اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ثوابت في الدين للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن موضوع هذه المحاضرة من الموضوعات الملحّة في هذا العصر، وفي هذه الظروف التي يعيشها المسلمون في جميع أقطار الدنيا عامة، وفي هذا البلد بخاصة، التي هي بلاد السنة ومهبط الوحي، بلاد الحرمين، البلاد التي نحسبها -إن شاء الله- لا تزال تحكم بشرع الله عز وجل وتتحاكم إليه، وإن وجدت كثير من الأخطاء والتجاوزات، ونسأل الله أن يعفو عنا جميعاً، لكن يجب أن نتحدث بنعمة الله، ومن هنا أؤكد أننا كغيرنا من عامة المسلمين نتعرض إلى مخاطر كبرى قد نختلف ويختلف كثيرون في ترتيب هذه المخاطر وما هو الأهم منها، لكن أحسب أننا -أعني طلاب العلم المعنيين بالعلوم الشرعية- لا نختلف في أن أخطر ما تتعرض له الأمة هو التشكيك بعقيدتها ومسلماتها وثوابتها، وهذا التشكيك الآن ينحى مناحي خطيرة ومؤثرة، ليس فقط على مستوى الأفراد، بل على مستوى الأمة بمجموعها، تستهدف أغلى ما تملك الأمة وهو الدين والإيمان والفضيلة.
أول مظاهر ذلك: الهجوم الإعلامي العنيف -بكل معاني الكلمة- الذي يركز على هدم المقومات للأمة، ليس مجرد التأثير السلبي كما يعبّر البعض، بل أصبح هذا الهجوم الشرس العنيف يستهدف هدم وتقويض أغلى ما تملكه الأمة، وأول ذلك العقيدة والدين، ثم ما يستتبع ذلك من مقومات العزة يستهدف الأخلاق، ويستهدف الجماعة والكلمة، ويستهدف الأمن، ويستهدف القلوب والعقول، والأموال والأعراض، وليس من المعقول أن نتصور أن أعداء الأمة يقفون عند حد في النكاية بها، هذا أمر لا يتصوره عاقل، وإن وجد من بعض المغفلين، لا يتصور أن أعداء الأمة يقفون عند حد، بل لا بد أن يحققوا أغراضهم الكبرى التي نوه الله عنها، يقول الله عز وجل وهو أعلم بما في قلوب العباد، وهو أعلم بشئون الخلق، يقول سبحانه: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] قد يكون لهم هدف اقتصادي، لكن لا ينتهون عنده، قد يكون لهم هدف سياسي، لكن لا ينتهون عنده ولن ينتهوا، وما هذه المظاهر التي نرى منها: الانتهاك الصارخ لمقومات الأمة من خلال انتهاك بعض دول المسلمين، ما هذا إلا نوع من الحرب الاستباقية التي تريد أن تحول بين الأمة وبين نهضتها، والمسلمون عموماً وأهل السنة على وجه الخصوص يعيشون في العقود القريبة الماضية نهضة رائعة، نهضة مبشرة بالخير في جميع بقاع الدنيا، لا سيما حينما تفطّنوا باستخدام الوسائل الحديثة في خدمة الدين ونشر رسالة السلام والأمن بين البشرية، حينما بدأ المسلمون عموماً وأهل السنة يستفيدون من الوسائل الحديثة إعلامية ومؤسسية في نشر الحق وتثبيت العدل بين الأمم، من هنا سيطر الخوف على أعداء الأمة، ومن هنا أيضاً قاموا بما قاموا به الآن تحت ذرائع كلها تبيّن أنها ليست مجرد واهية، بل ذرائع مكذوبة ومصطنعة، فكل الذرائع التي دخلوا بها العراق لم يوجد منها شيء، وارجعوا بأذهانكم إلى ما قبل سبع أو ست سنوات، لن تجدوا مما تذرعوا به في التدخّل السافر والاحتلال المباشر الذي استهدف المسلمين في أغلى ما يملكون لم يكن له مبرر واحد.
إذاً: يجب أن يعي المسلمون الحقيقة، وأن يستعدوا لأن تجتمع كلمتهم ويرجعوا إلى الحق، ويتركوا مظاهر الشتات والفرقة والتنازع، والله عز وجل نهانا عن ذلك فقال: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] فعلى هذا نقول: أعظم سبب للفشل هو هذا التنازع والفرقة في الدين، والخروج عن مقتضى الإسلام والسنة، ولن تعود الأمة إلى عزها إلا بالاجتماع على السنة، ولا يعني ذلك كما يزعم بعض جهلة الكتّاب وبعض جهلة المتحذلقين والمتكلمين أن هذا يعني أننا نسعى إلى إقصاء الآخر، لا والله، ولكن نسعى إلى إنقاذ الآخر من الهلكة، لسنا حريصين على الإقصاء، فهذا منهج نعوذ بالله منه، فنحن حريصون على الهداية، وعلى جمع كلمة الأمة على كلمة، سواء على الكلمة التي أرسل الله بها النبيين كلمة التوحيد ونفي الشرك، كلمة اجتماع المسلمين واجتماع الأمة على الضوابط والثوابت والمسلمات التي هي معقد الدين، ومعقد الاجتماع، ومعقد الأمن والسلامة، ومعقد القوة والعزة، ولن تعتز الأمة وترجع إلى عزها إلا بهذه الثوابت والمسلمات، وليست المسألة مسألة فرض رأي على الآخر كما يزعمون، ومن هنا سأناقش هذه القضية:
ما هو الرأي والرأي الآخر؟ هل يدخل في ذلك أركان الإيمان والإسلام، ومسلّمات الدين والفضيلة، والحفاظ على الكرامة، والحفاظ على صيانة المرأة، والحفاظ على الأجيال والشباب؟ هل هذا مما فيه رأي ورأي آخر؟
كل أمة لها مسلمات وثوابت تدافع عنها وتبذل في سبيلها مهجتها ودماءها، ونحن يُستكثر علينا أن نثبت على ديننا، وليس فقط ندافع عنه، يُستكثر علينا أن نثبت على الدين الحق، ويقال: أنتم تحجرون وتقصون.
ما هي مسلمات الدين؟ هذه كلمة قد لا تكون مستعملة عند السلف، قد تكون اصطلاحية ولا مشاحة في الاصطلاح، وهذه كلمة وصفية ليست حدية، وليست هي الكلمة الشرعية، الكلمة الشرعية هي الإيمان والإسلام والسنة والحق والدين، لكن هذه العبارات أحياناً تستعمل على غير وجهها، فنريد أن نردها إلى الوجه الشرعي كمنهج السلف في الألفاظ المحتملة المجملة، فكلمة مسلّمات، ثوابت، أو مسلّمات الدين، وثوابت الدين من الكلمات المجملة، قد تُفسّر بأكثر من تفسير، فنحن نفسّرها بما يلي:
ثوابت الدين: أركانه، قطعياته، قواعده.
يعني: الأمور التي هي مبنى الدين، والأسس التي يقوم عليها الدين نسميها ثوابت ومسلّمات؛ لأنها ثوابت من مصدر الحق، هي كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأنها مسلّمات يقينية قطعية لا مجال للكلام فيها ولا الزيادة ولا النقص، وعلى هذا فإن مسلّمات الدين هي الدين كله، وثوابت الدين هي الدين كله، لكن الدين منه ما هو قواعد وأصول ونصوص قطعية فهذه ليست محل جدل، ومنه ما هو اجتهاديات فهذه في مفرداتها ليست من الثوابت، لكن في أصولها ومرجعيتها ومصادرها هي من الثوابت.
إذاً: الدين كله يرجع إلى الثوابت، والاجتهاديات لا بد أن تنطلق من الثوابت وإلا فليست معتبرة وليست من الاجتهاد، بل من الهوى والبدعة والضلال، والأحكام الفقهية الاجتهادية أصولها قواعدها منازعها مداخلها مصادرها ثوابت، لكن تطبيقاتها القول فيها من خلال إرجاعها إلى نص، أو من خلال فهمها من النص المحتمل هذا مما يجتهد فيه العلماء، وهذا من خصائص الدين في سعته وشموله وصلاحيته وكماله.
إذاً: الثوابت والمسلّمات التي أريد أن أتحدث عنها، وسأركّز فيها على الثوابت والمسلّمات التي أصبحت تستهدف الآن بالتشكيك فيها وبالطعن، وبالدخول على عقول ناشئتنا من البنين والبنات والنساء والمثقفين.. وغيرهم، الدخول على عقولهم من خلال هزّها والتشكيك فيها، ومن خلال أيضاً الطعن المباشر فيها، وهذا كله وجد، كان هناك كثير من الناس الذين يتكلمون عن ثوابت الدين ويستهزئون بها ويشككون فيها، كانوا قبل عقود قريبة من السنين يُعرفون بالنفاق الظاهر، ولهم أوصاف وأسماء، الآن بدأ يتكلم في هذا الموضوع أناس، في الحقيقة أعجب ولا ينقضي عجبي، ولا أستطيع أن أفسّر هويتهم، أناس من أبناء جلدتنا، تربوا في أحضان السنة ومدارسها، وتقلبوا في أحضان عائلات معروفة بالعلم والفقه في الدين ومن مراجع البلد، تربوا في محاضن العلم واليقين والدين والفضيلة، ثم نفاجأ وهذه نتيجة ما ذكرته لكم من الهجوم الإعلامي والفكري الشرس عبر الإنترنت والفضائيات.. وغيرها، هذا الهجوم الشرس أوجد فئات من أبناء جلدتنا يشكون في أغلى ما نملك، وأصبحوا يسبون آباءهم وأجدادهم، أصبحوا يأسفون على التاريخ النقي الأبيض الذي عشناه قبل سنين، ويعتبرونها غلطة، بل منهم من يعتبر تاريخ الإسلام منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا كله غلطات، هذا وجد وتكلّم فيها الآن وسائل الإعلام، ويدورون حول هذا ويجزّئون عليه ويفرّعون، اعتبروا الحجاب دخيلاً، واعتبروا صيانة المرأة دخيلاً على الأمة وتقاليد، واعتبروا احتضان الشباب في محاضن الخير نوعاً من الإرهاب، واعتبروا التديّن بحد ذاته خطراً على الأمة، ما الذي بقي لنا؟ لم يبق من مقومات العزة شيء، كل مقومات العزة الآن يستهدفونها تحت ذرائع الإصلاح، وتحت ذرائع الإشفاق على الأمة، وتحت ذرائع إخراج الأمة من وهدة ما يسمونها بالتأخر والرجعية إلى التقدم والتحضر، وكأن من أسس التحضّر الانسلاخ من الدين، وما علموا أن الأمر عكس ذلك.
هناك حقيقة كبرى يقينية قطعية نسيها كثير من طلاب العلم والدعاة فضلاً عن غيرهم، وصارت غائبة في هذه الظروف إلا النادر، مع أنها هي الفاصل في بيان وجه الحق وإقامة الحجة على هؤلاء على الإجمال، أما الدخول في التفصيل فهذا يحتاج إلى أدلة، أقصد أن حقيقة الأمة الإسلامية في كل بقاع الدنيا عامة، وفي بلاد مهبط الوحي خاصة، يستحيل أن يكون لها رقي ومدنية وحضارة على وجه تسعد بها وترقى وتعتز إلا بالإسلام والدين، وربما تخفى هذه الحقيقة بسبب غبش في التصور وفي النظر في واقع الأمم الأخرى، وهذا يقوله أصحاب نزعة العلمنة وبعض الجاهلين وبعض المغترين بالغرب رغم أنه قد انكشف وتعرى، ومع ذلك لا يزالون مغترين، وربما يشتبه عليهم أنه الآن الغرب كبلاد والدول الشرقية الأخرى التي أخذت بالأسباب المدنية ارتقت حضارياً ومدنياً، ووصلت إلى درجات الهيمنة والعزة، نقول: نعم، هذا صار حينما تخلف المسلمون عن رسالتهم، هذا أولاً.
ثانياً: أن الله عز وجل وعد الكفار وغير الكفار ممن يأخذ بأسباب الدنيا بأن يعتز بها، لكن العزة في المسلمين لا تدوم بل تكون وبالاً عليهم إذا خالفوا دينهم، أما بقية الأمم الكافرة إذا أخذت بأسباب الدنيا قد تزدهر عندها الدنيا، لكن ليس لها في الآخرة من نصيب، فلا نقيس الأمة الإسلامية على الأمم الأخرى؛ فالأمة المسلمة مهما أخذت بأسباب العز الدنيوي دون أن تأخذ بدينها على وجه سليم، فلن تعتز ولن تقوى ولن تنتصر، قد تحصل على عزة جزئية ونصرة جزئية مآلها أن تنقلب الحال عليها وتكون وبالاً وعقوبة، هذه حقيقة أرجو أن تكون هي بداية الكلام عن المسلّمات.
المسلمون اليوم وبعد اليوم وقبل اليوم وإلى قيام الساعة لن يكون لهم كيان دولي، ولن يكون لهم عزة ولا حضارة ولا مدنية تزدهر ويسعدون بها وتجتمع كلمتهم، وتكون لهم هيبة أمام العالم إلا بأن يرجعوا إلى دينهم، ويأخذون بأسباب الدنيا التي هي مطلوبة شرعاً ومن منطلق الدنيا لخدمة الدين أن تكون الدنيا بأكفّهم والدين في قلوبهم، ويسخّرون الدنيا لخدمة الدين وخدمة البشرية، ومن هنا تزدهر حضارتهم كما ازدهرت في السابق، أما أن نتصور مجرد تصور أن يكون للأمة عز ونصر وتمكين بدون أن ترجع للإسلام فهذا مستحيل، وإن وجد جزئياً فمآله إلى وبال، قد يوجد لأن ظروف التاريخ أحياناً يكون فيها خداع، ويكون فيها استدراج من الله عز وجل، ويكون فيها نوع من الجولات التي تنتهي في النهاية إلى ما وعد الله عز وجل به إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7].
من ذلك أولاً: أنه ليس في العقيدة أصل ليس له دليل، وما ليس له دليل فليس بعقيدة، ليس هناك في العقيدة إلا ثوابت تقوم على يقينيات الأدلة، فما كان دليله محتملاً أو ليس له دليل لا يدخل في العقيدة، وإن دخل عند أهل الأهواء والبدع لا يدخل عند أهل السنة، ومن هنا فأهل السنة والجماعة ليس في ثوابتهم وقطعياتهم وليس في أصول الدين عندهم، وليس في العقيدة أصل من الأصول ليس له دليل قطعي، أو قاعدة تستنج من دليل أو مجموعة أدلة، قد يشتبه الأمر على بعض الناس في وجود مسائل أدرجها علماء السنة في كتب العقيدة وليست يقينية، نقول: هذه جاءت بالتبع، هذه مسائل علمية لحقت بموضوع العقيدة من الناحية الموضوعية، لكن الثوابت ثوابت والأصول أصول، ليس عند أهل السنة ما ليس له دليل، ويستتبع ذلك مسلّمة أخرى، ليس عند أهل السنة ما يختلف عليه عندهم على الإطلاق، لا يوجد أصل من أصول العقيدة عند أهل السنة قديماً وحديثاً يختلفون عليه، أما أنه قد يزل عالم أو يجهل جاهل هذا ليس هو ميزان، نحن نتكلم عن المنهج ولا ننظر إلى أقوال الجاهلين ولا إلى زلات العلماء؛ لأنه لا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، نتكلم عن الجمهور والجملة لا يوجد أصل من أصول الدين إلا عليه دليل، لا يوجد أصل من أصول العقيدة إلا عليه دليل، ولا يوجد أصل من أصول العقيدة يختلف عليه السلف، ولن يختلفوا عليه إلى قيام الساعة، ولو اختلفوا اختل الدين وما وجد الناس مصدراً للحق، ثم يتبع ذلك أن الدين هو ما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، وسبق الكلام عن هذا.
عقيدة أهل السنة والجماعة توقيفية صادرة عن الأدلة، قطعية أدلتها صحيحة، المتفق عليها ويجمع عليها أهل السنة والجماعة، ومن هنا يتفرّع عن هذا تأصيل هو: أنه ليس في عقيدة أهل السنة والجماعة إضافات، وليس فيها ردود أفعال، وليست من صنع عالم أو علماء، وليست اجتهاد أو اتفاق مجموعة أو ثلة من الناس سموا أنفسهم: السلف وأهل السنة والجماعة أبداً، بل هي نهج الحق، نهج النبي صلى الله عليه وسلم، هي الكتاب والسنة، لا تنتمي إلى رجل ولا إلى إنسان ولا إلى طائفة أبداً، وتسميتها بالسنة والجماعة تسمية شرعية وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر الاختلاف قال: (فعليكم بسنتي) ثم قال: (وعليكم بالجماعة).
إذاً: السنة والجماعة مصطلح شرعي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا غبار عليه، ليس من صنع العلماء ولا من صنع الأحزاب ولا الفرق ولا المذاهب الأربعة ولا غيرها، وليس ردود أفعال، ولا من صنع الحكام، ولا عمالة للدول، كما يقول بعض المفتونين: إن خلفاء بني أمية وبني العباس جمّعوا حولهم شلّة من العلماء وسموا أنفسهم كلهم طائفة أهل السنة والجماعة، هذه سذاجة وغباء واستغفال، هل الحق هكذا يحصر بدولة وبشلل؟ نعوذ بالله من ذلك.
كذلك ليست العقيدة ردود أفعال؛ لأن كثيراً من شبابنا والمثقفين الذين دخلتهم الشبهات يتصورون أن بعض قضايا العقيدة كانت نتيجة ردود أفعال، ويستدلون على ذلك أن هناك أشياء أثبتها السلف من العقيدة وليست موجودة في عهد الصحابة، نقول: هذا جهل فهي موجودة، لكن التنويه عنها ما جاء مبرره، فمثلاً: في عهد الصحابة رضي الله عنهم هل كان هناك مبرر لتسمية طائفة من الناس أهل السنة والجماعة؟ لماذا لم يكن هناك مبرر؟ لأن الناس جمهورهم وجملتهم على السنة، وخلفاؤهم على السنة، وعلماؤهم على السنة، لكن حينما كثرت الأهواء والافتراق والبدع صار تمييز أهل الحق بالسنة والجماعة، بموجب وصية النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر ضروري، وهكذا بقية أصول الدين، فمثلاً: الكلام في قضية أن القرآن منزّل غير مخلوق، هذا تقتضيه النصوص، لكن التنويه عنه بهذا المصطلح لم يكن له مبرر حتى جاء أفراخ الفلاسفة وزعموا أن القرآن مخلوق، فلما زعموا ذلك فالأصول والثوابت موجودة من قبل عند أهل السنة، فأثبتوها عند الحاجة إليها، فهي موجودة ضمن النصوص القطعية؛ ولذلك الدليل على أن القرآن منزل غير مخلوق دليل قطعي من الكتاب والسنة، وليس هذا ردود أفعال.
وهكذا بقية مسائل الدين التي تكلم عنها السلف على مدار التاريخ، كلما جدد الناس بدعة ومحدثة جاء السلف من أصول الدين ما ينفي هذه البدعة ويثبت السنة، وقد يضطرون إلى استعمال مصطلحات حقيقية شرعية صحيحة بمناسبة هذا الطارئ.
كذلك مسألة كمال الدين، وهذا معروف ولا نتمارى فيه ولا نتجادل، لكن هناك أناس يحتالون على هذه القضية ويقولون: إن الكمال كمال إجمالي وليس كمالاً تفصيلياً، نقول: الدين ضوابط وفحوى، والدين روح، لكن تفصيلات الدين هذه يريد طائفة من المسلمين اليوم أنا نكتفي بمجملات الدين وبروح التدين، نكتفي بقواعد الإسلام العامة، والجزئيات نتركها ولو كانت فيها أدلة شرعية صحيحة، فتسمية قواطع الدين والأحكام جزئيات هذا غلط، ولذلك أرادوا أن يتخففوا من كل ما يخالف أهواءهم وبرامجهم للتطور وبرامجهم للتقدم.. وغيره، فكل ما يعارض أهواءهم في ذلك يردونه ولا يبالون بقطعية النصوص، مع أنه ليس في نصوص الشرع إطلاقاً ما يخالف التطور، بل جاءت النصوص الشرعية لمواكبة مستجدات ونوازل البشر إلى قيام الساعة واحتوائها وعلاجها، لكن هؤلاء يلبّسون، والإسلام ليس فقط يواكب التطور أو يجيزه، بل الإسلام ينبني على أن الحياة البشرية لا بد أن تطور، والتطور سنة الله في خلقه، لكن كلمة (تطور) سلاح ذو حدين:
أولاً: التطور الذي يعني الخروج عن عقيدة الإسلام، والخروج عن الفضيلة، والخروج إلى انتهاك حرمات الإسلام، وإلى انتهاك مقومات الأمة، فهذا ليس بتطور وإنما هذا تأخر.
ثانياً: التطور الذي يعني تطور المسائل ومستجدات الحياة في الأمور المباحة، وهذا دين الإسلام يستقبله ويرضاه، بل يأمر به ويحفّز عليه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) هل يمكن أن يكون الإتقان بدون استعمال المستجدات من وسائل الحياة؟ لا يمكن، الآن العمل المؤسسي كيف نتقنه؟ كيف نتقن وسائل الدعوة؟ كيف نتقن وسائل نشر الدين والتفقيه في دين الله؟ بالأعمال البدائية؟ أبداً، معنى هذا: أن الأمة لن تستفيد ولن ينتشر الخير فيها.
فإذاً: الإسلام يستوعب التطور بل يأمر به، لكن لنقف عند مفهوم التطور، ما هو التطور الممنوع وما هو التطور المشروع؟ ما هي الوسائل المباحة وغير المباحة؟ هذا أمر يُرجع فيه إلى قواعد الشرع وضوابطه.
الدين كامل، وكماله لا يعني كمال المجملات والتفاصيل، ولا بد أن نقول هذا، وإلا سيرجع الأمر إلى الارتداد عن الاعتقاد بكمال الدين، إذا استدرك أي إنسان على كمال الدين معناه: أنه لم يقتنع بكمال الدين ولم يؤمن، فالدين كامل وشامل لكل جزئيات الحياة في الفرد والأسرة والمجتمع والبشرية جميعاً في كل وقت، ومهما كان التطور فالإسلام يستوعبه، بل يواكبه ويسبقه، لكن تقصير المسلمين هو الواقع والحاصل، ولا يعتبر حجة على الإسلام.
كذلك الحفظ: أن الله تكفّل بحفظ الدين، ولذلك في الحقيقة مما يجب أن نتنبه له في هذا الوقت: الحذر من النظرة التشاؤمية السوداوية تجاه الأحداث والمدلهمات الآن، نعم الأمة تعيش مدلهمات وأحداثاً جساماً ربما لو قال قائل: ما مرت في تاريخ الأمة مثلها لكان صادقاً، لكن لا يعني هذا: أن الدين هلك، ولا يعني هذا: أن الأمة هلكت بعامتها، أبداً، بل هذا يخالف وعد الله اليقيني، الأمة لا تهلك بعامة، ستبقى منها طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم حتى تقوم الساعة، لكن من هم هذه الطائفة؟ هم من يقوم بالواجب، هم من يأخذ بأسباب العزة، هم من يعتصم بالله عز وجل، ولا يمكن أن نحصرهم في ظرف معين، ولا بد أن يكونوا موجودين، قد يجتمع أهل الحق، وقد يشعرون بشيء من الغربة، ولكنهم ظاهرين، لا بد أن يظهروا الظهور الذي يقيم الحجة به على الخلق.
إذاً: لا نخشى على الدين، ولكن نخشى على أنفسنا؛ لأننا قصّرنا، فعندما نخاف نخاف من ذنوبنا، نخاف من تقصيرنا، لا نخاف على الدين، يجب ألا نخاف على الدين، ولا نخاف على الأمة بمجموعها، بمعنى أنها تدمّر، وأنها تنتهك كلها وتهلك، فقد يصيبها أذى، لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى [آل عمران:111]، وقد يقع على طوائف منها من البلاء كما هو حاصل الآن، يقع عليها من البلاء ما هو عظيم وشديد، لكن الأمة بجملتها لا تهلك، ولا يمكن أيضاً أن تُنتهك، والدين باق ومنصور، لكن الذي أوصي به نفسي وإخواني جميعاً أن ننظر ما موقعنا مع الحق؟ ما موقعنا مع هذه الفئة والطائفة التي لا تزال على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم، ورأسهم العلماء دائماً؟ العلماء هم رأس الأمة، ولا يمكن أن تبقى طائفة ظاهرة منصورة بدون علماء، ولذلك هذه مسألة منهجية يحتاج إلى أن يؤكدها طلاب العلم والدعاة؛ لئلا يقع بعض شبابنا بسبب هذا التصور إلى التعدي إلى مسالك غير مسالك العلماء الكبار، فإنما العصمة بمجموعهم لا بمن خرج عن منهجهم، فمن خرج عن منهجهم فهو في سبيل الضلالة، مهما كان اجتهاده، ومهما كان صلاحه، فلنتنبه؛ لئلا يقع شبابنا ونساؤنا وبناتنا في غوائل الغلو أو غوائل التفريط، وفي كلها شر، الآن أجيال المسلمين يعيشون بين تيارين خطيرين إلا من عصم الله، وهم القلّة الذين بقوا على منهج العلماء ومنهج المشايخ، يعيشون بين تياري الانفلات: انفلات فكري، وانفلات أخلاقي، انفلات مع وسائل الإعلام مع وسائل الشر التي دخلت لا أقول في البيت، كنا قبل عشر سنين نقول: كل بيت، الآن دخلت كل جيب، كل واحد في جيبه شر مستطير، هذا الشر دخل العقول والقلوب والأخلاق، هذا الشر استهدف أغلى ما تملكه الأمة، لكن ومع ذلك لا نيئس، فالخير باق فلنلتمس طريق الخير ولنلتمس أهل الخير، وليحرص كل منا أن يعتصم بعصمة أهل الخير، وإلا فبوادر الغربة الآن ظاهرة، فليحرص كل منا أن يبقى على مسلّمات الدين وثوابته، وأن يبقى مع أهل الحق.
من مسلّمات الدين: أن المسلم يجب عليه أن يدخل في الدين كله، وهو معنى التسليم: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] ما معنى التسليم؟ الدخول في الدين، ما معنى الدخول في الدين؟ ليس معناه أن تقول: التقوى هاهنا، وإلا أنا متدين، وأنا أحب ربنا عز وجل، أحب الرسول صلى الله عليه وسلم.. هذه كلها دعاوى تحتاج إلى حقيقة، فلو أن إنساناً ادعى أنه يحب فلاناً من الناس أو صديقه، ويمسكه بيده فجأة ويصفعه باليد الأخرى، هذا محب؟ هذا يكذب، فالمخالفة لما يرضي الله عز وجل انتهاك لحرمات الله، والبعد عن مقتضيات الدين مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه كلها تخالف الدخول في الدين، والدخول في الدين هو التسليم بأن الدين حق وصدق ويقين، وأن الدين هو دين الله، وأن المقصود بالدين محبة الله وتعظيمه وخشيته ورجاؤه ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، ولن تتحقق محبة الله إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل لرسوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].
هذه هي حقيقة الدخول في الدين كله، بمعنى أن تسلّم للدين، وأنه حق وكامل ومحفوظ، وأنه طريق السعادة والنجاة، وأن الدين هو طريق العزة والنصر والتمكين، ثم بعد ذلك تستقبل الدين بالقبول، وأما الدعوى فكل مسلم الآن يدّعي أنه مع الدين، لكن أين تطبيق الإسلام في حياة المسلمين؟ نسأل الله أن يعفو عنا جميعاً، تطبيق الإسلام ضعيف جداً، وهذا أعظم سبب للذل، وهذا مما أوجد الفرقة بين الأمة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه.
فإذاً: لا بد من الثوابت التي يجب أن يعيها كل مسلم، ولا بد أن يدخل في الدين كله، ويستقبل الدين استقبال رضا وتسليم واستعداداً لقبول ما يرد عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بحسب الاستطاعة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
أيضاً يجب تثبيت ثوابت الحق ومسلماته في قلوب الأجيال، وهنا أخص طوائف معينة من أبناء مجتمعنا بالمسئولية، وأول ذلك وربما تستغربون: المرأة، أول مسئول عن تثبيت ثوابت الحق ومسلماته في قلوب الأجيال اليوم هي المرأة، فالمرأة بحكم أنها الحاضنة الأولى للأطفال، وإن كانت الحضانة الآن أُسندت إلى من لا تبرأ الذمة بهم، لكن إلى الله المشتكى، ولا يعني ذلك الإعفاء من المسئولية، فالأم مسئولة منذ أن تحضن الطفل، والطفل إذا رضع من امرأة صالحة رضعة لبن صحيح، واحتضنته في حضنها امرأة صالحة وهو طفل لا يعقل تنبني معه مقومات الفطرة.
وسأذكر لكم كلاماً ربما يكون غريباً ومضحكاً، وأعتبره مشاهدة لي أو استقراء ناقص وابحثوا عنه، ربما يكون حقيقة، أنا أرى أن الذين يشبون من أبناء الأمة على ألبان أمهاتهم يكونون أقرب إلى المنهج السوي في التعامل والأخلاق وفي قبول الحق من الذين يرضعون من بقر هولندا والدنمارك، هذه حكاية مؤلمة وربما أجرح فيها الكثيرين، لكن أنا أشعر بهذا الشعور، وأحيل الأمر على المختصين من الأطباء وعلماء النفس، بل أتمنى لو أن أحداً منكم يجري دراسة ميدانية نحتاج إليها بالأرقام والإحصائية.
أعود وأقول: يجب أن تتولى الأم مسئوليتها في رعاية الابن في صحته وعقله وبدنه ودينه، ثم يأتي دور الأب، والأم مهما كانت مشاغلها يجب ألا تتذرع بالمشاغل والوظائف عن الوظيفة الأساسية، أنا أقول: لا مانع أن تقوم المرأة بواجبات تجاه التعليم وغيره، ووظائف المرأة الضرورية في مجتمعنا لا بد أن تسده النساء، لكن بقدر، وإذا تزاحمت الواجبات يجب أن نعطي الواجب الأول حقه.
ولذلك كنت أتمنى لو أنا نطرح طروحات فيما يتعلق بوظيفة المرأة في عصرنا هذا في بلدنا، تعالج هذه المشكلة من خلال التدريس والتعليم، كنت أتمنى لو أن المعلمة تعطى جزءاً من وقت وظيفتها لبيتها، بحيث لا تغيب عن البيت كل الدوام، ويكون ذلك بأن تتناوب النساء الدوام الرسمي المنهك الطويل الذي يصل إلى ثمان ساعات فأكثر، حتى يكون جزءاً من مهامها القيام بواجباتها الأسرية في رعاية أبنائها إن كان لها أبناء، في رعاية زوجها إن كان لها زوج، وإن كانت غير متزوجة كذلك تتهيأ لمتطلبات الحياة الأسرية.
فإذاً: هذه أمور يرجع أصلها إلى الثوابت، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ثم قال: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها).
إذاً: هذه مسلمات أخللنا بها الآن تحت ذرائع كثيرة، ثم يأتي كما قلت مسئولية الأب.
كذلك مسئولية المعلمين، سواء كانوا في التعليم الأولي في الابتدائي في المتوسط في الثانوي في الجامعي، فعلى المعلم تجاه الدين أولاً، وتجاه أبنائنا وتجاه المجتمع واجب أساسي في رعاية الشباب، ليس فقط في العملية التعليمية والارتقاء بمستويات الشباب من الناحية العلمية فقط، بل أيضاً الرعاية الأخلاقية الرعاية الإيمانية التي تثبت الثوابت والمسلمات في قلوب الأجيال، وليس على معلم الدين فقط، وكوننا نحصر تربية الشباب التربية الدينية الشرعية على معلم الدين هذا خطأ، معلم الدين يعلم مفردات الدين، لكن أنت أيها المعلم الآخر أسهم في تعليم الشباب مناهج الدين وسلوكياته، وكن قدوة.
وهذا التقسيم للمسئولية في تربية الأجيال تقسيم ظالم وغاشم، أنت معلم الرياضيات، وهذا معلم الجغرافيا، وهذا معلم التاريخ، وهذا معلم الحاسب، وهذا معلم اللغة، عليك أيها المعلم واجب أساسي، كن قدوة في نفسك، يجب أن يكون الطالب كابنك ترعاه في مدرسته وترعاه في بيته مع التنسيق مع البيت، فترعاه في وقته الضائع الآخر.
قد يقول كثير من المعلمين: لا يتسع وقتنا لهذا، نحن مشغولون بالواجبات، أقول: ليس هذا صحيحاً، فإذا أخذت الأمر ببرنامج علمي مدروس يراعي الأوليات ويستغل الأوقات على وجه صحيح، فإن في الوقت بركة، وما أكثر الأوقات التي تضيع هدراً في المدرسة وخارج المدرسة، ثم بعد ذلك مسئولية الإعلام وما أدراك ما الإعلام، الإعلام في الحقيقة أمر محيّر، هو نفسه بحاجة إلى الإصلاح، فكيف يُصلح؟ يجب على أهل الإصلاح أن يستغلوا الإعلام للإصلاح، فهو سلاح ذو حدين.
من الأمور التي يجب التنويه عليها في مثل هذا المقام: أن أركان الدين مثل: أركان الإيمان وأركان الإسلام يتفرّع عنها ثوابت ومسلمات لا تصح الأركان إلا بها، يعني: لا يكفي من المسلم أن يؤمن بأركان الإيمان وأركان الإسلام فحسب، بل لها شروط ولها واجبات ولها فروع لا تصح هذه الأركان إلا بها، والإيمان المجرد بهذه الأركان لا يكفي، خذوا مثلاً: أركان الإيمان، لو أن إنساناً مثلاً قال: أؤمن بالله، وببقية أركان الإيمان الستة، ثم يذهب ويدعو غير الله، هل يصح إيمانه بالله؟ لا، الإيمان ليس مجرد التصديق، فكل البشرية تقول: نؤمن بالله، الأمم الشركية الآن كلها تقول: نؤمن بالله، والواحد قد يبذل مهجته من أجل ألا ينتهك إيمانه بالله، لكن على أي وجه؟ ثم هو يشرك، فهذا انتقض إيمانه، الإيمان بالله له معنى شرعي وليس مجرد دعوى.
كذلك الإيمان بالرسل ومن ضمنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو أن شخصاً يقول: أنا أؤمن بالأركان الستة ثم يذهب ويقول: عيسى عليه السلام ليس بنبي ولا رسول، إنما هو داعية مصلح، كما حصل من بعض المفكرين المعاصرين، وأذكر أن شخصاً ناقشناه هنا في المملكة من الوافدين، وكان مصراً على أنه لا يؤمن بأن عيسى نبي ولا رسول، قلنا: وما ورد في القرآن؟ قال: هذا وصف لغوي للرسالة، أي: أنه مبعوث لا لأنه رسول حقيقي، ونبي يعني: أنه أنبئ بالغيب لا لأنه نبي حقيقي، هل هذا صح إيمانه بالرسل؟ لم يصح إيمانه بالرسل انتقض، هكذا بقية إيمانه بالدين.
إذاً: كل ما ثبت من القواعد والضوابط الضرورية في الدين فهو من أركان الدين وقطعياته، ولو لم يدخل في مسمى الأركان الستة، بل هناك أمور يسميها الناس: عملية، ويظنون أنها من الأمور الهامشية في الدين، وهي محك الاختبار في الدين، يعني: ادعاء أركان الإيمان الستة وأركان الإسلام الخمسة ربما غالب المسلمين يقومون بها، لكن تأتي أصول أخرى هي من ثوابت الدين، أكثر الناس يستهين بها، وهذا سببه الإخلال بمعنى كمال الدين، والإخلال بمعنى شمولية الدين، والإخلال بمعنى أن الدين يشمل جميع متطلبات الحياة، ويشمل جميع الثوابت في الأحكام والعقائد.
هناك من الأمور العملية للإسلام هي من ثوابت الدين غير أركان الإسلام الخمسة، مثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا من ثوابت الدين ومن خصائص الأمة: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110]، ثم أيضاً أوجبه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره) الأمر أمر وجوب، ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاء في نصوص قطعية كثيرة، ثم يأتي بعض المتحذلقين والمفتونين بدعوى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا مسلك شخصي لبعض المتدينين الذين عندهم نزعة حادة ضد الآخر، والذين لا يقبلون الرأي الآخر، وأثروا على كثير من الشباب المتدينين، هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رأي ورأي آخر؟ هذا مسلك طائفة تريد أن تفرض كما يشاع الآن في وسائل كثيرة الآن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبارة عن قناعات أشخاص بتقاليد وآراء شخصية متزمتة، يريدون أن يفرضوها على الآخرين، هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندهم، ويتذرعون بممارسات بعض الذين يقعون في خطأ مقصود وغير مقصود، فهل هذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ لا، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبدأ شرعي، بل هذا الذي يفسّر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذا التفسير الخاطئ هو نفسه يجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ليست وظيفة طائفة، نعم، في مجال الحسبة التي تتعلق بالدولة لا شك أن هذا واجب تقوم به الدولة من خلال جهاز كما هو موجود في هذه الدولة المباركة، والحمد لله أن يوجد جهاز اسمه جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتولى واجبات ولي الأمر تجاه هذا الأمر، لكن على الأفراد أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل بقدر استطاعته بالحكمة وبشروطه، هذا لا يُعفى منه أحد.
إذاً: من ثوابت الدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن خصائص هذه الأمة، ومن أسباب دفع البلاء عن الأمة، أنا أعتقد جازماً أن من أسباب دفع كثير من البلايا التي أحاطت بهذا البلد المبارك من خلال التاريخ الذي عشناه، كثير من البلايا التي دفع الله عنا، كان من أسباب دفعها العمل بشرع الله في القضاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو ضمانة بإذن الله في دفع البلاء عن الأمة، لو وجدت طائفة تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو كانت ضعيفة ولو كانت قليلة الإمكانات، ولو كانت فيها ما فيها من القصور، إلا أنه بمجرد وجود هذا المبدأ الشرعي العظيم فهو خير عظيم لو قارناه بعدمه.
أيضاً من الثوابت: الجهاد، الآن حينما وجدت بعض الممارسات الخاطئة ووجد بعض اللبس في أفكار بعض الشباب الذين سلكوا مسالك الغلو، أو استباحوا الدماء المحرم باسم الجهاد، أو أغلاط وقع فيها بشر، جرأ هذا الكثيرين من المنافقين والمرتابين والمشككين بأن يشككوا بمبدأ الجهاد أصلاً، فيقولون: هذه مرحلة مضت، وأنه كيف يسوغ الجهاد في هذا العصر أمام عالم فيه منظمات وفيه وفيه..؟ وهؤلاء بعضهم يسوّغ عدوان الدول الظالمة على بلاد المسلمين، يحجر على المسلمين الجهاد ويسوّغ ويبرر دخول المحتلين الخلّص في بلاد المسلمين.
نقول: الجهاد له شروطه وله فقهه وله مواصفاته، نعم يوجد من استعمل الجهاد على غير وجهه، وهذا مما يؤسف له، لكن لا بد من المناصحة والصراحة بشفافية، نعم يوجد من بعض شبابنا من يستعمل الجهاد على غير وجهه، ووقع في غوائل التكفير والتفجير واستحلال دماء رجال الأمن، هذا كله خطأ ومخالف لمنهج الإسلام، لكن هل هذا هو حقيقة الجهاد؟ هل يصب الجهاد في مسالك الغلو؟ لا، الجهاد مبدأ موجود، واستعداد الدول الإسلامية بجيوشها أليس مظهراً من مظاهر الجهاد؟ بلى، بغض النظر عن المقاصد، كون الأمة الإسلامية يوجد في بلادها جيوش تدافع عنها وتدافع عن أعراض المسلمين وعن أموالهم وعن حقوقهم، هذا ضرب من ضروب الجهاد، فلماذا يغالط هؤلاء؟ يريدون أن نسميها قوة عسكرية أم نسميها جهاداً؟ القوة العسكرية والجيوش هي وسيلة الجهاد.
إذاً: الجهاد مبدأ شرعي قائم، ولا بد أن يقوم إلى قيام الساعة، ومتى تخلّت الأمة عن الجهاد ذلّت وخُذلت بواقع النصوص القطعية.
وجميع الأمم تعتقد هذا الاعتقاد، فجميع الأمم الآن تعبئ الأسلحة وتحتاط؛ لئلا تنتهك في أديانها وأراضيها وحقوقها ودمائها ومصالحها الاقتصادية.. إلى آخره، يمكن أن يوصف فعلهم هذا مثل الجهاد عندنا، لكن هذا جهاد في سبيل الله، وهذا جهاد في سبيل الشيطان، في سبيل الضلالة والغواية.
إذاً: الجهاد مبدأ وأصل شرعي، وهو ذروة سنام الإسلام ويجب على المسلمين أن يعدوا القوة: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [الأنفال:60] يجب على المسلمين جميعاً بأفرادهم ودولهم وعلمائهم ودعاتهم أن يسعوا إلى القوة، لكن بالطرق الشرعية، ولينهجوا النهج السليم؛ لأن التوثب إلى تحقيق الجهاد بدون تطبيق الشروط، وبدون ضوابط وثوابت، وبدون رجوع إلى أولي الأمر، وهم العلماء ومن ولاهم الله أمر المسلمين، وبدون رجوع إلى رايات رشيدة، هذا عين الفتنة التي أحرجت المسلمين، والتي جعلت المنافقين يشككون في مبدأ الجهاد.
ويجب على طلاب العلم أن يصححوا مثل هذه المفاهيم والأخطاء في الأمة، ويجب أن يرشدوا من وقع في الغلو واستعمل الجهاد على غير وجهه، واستباح المحرمات والدماء البريئة باسم الجهاد، ويجب أيضاً أن ينصحوا أولئك الذين يثبّطون عن الجهاد ويشككون في مشروعيته، أو ملغى مرحلياً، بل يجب الاستعداد له.
فإذاً: أرجو من طلاب العلم -وكلكم كذلك- أن يؤكدوا على هذا الموضوع؛ لأنه موضوع شائك وحساس، وفتن فيه طوائف من أبناء الأمة بجميع أصنافهم.
في خضم هذه الموجة من التشكيك وهز المسلمات في عقول أجيالنا وأبنائنا وبناتنا الرجال والنساء وغيرهم، من الأمور التي هي بدهية، لكن التأكيد عليها الآن أصبح ضرورة: أن هذه الأمة لا يمكن أن تجتمع وتتوحد وتقوى إلا بالاجتماع على السنة.
هذه حقيقة، وحقيقة أخرى: أن الدين مبناه على تحقيق العبادة لله، ولذلك أنا آسف على الذين ينقدون الدعاة الذين يهتمون بالتوحيد، وإن كان بعض الذين يدعون إلى التوحيد عندهم شيء من الممارسات الخاطئة، لكن يجب ألا نخطئ الأصل، وإنما نخطئ الممارسات الخاطئة، فأنا لاحظت بعض الجماعات مشكورة في بعض البلاد الإسلامية الأخرى، مثل: جماعة أنصار السنة، ومثل: بعض الجماعات السلفية التي هي على نهج سليم، ليس كل من ادعى السلفية على نهج سليم في هذا الوقت، وأرجو تنبيه الشباب لذلك وغيرهم ممن يدعون إلى السنة، ربما ينقدهم بعض الدعاة الآخرين الذين لا يخرجون عن النهج أنهم دائماً ديدنهم الكلام في التوحيد، نقول: هذا ليس عيباً، وهذا هو الأصل، بل يا من تنقدهم يجب أن يكون ديدنك الكلام في التوحيد، لكن أيضاً يجب أن يكون المنهج متكاملاً، بمعنى أن تبين التوحيد وتبيّن لوازمه، وتنهى عن الشرك وتبيّن مخاطره، وأن ترسم منهجاً واضحاً يبين أن دعوتك للتوحيد لا تعني إهمال جوانب الدنيا والدين؛ بل لأنك تعتقد أن الأمة إذا اعتصمت بالتوحيد سخّر الله لها الدنيا، وإذا انتهت عن الشرك وابتعدت عنه فإن الله يعصمها وينصرها.
ومن لوازم الدعوة إلى التوحيد ونفي الشرك تفقيه الناس في دينهم، وجمع الكلمة، والنهوض بالأمة في واقعها المادي، وإقامة الأعمال المؤسسية الخيرية والمادية، ودخول أهل التوحيد في جميع مجالات الحياة؛ لتقوم الأمة على نهضة التوحيد ونفي الشرك، نهضة دنيوية ودينية، نهضة مادية وإيمانية في وقت واحد.
كذلك يجب على دعاة التوحيد ألا يحصروا دعوتهم على إطار ضيّق معيّن بجملتهم، أما أن تكون هناك تخصصات عند الأفراد، أي: أن كل فرد أو كل مجموعة صغيرة تقتنع بشيء وهو من وجوه الحق، وترى أنها لا تجيد غيره هذه لا نحجرها، فنحن نتكلم عن المناهج العامة في الدعوات الكبرى التي تنظم ملايين المسلمين، هذه هي التي يجب أن يكون منهجها منهج رشد يقوم على التوحيد ونفي الشرك والبدعة، وجمع كلمة المسلمين على السنة والجماعة، والاهتمام بالعمل المؤسسي، والدخول في مصالح المسلمين المادية الأخرى؛ لسد باب الفتنة عنهم.
أحسب أيضاً أن من الأمور التي يجب التنبيه عليها في مثل هذا المقام: أن الأمة لا يمكن أن تصلح إلا بالمرجعية، وهذا بدهي، لا أقصد بالمرجعية مصادر الدين، فهذا أمر معلوم بالكتاب والسنة، لكن أقصد المرجعية في القدوة، وهذه مسألة اختلت كثيراً عند شباب الأمة وأفرادها، بل عند الجميع، لا أقول: عدمت، لكن اختلت بشكل مزعج، وهي الاستهانة بالمرجعية بالعلماء بمن لهم حق الطاعة، حتى لو لم يكونوا علماء، فجماعة المسلمين ينظمها في جمع الكلمة مساران:
المسار الأول: الخط الشرعي الذي هو الالتفاف حول العلماء، فعلى جميع أفراد الأمة وفي مقدمتهم طلاب العلم أن تجتمع كلمتهم على علمائهم، وأن يلتفوا حولهم، وأن يصدروا عن آرائهم، وأن يتركوا كل وسيلة أو دعوى تحول بينهم وبين العلماء من حزبية أو جماعات أو توجهات أو تيارات.. أو غير ذلك، فأي توجه يحول بين العلماء وبين طلاب العلم فإنما هو من الكوارث التي تقع على الأمة، فيجب أن تجتمع القلوب والمناهج والكلمة على العلماء، وأن يصدر الجميع عن توجيه العلماء، ولا يجوز لأحد أن يتذرّع بأي ذريعة من الذرائع بدعوى أن العلماء لا يدركون الواقع، وهذه الحالقة، نعم العلماء لا يحيطون بكل شيء، لكن هم المرجع العام وهم الصمام، وهذا المتحذلق الذي يقول: لا يدركون الواقع، قم بخدمتهم، فالعلماء يجب أن تخدمهم التخصصات وتصدر عنهم، جميع التخصصات الدعوية والعلمية والبحثية يجب أن تخدم العلماء، وتقدم لهم المعلومة التي يسترشدون بها للحكم والفتوى، لكن بعض الناس يريد من العالم أن يكون طبيباً، وأن يكون مهندساً، وأن يكون متخصصاً بالكمبيوتر، وأن يكون عالماً بالذرة، هذا تحصيل معجز.
فإذاً: العالم هو المرجع للجميع، للدعاة وطلاب العلم، وأهل الخير والحسبة، والمؤسسات الخيرية، هذا مسار.
المسار الثاني: المرجعية الشرعية والاجتماعية المعتبرة شرعاً أو المعتبرة عرفاً، وكل هذا له وزنه في الشرع، فالمعتبرة شرعاً: السمع والطاعة لولي الأمر سواء كان براً أو فاجراً، تكون طاعته بالمعروف من غير معصية الله؛ لأن جمع الكلمة على الوالي والدعاء له واجب، كذلك البيعة واجبة في أعناق الجميع في أي بلد شرعي أقامت فيه بيعة شرعية مثل هذه البلاد، فهي واجبة على أعناق الجميع، حتى لا نقع فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
ونحمد الله عز وجل أن في بلدنا بيعة، هذه نعمة تحقق فيها مطلب شرعي عظيم، فقده كثير من المسلمين.
ثم أيضاً النصح لهذا الوالي والدعاء له، بعض الناس مجرد ما يرى خطأ كبيراً أو صغيراً يشحن نفسه بالحقد، ويبدأ يدعو على الوالي، وربما يشحن الآخرين ويحدث فتنة، وما يعلم أن هذا مصادم للشرع أصلاً، مصادم لمبدأ كوننا نؤمن بالسنة والجماعة، ومبدأ السنة والجماعة النصح، وهذا ليس منهج علماء كما يقول البعض، لا، بل هو منهج شرعي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، وما أكثر الأحاديث في هذا، وهذه الأحاديث تنطبق على عصرنا، هناك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم توصي بالسمع والطاعة بالمعروف، والصبر على المظالم، والصبر على كل ما يصدر عن ولي الأمر، والدعاء له، والجهاد معه، والجمعة معه، والصلاة خلفه.. إلى غير ذلك من الأحكام القطعية المتواترة.
هذه الأحاديث هل المقصود بها الخلفاء الراشدين؟ لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على الظالم، هل معنى أن الخلفاء الراشدين يظلمون؟ لا، لكن معناه أنه سيأتي من يظلمون، بعض الناس لا أدري كيف ينتكس ويرى أن السمع والطاعة لا تكون إلا لخليفة راشد؟ الخليفة الراشد ما يحتاج منك شيئاً، إن سمعت وأطعت وإلا فالأمة ستقف أمامك كلها، لكن في مثل هذه الأمور التي فيها ملابسات، وكان من تقدير الله سبحانه وتعالى أن يحكم الأمة البر والفاجر على مدار التاريخ، تُحكم بالخلافة والملك، كل هذا واقع، والله عز وجل يؤتي ملكه من يشاء.
فإذاً: المسار الثاني: طاعة ولي الأمر، وولي الأمر ابتداء من الملك ومن دونه إلى أدنى مسئول من مدير المدرسة، والمعلم، والمسئولة في مكتبها، والرجل في وظيفته.. كل هذا ولي أمر.
إذاً: يجب أن يطاع ولي الأمر صغيراً كان أو كبيراً، مهما كانت درجته في الوظيفة يطاع بالمعروف، ومن هنا تستقيم أمور الأمة وتعتز وتقوى، وتجتمع القلوب، وإلا تقع مثل ما يحدث في بعض البلاد الأخرى التنافر الذي ينتهي بالتقاتل واختلال الأمن.
من الثوابت في إطاعة ولي الأمر: ضرورة الدعاء لهم، وجمع الكلمة عليهم، وإن كان عنده أخطاء؛ لأنه لا يمكن أن يحفظ دين الأمة ولا أموالها ولا أعراضها إلا بذلك، ولأنه بالتشاحن مع ولي الأمر يختل الأمن، وإذا اختل الأمن ما بقي لك لا دين ولا دنيا، حتى الدين يتضرر، وهذا موجود عبر التاريخ، والآن في واقع المسلمين وفي التاريخ الماضي، ما من وقت حيل بين الناس وبين الصبر على ولي الأمر إلا وتحدث فتنة وكارثة لا ينتصر فيها الدين، ويزداد الشر الذي يريد الناس أن يخرجوا منه، فمثلاً الذين خرجوا على عثمان ألا يدّعون أنهم محتسبون؟ ماذا حصل؟ الذين خرجوا على علي وقاتلوه، الذين خرجوا في الحرة وهم من أصلح الناس من أبناء الصحابة، الذين خرجوا مع ابن الأشعث ضد الحجاج ، والذين خرجوا من آل البيت تستفزهم طوائفهم ضد الولاة ولا انتصر منهم ولا واحد، وهم أربعون، لماذا؟ لأنهم خرجوا عن وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصبر، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم تفاصيل عجيبة، من ذلك أنه إذا أتى حاكم ينازع آخر قال: (فاقتلوا الآخر منهما كائناً من كان).
هذا فقه صعب على بعض الناس، لكن لا بد منه على العين والرأس؛ فهو كلام النبي صلى الله عليه وسلم: (كائناً من كان) يعني: مهما كان الخارج من الصلاح والاستقامة والعدل ما دام خرج على ولي له بيعة استتب له الأمر، ومهما كان هذا الوالي ظالما وغاشماً فالخارج عليه يجب قتاله، لا يكتفى فقط بالإنكار عليه، بل يجب قتاله، ولا فقط إنكار كلمة يجب قتاله، أليس لهذا التوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة؟ ألسنا في هذا الوقت أحوج ما نكون إلى هذه الحكمة؟ بلى والله، لكن أحياناً العقول تطيش أمام الشحن غير المرشد، وإذا طاشت العقول بغير روية وبغير رجوع إلى المرجعية الأولى من العلماء، ثم المرجعية الثانية ولاة الأمر، صارت الكوارث على الأمة.
الأمور العرفية التي تكاد تكون كلها أمور شرعية، الأمور العرفية معتبرة ما دامت لا تعارض الشرع، فهناك أناس تنظمهم أعراف تضبط أحوالهم، وتضمن حقوقهم وتثبت الأمن في قلوب الجميع، وهي مثل الرجوع إلى شيوخ العشائر، والرجوع إلى كبير الأسرة، أن تكون الأسرة فيها رجل كبير ولو كان عامياً ما دام له قدرة يجب أن تجتمع عليه الأسرة، ويتأدب عنده الجميع، وتعلم الأجيال المرجعية المرعية للمسجد، للبيت مرجعية، للشارع مرجعية، للقبيلة مرجعية، للأسرة مرجعية معتبرة، شيخ القبيلة يجب اعتباره واحترامه ولو كان عنده فسق وفجور، الإنسان الذي له قدرة، صاحب الرأي والمشورة، الذي يكون من أهل الحل والعقد بحكم الواقع لا بد من اعتباره، ولا يعني ذلك كما يظن البعض مداهنة في الدين، لا، هذه أمور معتبرة في الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم اعتبر المؤلفة قلوبهم في الدين وأكثرهم أقرب إلى النفاق، لماذا في وقت عز الإسلام يعطيهم مائة من الإبل، ويعطي فقراء المهاجرين والأنصار واحدة؟ هذا هو الفقه؛ لأنهم يطيعهم الآلاف، ولذلك حينما مات النبي صلى الله عليه وسلم ترك كثير من الناس الدين بالجملة؛ لأن شيوخهم أعلنوا راية التمرد على الدين، هل الردة هي من أفراد الأمة؟ لا، بل من الشيوخ والرءوس أصحاب الجاه والمناصب الذين كانوا مغموزين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤلفهم، وحينما مات ارتدوا، انتهى الطمع.
أنا أقصد بهذا أنه إذا كان هؤلاء وهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في عهد عز الإسلام، فلماذا لا نعود أنفسنا مراعاة من له شيء من الحقوق والاعتبار بقدر، ولا أقول: ننفلت ونلغي قواعد الشرع، ونجعل هذا أفضل من العالم، ومرجعية في الدين، لا، ما نجعله مرجعية في الدين، لكن نراعي الأمور المعتبرة في العرف التي تجمع شمل الأسر وتجمع شمل الناس.
يستتبع هذا أمور بدأت تختل عند كثير من شبابنا وهي من مسلّمات الدين، البعض يظنها من العوائد التي ليس لها لزوم الآن: إكرام الضيف. أذكر لكم نكتة: سمعت قصة عجيبة، لكنها تحكي واقع بعض أجيالنا الذين ما رباهم آباؤهم على حقوق الضيف؛ لأنها ليست مجرد عادة أو موروثة، بل هي مبدأ شرعي: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) هناك شاب طرق عليه الباب أحد أصدقاء أبيه يريد الأب، ففتح هذا الشاب الباب، فقال الزائر: أين أبوك؟ قال: ذهب وسيعود بعد قليل، فاذهب ثم ارجع. نقول: كان من المفترض أن يقول له: تفضّل ولو مجاملة، لكن قال: اذهب ثم ارجع حتى يرجع أبي.
أنا أكتفي بهذه النكتة عن الحديث عن هذه المسلمة، فينبغي بل يجب على المربين والدعاة أن يعقدوا دورات في الآداب؛ لأن الشباب قل عندهم القدوة وقل عندهم المربي؛ لا لأن الآباء لا يكرمون الضيف وليس عندهم أخلاق، لكن الآباء والأمهات انشغلوا، فمن يجلس لتربية الأبناء؟ ثم في أغلب الأسر الوقت الذي يكون فيه الأب والأم نائمين يكون الأبناء متيقظين والعكس كذلك، متى يلتقون؟ غالباً الأكل على الطاولة من جاء أكل، مثل: طريقة الفرنج، تجد أحدهم يفطر الساعة السابعة صباحاً والآخر يفطر بعد الظهر، متى يجتمعون ليتلقوا الآداب؟
إذاً: عندنا خلل، هذا الخلل من يتحمله؟ نحن نتحمله، لماذا كل شيء نسنده على الأسباب الخارجية؟ هناك أشياء نحن نتحملها، لماذا الأب يضيع وقته غالباً في الاستراحات وغيرها؟ لماذا الأم تنشغل في كثير من أحوالها بالفضول؟ مع احترامي للنساء الداعيات الخيرات، لكن أنا أتكلم عن عموم المجتمع فقد ابتلي بهذه البلاوي، من يعيد الأجيال إلى العادات والتقاليد الطيبة التي هي جزء من الدين؟ علينا أن نعيد الأجيال إلى الآداب التي تجمع كلمة الناس، وتحمي المجتمع من غوائل الشتات والفرقة.. التي غرسناها بأيدينا، إضافة إلى ما يأتي من العدو من هذا الهجوم الشرس الذي تضخ به وسائل الإعلام وغيرها على قلوب أجيالنا وعقولهم ونسائنا وبناتنا، هذا الضخ الذي أصبح الآن بيد كل واحد، كل واحد الآن يستطيع أن يتصل بكل مصدر للشر والكفر والرذيلة بسهولة، بضغطة زر باليد، كان سابقاً عبر وسائل الشبكة وكان الناس يتفادون هذا، أما الآن فقد صار في الجوالات التي في الجيوب، يستطيع أي إنسان أن يطّلع على كل شيء، أنا أقول: وقع الكبار في غوائل هذا الشر المستطيل، فكيف بالشباب؟ الله يحميهم، لكن يجب أن نسعى إلى غرس هذه الثوابت ليس فقط بالتعليم النظري، بل بأن نكون قدوات، وأن نسعى سعياً حثيثاً وأن نبادر إلى استحداث وسائل التربية، واستحداث وسائل الحماية، واستغلال المؤسسات والمحاضن التربوية الرسمية وغير الرسمية استغلالاً رشيداً يحمي هذه الثوابت، ويعيد الأمة إلى مصدر عزها، وهذا ليس بصعب، بل إننا نملك من الوسائل على هذا ما تقوم به علينا الحجة، لكن الوهن فينا نحن.
نسأل الله أن يعفو عنا جميعاً، ونسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السؤال: ما موقفنا من هذه الفتن والأمور المستحدثة، مع الدعاء لشباب ونساء المسلمين؟
الجواب: نعم، الدعاء للشباب والنساء واجب، فيجب أن ندعو لهم بالتوفيق والسداد، وأن الله يحميهم، أما الموقف فقد ذكرت شيئاً منه، في الحقيقة الموقف: هو الاعتصام بأسباب الاعتصام التي ذكرها الله وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم: الاعتصام بالسنة، والسنة تتمثل برموزها العلماء وطلاب العلم، والاعتصام بالثوابت الشرعية التي ذكرتها، هذه أمور كلها ممكنة التطبيق من الجميع، وكل ما ذكرته ليس من الأمور التي تخص أحداً دون أحد إلا القليل منها، فلنستشهد بمثل هذه التوجيهات الشرعية العظيمة، ولنحرص جادين على التشبث بأسباب الحماية.
السؤال: قلت: لا يوجد أصل من أصول العقيدة مختلف عليه عند أهل السنة، فما رأيك في تعريف الإيمان عند الحنفية، ورؤيا الله ورؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: هذا قول المرجئة وليس قول أهل السنة والجماعة، وأما رؤية الله فليس فيها خلاف، الرؤية التي نعني بها رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأبصارهم نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم، هذه قطعية، رؤية الناس لربهم في المحشر هذه قطعية، يأتي الخلاف في أمور تتعلق بالرؤية من حيث الموضوع العلمي لا من حيث القطعيات، فنحن نقطع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المعراج، لكن ليس عندنا يقين هل رأى ربه بفؤاده أو بعين رأسه؛ لأن المسألة خلافية.
إذاً: الخلاف ليس في أصل الموضوع، ولكن الخلاف في مسألة علمية فرعية لم تتضح فيها الأدلة، كذلك بقية الأشياء التي ذكرها مثل: التوسل، فالتوسل في أصله منه جائز ومنه ممنوع، فالجائز كثير من صوره قطعية، وما لم يكن قطعياً لا يدخل في القطعي، فالتوسل البدعي والشركي ممنوع عند السلف جميعاً بدون استثناء، لكن قد يوجد بعض صور التوسل يختلفون عليها، هل هي شركية أو غير شركية.
إذاً: الاختلاف في بعض الصور وليس في الأصل.
كذلك التوسل المشروع مثل: توسل المسلم بعمله الصالح: بصلاته، بدعائه إلى الله عز وجل، التوسل بالعبادة لله هذا من ضرورات الدين، كوننا ندعو الله هذا واجب علينا، ندعو الله في صلاتنا وفي كل المقامات، والدعاء أعظم درجات التوسل، وهذا مجمع عليه.
كذلك التوسل بالعمل الصالح متفق عليه عند السلف.
كذلك التوسل بأن تطلب من أخيك أن يدعو لك هذا أيضاً مشروع عند السلف ليس محل خلاف.
بقي التوسل البدعي أيضاً الأصل فيه متفق عليه، لكن بعض صوره يختلف عليها.
إذاً: أنا أقصد الأصول.. وهكذا بقية الأمور.
السؤال: ما توجيهكم لمن به شك في أن القرآن شفاء؛ بسبب ما ألقاه الدجالون والمشعوذون في قنواتهم الفضائية في روع بعض الناس ممن يشاهدونهم؟
الجواب: على أي حال هذا الشك مبني إما على التباس وهو الغالب، وإما أن يكون مبنياً على دخول الشبهة وسواس، فالقرآن شفاء، ولكن كيف يكون شفاء؟ هذا هو الذي ممكن يرد فيه الإشكال على بعض الناس، فبعض الناس يقرأ القرآن ولا يُشفى، معناه: أنها لم تتوافر الشروط، فالله عز وجل أخبر عن القرآن بأنه هدى وشفاء، وأنه شفاء لما في الصدور، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، فمثل هذه الآية صريحة بأنه شفاء للأمراض؛ لأنه حينما ذكر الهدى ذكر ما يتعلق بالقلوب، أي: شفاء الهداية، ثم قال: (وشفاء) فالهدى ذُكر والشفاء جاء خارجاً عن مسألة الهدى، فمعناه: أنه شفاء للأمراض، وثبت قطعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستشفي بالقرآن ويعالج به، وأقر الصحابة على الرقية بالقرآن.
فإذاً: هذا المبدأ ليس محل الإشكال، إنما يبقى تطبيقات الناس هي التي تسبب اللبس، وأيضاً عدم فهم الناس للشروط، كل شيء من أمور الشرع له شروط، فإذا لم تتحقق شروطه أو تخلف بعضها فقد لا يتحقق الوعد الذي وعد الله به؛ لأن الناس لم يقوموا بالواجب.
السؤال: مسألة حسن الظن بالله، هل يغلّب العبد حسن ظنه بربه خوفاً من ذنوبه؟
الجواب: حسن الظن بالله هو الأصل، والخوف من الله كذلك أصل، ومبنى العبادة على ثلاثة أمور: المحبة لله عز وجل محبة التعظيم والتقديس، والرقابة لله سبحانه وتعالى، والرجاء، أما المحبة فهي التي ينغرس فيها كمال التصور واستشعار كمال الله عز وجل على وجه إيجابي، ليس مجرد تصور علمي كما يكون عند الفلاسفة والمتكلمين.. وغيرهم، بل يجب أن تكون محبتك لله محبة يقينية تنبني على إيمانك بعظمة الله وكماله، ثم لا بد لصاحب المحبة من الرجاء والخوف في وقت واحد، لكن قد يغلّب الخوف وحسن الظن في مقام، ويغلّب الخوف في مقام، ويغلّب حسن الظن والرجاء في مقام، هذا حسب حال الشخص، لكن يجب ألا يزول حسن الظن والخوف.
السؤال: قد يكون هناك تساهل عند بعضنا في ذكر أخطاء لبعض الدكاترة بحجة أنه ليس له غيبة؛ لأنه مسبل، ولأنه يحلق لحيته؟
الجواب: هناك كلام في الناس يستثنى من الغيبة إلا بشروطه، لكن يبدو لي أن السائل من طلاب العلم وطلاب الجامعات، نقول: لا يجوز الكلام في الأساتذة والدكاترة بدعوى أنها ليست غيبة، بل هذه هي الغيبة بعينها، لا تجوز الغيبة في المسبل ولا غير المسبل، فإذا ذكرته بما فيه من الأخطاء فهذه غيبة، وإذا لم تكن فيه فهي بهتان، هذا ميزان ذكره النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة، فذكرك أخطاء أخيك بما فيه مثل حلق اللحية والإسبال أمام الناس، وتعييره والعتب عليه.. أو نحو ذلك، حتى وإن كان بدعوى النصيحة وإنكار المنكر، هذه هي الغيبة بعينها، إذا لم تكن هذه غيبة فما هي الغيبة؟ هل الغيبة أن تذكر الرجل الصالح بأعماله الصالحة؟ أبداً، الناس لا يتلذذون لذلك، أصحاب هذا الصنف لا يتلذذون إلا بالكلام في الخلق بالتخريج، ويقولون: هذا تجريح وتعديل، أي: جرح وتعديل؟ أستاذك وزميلك وغيرهما إذا رأيت عليهم مثل هذه المظاهر تنصحهم مباشرة، إذا ما استطعت، تنصح بإجمال، تذكر النصوص والقواعد الشرعية في تحريم مثل هذه الأمور، أما أن تتكلم في عرضه وتقول: أنا أذكره بما فيه، فهذا قلب للمفاهيم الشرعية، ولا أدري أي فقه ذلك.
السؤال: ما حكم الصلاة إلى القبر، وما حكم التصوير؟
الجواب: مسألة الصلاة إلى القبر مسألة مفصلة شرعاً عند أهل العلم وفي كتبهم، أرجو أن ترجعوا إليها.
أما التصوير فله تفاصيله، وأكثر ما يكون حرج التصوير الآن تصوير المتحرك، الذي هو تصوير الفيديو وتصوير القنوات.. وغيرها، مثل ما يحصل من قناة المجد، هذه القناة المباركة، أنا لا أستطيع أن أفتات على العلماء وأقول: إنهم قالوا وقالوا بقدر ما أنبّه على مجملات.
أولاً: هذه المسألة خلافية، هل تدخل في معنى التصوير أم لا؟ بعض أهل العلم يقولون: تسميتها تصوير تجوز؛ لأن هذا في الحقيقة نقل للواقع الذي خلقه الله عز وجل وأوجده، أي: أن هذا التصوير الذي يُنقل لنا الآن في مثل هذا المقام هل هو تصوير من عمل البشر في أصله؟ أم هو نقل للواقعة التي أوجدها الله عز وجل على هذه الحالة؟ بعض أهل العلم يرى أنه لا يدخل في مفهوم التصوير؛ لأنه ليس بمضاهاة، لكن قد يحرم إذا قُصد به أغراضاً غير مشروعة، ولذلك تحريم التصوير في السنة جاء على عدة صور، جاء بمجرد كون التصوير باليد مجسّماً أو غير مجسّم بأنه تقليد ومضاهاة لخلق الله، فهذا محرم لذاته، وجاءت نصوص أخرى تحرم التصوير الذي يؤدي إلى ذريعة الغلو والشرك، الذي يدخل فيه رفع الصور وحفظها، فهذا محرم باعتبار المآل.
وبعض أهل العلم يرى أن الصورة الفوتوغرافية ما هي إلا حبس للصورة التي خلق الله الشيء عليها، وحبس الصورة ليس فيها حرج، هكذا يقولون.
وبعضهم يرى أيضاً الصورة المتحركة من باب أولى، ما هي إلا نقل المشهد الطبيعي الذي أوجده الله عز وجل وهيأه إلى مكان آخر، فيرى أن هذا ليس بتصوير وليس هو الممنوع، والله أعلم.
بمناسبة الكلام عن قناة المجد أنا لا أريد أن أجاملها، لكن أوصاني أحد الإخوة بوصية يلزمني أن أقولها، وهي أن كثيراً من أهل الخير وغيرهم يحتالون على قناة المجد بأن يدخلوها في بيوتهم بطريقة غير مشروعة، هروباً من دفع الرسوم، أنا أرى هذا لا يجوز، فهذه قناة خير لا تقوم إلا على الإسهام ودفع الرسوم، وإلا ستنقطع، وليس هناك شيء يبقى بدون دعم مادي، ومن أسس الدعم والحقوق الضرورية لمثل هذه الوسائل والقنوات أن تدفع لها حقوقها ورسوم الاشتراك، فلا يتهرب من الرسوم، وبعض العائلات والأسر التي لا تستطيع إدخال القناة على أهل الخير والجمعيات الخيرية أن توفر هذه الوسائل لها؛ لأنها في الحقيقة قناة خير، وأعتبرها في هذا الوقت غيثاً مثل المطر للأرض، نحمد الله أن وجدت هذه القناة وأمثالها من القنوات التي بدأت تتكاثر بحمد الله.
السؤال: هل سباب وشتم ولي الأمر ينزع البيعة؟
الجواب: قد لا ينزع البيعة، لكن هذا خلاف المنهج الشرعي، السباب والشتم لولي الأمر ولغير ولي الأمر ليس بمشروع، ومن باب أولى ولي الأمر؛ لأن هذا يشحن قلوب الناس ضده، فتحدث الفتنة عليه، كثير من الناس تأخذه العاطفة فيتكلم في أخطاء الولاة علناً وبدون منهج رشيد، ويظن أن هذا نوع من الحسبة وإنكار المنكر، إن كنت صادقاً أنك تحتسب وتنكر المنكر فاذهب إلى ولي الأمر وانصحه، أو أوصل النصيحة إليه إن استطعت، أو تكلم عند من يهمهم الأمر من العلماء والمسئولين الذين يوصلون النصيحة لولي الأمر، أما أن تشحن قلوب العباد ضده فمن المستفيد؟ لا الدين ولا أنت ولا الناس، وأين عقول الناس؟ ضاع رشدهم، وإلا توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في هذا واضحة، ومنهج السلف الصالح واضح، فهم لا يستبيحون الكلام والشتم لولي الأمر أبداً مهما كان، إلا في ظروف خاصة يراعون فيها مصالح ويدرءون فيها مفاسد، ليست أمام جماهير الناس والغوغائية.
السؤال: ما رأيك فيمن يفعل بعض الأفعال غير اللائقة بالمتدينين، مثل أن يرفع صوته بالأناشيد.. وغير ذلك؟
الجواب: هذه سنة الله في الخلق لا يضرك، وهؤلاء يعالجون بالحكمة، وأرى أن من يفعل هذا أن تباشره بابتسامة، وأن تبدأ معه بالرفق، وغالباً ستكسبه، لكن إن قابلته بالمصادمة وقعت فتن في الغالب، وهذه أمور يصبر عليها أهل الخير، وهي سنة الله في خلقه، وهي ابتلاء.
السؤال: ما حكم النظر إلى قنوات السحر؟
الجواب: قنوات السحر فتنة، فيجب اجتنابها، وقد لبست لبساً عظيماً على الناس، فقنوات السحر يجب اجتنابها، فهم يخلطون الحق بالباطل، ولديهم وسائل عجيبة تدل على جهل الناس بأحكام السحر، فكثيراً ما أسمع حتى في مجالس العلم أموراً أعجب منها، يقولون: إن فلاناً من الناس في القناة الفلانية التي تروج السحر يبدأ بتلاوة القرآن ويدعو وتجده خاشعاً ووجهه منيراً، أقول: هل هذه ضوابط شرعية؟
كل السحرة على مدار التاريخ غالباً يلبسون على الناس بتلاوة الآيات، لا يكسبون قلوب الناس وأموالهم إلا بالتدجيل، وخلط الحق بالباطل، وبهذا الأسلوب الذي يستعمله في نفع الخلق أو دفع الضر عنهم كما يزعم، ولا ينفعهم ولا يدفع الضر عنهم إلا الله، لكن يبتلون بشيء من ذلك، هذا شيء.
الشيء الآخر: أن كثيراً من الناس يفتن ببعض النتائج التي يسمونها إيجابية على يد الساحر، نعم قد تحصل، لكنها ابتلاء، وقد تحصل من باب التمويه، وقد تحصل ويحصل مآلها إلى أشد، وأنا سألت بعض الذين يروّجون استفادة بعض الناس من السحرة، قلت لهم: احصروا لي عدد الذين استفادوا مع عدد الذين تضرروا أيهم أكثر، ائتوني بالفوائد فقط.. يستفيد ثلاثة ويهلك مئات، ثم تأتون بالثلاثة الذين استفادوا وتجعلونهم نماذج، كم الذين لم يستفيدوا؟ كم الذين تضرروا؟ كم الذين دفعوا أموالهم وضيعوا دينهم ودنياهم ولم يستفيدوا ولم يشفوا ولم يعافوا؟ هذا أمر، الأمر الآخر: أن أكثر الفائدة التي تكون على يد السحرة تكون عن طريق الجن، فهي ابتلاء يهلك دين هذا وهذا بسببها، قد يستفيد بعض الناس بأن يُرفع عنه السحر، لكن بوسيلة شيطانية، قد يستفيد بعض الناس بأن يذهب أثر العين عنه؛ لأنهم يدلونه على العائن، لكن عن طريق الجن وعن طريق الشياطين.
إذاً: وسيلة مدمرة أدت إلى نفع دنيوي يهلك به الإنسان في دينه، فمن الذي يريد أن يكسب دنياه بدينه؟ لا يصح هذا، فيجب ألا نروج هذه الأمور.
وأرجو من طلاب العلم أن يتابعوا القضية، الفائدة التي تحصل أحياناً عند بعض السحرة والدجالين هل تستمر؟ أغلب الذين يستفيدون ينتكسون، لكن تُنقل الفائدة ولا يُنقل الانتكاس، سمعت عن شخص في إحدى البلاد المجاورة يقوم بعمليات بلا جراحة، يجلس في الغرفة ويعمل عملية لا توجد جراحة ولا آلات، يعني: جن وشياطين يقلبون الكبد والبنكرياس والأمعاء، يفعلون كل شيء، فيقوم الإنسان وكأنه شفي، أقول لهم: هذا قد يشفى ظاهراً، لكن تابعوه، هل عرفتم مآله فيما بعد؟ أظن أن أكثرهم يهلك بعد ذلك؛ لأن الجن والشياطين قد ينفعون بعض النفع الغائب عن مدارك الإنس مما أعطاهم الله عز وجل من قدرات، قد يؤثرون حتى على معامل التحليل الكيميائية ومختبرات الطب.
أرجو من المختصين ألا يستغربوا مثل هذا الكلام، عمل الشياطين والجن قد يؤثر أحياناً في حالات نادرة، في حال استعمال الطرق غير المشروعة قد يؤثر في التمويه من خلال المختبرات، لكن هذا نادر والنادر لا حكم له، وهذا لا يؤثر على نتائج المختبرات والعلم، هذه نتائج علمية موثوقة، لكن تحدث حالات نادرة من باب الابتلاء.
نسأل الله للجميع التوفيق والسداد، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يجمع المسلمين على الحق والهدى، وأن يقينا شر أعدائنا والمنافقين الذين بدءوا الآن يهدمون الدين من أبناء جلدتنا وبألسنتنا، وهؤلاء هم أخطر علينا من أعدائنا الخلّص، نسأل الله أن يكفينا شرهم، وأن يصلح ولاة أمورنا، ويهديهم إلى سواء السبيل.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ثوابت في الدين للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل
https://audio.islamweb.net