إسلام ويب

كثر في زماننا هذا التعامل بالربا، واقتات منه الأبناء والأولاد، وهو محرم في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدلة واضحة صريحة لا غبار عليها.

ويرى الشيخ أن هناك صورة من صور الربا يتعامل بها الناس كثيراً اليوم، ويرى أن حقيقتها حيلة، كما تعرض الشيخ لمضار الربا وذكر معظمها.

التحذير من الربا في الكتاب والسنة

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، الحمد لله القائل في محكم كتابه: أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى: (ما أحدٌ أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة).

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

التحذير من الربا في القرآن

فيقول الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:130-132].

هكذا القرآن جاء محذراً من هذه الجريمة، ومتوعداً من ارتكب هذه الجريمة ألا وهي الربا.

التحذير من الربا في السنة النبوية

تأتي السنة -وهي الوحي الثاني- وتحذر تحذيراً بالغاً، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اجتنبوا السبع الموبقات -ونسوق الحديث بتمامه للفائدة- قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات} رواه البخاري ومسلم.

الشاهد من هذا الحديث: (أكل الربا) فأكل الربا من الموبقات المهلكات، ومن كبائر الذنوب.

أيضاً يقول صلى الله عليه وسلم: {الربا ثلاثٌ وسبعون باباً أيسرها مثل: أن ينكح الرجل أمه} لا حول ولا قوة إلا بالله! بئس البطن الذي يجر على مثل هذه الجريمة، يقول صلى الله عليه وسلم في معرض اللعن: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء} يعني: في الإثم.

أمة الإسلام: لقد توعد الله جل وعلا آكل الربا بالنار، وآذنه الله بالحرب، ولعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يتب ومات على تلك الحالة وقد قال: {أيما جسمٍ نبت من سحت فالنار أولى به}

ويقول صلى الله عليه وسلم: {درهم رباً يأكله الرجل وهو يعلم أنه ربا أشد من ستٍ وثلاثين زنية}.

ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء: {رأيت رجلاً يسبح في نهر دم، وكلما جاء ليخرج من هذا النهر؛ استقبله رجلٌ آخر على شاطئ النهر، وبين يديه حجارة ويرجمه بحجر منها في فيه حتى يرجع حيث كان، فسأل عنه صلى الله عليه وسلم: من هذا الذي يسبح في هذا النهر من الدم ويلقم الحجارة؟ فقال: إنه كان يأكل الربا}.

أيها المسلمون: إن الربا فساد في المجتمع واستغلال، بني على الشح والطمع، آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً، وذلك علمٌ لأكلة الربا يعرفهم به أهل الموقف، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه في حديث مرفوع: {إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله؛ أنزل الله بلاءً فلا يرفعنه عنهم حتى يرجعوا عن دينهم} ويقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[إذا ظهر الزنا والربا في قرية آذن الله بهلاكها]].

وكما ذكرنا في الحديث السابق أن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى يوم القيامة بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم، ويلقم الحجارة وتلك الحجارة هي المال الذي جمعه من حرام، فانقلب المال حجارة يلقم بها في البرزخ، فيلقم حجارةً من نار كما ابتلع الحرام الذي جمعه في الدنيا، هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مع لعنة الله له كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

صورة من صور الربا

أيها المسلمون: إن للتحايل على الربا صوراً كثيرةً أكثرها شيوعاً ما ظهر في البيوت علانية بين أظهر المسلمين، ومنها: طريقة المداينة التي يستعملها كثيرٌ من الناس وهي: أن يتفق الدائن والمدين أولاً على المعاشرة، يتفق معه على الدراهم يقول: أريد عشرة آلاف العشرة باثني عشر، أو ثلاثة عشر، أو أربعة عشر، أو غيرها مثلاً، ثم يذهب به إلى صاحب دكان عنده أموال مكدسة سكراً، أو ربطات خام، أو غيرها، فيشتري الداعم شراءً ليس له به غرض سوى الوصول إلى بيع العشرة باثني عشر، أو ثلاثة عشر، أو إلى غير ذلك، والدليل الذي يوضح ذلك أنه شراءٌ صوري أنه لا يكاثر بالثمن، ولا يقلب السلعة، ولا يفككها كما يفعل المشتري حقيقة، وربما اتفق هو والتاجر خفية حتى يصطادون ذلك المسكين، وربما كانت هذه الأموال أفسدها طول الزمن، أو أكلتها الأرض؛ لأنها لم تنقل ولم تقلب، ولم تفكك، بعد هذا الشراء الصوري يبيع الدائن هذه السلعة على المدين المسكين بما اتفقا عليه من الربح، ثم يعود المدين، فيبيعها على صاحب الدكان وهي في محلها، ويخرج من الدكان بدراهم؛ وهذا هو عين التحايل.

لماذا كانت هذه الصورة ربا

أيها المسلمون: إن المبايعة بهذا البيع الصوري الذي يعلم الله جل وعلا ويعلم المتعاقدان أنفسهما أنهما لم يريدا حقيقة البيع، وإنما أرادا دراهم بدراهم، فإن هذه المداينة تشتمل على عدة محاذير:

الأول: أنها تحايل على المحرم، وخداعٌ لله ولرسوله، والخداع من صفات المنافقين، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، ونقول لهذا المتحايل: إن حيلتك لن تغني عنك من الله شيئاً كما لم تغن حيل اليهود عنهم شيئاً.

ثانياً: إن هذه المعاملة توجد القسوة في القلب والتمادي في الباطل.

الثالث: إن في هذه المؤامرة السيئة معصية لله ولرسوله، فقد نهى نبينا صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حتى تنقل، قال ابن عمر رضي الله عنهما: {كان الناس يبتاعون الطعام جزافاً، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه} رواه البخاري.

يقول بعض الناس: أنا أشتري سيارة، ولم أستطع أن أدفع الثمن كاملاً، فهي تقدر بخمسة عشر ألفاً، ثم آتي لصاحب السيارة، فأقول: بعنيها إلى العام المقبل بثمانية عشر ألفاً، هل هذا ربا؟

نقول: لا. هذا يسمونه العلماء من المباح؛ لأنه يسمى بيعٌ مؤجل، والزيادة هذه لأجل الأجل، لذلك أباحه بعض العلماء.

نعم -يا أمة الإسلام- علينا أن نتقي الله عز وجل، ونحذر من الوقوع فيما حذر الله ورسوله منه من أجل كسبٍ لا يعود علينا بالخير والبركة، فلنتب إلى ربنا، ولنتق الله عز وجل، ولنعرف الحقيقة في الدنيا قبل العذاب في الآخرة.

اللهم وفقنا لما تحب وترضى، اللهم وفقنا لسلوك طريقك المستقيم، وارزقنا الزهد والورع في هذه الدنيا، وجنبنا ما فيه هلاكنا من السحت والطمع، واجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه، ورأى الباطل باطلاً واجتنبه.. إنك جوادٌ كريم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم.. إنه هو الغفور الرحيم.

مضار الربا

الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، والمحذر من مساخطه ونيرانه، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

الربا يقضي على التراحم ويساعد على البطالة

فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واحذروا عقوبة المعاصي في الدنيا والآخرة، ومنها جريمة الربا التي تقضي على المودة والتراحم بين المسلمين، وتؤدي بالأغنياء إلى الكسل وانحرافهم عن الأعمال المشروعة من كسب الحلال، إذ يفضل بعض الأغنياء التعامل بالربا مع راحة البدن، ويفضلون ذلك عن الاشتغال بالزراعة والصناعات أو التجارة ونحوها مما يحتاج إلى تعب البدن وعنائه، ولا شك أن هذا ينشر البطالة، ويقتل روح التنافس بين أصحاب الحرف، ويؤدي إلى نقص الإنتاج وقلة موارد الثروات، وينتهي الأمر إلى الغلاء، أما إذا سد باب الربا فإن الأغنياء يستعملون أموالهم لأعمال نافعة بدلاً من تعطيلها واستعمالها للربا، ولاصطياد الناس.

الربا سبب لغضب الله

أمة الإسلام: الإسلام حرم الربا؛ لأنه يساعد على خلق نظام فاسد مخرب، الربا سبب لجلب غضب الله عَزَّ وَجَلّ، ومنها: تسليط الأمراض وبعض الكوارث لمن يتعاملون بالربا، فقد يقضي على حياتهم، ومضار الربا شديدةٌ أليمة وعاقبته وخيمة، والذين يتعاملون بالربا تضطرب نفوسهم وتختل حركاتهم، وتراهم إذا قاموا صاروا يتخبطون كمن أصابه مسٌ من الجنون، لا فرق في هذا بين الدائن والمدين، وإنما أصابهم ذلك لأنهم استحلوا الربا وعدوه كالبيع، وغاب عنهم أن هناك فرقاً عظيماً يجعل البيع حلالاً والربا حراماً، وإليكم التفصيل بكلام الله:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275].

عباد الله: إن أصدق الحديث كلام رب العالمين، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، فعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار، وصلوا على رسول الله كما أمركم الله في كتابه، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وأنعم بأولئك الرجال! اللهم ارض عنهم أجمعين، ووفقنا -يا حي يا قيوم- لاتباعهم والأخذ بطريقهم يا رب العالمين، والأخذ بسلوكهم إلى صراطك المستقيم.

اللهم أعزنا بالإسلام، وارزقنا مناصرة الإسلام وأهله في مشارق الأرض ومغاربها.

اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم دمر الشيوعيين واليهود والنصارى المبشرين، اللهم اشدد عليهم وطأتك يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين عليهم في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم إنا نجعلك في نحور أعداء الإسلام والمسلمين، ونعوذ بك من شرورهم يا رب العالمين.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة أمور المسلمين وولاتهم في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعينٍ لنا يا رب العالمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والربا والوباء والزنا واللواط، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم اشف مرضانا ومرضى جميع المسلمين، واقض الدين عن المدينين، ولا تحوجهم إلى أهل الربا يا رب العالمين، اللهم يسر لنا ولهم اليسرى، وجنبنا وإياهم العسرى.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحدٍ من خلقك يا رب العالمين.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تحريم الربا للشيخ : عبد الله حماد الرسي

https://audio.islamweb.net