إسلام ويب

الإيمان بالله شأنه عظيم، والناس فيه على أصناف، فمنهم المؤمنون الصادقون، الذين يعملون الصالحات، ويصبرون على المكاره في سبيل الله، ومنهم من يكون على شفى جرف هار، فإذا أوذي في الله ارتد على عقبيه وترك دين الله وعاد في الكفر، ومنهم أهل الشرك والكفر الذين يصدون المؤمنين عن الدين، بل ويعدونهم أن يحملوا ذنوبهم يوم القيامة إن هم ارتدوا عن دينهم، ولكن هيهات، فكل يحمل أوزاره وكل يحاسب على عمله، ويوم القيامة يجزون بما كانوا يعملون.

تفسير قوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما...)

الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن اليوم مع سورة العنكبوت المكية المدنية، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت:8-13].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات: قول ربنا جل ذكره: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا [العنكبوت:8].

هذه الآيات نزلت في سعد بن أبي وقاص الصاحب الجليل رضي الله عنه وأرضاه، كانت له أم بمكة وهي بنت سفيان بن أمية ولما دخل في الإسلام غضبت عليه، وقالت: كيف تترك دينك ودين آبائك وأجدادك، وتؤمن بهذا الدين الجديد؟ فإما أن ترجع إلى دينك وإما أني لا آكل ولا أشرب حتى أموت، وبالفعل امتنعت عن الأكل والشرب يوماً كاملاً، حتى فتحوا فاها بعود ليصبوا فيه بعض الطعام.

وجاء اليوم الثاني وقالت كذلك، وجاء اليوم الثالث فقالت: لا آكل ولا أشرب حتى تكفر بالدين الجديد، فقال لها سعد رضي الله عنه: يا أماه! لو يكون لك مائة نفس تموت نفساً بعد نفس ما رجعت عن ديني. فمن ثم أعلنت إسلامها وأكلت وشربت، والحمد لله. فنزل فيه هذا الكلام الإلهي وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ أي: كل إنسان وصيناه بما في هذه الآية عن طريق وصايا الأنبياء والرسل الأولين، ووصينا الإنسان وسعد من بين هؤلاء الناس بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا بأن يحسن إلى والديه.

وهذه وصية الله لي ولكم ولـسعد ولكل مؤمن ومؤمنة، ما من إنسان إلا وصاه الله بالإحسان إلى والديه.

ووجه الإحسان أو حقيقته: أن يطيعهما في غير معصية الله ورسوله، وأن يبرهما، ويقدم لهما ما يحتاجان إليه ويطلبانه من الخير، ولا يسيء إليهما أدنى إساءة ولو برفع الصوت، لا يرفع صوته على أمه أو أبيه، قال تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24].

وَإِنْ جَاهَدَاكَ أي: بذلا جهدهما في أن تعصي الله، وطلبا منك كما طلبت حمنة أم سعد بن أبي وقاص حين بذلت الجهد لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وهل هناك من يستحق أن يشرك مع الله؟

لكن من باب التعليم والتبصير والهداية: إن وجدت من يستحق أن يُعبد فاعبده مع الله، والله لا يوجد كائن يستحق أن يُعبد مع الله، كل الكائنات مخلوقات لله عز وجل، أحياها ويميتها ويحييها، يعطيها ويمنعها، فكيف يوجد فيها من يستحق العبادة معه؟

العبادة يستحقها من خلقك، من وهبك سمعك وبصرك، من أعطاك عقلك، من أوجد لك هذه الدنيا، من أوجد لك هذه النعم، ذاك الذي تعبده.

وهل يوجد غير الله؟ الجواب: لا لا، وإنما من باب التعليم الهادئ.

فَلا تُطِعْهُمَا لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، هذه قاعدة عامة: لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق.

إذا قال لك مخلوق، سلطان أو إنسان، أو أم أو أب: لا تصل! فلا طاعة له. لا تصم! لا طاعة له. افجر! لا تطعه، إلا في حال واحدة وهي حال الإكراه بالحديد والنار، فقد يضع السكين على رقبتك: تكفر وإلا نذبحك؟ في هذه الحال يجوز لك على شرط أن يكون قلبك مطمئناً ساكناً بالإيمان؛ إذ قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] وحصل بالفعل لـياسر وعمار وسمية فقد كانوا يربطونهم في مكة ويعذبونهم ويضطهدونهم، فمر النبي صلى الله عليه وسلم بـعمار وهو يقول: يا رسول الله أعطيهم؟ قال: أعطهم يا عمار .. أعطهم ما يقولون، يقولون له: سب محمداً صلى الله عليه وسلم. قال: أعطهم. ونزلت هذه الآية: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [النحل:106].

إذاً: وَإِنْ جَاهَدَاكَ [العنكبوت:8] بذلا الجهد والطاقة الكبيرة لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا [العنكبوت:8] لماذا؟ قال: إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت:8] أنت وأبوك عائدون إلينا، وسوف ننبئكم بما كنتم تعملونه، ونجزيكم به، الحسنة بأضعافها والسيئة بمثلها.

لو ما كنت ترجع إلى الله ستقول: أنا ما أعصي أمي ولا أبي وأطيعه، لكن ما دمت سوف تقاد وتوقف بين يدي الله وتحاسب وتجزى ففي هذه الحال لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق: إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت:8] من خير وشر.

إذاً: فارهبوا الله وخافوه، أطيعوه ولا تعصوه مهما كان الآمر سواء الأب أو الأم، لا تطعهما في معصية الله.

تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين)

ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العنكبوت:9] هذا خبر.

أبشروا! وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ [العنكبوت:9] الحمد لله، اللهم اجعلنا منهم! آمين.

يا من آمنتم بالله رباً وإلهاً، لا إله غيره ولا رب سواه!

يا من آمنتم بكتاب الله ولقاء الله!

يا من آمنتم برسل الله! اعملوا الصالحات! أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله في كل ما يأمران به وينهيان عنه، وأبشروا بأن الله أخبركم أنه سيدخلكم الجنة مع الصالحين.

سمعتم هذا الخبر الإلهي؟ اسمعوا الصيغة! يقول تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ [العنكبوت:9] وعزتنا وجلالنا لندخلنهم فِي الصَّالِحِينَ [العنكبوت:9].

والصالحون أين هم؟ في الجنة. واقرءوا لذلك قول الله تعالى من سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69] قطعاً هو مؤمن قبل ذلك وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69] مع من؟ مع الذين أنعم عليهم بالجنة وبينهم فقال: مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69] وهذا الخبر كما سمعتم لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ [العنكبوت:9].

فهيا نحقق إيماننا ونعمل الصالحات، ونتجنب المنهيات المحرمات، فنصبح أهلاً لأن يدخلنا ربنا مع الصالحين، وهذا الرجاء في الله تعالى.

تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ...)

ثم قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ [العنكبوت:10] خبر ثان وَمِنَ النَّاسِ [العنكبوت:10] ناس مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10] هؤلاء ضعفة في مكة، قالوا: آمنا فلما شدت عليهم قريش بالضرب والتعذيب كفروا، وهذا يتم في كل زمان ومكان، ينافق بعضهم بالإيمان، فإذا أوذي ترك الإيمان وأعلن الكفر أو علق الصليب في عنقه.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ [العنكبوت:10] من أجل الله جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10] عذاب الله أشد وليس كفتنة الناس، فتنة الناس أن يصفعوك، أن يضربوك، أن يقتلوك فأنت ميت ميت، لكن عذاب الله الخلد في دار الشقاء، في النار التي لا تنتهي أبداً، فكيف نجعل عذاب الله كعذاب هذا الكافر أو الظالم؟

بل نتحمل ونصبر، صفعني على خدي الأيمن أعطيه الأيسر وأصبر على دعوة الله، ولا أنتقل إلى الكفر من أجل الأذية.

بعض الناس يؤذى فيكفر كيف؟ يصاب بمرض، يصاب بالفقر والحاجة والمسكنة، تسلب وظيفته أو كذا والعياذ بالله، يقول: ما نصلي ويكفر؛ لأنه ترك الإيمان والصلاة.

واسمعوا الآية الكريمة: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ [العنكبوت:10] من يؤذيه؟ الظلمة الكفرة جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10] جعل فتنة الناس بالضرب أو الجوع أو كذا كعذاب الله، وهذا مستحيل، فعذاب الله في جهنم لا حد له ولا حصر، ولا يقاس به عذاب في الدنيا.

وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ [العنكبوت:10] هؤلاء منافقون في المدينة.. أيام وجود الرسول صلى الله عليه وسلم وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:10] يعلم الله كونك تقول: أنا مؤمن، أنا مسلم والقلب خال.. فارغ؛ فإن الله مطلع على القلب، بل هو خالق القلب وخالق استعداده لقبول الحق أو الباطل.

ومعنى هذا -معاشر المستمعين- أن نثبت، سواء افتقرنا.. مرضنا.. عذّبنا.. اضطهدنا.. كيف ما كانت الأوضاع فعذاب الله أعظم وأشد.

نلزم باب الله ونستعصم بحبل الله حتى يتوفانا ولا نرتد على أعقابنا أبداً، ولا نكون كفلان كان يصلي، وكان يعبد الله.. فلما فقد الدينار والدرهم انتكس.. ترك الصلاة ورجع إلى الباطل والحرام مثلاً.

تفسير قوله تعالى: (وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين)

ثم قال تعالى: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ [العنكبوت:11] خبر عظيم آخر.

يحلف الله بأنه يعلم ماذا؟ المؤمنين ويعلم المنافقين، فكونك تقول: أنا مؤمن والقلب فارغ لا يؤمن فالله عليم بك.

كونه يقول ذلك، وهو منافق، يرائي أو كذا، فالله مطلع على قلبه.

ومعنى هذا: هيا نخشى الله ونخافه، ونفزع إليه ونلجأ إليه، ولا نظهر أبداً كفراً.

تفسير قوله تعالى: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ...)

ثم قال تعالى في خبر آخر: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ [العنكبوت:12] هذا في مكة.

الطغاة كـأبي جهل وعقبة بن أبي معيط يقولون لمن آمن: اترك هذا الدين ونحن نتحمل عنك!

وبالفعل يقول أحدهم: أنت لم تترك دينك وتخرج عن بلادك من أجل ما قال محمد؟ إن كان عذاباً كما قال فأنا أتحمله، عد إلى دين آبائك وأجدادك.

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا [العنكبوت:12] من ضعفة المؤمنين في مكة اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا [العنكبوت:12] امشوا معنا في ديننا ودين آبائنا وأجدادنا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ [العنكبوت:12] أي: ولنتحمل خطاياكم يوم القيامة.

قال تعالى: وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [العنكبوت:12] لا يحملون من خطاياهم من شيء.

لا يستطيعون، ولكن أرأيتم الطغاة والظلمة والمعاندين كيف يفعلون؟

يقولون: لم تخاف محمداً؟! نحن نتحمل عنك، امكث على دين آبائك وأجدادك.

وهذا يقال للناس حتى اليوم.

تفسير قوله تعالى: (وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم ...)

قال تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت:13] أخبار عجيبة هذه.

اسمع: وَلَيَحْمِلُنَّ [العنكبوت:13] هذه اللام للقسم وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ [العنكبوت:13] وهذا عام.

( من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها فله أجره وأجر من يعمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعمل بها فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ).

فلهذا احذر -عبد الله- أن تبتدع بدعة أو تسن سنة من السنن المنكرة كأن تفتح دكاناً للتصوير.. استديو للتصوير.. فهذا حاله: أنا ضدك يا محمد يا رسول الله؛ لأنه سن سنة سيئة وابتدع بدعة وأوقع الناس فيها، فعليه وزر بدعته وعليه وزر كل من عمل بها.

واسمع الخبر الإلهي وعزة الله وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ [العنكبوت:13] أي: ذنوبهم وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت:13] ويكذبون ويقولون ويقولون..

الآية نزلت في أهل مكة ولكنها عامة، فمن سن في الإسلام سنة حسنة. أي: فتح باب خير، مشروع إصلاح، مشروع هداية فله ثوابه وثواب من عمل به من الناس.

ومن سن سنة سيئة وفتح باب الشر والعياذ بالله تعالى فعليه الوزر ووزر من يعمل به إلى يوم القيامة.

وهذا ابن آدم الأول لما قتل أخاه أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنه ما من نفس تقتل ظلماً إلا وعلى ابن آدم كفل من دمها ) أي: جزء منها.

تعرفون أن قابيل قتل هابيل ، فأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من قتل نفساً ظلماً فـقابيل يتحمل الإثم لأنه هو الذي سن القتل والعياذ بالله.

وهذا يدخل فيه الذي يفتح بنكاً للربا.. يفتح داراً للبغاء.. يفتح داراً للتصوير.. يفتح داراً للباطل والمنكر.. يتحملها.

نبرأ إلى الله من ذلك!!

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

نسمعكم شرح الآيات من الكتاب.قال: [ معنى الآيات:هذه الآيات نزلت في شأن سعد بن أبي وقاص

لما أسلم قالت له أمه حمنة بنت سفيان

: ما هذا الدين الذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه، أو أموت فتُعيّر بذلك أبد الدهر، يقال: يا قاتل أمه، ثم إنها مكثت يوماً وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل ] بالظل [ فأصبحت وقد جهدت ثم مكثت يوماً آخر وليلة لم تأكل ولم تشرب فجاء سعد

إليها وقال: يا أماه! لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني، فكلي إن شئت وإن شئت فلا تأكلي، فلما أيست منه أسلمت وأكلت وشربت؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية: (( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ))[العنكبوت:8] أي: عهدنا إليه بواسطة الرسل إيصاءً ذا حسن وهو برهما بطاعتهما في المعروف وترك أذاهما ولو قل، وإيصال الخير إليهما قولاً كان أو فعلاً. وقوله تعالى: (( وَإِنْ جَاهَدَاكَ ))[العنكبوت:8] أي: بذلا جهدهما في حملك على أن تشرك بي شيئاً من الشرك أو الشركاء فلا تطعهما كما فعل سعد بن أبي وقاص

مع والدته في عدم طاعتها.وقوله: (( إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ))[العنكبوت:8] أولاداً ووالدين (( فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ))[العنكبوت:8] وأجزيكم به فلذا قدموا طاعتي على طاعة الوالدين، فإني أنا الذي أحاسبكم وأجزيكم بعملكم أنتم وإياهم على حد سواء. وقوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا ))[العنكبوت:9] أي: بالله ورسوله (( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ))[العنكبوت:9] التي هي العبادات التي تعبّد الله تعالى بها عباده المؤمنين، فشرعها لهم وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم كالذكر، وقراءة القرآن، والصلاة، والصيام، والصدقات، والجهاد، والحج.. وما إلى ذلك. هؤلاء الذين جمعوا بين الإيمان الحق والعمل الصالح الخالي من الشرك والرياء، يقسم الله تعالى أنه يدخلهم مدخل الصالحين وهم الأنبياء والأولياء في الجنة دار السلام.وقوله تعالى: (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ ))[العنكبوت:10] الآية هذه نزلت في أناس كانوا بمكة وآمنوا وأعلنوا عن إيمانهم فاضطهدهم المشركون فكانوا ينافقون فأخبر تعالى عنهم بقوله: (( مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ ))[العنكبوت:10] أي: آذاه المشركون نافق وارتد (( جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ ))[العنكبوت:10] أي: أذاهم له وتعذيبهم إياه (( كَعَذَابِ اللَّهِ ))[العنكبوت:10] يوم القيامة فوافق المشركين على الكفر.وقوله تعالى: (( وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ))[العنكبوت:10] أي: على الإيمان وإنما كنا مكرهين وهذه نزلت فيمن خرجوا من مكة إلى بدر مع المشركين لما انهزم المشركون وانتصر المسلمون وأسروا قالوا: (( إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ))[العنكبوت:10] أي: على الإيمان فرد الله تعالى دعواهم بقوله: (( أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ))[العنكبوت:10] أي: الناس.وقوله تعالى: (( وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ))[العنكبوت:11] تقرير لما سبق في الآية قبل وأن علمه بحالهم يترتب عليه الجزاء على الإيمان وعلى النفاق. فعلمه تعالى يستلزم الجزاء العادل، فأهل الإيمان يجزيهم بالنعيم المقيم، وأهل النفاق يجزيهم بالعذاب المهين. أولئك في دار السلام وهؤلاء في دار البوار.وقوله تعالى: (( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا ))[العنكبوت:12] أي: ديننا، وما نحن عليه (( وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ))[العنكبوت:12] قال رؤساء قريش ] قالوا [ لبعض المؤمنين اتركوا سبيل محمد ودينه واتبعوا سبيلنا وديننا، وإن كان هناك بعث وجزاء كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم فنحن مستعدون أن نتحمل خطاياكم ونجازى بها دونكم، فأكذبهم الله تعالى بقوله: (( وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ ))[العنكبوت:12] و(( إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ))[العنكبوت:12] في قولهم ولنحمل خطاياكم.وقال تعالى مقسماً بعزته وجلاله: (( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ ))[العنكبوت:13] أي: أوزارهم (( وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ))[العنكبوت:13] أي: أوزاراً، والمعنى: أنهم يحملون ذنوباً مع أوزارهم التي هي ذنوبهم وذلك من أجل ما قالوا لهم. (( وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ))[العنكبوت:13] أي: يكذبون من أنهم يحملون خطايا المؤمنين يوم القيامة ].

هداية الآيات

قال: [ هداية الآيات: من هداية هذه الآيات:

أولاً: وجوب بر الوالدين في المعروف وعدم طاعتهما فيما هو منكر كالشرك والمعاصي]. وجوب طاعة الوالدين في المعروف، وحرمة طاعتهما فيما هو شرك وكفر وذنوب.

[ ثانياً: بشرى المؤمنين العاملين للصالحات بإدخالهم الجنة مع النبيين والصديقين ].

بشرى لكم سمعتموها أن الله يدخلكم الجنة مع الصالحين إن آمنتم حق الإيمان وعملتم الصالحات بهذا الشرط.

[ ثالثاً: ذم النفاق وكفر المنافقين وإن ادعوا الإيمان فما هم بمؤمنين ]. الذين يدعون الإيمان وقلوبهم فارغة، وإذا أتيحت لهم الفرصة للكفر أعلنوه، وإذا خافوا أخفوا الكفر هؤلاء منافقون والله مطلع عليهم.

[ رابعاً: تقرير مبدأ من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها كما في الحديث الصحيح ].

جاء في الحديث: ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من آثامهم شيئاً ).

وفي الصحيح أيضاً: ( ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل ).

معاشر المستمعين والمستمعات نجتهد طول حياتنا ألا نبتدع بدعة وألا نسن سنة باطلة فنتحمل وزرها إلى يوم القيامة، ولكن نعمل الصالحات ونسن سنن الخير والمعروف فيقتدي الناس بنا، فنثاب على ذلك إلى يوم القيامة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة العنكبوت (2) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net