين الذي وعد الله به، والأيام دول، والباطل قد ينتفش ويطغى بعض الوقت، لكن في النهاية الخاتمة أن الله ينصر عباده وينصر دينه.

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3].

فمن علامات عودة المسلمين للإسلام، ومن أبرز دلائل وبشائر نصر الإسلام والمسلمين: عودة الناس إلى دين الله أفواجاً، كما هو الحاصل بحمد الله منذ سنين قليلة، وهو يزداد بحمد الله.

إذاً: من مظاهر الصحوة: تلكم الجماعات التي تتلمس الحق، وتدعو إلى الله، وتجتمع على نصر الدين، وعلى التفقه في الدين، ورغم ما في هذه الجماعات من سلبيات أو في بعضها، ورغم ما عندها من تقصير، فإنها تعد مظهراً من مظاهر نصر الله لدينه.

إعلان كثير من الدول والشعوب العودة إلى الإسلام

أيضاً من مظاهر هذه الصحوة: تلكم الأمم والدول والشعوب التي أعلنت العودة إلى الإسلام بعد طول غياب، بل قامت دول الآن في العالم بهويتها الإسلامية، ورغم ما يكتنف هذه الرجعة من شيء من القصور والانحراف والجهل إلا أن الظاهر أنها رجعة صادقة إن شاء الله، وتحتاج إلى شيء من التسديد والتعليم والتفهيم وبناء العقيدة والعلم الشرعي والتفقيه في الدين.

أما العزم والرجوع إلى الهوية الإسلامية فهذا أمر تحقق بحمد الله، فقد قامت دول كما تعرفون في الدول التي انجلى عنها غبار الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وفي يوغسلافيا.. وغيرها، قامت دول كبرى ترفع راية الإسلام وتعتز بشعاره.

وهذا نصر للإسلام لو سعى إليه المسلمون مئات السنين لما وصلوا إليه بجهودهم الضعيفة، لكنه نصر الله والفتح، ونسأل الله أن يكون هذا تمهيداً للفتح الأعظم الذي وعد به الرسول صلى الله عليه وسلم، كفتح روما والانتصار الحاسم للإسلام.

إذاً: فالعودة للإسلام كما تتمثل بالشباب والجماعات تتمثل بدول وشعوب وأمم، أمم كبرى في العالم، ولذلك انتفض العالم الكافر أمام تلكم الموجة العارمة من العودة للإسلام، وخرج عن سمته وعن طوره، وهذه سنة الله في خلقه، فإن الباطل لا بد أن ينتفش وينتفخ، حتى يحقق الله النصر للمسلمين.

قيام المؤسسات برفع راية الإسلام والدعوة إليه

أيضاً: تتمثل الصحوة: بتلكم المؤسسات التي بدأت ترفع راية الإسلام وتدعو إلى الله سبحانه وتعالى بجمع قوة المسلمين وجمع قواهم، وجمع جهودهم المعنوية والمادية، مؤسسات صغرى وكبرى في العالم بدأت تظهر، وهي دلالة خير ودلالة نصر، وتحول من الضعف والهوان إلى القوة والنصر والاستعداد للجهاد، ولنصر الإسلام ونشره في الأرض.

ظهور النهضة العلمية بين المسلمين وانتشارها

أيضاً: تتمثل هذه الصحوة: في مظاهر النهضة العلمية في كل مكان، والتي تبدو في رغبة المسلمين في تحصيل العلم الشرعي بطرقه الصحيحة وبوسائله السليمة، وعلى أهله أهل العلم، وبمحاولة التفقه في الدين.

وهذه ظاهرة بحمد الله لا تخص بلداً أو مكاناً أو زماناً، إنما هي ظاهرة تزداد وتنتشر في كل مكان، بل هي أكبر من ما يعمله أهل العلم من نشر العلم، وهي تحتاج إلى جهود مكثفة، وإلى قيام أعمال فردية وجماعية ومؤسسية لتغطية حاجة المسلمين في نهمهم في طلب العلم الشرعي.

المهم أن هذه النهضة العلمية والإقبال على طلب العلم الشرعي علامة قوية، بل هي دليل وبرهان على أن هذه الصحوة قدر الله الذي سينصر الله به الإسلام إن شاء الله.

سمات الصحوة الإسلامية

للصحوة الإسلامية سمات نتطرق لأهمها.

سرعة انتشار الصحوة الإسلامية وظهورها

أولاً: سرعة الانتشار والظهور في كل مكان، فكان الناس يظنون إلى وقت قريب أن عوامل نهضة المسلمين ورجوع بعض الشباب إلى الإسلام وتوبتهم وتلمسهم لطريق الهداية أن ذلك من أعمال الدعاة، أو من أسباب عمل الدعاة، لكن حقيقة أن الذي يسبر أحوال المسلمين ويسبر هذه الصحوة في منابتها وفي أماكنها يجد أنها تنبت في كل مكان، حتى في الأماكن العفنة تظهر نبتات طيبة دون أن نجد أسباباً ظاهرة، إنما هي هداية من الله سبحانه وتعالى، وهي تعبير عن شعور المسلمين بالإفلاس من كل الأنظمة والشعارات والحزبيات والقوميات التي تخبطوا فيها في العصر الماضي أو في العصور الماضية القريبة، بل نجد مظاهر هذه الصحوة في أماكن أحياناً لا يوجد فيها داعية إلى التوحيد الخالص وإلى السنة، ومع ذلك نجد فيها نبتات طيبة خيرة، نجد أنموذجاً للمسلم المتمسك بدينه الحريص على السنة، وليست مجرد مظاهر فردية، بل جماعات وأعداداً كبيرة من الشباب والشيوخ والنساء وسائر طبقات المجتمعات.

إذاً: فهذه العودة إلى الإسلام إنما هي قدر إلهي، وهي هداية من الله سبحانه وتعالى، وأمر له ما بعده، ويجب أن نحسب لهذا الأمر حساباً، وأن نقدم جانب التفاؤل على جانب التشاؤم، وأن نعرف أنه قد يأتي الخير ببعض الشر، كما أن الشر قد يأتي ببعض الخير، أعني بذلك: أننا حينما نتفاءل بهذه الصحوة المباركة ونجزم إن شاء الله أنها بداية انفراج لأحوال المسلمين السيئة، فلنعرف أنها لا بد أن يعتريها وشيء من القصور، وشيء من الخلل، وشيء من الانحرافات والخلافات والابتلاء الذي وعد الله به، قال تعالى: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3] .

الابتلاء قدر إلهي يصاحب كل دعوة إلى الله سبحانه وتعالى، لكن مع ذلك لا بد أن نقدم جانب الفأل وجانب حسن الظن بالله سبحانه وتعالى أولاً، ثم بهذه الصحوة المباركة الطيبة ثانياً، وأن نحاول أن نعالج ما يعتريها من جوانب الضعف والتقصير.. ونحو ذلك مما هو من سمات البشر، فالعصمة لا تكون إلا للأنبياء، والكمال لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى.

إذاً: إن من أبرز سمات هذه الصحوة: سرعة الانتشار في كل بيت، في كل مكان، في كل بقعة من العالم، حتى البلاد الموغلة في انحراف الكفر والضلالة نجد أنها نشأت فيها أجيال في وقت قريب جداً عادت جادة إلى الإسلام. وهذه العودة لابد أن تكون لها ثمارها بإذن الله.

قوة الصحوة الإسلامية واعتزازها بالدين

السمة الثانية: القوة، تتميز هذه الصحوة بالقوة، قوة العودة إلى الإسلام، قوة الثقة بالله سبحانه وتعالى، قوة الثقة بالنفس، قوة الثقة بالإسلام، قوة الإرادة والعزم والعزيمة، والخروج من حال الذل والهوان والشعور بالضعف والنقص الذي كانت عليه الأمة، فنجد أن من أبرز سمات هذه الصحوة: القوة والاعتزاز بالدين، الاعتزاز بالسنة، الاعتزاز بالحق.

وهذه ظاهرة سليمة وصحية، وإن اعتراها أحياناً شيء من الشدة والعنف، لكن هذا أمر لا بد منه، إنما ينبغي أن نعالجه بالحكمة وبالوسائل المتاحة، وإلا فالقوة لا بد أن يكون فيها نوع من الخروج عن الاعتدال، لاسيما وأن هذه القوة صاحبها تحد للإسلام من قبل الأوضاع السائدة في العالم كله، تحد يستفز غيرة كل مسلم، فلذلك لا نستبعد وجود بعض العنف والشذوذ في الحكم على الآخرين والشدة.. ونحو ذلك مما هو ردة فعل ضد الانحراف السائد في العالم.

والمسئول عن وجود تشدد بعض الشباب هي العلمنة المتسلطة التي تفرض على الناس الرذيلة وتحارب الفضيلة، والتي تفرض على الناس الضلالة والانحراف وتحارب الاستقامة، فإن العلمنة الموجودة وهي الانحراف المبيت المدروس المخطط له هو المسئول عن وجود بعض مظاهر التشدد والعنف عند طائفة قليلة من الشباب.

وما دام هذا التيار العنيف في العالم الإسلامي في محاربة الإسلام ورفض الدين، بل وتحديه ومقاومته، ما دام هذا التيار موجوداً فلنعلم قطعاً أنه لا بد أن يوجد تيار مقابل وهو التيار المتشدد العنيف، وإن كان الاعتدال هو المطلوب الوسط، لكن مع ذلك أقول وأكرر: إن المسئول عن وجود ظاهرة العنف عند بعض من يسمونهم بالأصوليين -إن صح التعبير وهذه تسمية باطلة- أو ما يسمونهم بالمتطرفين، هذا المسئول عن العنف هي الأنظمة السائدة الموجودة في العالم الإسلامي.

وكلنا يدرك، بل كل عاقل يدرك ذلك، لكن مع ذلك من سمات الصحوة: القوة المعتدلة في العموم، لكن خصوم الإسلام لا يمكن أن يعترفوا بوجود الاعتدال في هذه الصحوة، إنما يهمهم أن يلتقطوا الزلات والمواقف التي يحسبونها على الإسلام والمسلمين.

فالعلمانيون ومن نحا نحوهم دائماً يضربون على هذا الوتر الخطير، وتر وجود ظاهرة العنف والتشدد عند بعض الشباب، ويسمون جميع الصحوة بهذه السمة، ولا نفترض من هؤلاء أن يكون عندهم شيء من العدل أو من الاعتدال في الحكم، ولا من الاعتدال في الموقف، لأنهم ضلوا أولاً في تصوراتهم، فكذلك سيضلون في أحكامهم على الآخرين.

ومع ذلك لابد أن نعترف أنه قد توجد بعض مظاهر التشدد عند طائفة قليلة من الشباب وقليلة جداً، ويجب أن نتحمل هذا الأمر؛ لأنه أمر بدهي لا يمكن أن نلغيه، وهو تصرف من تصرفات البشر الناقص، وهو أيضاً استجابة لاستفزازات الانحراف والضلال المؤسس في العالم الإسلامي.

الحرص على السنة

السمة الثالثة من سمات هذه الصحوة: الحرص على السنة، نجد أن رفع راية السنة والحرص عليها سمة غالبة في جميع أو في أغلب هذه الصحوة المباركة، وإن وجدت أحياناً شعارات تخالف هذا فقليلة، أو وجد شيء من الجهل بالسنة وادعاء السنة بغير تمسك هذا قد يوجد، لكن الشعار العام والسمة العامة لهذه الصحوة الحرص على السنة بكل معانيها اعتقاداً وعملاً، ظاهراً وباطناً، في العلم وفي السلوك، وهذه أيضاً أمور مبشرة.

التفاعل والانفتاح مع قضايا المسلمين

السمة الرابعة: وجود التفاعل والانفتاح في هذه الصحوة، أنا أحكم على الغالب، وإلا فقد توجد بعض الأمور التي تخالف هذه القاعدة، لكن القاعدة العامة لو قارنا أحوال المسلمين في الماضي بما عليه الصحوة الآن لوجدنا أنها تتسم بسمة الانفتاح على عموم المسلمين وعلى العالم كله، ومحاولة الشعور بأحوال المسلمين في كل مكان، وبمصائب المسلمين ومشاكلهم في كل مكان، وسرعة التفاعل مع أي قضية من قضايا المسلمين.

هذه سمة جديدة لم يكن يعرفها المسلمون في الماضي، المسلمون قبل عشر سنوات ما كان عندهم هذا الشعور بأحوال الآخرين من المسلمين في بلد ما، أو في مكان ما، أو في ظرف من الظروف، بل كان عندهم شيء من الغفلة واللا مبالاة، وعدم الشعور بحاجات الآخرين أو بمصائبهم ومشاكلهم، الآن بحمد الله انقلبت المسألة وإن كنا لم نصل إلى الحد المطلوب لكنا في تقدم كبير، فنرى من مظاهر هذه الصحوة وسماتها: أنها تتفاعل مع قضايا المسلمين في كل مكان، وأنها تحاول الانفتاح على أحوالهم، وتحاول جادة أن توجد رابطة بينها للتعاون والتكافل وسد حاجات المسلمين في كل مكان وبكل أمر من الأمور.

الإقبال على العلوم الشرعية

السمة الخامسة من السمات الخيرة الطيبة: الإقبال على العلوم الشرعية وتحصيلها بالوسائل المتاحة، من خلال الدروس والأشرطة والمحاضرات والندوات والكتب، وفي كل بلد بحسبه.

المهم أن سمة الإقبال على العلوم الشرعية والحرص عليها سمة طيبة، وهي من سمات هذه الصحوة المباركة التي تبشر بخير.

ظهور الحسبة

السمة السادسة: ظهور معنى الحسبة في أفراد هذه الصحوة وجماعاتها، الحسبة بمعناها الشامل العام، الاهتمام بأمور المسلمين، معايشة قضايا المسلمين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الإيجابية في كل ما فيه صالح المسلمين في دينهم وديناهم، وإن كنا نطمح إلى أكثر من ذلك كما سأذكر في التوجيهات، لكن مع ذلك نجد أن هذا الأمر ينمو بحمد الله، كذلك اندفاع شباب الصحوة إلى الحسبة، إلى نفع الآخرين، إلى نفع الأمة، إلى نصر الإسلام والمسلمين بكل وسيلة، إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى تحقيق العدل ورفع الظلم عن الأمة؛ هذا أمر واضح جداً وهو مبشر بخير.

البراء من مظاهر البدعة والانحراف والضلال والذل والهوان ومن أعداء الإسلام

السمة السابعة: البراء من كل ما هو سبب الانحراف والضلال، البراء من مظاهر البدعة والانحراف والضلال، ومن مظاهر الذل والهوان، والبراء من أعداء الإسلام وخصومه، والبراء من الافتراق والأهواء، والولاء للإسلام والمسلمين والمؤمنين.

فتطبيق قاعدة أو أصل الولاء والبراء في الإسلام يعد من أبرز سمات الصحوة.

الرقي بواقع الأمة الإسلامية نحو الأفضل

السمة الثامنة: من سمات هذه الصحوة: الحرص الجاد على تبديل الحياة الإسلامية وتحويلها للأفضل في كل وجوه الحياة، وهذا أمر أيضاً لم يكن يوجد في شعور المسلمين إلى وقت قريب.

رفض مظاهر الذل والتبعية والانهزامية والخور

وأخيراً من سمات هذه الصحوة المباركة: رفض مظاهر الذل والتبعية والانهزامية والخور، رفض مظاهر التبعية لغير المسلمين، وهي تبعية طالما أذلت المسلمين وفرقتهم وأوهنتهم وأوقعتهم فيما هم عليه من الهوان والحاجة إلى الآخرين، بل رفض السير في ركاب الكفار في سائر أمور الحياة.

عيوب وسلبيات الصحوة الإسلامية

من الإنصاف والتوازن أن نشير إلى بعض العيوب والسلبيات في هذه الصحوة.

كما أسلفت هذه الصحوة في عمومها فيها خير كثير، والعيوب التي فيها ليست في جملتها، بل في طوائف ممن ينسبون للصحوة؛ لكن نظراً لأن هذه المظاهر وهذه العيوب قد تؤثر تأثيراً سلبياً في مسيرة الصحوة في المستقبل فلا بد أولاً من تشخيصها والاعتراف بها، ثم معالجتها بالحكمة وبالأسلوب المناسب.

وحينما نذكر هذه العيوب فلا يعني أن الصحوة بعمومها تتسم بهذه العيوب، إنما طوائف أو جماعات أو أفراد ممن يوجدون داخل هذه الصحوة وفي صميم العالم الإسلامي قد توجد عندهم هذه السلبيات.

قلة التجربة

من أبرز هذه العيوب: قلة التجربة، فالصحوة صحوة وليدة، وأرى أنها في سن المراهقة، فقد تجاوزت سن الطفولة إلى سن المراهقة، وتعلمون ما يعتري سن المراهقة من قلة التجربة، ومن التخبط أحياناً، وعدم الاعتداد برأي الآخرين، والاعتزاز بالرأي والتعالي والغرور، كل ذلك قد يوجد في بعض شباب الصحوة، لكن مع ذلك لا بد أن نصبر عليهم، وأن نوطن أنفسنا عليهم، وألا يكون سبيلاً للقدح في هذه الصحوة المباركة أو التهوين من شأنها أو التشاؤم منها أو اليأس من فائدتها للمسلمين، إنما هو أمر واقع نعترف به ويجب أن نعالجه: قلة التجربة، كثرة التخبط في الآراء والأحكام والمواقف، وقلة الرجوع إلى أهل العلم والتجربة.. ونحو ذلك مما تعرفونه وتدركون كثيراً منه.

ضعف الفقه في الدين

من عيوب بعض جماعات الصحوة وأفرادها: ضعف الفقه في الدين، وهذا يتفاوت فيها ما بين بلد وآخر وما بين جماعة وأخرى، لكن هذه سمة سلبية أو عيب يجب أن نقوم بعلاجه، وأن نعترف بوجوده في بعض من ينتسبون للصحوة، خاصة في البلاد الإسلامية التي لم تؤسس الدعوة فيها على فقه من الدين، إنما أسست على عواطف وشعارات وحزبيات، فهذه يقل فيها الفقه في الدين، وإن كثرت فيها العواطف وقامت على الفكر والثقافة، لكنها لم تقم على العقيدة السليمة ولم تقم على الرأي الراشد.

الاستعجال

من العيوب: الاستعجال في كل شيء، استعجال النتائج، استعجال الأمور، الاستعجال في الحكم على الأشياء، الاستعجال في المواقف، الاستعجال في اتخاذ الرأي، والاستعجال أيضاً في طلب النصر من الله سبحانه وتعالى.

وهذا أمر لا ينبغي أن يكون، فالمسلم عليه أن يصبر، وأن يعرف أنه لا نصر للحق إلا بابتلاء، وأنه لا بد أن يبذل الأسباب مع توخي الحكمة ومراعاة أصول الشرع، والنتائج على الله سبحانه وتعالى ليست النتائج على الإنسان، حتى لو خسر وفشل فإن خسارته وفشله لا تضر بأجره عند الله سبحانه وتعالى، ثم إنه لا يشترط في نجاح العمل أن يرى الإنسان نتائج عمله، بل قد يكون المسلم ناجحاً في دعوته حتى لو لم يصل إلى النتائج التي يرجوها؛ لأن عمله لن يذهب سدى، والنتائج قد تأتي في عمره أو بعد عمره أو بعد أجيال تعيش بعده.

إذاً: فمن أبرز السلبيات والعيوب: الاستعجال في كل شيء، وهذا أمر يجب أن نعالجه، وأن نحاول بقدر الإمكان أن نخص الشباب على الصبر، وأن نذكرهم دائماً بقصص النبيين وبما أمر الله به من ضرورة الصبر.

التفرق والخصومات والتنابز والتحزبات

من العيوب: التفرق والخصومات والتنابز في بعض جماعات الصحوة وأفرادها، التفرق في المناهج، والتفرق في الشعارات، والتفرق في الحزبيات، كذلك الخصومات والتنابز بالألقاب، مع أن أكثر ما ترد الخصوم فيه بين شباب الصحوة إنما هو في الأمور الاجتهادية، انتماء فلان إلى الجماعة الفلانية أو للجماعة الفلانية أو للبلد الفلاني أو للشيخ الفلاني أو المذهب الفلاني من مذاهب فقهية أو مذاهب يسعها الإسلام، أو التفرق على مسائل علمية خلافية من الأحكام، أو من الأمور التي تتفرع عن العقيدة، أو من لوازمها.. ونحو ذلك.

أقول: إن أكثر ما ترد فيه الخصومات بين شباب الصحوة وبين عموم المسلمين في هذا العصر إنما هو من الأمور الاجتهادية، التي لا ينبغي أن تؤدي إلى الخصومات، سواء كان ذلك في الشعارات والجماعات، أو في الوسائل والمناهج، أو كان في الأحكام، أو كان في الغايات والأهداف.. ونحو ذلك، ما عدا الأمور التي بينها أهل العلم، والتي ينبغي أن يفارق فيها المسلم غيره ممن يضل عن الهدى، وهذه الأمور سأشير إليها بإيجاز في موضوع المصالح.

الجفوة بين بعض الشباب وبين العلماء

من العيوب: الجفوة بين بعض الشباب وبين العلماء، وهي جفوة غريبة ومريبة وخطيرة أيضاً، وأسبابها كثيرة، ربما تتبين لبعض طلاب العلم وأهله، لكن هناك من الأسباب ما لا يتبين، وربما يكون لأهواء النفوس وحظوظها سبب في ذلك، لكن المهم أن ظاهرة جفوة بعض الشباب للعلماء وقدحهم فيهم وبعدهم عن مجالسهم وعن دروسهم وعن توجيهاتهم أمر ينذر بشر، وهو عيب يجب علاجه، ولو برر لذلك بعض المبررين أو حاولوا أن يفتعلوا لذلك الأسباب: إما مما يقال: من أن بعض العلماء لا يجلس للشباب، أو لا يهتم بأمرهم، أو لا ينشر العلم الشرعي، أو لا يهتم بالدعوة، أو يتهم بمداهنة.. أو نحو ذلك، كل هذه إنما هي من الشبهات، وهي من وسائل الشيطان للتفريق بين المؤمنين.

وأيضاً من المثاليات عند بعض الشباب؛ لأن تصوراتهم ومقاييسهم للرجال مقاييس ليست شرعية، وفيها نوع من التضييق والعنت، وشروطهم في القدوة شروط لا تتمثل ولا في الصحابة، فلذلك يقدحون في علم العالم أو في قدوته أو في دينه، أو يحكمون على قلبه لمجرد أمر من الأمور التي يعذر بها، أو التي ربما تكون قادحة، لكن لا تلغي ما هو عليه من الخير والعلم والفضل، والعلماء كغيرهم من الناس بشر، قد يكون فيهم بعض الأخطاء وبعض التقصير، وهذه سنة الله في خلقه، ولا بد أن يوجد، لكن الرجال يوزنون بمجموع أعمالهم، بمجموع ما هم عليه من السلوك والعلم والعمل، لا بمفردات تصرفاتهم أو أقوالهم أو مواقفهم.

فالعالم قد يزل، لكن الزلة الواحدة والثنتين والثلاث لا تضره في دينه، والعالم قد يخطئ في الحكم، وقد يظلم، وقد يحسد، وهذا أمر معلوم، لكنه لا يضر بمجمل ما هو عليه من الفضل؛ لأنا لو أخذنا الأمور بالموازين الشرعية لوجدنا عند العلماء من الفضائل ما لا يقدح به مثل هذه المظاهر أو التصرفات، التي يظن الشباب أنها تسقط العدالة وتسقط الاعتبار، فهذا ضيق في الحكم وضيق في الأفق يقع فيه بعض الشباب.

التعلق بالقادة والدعاة غير المؤهلين شرعياً

من عيوب الصحوة: التعلق بالقادة والدعاة الذين لم تتوافر فيهم صفات القيادة الصفات الشرعية.

اختلال الموازين في الأحكام

من العيوب: اختلال الموازين في الأحكام والمواقف والتعامل مع الآخرين.

وقوع بعض أفراد الصحوة تحت طائلة الأمراض النفسية

من العيوب: وقوع بعض أفراد الصحوة تحت طائلة الأمراض النفسية، كاليأس وسوء الظن والتشاؤم والعداء الوهمي أو توهم العدو، أو توهم قوة العدو بأكثر مما هي عليه، وربما ينسى أن الله سبحانه وتعالى أقوى، وينسى أن الله سبحانه وتعالى وعد بالنصر والتمكين للمسلمين.

والتهويل من ضخامة العقبات والنزوع إلى العزلة والانطوائية، أو النزوع إلى الشدة في الحكم على الآخرين، أو النزوع إلى الضيق في الأحكام والمواقف والتشديد على المسلمين. هذه كلها أمراض تدخل تحت مسمى أمراض النفوس، التي ربما تعتري بعض أفراد الدعوة والصحوة.

توجيهات في مسار الصحوة الإسلامية

بعد هذه الإلمامة أنتقل إلى التوجيهات.

تأسيس أمر الدعوة والمسلمين والصحوة على عقيدة أهل السنة

من الأمور التي يجب أن يعنى بها العلماء وطلاب العلم في توجيه هذه الصحوة المباركة وتأسيسها على الأسس السليمة.

أولاً: تأسيس أمر الدعوة والمسلمين والصحوة على عقيدة التوحيد، على عقيدة أهل السنة العقيدة الحقة، تأسيساً قوياً متيناً في العلم والعمل، وفي الفكر والثقافة، وفي التصورات، وفي العبادات والعادات أيضاً، بل وفي التعامل والمواقف، وفي الأحكام والأحداث، وفي جانب الولاء والبراء.

فلا بد من البصيرة، كما أمر الله سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] فالبصيرة هي إبصار الحق عن الحق، وهذا لا يتم إلا بتأسيس العقيدة السليمة، لا تتم البصيرة بمجرد الثقافة العامة للإسلام، وبمجرد الولاء والعاطفة، وبمجرد التجمعات والمناهج التي تؤسس على غير عقيدة.

فالعقيدة هي البصيرة التي تهدي المسلم إلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى، تهديه إلى طريق النصر، إلى تحقيق الإسلام الحقيقي في هذه الأرض.

وهذا هو أهم أمر وأخطره وأوله وهو الضرورة القصوى، بل إنه هو الضامن لكل خير، وهو أيضاً الضامن في دفع كل شر وكل انحراف وضلالة في طريق هذه الصحوة خصوصاً، وفي حياة المسلمين على وجه العموم، ذلك أن العقيدة هي الإسلام، وذلك أن العقيدة هي السنة، وهي سبيل المؤمنين، وهي الصراط المستقيم، وأن الانحراف في العقيدة هو الذي أودى بالمسلمين إلى هذه الحال.

هذا أمر قطعي نعرفه من سنن الله تعالى القدرية والشرعية، بل نعرفه أيضاً من حال النبيين والمرسلين وهم أفضل الدعاة، فكل الأنبياء كانوا يأتون أولاً لتصحيح العقيدة، للدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك، بل يقضون جل وقتهم في ذلك، ويكون أغلب الوحي الذي ينزل عليهم ينزل في هذه القضية.

فمثلاً: هذا القرآن كتاب الله أغلبه جاء في تحقيق العقيدة وتقريرها والدفاع عنها، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أكثر زمن النبوة في غرس العقيدة، ثلاث عشرة سنة في العهد المكي كلها في غرس العقيدة، ثم عشر سنين في العهد المدني أغلبها في غرس العقيدة، رغم ما كان على النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر بالجهاد وتحقيق شرائع الإسلام، فإنه مع ذلك كانت العقيدة هي الركيزة الأولى، وأكثر الوحي الذي نزل نزل في تقريرها.

وقد يقول قائل: إن هذا في أول نشأة الإسلام، أما الآن وقد اكتمل الدين فلا حاجة؟ لكن هذا يرد بحال المسلمين، فحال المسلمين اليوم أغلبها تخالف العقيدة، فقد كثرت فيهم البدع والانحرافات والشركيات، وكثرت فيهم الضلالات التي جرفتهم عن طريق الحق، لذلك أغلب المسلمين في العالم في سبيل الافتراق، ومنطوون تحت لواء الافتراق والأهواء والمحدثات في الدين والبدع.

فإذا كان كذلك فهذا يعني: أننا نحتاج إلى تصحيح العقيدة واستئنافها، وأننا نحتاج حاجة ضرورية إلى تأسيس هذه الصحوة على العقيدة السليمة، وما لم تتأسس على العقيدة السليمة فستكون هذه الصحوة كارثة، ولذلك أغلب عيوب الصحوة القائمة الآن والتي نرى منها ما قد يحرج كثيراً من المسلمين، أغلب عيوب الصحوة منشؤها ضعف العقيدة أو الجهل بها، أو انحراف أصلي في تأسيس الدعوة.

ضرورة تخليص الصحوة من البدع والمحدثات في الدين

ثانياً: ضرورة تخلص هذه الصحوة وتخليصها من البدع والمحدثات في الدين، فالنبي صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك فقال: (وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) .

وبما أن هذه الصحوة هي جزء من المسلمين، وهي وإن كانت فيها سمات الرغبة في السنة، وسمات الرغبة في العقيدة السليمة إلا أنها نبتت في منابت قد تكون البدعة موجودة فيها أصلاً، فكثير من بلاد المسلمين هيمنت فيها القبورية، وهيمنت فيها البدع في العادات، والبدع في العبادات، والبدع في الأحوال، وبدع المزارات والمشاهد، وبدع الموالد.

وكثير من بلاد المسلمين أيضاً وجدت في أرضها الفرق الضالة كالرافضة والصوفية، فإذا كان الأمر كذلك فلا نستغرب وجود مظاهر هذا الانحراف والابتداع في بعض شرائح الصحوة، وهذا يعني: أنه لا بد أن نؤكد على ضرورة تخليص هذه الصحوة ما دامت في مهدها وفي طفولتها وفي بدايتها، وقبل أن تترعرع وتنشأ على الضلالة أو على الانحراف والافتراق لا بد من تخليصها من هذه البدع والمحدثات.

ولعل الحديث يتوجه إلى شباب هذا البلد أكثر من غيرهم، وذلك لأسباب:

أولها: أننا بحمد الله هنا في هذا البلد تقل فينا البدع والمحدثات، فالمجتمع في عمومهم -بحمد الله- على السنة، والصحوة أيضاً صحوة قامت على السنة، ورفعت شعار السنة في هذا البلد، وتملك أيضاً مقومات العقيدة السليمة ونشرها والدعوة إليها علماً وعملاً بوجود الاعتقاد المؤسس في القلوب بحمد الله.

والعلم أيضاً الموروث، من خلال المؤلفات والدروس، ومن خلال النتاج العلمي الذي هو ثمرة من ثمار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

هذه الثمرة تحملنا مسئولية كبرى نحو المسلمين عموماً، ونحو الصحوة على وجه الخصوص، فلا بد أن يتحمل شباب هذا البلد مسئوليته، ولا بد أن يؤدي دوره، ولا يحقر أحد منكم نفسه فكلكم مسئول؛ لأنكم تملكون -بحمد الله- العقيدة السليمة الصافية.

والمسلمون أحوج ما يحتاجون إليها الآن، لاسيما بعد دخول هذه الشعوب في الإسلام، دخول هذه الأفواج في الدين بعد ضلال وتيه طويل، وقد بدءوا في التدين من الصفر كما يقال، فيحتاجون إلى تنشئتهم على الفطرة وعلى العقيدة السليمة، وما لم تفعلوا ذلك فلن تبرأ ذممكم، ولا تتصوروا أن الناس سيأتيهم التوجيه من السماء بوحي غير ما أنزله الله، وما أنزله الله من الحق والهدى أنتم أكثر من يترسمه ويهتدي به، فلتتقوا الله في المسلمين، ولتتقوا الله في الأمة، ولتتقوا الله في الإسلام، ويجب عليكم أن تؤدوا ضريبة ما أنعم الله به عليكم.

الحذر من لوثات الفرق والافتراق

ثالثاً: نحن في بداية الصحوة ولا تزال قابلة للتوجيه وقابلة للنصح، لا بد من تحذيرها من لوثات الفرق والافتراق في جميع أشكالها.

فالأمة الإسلامية تعيش أوضار الفرق الباطنية بأشكالها، الصوفية بطرقها، الرافضة والشيعة بمصائبها ودواهيها، والقبورية ومحدثات البدع الكثيرة، بل وحتى المدارس الفلسفية الضالة الموروثة والجديدة، الاتجاهات الجهمية، والاتجاهات الكلامية، والاتجاهات الاعتزالية، كلها موجودة في المسلمين في بعض المفكرين والمثقفين وبعض الجماعات، بل حتى الاتجاهات الغربية المنحرفة: العلمنة، والحداثة، والقومية، والوطنية.. وغير ذلك من المصائب الدواهي التي جاءتنا من الغرب، كل هذا يوجد في المسلمين، ولا بد من تخليصهم في صحوتهم الجديدة من هذه الأوضار والخبائث.

ولا بد من بناء المسلم على العقيدة السليمة، وتخليصه من التوجهات التي تصرف دينه وعقيدته عن الحق، لاسيما أنه قد يوجد من المسلمين العدد الكبير من عنده ما يشبه الانفصام في الشخصية، تجده نظرياً يعرف العقيدة الإسلامية ويؤمن بها وبالشريعة والإسلام، لكنه عملياً عنده لوثات فكرية خطيرة: كأن يرفض دين الله، أو يعرض عن دين الله، أو يبرر وجود الأنظمة الوضعية والقوانين، أو يبرر لوجود الأوضار والرذائل في المسلمين، أو ييئس المسلمين من العودة إلى الحق والإسلام.. أو نحو هذا، وكل ذلك موجود في المسلمين أنفسهم جماعات وأفراداً، ولا تسلم الصحوة من وجود بعض هذه اللوثات.

فإذا كان كذلك فلا بد أن نعنى بتخليص المسلمين من هذه الفرق، ولا ننخدع بما يقول به بعض المغفلين أو بعض الجاهلين أو بعض المغرضين من دعوى أن في هذا الظرف لا بد أن نجمع كلمة المسلمين على أي شعار كان، وعلى أي عقيدة كانت، هذه دعوى باطلة، بل هي نسف للحق، وترسيخ للضلالة والافتراق، ولا يجوز للمسلمين أن يجتمعوا على الضلالة، ولا على البدع، ولا على الافتراقات والأهواء، بل الاجتماع على الحق ولو كنت وحدك، كما قال عبد الله بن مسعود وكثير من الصحابة.

والاجتماع هو التمسك بالحق، ولو لم يجتمع على الحق إلا القلة الضئيلة من المسلمين لكان هذا هو الغاية الشرعية، وأمر بقية البشر إلى لله سبحانه وتعالى، فهو الذي سيحاسبهم ويحاكمهم.

أما أن نغلب جانب العاطفة على حساب العقيدة والدين وعلى حساب الإسلام والحق فهذا أمر لا يجوز أبداً، بل هو الباطل بعينه.

إذاً: فدعوى أننا ينبغي أن نجمع المسلمين على ما هم عليه من شعارات وأهواء وفرق وضلالات وانحرافات هذه دعوى باطلة، ويجب ألا تنطلي على ذي بصيرة.

وكما قلت: الله سبحانه وتعالى أمرنا بالتمسك بالحق حتى ولو كنا قلة، بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخبره الصادق أن الحق يبقى مع فرقة في هذه الأمة تعادل واحدة من ثلاث وسبعين فرقة، وحديث الافتراق صحيح، بل النبي صلى الله عليه وسلم أكد على سبيل الجزم بأن هذه الأمة فيها طوائف ستتبع أهل الضلالة من اليهود والنصارى والفلاسفة والعلمانيين والزنادقة.. وغيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة)، وفي رواية: (شبراً بشبر وذرعاً بذراع) .

فقوله: (لتتبعن) الخطاب للأمة، وهذا لا يعني أنه ينقطع فيها الحق، بل لا بد من وجود الحق في طائفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر بهذا أخبر بأنه ستبقى طائفة على الحق ظاهرة منصورة لا يضرها من خذلها ولا من عاداها إلى قيام الساعة، ولأن الله تكفل بحفظ الدين، وحفظ الدين لا يكون بحفظه بالمصحف والكتب، إنما بحفظه بالذين تقوم بهم الحجة على الحق، والله سبحانه أيضاً تكفل بالجهاد إلى يوم القيامة، وهذا لا يتم إلا بجماعة.

إذاً: فالمقصود هو الاجتماع على الحق، وينبغي ألا تستهوينا دعاوى الذين يبررون اجتماع المسلمين على أي راية كانت، فإن هذه من تلبيس الشيطان، وهذه لا يدعيها -كما قلت- إلا جاهل أو مغرض أو مغفل لا يفهم مصالح الإسلام والمسلمين.

ترسم نهج أهل السنة والجماعة وبيانه وتعليمه وتيسيره للناس

رابعاً: مما يجب أن يعنى به العلماء والدعاة في ترشيد هذه الصحوة وتوجيهها والنصح لها بل والنصح للمسلمين جميعاً: ترسم نهج أهل السنة والجماعة وبيانه وشرحه وتعليمه وتيسيره للناس، نهج أهل السنة والجماعة هو نهج الحق، وهو الذي هو نهج الفرقة الناجية، وهو سبيل المؤمنين وهو الصراط المستقيم الذي أمر الله كل مسلم بأن يدعو الله أن يهديه إليه، حيث قال سبحانه: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] والمغضوب عليهم والضالون هم اليهود والنصارى، وهم رمز لأهل الضلالة جميعاً؛ فإن اليهود والنصارى يجتمع فيهم الشرك والكفر والنفاق فهم يجمعون جميع أنواع سبل الشر والضلال.

كما أن أهل الافتراق في الأمة كلهم فيهم شبه في أمور باليهود والنصارى، فكل طائفة تضل من هذه الأمة لا بد أن يوجد فيها شبه من جانب أو أكثر باليهود والنصارى، فيكون ذلك اتباعاً لغير الصراط المستقيم.

أقول: إن نهج سبيل أهل السنة والجماعة هو نهج النبي صلى الله عليه وسلم في العلم والعمل، في الهدي الظاهر والباطن، ونهج الصحابة في الاعتقاد والعمل، وما يستلزمه ذلك من بيان وترسم أصول الدين كلها، أصول التلقي والاستدلال، وأصول أخذ العلم وتحقيق العدل، وأصول الاحتساب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد وأصول تحقيق الخير والقوة للأمة في دينها ودنياها.

أصول التعامل مع الأشياء والأحداث والأشخاص، وأصول التعامل مع الآخرين، وأصول الولاء والبراء.. وغير ذلك من الأصول القطعية الواضحة في الأعمال والاعتقادات، هذه الأصول كلها مرسومة مبينة وواضحة، وهي سبيل المؤمنين، وهي سبيل القرون الثلاثة الفاضلة.

وهذه الأصول تحتاج إلى شيء من التعليم والبيان للناس، تحتاج إلى أن تدرس لهذه الصحوة المباركة، وأن تبين لها معالمها؛ لأن الحق كاد أن يضيع أمام تيارات الانحراف ومناهج البشر الضالة؛ فلذلك كان لا بد لهذه الصحوة أن تترسم بنفسها نهج أهل السنة والجماعة، وأن تتلمسه وتقتفيه وتحرص عليه.

ضرورة التفريق بين العقيدة وأصول المنهج وبين الوسائل والأدوات والأمور الاجتهادية

خامساً: بمناسبة الحديث أو الكلام عن نهج أهل السنة والجماعة قد يقع كثير من الشباب في خطأ في الفهم أو الحكم أو الموقف تجاه بعض الأمور، حينما لا يفرق بين العقيدة والأصول والمناهج، وبين الوسائل والأدوات والأمور الاجتهادية.

بعض الناس يجعل وسائل الدعوة توقيفية، أو وسائل الحياة الأخرى، فيظن أنه لا بد أن يدخل في السنة حتى الأساليب الاجتهادية أو العلمية أو العملية في تلقي الدين ونشره، أو في الدعوة، أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الجهاد، أو حتى في العمل والسلوك الفردي، وهذا خطأ ربما يترتب عليه الوقوع في التشدد في الدين أو في نهج الخوارج، كما حدث من الخوارج الأولين ومن جاء بعدهم في العصور الماضية؛ فلذلك يجب أن يفرق الشباب والدعاة بين الأمور المتعلقة بالعقيدة والأصول والمناهج العامة من ناحية، وبين الوسائل والأمور الاجتهادية من ناحية أخرى، سواء وسائل تحصيل العلم، أو وسائل نشر العلم، أو وسائل الدعوة، أو حتى وسائل الحياة التي تخدم بها دنيا الناس ودينهم، كل الوسائل قابلة للاجتهاد، وكل الوسائل تحكمها ظروف الزمان والمكان، وتحكمها مقدرات المسلمين وما لديهم من إمكانات معنوية وحسية، مادية وعلمية، لكن الأصول والقواعد هي التي لا بد أن نقف عندها ولا نتعداها؛ لأنها السبيل والصراط المستقيم؛ لأنها نهج المؤمنين؛ ولأنها السنة؛ ولأنها هي التي عليها الجماعة، جماعة المسلمين.

أما مسألة الوسائل من: كون الدعوة تقوم على جماعات، أو على أفراد، أو بمؤسسات، أو بدراسات علمية أو فكرية أو منهجية، أو بأي وسيلة من الوسائل الأخرى، فإن مسألة الوسائل متاحة ومباحة، والله سبحانه وتعالى جعل الناس على مواهب وقدرات، وفاوت بين قدراتهم ومواهبهم، وجعل حاجة المسلمين تنبني على ما لديهم من وسائل وأدوات، فلذلك ينبغي أن تتسع آفاق بعض الدعاة هداهم الله الذين يحجرون على المسلمين في الوسائل.

ولأضرب لكم مثلاً سهلاً في تحصيل العلم، وهو من أهم الأمور وأحسنها وغيره أسهل منه في تحصيل العلم الشرعي وتلقيه: كان الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده بقليل يحذرون من كتابة الحديث، أليس كذلك؟ بل كان هذا هو النهج الذي كانوا عليه، كانوا يعتبرون كتابة الحديث وسيلة لا تصلح، لماذا؟ لأنهم كانوا حافظين للسنة، يعملون بها، يميزون بين السنة والقرآن والنصوص هذه وتلك؛ ولأن السنة كانت حية في الاعتقاد والعمل والتطبيق؛ ولأن الوضع والكذب في الحديث لم يرد في عهد الصحابة، ولأن الافتراق لم يوجد، والأهواء لم توجد بينهم، فكانوا لا يرون هناك حاجة لكتابة الحديث، ثم جاء بعد ذلك بعهد، بل كان بعضهم يتورع عن التحديث، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن ينقلوا عنه الدين، كان يتورع عن التحديث خوفاً من أمور يعرفها أهل الاختصاص، ثم بعد ذلك بدءوا يحدثون.

ثم بعد ظهور الافتراق، وبعد ظهور الوضع والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد ظهور الأهواء، وبعد ادعاء طائفة أنه يكفيها القرآن، وبعد اتهام الصحابة بالنسيان والخطأ والوهم.. إلى آخره من دعاوى وشبهات المبطلين التي قد تلبس على المسلمين، بعد ذلك سمح أهل العلم بكتابة الحديث، وبدءوا يكتبون قليلاً من الحديث، ثم جاءت فترة فصارت كتابة الحديث هي السمة، ثم جاءت فترة فتوجه أهل السنة والجماعة إلى ضرورة كتابة الحديث وتمييز الصحيح من الضعيف، فكتبت الصحاح والمسانيد والسنن، وحفظ الله بها الدين.

إذاً: هذا تغير في الوسائل، حتى في طريقة تحصيل العلم على العالم، نجد أنها تدرجت، تطورت من طور إلى طور، حتى وصلت في بعض العهود الزاهرة إلى ما يشبه وجود الوسائل عندنا الآن، بل أتقن من الوسائل الموجودة عندنا الآن، فكانوا يضبطون الدروس من يحضر ومن يتخلف، ومتى حضر فلان في أي ساعة؟ ويضبطون عن العالم ما يكتب، وكان العالم إذا كثر طلابه يوزعهم إلى مجموعات، ويكون هناك من يبلغ العلم من مجموعة إلى مجموعة، تنظيم دقيق، كل ثلاثين يرأسهم واحد، ثم كل ثلاثين يرأسهم واحد، ثم هؤلاء المجموعة النقباء يجتمعون بالشيخ ويبلغون عنه، كل هذا من أمور الوسائل والتنظيم التي عمل بها أئمة الدين.

إذاً: فالوسائل يجب أن يعمل بها المسلمون بقدر اجتهادهم وبقدر أحوالهم وبقدر حاجتهم، فالذين يحجرون على الصحوة أو على المسلمين استعمال الوسائل أنا أظنهم تحجروا واسعاً، بل ضيقوا، بل هم ربما يعدون حجر عثرة في سبيل عزة الإسلام والمسلمين، ونشر العلم بالطرق والوسائل المتاحة التي هيأها الله للناس.

فاتخاذ الوسيلة المناسبة والمباحة قد يكون واجباً إذا كانت متعينة في نشر العلم الشرعي، أو في تقرير الحق، أو في تقوية المسلمين، بل هي من إعداد القوة التي أمر الله بها، قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] .

فالقوة هي قوة النفس وقوة الضمير، وهي قوة العلم وقوة القلم، وهي قوة الوسائل وقوة المؤسسات في عصرنا الحاضر، وهي تعني القوة المادية والمعنوية على حد سواء، والقوة المادية لا يحصرها شيء، كل مباح لا يتعارض مع أمور الشرع فهو قوة يجب الأخذ بها.

فضيق الأفق الذي عليه بعض الناس، أو حجر المسلمين على وسائل بدائية، وتحذيرهم من الأخذ بالوسائل المتطورة في نصرة الحق وفي تقوية المسلمين هذا يعتبر من أكبر العثرات في طريق الدعوة، ويجب أن تتجاوز الصحوة هذه الأمور، وأن تنفتح على كل وسيلة مباحة، وأهل العلم -بحمد الله- والفقه في الدين موجودون، فلا داعي لأن تأخذ الصحوة ببعض مجتهديها على غير بصيرة ولا فقه في الدين.

وأقول هذا لأني رأيت وسمعت مظاهر التشديد والتضييق على الأمة، وكلما سلك الشباب سبيلاً لنصر الدعوة جاءه من يشككه في ذلك السبيل.

فالدعوة هي أحق وأولى بكل وسيلة مباحة متاحة، وإذا لم نستخدم الوسائل فمعنى هذا أننا أتحنا القوة لغيرنا من الكفار والفساق والفجار الذين استفادوا من التورع الكاذب عند بعض الدعاة في تخليهم عن الوسائل في التخطيط والتنظيم والعمل الجماعي, ومن اتخاذ بعض الوسائل في الاقتصاد والعلوم الاجتماعية والجمعيات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وتخلي أهل الخير عن ذلك، كل ذلك أتاح لأهل الفجور من العلمانيين والحداثيين.. وغيرهم لأن تكون بأيديهم مقاليد الأمور، وأن يجلس الدعاة متفرجين أو ناقدين، وهذا أمر يجب ألا يغفل عنه كل حريص على الدعوة وعلى الإسلام والمسلمين.

التزام الجماعة الشرعية ونبذ الفرقة

سادساً: مما ينبغي أن تعنى به الصحوة: التزام الجماعة ونبذ الفرقة، التزام الجماعة بمعانيها الشرعية، ونبذ الفرقة أيضاً بكل معاني الفرقة التي تشتت الشمل، وتفرق الكلمة، وتوهن المسلمين، وتذهب ريحهم.

والتزام الجماعة في نظري يتحقق بأمور، منها:

أولاً: الالتفاف حول العلماء والدعاة المخلصين، فالعلماء هم القدوة، والعلماء هم الأسوة، والعلماء هم أهل الحل والعقد، وهم أهل الولاية، والعلماء تتمثل فيهم الجماعة، وجماعة المسلمين لا بد أن تتمثل في العلماء، ومن هم على سمت العلماء من العامة وطلاب العلم، وأي دعوة بلا علماء فإن مصيرها إلى الانحراف أو الفشل أو هما معاً.

هذا أمر تقتضيه ضرورة الدين، إذا لم يكن العلماء هم المرجع وهم الذين تجتمع عليهم الصحوة ويتحقق فيهم معنى الجماعة الشرعي فإنه لا معنى لوجود الجماعة بلا علماء، ولا معنى لوجود الدعوة والصحوة بلا علماء، ولا معنى لهذه الجفوة المفتعلة المتكلفة التي استغلها أعداء الإسلام بين العلماء وبين الشباب والدعاة.

وكم استفاد خصوم الدعوة إلى الله من هذا المرض النفسي في الشباب: جفوة المشايخ والعلماء، وكما قلت: لا نفترض في المشايخ العصمة، علمهم وتقواهم وفضلهم يكفي، وما يوجد فيهم من أخطاء يوجد في غيرهم، وإن وجد عند العلماء تجاوز وظلم وخطأ أو شيء من الحسد فهذا في غيرهم أكثر، هذا أمر لا بد منه، إن وجد في العلماء تقصير وفي المشايخ تقصير فالتقصير في غيرهم حتماً أكثر، هذا بالنسبة للمجموع، أما الأفراد فحكمهم إلى الله.

إذاً: الالتفاف حول العلماء هو أول معاني الجماعة التي أوجبها الله وحذر من تركها الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: غرس الألفة بين شباب الصحوة، بدل ما يحصل الآن من غرس التنافر ومن وجود التنابز والسباب، ومن وجود القدح والنقد للمسلمين بعضهم لبعض، فينبغي أن نسلك الطريق الآخر وهو غرس الألفة والتراحم بين المسلمين وحسن الظن فيما بينهم، ويجب أن نعذر المخطئ، وأن نلتمس له الأعذار؛ لأن أكثر ما يوجد التنابز ليس فيما بين أهل السنة والفرق؛ لأن هذا أمر بين ولا يسمى تنابزاً، إنما هذه مفاصلة بين الحق والباطل، لكن أقصد التنابز بين من هم من أهل السنة، يوجد شيء من التنابز بالألقاب والاتهامات، هذا من جماعة كذا، وهذا على طريق كذا، وهذا فكره كذا، وهذا نهجه كذا، وكل ذلك إنما هو من باب التفريق وليس له حقيقة، إنما أغلبه في الأمور الاجتهادية لا يجوز التنابز بها ولا التعادي عليها.

ثالثاً: من معاني التزام الجماعة ومن ركائزها كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو نهج السلف: طاعة كل من له حق الولاية الشرعية من ولاة الأمور بالمعروف.

هذا من أبرز معاني الجماعة، بل هو من السمات الظاهرة للجماعة، والتي بينها النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً، في أحاديث كثيرة وحذر من الإخلال بها، طاعة من له حق الولاية الشرعية من ولاة الأمور بالمعروف.

رابعاً: الحذر من مواطن الفتن والشقاق ومواطن التفريق بين المؤمنين.

إذاً: من أبرز معاني الالتزام بالجماعة: الالتفاف حول العلماء، وغرس الإلفة بين شباب المسلمين وبين المسلمين عموماً، وطاعة من له حق الولاية الشرعية بالمعروف، والحذر من مواطن الفتن والشقاق والتفريق بين المؤمنين.

ضرورة التفقه في الدين

سابعاً: من التوجيهات: ضرورة التفقه في الدين. ولا أقصد بذلك مجرد تحصيل العلم الشرعي أو الثقافة العامة والفكر كما هو حاصل عند كثير ممن ينتسبون للصحوة. بل أقول: إن هذا منهج لا تستقيم به العقيدة ولا يستقيم به الفكر، ولا يوجد القدوة في الدين، وتحصيل العلوم الشرعية على غير أصولها الصحيحة، وتحصيل الثقافة الشرعية العامة بغير وسائلها الحقيقية كل ذلك لا يبني الشخصية المسلمة، بل في الغالب يوجد الغرور والتعالي، ويوجد العلم الذي لا تنظمه قاعدة ولا ينظمه أصل، علم بلا قدوة، علم بلا أصول، لذلك نجد أغلب الذين يأخذون دينهم أو علومهم الشرعية أو تحصيلهم للعلوم الشرعية عن طريق الوسائل، دون أن يكون لهم قدوة، ودون أن يأخذوا بالأصول الشرعية نجد أغلبهم يخلطون في الأمور: في الأحكام، في العقائد، فيكون عندهم شطحات ومواقف شاذة تجاه الأحداث والمواقف والأشخاص؛ وسبب ذلك أنهم ظنوا أنهم علموا حينما قرءوا كم كتاب وسمعوا كم شريط وحضروا كم محاضرة وتلقفوا بعض المعلومات المشتتة عبر الأجهزة المسموعة والمرئية، فظنوا أنهم بذلك صاروا علماء أو مثقفين، ويستغنون عن العلماء، وهذا مع الأسف كثير بين المثقفين والمفكرين، أو من يسمون بالمثقفين والمفكرين.

أقول: لا بد من التفقه في الدين على أصوله الشرعية وبأسسه الشرعية.

أولاً: التفقه في الدين لابد أن يكون على يد عالم قدوة، أو طالب علم متمكن، ولو لم يكن عالماً تتوافر فيه جميع شروط العلم لكن ينبغي أن يكون طالب علم متمكن موثوق بقدوته وأسوته، ومتمكن في علمه الذي يعلمه، هذا شرط.

الشرط الآخر: أن يكون متحرراً من الغايات والأهداف الأخرى، فتحصيل العلم الشرعي ينبغي أن يكون من خلال الدروس وحلق الذكر والعلم، وقراءة الكتب بمشورة العلماء وطلاب العلم الذين لهم الخبرة، ومن أخذ علماً يجب أن يأخذه بتدرج على طلاب العلم الفاهمين الذين يعطون العلوم بتدرجها، فلا يأتي إنسان صغير ويأخذ أصعب الكتب في علم العقيدة أو في أصول الفقه مثلاً؛ لأن هذا يؤدي إلى أحد أمرين: إما أن يتعثر وينغلق عن هذا العلم، أو يفهمه على غير وجهه، فيبدأ يخبط في الأحكام وفي أمور المسلمين، وكل ذلك خطأ، وهذا لا يعني أننا لا نستفيد من الوسائل، لا، فأخذ العلم الشرعي عبر الشريط والإذاعة والندوة والمحاضرة والكتاب والمدرسة والجامعة هذا أمر طيب، بل هو وسيلة يجب أن نستفيد منها ونعمة من نعم الله سبحانه وتعالى علينا، لكن الاقتصار عليه في التفقه في الدين هذا خطأ، وفرق بين من يريد أن يحصل بعض الأمور البدائية التي تحصن دينه وبين من يريد أن يسلك طريقاً للعلم الشرعي الذي يتفقه به ويتخصص وينفع الأمة، فرق بين هذا وذاك.

فطالب العلم الذي يريد أن يحقق للأمة حاجتها من الفقه في الدين في تخصص أو أكثر من العلوم الشرعية لا بد أن يسلك الطريق السليمة، أما من عداه من عامة المسلمين فعليه أن يسدد ويقارب، ويحاول قدر إمكانه أن يحضر دروس المشايخ وطلاب العلم، فإذا لم يتمكن فأخذه المعلومات الشرعية عن طريق الوسائل هذه نعمة، ويجب أن يستفيد منها كل مسلم، لكن الدعاة والموجهون للأمة يجب أن يتفقهوا في الدين بأساليب التفقه الصحيحة الشرعية.

تربية شباب الأمة على الصبر وبعد النظر وعدم استعجال النتائج وغير ذلك

ثامناً: يجب أن يعود شباب الأمة على الصبر وبعد النظر وعدم استعجال النتائج، وعدم الاستجابة لاستفزاز خصوم الإسلام، ويجب أن نفهم أن من أخطر أساليب خصوم الإسلام: محاولة جر الشباب للتصرفات العاجلة الطائشة، محاولة استفزازهم بكل وسيلة، وقد رأينا مظاهر هذا، وثبت أن هناك من يحاول جر الشباب إلى الفتنة، ومن إثارة غيرتهم بأي أمر من الأمور التي تستثير غيرة المسلم، ومحاولة إيقاعهم في بعض التصرفات وتنميتها، وتشجعيهم على التصرفات التي لا تكون حميدة، ثم بعد ذلك تكون ذريعة للصد عن دين الله وعن الحق، وتكون ذريعة لاتهام المؤمنين والمسلمين، وتكون ذريعة لوصم الصحوة بالشدة والعنف والتطرف كما تعلمون الآن، وهي حملة إعلامية عنيفة الآن، تجد أخطر وسيلة لإيقاع الشباب والدعاة: استفزازهم بمثل هذه الأمور، فيجب أن نتفطن، ويجب أن نتحلى بالصبر والحكمة، وأن نسترشد برأي العلماء وبآراء الكبار الذين جربوا، ويجب أن نعي تصرفاتنا جيدة، وأن نعرف أن تصرف الفرد يحسب على الجماعة، وأن تصرف الفرد يحسب على الإسلام والمسلمين، وأن التصرفات الطائشة قد تؤخر الدعوة سنين، وتؤخر الخير سنين، وتؤخر عرض الإسلام على البشرية سنين.

فإذاً: ينبغي أن نعود شباب الأمة والدعاة على الصبر، ولنعرف أن الصبر شرط لنصر الحق، بل إن الصبر شرط للإيمان وشرط لتحقيق الإسلام، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة العصر: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] .

فكان من الأركان الأساسية لتحقيق الدين الصبر، فلا بد من نشر هذا المعنى وبيانه، ولا بد من تعويد الشباب على الحكمة والتأني، ولا بد من تعويد الشباب على ألا تكون تصرفاتهم إلا بمشورة وبرأي من أهل الحل والعقد من ولاة الأمور، من العلماء والمسئولين الذين يهمهم شأن الإسلام والمسلمين.

هؤلاء هم الذين يسترشد برأيهم، ويجب أن يرجع إليهم الشباب، ولا يكون مرجع الشباب أحداث الأسنان أمثالهم ممن هم في سنهم قليلي التجربة، مهما كان علمهم وعاطفتهم، فالعاطفة ليست هي الوحيدة التي ينتصر بها الإسلام، الإسلام ينتصر بالحق والعلم والاعتقاد والحكمة وأخيراً بالعاطفة إذا استرشدت بهذه المعاني، أما العاطفة وحدها فهي تؤدي إلى التهور، وربما ارتكاب الأمور التي تخرج المسلم عن الحق، كما حدث من الخوارج وغيرهم.

صحوة عموم المسلمين وإحياء المعاني التشريعية للحسبة بمعناها الواسع

أخيراً: لا بد في ترشيد هذه الصحوة المباركة: صحوة المسلمين عموماً، وما نراه من بوادر عودتهم إلى الإسلام، لا بد من إحياء المعاني الشرعية للحسبة بمعناها الواسع، لا كما يظن بعض الناس أن الحسبة هي ما هو موجود الآن بمجرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان هذا أصل من أصول الدين وركن من أركانه، لكن الحسبة أوسع من ذلك، الحسبة إضافة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعني: تحقيق التكافل بين الأمة، تعني تحقيق القوة للإسلام والمسلمين، تعني: تحقيق العدل ورفع الظلم، تعني: أداء الحقوق كلها بما فيها حق الله سبحانه وتعالى، وحق الرسول صلى الله عليه وسلم، وحق الإسلام والأمة، وحق العامة والخاصة من المسلمين، وتعويد المسلمين على معنى أداء الحقوق صغيرها وكبيرها، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً.

ولا بد أيضاً في تحقيق المعاني الشرعية للحسبة بمعناها الواسع من إخراج المسلمين من هذه السلبية القاتلة، السلبية التي تتمثل بعدم الاهتمام بشئون الإسلام والمسلمين، وباطراح أو تقاذف المسئولية ومحاولة التخلي عن المسئولية وإلقائها على الآخرين.

وتتمثل أيضاً هذه السلبية بالتوهم الكاذب، توهم أن الشر قوي، وأن أهل الشر لديهم الوسائل الفتاكة، وتوهم اليأس من نصر الإسلام والمسلمين، وتوهم وسائل الأعداء وما لديهم، وأحياناً توهم ما لا يوجد، من اعتقاد أن خصوم الإسلام لديهم تخطيط ولديهم وسائل ولديهم الاستعداد لكبت الإسلام والمسلمين.

وهذا وإن كان يوجد شيء منه، لكن ليس بالحجم الذي يتوهمه المتوهمون، فالله سبحانه وتعالى أقوى وهو فوق الجميع، والله وعدنا بالنصر الأكيد إذا صدقنا معه، والله سبحانه وتعالى وعدنا بالنصر المؤزر، فلماذا ننسى وعد الله؟ ولم نضخم من قوة الخصوم؟ وهي مهما بلغت، وحتى لو صدقت هذه الإحصائيات وصدقت هذه التخطيطات وصدقت هذه الوسائل عند الكفار فهي لا تساوي شيئاً أمام الرعب من الحق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب) وهذا النصر للأمة كلها، وقد رأينا رعب الكفار في أقصى الغرب من أي مظهر من مظاهر عز المسلمين في أقصى الشرق، رعب هز قلوبهم وكيانهم، فإذا كان كذلك فكيف لو أشعرناهم فقط بأنا أقوياء نفسياً؟ حتى لو لم نملك وسائل، مع أننا لو قوينا لملكنا الوسائل، لكن مع افتراض أنا لا نملك وسائل لو قويت نفوسنا وقويت قلوبنا وقويت عزيمتنا وقويت ثقتنا بالله سبحانه وتعالى وبنصره ووعده لكان هذا كافياً لإحباط قوة الكافرين في مهدها.

ومع ذلك أيضاً لا نتصور أن النصر سينزل من السماء من غير ابتلاء، لا بد من الابتلاء، لكن الابتلاء الحاصل في حال الذل والهوان أشد وأنكى على المسلمين من الابتلاء الذي يحصل لهم في حال إعلان الجهاد.

فموازين المسلمين اختلت فيجب أن نعيد الموازين الصحيحة إليهم، ويكون ذلك عبر هذه الصحوة المباركة، يجب أن تخرج الأمة من هذا التوهم الذي هي فيه، من السلبية القاتلة المميتة والاتكال على الآخرين والأنانية، وهي صفات - مع الأسف - متأصلة في المسلمين في هذه العصور القريبة، وبدأت - بحمد الله - تتخلص منها الدعوة والصحوة، لكن يجب أن نؤصل هذه المعاني أيضاً بقوة، ونستمدها من أصولها الشرعية من الكتاب والسنة.

أيضاً لا بد من خروج المسلمين من حال التقوقع والانطوائية وضيق الأفق في كل مجال، ولا بد أيضاً من السعي إلى نشر الخير والنفع العام للأمة، فهذه الصحوة طاقات مهدرة ومشتتة الآن، وبدأت تتآكل وبدأت تتهارش فيما بينها، وسبب ذلك عدم استغلال طاقاتها في النفع العام وفي نشر الخير.

أقول: إن من أعظم أسباب وجود الافتراق واللمز وانشغال الدعاة بعضهم ببعض، أو انشغال شباب الصحوة بعضهم ببعض هذا التآكل والتهارش الذي بينهم، ومن أعظم أسبابه هو عدم استغلال الطاقات وإهدار الطاقات، ومن أعظم أسباب إهدار الطاقات: هو الحجر على المسلمين في مسألة استعمال الوسائل، ودعوى أن الوسائل توقيفية، وأنه يجب أن نعمل في طريق الدعوة كما عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في كل شيء، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أباحوا كل وسيلة لا تتعارض مع الشرع، بل استخدموها وأوجبوها.

هذه هي السنة الصحيحة، أما أن نحجر على المسلمين فنحرم عليهم الوسائل والطرق والتخطيط والتنظيم والعمل المؤسسي وعمل الخير، والانفتاح على شئون الحياة الأخرى، وتحصيل ما فيه مصالح الإسلام والمسلمين، فإن هذا هو الخطأ والخطل والخطر، بل هو التحجر بعينه.

إذاً: لا بد من فتح مجالات الخير، واستغلال مواهب الشباب وطاقاتهم في النفع العام للأمة، والإسهام في نهضتها العلمية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك على أسس شرعية ملتزمة بأصول الشرع وبنصوصه وقواعده.

ومن أهم ذلك الخروج عن مجرد التركيز أو عن العمل العلمي الفكري إلى العمل الجاد في الجانب المؤسسي، من خلال الجمعيات، من خلال المؤسسات، من خلال المنظمات الإسلامية القائمة، أو حتى إنشاء مؤسسات وجمعيات لاستغلال طاقات الأمة وترشيدها وتوجيهها في سبيل الخير والنفع العام، ولا بد من دخول جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية.

وهذا هو بعينه ما أمر الله به في تحقيق القوة للمسلمين.

إذاً: لو لم نسلك هذه المسالك كيف تكون القوة؟ ومن الذي سيحرم هذه الأمور؟ لا يحرمها إلا ضيق الأفق أو جاهل بأحكام الإسلام ومصالح الدين.

ولا بد أيضاً من إخراج الصحوة والدعاة وأهل العلم من موقف الناقد المتفرج إلى موقف الناصح المشفق، إلى موقف العامل المبادر لكل عمل نافع، وإن كان دنيوياً، الدنيا تخدم الدين، ونعمت الدنيا تحت توجيه الرجل الصالح وتحت إدارته، فيجب على الشباب أن يخرجوا إلى نطاق العمل المؤسسي، إلى نطاق العمل الخيري، إلى نطاق النفع العام للأمة والمجتمع في كل جوانب الحياة.

أما اقتصارهم على وجوه الدعوة الموجودة الآن إلى ما لا نهاية، فإنه سيؤدي في النهاية إلى الافتراق والأهواء، وفي النهاية تكون مقاليد الأمور في المسلمين بأيدي الفسقة والعلمانيين والحداثيين.. ونحوهم ممن لا يزال أكثرهم هو القائم على شئون المسلمين الحياتية.

وهذا أمر خطير، ولا يجوز البقاء عليه، ويجب على الدعاة وعلى أهل العلم أن يوجهوا الشباب إلى توجيه طاقاتهم وصقل مواهبهم، والإفادة مما أعطاهم الله سبحانه وتعالى من عاطفة وقوة وشجاعة في الحق في العمل النافع المركز، الذي يخدم الأمة في دينها وفي دنياها.

هذا وأسأل الله لي ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والسداد والرشاد.

كما أسأله تعالى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

كما نسأله تعالى أن ينصر المسلمين في كل مكان، وأن يعز الإسلام وأهله، ونسأله تعالى أن يسدد المسلمين إلى كل خير، وأن يجمعهم على الحق، وأن يؤلف بين قلوبهم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , توجيهات في طريق الصحوة للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

https://audio.islamweb.net