إسلام ويب

إن رسل الله عز وجل حين يكلفهم الله بأداء الرسالة فإنهم إنما يؤدون وظيفة شرفهم الله بها، وليس لهم في مقابل ذلك أجر دنيوي، وهذا ما وجه الله عز وجل به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأمره في سبيل ذلك بالتوكل عليه سبحانه، وعدم الالتفات إلى أساليب المعرضين المكذبين من الاستهزاء والنفور، وتجاهل قدرة الله عز وجل ودلائل قوته وملكوته.

تفسير قوله تعالى: (قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن مع سورة الفرقان فهيا بنا نصغي لتلاوة هذه الآيات المباركة، ثم نتدارسها والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس.

قال تعالى: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا * الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا * تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:57-62].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57]، هذا أمر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم. أي: قل يا رسولنا، وقطعاً هو محمد صلى الله عليه وسلم.

قُلْ [الفرقان:57] يا رسولنا للمشركين في مكة وفي غيرها مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ [الفرقان:57]، أي: على هذا البلاغ وهذا البيان للدين مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57]، أي: عوضاً من المال، لا أطلبكم بدخولكم في الإسلام مالاً مقابل قبولكم للإسلام ودخولكم فيه.

قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57]، أي: على الدين.

وهنا الدعاة الذين يدعون إلى الله لا يجوز لهم أن يأخذوا ممن يدعونهم مقابل دعوتهم أجراً لا يومياً ولا شهرياً، فالداعي الذي يوجه الناس يدعوهم إلى الله، يبلغهم رسالة الله، لا يقول لهم: ادفعوا لي أجراً سنوياً أو شهرياً مقابل دعوتي، إذ هذا الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57]، أي: على إبلاغي هذه الدعوة التي تقوم على التوحيد وعبادة الله وحده.

وقوله تعالى: إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الفرقان:57]، أي: من شاء أن يتقرب إلى الله ويتوسل إليه بالإنفاق فلينفق في سبيل الله على الفقراء والمساكين، على المرابطين والمجاهدين، فهذا لا بأس.

إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الفرقان:57]، أي: طريقاً يصل بها إلى رضا الله والنزول بجواره في الملكوت الأعلى، من أراد ذلك فلينفق في سبيل الله، أما أنا فأدعوكم إلى الله ولا آخذ أجراً على دعوتي إياكم.

ويبقى أن نقول: إذا كان هناك أوقاف موقوفة على علماء واعظين مرشدين فالوقف يأخذه من وقف عليه ولا حرج.

أو كان هناك راتب حكومي كما هو الواقع اليوم تدفعه للمدرسين والمعلمين والأئمة، فلا حرج أيضاً، لكن الحرج والضيق والممنوع، أن تقول للأفراد: أعطوني مقابل ما أدعوكم عليه.

قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57] قل أو كثر إلا من شاء أن ينفق في سبيل الله فلينفق، فباب الله مفتوح، والله يتقبل من عباده المؤمنين ويثيبهم على ما ينفقون. هذا معنى قوله تعالى: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الفرقان:57]، فليفعل.

تفسير قوله تعالى: (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده ...)

ثم قال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا [الفرقان:58].

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58]، وتوكل يا نبينا.. يا رسولنا على الله الذي هو الحي والذي لا يموت، أما التوكل على من يموت غداً فيوم يموت على من تتوكل؟

التوكل: هو تعلق القلب به ولا يكون إلا بالله عز وجل؛ لأنه حي لا يموت، ولأنه على كل شيء قدير، ولأنه يعلمك ويعلم حالك، بخلاف الكائنات والمخلوقات تموت وتفنى، فإذا توكلت على مخلوق اليوم غداً يموت، فعلى من تتوكل؟!

والمراد من هذا: أن يعتمد المسلم على ربه في جميع شئونه وفي كل حياته، ولا يعتمد على غير الله عز وجل.

أي: لا يربط قلبه بمخلوق بل يربط قلبه بالخالق عز وجل، فيتضرع إليه ويسأله ويعمل ما أذن له في عمله، والله يتولاه ولا يتركه. هذا إرشاد الله لرسوله صلى الله عليه وسلم:

أولاً: قال: لا تطلب أجراً على الدعوة.

ثانياً: قال له: توكل على الله ولا تتوكل على فلان ولا فلان ولا فلان وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58]. من هو الحي الذي لا يموت؟ لن يكون إلا الله فقط، وإلا فكل الأحياء يموتون، ونشاهد موتهم جيلاً بعد جيل، أو واحد بعد واحد، والله الحي أبداً، لا يموت أبداً، وهذا الذي يجب التوكل والاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه.

معنى قوله تعالى: (وسبح بحمده)

وقوله: وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ [الفرقان:58]. أمره أولاً: بالتوكل على الله، وبين له وجه التوكل، وهو أنه حي لا يموت، ثم أمره بالتسبيح بحمده، فقال: وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ [الفرقان:58]، قل سبحان الله وبحمده.. سبحان الله وبحمده، ويدخل في هذه: الصلاة دخولاً أولياً، فالصلاة كلها تسبيح، والواقف يريد أن يصلي يسبح الله؛ لأنه نزهه عن العدم وأقر بوجوده.. نزهه عن الجهل وأقر بعلمه.. نزهه عن الاحتياج.. نزهه عن كل ما هو نقص، وهكذا إذا قال: الله أكبر، سمع الله لمن حمده.. الصلاة كلها تسبيح وتقديس وتنزيه لله تعالى.

وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ [الفرقان:58]، ورد أن: ( من قال -يومياً-: سبحان الله وبحمده غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر )، هذا الورد في الصباح، إما بعد طلوع الفجر أي: إما قبل صلاة الصبح أو بعدها: ( من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر) يغفر الله ذنوبك مهما كانت عظيمة.

فهذا الورد لا يتركه ذو عقل ودين أبداً، يعده بأصابعه، سبحان الله وبحمده.

في الركوع إذا ركع وقال: سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم.. سبحان ربي العظيم.. ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً، هذا تسبيح لله عز وجل.

ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك. كذلك هذا تسبيح واستغفار، وهذا شأن المؤمنين وهذا نبيهم يؤمر بذلك: وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ [الفرقان:58].

أولاً: أمره ألا يأخذ أجراً على الدعوة.

ثانياً: أمره بالتوكل على الله وحده؛ لأنه حي لا يموت.

ثالثاً: أمره بتسبيحه تعالى وتقديسه وتنزيه بقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي العظيم، سبحان الله وبحمده.

معنى قوله تعالى: (وكفى به بذنوب عباده خبيراً بصيرا)

وقوله تعالى: وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا [الفرقان:58]، فيه تسلية للرسول وتخفيفاً عليه؛ لأنه يواجه الطغاة والمتمردين والعتاة الذين يسخرون ويستهزئون به، وهو مضطر إلى دعوتهم سخطوا أم رضوا، أحبوا أم كرهوا، لكن يوجه أتعاباً، فيقول له ربه تعالى: وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا [الفرقان:58]، هو مطلع على ذنوبهم وعلى عنادهم وكفرهم، وهو الذي يتولى جزاءهم، أما أنت فلا تتولى جزاءهم ولا تقدر عليه فمهمتك أن تبلغهم.. أن تبين لهم فقط، فإن استجابوا فبها ونعمت، وإن أبوا فلست بمسئول عن عدم إيمانهم، بل أنت مسئول عن إبلاغهم دعوتك. هذه المواقف كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة. وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ [الفرقان:58] تعالى بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا [الفرقان:58]، فهو المطلع على الذنوب، إن شاء جازى عليها أو عفا، وصاحب الذنب يؤخذ بذنبه. إذاً يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: أنا أتولى أخذهم بذنوبهم وأنت بلغ دعوتنا فقط.

تفسير قوله تعالى: (الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ...)

ثم قال تعالى له: الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان:59]. من هو هذا الذي يتوكل عليه ويعتمد عليه ويسبحه ويقدسه ويفوض الأمر إليه؟

إنه الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [الفرقان:59]، وهي: الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، هذه ستة أيام، ومقدارها مقدار أيامنا هذه، فأيامنا هذه ما كانت موجودة، إذ ما كان شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار، لكن المدة التي خلق الله فيها السماوات السبع والأرضين السبع كانت هذه المدة ما بين يوم الأحد إلى الجمعة.. ستة أيام.

الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الفرقان:59]، عرش الملك، استوى استواءً يليق به، فلا تقل كيف استوى، فأنت ما عرفت ذات الله حتى تعرف كيف استوى على الكرسي، فما علينا إلا أن نقول: آمنا بالله.. آمنا بالله.. آمنا بالله.. ولا نؤول بأن نقول: استوى بمعنى: استولى وقهر وحكم. لا داعي لهذا أبداً، ولا يجوز.

ومما يؤثر: أن مالكاً كان في المسجد كان يدرس هذه الآية أو غيرها فوقف رجل من هناك وقال له: كيف استوى؟ كيف الاستواء؟ فقال مالك : الاستواء معلوم، والكيف مجهول -أي: كيفية الاستواء غير معلومة- والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

إذاً: استوى على العرش يدير الملكوت كله، يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويضر وينفع، يوجد ويعدم، يدير الملكوت كله وهو على عرش ملكه.

ليس هناك أبداً من يستطيع أن يصف الله لك بحال من الأحوال إلا بصفات الكمال والجلال، أما ذات الرب فلا يعرفها مخلوق ولا يقدر إنسان على إدراكها؛ لعجزنا عن ذلك.

وإن قلت: كيف؟ أقول لك: ها نحن عاجزون عن وصف الملائكة! هل رأيناهم؟! هم يحومون حلولنا الآن والله يطوفون بالحلقة فهل رأينا الملائكة؟ لا. لماذا؟ لأن هذه الطاقة محدودة، طاقة البصر محدودة، كطاقة السمع، كطاقة النطق لا تزيد عن المقدار الذي أعطانا الله إياه ولا نستطيع أن ننظر إليها.

الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا [الفرقان:59]من مخلوقات فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [الفرقان:59] بعد ذلك اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ [الفرقان:59]، جل جلاله وعظم سلطانه.

الرحمن: ذو الرحمة العظيمة، والذي قسم الرحمة مائة قسم، واحتفظ لأوليائه بتسعة وتسعين قسماً، وقسم أنزله إلى الأرض، فالخليقة كلها تتراحم به حتى الطير -كما تشاهده- يعلم أفراخه كيف ينقرون الحب، بل تشاهد الفرس ترفع رجلها حتى يرضع ولدها، والعنز كذلك تراها تقبل وتمس جديها ليرضع من رحمة واحدة.

قسم الله الرحمة مائة قسم تسعة وتسعين أعدها لأوليائه في دار السلام في الجنة، وقسم واحد تتراحم به البشرية كلها، وأنتم تشاهدونها.

فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان:59]، فهو أعلم بكل شيء، وقد خلق كل شيء أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ...)

ثم قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا [الفرقان:60].

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ [الفرقان:60]، أي: للمشركين الكافرين في مكة اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ [الفرقان:60]، اسجدوا كما تسجدون للأصنام.

اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ [الفرقان:60]، المفروض أن يقولوا: ومن الرحمن؟ بل قالوا في تهكم وسخرية: ما الرحمن هذا؟ وقالوا ماذا؟ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا [الفرقان:60]؟ تريد أن نخضع لك ونذل وتتحكم فينا وتسودنا وتأمرنا أن نسجد فنسجد؟! هذا رد عنيف قام به أبو جهل وعقبة بن أبي معيط وإخوانهم من المشركين الضالين: أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا [الفرقان:60]؟ وقالوا مرة: ما ندري، ومرة: وَمَا الرَّحْمَنُ [الفرقان:60]؟ أي: لا نعرف الرحمن. قل: اسجدوا لله. لم تقول الرحمن؟ والرحمن من أسماء الله عز وجل، ولله تسعة وتسعون اسماً، مائة إلا اسم واحد من بينها ومن أجلها الرحمن، الدال على رحمته في خلقه، وقد تنكر أي اسم من الأسماء لكن الرحمن لا ينكر؛ إذ رحمته عمت الخليقة كلها فتشاهد رحمة الله في كل شيء.

وهنا سجدة! ومن كان يتلو هذه السورة وانتهى في تلاوته إلى قوله: وَزَادَهُمْ نُفُورًا [الفرقان:60]، تعين عليه أن يسجد للقبلة، يقول: الله أكبر ويخر ساجداً، ويسبح ما شاء الله أن يسبح ثم يرفع رأسه قائلاً: الله أكبر.

والمستمع الذي كان يستمع للقارئ وهو يقرأ وهو يتابعه إذا سجد القارئ تعين على المستمع أن يسجد، وإذ لم يسجد القارئ لم يسجد المستمع؛ لأنه إمامه وهو تابع له، وهنا ما سجدنا؛ لأن المجلس ليس مجلس قراءة قرآن بل دراسة، ثم كيف يسجد هذا الخلق العظيم والجمع الغفير، كيف يقوم... لا ينبغي، فلهذا ما سجدنا.

والسجود من سنن الإسلام، إذا قرأت يا قارئ آية فيها سجدة فاسجد، وإذا كنت تستمع إلى من يقرأ وسجد ينبغي أن تسجد تبعاً له، فإذا لم يسجد هو فلا تسجد أنت؛ لأنه إمامك فإذا لم يسجد فلا تسجد، ولو أن الإمام يصلي وقرأ سورة فيها سجدة وما سجد لا نسجد، لا يصلح لنا أن نسجد.

ونحن هنا ما سجدنا؛ لأننا لا نتلوا بل ندرس ونشرح ونبين، وهناك فرق بين التدريس والدراسة وبين التلاوة والتعبد بالقراءة، فلهذا ما سجدنا.

تفسير قوله تعالى: (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً)

ثم قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا [الفرقان:61].

تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا [الفرقان:61]. أي: تقدس وتعالى وتعاظم جل جلاله وعظم سلطانه.

من هو؟ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا [الفرقان:61]، وهذه البروج اثنا عشر برجاً، وهي كالقصور عالية.

والبرج في اللغة: القصر الأبيض العالي الكبير، ذلكم البرج، وهذه البروج الاثني عشر هي: الحمل، والثور والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والجدي، والدلو، والحوت. هذه أشهر السنة، هذه القصور الاثني عشر.

و هناك سبعة كواكب مخلوقات ينزلن في هذه القصور السبعة، ومنازل الكواكب السبعة السيارة وهي: المريخ، والزهرة، وعطارد، والقمر، والشمس، والمشتري، وزحل. هذه يعرفها المعنيون بمعرفة السنة وشهروها وأيامها وسيأتي البيان أكثر في التفسير إن شاء الله.

قوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا [الفرقان:61]. السراج: هو الشمس. والقمر: هو القمر المعروف. والسراج عندنا: هذا السراج، والشمس أعظم سراج موجود في الأرض.

من خلق الشمس؟ الله عز وجل، أين جعلها؟ في السماء، وهي تتنقل في هذه البروج الاثنا عشر.

وَقَمَرًا مُنِيرًا [الفرقان:61] أي: مضيئاً. من جعل هذا؟

الجواب: الله الخالق المقدر المدبر الحكيم العليم، فلم نلتفت إلى الأصنام والأحجار والقبور والموتى نسألهم ونترك الله عز وجل؟!

تفسير قوله تعالى: (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً)

قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62].

نحن الآن في النهار، وهذا النهار خلفه ليل البارحة، والآن سيخلف نهارنا هذا الليل الآتي، ويخلف النهار الليل والليل النهار، جعلهما خلفة.

من قدر على جعلهم هكذا؟ الله، ولو شاء الله لجعل النهار دائماً أبداً، أو الليل دائماً أبداً، لكن جعل أحدهما يغيب والثاني يحضر؛ لحكم عالية. لماذا؟ قال: لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62].

السر.. الحكمة في كون الليل والنهار يختلفان هو لمن أراد أن يذكر الله، فهذا الوقت الذي يذكر فيه، قم في الليل وتهجد واقرأ القرآن، وفي النهار صم وجاهد ورابط، ففي الليل عمل وفي النهار عمل.

جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً [الفرقان:62]، أي: يخلف بعضهما بعضاً. لمن يجعلهما كذلك؟ لمن أراد أن يذكر ربه أو أراد أن يشكر مولاه، فالذكر والشكر لهما ظرف يوجدان فيه، في الليل والنهار، ففي الليل القيام، وفي النهار الصيام.

ومن هنا: إذا نام أحدنا عن وتره أو عن تهجده وما استيقظ حتى طلع النهار فله أن يقضيه في النهار، وقد جاء في الحديث: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتته صلاة الليل يصلي في الضحى اثنتي عشرة ركعة )، عوضاً عما فاته بالليل.

وهكذا في النهار تصلي ثمان ركعات أربع قبل الظهر وأربع بعده أو أربع قبل العصر وفي يوم ما انشغلت وما صليت فلك أن تعوض ذلك في الليل وتصلي ما فاتك.

كنت تتلو آيات أو سورة أو حزب أو جزء وجاء الليل وما استيقظت فاقرأ في النهار!

وإن كنت في النهار تتلو وما استطعت فاقرأ بالليل.. وهكذا، عملاً بقول ربنا: لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62].

لم جعل الله الليل والنهار يخلف بعضه بعضاً؟

من أجل الذاكرين والشاكرين، ليذكر ويشكر فيها، بل علة الحياة كلها هي أن يذكر الله فيها ويشكر.

لم خلق الله هذا الوجود وهذه الحياة؟

الجواب: من أجل أن يذكره الذاكرون ويشكره الشاكرون.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

إليكم شرح الآيات من الكتاب لنزداد بصيرة ومعرفة.

معنى الآيات

قال: [ معنى الآيات:

بعد هذا العرض العظيم لمظاهر الربوبية الموجبة للألوهية ] المظاهر.. الكون هذا كله دال على موجد له وهذا الموجد هو الله فيجب أن يعبد ويوحد ولا يعبد معه سواه.

[ بعد هذا العرض العظيم لمظاهر الربوبية الموجبة للألوهية أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: مَا أَسْأَلُكُمْ [الفرقان:57] على هذا البيان الذي بينت لكم ما تعرفون به إلهكم الحق فتعبدونه وتكملون على عبادته وتسعدون مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57]، أي: مالاً، لكن من شاء أن ينفق من ماله في وجوه البر والخير يتقرب به إلى ربه فله ذلك؛ ليتخذ بنفقته في سبيل الله طريقاً إلى رضا ربه عنه ورحمته له ] أما أنا فلا أطلب أجراً.

[ وقوله: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58]، يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يمضي في طريق دعوته مبلغاً عن ربه داعياً إليه متوكلاً عليه. أي: مفوضاً أمره إليه؛ إذ هو الحي الذي لا يموت وغيره يموت.

وأمره أن يستعين على دعوته وصبره عليها بالتسبيح] استعن على إبلاغك الدعوة بتسبيحنا وذكرنا [ فقال: وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ [الفرقان:58]، أي: قل سبحان الله وبحمده، وسبحانك اللهم وبحمدك وهو أمر بالذكر والصلاة وسائر العبادات، فإنها العون الكبير للعبد على الثبات والصبر ]. إي نعم، والله إن العبادات على اختلاف أنواعها ما هي إلا عون للعبد على الثبات والصبر، وإن ترك العبادة هبط وعجز وارتد وكفر.

[وقوله تعالى: وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا [الفرقان:58]، أي: فلا تكرب يا رسولنا ولا تحزن عليهم من أجل كفرهم وتكذيبهم وشركهم فإن ربك عالم بذنوبهم، محصٍ عليهم أعمالهم، وسيجزيهم بها في عاجل أمرهم أو آجله ] في الدنيا أو في الآخرة.

[ ثم أثنى تبارك وتعالى على نفسه بقوله: الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [الفرقان:59]] هذا ثناء على الله، أثنى تعالى على نفسه بهذه الجملة: الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [الفرقان:59] [ مقدرة بأيام الدنيا كما تقدم. تلك الأيام ما كان فيها شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار، لكن الزمن مقدر بهذه الأيام الست، بأيام الدنيا] أولها الأحد وآخرها الجمعة [ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الفرقان:59]] العظيم [ استواءً يليق بجلاله وكماله ] جلس على العرش جلوساً يليق بجلاله وكماله، لا نعرف كيف ولا نتصوره أبداً؛ لعجزنا وضعفنا عن إدراك ذات ربنا تبارك وتعالى، فنؤمن بما أخبر به على الوجه الذي يليق به تعالى، فلهذا قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وقال: أخرجوه -أي السائل- هذا مبتدع.

وهنا لطيفة لأهل العلم وهي: أن الجمعة هو يوم عبادة عندنا، يوم فاضل من أعظم الأيام، ولا يجوز أن تصومه وحده إلا إذا صمت قبله الخميس أو تصوم بعده السبت، أما يوم الجمعة فلا يصام يوم عبادة وانقطاع إلى الله، ويوم راحة، فاليهود يسبتون يوم السبت بدعوى أن الله عز وجل لما أتم خلق السماوات والأرض في ستة أيام استراح يوم السبت فقالوا: هيا نقتدي بربنا ونستريح، وهذا خطأ وباطل باطل باطل.. الأحد جاءوا من بعدهم أيضاً فقالوا هذا يوم بدأ الله فيه الخلق نستريح فيه، وهي كلها أباطيل، وجاء الإسلام فأبطلها فليس هناك إلا الجمعة على عهد عيسى وموسى وغيرهما.

[ وقوله تعالى: الرَّحْمَنُ [الفرقان:59]، الذي عمت رحمته العالمين فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان:59]، أي: فاسأل يا محمد بالرحمن خبيراً بخلقه فإنه خالق كل شيء والعليم بكل شيء فهو وحده العليم بعظمة عرشه وسعة ملكه وجلال وكمال نفسه لا إله إلا هو ولا رب سواه .

وقوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ [الفرقان:60]، أي: وإذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: أيها المشركون اسجدوا للرحمن ولا تسجدوا لسواه من المخلوقات، قالوا منكرين متجاهلين: وَمَا الرَّحْمَنُ [الفرقان:60]؟ أنسجد لما تأمرنا؟ أتريد أن تفرض علينا طاعتك؟] وهذا حال الكفار والمشركين [ وَزَادَهُمْ [الفرقان:60]، أي: هذا القول، نُفُورًا [الفرقان:60]، أي: بعداً واستنكاراً للحق والعياذ بالله تعالى.

وقوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا [الفرقان:61]، أي: تقدس وتنزه أن يكون له شريك في خلقه أو في عبادته الذي بعظمته جعل في السماء بروجاً وهي منازل الكواكب السبعة السيارة، فلذا سميت بروجاً جمع برج وهو القصر الكبير، وتعرف هذه البروج الاثنا عشر بـ: الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت.

والكواكب السبعة السيارة هي: المريخ، والزهرة، وعطارد، والقمر، والشمس، والمشتري، وزحل، فهذه الكواكب تنزل في البروج كالقصور لها] هذه الكواكب تنزل في هذه البروج كالقصور لها.

[ وقوله تعالى: وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا [الفرقان:61]، أي: هو الشمس، وَقَمَرًا مُنِيرًا [الفرقان:61]، أي: هو القمر. أي: تعاظم وتقدس الذي: جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا [الفرقان:61].

وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً [الفرقان:62]، أي: يخلف بعضهما بعضاً فلا يجتمعان أبداً وفي ذلك من المصالح والفوائد ما لا يقادر قدره ومن ذلك أن من نسي عملاً بالنهار يذكره في الليل فيعمله، ومن نسي عملاً بالليل يذكره بالنهار فيعمله، وهو معنى قوله: لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ [الفرقان:62].

وقوله: أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62]، فإن الليل والنهار ظرفان للعبادة الصيام بالنهار والقيام بالليل، فمن أراد أن يشكر الله تعالى على نعمه فقد وهبنا له فرصة لذلك وهو الليل للتهجد والقيام والنهار للجهاد والصيام ].

هداية الآيات

قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:

أولاً: دعوة الله ينبغي ألا يأخذ الداعي عليها أجراً ممن يدعوهم إلى الله تعالى، ومن أراد أن يتطوع من نفسه فينفق في سبيل الله فذلك له ].

هداية الآية الأولى: أن على الذين يدعون إلى الله ويعلمون الناس كيف يبعدون الله أن لا يطالبوهم بأجر يأخذونه، والذين يدعونهم ومن أراد أن يتطوع يتبرع في الخير ويفعل لكن الداعي لا يأخذ.

[ ثانياً: وجوب التوكل على الله فإنه الحي الذي لا يموت وغيره يموت ]. وجوب التوكل على الله، ومعنى: التوكل على الله: الاعتماد عليه، أردت أن تبني، أن تغرس، أن تسافر، ضع في قلبك أن هذا لا يقدر عليه إلا الله، وأنك مفتقر إلى الله، وأنه هو إن شاء أعانك عليه وإن شاء لم يعنك. إذاً: اربط قلبك بربك واعمل بالأسباب التي أذن فيها وأنت متوكل عليه لا على جهدك ولا على حيلتك ولا على طاقتك بل على ربك.

[ ثالثاً: وجوب التسبيح والذكر والعبادة، وهذه هي زاد العبد وعدته وعونه ].

وجوب التسبيح والصلاة والذكر والعبادة وهي علة وجودنا.

لماذا أوجدنا الله؟ من أجل أن نعبده والله العظيم.

بم نعبده؟ بذكره وشكره، بفعل ما يأمر به وترك ما ينهى عنه، ونكون بذلك أولياء له، فما إن نموت حتى يرفعنا إلى الملكوت الأعلى.

قال المؤلف في النهر غفر الله لنا وله ولوالدينا أجمعين، وجمعنا وإياه جميعاً في دار كرامته وفي مستقر رحمته: [ روى مسلم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل ) ].

روى الإمام مسلم في صحيحه أن عمر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن وتره وما كان يصليه في الليل فليقضيه بالنهار ).

بيان هذه المسألة: أنت تقوم الليل.. آخر الليل.. سدس الليل.. سبع الليل.. نصف الليل، وفي ليلة من الليالي ما استيقظت حتى قال المنادي: الله أكبر حي على الصلاة، أذن المؤذن للفجر وأنت ما أوترت فماذا تفعل؟

الجواب: تقوم تتوضأ وتصلي وترك ثلاث ركعات، سبع ركعات، تسع ركعات، إحدى عشرة ركعة؛ لأن الصلاة لا تقام بعد وتكون قضيت وترك ما بين الأذان والإقامة.

لكن إذا أنت استيقظت وما توضأت حتى حضرت الصلاة وقامت فلا تصلي لا وتر ولا نافلة بل تدخل معهم في صلاة الصبح، فإذا طلعت الشمس وارتفع النهار فاقض ما فاتك، صل اثنتا عشر ركعة تعوضك الوتر وما كنت تقوم به. هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.

وبعض الناس يقول: إذا طلع الفجر فلا نافلة، والصحيح: لا. إذا طلع الفجر وأعلن المؤذن عن طلوع الفجر بالأذان فيه بقي وقت ربع ساعة.. ثلث ساعة تصلي أنت فيها الوتر ولو ثلاث ركعات، فإذا ما استيقظت حتى كادت الصلاة تقام فصل في الضحى، ولا تصلي الوتر بل صل اثنتي عشرة ركعة وتسلم مع كل ركعتين تسليمة، تصلي ركعتين وتسلم وهكذا فلا وتر بالنهار، فالوتر بالليل فقط.

[ رابعاً: مشروعية السجود عند قوله تعالى: وَزَادَهُمْ نُفُورًا [الفرقان:60] للقارئ والمستمع ].

مشروعية السجود للسامعين والسامعات، وهو من سنن الإسلام وآدابه، إذا القارئ يقرأ سورة فيها سجدة وانتهى إليها تعين عليه أن يسجد ولو كان غير متوضئ، والسجود الله أكبر ويسبح ثم يرفع رأسه ولا يسلم، والسجود موجود في القرآن من الأعراف إلى سورة العلق، موزع، ومنه هذه السجدة.

الملقي: [ خامساً: صفة استواء الرحمن على عرشه، فيجب الإيمان بها على ما يليق بجلال الله وكماله، ويحرم تأويلها بالاستيلاء والقهر ونحوهما ].

كما علمتم نقول: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، استوى استواءً يليق به بذاته، فنحن ما عرفنا ذات الله فكيف نعرف كيفية الاستواء وكيف يكون.

ولا نهرب ونؤول ونقول: استوى بمعنى استولى أو بمعنى غلب أو قهر، لا داعي لهذا أبداً، بل نقول استوى استواءً يليق بذاته، ونقول: آمنا بالله!

وهو يدير الملكوت بكامله ما يدير الملك المملكة، الرب تعالى يدير الملكوت كله علويه وسفله وهو على عرشه.

[ سادساً:] وأخيراً [ الترغيب في الذكر والشكر، واغتنام الفرص للعبادة والطاعة ]. اغتنام الفرص والأوقات المتاحة للذكر والشكر إذ ما خلقنا والله إلا لذكر الله وشكره، فلنكن من الذاكرين الشاكرين.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الفرقان (12) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net