إسلام ويب

يبين الله سبحانه وتعالى للمؤمنين فضائح النصارى واليهود ليتحقق كفرهم عندهم، وأنه يجوز قتالهم والتسلط عليهم، وأخذ الجزية منهم، ومن هذه الفضائح نسبتهم الولد لله سبحانه وتعالى، فيقول النصارى: المسيح ابن الله، ويقول اليهود عزير ابن الله، مضاهاة للذين من قبلهم والذين يقولون: الملائكة بنات الله، وكل هؤلاء إنما يريدون بذلك إطفاء نور الله، والله متم نوره رغم كراهتهم لذلك.

تفسير قوله تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن مع سورة التوبة -تاب الله علينا وعلى كل مؤمن ومؤمنة-، ومع هذه الآيات، فهيا بنا نسمع تلاوتها، ونتدبر ونتفكر، ثم نتدارسها جميعاً.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:30-33].

كفر اليهود والنصارى بسبب عقائدهم الكفرية

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا جل ذكره: (وقالت اليهود عزيرُ ابن الله)، وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، قراءتان سبعيتان عن حفص ونافع .

اليهود معرفون ومعلمون للأبيض والأسود، وهذا الاسم اشتق لهم من قولهم: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:156] بعد زلتهم الكبرى، وطلب منهم التوبة قالوا تبنا: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:156]، فمن ثم عرفوا بكلمة اليهود.

ومن غرائب ما هم عليه: أنهم لا يختلطون بغيرهم، فقل ما تتزوج يهودية غير يهودي، أو يتزوج يهودي غير يهودية، وإن صح ذلك وثبت فلمصلحة تعود على الملة اليهودية؛ ليحتفظوا بكيانهم ووجودهم، من أجل أن يسودوا العالم ويحكموه، فهذه آمالهم، ومن هنا اضطروا اضطراراً إلى أن يفعلوا كل منكر وباطل، وأن يستبيحوا كل حرام من أجل تحقيق هدفهم، ألا وهو إعادة مملكة بني إسرائيل.

يقول الله تعالى عن اليهود: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، (عزير) تصغير (اعزر)، وهذا التصغير كان من العرب بلغة اليهود؛ فإنه جائز لأنهم كانوا يختلطون بهم، وعزير هذا أحد أنبياء الله عز وجل، وهو الذي جاء ذكره في سورة البقرة، وأن الله أماته مائة سنة ثم بعثه.

ما السر في نسبته إلى الله بين اليهود، إذ قالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]؟

القصص والأخبار والروايات كثيرة، كلها عن بني إسرائيل، ليس فيها عن رسولنا شيئاً، أقربها إلى الفهم: أنهم لما غزاهم البابليون واستحلوا ديارهم، وقتلوا علماءهم وأخذوا التابوت والذي فيه التوراة، وضاعت التوراة منهم، فأملاها عليهم عزير؛ لأنه كان يحفظها، فقالوا: هذا لن يكون إلا ابن الله، وإلا كيف يحفظ التوراة، ومعروف مبالغة العوام والضلال ولا عجب في ذلك، فقالوا: هذا ابن الله الذي أوحى التوراة وأنزلها علمه وحفظها، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً؛ لأن الابن يفتقر إليه الأب ليقف إلى جنبه ويساعده ويخلفه، والله مالك كل شيء وبيده كل شيء فلا يحتاج إلى ولد، فالولد يحتاج إلى أم، وهل الرحمن خالق الملائكة والإنس والجن يتزوج؟!

فهذه خرافات وضلالات، ومن غريب هذه الضلالات أن قبيلة من قبائل العرب في الجزيرة يعتقدون أن الملائكة بنات الله، وأنه أصهر إلى الجن فتزوج جنية فأنجبت له الملائكة!! واقرءوا سورة اليقطين والصافات ففيها الآية الكريمة.

قالوا: الملائكة بنات الله، اليهود قالوا: عزير ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، وكلهم والله! مفترون كاذبون، تعالى الله علواً كبيراً أن يكون له صاحبة أو ولد.

إذاً: هاهو تعالى يبين للمؤمنين فضائح النصارى واليهود؛ ليتحقق كفرهم عندهم، وأنهم كفار يجوز قتالهم، ويجوز التسلط عليهم وأخذ الجزية منهم، فقد أباح الله لنا أخذ الجزية منهم، وأباح لنا قتالهم؛ لأنهم كفار.

قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، فالله هو رب العالمين وهذا اسمه العلم على ذاته عز وجل، والنصارى هم الذين ينسبون إلى قولهم: نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ [الصف:14]، والآية الكريمة تذكرنا أن عيسى عليه السلام قال في يوم من الأيام: مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ [الصف:14]، إما لابسوا البيض أو يقصد الثياب، أو من معنى آخر: نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ [الصف:14]، فكل من ينتسب إليهم فهو أنصارى أو نصراني.

وهؤلاء النصارى دعوا إلى ربهم وعبدوا الله قرابة ستين سنة، وهم على الدين الإسلامي الحق بعد رفع عيسى إلى الملكوت الأعلى، وحبيب بن النجار ورسولين المذكورين في سورة يس منهم، فقد بعث بهم عيسى إلى أنطاكية ليعلموهم.

فلما رفع عيسى عليه السلام احتال اليهود على إفساد الديانة المسيحية، فجاء بولس -والعياذ بالله تعالى- حول الإنجيل إلى سبعة أناجيل.. إلى خمسة وثلاثين إنجيل، واستقر الأمر لما ظهرت فضيحتهم وجمعوا الأناجيل وجعلوها خمسة وهي موجودة حتى الآن.

إذاً: أربعة أخماس كلها كذب أضيفت إلى الإنجيل.

فالقرآن الكريم ولا كلمة واحدة محرفة، بل ولا حرف، تقسم بالله على أن القرآن كله كلام الله، والتوراة والإنجيل لا تستطيع أن تقسم على أنها كلها كلام الله، فثلاثة أرباعها كلها باطل.

الشاهد: هو تقرير كفر اليهود والنصارى؛ لأن الذي ينسب إلى الله ما هو منه منزه ومقدس يكون قد كفر بالله عز وجل، فلو تقول: هذا ابن الله كفرت بالله عز وجل ولا شك في ذلك، والذي يقول: هذا أخو الله كافر أيضاً، فالذي ينسب إلى الله ما هو منه منزه يكفر بذلك، فلو ينسب إلى الله العمى أو الجهل أو العرج، أو كذا أو عدم العلم يخرج من الملة وهو كافر، فهؤلاء كفروا بنسبتهم الولد لله عز وجل، والله بريء من ذلك منزه عنه.

قال تعالى: وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ [التوبة:30]، والمراد من المسيح هنا عيسى عليه السلام، وسمي بالمسيح، قيل: كانت رجله ممسوحة ليس فيها منخفض فهي متساوية، أو كان يمسح المريض فيشفى، وهو كذلك.

والمسيح ابن مريم عيسى عليه السلام عُلمنا أنه رفع إلى الملكوت الأعلى، وأنه سينزله الله تعالى إلى الأرض مرة ثانية، ورفع إلى السماء وهو ابن ثلاثة وثلاثين سنة، فينزل إن شاء الله قبيل قيام الساعة، ويحج كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( كأني بابن مريم بالروحاء يلبي بحج وعمرة ).. الحديث، ثم يحكم الناس بعد المهدي ويسود الإسلام، ثم ما هي إلا سنيات وتقوم الساعة، يخرج الدجال ويأجوج ومأجوج إلى غير ذلك.

إذاً: قالوا: المسيح ابن الله، نسبوه إلى الله، ثم ما وقفوا عند (ابن الله)، فقد قالوا: ثالث ثلاثة، الله وروح القدس وعيسى هم الإله.

إذاً: تخبطوا في حيرتهم وضلالهم، وهذا شأن من ينصرف عن الحق ويقبل على الباطل يتخبط، قالوا: إن الله ثالث ثلاثة بنص القرآن الكريم: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17].

إذاً: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ [التوبة:30]، أي: لا واقع لهذا القول، ولا وجود له، بل أقوال بالفم فقط.

قالوا: عزير ابن الله، وقالوا: إن عيسى ابن الله، بأفواههم فقط، إذ الواقع لا شيء فيه أبداً، تعالى الله أن يكون له ولد أو تكون له صاحبة وزوجة.

معنى قوله تعالى: (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل)

قال تعالى: يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التوبة:30]، (يضاهون) بمعنى: يشابهون الذين سبقوهم، الآن يتكلم مع الذين كانوا مع محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل، فقد كان قبلهم أمم بستمائة سنة فهم قلدوا من قبلهم، والموجودون الآن قالوا بقولة من سبقهم، يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة:30]، أي: لعنهم الله هذه اللعنة العظيمة؛ لكفرهم وفحش هذا الكفر والباطل، فلن يفلحوا.

معنى قوله تعالى: (قاتلهم الله أنى يؤفكون)

قال تعالى: يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة:30]، (قَاتَلَهُمُ): بمعنى لعنهم، (أَنَّى): كيف يصرفون عن الحق وأنواره تلوح في الشرق والغرب، القرآن موجود، والإسلام موجود، ومحمد موجود، مات محمد أصحابه رجاله إلى اليوم كيف يعرضون؟! أمر عجب! فهم يريدون الخير والجنة والكمال، فكيف يعرضون عن طريق ذلك؟!

فلهذا لعنهم الله، قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة:30]، أي: كيف يصرفون عن الحق، وأنواره تلوح في الشرق والغرب.

تفسير قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ...)

ثم قال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31]، (اتَّخَذُوا)، أي: جعلوا. (أَحْبَارَهُمْ): الأحبار جمع حبر، وهو العالم في اليهود أو في بني إسرائيل. وأما الحِبر بالكسر: فهو المداد الذي يحبر به الكتابة ويكتب به.

والرهبان: جمع راهب، مأخوذ من الرهبة التي هي الخوف؛ لأن رهبان النصارى يدعون أنهم ربانيون يخافون الله، فلا يتزوجون، ولا.. لا.. من خشية الله، وهو كذب.

قال صلى الله عليه وسلم: ( ولا رهبانية في الإسلام )، يقول: أنا لا أتزوج النساء، يريد أن يكون راهب، لكن هم ما يتزوجون في الظاهر ويزنون في الباطن.

قال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31]، أي: أن اليهود اتخذوا أحبارهم أرباباً يعبدونهم.. يأمرونهم وينهونهم فيمتثلون، ويخبرونهم فيصدقون، والنصارى اتخذوا رهبانهم أرباباً.

والأرباب: جمع رب، أي: معبود، سيد، مالك، بيده الخير والغير، بمعنى: عبدوا علماءهم.

اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31]، أي: واتخذوا المسيح بن مريم إلهاً من دون الله، اتخذوه رباً، فالنصارى يعلقون الصليب في أعناقهم ويتقربون به، وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31]، أي: اتخذوه رباً وإلهاً.

توحيد الله عز وجل بألوهيته وربوبيته

قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا [التوبة:31]، وما أمرهم الله على لسان أنبيائه ورسله، إلا ليعبدوا الله وحده، فكيف يعبدون العلماء والرهبان؟! وكيف يعبدون الجن والشيطان؟! وكيف يعبدون الشهوات والأهواء والأطماع؟!

وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [التوبة:31]، أي: هو الله رب العالمين، الله رب البيت العتيق.

ومعنى: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [التوبة:31]، أي: لا يوجد من يستحق أن يعبد في الملكوت كله إلا الله عز وجل؛ لأنه هو الخالق المتصرف، المميت المحيي، فهذا هو الذي يعبد، والذي هو مخلوق ومربوب أحيي وأميت ويحيا كيف يعبد مع الله؟!

تقديس الله سبحانه وتنزيهه لنفسه

ثم قال تعالى: سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]، أي: تعالى وتقدس وتنزه عن شركهم به، عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] أي: من كونهم جعلوا عيسى عليه السلام إلهاً مع الله، أو الأصنام أو الأحجار أو الشبهات والشهوات، فالله جل جلاله وعظم سلطانه نزه نفسه.

تفسير قوله تعالى: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم...)

ثم قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ [التوبة:32]، وهذا من باب التحريش لقتالهم.

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ [التوبة:32]. فلا يستطيع الإنسان أن يطفئ نور الله، فلو اجتمع الإنس والجن على أن يطفئوا ضوء الشمس أو نور القمر فلن يستطيعوا، وهيهات هيهات، فمستحيل ذلك.

والمراد بـ(نور الله): الإسلام الدين الحق، كادوا ومكروا حتى الآن وهم يعملون على إنهاء الإسلام والقضاء عليه، لكن وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32]، آمنا بالله.

إذاً: يخبرنا تعالى أن اليهود والنصارى يعملون ليل نهار على إنهاء الإسلام، إما بالقتال وإما بالمكر، حتى بالكذب والدجل، حتى بالإعلام والتلفاز، المهم كيف ينشرون الكفر والفسق والفجور والضلال بين المسلمين؛ لينتهي الإسلام، إذ الإسلام ينتهي بتعطيل شرائعه وأحكامه وإفساد عقائده، وأخبر بهذا الخبر الله عز وجل خالقهم وغارز غرائزهم وهو أخبر.

يُرِيدُونَ [التوبة:32]، بصيغة المضارع دائماً، فلم يقل: (أرادوا)، بل قال: يُرِيدُونَ [التوبة:32]، أي: يريدون في كل ساعة، أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32]، فقد فعل الله عز وجل هذا وتم، فساد الإسلام وشرق وغرب وظهر فوق المسيحية، وفوق اليهودية، وفوق المجوسية، فهو الدين الأوحد الذي له قيمته في العالم بأسره.

فقد جاء في الحديث عن سيد البشر من رواية أحمد قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يبق على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر )، (مدر): الحجارة والطين والطوب، (والوبر): الخيام سواء من الصوف أو من الشعر.

( لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل )، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهله، وإما بذلهم فيذلون، فهو آتي لا محالة، وكما علمنا أنه عند نزول عيسى عليه السلام لن يبقى من يعبد غير الله، فلم نسمع ولم نر أن هناك بلداً ما سمعوا بالإسلام، والعجيب أن إذاعة إسرائيل تذيع القرآن، وإذاعة روسيا تذيع القرآن، وإذاعة اليابان والصين تذيعان القرآن.

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ [التوبة:32]، (يأبى) أي: يرفض ولا يقبل، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة:32]، يرفض الله عز وجل إلا أن يتم نوره الذي هو الإسلام الحق، حيث يعبد الله وحده، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32]، فالكافرون يكرهون نور الله قطعاً، ولو كرهوا يتم الله نوره.

تفسير قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق... )

ثم قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ [التوبة:33] (هُوَ) أي: الله جل جلاله وعظم سلطانه، أَرْسَلَ رَسُولَهُ [التوبة:33]، أي: أرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، (رسوله) أي: مرسول رسول، أرسله بِالْهُدَى [التوبة:33] أي: أرسله بالفرقان والقرآن، أنزل عليه خلال ثلاثة وعشرين سنة، ما قبض حتى تم نزوله وهاهو بين أيدينا، بل وفي صدورنا -والحمد لله-، إذ ما نقص منه حرف واحد منذ ألف وأربعمائة سنة، وذلكم لحفظ الله تعالى له، إذ وعد بذلك في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، فالإنجيل خمسة أناجيل، وكم في التوراة من مذابح ومسابح.

هُوَ [التوبة:33]، وحده لا غيره، الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ [التوبة:33]، أي: محمداً، بِالْهُدَى [التوبة:33]، أي: بالقرآن، وَدِينِ الْحَقِّ [التوبة:33]، ألا وهو الإسلام، فهو الدين الحق؛ لأن الإسلام معناه أن يسلم العبد قلبه ووجهه لله عز وجل، فيفعل ما أمر الله تعالى به، ويترك ما نهى الله تعالى عنه، ويؤمن بالله ويصدق بما أخبر به تعالى من الغيب والشهادة.

ثم قال تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33]، الأولى: وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32]، وهنا: وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33]، أي: من كفار قريش والمجوس وغيرهم.

اسمعوا مرة ثانية: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:30-33].

أرأيتم لو كنا نتدارس طول العام هكذا في بلاد المسلمين، فلن يبقى هناك جاهل أو كافر أو فاسق، لكن هم قالوا -أي: اليهود والنصارى-: اصرفوهم عن القرآن، فهذا هو النور.

والآن يقرأ القرآن على الموتى فقط، فيا للأضحوكة، القرآن يقرأ على الموتى؟!

فمن إندونيسيا إلى موريتانيا قروناً والمسلمين لا يجتمعون على القرآن إلا ليلة الموت فقط، وهذا من مؤامرة اليهود والنصارى على المسلمين وعلى القرآن، قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ [التوبة:32].

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

قال: [ من هداية الآيات:

أولاً: تقرير كفر اليهود والنصارى بذكر عقائدهم الكفرية ]، أي: تقرر كفر اليهود والنصارى ولا شك في ذلك.

[ ثانياً: طاعة العلماء ورجال الدين طاعة عمياء حتى يحلوا ويحرموا فيتبعوا شرك].

(طاعة عمياء) أي: بدون بصيرة ولا علم، حتى يحلوا ويحرموا فيتبعوا فيما في ذلك شرك وكفر والعياذ بالله؛ لقوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31]، أي: شرعوا لهم وقننوا فاتبعوهم.

فقد ورد أن ابن حاتم الطائي قال: كيف يا رسول الله، ما اتخذناهم أرباباً؟! قال: ( أليسوا يحلوا لكم الحرام فتحلوه؟ قال: بلى، أليسوا يحرمون عليكم الحلال فتحرموه؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم )، فهذا تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم.

[ ثالثاً: بيان عداء اليهود والنصارى للإسلام، وتعاونهم على إفساده وإفساد أهله ]، فيجب أن نعمل على أن نعاكسهم، فإذا أبعدونا عن القرآن، ندخل في حظيرته، وإذا أبعدونا عن الزي الإسلامي، نأبى إلا أن نتزيا به، يريدون أن يبعدونا عن السنة، فلا نجلس إلا وقال رسول الله وقال كذا.. رموا فتنة الربا بيننا، فلا نقف أمام بنك ولا نودع أموالها فيه، وبهذا نقهرهم، أما أن نمد أعناقنا ونعترف بأنهم هم الذين أفسدوا عقائدنا وديننا فلن ينفع هذا.

[ رابعاً: بشرى المسلمين بأنهم سيسودون العالم في يوم ما من الأيام، ويصبح الإسلام هو الدين الذي يعبد الله به في الأرض لا غيره، ويشهد لهذا آية: وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39]، فلو لم يعلم الله أن ذلك كائن لم يجعله غاية وطالب بالوصول إليها ]، نعم سيكون الدين في يوم من الأيام كله لله ولا يعبد في الأرض إلا الله عز وجل.

وصلى الله على نبينا وآله وصحبه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة التوبة (10) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net