إسلام ويب

كان الناس على الفطرة، يعبدون الله وحده، فاجتالتهم الشياطين، فإذا بهم يعبدون أصناماً وأوثاناً لا تسمع ولا تبصر، ولا تملك موتاً، ولا حياة، ولا نشوراً، وقد استنكر القرآن المماثلة التي جعلها الكفار بين الله سبحانه وهؤلاء الشركاء، هذه المماثلة التي لا تعدو أفواه المشركين، فهم يقولون بغير علم، وزادوا على هذا أن عبدوا غير الله وشرعوه، وعادوا كل من دعا إلى توحيد الله سبحانه، ولهذا كان جزاؤهم عذاباً أليماً في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشق.

تفسير قوله تعالى: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن مع هذه الثلاث الآيات، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ * مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ [الرعد:33-35].

معنى قوله تعالى: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت)

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الرعد:33]، من هو القائم على كل نفس بما كسبت؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه، إذ هو خالقها ورازقها وحافظها، وهو الذي خلقها له ومن أجله؛ وأمرها أن تعبده من أجل أن يجازيها في الدنيا وفي الآخرة.

هل يسوى هذا بمن لا يخلق ولا يرزق، ولا يميت ولا يحيي، ولا يعطي ولا يمنع؟

كيف يسوون بينهما؟!

ومع الأسف كان العرب يشركون بالله، ويعبدون اللات والعزى ومناة وهبل؛ أصناماً، والآن الصين واليابان والروس والكثير من غيرهم لا يؤمنون بالله أبداً، ولا يعبدون غيره ولا يعبدونه، ملاحدة بلاشفة، إلههم ومعبدوهم المادة؛ الأكل، والشرب، والنكاح.

ماذا نقول لهم لو خاطبناهم ودعوناهم؟

نقول لهم ونسألهم: أنتم مخلوقون أم لا؟ فإن قالوا: نعم. قلنا: من خلقكم؟ دلونا على خالقكم؟

أنتم مرزوقون أم لا؟ من أوجد هذه الأغذية وهذه الأطعمة، وقدمها لكم؟ من هو؟

سيقولون: هاه، لا ندري، فنقول لهم: إنه الله.

من قدر هذه الأرزاق، وهذه الأقوات، وهذه الحياة بهذه الأنظمة الدقيقة، وهذا التدبير الحكيم؟

قولوا: من هو؟ ليس لهم إلا أن يقولوا: الله، أو يسكتوا كالبهائم.

الله يقول للمشركين في مكة والقرى المكية، واللفظ عام، يقول تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ [الرعد:33] يكلؤها، ويرعاها، ويحفظها، ويدون عليها ما تعمل وتكسب كمن لا يخلق، ولا يرزق، ولا يحاسب، ولا يعطي، ولا يمنع من الأصنام والأحجار والشهوات والأهواء؛ كيف يسوى بينهما؟

إذاً: اتركوا عبادة الباطل واعبدوا الحق، آمنتم بالله حياً موجوداً فاعبدوه وحده، ولا تشركوا به سواه، علقوا قلوبكم به واصرفوها عمن سواه.

هكذا الآيات كانت تعمل في قلوب العرب، وما هي إلا فترة قصيرة لا تتجاوز خمساً وعشرين سنة حتى تحولوا إلى ربانيين؛ علماء، صلحاء لم تر الدنيا نظيرهم قط طول الحياة؛ وذلك بسبب هذا القرآن الكريم، هذا النور الإلهي الذي ملأ قلوبهم، فأصبحوا علماء ربانيين، وقد كانوا من قبل أميين؛ لا يقرءون ولا يكتبون؛ لأن هذا القرآن حوى كل شيء، نظم وانتظم فيه كل شيء من متطلبات الحياة في الدنيا والآخرة، فهو يقول لهم بهذا الاستفهام: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الرعد:33]، كالذي لا يملك، ولا يعطي، ولا يمنع، ولا يضر، ولا ينفع؟ كيف يسوى بينهما فيعبد هذا ويعبد هذا معه؟!

إذاً: لا يعبد إلا الله فقط، الخالق، الرازق، المدبر، وأما غيره فلا يستحق أن يعبد.

معنى قوله تعالى: (وجعلوا لله شركاء)

ثم قال تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ [الرعد:33]، جعلوا أي: المشركون، والآن من المشركين: اليهود، والنصارى، ويوجد بين المسلمين مشركون ما عرفوا الله ولا عبادته، وهم ينتسبون إلى الإسلام، ويعبدون الله بعض العبادة، يقول لهم: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ [الرعد:33] في ماذا؟ في الخلق؟ قالوا: اللات خلق الكوكب الفلاني؟ قالوا: العزى خلقت البحار؟ قالوا: هبل خلق الناس؟ لا. إذاً: شركاء في ماذا؟

فقط في العبادة، بدل أن يعبدوا الله وحده عبدوا معه غيره.

ما هذه العبادة؟ الدعاء، فبدل ما يدعون الله: يا رب يا رب! يقولون: يا رب، ويا فلان، ويا فلان!

بدلاً من أن يستغيثوا بالله وحده حال الشدة فيقولوا: أنقذنا يا ربنا، يا خالقنا.. يقولون: يا فلان وفلان مع الله!

بدلاً من أن يتقربوا إلى الله بالذبح، ويطعموه الفقراء والمساكين يتقربون به إلى اللات والأصنام والأحجار والقبور، وهذا هو الشرك.

وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ [الرعد:33] فعبدوهم مع الله، بل ما عبدوا الله أساساً، بل عبدوهم وحدهم، كل ما في الأمر أنهم يؤمنون بأن الله خالق، رازق، مدبر للحياة، لكن جعلوا له شركاء ما أمرهم الله بذلك، ولا أذن لهم فيه، ولا شرع لهم ذلك، ولا رغبهم فيه، وإنما الشياطين هي التي زينت لهم عبادة غير الله وحسنتها لهم بأنواع التحسين.

معنى قوله تعالى: (قل سموهم)

قال تعالى لرسوله: قُلْ سَمُّوهُمْ [الرعد:33] هيا سموا لنا شركاءكم الذين تعبدونهم مع الله، فنسأل: خلقوا شيئاً؟ والله ولا ذبابة، وهبوا شيئاً؟ والله ولا قطرة ماء، كيف يعبدون؟ سموا لنا هذه الآلهة.

هكذا كان ينتزع الكفر والشرك من قلوب العرب، ويملؤها الله نوراً وإيماناً وصلاحاً، ومازال القرآن -والله العظيم- لو يقرأ على اليابان، على الصين، على الروس.. على الأمم كما كان الرسول يقرؤه، ويجمعهم عليه -والله- لآمنوا، إلا من شاء الله، فلا يبقى وسواس بالصدر أبداً.

بهذا التعبير: سَمُّوهُمْ [الرعد:33]، فإذا قالوا: لا نعرف. قلنا: إذاً: قولوا: آمنا بالله، واعبدوا الله وحده، مادام ما لكم شريك خلق أو رزق أو أعطى أو أمات أو أحيا، فكيف تعبدونها وتتركون عبادة الله الخالق، الرازق، المحيي، المميت؟

معنى قوله تعالى: (أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض)

قوله: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ [الرعد:33]، هل تنبئون الله وتخبرونه بما لا يعلم في الأرض وهو خالق الأرض، وخالق كل من فيها؟

أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ [الرعد:33] أقوال طائشة، عمياء، ضائعة، لا قيمة لها، لا تعرف الحق أبداً بحال من الأحوال؛ فدعواهم أن لهم شركاء مع الله دعوى باطلة، فوالله لا شريك لله، لا في خلق، ولا في رزق، ولا في إماتة، ولا في إحياء، فكلها دعاوى باطلة.

أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ [الرعد:33] فقط.

معنى قوله تعالى: (بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل)

ثم قال تعالى: بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ [الرعد:33]؛ لأنهم فشلوا وما استطاعوا أن يجيبوا أبداً، فماذا عساهم يقولون؟

إذاً: الحقيقة أنهم زين لهم -أي: هؤلاء الكفار- مكرهم، وصدوا عن السبيل.

وتأملوا قوله تعالى: بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا [الرعد:33] كفرهم وشركهم وباطلهم وكذبهم. من زينه لهم؟

الشيطان عدو الإنسان، هو الذي زين لهم الباطل، وحسن لهم البدع والخرافات، وأنواع الشرك والكفر؛ بدعوى كذا وكذا وكذا، حتى أبعدهم عن طريق السلام والنجاة في الدنيا والآخرة.

إذاً: وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ [الرعد:33]، أي سبيل؟ السبيل هو الطريق، صدوا عن طريق الله، عن الصراط المستقيم، عن الإسلام، عن عبادة الله وحده؛ حتى لا يكملوا، ولا يسعدوا في دنياهم هذه.

وهل هناك من كمل وسعد في الدنيا غير الربانيين، المسلمين، الصالحين؟

لا والله، فالكفار والفساق والفجار -والله- ما عرفوا السعادة، ولا دخلت قلوبهم، فما هي إلا أباطيل، ولهو ولعب، ثم يرجعون إلى الهم والكرب والحزن، فكيف يسعدون وهم لم يؤمنوا بالله؟!

وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ [الرعد:33] أي: عن سبيل الله.

من صدهم يرحمكم الله؟ الشياطين من الإنس والجن، وشياطين الإنس أعظم من شياطين الجن، وهم الذين يحملونهم على عبادة غير الله؛ يزينون لهم الشرك وأمثاله، ويقبحون لهم التوحيد، ويبعدونهم عنه، وإلى الآن.

ولعل الآية تشير إلى عمرو بن لحي الذي جاء بأصنام من الشام ووزعها في هذه الجزيرة، وعبدوها؛ جاء بها مصنوعة من الشام، وكانت تُعبد هناك، وهؤلاء ما كان عندهم أصنام ولا أوثان، ولما كانوا جهالاً، وضلالاً، ولا هداية وزعها في الجزيرة فقبلت وعبدوها، فكان عمرو بن لحي صاداً لهم عن سبيل الله.

هكذا يقول تعالى: بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ [الرعد:33]، أي مكر لهم؟ عنادهم، محاربتهم للرسول والمؤمنين، مكرهم بالخروج عن الإسلام والبعد عنه، بالتضليل للمسلمين.

وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ [الرعد:33]، عرفنا السبيل الوحيد، وهو صراط الله المستقيم.. الإسلام.

ودائماً نبين هذا الطريق فاسمع يا عبد الله! من مقامك هذا أنت الذي جالس الآن فيه: تمشي مستقيماً إلى باب الجنة، وهو أن تموت وأنت تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، نفسك زكية طاهرة؛ لأنك لما مشيت في الطريق، عن يمينك واجبات أوجبها الله، وهي أدوات تزكية النفس وتطهيرها، فأنت تعمل بها ولا تتخلف عن واجب منها، وعن شمالك في الطريق محرمات من شأنها أنها تخبث النفس وتدسيها، فأنت معرض عن الشمال ومقبل عن يمينك، وتمشي هكذا، وإن زلت قدمك يوماً أو سقطت تقول: أستغفر الله؛ لأنك تركت واجباً غفلة، أو فعلت محرماً، أستغفر الله، وتواصل مشيك ليل نهار حتى تقرع باب الجنة، واقرءوا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7] اليهود وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] النصارى.

معنى قوله تعالى: (ومن يضلل الله فما له من هاد)

ثم قال تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الرعد:33].

وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ [الرعد:33]، أي: من يضله الله عن الطريق فلا يعرفه -والله- لا يهده أحد، وليس هناك من يقيه العذاب وما ينتج عن الضلال وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الرعد:33].

ومعنى هذا: أنه يجب على الإنسان الآدمي أن يفزع إلى الله ليهديه، ولهذا في كل ركعة تركعها أنت تقول: رب اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، لو تصلي ألف ركعة في اليوم ستدعوه ألف مرة؛ لأنه لا يهدي إلا الله، ولأن العاملين على إضلالنا وإفساد قلوبنا، وتخبيث أرواحنا، وصرفنا عن رضا الله لا حد لهم ولا حصر، ولا يعلمهم إلا الله من شياطين الإنس والجن، لا يريدون للآدمي أن يدخل الجنة أبداً.

والقصة كما علمتم: إبليس وذريته وإخوانه وأعوانه ناقمون على المؤمنين؛ لأنهم بسببهم دخلوا النار، ولعنوا وأبلسوا، فهم يعملون على أن ندخل معهم النار، والقضية قضية آدم في الجنة، لما خلق الله بيديه آدم عليه السلام ونفخ فيه من روحه، ونطق وتكلم وحمد الله، ثم قال للملائكة: اسجدوا لآدم سجود تحية وتعظيم لا سجود عبادة، فما قال لهم: أعبدوه، بل حيوه، فسجدت الملائكة وانحنت، وإبليس رفض أن يسجد، قال: لا أسجد لمن خلقته من طين! هذا المخلوق خلقته من طين، وأنا خلقتني من نار، فكيف أسجد، ظناً منه أن النار أفضل من الطين، وهذا خطأ، وقياس باطل وفاسد، فالطين أفضل من النار، فالنار تحرق وتدمر كل شيء، والطين ينبت العسل والفواكه والخضر والحياة، لكن قاس فأخطأ في قياسه، خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، قال: إذاً: فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ [الحجر:34]، فأخرجه من الجنة وأبلسه ورجمه، فلا يرى الرحمة ولا يذوقها لا في الحياة الدنيا ولا في الآخرة.

فمن هنا نقم إبليس على آدم وذريته، قال الله: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83]، وهو الواقع، لأغوينهم في الإغواء؛ في الفساد، والشر، والشرك، والكفر، والذنوب، إلا عبادك منهم الذين استخلصتهم لعبادتك، الذين قرعوا بابك، وسلكوا طريقك، واهتدوا بهداك.

إذاً: قوله تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الرعد:33] تطلب منا هذه الآية أن نفزع إلى الله في كل صلاة، في كل مناسبة، دائماً: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، فاللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا -يا ربنا- برحمتك شر ما قضيت.

تفسير قوله تعالى: (لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق...)

قال تعالى: لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ [الرعد:34].

قوله: لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الرعد:34]، لمن العذاب في الحياة الدنيا؟

للكافرين؛ بالفقر والهم والحزن والكرب والذل.. كل هذا في الحقيقة نصيب الكافرين بالله ولقائه.. الكافرين بالله ورسوله.. الكافرين بشرعه وكتابه وقوانينه المنظمة للحياة، فهم أشقياء، في كرب وهم في الحياة الدنيا.

وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ [الرعد:34] في الدنيا في هم وكرب وبلاء، ولكن عذاب الآخرة أشق، أي: أكثر شقاوة من عذاب الدنيا كيفما كان.

نعم لو كان العذاب في الدنيا فقط يطاق ويتحمل، لكنه عذاب أبدي دائم في عالم البقاء والخلود فكيف يعالج، ولهذا عذاب الآخرة أشق من عذاب الدنيا، فالمؤمنون الصالحون يصبرون إن عذبوا في الدنيا ابتلاء لهم؛ ليصبروا أو ليرفع الله درجاتهم، ولكن لا جزع، ولا سخط، ولا غضب، ولكن رضا بما قسم الله وأعطاهم، وما هي إلا أيام أو ساعات وتنتهي، ولكن سعادة الآخرة أبدية، لا تنتهي.

ثم قال: وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ [الرعد:34]، أي: ليس لهم من دون الله من يقيهم عذاب جهنم أو يحفظهم منها أو يبعدهم من الوقوع منها، والله لا وجود لواقٍ يقيهم إلا الله، وليس من دون الله لهم من واقٍ يقيهم عذاب جهنم، إذ ليس هناك إلا حياتان: حياة علوية وحياة سفلية، فالجنة دار السلام فوق، والنار وجهنم ودار البوار أسفل، فأين يوجدون؟ إما في الجنة وإما في النار، ليس هناك وسط، وأحلف بالله، إذ هذه الحياة الدنيا خلقنا فيها، وخلقت لنا من أجل أن نعمل، فإن عملنا بما يرضي الله، وزكينا أنفسنا وطيبناها وطهرناها بهذه العبادات، مبعدين لها عن المدسيات والخبائث، فجزاؤنا لن يكون إلا الجنة دار السلام في الملكوت الأعلى.

وإذا أصررنا على الكفر، والشرك، والذنوب، والمعاصي، وخبثت النفوس وتدست، وأصبحت كأرواح الشياطين فمصيرنا في سجين، أسفل سافلين.

ليس هناك مقام وسط: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14].

ولهذا قال تعالى: وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ [الرعد:34] من يقيهم من الله؟

لا أحد.

تفسير قوله تعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار... )

قال تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ [الرعد:35].

بعدما ذكر تعالى النار وأهلها وما هيأه لهم فيها من أنواع العذاب والشقاء قال: مَثَلُ الْجَنَّةِ [الرعد:35]، أي: صفة الجنة يا من يريد أن يعرفها ويقف عليها.

والجنة: اسم علم على دار السلام، ودار السلام اسمها الجنة، وسميت الجنة جنة؛ لأنها تغطي بأشجارها وزهورها وما فيها من هو فيها وتحتها، كما في جنة الدنيا وبساتينها.

قال: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ [الرعد:35]، من الواعد لهم؟ الله مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [الرعد:35]، الله عز وجل هو الواعد، إذ قال غير ما مرة: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:107-108]، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج:11]، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ .. في آيات كثيرة، فالواعد هو الله، والموعود به هو دار السلام الجنة.

قال تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ [الرعد:35] من بنو هاشم؟ البيض؟ السود؟ قولوا من هم؟

المتقون، بيضاً كانوا أو صفراً أو حمراً أو سوداً، عرباً كان أو عجماً، فقراء أو أغنياء. اللهم اجعلنا منهم!

وإذا كنت ترغب أن تكون منهم فاتق الله عز وجل!

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [الرعد:35] الذين اتقوا العذاب؛ اتقوا غضب الله، اتقوا سخط الله، اتقوا العذاب الشاق.

والسؤال: بم اتقوه؟ بطاعة ربهم ورسولهم صلى الله عليه وسلم، فلهذا كررنا القول وعرفنا والحمد لله، أن ولاية الله تتحقق بأمرين:

الأول: الإيمان، قلنا: آمنا.

والأمر الثاني: التقوى أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، نحفظ هذه الآية.

من أولياء الله؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، فالمؤمنون المتقون هم أولياء الله.

ويبقى السؤال: اتقوا عذاب الله بماذا؟ بالحصون؟ بالأسوار العالية؟ بالجيوش الجرارة؟ بالأموال؟ بالرجال؟

بم نتقي عذاب الله؟ بطاعته تعالى، وطاعة رسوله فقط، فمن أطاع الله ورسوله فقد اتقى، أي: جعل بينه وبين العذاب وقاية تقيه في الدنيا والآخرة.

ويبقى السؤال: كيف نطيع الله ورسوله؟

الجواب: نطيعه بأن نعرف أوامره التي أمر بها ونواهيه التي نهى عنها، ونفعل المأمورات ونترك المنهيات، وبذلك تمت التقوى.

والله ما هو إلا هذا، الإيمان حاصل، يبقى التقوى وهي العمل الصالح، وتتم بمعرفة أوامر الله تعالى في الصلاة، في الزكاة، في الصيام، في الحج، في الجهاد، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في صلة الأرحام.. في الخير كله.

هناك أوامر، وهي: افعلوا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا .. هذه الأوامر تقابلها النواهي؛ لأن الذي يفعل الأمر ويرتكب المنهي كالذي يدخل الحمام يغتسل ويتنظف فيخرج نظيفاً، ويصب على جسمه البول أو الغائط!

الذي يعمل عملاً صالحاً يزكي نفسه ثم يعمل عملاً فاسداً مثاله -كما علمتم- كالذي يغسل وجهه وينظفه ثم يلطخه بالعذرة!

فلهذا يجب أن نتوب من كل ذنب؛ لأن التوبة طهارة، تلطخ ثوبك فاغسله على الفور.

إذاً: إذا وقعت في ذنب من الذنوب بتركك واجباً أو فعلك محرماً على الفور فابك واصرخ، واستغفر الله عز وجل، وافعل ما تركت، وتجنب ما فعلت، وواصل مسيرك إلى نهاية باب الجنة.

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [الرعد:35] صفتها، قال: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [الرعد:35]، جمع نهر، وأنهار الجنة أربعة أنهار، قال تعالى: فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى [محمد:15] أربعة أنهار، نهر من ماء غير آسن: أي: غير متغير؛ لأن الماء إذا حبس ولو في آنية بعد أيام يتغير، وماء الجنة نهر غير آسن.

وأنهار من لبن لم يتغير طعمه؛ لا بالحموضة ولا بالملوحة ولا بالمرارة.

وأنهار من عسل مصفى، ليس فيها قشور ولا آثار النحل.

وأنهار من خمر لذة للشاربين، فهذه أربعة أنهار.

وهناك نهر آخر خارج الجنة وداخلها، نهر رسول الله ألا وهو الحوض: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، هذا هو الكوثر، وهذا للرسول صلى الله عليه وسلم وأمته، ماؤه والله أشد بياضاً من اللبن، ووالله لأحلى من العسل، وأكوابه كعدد نجوم السماء، هذا الذي امتن الله به على رسوله فقال: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] إذاً: فاشكر فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2].

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [الرعد:35]؛ لأنهم في القصور، والأنهار تجري من أسفل.

معنى قوله تعالى: (أكلها دائم وظلها)

قوله: أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [الرعد:35]، أي: ما يؤكل من تلك الأشجار ولا ينقطع، تنتزع الرمانة فتنبت بعدها أخرى، تنتزع حبة تين فتبنت واحدة بعدها، وهكذا أبداً، أُكُلُهَا دَائِمٌ [الرعد:35] أي أكل يؤكل في الجنة، لا ينقضي ولا ينتهي بحال من الأحوال.

وظلها كذلك لا يزول أبداً، والآن في الدنيا يزول الظل، تجلس تحت الشجرة تستظل وتتلذذ وبعد ذلك يفارقك، أما ظل الجنة فكثمارها وكطعامها لا ينتهيان أبداً، دائمان.

وهذا فيه رد على الجهمية القائلون بأن نعيم الجنة ينفد، وسواس من وسوسة الشيطان لهم فكذبوا الله ورسوله فكفروا والعياذ بالله، الله يقول: أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [الرعد:35] دائم، وأنت تقول: لا. يفنى. هذا من وساوس الشيطان.

معنى قوله تعالى: (تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار)

قال: تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا [الرعد:35]. اتقوا ماذا يرحمكم الله؟ اتقوا الله، فأمنوا من عذابه وسخطه وغضبه.

بم اتقوه؟ بالإيمان به وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

في ماذا؟ في الأمر والنهي، إذا قال: افعلوا يجب أن نفعل، وإذا قال: لا تفعلوا فيجب أن لا نفعل، والأوامر والنواهي في كتاب الله من قوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6].. إلى آخر آية: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ [الناس:1-2].. كل الأوامر والنواهي موجودة في القرآن الكريم، اقرأ القرآن فقط، قف بنفسك على كل أمر لله وكل نهي له، والرسول -والله- ما يأمر ولا ينهى إلا بأمر الله، فهيا نرجع إلى القرآن.

قال: تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا [الرعد:35] ربهم، خافوه فعبدوه، فأطاعوه فيما أمر وفيما نهى وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ [الرعد:35] ماذا؟ وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ [الرعد:35]، عاقبة حياتهم هذه النار، وعاقبة المؤمنين الجنة، العقبى والعاقبة ما يكون بعد الحياة الدنيا، هذا كلام الله.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

قال المصنف غفر الله لنا وله: [ هداية الآيات].

معاشر المستمعين والمستمعات! علمنا أن لكل آية هداية، بل كل كلمة من كلام الله تدل على أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والله العظيم.

فإن قلتم: ما بيان ذلك يا شيخ؟

فالجواب: لما تقول: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، فهذه الجملة من كلام الله. إذاً الله موجود.

أيوجد كلام بدون متكلم؟

الجواب: لا. لا يعقل أن يوجد كلام بدون متكلم.

إذاً: الله عز وجل موجود فوق سماواته وفوق عرشه، لا نستطيع أن نصل إليه إلا إذا أذن لنا في ذلك، فهو الله الواحد الأحد.

والذي نزلت عليه لن يكون إلا رسول الله، أحلف بالله مليون مرة لن يكون إلا رسول الله، فكل آية تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

قال: [ من هداية الآيات: أولاً: تقرير التوحيد] وتثبيته وتأكيده لم؟ [ إذ الأصنام لا تحفظ ولا ترزق ولا تحاسب ولا تجزي، والله هو القائم على كل نفس، فهو الإله الحق، وما عداه فآلهة باطلة لا حقيقة لها إلا مجرد أسماء] فقط.

النصارى يعبدون عيسى وأمه، ويعبدون جبريل، فهل عيسى إله؛ خلق، ورزق، أمات وأحيا؟

الجواب: لا. فكيف يعبد؟ أمه عليها السلام؛ مريم الطاهرة النقية كيف تؤله؟ هي مؤمنة فقط، فبأي حق تعبد؟

ولكن الشياطين زينوا لهم عبادة الباطل فصدوهم عن سبيل الله، وأعموهم فهم لا ينظرون، ولا يفكرون، ولا يبصرون.

من أين أخذنا هذه الهداية؟

من قوله تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الرعد:33]، كمن لا يحيي، ولا يميت، ولا يعطي، ولا يمنع، ولا يحاسب، ولا يجزي؟ من يسوي بين الميت والحي؟!

قال: [ ثانياً: استمرار الكفار على كفرهم هو نتيجة تزيين الشياطين لهم ذلك الشرك فصدهم عن السبيل ].

سؤال: لماذا الكفار في الصين.. في اليابان.. في الشرق.. في الغرب مستمرون على كفرهم؟ لماذا ما جاءوا يطلبون المسلمين: دلونا على الإسلام؟ كيف نعبد الله؟ ما سبب استمرارهم على الكفر؟

الجواب: لأن الشياطين هي التي زينت لهم الكفر ونفرتهم من الإسلام؛ لأنهم خوفوهم: هؤلاء يصومون، يصلون، يجتنبون الكلام المحرم والطعام الممنوع وما إلى ذلك، فيخافون من الإسلام، ويزينون لهم الباطل فيرتاحون ويمرحون ويعبثون

زين لهم الشيطان أعمالهم، وصدهم عن السبيل، الشيطان هو الذي زين أعمال المبطلين، الذي يفتح بنك ربوي من حسنه له؟ الشيطان.

الداعرة البغي التي تفتح دار البغاء للزنا من زين لها ذلك غير الشياطين؟!

اللص المجرم الذي يتتبع أموال الناس يسرقها ويختطفها، من زين له هذا؟ إنه الشيطان.

النمام الكذاب الذي يقول الباطل والشر من حسن له ذلك؟ الشيطان..

وهكذا كل باطل وشر وخبث وفساد الشياطين هي التي تزينها، وتحسنها للناس.

قال: [ استمرار الكفار على كفرهم هو نتيجة تزيين الشياطين لهم ذلك فصدهم عن السبيل ].

أي سبيل يرحمكم الله؟ سبيل الله الموصل إلى الجنة دار السلام.

قال: [ ثالثاً: ميزة القرآن الكريم في الجمع بين الوعد والوعيد، إذ بهما تمكن هداية الناس ].

القرآن يجمع بين الوعد والوعيد، تكلم على الوعيد ثم تكلم على الجنة، تكلم على الوعيد، وتكلم على الوعد، وعيد الكفار بالنار، ووعد المؤمنين دار الأبرار.

هذه ميزة القرآن الكريم؛ لأنه كتاب هداية يرغب في الخير وينفر من الشر، يحسن الهدى والخير ويقبح الكفر والشر، والبشرية هذه حالتها، الإنسان إما أن يرغب وإما أن يكره، لا أقل ولا أكثر.

والله تعالى نسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونتعلم ونسمع.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الرعد (10) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net