إسلام ويب

النصر دائماً حليف المؤمنين، هذه حقيقة جسدتها حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مواجهاتهم المتكررة مع أعداء الله من الكفار وأهل الكتاب ومن سواهم، وقد تجلى هذا الأمر وظهر النصر المبين للمؤمنين على المشركين في غزوة عظيمة من غزوات المسلمين ومعاركهم، إنها غزوة الخندق، التي ظهرت فيها معجزات عظيمة كان من أجلها إنزال النصر على المؤمنين بعد أن أبلوا بلاءً شديداً حتى بلغت القلوب الحناجر، فأنزل الله عليهم نصره وتأييده ومدده، وأنزل على الأحزاب من الكفار والمشركين عذاباً أليماً، رجعوا بعدها يجرون أذيال الهزيمة، مدحورين خائبين.

نزول الهزيمة على المشركين في غزوة الخندق

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

لنقضي ساعة مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وأعيد إلى أذهانكم أننا في غزوة الخندق، وقد عايشنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتين فيها، وها نحن مع الليلة الثالثة، فهيا نقضي هذه الساعة مع رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم مع ما نجنيه من العبر والعظات، وما نكتسبه من المعارف النافعة بإذن الله تعالى.

استجابة الله دعوة رسوله ومجيء نعيم بن مسعود يخذل عنه اليهود والمشركين

قال المؤلف غفر الله لنا له ولكم ولسائر المؤمنين: [واستجاب الله دعوة رسوله وعباده المؤمنين الصادقين]؛ لأن المعركة بدأت وهي من أصعب المعارك وأشدها، والرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم شغل بالحرب حتى غابت الشمس ولم يصل العصر فقال: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى )، ثم دعا واستجاب الله دعاءه، وإليكم بيان ذلك.

قال: [فساق إلى رسوله نعيم بن مسعود الغطفاني ] جاء الله به من غطفان [بعد أن هداه الله إلى الإسلام فأسلم] هداه الله بعد أن سمع من الناس وشاهد بعض المسلمين، ففتح الله صدره وأسلم [وأتى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: يا رسول الله! إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت] يعني: الفرصة متاحة، إذا أردت أن ترسلني إلى قومي المشركين المحاربين فمرني وأنا أدخل عليهم وأفعل ما أفعل؛ لأنهم يثقون بي ويفهمون أنني ما زلت على دينهم.

[فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة )] هذه كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعيدها لكي نتلذذ بسماعها والنطق بها!

لما عرض نعيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنما أنت فينا رجل واحد ) فماذا تفعل؟ أتدخل على قبيلة بكاملها وتحاربها؟ ليس بمعقول، ولكن ( خذل عنا إن استطعت )، والتخذيل: هو أن يخوفهم من رسول الله وجيشه وما أعطاه الله من آيات، فيجعلهم ينهزمون قبل الحرب، هذا هو التخذيل. وهو ما يسمى بالطابور الخامس. قال صلى الله عليه وسلم: ( فإن الحرب خدعة )، وهذه قاعدة وضعها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم علينا أن نحفظها وهي سهلة.

إذاً: خرج نعيم بن مسعود من حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيمته في الحرب حتى أتى يهود بني قريظة جنوب المدينة، وهي القبيلة الثالثة من اليهود التي بقيت في المدينة بعد خروج بني قينقاع وبني النضير منها، وذلك بعد أن خانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلفوا وعده، فسلطه الله عليهم فأخرجهم من المدينة والتحقوا بالشام.

قال: [وكان لهم نديماً في الجاهلية] أي: يشرب معهم الخمر ويسهر لتداول الملاذ [فقال: يا بني قريظة قد عرفتم ودّي إياكم] أي حبي لكم من قبل [وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت، لست عندنا بمتهم، فقال لهم: إن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم] وهو الواقع [البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تحوّلوا منه إلى غيره] بخلاف قريش وغطفان يستطيعون العودة إلى بلادهم [وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فليسوا كأنتم، فإن رأوا نهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به] إن خلا بكم. يعني: ليس عندكم قدرة على حرب محمد [فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رُهُناً] جمع رهن [من أشرافهم يكونون بأيديكم؛ ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوه] يعني: أعطونا أشرافكم ندخلهم في قصورنا وحصوننا لنقاتل معكم. هذه هي الخدعة!

[فقالوا: لقد أشرت بالرأي] فلا نقاتل مع غطفان وقريش إلا إذا وضعوا عندنا بعض أشرافهم [ثم خرج من عندهم أيضاً حتى أتى قريشاً] هو الآن ينفذ وصية الرسول ويخذل [ثم خرج من عندهم حتى أتى قريشاً فقال لـأبي سفيان ] وهو قائد المعركة وسائس الحرب [ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً] أي: بعدي عنه وعدم اتصالي به [وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقاً أن أبلغكُموه؛ نصحاً لكم، فاكتموه عني، فقالوا: نفعل. فقال: تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم؟ فأرسل إليهم: أن نعم] نفعل [فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رُهُناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً.

ثم خرج حتى أتى غطفان] أيضاً [فقال: يا معشر غطفان! إنكم أهلي وعشيرتي وأحب الناس إلي] وهو كذلك [ولا أراكم تتهمونني، فقالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتهم، قال: فاكتموا عني، قالوا: نفعل] كما أمرت [فقال لهم ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم] ما قاله لـأبي سفيان قاله لرئيس غطفان.

[وكان من تدبير الله تعالى لرسوله والمؤمنين -ليخرجهم من محنتهم-: أن أرسل أبو سفيان ورجال من غطفان إلى بني قريظة وفي ليلة سبت يقولون لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمداً، ونفرغ مما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم، أن اليوم يوم السبت، وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً] اعتذروا وقالوا: نحن لا نقاتل في يوم السبت [وقد كان أحدث فيها بعضنا حدثاً فأصابهم ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمداً حتى تعطوا رُهُناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمداً، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب] أكلتكم بأضراسها [واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا به] هذا اعتذار بني قريظة.

[فلما رجعت الرسل] التي أرسلت [إلى قريش وغطفان بما قالت بنو قريظة، قالوا: والله إن الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحق] يعني: قضية أن يستوثق برجالات من أشرافهم حق [فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله لا ندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا، فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلادكم، فأرسلوا إلى قريش وإلى غطفان: إنا والله لا نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رُهُناً، فأبوا عليهم.

وخذل الله تعالى بينهم، فلم يعزموا على القتال، وأرسل الله عز وجل عليهم الريح في ليلة شاتية باردة، شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم] تميلها وتسقطها [وتقتلع خيامهم] أي معسكر قريش ومعسكر غطفان [وما أطاقوا المقام، فقرروا العودة فوراً إلى بلادهم] قريش إلى مكة وغطفان إلى نجد [وارتحلوا عائدين لم ينالوا خيراً] بل تكبدوا خسائر لا حد لها [وكفى الله رسوله والمؤمنين قتالهم، وكان الله قوياً عزيزاً، وأنزل في ذلك قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا [الأحزاب:9] وقوله: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا [الأحزاب:25]] نزلت في الحادثة.

إرسال النبي حذيفة بن اليمان إلى معسكر المشركين لاستطلاع أخبارهم

قال: [ولنستمع الآن إلى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يحدثنا عن مشاهدته لمعسكر أبي سفيان في تلك الليلة الباردة وهم يعلنون الرحيل بسرعة] هيا نسمع حذيفة [قال رضي الله عنه: وقد قال له رجل من أهل الكوفة: يا أبا عبد الله !] وكناه ليشرفه وهو أهل لذلك رضي الله عنه [أرأيتم رسول الله وصحبتموه؟] يعني: شك فلعل هذا الرجل لم ير الرسول [قال: نعم، يا ابن أخي! قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد، فقال السائل لـحذيفة : والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا] يعني: لو كنا معه لحملناه على رءوسنا، فلا يمشي على الأرض [فقال حذيفة يا ابن أخي!] وهذا تلطف منه وإلا ليس هو بابن أخيه، أو لعل والده أسلم فكان أخو حذيفة في الإسلام [والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هُوياً من الليل] يعني: جزءاً من الليل [ثم التفت إلينا] في المعسكر في سفح جبل سلع [فقال: (من رجلٌ يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع؟)] يا ليتنا كنا هو، تمنوا على الله! أي: من يدخل إلى معسكر المشركين فينظر ماذا يجري بينهم، وما تم فيهم ثم يعود؟! ومن يقوى على هذا وهناك الجوع والبرد والخوف؟! فما أجاب أحد.

[فشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة] ضامن على الله أن يرجع [(أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة)] وهذه لا تقادر بقدر، فقد ضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون هذا الرجل رفيقه في الجنة [فما قام رجل من القوم؛ من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد] كانوا يرتعدون، كيف لرجل أن يدخل معسكر المشركين وهم اثنا عشر ألفاً؟!

قال: [فلما لم يقم أحد] من الجيش. ومن الجائز أن كل واحد يقول: ممكن يقوم فلان؛ لأنها ليست إلزامية ولو عيّن النبي أحداً ما تردد مؤمن أبداً، لكن لم يحدد صلى الله عليه وسلم [فلما لم يقم أحد، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني] ما دام عين فلا بد [فقال: ( يا حذيفة ! اذهب وادخل في القوم فانظر ما يصنعون ولا تحدثن شيئاً حتى تأتينا )] يعني: لا تضرب أحداً، ولا تقتل أحداً، ولا تصيح فيهم، حتى تأتي سالماً وتخبرنا بما عندهم وما هم عليه. كان هذا في الليلة وقت التهجد.

[قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله (الملائكة) تفعل ما تفعل، لا تقر لهم ناراً ولا قدراً ولا بناء] الملائكة والريح معاً، قال تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا [الأحزاب:9] [فقام أبو سفيان ] قائد الحرب [فقال: يا معشر قريش!] وما عنده مكبرات صوت، ولكن صوته ينفذ [لينظر امرؤ من جليسه] أي: لينظر أحدكم من إلى جنبه؛ لأنه يريد أن يعلن قراراً حربياً، وقد يكون هناك عيون أو جواسيس، وبالفعل كان حذيفة موجوداً.

[قال حذيفة : فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان] ليخمل ذاك ويغطيه فلا يسأله، ولو تأخر لسأله ذاك، ثم بعدها هل يجيب بالحق أم يكذب؟ محنة! إذاً: عرف فبادر هو بالسؤال: من أنت؟ فقال: أنا فلان. وهذا دليل على سياسة أبي سفيان ؛ لأنه يريد أن يعلن قراراً ويخشى أن يكون هناك عيون للعدو.

[ثم قام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش! إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام] ما أصبحتم بدار إقامة [لقد هلك الكراع والخف] والكراع للشاة، والخف للبعير؛ لأن معهم أغناماً يأكلونها [وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم ما نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا إني مرتحل] ذكر أسباب الرحيل:

أولاً: خانتهم بنو قريظة.

ثانياً: الريح فعلت بهم الأعاجيب: القدر تغلي باللحم تكفأها، والخيمة المنصوبة تمزقها.

[ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه] ما تفطن؛ لشدة الخوف والحرص على الرحيل [ثم ضربه فوثب به على ثلاث] لأنه مربوط الرجل الرابعة [فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي ( لا تحدث شيئاً حتى تأتيني ) ثم شئت لقتلته بسهم] لو شئت قتله لقتلته بسهم [قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه] في هذه الليلة الباردة وهذا الجوع وهذا الخوف رسول الله يصلي ليله، والمرط هو الكساء؛ التف فيه من شدة البرد وقام يصلي [فلما رآني أدخلني إلى رجليه] حذيفة ممكن ما هو كبير فأدخله بين رجليه [وطرح علي طرف المرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه] أي: في ذلك المرط [فلما سلم أخبرته الخبر. وسمعت غطفان بما فعلت قريش، فانسحروا أيضاً راجعين إلى بلادهم.

وهناك قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( الآن نغزوهم ولا يغزوننا )] وهذا كان في السنة الخامسة، مع هذه الكرة العجيبة التي رجع بعدها الكفار خائبين، ومعناه: أنهم لا يفكرون أبداً في غزونا، وأصبحنا نحن أهلاً لئن نغزوهم. وفعل صلى الله عليه وسلم.

[وحقاً لم تغز بعدها قريش النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم، حتى غزاهم في عقر دارهم ودخل مكة عليهم، ولما أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم من تلك الليلة عاد إلى المدينة وعاد أصحابه والحمد لله] انتهت المعركة.

أرأيتم لو كنا معهم هل نتحمل هذه الآلام؟ أهل الإيمان الراسخ القوي نعم، أما ضعفة الإيمان فإنهم ينهزمون، أما المنافقون فلا تسأل.

نتائج وعبر من غزوة الخندق

قال: [نتائج وعبر] ونرجع إلى الحادثة من أولها لنتذكر ما مضى، ونكتسب معارف وعلوم عسى الله أن ينفعنا بها إن كنا متأهلين لذلك:

قال: [إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبراً نجملها إزاء الأرقام التالية:

أولاً: موقد نار حرب غزوة الخندق هم رؤساء يهود بني النضير: حيي بن أخطب ، وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع ] لما انهزموا وخرجوا من المدينة ودخلوا خيبر مع إخوانهم احتفلوا بهم بالمزامير والأغاني، ومن ثم قام حيي بن أخطب ومن معه ودبروا كيف ينتقمون من محمد صلى الله عليه وسلم، فذهبوا إلى شرق الجزيرة وإلى غربها وجنوبها يؤلبون العرب عليه صلى الله عليه وسلم [وما زال اليهود يوقدون نيران الحرب إلى اليوم] علمنا أم لم نعلم، والله إنهم هم، وهذه طبيعتهم، ما السر يا أهل الدرس؟

السر: هو أنهم من قرون يعملون على إيجاد مملكتهم التي سادت الشرق والغرب على عهد سليمان عليه السلام، وهم طائفة لا يساوون واحد إلى مليون من البشر، فكيف تم لهم هذا؟ وحسبك أن تفهم أنهم ما تركوا الإسلام إلا لأنه يقضي على فكرتهم التي يحملونها، قالوا: لو أسلمنا ذبنا في الإسلام، وأين مملكة بني إسرائيل وأين شرفنا ومكانتنا؟ فمن ثم وهم يعملون، وإلا كيف بنو دولتهم في فلسطين؟ لو كانوا لا يعملون هل يصلون إلى هذا الهدف؟ هل يهزمون ألف مليون مسلم، ويقيمون دولة إسرائيل في قلب أرض القدس؟ إذاً: يعملون.

ومن جملة ما يعملونه إثارة الحروب بين الأمم والشعوب؛ حتى تبقى مهزومة تحتاج إليهم وتخافهم، فمن هنا يوقدون الحروب؛ ليخف الضغط عليهم، وتشتغل البشرية بنفسها، ويواصلون هم عملهم وإعدادهم، هل فهمتم هذه؟ وإن شئتم حلفتم لكم بالله. الحروب العالمية الأولى والثانية هم من أوقد نارها، وكذلك حرب الخليج، وما زالوا يعملون .. والعالم الإسلامي الآن كله فتن مشتعلة هم من أوقدها!

[ثانياً: بيان خيانة وغدر عيينة بن حصن الغطفاني إذ وادعه الرسول واقتطع له أرضاً وغدر] وتقدم هذا.

[ثالثاً: فضل سلمان الفارسي في إرشاده المؤمنين إلى حفر الخندق، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: ( سلمان منا آل البيت ) لما تنازعه كل من المهاجرين والأنصار] المهاجرون قالوا: هذا لنا، يعتزون به، والأنصار قالوا: نحن أحق به، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( سلمان منا آل البيت )، وأنهى الخلاف بينهم، وهذا وسام -والله- يزن الدنيا بما فيها.

[رابعاً: تجلي آيات النبوة المحمدية عند حفر الخندق في ثلاثة مواطن] لاحت أنوار النبوة، وشهدت البشرية بها [وهي تفتت الصخرة حتى كانت كثيباً مهيلاً] لما كانوا يحفرون وإذا صخرة تعترضهم ما استطاعوا أن يزيحوها فجاء أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وضربها ثلاث ضربات بفأسه حتى تفتت [وما أعلنه عنه عند كل بارقة برقت] لما ضرب بالفأس برقت ثلاث بوارق [إذ كان ما أخبر به كما أخبر] فقد لاحت له قصور الشام، وقصور بصرى، واليمن، وبالفعل فتحت وأصبحت دار إسلام، وصح هذا. وعندها قال المنافق: يُمنينا محمد بالشام واليمن وأحدنا لا يستطيع أن يتبول إلا في بيته!! [وإطعام المئات بصاع شعير وجدي من الماعز] في بيت جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فصاع شعير -أربع حفنات- وجدي أكل منه المعسكر بكامله!

[خامساً: بيان أن هذه الغزوة كانت تمحيصاً للمؤمنين، وكشفاً لعوار المنافقين] كانت بعد أحد، وأحد كان فيها النفاق والضعف، فجاءت هذه للتمحيص، والتصفية الكاملة.

[سادساً: تجلي الرحمة المحمدية في سعيه صلى الله عليه وسلم للصلح مع العدو الغازي؛ ليخفف به على المؤمنين] لكن السعدين رفضا، سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ، فعندما أجرى مفاهمة مع العدو على أن يعطيهم ثلث غلة الثمر، على أن يعودوا إلى بلادهم؛ ليخفف عن إخوانه الكرب والهم والجوع والبرد والخوف، قال سعد : والله ما كان هذا ولا تمرة واحدة، في الجاهلية ما أعطيناهم، والآن في الإسلام نعطيهم؟!!

[سابعاً: جلال موقف سعد بن معاذ في رفضه الاتفاقية إيماناً وتوكلاً وصبراً وصدقاً] سعد بن معاذ سيد الأنصار لما عرض عليه الرسول توقيع الاتفاقية قال: لن يكون هذا أبداً.

[ثامناً: ظهور بطولة علي بن أبي طالب في منازلته عمرو بن ود ] ويسمونه رأس الغول، والمنازلة هي: أن تنزل أنت من على فرسك وأنزل أنا من على فرسي لنتقاتل في ساحة المعركة [وقتله إياه في جولات محدودة] مع أن هذا عمرو بن ود كان طاغية في مكة لا يقاوم.

[تاسعاً: عظم مصاب المسلمين في سعد بن معاذ ، وهو القائل عند قدومه على المعركة:

لبّث قليلاً يدرك الهيجا جمـللا بأس بالموت إذا حان الأجل] وضرب بسهم في أكحله فما رقأ الدم حتى مات، واستشهد في المسجد رضي الله عنه؛ لأنه كان هناك خيمة في المسجد بنتها رفيدة لتعالج فيها الجرحى، بمعنى: امرأة فتحت مصحة كاملة في سبيل الله.

[عاشراً: استجابة الله تعالى دعاء رسوله والمؤمنين] ووجه الاستجابة أن جاء الله بـنعيم بن مسعود ، وهو الذي أنهى الحرب وقضى عليها بسياسته الرشيدة.

[الحادي عشر: عظم دور نعيم بن مسعود في تخذيل كل من اليهود والمشركين] دور عظيم قام به، واليهود عندهم من هذا النوع اليوم، بينما المسلمون ليس عندهم مثله، فنحن يوجد بيننا من يخذّلنا، أما من يخذّل عنا اليهود فلا يوجد. إنا لله وإنا إليه راجعون؛ لأن النور الإلهي انطفأ.

[الثاني عشر: تقرير حقيقة سياسية رشيدة، وهي عدم الأخذ بنصائح العدو مهما كان صادقاً، ووجوب الحذر منها، تجلت هذه الحقيقة في دور نعيم الذي قام به في تخذيل العدو في قالب نصائح لا نظير لها] لليهود والعرب معاً. وإلى الآن -والله- يخذلون حكامنا نحن المسلمين باستشارات وتوجيهات لو قرأتها لأغمي عليك، همهم ألا يستقيم المسلمون. والله ما من حاكم في المسلمين إلا ويأتيه من يخذله ويخوفه حتى من شعبه.

ومعنى هذا: على الحكام المسلمين ألا يقبلوا نصيحة يهودي أو مسيحي أو مشرك أو صليبي. وقد قبلوا نصائح روسيا فحملت لهم الشيوعية والاشتراكية؛ لأنهم أموات لا يعرفون الطريق، كيف تقبل نصيحة من كافر؟ أيصدقك؟ والله لا يصدقك، وإن فرضنا جدلاً أنه صدقك فليس في صدقه بركة، وبلغوا هذا إذاعة لندن لعله تنقله!! ولكن مستحيل أن تنقل مثل هذا الكلام.

[الثالث عشر: فضل حذيفة بن اليمان ] لاختيار الرسول صلى الله عليه وسلم له، فقد انتخبه واختاره من الأمة كاملة في المعسكر [وبعثه لاستطلاع حال العدو، وفوزه بمرافقة الحبيب صلى الله عليه وسلم في الجنة.

الرابع عشر -والأخير-: تفسير آيات الأحزاب الواردة في غزوة الأحزاب وهي نحو من سبع عشرة آية] الذي قرأ هذه الغزوة وفهمها تفسر له تلك الآيات، والله تعالى أسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ..



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , هذا الحبيب يا محب 71 للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net