إسلام ويب

إن من خير ما يقدمه العبد لنفسه عند ربه هو تعظيم حرماته سبحانه وتعالى، مع توحيده له في ذاته وأسمائه وصفاته وعباداته، وتعظيم شعائر الله عز وجل وخاصة البدن، وذلك باستسمانها؛ طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، وتقرباً إليه سبحانه حتى وصولها إلى بيت الله الحرام، حيث تنحر أو تذبح لله عز وجل.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن ما زلنا مع سورة الحج المكية المدنية، قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:30-33].

معنى الآيات

قال: [ معنى الآيات: مازال السياق في مناسك الحج، قوله تعالى: ذَلِكَ [الحج:30]، أي: الأمر ذاك الذي علمتم من قضاء التفث، إزالة شعر الرأس وقص الشارب وقلم الأظافر ولباس الثياب، ونحر وذبح الهدايا والضحايا، وَمَنْ يُعَظِّمْ [الحج:30]، أي: منكم، حُرُمَاتِ اللَّهِ [الحج:30]، فلا ينتهكها، فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [الحج:30]، أي: ذلك التعظيم لها باحترامها وعدم انتهاكها خير له عند ربه يوم يلقاه.

وقوله تعالى: وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ [الحج:30]، أي: الإبل والبقر والغنم، أحل الله تعالى لكم أكلها والانتفاع بها.

وقوله تعالى: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [الحج:30]، تحريمه كما جاء في سورة البقرة والمائدة والأنعام، ومن ذلك قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3].

وقوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ [الحج:30]، أي: اجتنبوا عبادة الأوثان فإنها رجس، فلا تقربوها بالعبادة ولا بغيرها؛ غضباً لله وعدم الرضاء بها وبعبادتها.

وقوله: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، وهو الكذب مطلقاً، وشهادة الزور أعظم الكذب ما كان على الله بوصفه بما هو منزه عنه، أو بنسبة شيء إليه كالولد والشريك، وهو عنه منزه، أو وصفه بالعجز أو بأي نقص.

وقوله تعالى: حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ [الحج:31]، أي: موحدين لله تعالى في ذاته وصفاته وعباداته، مائلين عن كل الأديان إلى دينه الإسلام، غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ [الحج:31]، أي شيء من الشرك أو الشركاء.

وقوله تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ [الحج:31]، إلهاً آخر فعبده أو صرف له بعض العبادات التي هي لله تعالى فحاله في خسرانه وهلاكه هلاك من خر من السماء، أي: سقط منها بعدما رفع إليها، فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ [الحج:31]، أي: تأخذه بسرعة وتمزقه أشلاء كما تفعل البازات والعقبان بصغار الطيور، أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31] بعيد، لا يعثر عليه أبداً، فهو بين أمرين: إما اختطاف الطير له، أو هوي الريح به، فهو خاسر هالك، هذا شأن من يشرك بالله تعالى فيعبد معه غيره بعد أن كان في سماء الطهر والصفاء الروحي بسلامة فطرته وطيب نفسه، فانتكس في حمأة الشرك والعياذ بالله تعالى.

وقوله تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، أي: الأمر ذلك من تعظيم حرمات الله واجتناب قول الزور والشرك وبيان خسران المشرك، وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ [الحج:32]، وهي إعلام دينه من سائر المناسك، وبخاصة البدن التي تهدى إلى الحرم، وتعظيمها باستحسانها واستسمانها ناشئاً عن تقوى القلوب، فمن عظمها طاعة لله تعالى وتقرباً إليه دل ذلك على تقوى قلبه لربه تعالى، والرسول يشير إلى صدره ويقول: ( التقوى هاهنا، التقوى هاهنا )، ثلاث مرات حيث القلب.

وقوله تعالى: لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الحج:33]، أي: أذن الله تعالى للمؤمنين أن ينتفعوا بالهدايا، وهم سائقوها إلى الحرم، بأن يركبوها ويحملوا عليها ما لا يضرها، ويشربوا من ألبانها.

وقوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33]، أي: محلها عند البيت العتيق،وهو الحرم، حيث تنحر إن كان مما ينحر، أو تذبح إن كان مما يذبح ].

هداية الآيات

والآن مع هداية هذه الآيات، قال الشارح: [ من هداية هذه الآيات:

أولاً: وجوب تعظيم حرمات الله لما فيها من الخير العظيم.

ثانياً: تقرير حلِّيَّة بهيمة الأنعام بشرط ذكر اسم الله عند ذبحها أو نحرها.

ثالثاً: حرمة قول الزور وشهادة الزور، وفي الأثر: ( عدلت شهادة الزور الشرك بالله ).

رابعاً: وجوب ترك عبادة الأوثان ووجوب البعد عنها وترك كل ما يمت إليها بصلة.

خامساً: بيان عقوبة الشرك وخسران المشرك.

سادساً: تعظيم شعائر الله وخاصة البدن من تقوى قلوب أصحابها.

سابعاً: جواز الانتفاع بالبدن الهدايا بركوبها وشرب لبنها والحمل عليها إلى غاية نحرها بالحرم ].

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الحج (7) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net