إسلام ويب

الرياح والأمطار والسحب، وإحياء الأرض بعد موتها، وغيرها من الآيات الدالة على قدرة الله سبحانه ورحمته، وكما نرى الأرض الميتة تدب فيها الحياة بعد هطول الأمطار، كذلك سيأتي اليوم الذي تدب فيه الحياة في أجساد الموتى، فهل من متأمل؟!

تفسير قوله تعالى: (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات من سورة الروم ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ * فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [الروم:48-53].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ [الروم:48] الله رب العالمين.. الله ولي المؤمنين ومتولي الصالحين.. الله رب كل شيء ومالكه وخالقه.. الله جل جلاله، وعظم سلطانه.

الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ [الروم:48] هم يجهلون الله، ولا يريدون أن يعرفوه، والآية تقول: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ [الروم:48] أي: أمامكم في الآفاق كلها.

من يرسل الرياح؟ من يبعثها؟ من يثيرها حتى تمشي؟ من يجعلها تحمل المطر؟ ليسألوا، فإنه الله ولا إله غير الله.

اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا [الروم:48] تدفعه فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ [الروم:48] بسطاً عجباً كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا [الروم:48] أي: قطعاً فَتَرَى الْوَدْقَ [الروم:48] أي: المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ [الروم:48].

من يفعل هذا سوى الله؟ لا إله إلا هو، لا اللات، ولا العزى، ولا مناة، ولا عيسى، ولا أمه، ولا أي إنسان في الكون.

هذا فعل الله.. هذا هو الله، فيا من يجهلون الله، ولا يريدون أن يعرفوه! هذا هو الله فأطيعوه؛ لتكملوا وتسعدوا.

اللَّهُ [الروم:48] يقول تعالى لهم هو الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا [الروم:48].

من يمد يده إلى السماء ويجمع السحاب ويدفعه إلى هنا وهناك؟ الله.

كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ [الروم:48] أي: المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ [الروم:48] أي: من خلال تلك القطع من السحاب فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [الروم:48] من أهل إقليم أو دولة أو قرية أو منطقة من المناطق إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الروم:48] فرحون مسرورون؛ لأن المطر نزل عليهم وسقاهم.

تفسير قوله تعالى: (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين)

ثم قال تعالى: وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ [الروم:49] أي: وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم آيسين قانطين.

هذه حال البشر في الأرض: إذا أصابهم مطر، وسقاهم الله به، وسقى مزارعهم وبساتينهم تراهم يستبشرون فرحين.

وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ [الروم:49] نزول المطر قانطين آيسين؛ لأنهم كفرة لم يعرفوا الله، ولا آمنوا به.

أما المؤمنون فيستبشرون ويحمدون الله ويشكرونه أن سقاهم، وإذا انقطع المطر يفزعون إلى الله، ولا يقنطون، ولا ييأسون، بل يسألون الله ويتضرعون إليه. هذه صفات الكافرين المشركين.

تفسير قوله تعالى: (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها)

ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:50].

أي: فانظر أيها العاقل! أبيض أو أسود في الأولين والآخرين!

انظر يا عبد الله! يا من لا يعرف الله! يا من لا يسأل عن الله! فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:50] الأرض الميتة التي ليس فيها نبات أبداً .. يبست أشجارها ومنابتها وعندما ينزل من السماء ماء يحييها.

أليس القادر على هذا يحيي الناس بعد موتهم؟! بلى.

هذا دليل منطقي عقلي فالذي يحيي الأرض بعد موتها يحيي أيضاً عظام البشر إذا ماتوا كما يحيي النباتات.

هذا تدليل على عقيدة البعث الآخر، وأنه لابد من حياة بعد هذا الموت.

فَانظُرْ [الروم:50] بعينيك يا عبد الله إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ [الروم:50] أي: الفاعل هذا لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الروم:50] إن ذلك الذي يفعل هذا الفعل يسوق المطر إلى الأرض الميتة فتحيا، هو جل جلاله يحيي الموتى.

وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الروم:50] لا يعجزه شيء، لا يعجزه أن يميتنا، ولا يعجزه أن يحيينا، فلم يعجزه أن خلقنا أولاً.

وفي هذا تقرير عقيدة البعث والجزاء والحياة الآخرة.

فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ [الروم:50] في الأرض كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:50] الميتة التي مات أشجارها، ومنابتها، وزروعها إِنَّ ذَلِكَ [الروم:50] أي: صاحب هذا النعيم، وهذه القدرة، وهذا الإنعام لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الروم:50]. هذه الجملة تحلف بالله أنه لا يعجزه شيء .. قادر على كل شيء يريده، وتتجلى هذه في: الإماتة والإحياء، والإعطاء والمنع، والتصحيح والتمريض.

كل هذه آيات تدل على وجود الله أولاً، وعلى علمه، وقدرته، وحكمته، ورحمته.

وما للناس معرضون عن الله لا يذكرونه، ولا يقدسونه، ولا يسبحونه، ولا يسألون عنه، ولا يطيعونه؟!

ما لهم؟ من صرفهم؟

الجواب: صرفتهم الشياطين؛ حتى يخسروا معهم الخسران الأبدي في عالم الشقاء بعد موتهم.

إذاً: قوله تعالى: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:50] الأرض تموت.

ما الفرق بين الحي والميت؟

الحي يسمع ويبصر وينطق، والميت لا حياة، ولا سمع، ولا بصر، والأرض الميتة ليس فيها نبت، ولا عشب، ولا زهور ولا كذا.. يابسة.

كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ [الروم:50] أي: صاحب هذا العمل لمحيي الموتى وهو الله جل جلاله وعظم سلطانه.

وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الروم:50] فهنا أسكت الملاحدة والمشركين الذين يقولون: لا حياة بعد الموت وإنما هي هذه الحياة فقط. إلى الآن العلمانيون والملاحدة يقولون هذا!

الذي أوجد هذه الدار لا يستطيع أن يوجد داراً أخرى؟!

ألم تكن هذه غير موجودة فأوجدها؟!

أيعجز عن إيجاد دار أخرى؟! كلا.

ونحن نشاهد انتقالنا إليها واحداً بعد واحد، وعشرة بعد عشرة كل يوم .. إلى أين يذهب بهم؟

إلى القبر .. أرواحهم إما في الملكوت الأعلى وإما في الأسفل، تتجمع هناك حتى تدق الساعة، ويبعث الله الخليقة كلها.

تفسير قوله تعالى: (ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون)

ثم يقول تعالى رب العزة والجلال: وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ [الروم:51].

الريح: العاصفة التي تقتلع الأشجار، وتسقط النباتات، وتيبسها، وتصفرها.

أي: تراهم بعد ذلك يكفرون، ولا يقولون: أصابنا الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.. هذه ذنوبنا.. هذه آثارها. لا. بل يكفرون بالله، ووجوده، وبتصرفه في خلقه.

هكذا يظهر الله عقائد المشركين، ويبرزها للمؤمنين فيقول تعالى: وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا [الروم:51] نحن رب العزة رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا [الروم:51] يحمل عواصف لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ [الروم:51] يسخطون، لا يرجعون إلى الله ويستغفرون ويطلبون العفو أو دفع البلاء، بل يصرون على الكفر والعياذ بالله.

وسبب ذلك: أنهم أموات غير أحياء؛ لأنهم ما آمنوا بالله ولا بلقائه .. ما آمنوا بالله ورسوله .. ما آمنوا بالله وكتابه.. ما سألوا عن الله ولا عرفوه، ولا عرفوا ما يتقربون إليه. إذاً: فهم كالحيوانات، ووالله لهم شر من الحيوانات إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]. أي: شر الخليقة.

لم لا يكون شر الخليقة؟

أيوجد الله هذا العالم بكل ما فيه من أجلهم .. من أجل أن يذكروه ويعبدوه؛ فيكفرون به، ويتنكرون له، ويجحدونه ويعاندون، ويعبدون الشيطان؟!

أية جريمة أعظم من هذه؟

فلهذا أذكر أحياناً وأقول: يلقى الرجل أو المرأة في جهنم ليبقى فيها بلايين السنيين، ووالله لا يخرج منها أبداً، ولا يموت ولا يحييا .. هكذا أبداً.

فإن قيل: ما ذنبه؟ عاش أربعين سنة.. مائة سنة.. ألف سنة فكيف يخلد في جهنم؟

نقول في الجواب: جريمته أنه نسف الكون بأكمله من سماوات وأرضين وبما فيها، كل هذا نسفه وأبطله، فلهذا كم يسجن؟ بلا حساب؛ لأن الله عز وجل خلق هذا العالم الأرضي والعالم السفلي؛ من أجل أن يعبد فيهما بذكره وشكره، وخلق الإنس والجن فرفضوا أن يعبدوه. إذاً: جزاءهم أن يخلدهم في جهنم.

وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا [الروم:51] طول النهار مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ [الروم:51] ساخطين والعياذ بالله؛ لأن قلوبهم فارغة ليس فيها نور الإيمان بالله ولقائه ولا بالله ورسوله.

تفسير قوله تعالى: (فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين)

ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم يسليه ويحمله على الصبر والثبات: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [الروم:52]، يا رسولنا! لا تستطيع أن تسمع الميت.

ناده! عبد الله.. إبراهيم.. صالح.. لا يجيب أبداً؛ لأنه ميت، وهؤلاء الكفار كالميتين بل هم ميتون.

فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [الروم:52] الأصم: الذي لا يسمع.

وما دام الأصم مقبلاً عليك فقد يفهم عنك، لكن لو أعرض وأدبر وأعطاك ظهره فلا تسمعه شيئاً، والله لا يسمع شيئاً، فهؤلاء المعرضون عن الله وكتابه ورسوله، الكافرون بهذه الآيات كالأموات بل هم شر الأموات.

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171] فلهذا لا تحزن يا رسولنا! ولا تتعب أبداً، فإنك حسب سنتنا لا تسمع الموتى.

هل إذا وقف الرسول أمام ميت يسمع صوته؟ لا يسمع إلا إذا أراد الله ذلك، قال تعالى: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ [الروم:52] الذين لا يسمعون إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [الروم:52]. أما إذا ناديت الأصم وجهاً لوجه فيفهم عنك ويجيب، لكن إذا أعرض وأدبر لا يستجيب ولا يسمع.

تفسير قوله تعالى: (وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم...)

ثم قال له أيضاً: وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [الروم:53] أي: هون على نفسك يا رسول الله.

وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ [الروم:53] عميان، ضلوا الطريق والطرق فكيف تهديهم؟!

ليس هو أعمى واحد ولا عشرة.. ولا ألف.. ولا مليون.. ضلوا الطريق فكيف تهديهم أنت؟!

إذاً: لا تحزن، ولا تكرب، ولا تغتم، فأنت بلغ دعوتنا ويكفيك ذلك، أما هدايتهم فبيدنا وليست بيدك.

وهذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتعزية له فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [الروم:52-53]، فالآية تقول: الناس ما بين حي وميت، والحي هو المؤمن، والكافر هو الميت!

والناس ما بين أصم وأبكم لا يسمع ولا يبصر، وبين ذي سمع وذي بصر، والفارق بينهما: أن المؤمن حي يسمع ويبصر، والكافر ميت لا يسمع ولا يبصر.

هكذا يقول تعالى: وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [الروم:53] وقد ضلوا وتاهوا في الضلال.

ما هي مهمتك، وما أعطيناك، وما زودناك؟

قال تعالى: إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا [الروم:53]، والآن ادع الله عز وجل وادع إليه في أي مكان لا يسمع دعاءك إلا مؤمن!

اذهب في الشرق والغرب في أوروبا.. في أمريكا وادع إلى الله.. إلى الصلاة.. إلى الزكاة.. إلى الصبر، والله لن يسمعك إلا مؤمن، وأما غير المؤمن فلن يسمع، ولا يريد أن يسمع.

إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [الروم:53] من آمن حق الإيمان وصدق الله وصدق رسوله فيما أخبر به فآمن بالله ولقائه وبالدار الآخرة وبكل ما أنزل الله من كتاب وبعث من رسول.

هؤلاء المؤمنون أحياء، حيوا بالإيمان ثم أسلموا قلوبهم فهي لا تتقلب إلا في طلب رضا الله!

أسلموا قلوبهم فهي لا تتقلب طول الحياة إلا فيما يرضي الله عز وجل!

أسلموا جوارحهم لله فلا يتكلمون إلا بما يرضي الله، ولا يمشون ولا يجلسون إلا على مرضاة الله، ولا يأكلون ولا يشربون إلا على رضا الله؛ لأنهم أسلموا حياتهم كلها لله؛ فعلّة ذلك وسببه: الإيمان.

ادع الرجل أو المرأة أولاً: إلى أن يؤمن. قل له: يا عبد الله! أنت موجود أو لا؟ يقول: نعم. فقل له: من أوجدك؟ فإذا قال: هاه.. هاه، فقل له: أنا أعلمك من أوجدك! اسمه الله، هو الذي أوجدك وأوجد العالم.

تريد أن تسأل عنه؟ من هو؟ الله ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى.

صفاته: أنه خلقك، ورزقك، وأحياك، ويميتك، ويحييك.

وإذا كنت تريد أن تدخل في الإسلام فقل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. فإذا قالها موقناً بها مره حينها بأن يغتسل فيغتسل، ومره بأن يصلي والله ليصلين، ومره بأن يبتعد عن الباطل والشر يبتعد؛ لكمال حياته، فقد حيي بعد أن كان ميتاً.

أما الذين ما آمنوا بالله، ولا لقائه، ولا رسوله، ولا أسلموا قلوبهم ووجههم لله فهيهات هيهات أن يستجيبوا لك إذا دعوتهم.

ادعهم إلى الصناعة، والزراعة، والصناعة، والأكل، والشرب، والرقص، والعبث يستجيبون، فهم مهيئون لذلك، أما أن يعبدوا الله بما شرع لا يستجيبون أبداً؛ لأنهم أموات غير أحياء وما يشعرون.

وصدق الله العظيم إذ يقول: وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ [الروم:53]، أي: ما تسمع، إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا [الروم:53] فقط فَهُمْ مُسْلِمُونَ [الروم:53]، وما دام قد أسلم وانقاد وأطاع فقل له: اغتسل يغتسل. قل له: صل يصلي. قل له: هات المال للزكاة يعطيها؛ لأنه أسلم قلبه ووجهه لله.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

قال: [ هداية الآيات:

من هداية هذه الآيات:

أولاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة والحجج العقلية ].

أولاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الحجج والأدلة، فليست مجرد دعوى، بل بالأدلة والحجج المنطقية والعقلية التي لا ترد.

فقط هذه الرياح من يرسلها؟

هذه الأمطار من ينزلها؟

هذه الأرض من يحييها؟

من.. من..؟ لا جواب إلا: الله. إذاً: قولوا: آمنا بالله، واسألوا عنه وتعرفوا إليه، وأطيعوه إذا أمركم ونهاكم؛ لتكملوا وتسعدوا.

[ ثانياً: بيان كيفية إنشاء السحاب ونزول المطر، وهو مظهر من مظاهر القدرة والعلم الإلهي ].

بيان كيف تثار السحب.. وكيف تحمل المطر.. وتنزل المطر.. وهذه مظاهر من مظاهر قدرة الله وعلمه، والبشرية عاجزة عن شيء من هذا، لا تقوى عليه.

إذاً: لابد لهذه السحاب من يثيرها ويدفعها .. لابد من فاعل يفعل ذلك فمن هو؟ ليس هناك إلا الله، لا أمريكا ولا اليابان ولا الصين.

[ ثالثاً: بيان حال الكافر في أيام الرخاء وأيام الشدة، فهو في الشدة يقنط، وفي الرخاء يكفر؛ وذلك لفساد قلبه بالجهل بالله تعالى وآياته ].

هذه حال الكافرين اليوم وقبل اليوم وبعد اليوم؛ لأنه كفر بالله .. جحده، أبى أن يتعرف إليه!

أبى أن يعبده! أبى.. أبى.. هذا الكافر إذا أصابه القحط والمرض صرخ وكاد يتمزق! وإذا أصابته العافية والمال، و.. و.. يفسق ويفجر ويطغى؛ لأنه كالميت.

بخلاف المؤمن إذا أصابه الله بخير ونعمة أكثر من الذكر والشكر والطاعة لله عز وجل على ما أنعم عليه به، وإذا امتحنه واختبره وأخذ ماله أو أخذ ولده لا يصرخ أبداً، ولكن يرجع إلى الله! إنا لله وإنا إليه راجعون، ويدعو الله أن يخفف عنه آلامه. هذا شأن المؤمن؛ لأنه حي، والكافر لا حياة له.

[ رابعاً: الاستدلال بالمحسوس الحاضر على المحسوس الغيبي ].

(الاستدلال بالمحسوس): المطر، النبات ينبت، والناس ينبتون يوم القيامة من قبورهم، فكما ينبت الناس ينبت العشب.. الاستدلال بهذا المحسوس الغائب على المحسوس الحاضر! الآن لما ينزل المطر أو نسقي الأرض يخرج النبات وتحيا الأرض. إذاً: يوم القيامة كذلك عز وجل ينزل المطر -كما علمتم- وينبت البشر من الأرض. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( إذا استوت الأرض وأصبحت كالصحفة ينزل مطراً من السماء كمني الرجال فيدخل في الأرض فننبت كما ينبت البقل ). أي: البصل والثوم. وهذا النبات عظيم يسمى عجب الذنب!

هذا عجب الذنب يوجد في آخر خرزات الظهر، والله لا يوجد كائن منا إلا وهو فيه، وهذا بحمد الله لا يفنى أبداً، بل يبقى في التراب يتقلب، وبه ننبت.

إذاً: الاستدلال بالشاهد على الغائب كما نشاهد الأرض تنبت الآن نباتات، تنبت أيضاً البشر يوم القيامة مرة ثانية.

[ خامساً: بيان أن الكفار أموات؛ ولذا هم لا يسمعون ولا يبصرون، وأن المؤمنين أحياء، لأنهم يسمعون ويبصرون ]. وهكذا..

ما الفرق بين الحي والميت؟ الميت ناده لا يسمع، اطلب منه لا يعطيك، قل له تعال لا يأتيك!

والحي ناده يقول: لبيك! اطلبه يعطيك! خذ مني يأخذ لكمال حياته!

والله إن الكافرين لأموات وأن المؤمنين لأحياء [ إذ الحياة لها آثارها في الجسم الحي والموت كذلك ].

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الروم (12) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net