إسلام ويب

الابتلاء في هذه الحياة سنة كونية لابد من حصولها -لا سيما لمن قوي إيمانه وثبت رسوخ إسلامه- حتى يعرف أهل الصدق وأهل الافتراء، فكما ابتلى الله عز وجل السابقين من أتباع الرسل وغيرهم فإنه سيبتلي أهل الإيمان من هذه الأمة، وعلى قدر نتائج هذا الامتحان تكون الكرامة أو الهوان، فمن انزلق في مهاوي السقوط، فالله بالمرصاد ولن يفلت من قبضته، ومن نجح وجاز الامتحان فهو أهل لأن يأمل ما يسعد في دنياه وأخراه، وحري أن ينال كل ما يتمناه، جزاء جهاده وبذله، وثمار صبره وشكره.

تفسير قوله تعالى: (الم)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن اليوم مع فاتحة سورة العنكبوت المكية المدنية، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [العنكبوت:1-7].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات: قول ربنا جل ذكره: الم [العنكبوت:1] هذه حروف افتتح الله بها العديد من سور القرآن الكريم.

بعض السور مفتتحة بحرف واحد (ص)، (ق)، (ن)، وبعضها مفتتحة بحرفين: (يس)، (طه)، (طس)، وبعضها بثلاثة أحرف: (الم)، وبعضها بخمسة أحرف: (كهيعص).

المراد من الحروف المقطعة في فواتح السور وأسرارها

ما المراد من هذه الحروف؟

الطريق السليم أن نقول: الله أعلم بمراده منها؛ إذ هذا من المتشابه الذي يفوض أمره إلى الله.

هناك أسرار أو لطائف نشير إليها هنا عند هذه الحروف:

منها: أنه لما كان القرآن ينزل بمكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر أمر من رئيس الدولة أبي سفيان رضي الله عنه -لأنه أسلم بعد ذلك- بمنع الاستماع إلى القرآن، لا يحل لمواطن أن يسمع من محمد أو أبي بكر أو بلال القرآن. قالوا: حفاظاً على الشعب حتى لا يفسد أو يهبط أو يتغير، ممنوع سماع القرآن.

لذا افتتح الله بعض السور بهذه الحروف؛ لأن من سمعها لا يستطيع ألا يسمعها، فهم ما اعتادوا ولا ألفوا ولا عرفوا: (طسم)، أبداً هم وأجدادهم، فيضطر أحدهم إلى أن يصغي، فإذا أصغى دخل نور القرآن في قلبه فيؤمن، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26] أي: إذا ما استطعت ألّا تسمع فصح أنت، أو صفق، أو قل الباطل حتى لا تسمع أنت أو يسمع الناس القرآن، فلا يدخل النور في قلوبهم. هذه لطيفة.

ثانياً: القرآن كتاب الله ووحي الله أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، تحدى به العرب، تحداهم أن يأتوا بالقرآن أو بمثل هذا القرآن والجن معهم، استعينوا بالشياطين والجن وائتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88] ومعيناً وناصراً، فعجزوا.

تحداهم بعشر سور فقط وليس بمائة وأربع عشرة سورة، بل بعشر سور، فقال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [هود:13] فما استطاعوا.

وتحداهم أخيراً بسورة واحدة واقرءوا من سورة البقرة قول الله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] إذاً فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24].

هذا القرآن الذي تحداهم الله أن يأتوا بسورة مثله مؤلف ومركب من هذه الحروف طسم، يس، كهيعص.. فائتوا أنتم وألفوا سورة، والله ما استطاعوا؛ فدل هذا على أنه كلام الله، ووحي الله، وأن من نزل عليه هو رسول الله ونبي الله، وأن الدار الآخرة حق.

إذاً: لا نقول: ألف معناها كذا، ولام كذا.. كما يوجد في بعض التفاسير، فهذا تخمين ومجرد ظن، فلا نقوله، بل نقول: الله أعلم بمراده به.

تفسير قوله تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)

ثم قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] هذا الحسبان باطل.

والآية وإن نزلت في مجموعة من أصحاب رسول الله في مكة كـبلال وصهيب وعمار وأبيه ياسر وأم عمار لكن اللفظ عام، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] من قال: آمنت بالله ولقائه.. آمنت بالله ورسوله، لا بد وأن يبتليه الله، أولاً بالتكاليف، فيوجب عليه أفعالاً يجب أن ينهض بها، ويحرم عليه أشياء يتلذذ بها، أو بأن يصيبه بعدو له يؤذيه، المهم لا بد من الابتلاء.

أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2].

[ قال مجاهد وغيره: نزلت هذه الآية مسلية للمعذبين بمكة المتخلفين عن الهجرة ] من المدينة [ وهم: سلمة بن هشام وعياش بن ربيعة والوليد بن الوليد وعمار بن ياسر وياسر أبوه وسمية أمه إذ كانت صدورهم تضيق بالعذاب، وربما استنكروا أن يمكن الله الكفار من المؤمنين.

روى البخاري عن خباب بن الأرت قال: ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟! فقال: قد كان في من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد لحمه وعظمه، فما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ).

وروى ابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص قال: ( قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ) ] فمن هنا المؤمنون يبتلون بالمرض، يبتلون بالفقر، يبتلون بالجهاد والقتال، يبتلون.. يبتلون وهم صابرون.

والذين إذا ابتلوا كفروا وعادوا إلى الكفر هم أهل النار، أهل الجحيم والعياذ بالله تعالى، وليسوا بمؤمنين صادقين في إيمانهم.

تفسير قوله تعالى: (ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)

قال تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [العنكبوت:3] من الأمم، إبراهيم خليل الرحمن ابتلاه الله بأن ألقي في النار حياً غير ميت، وابتلاه بالهجرة فرحل من ديار العراق إلى الشام وإلى مصر.

إذاً: الابتلاء أن يبتلي الله عباده المؤمنين مع نوح، مع إبراهيم، مع موسى.. مع كل الأنبياء، وإلى الآن المؤمن يبتلى ليصبر ويثبت، فترتقي درجته وتعلو ويعلو منصبه.

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا [العنكبوت:3] في إيمانهم لما قالوا آمنا بالله، أو نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3] الذين يقولون بألسنتهم نحن مسلمون، لا إله إلا الله، ولا يفعلون فريضة ولا يتركون محرماً.

تفسير قوله تعالى: (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون)

ثم قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا [العنكبوت:4] أي: يفوتوننا، ولا ننزل بهم العذاب سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [العنكبوت:4]. هذه نزلت في عقبة بن أبي معيط وجماعة من اللصوص كـأبي جهل وفلان وفلان.

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ سيئات الكفر وأذية المؤمنين والإعراض عن دين الله، يحسبون أَنْ يَسْبِقُونَا يفوتوننا، ما ننزل بهم العذاب؟!

لن يسبقونا أبداً، لا بد وأن ننزل بهم العذاب في الدنيا ونعذبهم في الآخرة، وقد هلكوا في بدر كلهم.

تفسير قوله تعالى: (من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم)

ثم قال تعالى -اسمعوا هذا لنا ولهم ولكل مؤمن- مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت:5].

من هو الذي يرجو لقاء الله؟ وما لقاء الله؟

الموت، من كان ينتظر متى يموت ليلقى ربه فليعلم أنه آت له لا محالة، فليصحح إذاً حاله ووضعيته، وليتب إلى ربه، وليغسل نفسه، وليطهر روحه بالإيمان وصالح الأعمال، وليبتعد عن الشرك والمعاصي والذنوب والآثام؛ لأنه مقبل على ربه أحب أم كره.

مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ متى نلقى الله؟ عند الموت، لما تؤخذ الروح إلى الله.

إذاً مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فليعلم أن أجل الله آت لا محالة وَهُوَ السَّمِيعُ لأقوال عباده الْعَلِيمُ [العنكبوت:5] بنياتهم وما في قلوبهم.

ومعنى هذا: أن نزكي أنفسنا وأن نطهرها، وأن نزيل الوساوس من نفوسنا، ولنكن دائماً على يقين وبصيرة.

تفسير قوله تعالى: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين)

ثم قال تعالى: وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:6] لعل بعض المجاهدين يمن على الله أنه يجاهد في سبيل الله، فليعلم أن الجهاد ثمرته ونتائجه عائدة عليه هو، أما الله فوالله ما هو في حاجة إلى ذلك.

الله غني عن مخلوقاته كلهم، أوجدهم قبل أن يكونوا، فهو ليس في حاجة إليهم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ [العنكبوت:6]والجهاد له ميدانان: جهاد الكفار مع إمام المسلمين، وجهاد النفس والشيطان والهوى والدنيا. هذا الجهاد ملازم للمؤمنين طول العام، في الطريق أغمض عينيك عن المرأة تكون قد جاهدت نفسك. وهذه ثمرات الجهاد، والله ليس في حاجة إليها فثماره تعود على المجاهدين، ولعل بعض المجاهدين من على الله وقال: نحن نجاهد في سبيل الله، فقال تعالى: وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ [العنكبوت:6] الثمرة عائدة عليه والنتائج له، وبذلك يسمو ويدخل الجنة ويخلد مع أهلها.

إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:6] الملائكة، والإنس، والجن.. وكل المخلوقات الله غني عنها؛ إذ هو خالقها وموجدها بعدما كانت عدماً لا وجود لها، فكيف يكون في حاجة إليها؟

غني عن العالمين، فلا تمتن على الله بصلاتك أو بصدقاتك أو بجهادك أو بكذا، وتتفضل على الله، فالله غني عن هذا، وإنما هذا عائدة ثماره ونتائجه إليك أنت أيها العامل.

تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم...)

ثم قال تعالى هذا الخبر: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [العنكبوت:7] هذا وعد الصدق، هذا وعد الله.

وَالَّذِينَ آمَنُوا [العنكبوت:7] بعد كفرهم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العنكبوت:7] فأقاموا الصلاة وعبدوا الله، هؤلاء يعدهم الله بأنه يكفر عنهم سيئاتهم الماضية، يغطيها، يسترها، ولا يطالبهم بها أبداً، ويجزيهم أحسن الجزاء الجنة دار السلام، ويريهم وجهه الكريم، فاللهم اجعلنا منهم.

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العنكبوت:7] آمنوا بالله ولقائه، آمنوا بالله ورسوله، آمنوا بكل ما أمر الله بالإيمان به وعملوا الصالحات، ولازم ذلك أنهم اجتنبوا الشرك والذنوب والآثام والمعاصي.

هؤلاء يعدهم الله -اللهم اجعلنا منهم- فيقول: لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [العنكبوت:7] مهما كانت قبل إيمانهم وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [العنكبوت:7] تجزى بأحسن صلاتك التي كنت تصليها، وتجزى بأحسن صدقة تصدقتها.. وهكذا على كل أعمالك من صلاة وصدقة.

وبلغني عن أحد الأبناء قال: سمعت من إخواننا الزوار من يقول: لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خلق الله الكون كله لا الجنة ولا النار، ولا الشمس ولا القمر ولا ولا..

هذا كذب على الله.

آلله أوحى إليك بهذا؟!

آلله أخبر بهذا في كلامه القرآن الكريم؟!

آلله أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم فقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

والله ما كان لا في القرآن ولا في السنة أبداً أبداً، فكيف يكذبون على الله؟ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الأنعام:144].

كيف نكذب على الله ونقول: لولا محمد ما خلق الله الشمس ولا القمر ولا الجنة ولا النار؟

هذا يجب أن يقوله الله فنؤمن به، أو يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلنه للمؤمنين كما أعلن الجهاد والصلاة والصيام فنؤمن به.

أما هذا فقول باطل وصاحبه كاذب على الله، ويجب أن نتجنب هذه الأكاذيب والأباطيل التي تورطنا والعياذ بالله.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله لنا وله: [هداية الآيات: من هداية الآيات:

أولاً: بيان سنة أن الإيمان يصدق بالأعمال أو يكذب ].

بيان سنة أن الإيمان يصدق بالأعمال الصالحة وبترك الذنوب والآثام.

كيف نعرف أنك مؤمن؟ نعرف إيمانك بالأعمال الصالحة وبتركك الذنوب والآثام.

نعم. الأعمال الصالحة هي التي تصدق إيمان العبد، وإلا إذا قال البريطاني: أنا مؤمن أيصبح مؤمناً؟ لا بد وأن يعمل الصالحات ويتجنب المحرمات.

[ ثانياً: بيان ضرورة التكليف بما يشق على النفس فعله أو تركه ولكن ليس بما لا يطاق ].

بيان أن من العبادات ما فيها مشقة، كالجهاد، كالصلاة في الأيام الباردة، كذا.. لكن لا توجد عبادة يعجز عنها المؤمن ويكلف بها؛ إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

نعم. توجد أعمال شاقة كالجهاد، لكن عند العجز لا يكلف المؤمن بما عجز عنه أبداً؛ إذ لا يكلف الله نفساً إلا قدر طاقتها.

هل الأعمى ندعوه إلى الجهاد؟!

هل الأعرج ندعوه إلى الجهاد؟

هل الفقير ندعوه أن يأتي بالمال؟ من أين يأتي بالمال؟ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

[ ثالثاً: تحذير المغترين من العقوبة وإن تأخرت زمناً ما فإنها واقعة لا محالة ].

تحذير المغترين المخدوعين المغرورين -وهم منغمسون في الذنوب والآثام، في الفجور وعظائم الذنوب- من أن عقوبة الله نازلة بهم وإن طال الزمن ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) فالله عز وجل يملي ويمهل عاماً وعامين وعشرة وكذا، وبعد ذلك ينتقم من الظالمين والمجرمين.

[ رابعاً: ثمرة الجهاد عائدة على المجاهد نفسه. فلذا لا ينبغي أن يمن على الله تعالى بأن يقول: فعلت وفعلت ].

بيان أن الجهاد للنفس.. للكفار.. الجهاد وبذل الطاقة في سبيل الله.. كل ثمار هذا الجهاد عائدة على العبد لا على الله عز وجل؛ لأن الله غني عن خلقه، فلا تمن على الله بأنك تصلي أو تتصدق أو تجاهد.

عوائد الجهاد بالأعمال الصالحة تعود على العبد لا على الله؛ لأن الله غني فقد قال: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:6].

[ خامساً: تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الوعد للذين آمنوا وعملوا الصالحات بتكفير السيئات والجزاء الأحسن. أي: هذا يتم يوم البعث ].

ختام الآيات التي تدارسناها تدل على وجود الدار الآخرة والحياة الثانية، والجزاء فيها؛ لأن الله وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ومتى ينجز لهم الموعد هذا؟ يوم القيامة، فالآية تقرر عقيدة البعث والدار الآخرة، وهذا شأن السور المكية تقرر ثلاثة مبادئ: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والبعث.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة العنكبوت (1) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net