إسلام ويب

إن المنهج النبوي الإيماني في العلم بالله والعمل له هو المنهج الذي تصلح به قلوب الناس وأعمالهم، ودنياهم وأخراهم، وهو منهج أهل السنة والجماعة، أما من خالفهم من المتكلمين والفلاسفة فإن منهجهم لا يفضي إلى صلاح في دنيا ولا آخرة؛ لأنه منهج منحرف في العقيدة، ومنحرف في العبادة، ومخالف لسبيل الأنبياء وسننهم.

الفرق بين المنهاج النبوي الإيماني والمنهاج الصابئ الفلسفي الكلامي

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فيقول شيخ الإسلام أحمد بن تيمية قدس الله روحه:

[ فصل في تمهيد الأوائل وتقرير الدلائل.

وذلك ببيان وتحرير أصل العلم والإيمان، كما قد كتبته أولاً في بيان أصل العلم الإلهي والذي أكتبه هنا: بيان الفرق بين المنهاج النبوي الإيماني العلمي الصلاحي، والمنهاج الصابئ الفلسفي، وما تشعب عنه من المنهاج الكلامي والعبادي المخالف لسبيل الأنبياء وسنتهم ].

يلاحظ أن الشيخ بدأ بالتفريق بين المنهجين في التعبير عنهما، تلاحظون قوله: (بيان الفرق بين المنهاج النبوي الإيماني)، على هذا فإن منهاج المخالفين ليس إيمانياً، ولم يصفه بأنه إيماني، فعلاً هو ليس إيماناً؛ لأن الإيمان هو استنارة القلب بنور الوحي، هذا هو الإيمان، وما عداه فليس بإيمان، فسمى المنهج الرباني الإلهي منهج النبوة، منهج السلف الصالح: المنهاج النبوي الإيماني.

فقوله: (بيان الفرق بين المنهاج النبوي) يعني: منهاج أهل السنة هو اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهداية الله عز وجل التي أرسلها إلى عباده، وهو هذا الوحي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم المتمثل بالكتاب والسنة، فسماه نبوياً، بينما منهج المتكلمين ليس نبوياً، وسماه إيمانياً.

والإيمان هو هداية القلب، وهداية القلب لا تحصل بالمنهج الفلسفي، إنما تحصل بالوحي.

ثم سماه: العلمي، أي: ما جاء به القرآن والسنة هو العلم الذي مدحه الله عز وجل، ومدحه النبي صلى الله عليه وسلم، وأثنى على من يسلكه، هو العلم الشرعي المستمد من الكتاب والسنة، بينما منهج المتكلمين ليس علمياً على المصطلح الشرعي، فلا هو من علوم الدنيا الصحيحة، ولا من علوم الدين الصحيحة، منهج المتكلمين والفلاسفة في الإلهيات ليس بعلم؛ لأنه لا يسمى علماً إلا إذا كان علماً شرعياً، وقد يسمى علماً مقيداً لو كان علماً دنيوياً، مثل: علم الرياضيات، كما سيتكلم الشيخ عنه فيما بعد.

فالرياضيات مثلاً علم، لكنه علم استقرائي تطبيقي نظري صحيح، مثل أن نقول:

هذا لا شك أنه علم، لكنه علم مستنبط من الدلالة العقلية، وكذلك علم الحس.

بينما علم الفلاسفة والمتكلمين ليس بعلم لا على النحو الشرعي ولا على النحو الدنيوي والاستقراء.

ثم سماه الصلاحي، أي: الذي تصلح به قلوب الناس وأعمالهم ودنياهم وآخرتهم، وهو منهج أهل السنة والجماعة في تقرير العقيدة، أما منهج المتكلمين فلا يحصل به صلاح لا للقلب ولا للعمل ولا للسان، ولا صلاح في الدنيا ولا في الآخرة.

ولذلك نجد الفلاسفة عموماً يظهر هذا على تصرفاتهم وسلوكهم، لا تجد فيلسوفاً مغرقاً في الفلسفة، أو متكلماً مغرقاً في علم الكلام، لا تجده ناجحاً في دنياه، فضلاً عن دينه وآخرته، أغلب الفلاسفة لا يجيد التصرف في الدنيا، ولا يجيد المعاملة مع الناس، تأملوا هذا في تاريخ الفلاسفة، اقرءوا سيرهم، لا يجيد التعامل في أمور الدنيا؛ لأنه مثالي، لا يبني أسرة مستقرة، ولا يبني عملاً دنيوياً مستقراً، ولا يبني ديناً، فلا هم أهل دنيا ولا أهل دين، هذا هو الغالب عليهم، تأملوا أحوالهم وستجدون ذلك، وهذا هو معنى قول الشيخ: (الصلاحي) أي: أن المنهج الحق صلاحي، تصلح به أحوال الأفراد والأمة والأسر والجماعة والقلوب والأعمال، وتسعد به البشرية في الدنيا والآخرة.

ثم قال: (والمنهاج الصابئ الفلسفي) يعني: يشير بذلك إلى منهاج المتكلمين، وأنه ليس منهجاً نبوياً ولا إيمانياً وإنما هو منهج الصابئة المشركين والفلاسفة الدهرية أو غير الدهرية، الفلاسفة المشركة الذين ليس عندهم علم صحيح ولا دين ولا عقيدة مستقيمة.

والفلسفة التي تأثر بها المسلمون الغالب أنها فلسفة الصابئة.

ثم قال: (وتشعب عنه من المنهاج الكلامي والعبادي)، (الكلامي) يعني: العقدي، (والعبادي) يعني: منهج العبادة، فمنهج العقيدة عند أهل المنهاج النبوي: هو المنهج السليم الصالح المفيد، وكذلك منهج العبادة عند أصحاب المنهج النبوي: هو المنهج المفيد الموصل إلى رضا الله عز وجل، الذي يتحقق به صلاح القلوب، وصلاح الأحوال للعباد.

بينما منهج هؤلاء الصابئية الفلاسفة أهل الكلام منهج منحرف في العقيدة، ومنحرف في العبادة ومخالف لسبيل الأنبياء وسننهم.

دعوة الأنبياء إلى عبادة الله بالقلب واللسان

قال رحمه الله تعالى: [ وذلك أن الأنبياء عليهم السلام دعوا الناس إلى عبادة الله أولاً بالقلب واللسان، وعبادته متضمنة لمعرفته وذكره ].

هذه القاعدة الأولى، وهي قاعدة ذهبية ومعلومة بالضرورة وبدهية جداً، وهي: أن الأنبياء عليهم السلام بما فيهم النبي صلى الله عليه وسلم إنما دعوا الناس إلى عبادة الله، وهؤلاء الفلاسفة والمتكلمون ما دعوا الناس إلا إلى أمور نظرية فلسفية معقدة لا أصل لها، وتنفر منها الفطرة والعقل السليم، غاية دعوتهم أن يؤمن الناس بوجود الله، والناس ليس عندهم مشكلة في هذا الأمر، وأن الله واحد، وأن الله هو الرب، وليس عند الناس مشكلة في هذا الأمر.

ولا يعرجون على توحيد العبادة، ومن شاء فليقرأ كتبهم؛ حتى لا يظن أنا نفتري أو نفتئت عليهم، فمن شاء فليقرأ أي نموذج من نماذج كتب المتكلمين خاصة، فإنه سيجد فيها إعراضاً عن دعوة الأنبياء إلى عبادة الله، ولا يعرج على هذه المسألة إلا عندما يتكلم عما يسميه التصوف، أو عن أمور عارضة ليست هي الأصل عنده، أما ما يرى أنه واجب فإنما هو توحيد الربوبية فقط، ونحن نقرُّ بأن هذا واجب، لكن نعلم أن الله عز وجل كفانا أمرهم بفطر العقول على ذلك والنفوس والقلوب، وبتقرير ذلك أيضاً في الكتاب والسنة دون عناء ولا كلفة.

ثم قال: (أولاً بالقلب) يعني: عبادة الله بإصلاح القلوب، وإصلاح الألسن الذي ينتج عنه صلاح الأعمال كما سيأتي.

أصل علم الأنبياء وعملهم

قال رحمه الله تعالى: [ فأصل علمهم وعملهم: هو العلم بالله، والعمل لله، وذلك فطري كما قد قررته في غير هذا الموضع في موضعين أو ثلاثة ].

هذه القاعدة الثانية: أن أصل علم الأنبياء وعملهم:

أولاً: العلم بالله عز وجل، وذلك بمعرفة أسمائه وصفاته وحقوقه، وما يجب له من المحبة والتعظيم والعبادة، والسعي إلى رضاه عز وجل.. إلى غير ذلك مما يجب أن يعلمه العباد.

ثانياً: العمل بذلك لله، وذلك بالتوجه بالعبادات والفرائض التي فرضها الله سبحانه وتعالى وشرعها رسوله صلى الله عليه وسلم لله وحده لا شريك له.

أصل العلم الإلهي فطري ضروري

قال رحمه الله تعالى: [ وبينت أن أصل العلم الإلهي فطري ضروري، وأنه أشد رسوخاً في النفوس من مبدأ العلم الرياضي؛ كقولنا: إن الواحد نصف الاثنين، ومبدأ العلم الطبيعي؛ كقولنا: إن الجسم لا يكون في مكانين؛ لأن هذه المعارف أسماء قد تعرض عنها أكثر الفطر، وأما العلم الإلهي فما يتصور أن تعرض عنه فطرة، وبسط هذا له موضع غير هذا ].

القاعدة الثالثة: قوله: (وبينت أن أصل العلم الإلهي فطري ضروري)، يعني: العلم بالله وكماله على جهة الإجمال فطري وضروري، لا يقصد بذلك على جهة التفصيل، ولا يقصد بذلك تفصيل الشرائع؛ فإن هذا أمر لا يستغني فيه الإنسان عن الشرع والوحي، لكن يقصد الأصل الذي تكلم فيه أهل الكلام، الأصل الذي ضيعوا أوقاتهم وأشغلوا أنفسهم، وأشغلوا المسلمين عن الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمناظرات وجدل وشقاق، مع أنه أمر إلهي وفطري وضروري، أي: العلم بالله وكماله، ولا يقصد بذلك التشريع التفصيلي، أما التفصيل فلابد فيه من الوحي.

فتوحيد الربوبية أشد رسوخاً في النفوس من مبدأ العلم الرياضي، كقولنا: الواحد نصف الاثنين، ومبدأ العلم الطبيعي، كقولنا: إن الجسم لا يكون في مكانين؛ هذه بدهيات، يعني: أن ما يسعون إليه ويتعبون أنفسهم فيه هو مثل هذه القضايا الرياضية والعلمية المحسوسة، التي لا يمكن أن يتنازع عليها العقلاء، ورغم أن هذه بدهيات، إلا أنه مع ذلك لا يفطن لها كثير من الناس؛ لأنه ليس بحاجة إليها.

كذلك البدهية في توحيد الربوبية هي فطرية، قد لا يستحضرها المسلم دائماً عند عبادته؛ لأنها بدهية، مثلما نكون في النهار والشمس طالعة فلا نحتاج أن يأتي شخص ويرفع صوته ويعلن وينذر ويقول لنا: الشمس طالعة؛ لأننا لا نصل بذلك إلى نتيجة، بل بالعكس قد يكون عند هذا الشخص اضطراب بسبب هذا الإعلان.

فإذاً: هذه العلوم الضرورية فيما يتعلق بالله عز وجل أمر مركوز في الفطر، لا حاجة إلى أن نذكر الناس به بهذه الطريقة الفلسفية التي سلكها المتكلمون، والتي تنفر منها الطباع والعقول السليمة.

العلم بالله وذكره والعمل له أصل كل الأمور وجامعها

قال رحمه الله تعالى: [ وإنما الغرض هنا أن الله سبحانه لما كان هو الأول الذي خلق الكائنات، والآخر الذي إليه تصير الحادثات، فهو الأصل الجامع؛ فالعلم به أصل كل علم وجامعه، وذكره أصل كل كلام وجامعه، والعمل له أصل كل عمل وجامعه.

وليس للخلق صلاح إلا في معرفة ربهم وعبادته، وإذا حصل لهم ذلك؛ فما سواه إما فضل نافع، وإما فضول غير نافعة، وإما أمر مضر ].

أي: أن الله عز وجل هو الذي خلق الكائنات، وهو الذي تصير إليه الحادثات، والعلم بالله عز وجل على الوجه الشرعي هو الأصل الجامع، العلم بالله بأسمائه وصفاته وأفعاله وبحقه عز وجل، والعلم بما يجب له من العبادة والإذعان والطاعة، هذا هو الأصل الجامع، وهو أصل كل علم، ثم فرع هذا الأصل وأنه ينقسم إلى علم وعمل من ناحية، ومن ناحية أخرى: أنه هو العلم الفاضل، وغيره مفضول، أو فضلة: إما نافع وهو العلوم الدنيوية التي تصلح بها أحوال الناس، وإما غير نافعة وهي العلوم التي لا تؤدي مصلحة للعباد في دنياهم، وليست من مطالب دينهم؛ مثل ما يشتغل به علماء الكلام من الأمور البدهية الفطرية في تحقيق الربوبية، والمبالغة في ذلك من فضول العلم؛ لأنه مضر للخلق، والذي لا يضر منه لا ينفع.

قال رحمه الله تعالى: [ ثم من العلم به ].

يعني: من العلم بالله عز وجل وحقوقه وما يجب له تتشعب أنواع العلوم الأخرى.

قال رحمه الله تعالى: [ ثم من العلم به تتشعب أنواع العلوم، ومن عبادته وقصده تتشعب وجوه المقاصد الصالحة، والقلب بعبادته والاستعانة به معتصم مستمسك قد لجأ إلى ركن وثيق، واعتصم بالدليل الهادي والبرهان الوثيق، فلا يزال إما في زيادة العلم والإيمان، وإما في السلامة عن الجهل والكفر.

وبهذا جاءت النصوص الإلهية في أنه بالإيمان يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وضرب مثل المؤمن -وهو المقر بربه علماً وعملاً- بالحي، والبصير، والسميع، والنور، والظل.

وضرب مثل الكافر بالميت، والأعمى، والأصم، والظلمة، والحرور.

وقالوا في الوسواس الخناس: هو الذي إذا ذكر الله خنس، وإذا غفل عن ذكر الله وسوس.

فتبين بذلك أن ذكر الله أصل لدفع الوسواس، الذي هو مبدأ كل كفر وجهل وفسق وظلم ].

المقصود بالوسواس هنا: كل عمل الشيطان، الوسواس بمفهومه الشامل، لا يظن أن الوسواس هو وسواس الطهارة أو العبادة، لا، هذا جزء من الوسواس، وليس هو الوسواس الأخطر، إنما الوسواس الأخطر هو ما يتعلق بالعقيدة أولاً، ومن الوساوس تلك الأوهام والتخرصات التي أحدثها الفلاسفة والمتكلمون، وأدخلوها على المسلمين وصاروا يتكلمون فيها على أنها هي المنهج الأمثل لتقرير التوحيد، وجاءوا بقضايا العرض، والجوهر، والمباينة، والمفاصلة، وعرضوا أسماء الله عز وجل وأفعاله على مدارك عقولهم القاصرة، وعرضوا الغيبيات على مدارك عقولهم القاصرة؛ كل هؤلاء أصحاب وسواس، ليست وساوس العبادات التي تصرف الناس عن بعض أحكام الطهارة.. ونحوها، بل وسواس الشبهات، وسواس العقائد الذي يصرف الناس إما عن الدين بالكلية، وإما عن السنة إلى البدع، وهذا ما أراده الشيخ.

وكأنه يشير إشارة واضحة إلى أن كل مناهج الفلاسفة والمتكلمين التي خرجوا بها عن مقتضى السنة كلها من باب الوسواس، وهذا مما لا شك فيه.

حكمة تسمية الله عز وجل بالدليل

قال رحمه الله تعالى: [ وقال الله تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر:42]، وقال: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:99]، وقال: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101]، ونحو ذلك من النصوص.

وفي الدعاء الذي علمه الإمام أحمد لبعض أصحابه: يا دليل الحيارى! دلني على طريق الصادقين، واجعلني من عبادك الصالحين؛ ولهذا كان عامة أهل السنة من أصحابنا وغيرهم على أن الله يسمى دليلاً ].

ليس المقصود أن من أسماء الله (الدليل)، ينبغي أن نفهم هذا جيداً؛ لأن السلف لهم في مسألة الأسماء اصطلاحات، فأحياناً في مثل هذا السياق لا يقصد السلف -وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية - التسمية هنا بمعنى أنه اسم لله، لكن قصدهم وصف الله عز وجل من باب الخبر أو الدعاء.. ونحو ذلك.

هذا ينبغي أن يفهم جيداً؛ لأني لاحظت في بعض أسئلة طلاب العلم عندما يسمع من يقول من السلف: إن هذا يسمى به الله، أو هذا مما يسمى به أفعال الله.. أو نحو ذلك، أو هذه التسمية أو نحو ذلك مما يطلق على سبيل التجوز، تجده يستغرب، فنقول: هنا قصد الشيخ الوصف لله في مثل هذا الدعاء: يا دليل الحائرين، وهذا كثير، مثل: يا ناصر المظلومين، وليس من أسماء الله الناصر، ومع ذلك يقال: إنه اسم لله، حتى في التسمية عند التعبيد لله، فيقال: عبد الناصر مثلاً، هذه من الأمور التي اختلف فيها أهل العلم، لكن ومع ذلك ما قالوا: إنها من أسماء الله، إنما هي من أوصاف الله، والأوصاف أحياناً إذا أخذت رسم الاسم جاز نسبة التعبيد لله بها، وإن كان محل خلاف، لكن الراجح أنه جائز.

قال رحمه الله تعالى: [ ومنع ابن عقيل وكثير من أصحاب الأشعري أن يسمى دليلاً؛ لاعتقادهم أن الدليل هو ما يستدل به، وأن الله هو الدال، وهذا الذي قالوه بحسب ما غلب في عرف استعمالهم من الفرق بين الدالِّ والدليل.

وجوابه من وجهين:

أحدهما: أن الدليل معدول عن الدالِّ؛ وهو ما يؤكد فيه صفة الدلالة، فكل دليل دال وليس كل دال دليلاً، وليس هو من أسماء الآلات التي يُفعل بها، فإن فعيلاً ليس من أبنية الآلات كمفعل ومفعال ].

كأن الشيخ يقول: إن وصف الله عز وجل بالدليل هنا لا يعني به أن استخدام اسم الجلالة كاستخدام الآلات، ولا استخدام هذا الدليل كاستخدامنا للأدلة الشرعية مثلاً، أو الأدلة المادية، إنما المقصود بالدليل هنا الهادي، فالله عز وجل هادي الخلق بما فعله من أسباب الهداية، فالله عز وجل هنا وصف بالدليل من باب أنه الهادي والمعين، من باب أنه عز وجل الذي هيأ للعباد الدلالة، لا أنه دليل يستخدم للدلالة كما تستخدم الأدوات أو تستخدم الأدلة، هذا مفهوم كلام الشيخ.

وقوله: (إن الدليل معدول عن الدالِّ) يعني: أن الدليل عدل به عن دلالة الدال الفاعل المستخدم عند الخلق إلى معنى دلالة الدال الذي هو بمعنى الهادي والموفق.

والدلالة بين الخالق الخلق لا تكون إلا باستخدام واحد لآخر، بينما بين الخالق والخلق لا يكون ذلك إلا من باب توفيق الله وهدايته لأوجه الدلالة بالأسباب وبغير الأسباب، بما يهيئه الله عز وجل للعبد.

ثم فرق أيضاً بين الدليل والدالِّ، فالدليل هو الموصل جزماً لليقين، بينما الدال قد يوصل وقد لا يوصل، بمعنى أن الدالَّ لا يسمى دليلاً إلا إذا صدقت دلالته، فإذا لم تصدق دلالته لا يسمى دليلاً.

قال رحمه الله تعالى: [ وإنما سمي ما يستدل به من الأقوال والأفعال والأجسام أدلة؛ باعتبار أنها تدل من يستدل بها، كما يخبر عنها بأنها تهدي وترشد وتعرف وتعلم وتقول وتجيب وتحكم وتفتي وتقص وتشهد، وإن لم يكن لها في ذلك قصد وإرادة، ولا حس وإدراك، كما هو مشهور في الكلام العربي وغيره.

فما ذكروه من الفرق والتخصيص لا أصل له في كلام العرب.

الثاني: أنه لو كان الدليل من أسماء الآلات التي يفعل بها، فقد قال الله تعالى فيما روى عنه نبيه في عبده المحبوب: (فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يعقل، وبي ينطق، وبي يبطش، وبي يسعى)، والمسلم يقول: استعنت بالله واعتصمت به.

وإذا كان ما سوى الله من الموجودات: الأعيان، والصفات، يستدل بها، سواء كانت حيةً أو لم تكن، بل ويستدل بالمعدوم، فلأن يستدل بالحي القيوم أولى وأحرى، على أن الذي في الدعاء المأثور: يا دليل الحيارى! دلني على طريق الصادقين، واجعلني من عبادك الصالحين، يقتضي أن تسميته دليلاً باعتبار أنه دال لعباده، لا بمجرد أنه يستدل به، كما قد يستدل بما لا يقصد الدلالة والهداية من الأعيان والأقوال والأفعال.

ومن أسمائه: الهادي، وقد جاء أيضاً: البرهان؛ ولهذا يذكر عن بعضهم أنه قال: عرفت الأشياء بربي، ولم أعرف ربي بالأشياء.

وقال بعضهم: هو الدليل لي على كل شيء، وإن كان كل شيء -لئلا يعذبني- عليه دليلاً.

وقيل لـابن عباس رضي الله عنهما: بماذا عرفت ربك؟ فقال: من طلب دينه بالقياس؛ لم يزل دهره في التباس، خارجاً عن المنهاج، ظاعناً في الاعوجاج، عرفته بما عرَّف به نفسه، ووصفته بما وصف به نفسه، فأخبر أن معرفة القلب حصلت بتعريف الله؛ وهو نور الإيمان، وأن وصف اللسان حصل بكلام الله؛ وهو نور القرآن.

وقال آخر للشيخ:

قالوا ائتنا ببراهين فقلت لهم أنى يقوم على البرهان برهان

وقال الشيخ العارف للمتكلم: اليقين عندنا واردات ترد على النفوس تعجز النفوس عن ردها، فأجابه: بأنه ضروري ].

يعني: الضرورة الفقهية، وكذلك البدهية العقلية، وهذه الأمور هي من وسائل الإنسان بالدلالة، لكن ليست هي وحدها الأدلة، بل الأدلة الشرعية هي الأدلة التفصيلية التي تعصم الإنسان بإذن الله عز وجل إذا اعتمد عليها من الغواية.

أما العارف يقصد به بعض العباد، فهؤلاء في الحقيقة يقولون الحق، ولكنهم يبالغون في هذه المسائل، حتى جعلوا اليقين عندهم الواردات التي ترد على النفوس وتعجز النفوس عن ردها، وهي ما يسمى بالضرورة، وأحياناً يعولون عليها ويستغنون بها عن الاهتداء بالقرآن والسنة، وهذا ما فعله متأخروهم.

وكون الإنسان المؤمن المسلم الموقن بالله عز وجل يجد أن هناك واردات ترد على قلبه دون أن يتكلف البحث عنها في عقله، وأن هذه الأمور ترد على النفوس وتزكيها، وأن هذه الواردات مع الإيمان بالله عز وجل والاهتداء بنوره تعجز النفوس عن ردها، بمعنى أنها ضرورات تجعل الإنسان دائماً مستحضراً رقابة الله له، ومستحضراً عظمة الله عز وجل، وتعظيم الله بالحب والرجاء والخوف؛ فهذه واردات صحيحة ترد مع العبادة، لكن قد ينحرف بها الإنسان إذا بالغ، وعوَّل عليها دون الاهتداء بالكتاب والسنة، كما فعل متأخرة العباد، عولوا على هذه المعرفة دون أن يهتدوا تفصيلاً إلى عبادة الله عز وجل بما شرع، فعبدوا الله بغير ما شرع؛ اعتماداً واقتصاراً على مجرد هذه الواردات الضرورية، لكن مع ذلك هذا الأمر والقدر الذي نشترك فيه مع هؤلاء العباد هو حجة على أهل الكلام، الذين يزعمون أنه لا يعرف الله إلا بالطرائق الكلامية الفلسفية.

فنقول: لا أبداً، فنحن نجد معرفة الله عز وجل عند أوليائه، وعند المسلمين عموماً الذين هم على مقتضى الفطرة، بل عند جميع العباد أن معرفة الله عز وجل مركوزة، ويقين يرد على النفوس من خلال الضرورة التي ركزها الله عز وجل في الفطرة والعقل السليم.

قال رحمه الله تعالى: [ وقال الشيخ إسماعيل الكوراني للشيخ المتكلم: أنتم تقولون: إن الله يعرف بالدليل، ونحن نقول: إنه تعرف إلينا فعرفناه، يعني: أنه تعرف بنفسه وبفضله، مع أن كلام هذين الشيخين فيه إشارة إلى الطريقة العبادية، وقد تكلمت عليها في غير هذا الموضع.

فإذا كان الحق الحي القيوم، الذي هو رب كل شيء ومليكه، ومؤصل كل أصل، ومسبب كل سبب وعلة، هو الدليل والبرهان والأول والأصل الذي يستدل به العبد ويفزع إليه، ويردُّ جميع الأواخر إليه في العلم؛ كان ذلك سبيل الهدى وطريقه، كما أن الأعمال والحركات لما كان الله مصدرها وإليه مرجعها؛ كان المتوكل عليه في عمله القائل أنه لا حول ولا قوة إلا بالله مؤيداً منصوراً.

فجماع الأمر أن الله هو الهادي وهو النصير: وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31].

وكل علم فلا بد له من هداية، وكل عمل فلا بد له من قوة، فالواجب أن يكون هو أصل كل هداية وعلم، وأصل كل نصرة وقوة، ولا يستهدي العبد إلا إياه، ولا يستنصر إلا إياه.

والعبد لما كان مخلوقاً مربوباً مفطوراً مصنوعاً، عاد في علمه وعمله إلى خالقه وفاطره وربه وصانعه؛ فصار ذلك ترتيباً مطابقاً للحق، وتأليفاً موافقاً للحقيقة؛ إذ بناء الفرع على الأصل، وتقديم الأصل على الفرع هو الحق، فهذه الطريقة الصحيحة الموافقة لفطرة الله وخلقته، ولكتابه وسنته.

وقد ثبت في صحيح مسلم عن عامر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى صلاة الليل يقول: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة؛ أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) ].

طرق الفلاسفة والمتكلمين وأصولهم التي يفرعون عليها وبيان ما في أدلتهم من الفساد في الوسائل والمقاصد

قال رحمه الله تعالى: [ وأما الطريقة الفلسفية الكلامية: فإنهم ابتدءوا بنفوسهم، فجعلوها هي الأصل الذي يفرِّعون عليه، والأساس الذي يبنون عليه، فتكلموا في إدراكهم للعلم أنه تارة يكون بالحس، وتارة بالعقل، وتارة بهما ].

هذا إشارة إلى منهج من أخطر المناهج الكلامية، وأخطر أصول المتكلمين التي اصطبغت بها علوم الأمة الإسلامية عموماً، إلا من عصمه الله وهم أهل السنة والجماعة.

وهذا المنهج تأثرت به مناهج كثيرة بين المسلمين، فإنهم يعولون في تقرير الدين وفي تقرير الأصول العامة على مدركات عقولهم، وهي مدركات محدودة، وهذا خلاف منهج الحق، فإن المسلمات وأصول الدين وما يتعلق بالله عز وجل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وحقوقه، وما يتعلق بقضايا الشرع؛ كل ذلك لا يجوز للمسلم أن يبتدئ تقريره من هواه أو موازينه أو أصوله ومناهجه التي ينتمي إليها، ولا من مداركه الخاصة: إدراكاته العقلية، ومواهبه من ذكاء.. وغيرها.

فلا يجوز أن يعتمد في تقرير دينه على هذا الأصل، وهذا الاعتماد الخاطئ هو الذي يسلكه العقلانيون الآن، يسلكون في تقرير الدين والحكم على الأشياء الشرعية، بل وحتى على مصائر الأمة ومصالحها العظمى على مقررات عقولهم، ثم يأتون بالدليل ليعضد قولهم، ويردون ما لا يعضد قولهم أو يؤولونه، هذا منهج سائد عند جميع أهل الأهواء، يتفق فيه المتقدمون والمتأخرون، وهو أنهم يعتمدون في طرائقهم على أن يبتدئوا في الاعتماد في تقرير الدين ومصالح العباد: من أنفسهم، من عقولهم، من مقررات أفكار البشر، من مبادئ البشر؛ ولذلك تجدهم يتحاكمون إلى مبادئ البشر، ويجعلون واقع البشرية هو الحجة.

فأنت عندما تناقش متكلماً أو متفلسفاً أو متحذلقاً من هؤلاء المتحذلقين الآن -كفانا الله شرهم- في كثير من القضايا يضرب لك مثلاً من الواقع، والواقع ليس دليلاً، نعم الإسلام يعالج الواقع، لكن يجب ألا أجعل الواقع هو الحجة، بل الدليل هو الحجة، ولن أعدم من دليل يعالج واقع المسلمين أبداً.

فأحكام الإسلام عامة على الأصل، وهناك ضرورات، فلا أجعل واقع الأمة وواقع البشرية وواقع الناس حتى واقع المسلمين هو الذي يرغمني بأن أطوع بفكري وبعقلي القاصر الأدلة الشرعية والدين؛ ليتماشى مع أحوال الناس ويبررها.

وهذا كما أنه يكون في أمور العقائد يكون في أمور الأحكام والمواقف؛ ولذلك نجدهم يجعلون مثلهم الأعلى الحياة الغربية، ومن تأمل الحياة الغربية يجد أنها حياة تعيسة، هي من خارجها ديكور منمق، لكنها تنطوي على كل معاني الفساد والرذيلة والكفر، والدمار للنفس البشرية وللمجتمع البشري كله، تنطوي على كل معاني الانهيار والفساد والبعد عن منهج الله عز وجل، وتنطوي على معاني الشقاء، وهي في ظاهرها كالآلة، تجد فيها أشكالاً تعجب الناس الذين همهم الظواهر فقط؛ ولذلك أصحاب هذا الاتجاه من المتقدمين والمتأخرين لا يتكلمون عن الآخرة، وليست على بالهم، نجاة المسلمين في الآخرة ليست على بالهم، يهمهم واقع المسلمين في دنياهم، فتجدهم يطنطنون ويجعجعون حول ضرورة النهوض بالمسلمين اقتصادياً وسياسياً وفكرياً واجتماعياً، وما علموا أن ذلك لا يكون إلا باستقامة قلوب الناس على دين الله عز وجل، وبتعبيد الناس لله وحده، وأنهم إذا استقامت قلوبهم وعبدوا الله وحده هيأ الله عز وجل الدنيا لهم وأتتهم وهي راغمة.

إذاً: التعويل على النفس والاعتماد على العقل والرأي الشخصي وتقرير الدين من خلاله هو الفارق بين أهل السنة وبين الذي يسلكون هذا المسلك، أهل السنة بحمد الله يبحثون عن الدليل، وماذا يوجه إليه الشرع؟ وماذا يريد الله عز وجل من العباد؟ وماذا وجهنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم من خلال قوله أو فعله أو تقريره؟

ثم إذا عرفنا ماذا وجهنا الشرع؛ أخذنا أمورنا ومشاكلنا ومسائل الدنيا فطبقناها على هذا الأصل.

فلا نعتمد في تقرير الدين على النفس والعقل كما يفعل الكثير اليوم، وهذا أمر مهم جداً في الفارق بين أهل الأهواء والبدع والافتراق وعلى رأسهم أهل الكلام، وبين أهل السنة الذين يعتمدون على شرع الله عز وجل.

أما ما قاله الشيخ إسماعيل الكوراني للمتكلم: أنتم تقولون: إن الله يعرف بالدليل، وقول شيخ الإسلام بعده: (فيه إشارة إلى الطريقة العبادية) فقصده أن هذه القاعدة التي تقوم بها العبادة عند المتصوفة: أنهم يجعلون مرتكز العبادة المعرفة بالله عز وجل التي يصلون إليها برياضة النفوس والرياضة التعبدية، فالشيخ يقول: إن هذه الطريقة ليست سليمة على كل حال.

فالطريقة العبادية وسيلة من الوسائل الشرعية، ولكنها إذا خلت من التزام الشرع فقد يكون فيها نوع من الانحراف.

فالمقصود بالعبادية: التعبدية، والطريقة التعبدية إذا قصرناها على المعرفة الذاتية فهذا لا يجوز، أي: معرفة الواردة على النفوس هذا لا ينبغي، لكن لو جمعنا في الطريقة العبادية بين الاهتداء بالشرع مع تعبيد القلوب لله وما يهدي النفوس من مقتضى الفطرة من هنا تكتمل العبادة المطلوبة على ما يرضي الله عز وجل.

قال رحمه الله تعالى: [ وجعلوا العلوم الحسية والبديهية ونحوها هي الأصل الذي لا يحصل علم إلا بها ].

أشار الشيخ بهذه القاعدة إلى مذهب الحسيين، هذا السبيل ليس كما يظن كثير من الباحثين أنها من منتجات المدنية الغربية الحديثة، لا، المذهب الحسي مذهب قديم عند اليونان، وعند الهنود، وعند كثير من الفلاسفة الذين لا يؤمنون إلا بالمحسوس، وهذا المذهب تأثر به كثير من المتكلمين؛ ولذلك قاسوا عالم الغيب على عالم الشهادة، من ذلك: قاسوا أسماء الله وصفاته على عالم الشهادة وعلى صفات المخلوقين، هذا اعتماد على الطريقة الحسية وعلى العلوم الحسية والبدهية، وليست هي الأصل في العلم، لكنها مؤيدات، العلوم الحسية مؤيدات للشرع، مؤيدات للدلالة الفطرية والهداية الإيمانية، لكن أن تستقل، لا؛ ولذلك لا يمكن أن تتعارض دلالة حسية مع دلالة شرعية أبداً؛ لأن هذا أمر الله وهذا شرعه، ولا يتعارض أمر الله وشرعه أبداً.

قال رحمه الله تعالى: [ ثم زعموا أنهم إنما يدركون بذلك الأمور القريبة منهم من الأمور الطبيعية والحسابية والأخلاق، فجعلوا هذه الثلاثة هي الأصول التي يبنون عليها سائر العلوم؛ ولهذا يمثلون ذلك في أصول العلم والكلام بأن الواحد نصف الاثنين، وأن الجسم لا يكون في مكانين، وأن الضدين كالسواد والبياض لا يجتمعان.

فهذان الفنان متفق عليهما ].

يقصد بالفنين: العلوم الحسية، والبدهية، فما كان حسياً معلوماً فلا يحتاج إلى أن نتجادل فيه، وكذلك البدهي، فالشيخ يشير بهذا إلى أن هذه العلوم لا تتجاوز نفسها، يعني: العلوم الحسية لا يمكن أن تكون دليلاً على الغيب، ولا وسيلة إلى الحكم بالغيب.

وكذلك البدهية لا يمكن أن تكون دليلاً على الغيب، ولا أيضاً وسيلة إلى إدراك الغيب نفياً ولا إثباتاً؛ ولذلك من أسباب ضلال المتأخرين خاصة العقلانيين أنهم جعلوا مقياس الإيمان ومرتكز الإيمان بالغيبيات هو العلوم الحسية، وأنكروا كثيراً من الغيبيات، وقالوا: هذا لا يصدقه العلم التجريبي ولا يؤيده.

فأنكروا كثيراً من قضايا الغيب وأخباره، مثل: أشراط الساعة، وأحوال القيامة، وأنكروا كثيراً من قضايا الدين والأخبار بناء على الاعتماد على هذين الأصلين الحسي والبدهي، وهذان الأصلان: الحسي، والبدهي متفق عليهما في ذاتهما، لكن لا نحكم بهما في أمور الغيب؛ لأن أمور الغيب ليست محسوسة ولا داخلة في البداهة، فهي أمور لا يعلمها إلا الله عز وجل؛ ولذلك امتدح الله المؤمنين بالغيب.

الأسئلة

حكم تسمية الله تعالى باسم النور

السؤال: هل النور اسم من أسماء الله تعالى؟

الجواب: هذا محل خلاف، وليس هناك دليل مرجح، حتى شيخ الإسلام على قوة تحقيقه رحمه الله لما تكلم على آية سورة النور تكلم بكلام طويل جداً وذكر أقوالاً ولم يرجع منها قولاً.

تقييم كتاب: (قصة الإيمان)

السؤال: هل من تعليق على كتاب (قصة الإيمان) ؟

الجواب: كتاب (قصة الإيمان) أنا قرأته قديماً قبل أكثر من عشرين سنة، فأقول: إن الكتاب سلك مسلك المتكلمين، ولا يؤيد على طريقته في الجملة، وإن كان وصل إلى بعض النتائج الطيبة، وأيضاً اختلف عن مسلك المتكلمين بأنه أحياناً يلامس القلوب بالموعظة، وهذا الجيد فيه، لكنه سلك مسلك المتكلمين في تقرير التوحيد، وهذا خطأ.

وجه مخالفة أهل الأهواء في كون الفطرة على الخالق

السؤال: هل نازع أهل الأهواء أن الفطرة تدل على الخالق؟ وكيف الرد عليهم؟

الجواب: هم مبدئياً لا ينازعون، لكنهم عند التفصيل يخرجون عن مقتضى هذا الأصل؛ لأنهم يفسرون الفطرة بتفسيرات خاطئة، ويجعلون دلالة العقل من الفطرة، وهذا لا شك أنه يحتاج إلى تفصيل، ليست كل الدلالات العقلية من الفطرة، دلالات العقل التي ترجع إلى الأمور الضرورية البدهية فعلاً هي من الفطرة، أما دلالة العقل في الأمور الفلسفية غير اليقينية التي لا توجد ضرورة في النفس؛ فإنها ليست على مقتضى الفطرة، فالعقل قد ينحرف عن الفطرة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [3] للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

https://audio.islamweb.net