إسلام ويب

بيان المراد بواجب الوجود عند المتكلمين

السؤال: ما المراد بقولهم: واجب الوجود؟

الجواب: هذا تعبير عن مصطلح المتكلمين والفلاسفة الذين يسمون الله سبحانه وتعالى بواجب الوجود، بمعنى الذي وجوده معلوم بالضرورة، وليس الواجب هنا بمعنى الواجب الشرعي المكلف به، إنما الواجب الذي يسلم العقل به ضرورة.

وبمعنى آخر: الواجب بمعنى اللازم الأزلي الذي لا يفتقر وجوده إلى موجد، بل وجود الموجودات يفتقر إليه، وعكسه المخلوق المحدث، فيسمونه الممكن، وهذا تعبير فلسفي الأولى في الحقيقة تفاديه، فالتعبير بأنه جل جلاله هو الأول الذي ليس قبله شيء -كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم- هو الأولى.

بيان ما يوصف به المخلوق من الكمال

السؤال: هل يصح إطلاق الكمال على المخلوق؟

الجواب: الكمال للمخلوق كمال نسبي بحسبه، وليس للمخلوق كمال مطلق، بل كماله كمال نسبي محدود، فقد يقال: هذا الإنسان كامل في أخلاقه أو كامل في علمه، وهذا من باب التساهل في التعبير، وهو تعبير صحيح، بمعنى أنه أدرك أو بلغ الكمال الإنساني اللائق بالمخلوق، وليس المقصود الكمال المطلق الكمال الذي هو كمال الله سبحانه وتعالى.

حكم استيقان ما يذكر في كتب الاعتقاد

السؤال: ما هو حكم استيقان ما يذكر من أمور الغيب في كتب الاعتقاد؟

الجواب: الأمور التي ورد فيها، النص تتيقن ولا شك، لكن الأمور الغيبية التي لم يرد فيها، فكلام المتكلمين عن التأويل والتعطيل أمر لم يرد به النص، ولا يمكن أن نتيقن معنى من المعاني التي وردت بإملاء العقل إذا كانت على طريق التأويل أو التعطيل.

حكم التعويل على العقل في تأكيد البدهيات في حق الله تعالى

السؤال: هل يعول على العقل في تأكيد البدهيات؟

الجواب: ما يتعلق بالله تعالى يجب أن نأخذه من الشرع؛ حتى لا نصفه تعالى بما قد يظن أنه كمال في حقه بالنظر إلى المخلوقين وهو ليس كمالاً بالنسبة له سبحانه، فما سكت عنه الشرع نفياً أو إثباتاً لم يكن للعقل أن يثبته أو ينفيه، وأما الكمال المطلق أو النقص الذي تدركه العقول بداهة فإنه يعول عليها فيه، فالعدم ينفيه العقل قطعاً، فهنا يجوز التعويل على العقل في هذا الأمر العام المطلق.

وكذلك النقص والعيب ينفيه العقل مطلقاً عن الله سبحانه وتعالى على وجه الإجمال، فالعقل يعول على تأكيده في البدهيات التي لا يسع العقل أن ينفك عن إثباتها أو عن نفيها.

علاقة العقل بالأدلة الشرعية وحدوده معها

السؤال: ما هي حدود العقل مع الأدلة الشرعية؟ وكيف نقول: إننا نكتفي بالدليل والعقل تابع له، ونحن لا يمكن أن نفهم الدليل أو نعرف معناه إلا باستخدام العقل، ولو نظرنا إلى الدليل بدون عقل فإن نظرنا لا فائدة منه؟

الجواب: هذا سؤال مهم، وجدير بالعناية، وسيأتي في الطحاوية في دروس قادمة بإذن الله، ولكن نقول في هذا: إن العقل هو وسيلة الفهم، وهو وسيلة الإدراك، وهو مناط التكليف، فلا يكلف إلا عاقل، فمن هنا كان العقل هو الوسيلة لفهم الشرع، بل هو وسيلة لفهم العقيدة بمعنى الإيمان بها، لكن كونه وسيلة لا يعني أنه هو الأصل؛ لأن العقل هو الدليل، لكن المدلول أكبر من الدليل، فنظرك يدلك على الشمس، فهل النظر أكبر من الشمس؟ الشمس موجودة، سواء وجد نظرك أو لم يوجد، وسواء ملكت الوسيلة أو لم تملكها، والخلق دال على الخالق، والخالق سبحانه وتعالى موجود سواء وجد الخلق أو لم يوجد.

فالخلق هو وسيلة لمعرفة الخالق، لكن ليس وجود الخالق متوقفاً على وجود الخلق، والإيمان بالخالق لا يتوقف على النظر في المخلوقات، إنما هو من وسائل الإيمان بالخالق، والعقل كذلك، فالعقل وسيلة إلى معرفة الثوابت واليقينيات بقدر ما يستطيعه.

وقد أورد الشارح مثلاً جيداً للعقل مع النقل يبين أن العقل دليل على الحقائق، لكن الدليل لا يكون أكبر من المدلول، حيث يقول: لو أنا افترضنا أن هناك ثلاثة أشخاص، أحدهم عالم، وهو الذي يملك العلم اليقيني، والثاني: جاهل يحتاج إلى من يرشده، والثالث: دليل يدل على العالم، فلو أن إنساناً من العامة سأل الدليل فقال: في نفسي سؤال أريد أن ترشدني إلى من يدلني. فهذا المرشد سيدل السائل على العالم، فلو أنه وصل إلى العالم فسأله فأجابه على المسألة بدليلها، فهل يملك الدليل أن يقول: أنا أفتيك بغير فتوى العالم؛ لأني أرشدتك إليه؟! فهذا لا يمكن؛ إذ كونه دليلاً لا يدل على أنه أقوى من المدلول عليه.

إذاً: فالعقل إنما هو وسيلة، والوسيلة ليست هي كل شيء.

حكم التماس الحكمة في التشريع

السؤال: هل للعقل السؤال عن حكمة الأمور التعبدية، كالسؤال عن الحكمة من الصلوات؟

الجواب: التماس الحكمة جائز شرعاً في كل أمر، وإذا التمس الإنسان الحكمة فهذا أحياناً يعينه على قوة اليقين والإيمان، لكن يجب ألا يتوقف تصديقه ولا عمله على معرفة الحكمة، فلو توقف تصديق الإنسان وعمله على معرفة الحكمة لترك كثيراً من أمور الدين، كما روي عن علي بن أبي طالب : (لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من مسح أعلاه)، لكن الدين ليس بالرأي، فلا مانع من أن يلتمس الحكمة؛ لأن هذا يقوي إيمانه ويقينه، فتؤيد الأدلة النقلية بالبراهين العقلية، لكن بشرط ألا يتوقف الإيمان ولا العمل على النظر في الحكمة.

بيان معنى قواعد النظر العقلي

السؤال: قال المحقق: (وقد استنبطوا من آياته قواعد النظر العقلي)، فما قواعد النظر العقلي؟

الجواب: قواعد النظر العقلي هي قواعد الاستدلال العقلي على الأمور الحسية أو على الأمور الغيبية التي تؤيد النصوص الشرعية، والمتكلمون يستدلون بقواعد النظر العقلي حتى على الأمور الغيبية التي لا يمكن أن يدركها العقل.

العقل وإقحامه في معرفة كيفيات البعث والنشور ونحو ذلك

السؤال: ذكر ابن خلدون في مقدمته منع أن يدخل العقل ويحكم في العقيدة والقيامة والبعث والنشور وغيرها كما فهمنا، فهل هذا على إطلاقه في جميع نواحي العقيدة، فيعطل العقل ويكتفى بما جاءنا بالنقل؟

الجواب: هذه الأشياء لا يستقل العقل بإدراكها على التفصيل، فلا يمكن أن العقل يدرك ما يتعلق بالقيامة والبعث والنشور على التفصيل، فلا مجال للعقل في إدراك هذه القضايا السمعية على جهة التفصيل أبداً، وهذا أمر يدركه كل عاقل، ويمكن أن أقول على سبيل الجزم: إني أتحدى أن يكون عقل من عقول البشر من أول الدنيا إلى آخرها قد أدرك مستقلاً شيئاً مفصلاً عن يوم القيامة والبعث والنشور، إنما يظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، فكلام ابن خلدون صحيح في هذا المجال، ولا يسمى هذا تعطيلاً للعقل؛ لأنك إذا استعملت الشيء في غير ما يطيقه فهذا إرهاق له، إذا استعملت أي شيء فيك بأكثر مما يطيق فهذا لا يسمى تعطيلاً، بل يسمى إرهاقاً.

إذاً: العقل إذا استخدم فيما يستطيع فهذه وظيفته، والعقل إنما مجاله عالم الشهادة وليس عالم الغيب، وهذا أمر مدرك بالعقل نفسه، فإذا كان العقل نفسه يعرف أنه لا يعقل الغيبيات؛ فترك إقحامه في الغيبيات هو إكرام له وإشفاق عليه، وأنت إذا رحمت إنساناً فمنعته من أن يحمل أكثر مما يطيق كان هذا إشفاقاً عليه، لكن لو أنك حملته ما لا يطيق كان هذا عنتاً عليه، وهذا هو مثل العقل، فالعقل إذا كلفناه البحث في أمور الغيب حملناه ما لا يطيق، وإذا أعفيناه من البحث في أمور الغيب فإنما نكون أشفقنا عليه وكرمناه، فإكرام العقل استخدامه فيما يستطيع.

معنى الواحد عند المتكلمين

السؤال: ما معنى قوله: (الواحد عند المتكلمين ما لا صفة له، ولا يعلم منه شيء دون شيء ولا يعرف)؟

الجواب: الفلاسفة والمتكلمون الذين ظهروا في الإسلام -خاصة الغلاة منهم- يقولون: الواحد فكرة مجردة لا حقيقة لها، بمعنى أنه لا أداة له، فالواحد هو جميع الموجودات، فلذلك اعتقدوا وحدة الوجود؛ لأنهم يقيسون الأمور بمقاييس عقلية، فقالوا: إذا قلنا بأن الله له ذات موصوفة ما صار واحداً، بل يصير هو والمخلوقات اثنين، وهذه فلسفة متهافتة؛ لأن المراد بالواحد الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، لا مقارنته بالمخلوقات أو مشابهته أو مساواته بالمخلوقات، فالحق الذي عليه أهل الحق أن الله سبحانه وتعالى واحد في ربوبيته وأسمائه وصفاته، وله الكمال المطلق، وكل ما سواه ناقص فانٍ.

وأولئك إذا قالوا هذه الكلمة قصدوا بها وحدة الوجود، فمن هنا زعموا أن الله لا يقبل من الصفات غير صفات المخلوقين، فلذلك ينفون الأسماء والصفات عن الله تعالى ويطلقون على الله صفات النقص التي في المخلوقين، كما في أشعارهم وفي كلماتهم وفي كتبهم، ومن الخير لكم ألا تروا ولا تسمعوا من ذلك شيئاً.

الكفر بين إرادته كوناً وعدم الرضا به شرعاً

السؤال: إذا قيل: إن الله يريد الكفر من الكافر ويشاؤه ولا يرضاه ولا يحبه، فيشاؤه كوناً ولا يرضاه ديناً، فما المراد بذلك؟

الجواب: الإرادة ليست هي المشيئة بإطلاق، فالمشيئة كلها متعلقة بالأمور الكونية العامة، متعلقة بالربوبية، أما الإرادة فنوعان: إرادة كونية -وهي المشيئة-، وإرادة دينية وهي ما يريده الله شرعاً، وما يرضاه وما يحبه، وإذا مثلنا بكفر الكافر انطبقت عليه هذه الدرجات من المشيئة ثم الإرادة الكونية والإرادة الدينية، فالكافر حينما كفر فإنما كفره بمشيئة الله، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء وهو المقدر لكل شيء، ولا يخرج شيء عن قدر الله ومشيئته، لكن لا يعني ذلك أن الله يرضى ذلك ويحبه، بل الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب ذلك لهم ويكره ذلك منهم، وهذا الأمر الفاصل بين الإرادة الكونية العامة والإرادة الشرعية.

كما أن الله سبحانه وتعالى جعل للعبد إرادة، وإرادته هي حريته في أن يختار الخير أو يختار الشر، وذلك متعلق بأوامر الله ونواهيه وببيانه الذي بين للعباد، أعني بذلك أن الله سبحانه وتعالى بين للعباد طريق الخير وأرشدهم إليه وفطرهم عليه، وبين لهم طريق الشر وحذرهم منه ونفر فطرهم منهم، وجعل لهم الإرادة والاختيار، وأرشدهم إلى أن من سلك الخير فإنه يقدره على ذلك ويهديه ويسدده ويرشده ويثيبه، وأن من أراد الشر فإنه سبحانه وتعالى يقدره عليه، لكنه يتوعده ويعذبه، وهذا أمر واضح يدركه كل عاقل، ولو أن الإنسان قسر قسراً على الشر لما حوسب، فلو تصورنا أن إنساناً قسر على الشر قسراً بدون إرادة ولا إدراك؛ فهذا فاقد لعقله وفاقد للتمييز الذي يميز به بين الحق والباطل، ومن هنا لا يكلف.

إذاً: التكليف على حرية الإنسان وقدرته ورغبته، ثم على البيان الذي بينه الله له، فقد بين له طريق الخير وبين له طريق الشر، فهذا داخل فيما يتعلق بإرادة الله الشرعية.

الفرق بين الأشاعرة وأهل السنة في إثبات صفة السمع

السؤال: ما الفرق بين إثبات الأشاعرة لصفة السمع وإثبات أهل السنة لها؟

الجواب: هناك بعض الفرق، وكلهم مثبتة فيما يتعلق بصفة السمع، ولكن إثبات الأشاعرة لصفة السمع فيه نوع فلسفة، بمعنى أنه فيه زيادة على ألفاظ الشرع، حيث عبروا عن تعلقها بذات الله سبحانه وتعالى أو بتعبيرات فلسفية، أما السلف فأثبتوها كما جاءت بدون زيادة، ولا يخوضون في كيفية تعلقها بالله سبحانه وتعالى؛ لأن تعلق الصفات بالموصوف -وهو الله سبحانه وتعالى الذي ليس كمثله شيء- لا يمكن أن يدرك على جهة التفصيل.

تربية النفس بأسماء الله وصفاته ما يصح منه وما لا يصح

السؤال: نسمع كثيراً أنه ينبغي للمسلم أن يربي نفسه بأسماء الله وصفاته؟

الجواب: التخلق بصفات الكمال التي تليق بالبشر ممكن، بمعنى أنَّ هناك من صفات الكمال ما ألفاظه مشتركة، فهي في حق الله تعالى صفات كمال مطلق تليق بالله ولا تشبه صفات المخلوقين، وهي في حق المخلوق كمال مقيد، بمعنى أنها ليست كمالاً مطلقاً، كصفة الرحمة، فهي من صفات الله سبحانه وتعالى، وهي لله على الكمال المطلق، والعبد المؤمن المخلص يسعى لأن يكون في منتهى الرحمة التي يقدر عليها العباد، فإذا كان من هذا الوجه فنعم، أما إذا كان كما يقول بعض المبتدعة: إن صفات الله قد يتصف بها بعض من يقدسهم أتباعهم، كالأولياء عند الصوفية والأئمة عند الرافضة، فيجعلون لهم من صفات الله تعالى ما لا يجوز إلا لله من صفات الإلهية والربوبية، فهذا باطل.

وأما التعبد بأسماء الله فهو وارد، بمعنى أن الإنسان إذا استشعر صفة العظمة لله سبحانه وتعالى فهم منها المعاني التي تعينه على عبادته، فذكر أسماء الله وصفاته في كتاب الله وفي السنة لا شك في أن له ثمرة وفائدة، ومن ثمراته أن المسلم يتخلق بما يستطيعه من الأخلاق الفاضلة وأخلاق الكمال وصفات الكمال، لكن هذا بقدر مقيد، والدخول فيه يكون على هذا النحو، والله سبحانه وتعالى أمرنا بالأخلاق الفاضلة والإحسان بأوامر مستقلة عن مسألة الأسماء والصفات.

الموقف من الإفراط والتفريط في التكفير

السؤال: ذكرت أن الشرك سيقع في هذه الأمة، وأنه يجب ألا يكون العطف والشفقة سبباً في عدم وصف من اتصف بصفات شركية بما هو عليه، لكن المرء يحار حين يرى الناس بين مُفرِّط في التكفير ومُفرِّط فيه، فما هو الحل لهذه المشكلة؟

الجواب: هذا أمر واقع فعلاً، وهذه المسألة الآن واقعة بين الناس، وقليل منهم من يتوسط، وأكثرهم ما بين مغال في الاتهامات والتكفيرات حتى باللوازم وبما لا يكفر أو بمجرد الظواهر والحكم على القلوب، وآخر لا يرى التكفير حتى للكافرين، وهذه مسألة لابد من التوسط فيها، والتوسط هو من منهج السلف، فمنهج السلف أمامنا في الكتب، وفي عمل أئمة ومشايخ أهل السنة الموجودين بحمد الله، وهم الذين يرجع لهم في هذه الأمور، وأرى أن من أمثل ما تقوم به الحجة على الناس من أساليب علمائنا المعاصرين أسلوب الشيخ: عبد العزيز بن باز حفظه الله، فهو بحق يأخذ بمنهج أهل السنة والجماعة، وهو جدير بذلك، وأراه القدوة الذي ينبغي أن يوجه الشباب إلى مثل منهجه، ولذلك نجد تلك الطوائف قد تقول في أقوال الشيخ أشياء ولا تتورع.

فالمنهج الوسط -بحمد الله- بين بأقوال مشايخنا وبين بمنهج السلف، لكن يبقى كيف نعالج هذه الظواهر، هذا هو السؤال الذي طرح، وفي رأيي أن المعالجة تكون بأمور:

أولها: أن نسعى لارتباط الشباب بالعلم الشرعي الأصيل المتعلق بعلاج هذه الأمور المتمثل في كتب العقيدة وأقوال السلف، ونعالج من خلاله هذه الظواهر معالجة عقدية.

الأمر الثاني: لابد من بيان هذا في قواعد واضحة وبالأمثلة الواضحة، ومن خلال المحاضرات والدروس والندوات، فينبغي لهذه الطائفة من طلاب العلم والمشايخ أن يعالجوا هذه المشكلة: مشكلة التكفير، ومشكلة التساهل إلى حد الإرجاء.

والأمر الثالث: أنه لابد من تأليف كتب إضافة إلى نشر المحاضرات في هذا الموضوع بشتى الوسائل، فلابد من تأليف كتب ورسائل صغيرة تعالج هذه القضايا بدقة وبوضوح وبالأمثلة، وإلا فالمسألة بدأت تستفحل، ومما يؤلم أن ظاهرة التكفير أكثر من تصدر عنهم أناس ينتسبون للسلفية، ووجه الفتنة بهم أن عقائدهم سليمة من حيث الجملة، لكن سلوكهم وأعمالهم غير سليمة، فوقعت الفتنة في الشباب، حيث أخذوا بسلامة اعتقادهم وجعلوه مبرراً لسلامة المنهج، حتى وقع كثير من الشباب في تلك المشكلة وجاءوا يسألوننا عن هذه المسائل، فوقع كثير منهم في اضطراب وحيرة، حيث كانوا يعرفون فلاناً من الذين يعنون بعقيدة السلف، وكان مرجعاً في عقيدة أهل السنة والجماعة، فلما وقعت الفتن ولغ في أعراض الناس، ووقع في التكفير، وأحرج الأمة بأحكام ملزمة، وتكلم في طلاب العلم والمشايخ، وتجرأ على الدعاة وألزم بما لم يلزم، ونبز بالألقاب، ووقع في الأسلوب الذي كان يحذر منه، نسأل الله العافية.

ونحن لا نشمت، لكن هذا أمر واقع، ومصدر الفتنة -كما قلت- أن أكثر أحكام التشدد والتكفير والنبز بالألقاب واتهام الدعاة واتهام النيات والصلف -وهذا أمر مؤلم، ولكن أقول ما عندي، وأرجو أن أكون مخطئاً- مصدرها من يعرفون بسلامة العقيدة، وهذه مصيبة، والعكس كذلك، فهناك طائفة كثيرة في المثقفين بالثقافة الأفقية التي هي ثقافة أكثر شباب المسلمين اليوم، الثقافة التي لم تؤخذ عن أصل الشرع، لا يريدون أن يكفروا من المسلمين أحداً، فكل المسلمين عندهم داخلون تحت إطار الإسلام العام، ويتجاهلون أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، ويتجاهلون الواقع، وكأن إشفاقهم هذا صار إشفاقاً على الناس أكثر من أن يكون إشفاقاً على الإسلام.

وهذا يتزعمه الآن مفكرون كبار، ويؤلفون كتباً تتجه للإرجاء، حتى إنهم يتكلمون في رد حديث الافتراق خشية أن يقع في الأمة المفترقة افتراق.

العمل بالعلم حكمة

السؤال: ذكر المعلق أن من يعرف الحق ويعمل به يدعى بالحكمة، فكيف ذلك؟

الجواب: الحكمة: هي وضع الشيء في موضعه، ومن وضع الشيء في موضعه العمل بما يعلمه الإنسان، يعني: أن الأصل في المسلم إذا علم علماً يستطيع العمل به أن يعمل به، بل هو أمر مطلوب، وهذا عين الحكمة، وليس من الحكمة أن يعلم الإنسان العلم الشرعي ثم لا يعمل به.

بطلان زعم القائلين بتفصيل الأنبياء الشرائع بعد نزولها مجملة عليهم

السؤال: ما صحة قول بعض القائلين: إن الشرائع التي تنزل من الله سبحانه وتعالى على الأنبياء تكون مجملة، ثم الأنبياء يفصلون فيها؟

الجواب: هذا غير صحيح؛ لأن الأنبياء في عملهم إنما يسترشدون بالوحي، فلذلك الشرائع مفصلة كما أنزلت من الله سبحانه وتعالى، وعمل الأنبياء هو التطبيق في الأمور العملية والأحكام العملية، وكل ذلك بأمر الله، أما أن يقال: إن الشرائع تنزل إجمالاً ثم الأنبياء يفصلونها؛ فهذا مبني على القول بخلق القرآن، والقول بأن القرآن هو معنى نفسي قائم بذات الله، أو نحو هذا من المعاني التي يقول بها المتكلمون، فمؤدى قولهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي فصل، وإلا فالقرآن نزل مجملاً، وهذه كلمة خطيرة، وبدأت تظهر، فأنا قرأت ما يشعر بها عند بعض الكتاب المحدثين، وهذا يراد به أننا نستغني عن تفصيلات الدين التي عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم في وقته؛ لأنها تناسب وقته، ونرجع إلى جملة الدين -أي: جملة الوحي- كما يقول من يسمون بالقرآنيين ومن يسمون بالعصرانيين ومن يسمون بالعقلانيين الآن.

والدين كله مطلوب، ليس فيه فرق بين تفصيلات وإجماليات، والتفصيلات هي المطلوبة، أما الإجماليات فيدركها حتى الكفار، وينبغي أن يعلم هذا، لكن الكلام على التفصيلات.

الموقف من تأويل الحافظ ابن حجر لبعض الصفات

السؤال: ما قولكم في الحافظ ابن حجر رحمه الله في تأويله لبعض الصفات؟

الجواب: أولاً: ينبغي أن يعلم أن ابن حجر رحمه الله إمام من أئمة المسلمين، إمام وقدوة، يجب أن نترحم عليه وأن نواليه وأن نحبه، ولا يجوز لأحد من المسلمين أن يجعل في نفسه أي غل لمثل هذا الإمام، أما كونه أول بعض الصفات فذلك صحيح، وخطؤه في ذلك من الخطأ الذي يغتفر؛ لأننا نعرف أنه على نهج السنة والجماعة، ما أول بطريقة المتكلمين ولا بتعسف المؤولين، إنما حكى أقوال المؤولة أحياناً دون أن يوجهها لا بتأييد ولا باعتراض، وأغلب تأويله من هذا النوع، فهو يأتي بالأقوال وكأنه يحكيها أو كأنه يوافقها، ومع ذلك قد يؤول بعض الصفات، لكن في الأمور الأخرى نهجه نهج أهل السنة والجماعة في سائر أصول الدين.

حكم التعميم بتبديع كل مؤول وحكم التأويل أو التشبيه الناشئ عن الجهل

السؤال: هل كل من أول في الصفات من أهل البدع، وما الضابط في ذلك، وهل الجاهل الذي يخطئ في أسماء الله وصفاته بتأويل أو تشبيه أو تمثيل يأثم في ذلك؟

الجواب: من المعروف أنه ليس كل من ارتكب بدعة يوصف بالابتداع، ولا كل من ارتكب كفراً يوصف بالكفر، ولا كل من ارتكب معصية يوصف بالعصيان، إلا بعد ترتيب أحكام أخرى عليه، بمعنى: بعد أن نتأكد من عوارض الجهل وعوارض الإكراه وعوارض التأويل الذي له مسوغ عند من تأول، فمثلاً: من أول الصفات على نحو يشعر بأنه لا يقصد التأويل عند المؤولة الذين منهجهم التأويل؛ فهذا يغتفر له حتى يتبين أنه يقصد التأويل عند المؤولة الذين تعمدوا التأويل ابتداء، فالمؤولة على صنفين:

أولهم: الذين جعلوا التأويل قاعدة من قواعد اعتقادهم، كالأشاعرة والماتريدية، وقبلهم الفرق الكلامية الأخرى، فهؤلاء جعلوا التأويل قاعدة من قواعد الاعتقاد فما جاء التأويل عندهم عرضاً أو عن اجتهاد عارض أو عن لبس أو عن اشتباه، فهؤلاء مؤولة وحكمهم حكم المؤولة، ولا يقال أيضاً: إنهم كفار؛ فأهل العلم لم يكفروهم.

الصنف الثاني: من يؤول عن اشتباه أو التباس أو عن اجتهاد، ولا يقصد الأخذ بقاعدة التأويل ابتداء، فهذا يعذر بفعله وإن خالف غيره، فلا يعد من أهل البدع.

أما الجاهل الذي يخطئ في أسماء الله وصفاته بتأويل أو تشبيه أو تمثيل؛ فالأصل فيه ألا يخوض في أسماء الله وصفاته، فإن خاض بغير علم وأدى خوضه إلى أن يقول ما لا يجوز فهو آثم بفعله، لكن لا يكفر إذا كان جاهلاً ولم يقصد المبدأ الكفري الذي عليه الفرق، فهذا غاية ما يقال فيه: إنه لا يكفر، أما الإثم فإنه إذا تكلم في العقيدة وهو جاهل ثم أدى كلامه إلى الخوض أو إلى التلفظ بما هو ممنوع؛ فإنه آثم؛ لأنه خاض فيما لا يعلم، والمسلم محاسب في مثل هذا الأمر؛ فيجب ألا يقول على الله إلا بعلم.

الفرق بين البدعة المكفرة والبدعة المخرجة من الملة

السؤال: ذكرت أن من أنواع البدع المكفرة، والمكفرة منها ما هو مخرج من الملة، فما الفرق بين البدعة المكفرة وبين البدعة المكفرة المخرجة من الملة؟

الجواب: البدعة المكفرة المخرجة من الملة هي التي تناقض أصلاً من الأصول القطعية، أو تؤدي إلى الشرك في العبادة، فالبدعة إذا أدت إلى الشرك الصريح فهي بدعة مكفرة مخرجة من الملة، وكذلك البدعة التي تناقض أصلاً ضرورياً معلوماً من الدين بالضرورة، كإنكار اليوم الآخر -مثلاً- أو إنكار أسماء الله، فهذه بدعة مكفرة مخرجة من الملة، وهناك بدع مكفرة لا تخرج من الملة، كبدع بعض الخوارج، كاعتقاد تكفير شخص، بدعوى أنه ارتكب مكفراً، فتكفيره -وإن كان لا يستحق الكفر- قد يكون بدعة مكفرة، لكن لا تخرج من الملة.

حكم قول: (بصمة الله على خلقه)

السؤال: ما رأيك في قول: (بصمة الله على خلقه)؟

الجواب: هذا كلام لا يجوز، يقصد بالبصمة العلامة، ففي كل ما يتعلق بالتعبير عن أسماء الله وصفاته أو أفعال الله لا ينبغي أن تترك الألفاظ الشرعية، بل يحسن أن يتقيد المسلم بالألفاظ الشرعية ويتفادى الألفاظ الموهمة التي ربما يكون في إطلاقها سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى.

أنواع المعاصي بالنسبة إلى البدع

السؤال: هل يعتبر صاحب المعصية من أهل البدع؟

الجواب: المعصية معصيتان: فهناك معصية هي من الفجور، وأغلب المعاصي من هذا النوع، وهناك معصية يصاحبها اعتقاد، فمثلاً: إنسان يأكل الربا ويستحله، أي: يرى أنه حلال، يقول: الربا ما فيه شيء، والربا كالبيع لا فرق، كما قال أهل الجاهلية، فنقول: قائل هذا القول صاحب بدعة مغلظة، كمن يسجد للقبر أو يدعو غير الله، أما إذا لم يستحل فهو فاجر وعاص مهما كانت ذنوبه، فإن استحل الذنب فقد جمع بين البدعة والمعصية.

الموقف من دعوى تقديم الاهتمام بتوحيد كلمة المسلمين على الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك

السؤال: إن أول واجب هو توحيد الله وحده ونبذ الشرك والبدعة، لكن هناك من ينادي بأعلى صوته -خاصة ممن ينتسبون للدين والعلم- بأن نجعل هذه المسائل في المرتبة الثانية بعد اجتماع الكلمة، وحجتهم في ذلك: أننا إذا ما اهتممنا بتوحيد الصف الإسلامي جاءت الفرقة والنزاع بين المسلمين كما هو الحال في أفغانستان وغيرها، فنرجو توضيح الأمر؟

الجواب: الحقيقة أن هذه المسألة فيها لبس، فيجب أن نفرق بين الدعوة إلى توحيد الله تعالى وبين ما يفعله بعض من يدعون إلى توحيد الله، يجب أن نفرق بين الأمرين، فالدعوة إلى توحيد الله هي أساس الدعوة في كل مكان وكل زمان، ولا يمكن أن نفرط فيها علماً وعملاً، ولا أن نخل بها ولا أن تؤجل، لكن يبقى ما بعد ذلك من مستلزمات هذه الدعوة والأمور التي تأتي بعدها أيضاً، هذا أمر.

الأمر الآخر: أنه إذا وجد ممن يدعون إلى السنة من في طريقته شيء من قسوة الأسلوب التي تنفر المسلمين عن جمع الكلمة؛ فهذا ليس بحجة على أصل المبدأ.

وأيضاً يجب أن يفهم أن المسلمين الذين يتلبسون بالبدع والشركيات سيستجيبون للنداء العام لجمع كلمة المسلمين على ما هم فيه من انحراف، وتصعب استجابتهم للدعوة إلى توحيد الله، فهذه حقيقة ولابد من أن نتعامل معها، بمعنى أن نجمع بين الأمرين: بين الدعوة إلى توحيد الله تعالى ونبذ الشرك بالحكمة وباللين والشفقة، وبين ضرورة جمع كلمة المسلمين، فلا تعني الدعوة إلى التوحيد التفريق، وإن وجد شيء مما يؤدي إلى التفريق فسببه ممارسة بعض الدعاة الذين يقل فقههم في الدين وفي الدعوة إلى التوحيد، فأسلوبهم في الدعوة إلى التوحيد هو الأسلوب المنفر، أسلوب التفريق، وعدم الشفقة، وعدم التدرج، وعدم الحكمة.. إلى آخر ذلك من الأمور التي يقع فيها أفراد، فتصرف بعض هؤلاء لا يكون ناقضاً للأصل.

الأمر الثالث: نحن نعلم أن الدعوة إلى توحيد الله تعالى هي وسيلة جمع كلمة المسلمين، ولا شك في أنها الوسيلة الأولى، وإذا تجاهلناها أو غفلنا عنها؛ فإن أي اجتماع للمسلمين من دونها سيكون اجتماع هشاً وسيتمزق عند كل فتنة تحدث، لكن إذا كان على التوحيد فإنه اجتماع صلب وقوي.

الأمر الرابع: أنا أعتقد أنه ليس بالضرورة أن يكون هدفنا جمع كل المسلمين على غير الحق، فليس بالضرورة أن يجمعوا ما داموا على غير الحق، بل يكفينا أن يجتمع أهل الحق على الحق ولو قلوا، فلو فرضنا أن الناس نفروا من دعوة التوحيد، ولا سبيل لجمعهم إلا أن نترك هذه الدعوة ليجتمعوا؛ فعندنا خياران: أن ندعو الناس إلى التوحيد، وهذا سيؤدي إلى نفور بعضهم، أو أن نترك الدعوة إلى التوحيد وسيجتمعون على شعار دون التوحيد، فأيهما أولى؟

حكم التفكر في ذات الله والتفكر في آلائه

السؤال: ما حكم التفكر في ذات الله والتفكر في آلائه؟

الجواب: التفكر في خلق الله تعالى وفي آلائه، والتفكر في نعمة الله تعالى، ومحاولة معرفة بعض حكم التشريع وغيرها من الأمور التي هي مجال التفكر أمر مشروع، لكن ليس سبيل التوحيد والطاعة والإيمان بالله تعالى هو النظر والتفكر، فالتفكر في خلق الله وفي آلاء الله وفي نعم الله، وفي أسرار خلق الله تعالى لاستشعار عظمة الله هذا مطلوب، والله سبحانه وتعالى أمرنا بالسير في الأرض لننظر ولنعتبر، لكن هذا لا ينسحب على التفكر في ذات الله وأسمائه وصفاته بغير ما ورد في الشرع، ولا على التفكر في توحيده ووجوده؛ لأن هذا يؤدي إلى الشرك وزعزعة الإيمان، فالمسلم ينبغي أن يربي نفسه وأن يربي أجيال المسلمين الذين تحت ولايته على ألا يقعوا في هذه المشكلات والفلسفات، فلا يفكر في الله تعالى، ويكتفي بالإيمان بأسمائه وصفاته وذاته، ثم بعد ذلك مجال التفكير واسع، بل عند العقل من مجالات التفكير والتفكر ما يكده ويتعبه، وعقول البشر تفكر منذ زمن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة، ومع ذلك لم تكتشف أنفسها، فالإنسان لم يعرف نفسه إلى الآن، ولا يعرف أين النفس ولا أين الروح، ولا كيف يفكر ولا كيف يعقل، فهذا الفكر الذي تفكر به لا تدري كيف تفكر به، فكيف تتفكر في الله وتتكلم في التفكير في الله تعالى؟! هذا أمر بعيد المنال ولا يمكن الوصول إليه، ومن حاول أن يصل إليه وقع في الشبهة ومرض القلب، نسأل الله العافية.

بيان ضرورة سبق الإيمان بالله وتوحيده لما يجب فعله من أمور الشريعة

السؤال: ما معنى قوله: (وجوبه يسبق وجوب الصلاة، لكن هو أدى هذا الواجب قبل ذلك)؟

الجواب: يعني: أن وجوب الإيمان بالله تعالى وبتوحيده لا شك في أنه قبل الصلاة؛ لأن الإنسان لا يصلي إلا وقد آمن بالله تعالى وسلم له بشرعه ودينه وآمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، ثم امتثل الأمر بالصلاة الذي هو أمر الله، فلا يمكن أن يأتمر بأمر إلا وقد عرف الآمر وقدر الآمر، والآمر هو الله، وهذا أمر معلوم من حيث تسلسل الواجبات، فلا شك في أن أول واجب على العبد هو توحيد الله بالتسليم والطاعة والامتثال، فإذا سلم وأطاع وامتثل جاءت الواجبات الأخرى التي منها أركان الإسلام، ومنها الصلاة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح العقيدة الطحاوية [18] للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

https://audio.islamweb.net