إسلام ويب

مما يسلي به الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وهو كذلك سلوى لكل داعية، ما ذكره من شأن أول الرسل وهو نوح عليه السلام، فقد صبر السنين الطوال على دعوة قومه العتاة، وبذل أقصى جهده في الدعوة إلى التوحيد، وطرق كل وسيلة ظنها مجدية، وأعاد الدعوة تكراراً ومراراً حتى انقضت ساعة الإمهال واقتربت نهاية عبّاد الأصنام، فأوحى الله إلى رسوله نوح بصنع السفينة، وأن يأخذ أتباعه المؤمنين، وحقت كلمة الله على القوم الظالمين فأغرقهم بالطوفان، وسلّم نوحاً ومن معه من أهل الإيمان، وهذه سنة الله في خلقه، أن الظفر دائماً لأهل الصلاح، والخسارة لأهل الكفر والشقاء.

تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ...)

الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن اليوم مع سورة العنكبوت المكية المدنية، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [العنكبوت:14-15].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات: تقدمت الآيات قبل هاتين الآيتين بما كان يعانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من صلف المشركين وعتوهم واعتدائهم وظلمهم في مكة المكرمة، فأراد الله تعالى أن يخفف عن الرسول والمؤمنين، فيسليهم ويذهب عنهم غمهم بما حدث لعبد الله ورسوله نوح من قبل، لتكون هذه القصة الموجزة عظة وعبرة لرسول الله والمؤمنين في كل زمان ومكان، إذا كان يلاقون الشدة ويعانون من العسف والأذى والضر.

فقال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا [العنكبوت:14] يخبر تعالى أنه أرسل عبده ورسوله نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ [العنكبوت:14].

نوح.. من نوح؟ نوح قيل اسمه يشكر، ويسمى سكن، ولما ناح وطال نوحه عشرات السنين بل مئات السنين نودي بيا نوح. أي: كثير النياحة. مكث ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعو إلى الله، وقومه يعاندون ويكابرون، ويقولون الباطل ويهجرون ويفعلون، وهو في صبر شديد.

هذا نوح عليه السلام اعلموا أنه أول رسل الله صلى الله عليه وسلم، وجده إدريس عليه السلام، وبينه وبين آدم ألف سنة فقط.

ما بين ولادة نوح ووجود آدم ألف سنة، وهو أول الرسل، وإدريس كان قبله نبياً، لكنه لم يرسل كما أرسل نوح، والرسل كما ينبغي أن نعلم أنهم ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً أولهم نوح عليه السلام، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.

والثلاثمائة وأربعة عشر منهم إبراهيم، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، داود، سليمان، يحيى، عيسى، زكريا.. ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً.

أرسله الله إلى من؟ إلى البشرية كلها يومئذ، ما كان قبله رسول وما كانت البشرية إلا محدودة العدد والكمية في الشرق الأوسط، هذه هي البشرية، أرسل إليهم نوح عليه السلام.

لم أرسل إليهم؟ لأنهم أشركوا بالله عز وجل فعبدوا غيره، واتخذوا أصناماً فعبدوها، وألهوها، ودعوها، واستغاثوا بها، وتقربوا إليها.. ونسوا الله خالقهم وخالق كل شيء.

إذاً: فمن باب لطف الله وإحسانه ورحمته وحكمته وعدله أن نبأ نوحاً وأرسله إليهم ليعلمهم أنهم مخطئون، وأن عليهم أن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به سواه.

وجاء في السورة المسماة بسورة نوح بيان هؤلاء الأصنام التي عبدها المشركون إذ قال تعالى عنهم: وَقَالُوا أي: لبعضهم بعضاً لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ من أجل نوح وتتركوا عبادتها، وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23] هؤلاء خمسة رجال كانوا أولياء صالحين والله العظيم، ثم لما ماتوا زين الشيطان للناس أن يضعوا على قبورهم تماثيل تذكرهم بهم وتذكرهم بالله عز وجل، فصنعوا تماثيل ووضعوها على القبور الخمسة، هذا يغوث، وهذا ود، وهذا سواع، وهذا يعوق.. ثم لما مضى الجيل الثاني عبدوهم؛ فلهذا حرم النبي صلى الله عليه وسلم البناء على القبور.

في أمة الإسلام لا يجوز البناء على القبور، فكيف إذاً يجوز وضع تمثال أو صورة على قبر؟

إذاً: فعبدوهم، فبعث الله تعالى إليهم رسوله نوحاً عليه السلام: فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأعراف:59] فأبوا، فأصروا والعياذ بالله تعالى على الشرك والكفر، مدة بلغت ألف سنة إلا خمسين عاماً.

قطعاً هو نبئ على حد الأربعين سنة، لكن أرسل إليهم فدامت مدة دعوته تسعمائة وخمسين سنة، وعاش بعدها ثلاثمائة وخمسين سنة في بعض الروايات وقيل: ستين سنة، وتوفاه الله عز وجل.

مدة مكث نوح في قومه وبناؤه للسفينة

ومن لطائف العلم في وفاة نوح عليه السلام: أنه لما حضره ملك الموت سأله عن المدة التي قضاها، فقال: مثلي كمثل من بني له بيت وجعل له بابان، فدخل من باب وخرج من الآخر. هذه هي الألف سنة، وهو كذلك.

مهما عشت يا عبد الله وطال عمرك فيوم وفاتك هو يوم ولادتك، ويوم ولادتك هو يوم وفاتك وتخرج منها.

نوح عليه السلام أنجب أربعة أولاد، وهم: حام، وسام، ويافث، وكنعان. أما كنعان فقد مات كافراً، وما أسلم، أغرقه الله مع البشرية وهلكوا جميعاً.

وأما يافث فهو أبو الأتراك ويأجوج ومأجوج.

وأما سام فهو أبو العرب والروم الأمة السامية والفرس.

وأما حام فهو أبو الأقباط والسودان والأفارقة.

فذرية آدم الذين تكونت منهم البشرية بعد أن أغرقها الله هم: يافث وسام وحام، أما كنعان فقد هلك.

وذكر تعالى قصة هلاكه في سورة هود عليه السلام فقال تعالى: يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [هود:42-43].

والسفينة التي صنعها نوح عليه السلام بأمر الله وتدبيره أول سفينة عرفتها البشرية، والغريب أنه لما كان يعمل في صناعتها كان يمر به الجاهلون والمعاندون فيهزءون ويسخرون ويضحكون: ما هذا يا نوح؟ تحمل الماء إليها أو تحملها إلى البحر ؟ يضحكون ويسخرون.

ولما دقت الساعة، ركب في السفينة ومعه نيف وثمانون نسمة فقط، وأغرق الله البشرية كلها، وسبب الإغراق كما قال تعالى من سورة القمر: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10] نوح دعا ربه.. سأل ربه أني مغلوب، ما استجابوا لي، ما أطاعوني، ما عفوا عني ولا تركوني فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:11-16].

فجر الله الأرض تفجيراً، والسماء تساقطت بالأمطار، فكان طوفاناً لا نظير له، ونجا نوح مع هذا العدد ورست السفينة في جبل يقال له: الجودي. وقيل: هذا الجبل بقيت السفينة فيه إلى عهد العثمانيين، ثم غرقت في الثلوج وغيرها، وهي في جهة العراق.

دلالة الاستثناء في قوله تعالى: (ألف سنة إلا خمسين عاماً)

إذاً: قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ [العنكبوت:14] أي: أقام فيهم أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا [العنكبوت:14] لماذا ما قال: تسعمائة وخمسين؟ قال: ألفاً أولاً للعدد، ثم استثنى منه خمسين سنة، لأن هذا أبلغ في البيان والفصاحة.

معنى قوله تعالى: (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون)

قوله تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ [العنكبوت:14] والطوفان والمواتان بمعنى واحد، وإلى الآن يسمون الماء إذا أغرق البلاد طوفان، من طاف به إذا أحاط به، ومنه الطواف.

فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [العنكبوت:14] هذه الجملة الحالية، من أجلها نزلت الآية، فأخذهم الطوفان والحال أنهم ظالمون. أي: مشركون كافرون، ظالمون لعبد الله ورسوله نوح عليه السلام، ولهذا الشرك يسمى بالظلم، فكل شرك ظلم، وكل مشرك ظالم.

ما وجه ذلك؟ بينوا لنا؟

الجواب: الله جل جلاله -عفا الله عنا وعنكم- خلقني وحده بتدبيره وسنته، ورزقني وأوجد هذا الكون من أجلي، السماء والأرض وما فيهما وما بينهما، أوجدني هذا الإيجاد، وخلقني هذا الخلق، وأنعم علي هذا الإنعام، وأكرمني هذا الإكرام بالسمع والبصر والعقل، والذات بكاملها من أجل أن أعبده فقط، والله ليس من أجل شيء إلا أن أعبده، من أجل أن أذكره وأشكره، فكيف أنصرف عنه وأذكر غيره وأشكر غيره؟ كيف أترك عبادته وأعبد غيره؟ أي ظلم أفظع من هذا الظلم؟ دلوني؟ والله لا ظلم أفظع ولا أبشع من ظلم الشرك!

تأمل خلقك، ورزقك، وخلق الكون كله من أجلك، وخلق الجنة من أجلك، وخلق النار من أجلك.. كل الكون خلقه من أجك: ( يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي ) لم خلقني ربي؟ من أجل أن أذكره وأشكره!

فكيف أنساه وأذكر غيره؟

وكيف أعصيه وأطيع غيره؟

وكيف أشكر غيره وأكفره؟

فلهذا لا ظلم أفظع من الشرك أبداً.

فهمتم المعنى أو لا؟ الظلم ما هو؟ إن تسلبني هذا اللباس فقد ظلمتني. أليس كذلك؟

تأخذ مني سيارتي فقد ظلمتني!

تطردني من منزلي فقد ظلمتني!

هذا هو الظلم أو لا؟ وضع الشيء في غير موضعه.

إذاً: فالذي يترك عبادة الله بكاملها ويعطيها للشياطين فيعبد الأشجار والأحجار والقبور والشياطين أي ظلم أفظع من هذا الظلم؟

ومن أجل ذلك أغرق الله البشرية كلها، إلا من استثنى من المؤمنين، فقال تعالى: فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [العنكبوت:14] أي: الحال أنهم ظالمون، أي: بسبب ظلمهم.

أنواع الظلم

فيا معاشر المستمعين فلنحذر الظلم، فلا نظلم غيرنا، ولا نظلم الله عز وجل، ولا نظلم أنفسنا.

ولنعلم أن مجالات الظلم ثلاثة:

أولها: ظلمك لنفسك بحملها على الذنوب والآثام؛ لتستوجب عذاب الله وسخطه ونقمته في الدنيا والآخرة.

لم تعرض نفسك للبلاء والشقاء يا عبد الله؟ لم تظلم نفسك؟

ثانيها: ظلمك لغيرك من الناس، فلا تسب ولا تشتم، ولا تسرق ولا تكذب، ولا تخن ولا تخدع، ولا تغش عبداً أبداً، ولا تسلب ماله، ولا تتعرض لعرضه ولو بكلمة سوء، فلا تظلم عباد الله.

والظلم الأفظع الثالث: ظلمك لربك، كأن تترك الله وتقول: يا سيدي فلان!

تترك الله وتقول: يا رسول الله! يا فاطمة ! يا عبد القادر ! يا مولاي إدريس! يا فلان.. يا فلان!

تنادي أمواتاً؟ أخلقوا أم رزقوا؟ من أذن لك في ندائهم؟ تدعوهم والله يقول: وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [القصص:88]!!

هل يسمعون دعاءك؟ لو تقف ألف سنة وتنادي: يا فاطمة ! يا حسين ! والله ما استجابوا ولا سمعوا ولا أعطوك ما تطلب. وهذا الموقف هو الظلم الفظيع بعينه.

وما زال الجاهلون إلى الآن يستغيثون ويستعيذون ويحلفون بغير الله عز وجل، مع انتشار العلم وانتشار الدعوة في الأرض، ومع هذا ما زال الجهال يدعون غير الله، ويذبحون لغير الله، وينذرون لغير الله، ويحلفون بغير الله حتى بالرسول، يجيء ويقول: والنبي. آلله أذن لك أن تحلف بغيره؟

الحلف بالله عبادة من أعظم العبادات، فمن حلف بغير الله فقد سوى هذا المخلوق بالله، وجعله مثل الله وحلف به، والرسول الكريم على المنبر يقول: ( ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحلف بغير الله، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ).

ولما دخل الناس في الإسلام وكانوا يحلفون باللات والعزى ويجري على لسان أحدهم: واللات، قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله؛ تكفرها ).

كذلك نقول لإخواننا: لما يقول أحدهم: والنبي. نقول: قل: لا إله إلا الله تكفرها.

ورأس سيدي فلان! قل: لا إله إلا الله تمحها وتزيلها؛ لأنك لست قاصداً تعظيم هذا المخلوق ولكن جرى على لسانك هذا القول فقط، فقولك: لا إله إلا الله؛ حسنة تمح بها تلك السيئة.

عرفتم معاشر المستمعين والمستمعات أنواع الظلم. كم نوعاً؟ ثلاثة، وقد حرم الله الظلم مطلقاً:

الظلم الأول: ظلمك لنفسك المسكينة، المشرقة المستنيرة، تصب عليها أطنان الذنوب والآثام فتحولها إلى منتنة قذرة يغضب الله عليها ولا يرضى.

الظلم الثاني: ظلمك لإخوانك، لأقربائك، لجيرانك، للبشرية كلها.

الظلم الثالث: ظلمك لربك بأن تأخذ حقه وتعطيه لغيره والعياذ بالله تعالى.

تفسير قوله تعالى: (فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين)

ثم قال تعالى: فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ [العنكبوت:15].

كم أصحاب السفينة؟ نيف وثمانون نسمة، من بينهم ثلاثة رجال هم أولاد نوح عليه السلام.

وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [العنكبوت:15] جعل الله السفينة آية أو لا؟ والقصة كلها قصة نوح آية.

أي: علامة واضحة تدل على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله!

آية تدل على أنه لا يعبد إلا الله!

آية تدل على أنه لا يطاع إلا الله ورسول الله ومن أمر الله بطاعته من الآباء والمسئولين!

وبذلك نسعد ونكمل إذا أطعنا الله وأطعنا رسوله صلى الله عليه وسلم.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

قال: [ هداية الآيات: من هداية هذه الآيات:

أولاً: بيان سنة الله تعالى في إرسال الرسل لهداية الخلق ]. بيان سنة الله تعالى في إرسال الرسل لهداية الخلق، هذه سنة الله، أرسل نوحاً وأرسل الرسل بعده من أجل هداية الناس؛ لأنهم يضلون، يعبدون غير الله، يفجرون، يخرجون عن الحق.

إذاً: فمن رحمة الله أن يبعث الرسول إليهم لهدايتهم، فإن استجابوا اهتدوا، وإن أصروا والعياذ بالله هلكوا.

هذه سنة الله.

قال الشيخ في النهر: [ روى أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أول نبي أرسل واختلف في سنين عمره ). وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لما بعث الله نوحاً إلى قومه وبعثه وهو ابن لخمسين ومائتي سنة، فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وبقي بعد الطوفان خمسين ومائتي سنة، فلما أتاه ملك الموت قال: يا نوح ) ] فلما أتاه ملك الموت بعد الألف ومائتين وخمسين سنة[ ( فلما أتاه ملك الموت قال: يا نوح يا أكبر الأنبياء ) ] يا نوح يا أكبر الأنبياء، أي: أكبرهم سناً [ ( يا نوح يا أكبر الأنبياء ويا طويل العمر، ويا مجاب الدعوة ) ].

استجاب الله له فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ [القمر:10-11] على الفور، الله أكبر.

[ ( قال: يا نوح يا أكبر الأنبياء ويا طويل العمر، ويا مجاب الدعوة! كيف رأيت الدنيا؟ قال: مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من الآخر ) ].

كالذي بني له بيت وللبيت بابان، فدخل من الأول وخرج من الثاني.

هذه هي الحياة الدنيا ولو كانت ألف سنة، فهيا نتعظ ونعتبر، ونصحح طريقنا إلى الله.

[ ثانياً: بيان قلة من استجاب لنوح مع المدة الطويلة، فيكون هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاة من بعده ].

كون نوح عليه السلام دعا ألف سنة إلا خمسين عاماً وما استجاب له إلا عدد قليل، في هذا عظة وعبرة للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن يدعون إلى الله، إذا ما استجاب الناس له؛ لأنه إذا كان الرسول مكث عشر سنوات في مكة فنوح مكث ألف سنة إلا خمسين عاماً، فلهذا يصبر، وعلى الدعاة في الأرض كلها أن يصبروا كما صبر أولوا العزم من الرسل، فكم وكم من داع يدعو إلى الله خمسين سنة وما يستجيب له إلا ثلاثة أنفار أو عشرة أنفار، ولا حرج، فهذا نوح ما استجاب له إلا عدد بسيط.

[ ثالثاً: بيان إهلاك الله تعالى الظالمين وإنجائه المؤمنين وهي عبرة للمعتبرين ]. بيان إنجاء الله تعالى للمؤمنين، وإهلاكه للظالمين المشركين، وهي عظة وعبرة للمعتبرين.

وقال في النهر: [ روي في البخاري أن قتادة قال: بقيت السفينة على الجودي حتى نظرتها أوائل هذه الأمة.

وقيل: إنها دامت إلى أوائل الدولة العباسية ثم غمرتها الثلوج، وكان الجودي الذي رست فوقه قرب قرية من جزيرة ابن عمر بالموصل شرقي دجلة ]. وقيل: تأخرت السفينة قرون عديدة وهي واقفة على جبل في البحر.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة العنكبوت (3) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net