إسلام ويب

خلق الله عز وجل آدم من تراب، وجعل ذريته من نطفة من ماء مهين، فكل مولود له أب وأم إلا عيسى بن مريم عليه السلام فقد خلقه من غير أب كما خلق آدم من قبل، فكان هذا مما فتن به النصارى فقالوا: إن عيسى هو ابن الله! وقالوا: إن عيسى هو الله!! وما علموا أن من خلق آدم بلا أب ولا أم قادر على أن يخلق عيسى من أم بلا أب، ولكن إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (فلما أحس عيسى منهم الكفر ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا رجاءنا فيك يا ولينا وولي المؤمنين.

الآيات التي درسناها بالأمس أسمعكموها تلاوة، وتذكروا ما علمتم منها في الدرس السابق، وما لها من نتائج وعبر تدلنا على ما كنا قد علمناه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ [آل عمران:52-58].

هداية الآيات

هذه الآيات تذكروا منها ما يلي:

[ أولاً: قيام الحجة على نصارى نجران؛ إذ أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحي، فقرر به بطلان ألوهية عيسى عليه السلام بذكر أوصافه وأحواله مع قومه، وكرامة الله تعالى له ولأتباعه معه ومن بعده في الدنيا والآخرة]. هذا من قوله تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]؛ علمهم أن عيسى عليه السلام حاصره اليهود وأرادوا قتله، ولما شعر بذلك - بل أيقن بالأذى - رفع كفيه إلى ربه، و قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ؟ فأيقظ الله أولئك المؤمنين فرفعوا أصواتهم قائلين: نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ [آل عمران:52].

وَمَكَرُوا [آل عمران:54] أي: اليهود بعيسى عليه السلام حيث ائتمروا على قتله، ولكن الله مكر؛ فرفعه إليه وألقى الشبه على رئيس شرطتهم فصلبوه وقتلوه، وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران:54] ، دبروا شيئاً ودبر الله آخر، بيتوا شراً وبيت الله خيراً، وكان الله هو الظاهر.

[ثانياً: الإسلام دين الأنبياء وسائر الأمم البشرية، ولا دين حق غيره، فكل دين غيره باطل]، من أين أخذنا هذا؟ من قولهم: وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52].

إذاً: فالإسلام: هو الانقياد والإذعان الكامل لله تعالى فيما يأمر به وينهى عنه، وهذا دين الأنبياء عامة، ودين المؤمنين الصادقين في كل زمان ومكان، فدعوى أن المسلمين لهم دين خاص أو دين جديد دعوى باطلة، دين المسلمين هو دين الأنبياء: نوح فإبراهيم فمن دونهما فعيسى.. إلى نبينا صلى الله عليه وسلم.

[ثالثاً: تقرير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في أن لكل نبي حواريين وأنصاراً]، ذكرت لكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لكل نبي من الأنبياء حواريون، وأنا حواريي الزبير بن العوام )، وهذا دل عليه قول عيسى: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران:52]، من أجاب؟ الحواريون، وهم أصحاب القلوب البيضاء والنفوس الزكية الطاهرة.

[رابعاً: فضل أهل لا إله إلا الله، إذ هم الشاهدون بالحق والناطقون به]، وبالأمس قلنا: نحن من الشاهدين، إي والله، كل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ هو من الشاهدين، والشاهدون غير الشهداء؟ الشهداء من ماتوا في الجهاد، والشاهد من شهد شهادة الحق، أما قال الحواريون: اكتبنا مع الشاهدين؟ أي: معكم، ومع كل من يشهد أن لا إله إلا الله ولمن أرسله الله؛ موسى وعيسى أو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحمد لله أننا من الشاهدين.

[خامساً: تقرير قبض الله تعالى لعيسى ورفعه إليه حياً]، في هذه الآية تقرر أن الله عز وجل رفع إليه عيسى بن مريم حياً، وهو عنده في جواره، وسوف ينزله في آخر الأيام، أخبر بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كذبه فقد كفر، من كذب رسول الله كفر، في حين أن هناك آية من سورة الزخرف تكاد تصرح بنزول عيسى، إذ قال تعالى: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا [الزخرف:61]، عيسى علم لها يعرف بنزوله قرب الساعة، إذا نزل عيسى عرفت الساعة وعرفها الأبيض والأسود، علامتها نزول عيسى.

إذاً: [تقرير قبض الله تعالى لعيسى ورفعه إليه حياً]، ولا عجب، وقد تقول: كيف يرفعه حياً؟ أما رفع رسول الله حياً وعاد؟ أيعجز الله أن يرفع شخصاً إلى الملكوت الأعلى، قادر على أن يرفع البشرية كلها، وإنما لو أنه أماته ورفعه ثم يحييه وينزله ويميته، فقد جمع له بين موتتين، وحاشا لله عز وجل، لم يجمع الله لعبد من عباده بين موتتين يعذب مرتين؛ لأن الموت عذاب، إذاً: رفعه حياً وهو عنده في الملكوت الأعلى، يأكل ويشرب ولا يبول ولا يتغوط، هذا شأن أهل الجنة دار الخلد؛ يأكلون ويشربون، ووالله لا يبولون ولا يتغوطون، الشراب يستحيل إلى عرق أطيب من ريح المسك، والطعام إلى جشاء، ما هي دار خراءة وبول، هذه دار الطهر والقدس.

على كل حال هذا التنبيه لأنه يوجد في بعض التفاسير تخبطات، وخاصة المعاصرين.

قال: [ونزوله في آخر الدنيا] أي: أيامها، ينزل [ليحكم زمناً ثم يموت الموتة التي كتب الله على كل إنسان، فلم يجمع الله تعالى له بين موتتين، هذا دليل أنه رفع إلى السماء حياً لا ميتاً].

[سادساً: صادق وعد الله تعالى بعزة أهل الإسلام، وذلة اليهود على مدى الحياة]، من أين أخذنا هذا؟ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55]، من هم الذين اتبعوا عيسى: المسلمون أم اليهود؟ المسلمون، وهل النصارى اتبعوه؟ لقد كفروا به، ألهوه، فهم شر الخلق، شر من اليهود.

فمن اتبعوا عيسى بحق؟ المسلمون، في عقيدته وفيما جاء به، هم المسلمون بحق.

تفسير قوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...)

إذاً: بعد هذه الذكرى ننتقل إلى الآيات التي ندرسها إن شاء الله في ساعتنا هذه بإذن الله، هيا نسمع مثل عيسى عند الله.

قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ [آل عمران:59-63].

هذه الآيات المدنية صفعت النصارى صفعة لن يفيقوا بعدها إلا في جهنم أو يسلموا. ‏

ذكر ما تضمنته الآية من دحض شبهة النصارى في تأليه عيسى عليه السلام

قوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ [آل عمران:59] هذا الوفد المحاج المجادل بالباطل وفد نصارى نجران قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: كل آدمي له أب، فما شأن عيسى لا أب له؟ إذ هذه من الفتن التي فتنتهم فعبدوا عيسى، قالوا: إذاً: هذا ابن الله! ما دام ليس له أب وأمه موجودة؛ إذاً هذا ابن الله، هذه هي الشبهة التي تورطوا فيها.

قالوا: كل آدمي له أب، وعيسى لا أب له، ولما طرحوا هذا السؤال نزل الجواب من الرحمن جل وعز: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ [آل عمران:59] أي: آدم ِمنْ تُرَابٍ ثم قال له: كن فكان، آدم ليس له أب ولا أم، وعيسى أيضاً لا أب له، إذاً: شأن عيسى كان كشأن آدم، لو لم يسبق الوجود إنسان لا أب له فممكن أن تقع الشبهة والفتنة، لكن وجد من لا أب له، ألا وهو آدم، من أبو آدم؟ كيف إذاً؟ خلقه الله وقال له: كن فكان، وكذلك عيسى.

وقد تقدم لنا أن أصناف المخلوقات أربعة: من لا أب له ولا أم وهو آدم، ومن له أب ولا أم وهو حواء، ومن له أم ولا أب وهو عيسى، ومن له أب وأم وهو نحن، والله يخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير.

المهم لما طرحوا هذا السؤال، وهو في الحقيقة سؤال هم مصابون بفتنته، لم قالوا: عيسى ابن الله؟ قالوا: لأنه لا أب له، إذاً: هذا ابن الله! الشيطان زين لهم ذلك وحسنه، وانخدعوا وقلدوا وضلوا؛ فكان الجواب شافياً كافياً: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ [آل عمران:59] أي: آدم مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59].

تفسير قوله تعالى: (الحق من ربك فلا تكن من الممترين)

وهنا قال تعالى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [آل عمران:60] مصدر الحق من هو؟ الله، هذا الحق الذي بين تعالى فيه أن عيسى كمثل آدم من أين جاء؟ من الله، الحق من ربك فلا تكن يا رسولنا من الممترين، أي: الشاكين.

وهنا اعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشك، ولا يكون من الشاكين؛ إذ الشك كفر، ولكن هذا من باب: إياك أعني واسمعي يا جارة! أما رسول الله وهو المعصوم وهو المطهر الذي انتزع منه حظ الشيطان فلا يداخله؛ أنى له أن يمتار أو يشك، ولكن هذا بالنسبة إلى غيره، فلا تكن - أيها السامع - من الممترين. أي: الشاكين، إذ الحق ورد من الله عز وجل، وبين لنا كيف خلق عيسى، ما هي إلا نفخة نفخها جبريل في كم درع مريم فسرت النفخة، وكان عيسى عليه السلام في ساعة واحدة.

فهزها الطلق إلى جذع النخلة وألجأها إليه وولدته، وتكلم معها وبين لها ما ينبغي أن تقوله وتفعله: فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ [مريم:22-29] كلموه! قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [مريم:29-34].

هذه الكلمات قالها ساعة ولادته، إذاً: الحق الثابت جاء من الله في شأن عيسى، وأنه عبد الله ورسوله، ما هو بإله مع الله ولا بابن لله كما يقول الضُّلاَّل، إنما هو عبد الله ورسوله، ومن قال غير هذا كفر وانسلخ من الإيمان، هذا هو الحق مصدره الله عز وجل.

إذاً: فلا تكن - يا سامع - من الممترين، أي: الشاكين في أن عيسى عبد الله ورسوله.

تفسير قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ...)

ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين أجمعين: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ [آل عمران:61] أي: جادلك، يعني: جماعة نجران مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [آل عمران:61] وعلم أن عيسى عبد الله ورسوله، وأنه كان بكلمة التكوين: كن، ولم يكن له أب فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [آل عمران:61] فإليك الحد الفاصل والنهاية، هذا ما يسمى بالمباهلة، إذا اختلف اثنان وكان أحدهما من الصالحين، والحق معه، وكان الآخر من الطالحين، والحق بعيد عنه؛ باهله، فيقال: اجتمعوا واجمعوا من تريدون من إخوانكم وقولوا: اللهم العن من كان كاذباً منا، فإنهم ما إن يفرغوا حتى يهلك الكاذب! هذه المباهلة، إذا اختلف اثنان أو أكثر - جماعتان - وادعت كل واحدة الحق فالمباهلة هي الحد الفاصل، يجتمعون فيأتون بنسائهم وأطفالهم ورجالهم ليهلكوا كلهم، ويقولون: اللهم العن من كان منا كاذباً.

وبالفعل خرج أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وفاطمة الزهراء وراءه، وعن يمينه الحسن وعن يساره الحسين ، وعلي وراء ذلك، وما إن شاهدوا تلك الكتلة من النور حتى كادوا يذوبون، فروا هاربين، قالوا: والله لو باهلناه ما بقيت عين تطرف فينا، وانهزموا نهائياً، من حل هذا المشكلة؟ الله بهذه الآية الكريمة: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [آل عمران:61] الصحيح في شأنه فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61].

قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي وفاطمة والحسن والحسين : ( إن أنا دعوت فأمنوا ) أي: فقولوا بعدي: آمين! لم جاء الرسول بابنته وولديها وبصهره وبنفسه؟ من أجل إذا دعا وقال: اللهم العن من كان كاذباً ليقولوا هم: آمين! فهذه لطيفة أن دعاء الصالحين فيه قرب الإجابة، الذي يدعو وحده ليس كالذي يدعو ومعه غيره، فإذا دعا الداعي وقال من معه: آمين؛ فإنه إن لم يستجب للداعي يستجاب لمن قال: آمين!

ثم إن أبناء البنت أبناء، وهذا الشيء هو جائز، فـالحسن والحسين أبناء فاطمة ، وليس أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبناؤها إذاً أبناؤه صلى الله عليه وسلم، ولا حرج.

قال تعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ [آل عمران:61] حين نجتمع في الساحة نقوم بالدعاء، نقول: اللهم العن من كان كاذباً، ومن وراءنا يؤمنون، ويهلك الله تعالى الكاذبين.

تفسير قوله تعالى: (إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله ...)

ثم قال تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران:62] الذي قصصنا عليك يا رسول الله في شأن عيسى وحنة امرأة عمران ، من يستطيع أن يخبر بهذه الأخبار؟ من كان حاضراً لما كان زكريا يرفع صوته داعيا سائلاً؟ من كان مع مريم وهي في محرابها تأكل فاكهة الشتاء في الصيف؟ لما اختلفوا أيهم يكفل مريم من كان حاضراً؟ كيف عرفنا القرعة التي اقترعوها؟ سلسلة من القصص تتبع آثار هذه الأحداث كأنك حاضر فيها، إن لم يكن هذا وحي الله فماذا يكون؟

إذاً: فوالله إن محمدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أنكر هذا لا عقل له ولا مروءة، كيف لأمي يقص هذا القصص؟ في أي كتاب وجده؟ من حدثه به؟ ولكن الله هو الذي قال: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران:62]، وسمي القصص من: قص الأثر إذا تتبعه، أحداث حدث بعد حدث.

قال تعالى: هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:62] وليس من إله إلا الله، فحطم الصليبية وقضى عليها نهائياً، ما من إله إلا الله، كل مألوه معبود دون الله فهو باطل، وليس من حقه أن يسميه الناس إلهاً، أرأيتم هذا الختم أم لا؟ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:62].

العزيز: الغالب الذي لا يمانع في شيء قط، العزة: الغلبة، العزيز: الغالب الذي لا يمانع في شيء يريده، ولله العزة.

الحكيم: الذي يضع كل شيء في موضعه، لا يخلط ويخبط ولا يقدم ولا يؤخر، بل كل شيء في موضعه.

إذاً: فأخباره تعالى أخبار الحق والصدق، الذين يعرضون عنها ويدبرون هلكوا وليسوا بذوي مروءات ولا ديانات، بل كالبهائم والحيوانات!

تفسير قوله تعالى: (فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين)

وأخيراً يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ تَوَلَّوْا [آل عمران:63] وفد نجران وأعرضوا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ [آل عمران:63]، ما قال: فإنهم مفسدون، وإنهم والله لمفسدون، ينصرون الصليبية في جزيرة العرب؛ لأنهم يأكلون لقيمات من الروم في الشام وينشرون الصليبية، يفسدون فطر أهل اليمن، ويقلبونها إلى هذا الباطل.

وقوله تعالى: (عليم) أي: بهم، فليتهيئوا إذاً لنقمة الله، فالله عزيز حكيم لا يمانع في شيء يريده، يضع الشيء في موضعه، وهم مفسدون يفسدون قلوب الناس، إذاً: فنقمة الله نازلة بهم، لن ينجوا: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ [آل عمران:63]، وإن لم يتولوا بل رجعوا وقبلوا الحق وأذعنوا وقالوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونشهد أن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم نجوا، لكن تولوا وأبوا أن يعودوا، فإن جزاءهم محتوم معلوم.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

الآن نسمعكم شرح هذه الآيات من الكتاب؛ ليتقرر ما سمعتموه ويزيد.

معنى الآيات

قال: [ معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عبودية عيسى ورسالته دون ربوبيته وألوهيته]، ما زال التقرير متواصلاً يقرر عبودية عيسى، هو عبد الله ما هو بابن الله، ولا بثالث ثلاثة مع الله، ورسالته يقررها دون ربوبيته وألوهيته، [فقد روي أن وفد نجران قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم فيما قالوا: كل آدمي له أب، فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل الله تعالى على رسوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59] فإذا هو كائن، فأي داع لاتخاذ عيسى إلهاً، ألكونه خلقه الله من غير أب؟ فآدم كذلك خلق بدون أب ولا أم!] لم ما ألهنا آدم ولا عبدناه؟ [وإنما كان بكلمة الله، فكذلك عيسى خلق بكلمة الله التي هي (كن) فكان، هذا هو الحق الثابت من الله في شأن عيسى عليه السلام، فلا تكونن من الشاكين فيه، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يشك]، وقد قال: ( نحن أحق بالشك من إبراهيم ) وما شك إبراهيم.

قال: [ولما أكثروا عليه من التردد والمجادلة أرشده ربه تعالى إلى طريق التخلص منهم، وهو المباهلة، بأن يجتمعوا ويقول كل فريق: اللهم العن الكاذب منا، ومن كان كاذباً منهم يهلك على الفور، فقال له ربه تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا [آل عمران:61] هلموا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61]] فهل فشلوا أم لا؟ قلت لكم: قالوا: والله إن باهلتم هذا الرجل لم تبق فيكم عين تطرف! كلكم تهلكون، فاهربوا خير لكم.

قال: [وخرج في الغد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين، إلا أن النصارى عرفوا الحق وخافوا إن لاعنوا هلكوا؛ فهربوا من الملاعنة، ودعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأبوا]، أسلموا تسلموا. قالوا: لا، نحن حاملو راية دعوة، كيف نتركها ونتخلى عنها؟ ما هو بغريب هذا ولا عجيب، في المسلمين يوجد ناس يعيشون على الباطل بمعنى الكلمة، ويعلمون أنه الباطل؛ لكن للحفاظ على المادة إما جاه ومنصب أو مال أو كذا، يعرفون الحق وما يقبلونه، تعرفون هذا أم لا؟ لأن البشر هم البشر، ما هناك أصناف مختلفة، والشيطان هو الشيطان، والهوى والشهوة والدنيا هي هي، إذاً: فالناجي من نجاه الله، والسليم من سلمه الله.

قال: [ودعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأبوا، ورضوا بالكفر إبقاء على زعامتهم ودنياهم، ورضوا بالمصالحة، فالتزموا بأداء الجزية للمسلمين والبقاء على دينهم الباطل]، لما رفضوا الدخول في الإسلام أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يبقي على حياتهم وعلى دينهم إذا دفعوا مقداراً معيناً من المال سنوياً للمسلمين، فرضوا بالجزية وبقوا على كفرهم حتى أسلموا.

قال: [ثم قال تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران:62] أي: الذي قصصناه عليك في شأن عيسى عليه السلام، وهو أنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأنه لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا هو تعالى، وأن الله لهو العزيز الغالب الذي لا يمانع في شيء أراده، الحكيم في خلقه وتدبيره.

ثم توعد نصارى نجران وغيرهم من أهل الفساد في الأرض بأنه عليم بهم وسوف يحل نقمته بهم، وينزل لعنته عليهم، وهو على كل شيء قدير.

إن شاء الله نكون قد فهمنا هذه الآيات؟ اسمعوها مرة ثانية:

إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ [آل عمران:59-63].

هداية الآيات

قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:

أولاً: ولاية الله تعالى لرسوله بإرشاده إلى الطريق التي أنهى بها جدال النصارى]، لو لم يكن الله ولياً لرسوله ما كان يرشده إلى هذا السلاح الذي حطم به الصليبيين، إذا والاك الله لا يتخلى عنك، ينصرك ويكون دائماً معك.

إذاً: فكيف يتخلص الرسول من هذا الوفد المتعالي المتغطرس؟ حكم الولاية اقتضى أن يعلمه هذه المباهلة، ما كان يعرفها، فقل: تعالوا نخرج بنسائنا ونسائكم وأبنائنا وأبنائكم وندعو فنجعل لعنة الله على الكاذبين.

وهنا يقال: لو وجد الآن جماعة ثانية، جماعة حق وجماعة باطل، وتأكدت جماعة الحق من أنها على الحق، وأن الأخرى على الباطل، ثم دعوهم إلى المباهلة، فهل تصح المباهلة أو لا تصح؟ تصح، ويهلك الله المفسدين، وإذا كانت الجماعة ما هي بمطمئنة إلى أنها على حق فما تستطيع إذاً أن تباهل، وإن كانت تعلم أن الأخرى على باطل، لكن موقف الرسول صلى الله عليه وسلم يقيني.

الآن لو يأتي النصارى فوالله لنباهلنهم، لأننا على حق، وهم يقيناً على باطل، هيا تعالوا نباهلكم ونجعل لعنة الله على الكاذبين.

[ثانياً: مشروعية المباهلة غير أنها تكون في الصالحين الذين يستجاب لهم]، تكون في الصالحين من عباد الله الذين إذا سألوا الله أعطاهم، إذا دعوه أجابهم، أما إذا لم يكن حالهم هكذا فما ينتفعون، ما يقع شيء، لا يهلك العدو ولا يهلكون هم.

[ثالثاً: تقرير ألوهية الله تعالى دون سواه، وبطلان دعوى النصارى في تأليه عيسى عليه السلام]، عدنا من حيث بدأنا، لا إله إلا الله! وما عيسى إلا عبد الله ورسول الله، وإذا كان عيسى عبد الله ورسوله؛ فأولياؤنا الذين نذبح لهم الذبائح ونقرب لهم القرابين - كعجل مولد سيدي البدوي - كيف حالهم؟

أية عبادة أعظم من أن يقول: هذا مولاي فلان! بل يغرسون النخل: هذه نخلة سيدي فلان، يشتري قطيعاً من الغنم: هذه نعجة سيدي فلان، لم تفعل هذا؟ حتى يباركها الله وتنمو، وأنت أعطيتها لله أم لعبد الله؟ لو قلت: هذه لله نعم تطمع أن يبارك لك، أما أن تقول: هذه لسيدي فلان وتقول: يباركها الله!

إنه والله لا أعظم من الدعاء عبادة، لا صلاة ولا جهاد ولا رباط؛ لما علمتم أن الداعي إذا دعا تمثلت فيه كل أنواع العبادة، وإليكموها:

لما أرفع كفي: يا رب! تقول: هذا الشيخ فقير؛ بدليل رفع كفيه إلى السماء.

ثانياً: أناجيه: يا رب! يا رب! يا رب! تقول: لولا علم هذا الشيخ بأن ربه موجود ويسمع ويرى ويقدر على أن يعطيه فهل سيناديه ويسأله؟! إذاً: فهو الفقير؛ لوجود الله وعلمه وقدرته ورحمته.

ثالثاً: لما يطرح عليه حاجاته: أعطني كذا، احفظني من كذا؛ فهذا دال على أنه لا يقضي هذه الحوائج إلا الله، وإلا لما التفت إلى هنا أو هنا يسأل ويطلب، فلهذا الدعاء هو العبادة، ( من لم يسأل الله يغضب عليه )، ألح في الدعاء فإن الله يحب الملحين في الدعاء، والشرك فيه -والعياذ بالله- أن يقول: يا رسول الله! ويا سيدي فلان! وعاشت أمتنا قروناً تشرك به هذا الشرك.

تجد المرء يوحد الله، والمسبحة في يده: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله ألف مرة، يأخذه النعاس وتسقط المسبحة من يده وإذ به يقول: يا رسول الله! يا أهل البلاد! أين الله الذي كان يؤلهه؟ لعلي واهم؟ أما قلت لكم: إن قائد السيارة خرج بنا عن خط السير فإذ به يقول: يا رسول الله! يا رسول الله! قلت: كيف هذا يا فلان؟! لو متنا لهلكنا؟ هل الرسول يجيئك الآن يمر ينقذك؟ كيف هذا؟! فيقول لي: لساني هكذا!

[رابعاً: تهديد الله تعالى لأهل الفساد في الأرض، وهم الذين يعملون بالشرك والمعاصي]، هددهم الله في هذه الآيات فقال: فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ [آل عمران:63]، معناه: يا مفسدون انتبهوا، إنكم تحت الرقابة، وهو كذلك.

والله أسأل أن يصلحنا، وأن يبعدنا من ساحة المفسدين، اللهم آمين!



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة آل عمران (23) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net