إسلام ويب

لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلاً إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء عندها فرضت عليه الصلاة، وبعدها نزل جبريل فصلى عند الكعبة إماماً والنبي صلى خلفه مأموماً ليعلمه كيفية الصلوات الخمس وأوقاتها الاختيارية والاضطرارية، وبعد أن هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة نزلت الرخصة بقصر الرباعية إلى ركعتين في السفر، أما فيما يتعلق بكيفية نداء المسلمين للصلاة فقد جمع النبي الصحابة وشاورهم في الأمر فاقترح بعضهم البوق وبعضهم الآخر اقترح الناقوس فكرههما النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أرى الله أحد الصحابة صيغة الأذان، فأخبر بها النبي فأقرها، وأمر بلالاً أن يؤذن بها.

الصلاة والأذان

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد ..

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة السبت من يوم الجمعة ندرس كتاب هذا الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا محب، وقد انتهى بنا الدرس إلى مقطوعة تحت عنوان: [أحداث] جمع حدث، وهو الجلل العظيم، والتنكير للتعظيم [بعضها مفرح] للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والمؤمنات [وبعضها محزن] للجميع، وهذا شأن المؤمنين.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ما زالت سنة هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم الأولى لم تكتمل] وقد هاجر من مكة بعد أن قام بها ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله، والعشر سنوات الأولى لم يفرض فيها ولم يشرع سوى التوحيد، ثم فرضت الصلوات الخمس ليلة الإسراء، فصلى في مكة هو والمؤمنون ثم تتابعت هجرتهم، وكان آخر من هاجر الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولم تكتمل السنة الأولى من هجرته حتى وقعت بعض الأحداث [وهذه بعض تلك الأحداث والوقائع نذكرها تحت عناوينها].

فرض الصلاة وبيان أوقاتها الاختيارية والضرورية

قال: [الصلاة والأذان:

من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل الإسراء والمعراج يصلي هو والمؤمنون معه ركعتين في الصباح وركعتين في المساء، وذلك لقوله تعالى في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [غافر:55]] والصلاة تسبيح، وبالإبكار: في الصباح [ولما أسري به صلى الله عليه وسلم] ليلاً [إلى بيت المقدس وعرج به إلى الملكوت الأعلى] والملكوت بمعنى: الملك العظيم، والملك العظيم فوق السماوات السبع [فرض الله تعالى عليه وعلى أمته الصلوات الخمس] خمس صلوات في اليوم والليلة معروفة عند عامة المؤمنين والمؤمنات [نزل جبريل عليه السلام فصلى بالرسول صلى الله عليه وسلم] إماماً [عند الكعبة] جبريل إمام والرسول مؤتم به؛ ليعلمه كيفية الصلاة ويعلمه أوقاتها [فعلمه كيفية الصلوات الخمس، وبين له أوقاتها الاختيارية والضرورية] وأول الوقت وقت اختياري، وآخر الوقت وقت ضروري. هذا بإيجاز.

فالصبح وقتها الاختياري من طلوع الفجر الذي ينبلج فيه الضوء شرقاً وغرباً، ويستمر الوقت اختيارياً إلى الإسفار، فإذا ظهر في الأفق شق صفرة دخل الوقت الاضطراري، بمعنى: أنه لا تؤخر صلاة الصبح إلى الإسفار إلا من ضرورة، هذا معنى الضروري، والاختياري واسع: صلِّ متى شئت فيه، أما الاضطراري فمعناه: أنه لا تؤخر الصلاة فيه إلا من ضرورة قصوى أجبرتك على أن تؤخر الصلاة.

مثلاً: الظهر يبدأ وقتها من زوال الشمس عن كبد السماء واندحاضها مائلة إلى الغرب، ويستمر الوقت الاختياري إلى قبل العصر بحوالي ربع ساعة، والعصر من زيادة الظل مثليه إلى قبل الإسفار، وقبل الإسفار هذا وقت ضروري ما تؤخر فيه الصلاة إلا لضرورة، والمغرب وقتها متصل بالعشاء -وقتها الاختياري- فلهذا تعجل ولا تؤخر؛ لأن الوقت ما بين المغرب والعشاء ضيق يصل إلى ساعة وربع، والعشاء وقتها الاختياري إلى نصف الليل، وبعد نصف الليل وقت اضطراري، فلا تؤخر إلا من ضرورة.

هذا معنى الاختياري: أنك مخير فيه متى تصلي، والاضطراري لا تؤخر الصلاة فيه إلا لحاجة ضرورية.

الرخصة في قصر الرباعية في السفر

قال: [ولما هاجر إلى المدينة] المدينة النبوية [بعد ثلاث سنوات من فرض الصلوات الخمس نزلت الرخصة] نزلت من أين؟ من عند الله رب العالمين، بواسطة من؟ الإعلام الإلهي الخبي [بقصر الرباعية إلى ركعتين] قصر الصلاة الرباعية كالظهر والعصر والعشاء إلى ركعتين [في السفر، كما كانت ركعتين قبل الإسراء والمعراج] وتقدم لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء والمعراج كان يصلي هو والمؤمنون ركعتين في الصباح وركعتين في المساء، ثم فرضت الصلوات الخمس وصلى جبريل بالرسول صلى الله عليه وسلم، وصلى الرسول بالمؤمنين فكانت الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات، والصبح ركعتان، والمغرب ثلاث.

[وهذا معنى قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث البخاري ] وهذا الحديث فهمه الظاهرية فهم خاص، فقالوا: الصلاة فرضت ركعتين ركعتين، ثم زيدت في الحضر، وبقيت ركعتين في السفر، فمن صلى أربعاً في السفر فصلاته باطلة. قلنا لهم: تعالوا نتفاهم، ما هو بالهراوة!

لما كانت الوفود تتوالى على أبي القاسم صلى الله عليه وسلم في السنة الثامنة والتاسعة بكاملها، هل صلى بهم ثم قال: أيها الناس! من كان منكم مسافراً فليسلم من ركعتين أو ليبق جالساً حتى نسلم نحن ويسلم معنا؟ لِم لم يفعل هذا؟! ومن فهم هذه قطع أعناق المتنطعين. طيب. وإذا صلى مع الإمام؟ قالوا: يبقى جالساً ولا يسلم حتى يسلم الإمام، وإن شاء سلَّم خدعة وقام يصلي نافلة معنا. صورياً يعني. ولم هذا التعصب كله؟!

إن الصلاة فرضت أربع ركعات، نزل جبريل فصلى بالرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه أوقاتها، ثم جاء المدينة، فرحمة من الله بالمؤمنين قصر الله الرباعية إلى ركعتين في السفر لا في الحضر. فأم المؤمنين رضي الله عنها قالت [( إن الصلاة نزلت ركعتين ركعتين، فزيدت في الحضر وأقرت في السفر )] وهو دليل الظاهرية [إذ نزلت الرخصة بقصر الرباعية على ركعتين في قول الله تعالى من سورة النساء: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء:101]] الآية.

نقول: أولاً: علمنا أن الصلوات الخمس ما فرضت إلا في السنة العاشرة، وفرضت في السماء لا في الأرض، ونزل جبريل فعلّم الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة، أوقاتها الضرورية والاختيارية، ثم هاجر الحبيب وهاجر من قبله المؤمنون وهم يصلون كما فرضت الصلاة، ثم رحمة بالمؤمنين قصر الله الرباعية إلى اثنتين وذلك في السفر، أما في الحضر فهي أربع كما كانت، والرباعية ثلاث صلوات فقط: الظهر والعصر والعشاء، فأم المؤمنين عندما قالت ( إن الصلاة نزلت ركعتين ركعتين ) تعني قبل المعراج، فإنهم كانوا يصلون ركعتين في الصباح وركعتين في المساء، لقول الله عز وجل: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا [طه:130].

قالت: ( ثم زيدت في الحضر وأقرت في السفر ) والشبهة من هنا، قالت الظاهرية: الصلاة فرضت ركعتين، ثم زيدت في الحضر وبقيت في السفر ركعتين، وبناءً على هذا إذا صليت الرباعية وأنت مسافر فصلاتك باطلة، وإذا كنت مع إمام سلّم واخرج، وإن خفت أن يضربوك أو يتهموك فسلم في نفسك وقم وانو ركعتين نافلة. المهم إياك أن تواصل صلاتك مع الإمام فتصلي أربعاً فتبطل صلاتك.

وهل قول عائشة أعظم من قول أبيها؟ أو أكبر من قول عمر وعثمان وعلي والعشرة المبشرين بالجنة؟ هل هو أكبر من قول ابن عمر والصحابة؟ وإن قلت: كيف؟ قلنا: إن أئمة الإسلام الأربعة -الذين من خرج عنهم ضلّ- مجمعون على هذا، فكيف نخرج عنهم؟ أنحن أعلم؟ أنحن أكثر تقوى وخوفاً من الله؟ ما هو معقول! فهذا المخرج هو السليم، أنها نزلت ركعتين قبل المعراج بالوحي، فكان الحبيب صلى الله عليه وسلم يصلي مع الطائفة المؤمنة في مكة ركعتين في الصباح وركعتين وفي المساء؛ إذ فرض الله هذا في قوله: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا [طه:130] والتسبيح هو الصلاة، فكلها تسبيح، ثم لما أسري به إلى الملكوت الأعلى وفرضت الصلوات الخمس نزل جبريل فعلمه كيف يصليها في أوقاتها الضرورية والاختيارية، فبقيت حضرية أربع ركعات، ولما أراد الله أن يرحم المؤمنين وقد بدأ الجهاد والسفر والتعب قال لهم -وقوله الحق-: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء:101] والترخيص هنا واضح، فكيف نغفل عن هذا؟ ثم أقر النبي صلى الله عليه وسلم هذا القصر للمسافر ولو كان غير خائف من عدو، نظراً إلى مشقة السفر وحاجة المسافر إلى الوقت والراحة، كل هذا تفضل من الله وامتنان على المؤمنين، فقصرت الرباعية إلى ركعتين، وبقيت المغرب ثلاثة لأنها وتر النهار والله يحب الوتر.

مشاورة النبي للصحابة في كيفية دعوة الناس للصلاة

قال: [هذه هي الصلاة، أما الأذان؛ فإنه بعد أن استقر الحبيب صلى الله عليه وسلم بالمدينة وبنى مسجده فيها وأصبح المسلمون يجتمعون فيه للصلاة، وكانوا يأتون وقت الصلاة بدون إعلام] ليس هناك من يعلمهم بدخول وقت الصلاة، ولكنهم عرفوا الأوقات الاختيارية والضرورية بطلوع الفجر، وبزوال الشمس، وبغروبها [فيصلون وينصرفون] واستمروا على ذلك فترة من الزمن [ويأتون في الوقت التالي للأول وهكذا، ثم رأى الرسول صلى الله عليه وسلم] باجتهاد منه [أنه ينبغي أن يكون هناك ما يعلم به المسلمون دخول وقت الصلاة وقرب إقامتها] لأنه مسئول، ففكر كيف يحل هذه المشكلة، فلا بد من شيء يعلم به المسلمون دخول وقت الصلاة ووقت إقامتها ..

[فاستشار أصحابه] جمع أصحابه واستشارهم: ما هو الحل يا أصحابي؟ أيها المؤمنون! ما هو الحل؟ وهذه صورة ديمقراطية، ووالله الذي لا إله إلا هو! ما عرفت أمة على وجه الأرض العدالة الاجتماعية كما عرفتها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لو عملت بشريعتها وقوانينها. ثم يأتي الملاحدة والعلمانيون والهابطون ليقولوا: الإسلام ليس فيه ديمقراطية ولا شورى ولا عدالة .. وقد لا نلومهم كثيراً؛ لأنهم رأونا ملتصقين بالأرض هابطين، وأبوا أن ينظروا إلينا أيام كنا في عنان السماء وهم كالبهائم على الأرض، نسوا ذلك وغطوه، ورأونا على الوضعية التي هم السبب فيها، فهم الذين صرفونا عن روح الحياة، والحياة في هذه الحياة، ثم أخذوا يتبجحون: الديمقراطية!!

ها هو الحبيب صلى الله عليه وسلم في قضية كهذه -وهو رسول الله- يستشير المؤمنين يقول: ما هي العلامة التي يعرف بها إخوانكم الصلاة إذا حضرت؟ والله عز وجل أمره بذلك، قال عز من قائل: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159]، وهل يوجد سلطان أو حاكم يستبد بأي موضوع وحده؟ ليس بمعقول، وأنا لا أعقل هذا، فلا بد من جماعة يستشيرها، فإن كانوا هابطين مثله هلك الكل، وإن كانوا سامين وعالين فإنهم يرشدونه ويعلمونه، أما أن يقود شخص أمة ويستبد فيها بعقله فلا يقدر أبداً، فلا بد حوله من رجال يختارهم، فإن كانوا صالحين ساعدوه على صلاحه، وإن كانوا هابطين دمروه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من نبي ولا خليفة إلا جعل الله له بطانتين: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه ) والمحفوظ والمعصوم من عصمه الله.

قال: [فأشاروا عليه بالبوق] والبوق له صوت قوي [فكرهه] ما قبل هذا، لم يا رسول الله؟ [لاستعمال اليهود له] فاليهود يستعملونه في بيعهم، ويدعون به بعضهم بعضاً، فهل نكون مثلهم؟ لا بد من استقلال [وأشاروا بالناقوس فكرهه أيضاً] لم يا رسول الله؟ [لاستعمال النصارى له] فالنصارى يستعملونه، فهل نرضى أن نكون تابعين للنصارى؟ لا يحل هذا أبداً [وانصرفوا ولم يتفقوا على شيء] ما فتح الله بعد.

وهنا بالمناسبة -ونحن ندعو إلى الله ونريد هداية هذه الأمة وسموها-: اليهود والنصارى وهم أهل كتاب أسمى وأعلى من المشركين والمجوس والبلاشفة والملاحدة لم يرض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتشبه بهم. ما السر يا هذا؟ وما هي العلة؟ وما هي الحكمة؟

أقول: العلة أننا أئمة الدنيا وقادة البشرية وهداة الإنسانية إلى كمالها وسعادتها، فهل يكون القائد الرائد السائد الهادي مثل من يهديهم ويسودهم ويقودهم؟ كيف يتفضل إذاً؟ كيف يتابع؟ كيف يُمشى وراءه؟ كيف تقبل كلمته؟ نحن قوم شرح الله صدورنا ونور قلوبنا وأنزل علينا وحيه وشرائعه وقوانينه لهداية البشرية، فنحن حاملوها والداعون إليها وقد اهتدينا بها وصلحنا عليها. إذاً: يجب أن نتميز عن الأمم حتى ترانا فتعشق صورنا وهدايتنا، وتقبل الإسلام وتدخل فيه، أما إذا كنا مثلهم فكيف يتقبلون؟

وأذكر لكم حادثة شاهدناها: فرنسي امتن على بعض المسلمين وهم مستعمرون، قال: نحن مستعمرون لكم ومع هذا نسمح للمواطن أن يتزيا بزينا، يقصد البرنيطة والكرفتة، وما شابه .. بل نفرح بهذا، وأنتم عمر حقكم كان إذا رأى الذمي يلبس لباس المسلمين يؤدبه ويلزمه بلباس خاص أو ما يميزه في مظهره، فاندهش المسلم وقال: يا مسيو! عمر كان في وقت المسلمون كلهم عسكر -ووالله العظيم! كلهم جند الله- والجهاد فرض عين، فلما كان الذميون من إخوانكم لا يسمح لهم أن يقاتلوا -ممنوع على الكتابي أن يجاهد مع المسلمين- والمسلمون عسكريون كان لهم لباسهم الخاص، فهل تسمح فرنسا للمواطنين أن يلبسوا لباس القبطان أو الجنرال أو العسكر؟! من يفعل ذلك يسجن أربع سنوات؛ لأن المدني شيء والعسكري شيء آخر. فقطع حجته ولسانه!

والسر الأول هو الحقيقة، فهذه الأمة مربية، هادية، مصلحة، إمام للبشرية، يجب أن تمتاز حتى تتبعها الشعوب والأمم وترغب في كمالها وسعادتها، أما أن تنزل، فيصبح الفرنسي كالمسلم والبريطاني كالمؤمن فلا يصلح هذا أبداً، ومن أيام بدأت الأمم المتحدة والدنيا ونحن نقول: يا جماعة! يجب أن يكون المسلم بطربوشه وعمامته وثيابه .. في الأمم المتحدة، لا يكن في القاعة ألف ممثل، وممثلو الدول الإسلامية منهم كاليهود والنصارى، حرام هذا، لا يجوز!

فإذا كنت بعمامتك أو طربوشك أو مشلحك ودخل شخص عرف أنك مسلم! وسأل عن معنى المسلم؟ قلت له: تعال عندنا في الفندق نعلمك. فينشرون دعوة الله بوجوههم، ولباسهم، فعندما يجلس المسلمون في الأمم المتحدة وفي المؤتمرات والمناقشات يجب أن يكونوا متميزين في هيئتهم على باقي الدول الكافرة؛ ولهذا كان الحكيم صلى الله عليه وسلم يعي ما يقول ويعرف ما يقرر ويشرع: ( من تشبه بقوم فهو منهم ). فعندما عُرض عليه البوق لم يقبله، لم؟ حتى لا نتشبه باليهود، ثم لما عرض عليه الناقوس رفضه، حتى لا نتشبه بالنصارى. وإلا أصبحت دعوتنا واحدة!

وأزيد المحنة محنة:

كاتب في السعودية في جريدة الشرق الأوسط غلط غلطاً فاحشاً، يقول: من يقول إن هذه المليارات كلها تدخل النار؛ لأنهم لم يدخلوا في الإسلام، وهذا فهم هابط ليس بصحيح، ويستشهد بالآيات القرآنية!! وأنا لو كنت حاكماً لاستدعيته واستتبته، إما أن يتوب وإما أن يقتل، هذا فرج الهم عن اليهود والنصارى، فقال: أنتم بخير، أنتم مؤمنون، ويستشهد بقوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ [البقرة:62] فكلهم في الجنة، يقول: كيف هذه المليارات من البشر كلها تحرق بالنار؟ حاشا الله أن يفعل هذا، ربنا رءوف رحيم - في مقال طويل عريض- ليس بلازم أن يدخلوا في الإسلام وإلا ما دخلوا الجنة، وعمي عن قول الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

لقد عرفنا وعلمنا أن الذين يسكنون الملكوت الأعلى يواكبون النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فهم أصحاب الأرواح الطاهرة، والنفوس الزكية، وهذه النفوس والله لا تزكو على يهودية ولا نصرانية ولا بوذية ولا مجوسية ولا على أي ملة من الملل إلا على الإسلام فقط، فهذه العبادات كما شرعها ربها وربنا ورب العالمين، وكما بينها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إذا العبد عملها زكت نفسه، وبغيرها لو عبد الله بهواه، وببدعه ما زكى أبداً، وحصل على جرام واحد من الحسنات، ولو صعد إلى الجبل وهبط خمسين مرة في اليوم والليلة.

وليس معناه أننا نُكرِه الناس على الإسلام لأنه ديننا، لا، فهذا فهم باطل سيئ، بل ندعو الناس إلى الإسلام؛ لأن أرواحهم لا تطيب ولا تطهر إلا على هذه القوانين الإلهية، وإذا قلت: أنا مسلم وابن مسلم وأمي مسلمة، وأنت لا تستعمل هذه الأدوات للتزكية فلن تزكو نفسك، ووالله لا تدخل الجنة ولو كنت ابن النبي أو أباه، وليست القضية قضية أوهام وشطحات، يقول الله عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] هل تريد أن تعيش مع الملائكة وروحك كروح البهائم؟ مستحيل هذا!

ويا ليتنا نعرف من كتب هذا، وهو في نفس الوقت يرد على من قال: إنه لا دين اليوم إلا الإسلام، إما أن تدخل فيه وإلا فأنت شقي، وكيف تقبل الجريدة هذا الكلام وتنشره؟ وهذا العجب الآخر! إنه جريدة الشرق الأوسط أو الشرق الأهبط -أحسن-.

رؤيا عبد الله بن زيد في صيغة الأذان

قال: [فنام عبد الله بن زيد الأنصاري الخزرجي ] رضي الله عنه بعد أن خرجوا من المجلس مهمومين لم يتفقوا على شيء [فرأى] هذا العبد المؤمن عبد الله بن زيد الأنصاري الخزرجي [أن رجلاً عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوساً في يده] في المنام في تلك الليلة [فقلت له: يا عبد الله! أتبيع هذا الناقوس؟] حتى نستعمله نحن في المسجد [فقال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: ألا أدلك على خير من ذلك؟ قلت: وما هو؟ قال تقول: الله أكبر، الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله. حي على الصلاة، حي على الصلاة. حي على الفلاح، حي على الفلاح. الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله. فأخبرها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (إنها رؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألقها عليه فإنه أندى صوتاً منك)] يعني: صوته رقيق وندي يتغلغل في الجو ليس بخشن.

[فلما أذن بها بلال سمعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه -وهو في بيته- فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه ويقول: (يا نبي الله! والذي بعثك بالحق! لقد رأيت مثل هذا الذي رأى)] أي: عبد الله بن زيد، فتوافقت الرؤيتان [فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( فلله الحمد )] لم يقل: فالحمد لله، ولكن حصر الحمد لله وحده، فليس هناك من هو أهل لأن يحمد غيره، فلله خاصة الحمد، وانظر كيف اجتمعوا وما استطاعوا أن يفعلوا شيئاً، والله عز وجل أعطى من شاء من يعطي فلمن الحمد إذاً؟ لله وحده، فلله الحمد.

قال: [وزاد بلال في أذان الفجر: (الصلاة خير من النوم) فأُقر عليها] وهذه فيها خلاف، فـمالك في موطئه- وهو من أهل المدينة وأئمتها- قال: إن (الصلاة خير من النوم) زادها بلال على عهد عمر؛ عندما تأخر عمر ولم يحضر ليصلي بالمؤمنين وهو إمامهم، فوقف عندها بلال وقال: الصلاة خير من النوم يا أمير المؤمنين! فاستحسنها عمر فقال: اجعلها في أذانك يا بلال ! ومنهم من يرى غير هذا الرأي، فيقول: إن بلالاً إما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم إياها وإما قالها؛ المهم عندنا أنها ثبتت للفصل بين أذان تصلى فيه الصلوات، وبين أذان يؤكل فيه، أو يتسحر المتسحرون.

وقد أحدث هذا ارتباكاً عظيماً، وحادثة جهيمان غفر الله لنا وله من عوامل هذه، قوم درسوا السُنة بدون مشايخ؛ إذ مشايخ السنة ماتوا من قرون، فقالوا: لا يجوز أن يقال: الصلاة خير من النوم في الأذان الثاني، فهذه تقال: في الأذان الأول، وبدأت الفتنة، وكانت هذه الدعوة مسندة إليّ عن طريق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، بعد ما طلبوا منه أن أكون الأمير في المدينة؛ فألحوا علي فقبلت إرضاءً لسماحة الشيخ، وإلا أنا لست أهلاً لهذا، وقد قلت لهم: أنا في الجامعة الليل والنهار وفي المسجد ليس عندي وقت.

ولما بدأت الفتنة كانوا يؤذنون في حي الحارة الشرقية، فقلت: أمشي وأسمع الأذان بنفسي، فجلست في السطح أنتظر، فلما أذنوا أبوا أن يقولوا: الصلاة خير من النوم في الأذان الأخير؛ فقلت لأحد الطلبة: قم أذن وقل: الصلاة خير من النوم؛ لأن أهل الحي يرتبكون، فإذا كان هناك امرأة -مثلاً- تريد أن تصوم -عازمة على أن تقضي أيام حيضها- وسمعت: الصلاة خير من النوم تقول: قد طلع الفجر، فلا تصوم.

المهم: ارتباك كبير لهذه القضية التي أصلها أن بلالاً هو الذي قال لـعمر : الصلاة خير من النوم عند باب بيته؛ ليوقظه فقط، وأنها ليست من الدين في شيء، وليس فيها كلام عن الله ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما هي علامة فاصلة فقط بين وقتين، وما زال الصراع إلى الآن أيضاً في بلاد المسلمين مع طلبة العلم، وما زالوا يصرون أن تكون في الأذان الأول. وقد قلنا لهم: يا جماعة! إذا عرفوا في بلدك هذا الفاصل فلا يجوز تغييره، حرام أن تحدثوا بلبلة بين المسلمين، فالصلاة خير من النوم -فقط- لتفرق بين أذان يأكل فيه الإنسان ويشرب ويتسحر، وبين أذان يصلى فيه صلاة الصبح، فأبوا أن يفهموا.

إن موطأ مالك أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل، يقول فيه: إن بلالاً لما تأخر عمر وقف عند بابه ووعظه وقال له: الصلاة خير من النوم؛ فأعجبت عمر وقال: اجعلها إذن في أذانك يا بلال ! أي محنة في هذه؟! هذه أحدثت بلابل وأسالت الدماء، وهذا كله عن عدم البصيرة.

والرسول صلى الله عليه وسلم كان عنده علمان، بلال يؤذن أول الليل، يقول صلى الله عليه وسلم: ( كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) الأعمى! فلم تكن الصلاة خير من النوم هي الفاصلة، وإنما جعل أذانين بصوتين مختلفين، فصوت بلال معروف عند أهل القرية، وصوت ابن أم مكتوم معروف أيضاً، وابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يقال له: أذن فقد طلع الفجر؛ لأنه أعمى، فالصلاة خير من النوم علامة فاصلة فارقة بين أذان السحور وأذان صلاة الصبح، فإذا اعتادها أهل بلاد أو أهل قرية في أحد الأذانين حرام أن يستبدلها شخص، فيشوش على الناس ويهلكهم؛ لأنهم ألفوا على أنها تقال عند طلوع الفجر، أو تقال في وقت ما زال الفجر لم يطلع بعد.

قال: [وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً الإقامة، فقال له: ( وإذا أقمت للصلاة تقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله)] هذا تعليم رسول الله، والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الإقامة من الأذان، وزاد فيها: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة.

نتائج وعبر من تشريع الصلاة والأذان

قال: [نتائج وعبر] من هذه المقطوعة الشريفة.

[إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبراً نوردها إزاء الأرقام التالية:

أولاً: تقرير أن الصلاة كانت قبل الإسراء والمعراج عبارة عن ركعتين في أول النهار وركعتين في آخره، ثم فرضت كما هي الآن، الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث والعشاء أربع، والصبح ركعتان ثم قصرت (رخصة) الرباعية إلى ركعتين في السفر سواء كان مع السفر خوف أو لم يكن.

ثانياً: رؤيا المؤمن صالحة وتحمل البشرى له ولمن رئيت له قطعاً.

ثالثاً: بيان صيغة الأذان والإقامة وفضل عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما؛ لرؤياهما الأذان في المنام.

رابعاً: مشروعية مخالفة اليهود والنصارى] في كل شيء إلا ما لا بد منه.

[خامساً: بيان أن المؤذن ذا الصوت الندي أولى بالأذان من غيره.

سادساً: بيان فضل بلال وأنه أول مؤذن في الإسلام] أول من أذن في الإسلام بلال . أما عمر فقال: لولا أعباء الخلافة لكنت مؤذناً.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ..



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , هذا الحبيب يا محب 39 للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net