إسلام ويب

لا يزال السياق في ذكر صفات عباد الرحمن الذي استحقوا رضوانه، ووعدوا جنانه، ومن هذه الصفات أنهم لا يشهدون شهادة الزور، وأنهم يجتنبون اللغو ومواطنه وأسبابه وينزهون أنفسهم عنه، وإذا تليت آيات الله بادروا إلى تدبرها وفهم المراد منها، والعمل بمقتضاها؛ فعلاً للأمر واجتناباً للنهي، وهم مع ذلك حريصون على أهليهم وذرياتهم أن يدركوا الخير ويكونوا قرة عين لهم.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة الفرقان

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن مع خاتمة سورة الفرقان المكية المباركة الميمونة، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة آياتها الباقية ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

قال تعالى: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:72-77].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!ما زال السياق الكريم في بيان صفات عباد الرحمن! أولئك العباد الذين رضي الله عنهم وأرضاهم، وذكر لنا صفاتهم الثمانية، ونحن نسأل الله تعالى أن نكون منهم، فاللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم يا رب العالمين!

لما أنكر الكافرون المشركون الملاحدة كلمة الرحمن وقالوا: وَمَا الرَّحْمَنُ [الفرقان:60] بين تعالى لهم صفات عباده، فإذا عرفوا عباده وهم في الكمال البشري عرفوا من هو الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه.

وتقدم لنا من صفات عباد الرحمن:

أولاً: الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63].

ثانياً: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64].

ثالثاً: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:65-66].

رابعاً: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67].

خامساً: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68]. هذه خمس صفات، ثم قال الله: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان:71].

تفسير قوله تعالى: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً)

الليلة مع باقي الصفات إذ قال تعالى وقوله الحق: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72].

والزور: هو الكذب والباطل، لا يحضرون مجالسه ولا يقولون به ولا يسمعونه، وبعداء كل البعد عن شيء اسمه باطل وزور وكذب.

وهنا ألفت النظر إلى أن من الباطل.. من الزور والكذب: هذه الشاشات التلفازية التي تعرض أنواع الباطل والشر والفساد، فحضروها والجلوس معها والنظر فيها وسماع ما يقولون فيها من باب شهادة الزور، فقد حضرت الزور وشهدته، فلنتق الله ولنحفظ صفات عباد الرحمن؛ رجاء أن نكون منهم، فأيما مجلس فيه باطل.. فيه زور لا نحضره، وأيما لهو وأيما لعب نبتعد عنه، وقد فسر التابعون والصحابة الزور بأنواع من اللهو واللعب والكذب.. إلى غير ذلك.

وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72]، الشهادة التي ينتقل بها الحق من فلان إلى فلان، هذه والعياذ بالله تعالى صاحبها حكم عمر عليه بأن يجلد أربعين جلدة ثم يسود وجهه بالفحم، ثم يحلق رأسه، ثم يركب على حمار ويطوفون به في الشوارع والأزقة والأسواق. هذا الذي يشهد شهادة الزور، ويقول: أشهد أن فلاناً فعل أو أن فلاناً ما فعل وهو كاذب.

هذه الشهادة المنكرة يكفي فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ) أي: أتحبون أن أخبركم بأكبر الكبائر؟ ( قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس وقال: ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور )، وما يزال يكررها حتى قال الصحابة قلنا: ليته سكت. أي: أشفقنا عليه.

إذاً: نبرأ إلى الله من أن نشهد زوراً لا بالقول ولا بالعمل ولا بالاعتقاد، وكل ما كان باطلاً فهو زور، وكل ما كان باطلاً ليس بحق فهو زور باطل لا نحضر مجالسه ولا نقوله ولا نعتقده؛ لنكون من عباد الرحمن الذين سنرى منزلتهم عند الله عز وجل.

معنى قوله تعالى: (وإذا مروا باللغو مروا كراماً)

قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان:72]، قد عرفنا اللغو: وهو ما لا يجلب لك حسنة لمعادك ولا درهماً لمعاشك، ذلك هو اللغو.

كل قول.. كل عمل.. كل حركة.. كل جلسة.. كل مشية تتحركها لا تكسبك حسنة ليوم القيامة ولا درهماً لمعاشك اليوم فهي لغو، وعباد الرحمن معرضون عنه لا يسمعونه ولا يجلسون مجالسه، ولا ينطقون به، ولا يفعلونه.

إذاً: كيف هم؟ هم كما أراد الله أن يكونوا، أحدهم مسحاته في يده يضرب في الأرض ليفلح الأرض ويزرع الزرع!

إبرته في يده ليخيط!

نعم ماذا نقول: على فرسه يحمل كذا..

كل أعمالهم ليست باللغو. واللغو ما كان باطلاً، أما إن كان يجلب لك حسنة تستعين بها على دخول الجنة والنجاة من النار، أو يحقق لك ديناراً أو درهماً لتسد حاجتك ومعاشك فليس بلغو، وكل ما لا يحقق هذا فهو باطل ولغو.

وتأملوا اللغو كيف تجدونه؟ تجد مجالس لا يتكلمون على شيء من الهدى ولا من العلم إلا قال فلان وفلان وكذا وكذا الساعة والساعات. ماذا جلب لهم هذا المجلس؟ كم حسنة؟ كم دينار أو درهم؟

ما عندنا أبداً كلام نقوله بدون ما نكسب به أجراً أو ديناراً أو درهماً!

ما عندنا جلسة نجلسها بدون ما نكسب فيها حسنة أو ديناراً أو درهما.

لماذا؟ لأننا عباد الرحمن، نحن نوع آخر، لسنا كباقي البشر، نحن ممتازون، يمرون باللغو فلا يلتفون ولا يتأثرون ويكرمون أنفسهم بتنزيهها عن ذلك الباطل الذي يقال فلا يسمعونه.

تفسير قوله تعالى: (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً)

ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا [الفرقان:73]، هذه الصفة السابعة: إذا ذكروا بآيات ربهم. أي: وعظهم واعظ، ذكرهم مذكر بآية من كتاب الله، تلى عليهم آيات الله؛ ليتعظوا، إذا سمعوا تلك الآيات لم يخروا عليها صماً وعمياناً يطأطئون رؤوسهم ويغلقون آذانهم كأنهم لا يسمعون ولا يبصرون، بل بالعكس إذا تليت عليهم آيات الله أصغوا مستمعين متأملين متدبرين متذكرين؛ لينتفعوا بها، فهم على خلاف أولئك الهالكون الذين يكون حالهم صماً لا يسمعون وعمياناً لا يبصرون، ولا ينتفعون بالموعظة أبداً، مهما كانت الآية.

وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا [الفرقان:73]، لا يسمعون، ولا عميان لا يبصرون، بل يسمعون ويفهمون ويعوون وينتفعون بما في الآية من هداية وبيان؛ لأنهم أحياء وليسوا بأموات.

تفسير قوله تعالى: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً)

ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]، هذه الصفة الثامنة: الذين يقولون في دعائهم في الليل والنهار في السجود وهم قائمون يصلون ويقولون: ربنا. أي: يا ربنا! هب لنا! أعطنا من أزواجنا وذرياتنا!

الأزواج: جمع زوجة. والذرية معروفة: الأولاد. يقولون لربهم: يا ربنا! أعطنا من أزواجنا وذرياتنا قرية أعين. أي: أفرحنا وأثلج صدرونا وأرنا ما نفرح به من أبنائنا وأزواجنا، وذلك بأن يرى زوجته تعبد الله وتتعلم الهدى وتمشي وراءه.. يرى أولاده يصلون ويذكرون الله ويعبدون الله عز وجل ويتعلمون العلم فينشرح صدره وتقر عينه.

أما أن تكون الزوجة تغني وتضحك وتسخر وتتهاون بالصلاة، والأولاد يلعبون ويعبثون فأي شقاء أعظم من هذا الشقاء؟

ولكن هؤلاء عباد الرحمن أولياء الله يقولون: يا ربنا أعطنا من أزواجنا وذرياتنا! أعطنا زوجة وذرية تقر بهم أعيننا.. نفرح بهم!

كيف يفرحون بالزوجة والولد؟ إذا كانت الزوجة تقية برة نقية عفيفة تذكر الله وتطلب العلم وتتعلم، وكان الطفل كذلك يتعلم العلم ويعمل به ويعبد الله ويجتنب المكاره والأقوال الفاسدة، هذه حال من شأنها أن تدخل الفرح والسرور على رجل الزوجة وعلى أبي الأولاد.

يريدون زوجة صالحة، إذا نظر إليها فرح بها؛ لأنها تتكلم بالخير وتقول المعروف، ملتزمة لعبادة الله، تتعلم هدى الله وتعمل به!

يريد أولاداً يفرح بهم إذا شاهدهم بنين أو بنات، يتعلمون العلم ويعملون به وهم يعبدون الله ويذكرونه بعيدين عن اللهو والباطل. هذه حال تشرح الصدر وتطيب النفس وتقر العين بها.

معنى قوله تعالى: (واجعلنا للمتقين إماماً)

قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74].

ما معنى: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]؟ أي: ارزقنا التوفيق.. الهداية.. العلم.. التقوى.. الصلاح حتى يقتدي بنا غيرنا ونصبح إماماً لهم. وهذه أعلى منزلة.

نسألك أن تجعلنا للمتقين أئمة يقتدون بنا ويمشون وراءنا ويستفيدون منا لعلمنا وتقوانا وصلاحنا.

ومعنى هذا: اجعلنا من أعلم أهل الأرض وأتقاهم وأبرهم وأصلحهم حتى يقتدي بنا الغير. أنا أقتدي بفلان في مشيته في كلامه في عمله، أصلي وراءه.

من علمهم هذا؟ الله عز وجل هو الذي علمهم هذه الصفات؛ ليقولوها ويعملوا بها ويتصفوا بها.

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ [الفرقان:74]، قرة العين: هو الفرح. قر فلان وقرة عينه إذا فرح فذرف الدمع البارد، وإذا سال الدمع الحار فذلك من الحزن، فالعين تذرف الدمع فإن كان بارداً فهي فرحة مسرورة، وإن كان حاراً ساخناً فالقلب حزين والنفس حزينة.

وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]، المتقون: الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يجتنبون ما يكره الله ويبتعدون عنه، ويقبلون على ما يحبه الله ويفعلونه. هؤلاء المتقون اجعلنا أئمة لهم. يعني: اجعل مستوانا أعلى.

هذا التطلع العظيم! وليس التطلع إلى المادة والمنصب والحكم والسيادة؛ بل يتطلعون ليصبحوا للمتقين أئمة يقتدون بهم ويمشون وراءهم ويصلون وراءهم.

وهذه هي الصفة الثامنة لأهل الإيمان، يقولون: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا [الفرقان:74]، ماذا يهب لهم؟ قُرَّةَ أَعْيُنٍ [الفرقان:74]، شيء تقر به أعيننا وتفرح وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74].

كيف تقر عينك وتفرح أنت بزوجتك وأولادك؟

إذا رأيت الزوجة تعبد الله، حيية، تصلي، تذكر الله، لا تطالب بالباطل ولا بالمنكر؛ يبتهج صدرك وتفرح بها.

أولادك تراهم مجتمعين على الصلاة.. على تلاوة القرآن.. على العمل بالسنة ويتنافسون بذلك، والله ليثلجون صدرك وتفرح بذلك إن كنت من عباد الرحمن.

تفسير قوله تعالى: (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً)

قال تعالى: أُوْلَئِكَ [الفرقان:75]، الأعلون السامون أي: عباد الرحمن أولئك وأشار إليهم بلام البعد: أُوْلَئِكَ [الفرقان:75]، أهل المراتب العالية والمنازل السامية.

ما لهم؟ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ [الفرقان:75]، الغرفة عندنا في العمارات الطابق الثاني غرفة، البناء الأول دار وفوقها غرفة هكذا كانت البشرية تعلم هذا.

والجنة دار واحدة وفوقها غرفة، هذه هي الغرفة، أعلى منزلة في الجنة، أعلى منازل الجنة يسمى الغرفة.

لمن هذه الغرفة؟ من يسكنها؟ الجواب: عباد الرحمن.

أُوْلَئِكَ [الفرقان:75]، السامون الأعلون يُجْزَوْنَ [الفرقان:75]، من يجزيهم؟ ربهم.

بماذا؟ بالغرفة. أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا [الفرقان:75].

يا عباد الرحمن! لا بد من الصبر على تلك الصفات الثمانية إذ يلاقي عبد الرحمن ما يلاقي من صراع من الجن والإنس فيصبر على الأذى.. يصبر على الجوع.. يصبر على التعب.. يصبر على كذا.. ويحافظ على تلك الصفات الثمانية!

بما صبروا.. لو فشلوا وعجزوا انتكسوا وعادوا كغيرهم، ولكن بما صبروا؛ بسبب صبرهم، صبروا على ماذا؟ الصبر على فعل الأوامر بفعلها، وترك النواهي بتركها!

صابر لا يجزع أبداً! لا يتخلى عن عبادة الله كيفما كانت الظروف والأحوال، دائماً مع الله عز وجل متحملاً للأتعاب وغيرها.

أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا [الفرقان:75]، أولاً وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا [الفرقان:75]، يتلقون في تلك الغرفة تحية الملائكة وسلامهم، كما قال تعالى: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]. الدهر كله والزمن كله والملائكة ترحب بهم وتؤهل وتسلم عليهم.

وَيُلَقَّوْنَ [الفرقان:75] في تلك الغرف السامية العالية تَحِيَّةً [الفرقان:75] وسلام الملائكة، ويسلم عليهم الرحمن أيضاً، فاللهم اجعلنا منهم، وأحينا وأمتنا على ما أحييتهم وأمتهم عليه، وارزقنا الصبر على هذه الطاعة يا رب العالمين.

تفسير قوله تعالى: (خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً)

خَالِدِينَ فِيهَا [الفرقان:76]، أي: في الغرفة التي تحييهم فيها الملائكة وتسلم عليهم، خالدون لا يموتون، ولا يرحلون، ولا يخرجون، والله لا موت بل بقاء أبدي لا ينتهي أبداً.

خَالِدِينَ فِيهَا [الفرقان:76]، أي: في تلك الغرفة العالية وفي ذلك النعيم العظيم ومنه تحية الملائكة وسلامهم عليهم خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:76]، نعم المستقر استقروا فيه، ونعم المقام أقاموه.

هل هناك نعمة أكثر من هذه؟ غرفة أعلى مكان في الجنة، والملائكة تسلم عليهم، والنعيم بين أيديهم أبداً، بلا نهاية أبداً، ولا يصيبهم جوع ولا مرض، ولا كبر ولا هرم ولا.. أبداً، لا خوف ولا حزن بحال من الأحوال.

إذاً: حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:76]، إي والله ما أحسن الاستقرار وما أحسن المقام هذا!

ما أحسنه استقراراً وما أحسنه مقاماً!

انتهت الآيات من ذكر صفات عباد الرحمن، ولا يسعنا إلا أن نقول: اللهم اجعلنا منهم! ونعمل على أن نكون منهم، نجاهد أنفسنا ونصبر؛ لأنهم ما فازوا بهذا إلا بالصبر صبراً متوالياً حتى الموت.

تفسير قوله تعالى: (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً)

ثم ختمت السورة الكريمة بقوله تعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77].

قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ [الفرقان:77] قل يا رسولنا للمشركين الملاحدة العلمانيين الذين يكذبون الله ورسوله ولا يؤمنون به، قل لهم: ما يبالي بكم ربكم.. ما هي حاجته إليكم لَوْلا دُعَاؤُكُمْ [الفرقان:77]، إذ المشركون كانوا إذا أصابهم كرب يرجعون إلى الله يدعونه! المشركون في مكة الذين يعبدون الأصنام إذا كان الكرب عظيماً لا يعرفون الأحجار والأصنام بل يفزعون إلى الله يدعونه!

قل لهم لولا دعاؤكم الله ولولا دعاؤكم إلى أن تعبدوا الله وعبادته لم يبال بكم فَقَدْ كَذَّبْتُمْ [الفرقان:77]، وما آمنتم فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77]، العذاب لازماً لكم لا يفارقكم أبداً وذلك يوم القيامة وفي الدنيا، وأصابهم البلاء في بدر أيضاً.

قل يا رسولنا والمبلغ عنا: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي [الفرقان:77]، دلونا أي شيء يبالي بكم ويكترث بكم ربكم لسببه، لولا شيء واحد وهو دعاؤكم إياه وعبادتكم إياه التي يدعوكم لعل يوماً تعبدون الله عز وجل، وقد عبده آلاف من المشركين، تابوا إلى الله وأسلموا ودخلوا الإسلام، ولكن يقول: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ [الفرقان:77]. إذاً: فسوف يكون العذاب لازماً، أما وقد كذبتم وما آمنتم فسوف يكون العذاب لازماً لكم لا يفارقكم وهو عذاب النار.. دار البور والعياذ بالله الواحد القهار.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر صفات عباد الرحمن الذي تجاهله المشركون وقالوا: وما الرحمن؟ فها هي ذي صفات عباده دالة عليه وعلى جلاله وكماله، وقد مضى ذكر خمس صفات] كما في درس أمس [ والسادسة في قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان:72]، والزور هو الباطل هو الكذب، وعباد الرحمن لا يحضرون مجالسه ولا يقولون ولا يشهدون ولا ينطقون به ].

شاشات التلفاز.. أعطوني فلاسفة الدنيا كلها ونتحداهم إذا كنت تستفيد ريالاً واحداً كل ليلة من مشاهدتك الأغاني والأباطيل في التلفاز، ريال واحد والله لا تستفيده.

هل تستفيد حسنة بعدما تنزل بك البلايا والآثام؟ ماذا استفدت؟ مع أننا نحن عباد الرحمن لا نقول ولا نعمل ولا نجلس ولا نقوم ولا ننام ولا نستيقظ إلا لله، والله لكل حياتنا، قال تعالى لرسوله: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، حياتنا وقف على الله عز وجل، نعم نحرث ونصنع ونزرع و.. و.. نأكل ونشرب وكل ذلك من أجل أن نعبد الله عز وجل.

قال: [ والسادسة في قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72] والزور هو الباطل هو الكذب، وعباد الرحمن لا يحضرون مجالسه ولا يقولونه ولا يشهدونه ولا ينطقون به ] أي: بالزور والكذب [ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ [الفرقان:72]، وهو كل عمل وقول لا خير فيه ].

اللغو: كل قول أو عمل لا خير فيه، وقد بينت لكم تلك الحكمة، اللغو من العمل والقول: هو ما لا يحقق لك درهماً لمعاشك، ولا حسنة لمعادك، فلا ننس هذه، فأعرض عنه ولا تفعله ولا تجلس في مجالسه.

[ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ [الفرقان:72]، وهو كل عمل وقول لا خير فيه، مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان:72]، أي: مكرمين أنفسهم من التلوث به والوقوع فيه.

والسابعة من الصفات: في قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ [الفرقان:73]، أي: إذا ذكرهم أحد بآيات القرآنية بآيات الله كتاب ربهم عز وجل لم يحنوا رؤوسهم عليها صماً حتى لا يسمعوا مواعظها، ولا عميا حتى لا يشاهدوا آثار آياتها، بل يحنون رؤوسهم سامعين لها واعين لما تقوله وتدعو إليه، مبصرين آثارها، مشاهدين وقائعها متأثرين بها.

والصفة الثامنة: في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ [الفرقان:74]، أي: في دعائهم ] إذا دعوا ربهم في الليل أو النهار من جملة ما يدعونه هذا الدعاء [ رَبَّنَا هَبْ لَنَا [الفرقان:74]، أي: أعطنا، مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ [الفرقان:74]، أي: ما تقر به أعيننا وذلك بأن نراهم يتعلمون الهدى ويعملون به طلباً لمرضاتك يا ربنا! ] طلباً لمرضاتك يتعلمون ويعملون.

[ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ [الفرقان:74]، من عبادك الذين يتقون سخطك بطاعتك بفعل أمرك وأمر رسولك واجتناب نهيك ونهي رسولك صلى الله عليه وسلم.

وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]، أي: قدوة صالحة يقتدون بنا في الخير يا ربنا.

قال تعالى مخبراً عنهم بما أنعم به عليهم: أُوْلَئِكَ [الفرقان:75]، أي: السامون أنفساً العالون أرواحاً، هؤلاء قال: يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ [الفرقان:75]، وهي الدرجة العليا في الجنة، بِمَا صَبَرُوا [الفرقان:75]، على طاعة مولاهم، وما يلحقهم من أذى في ذات ربهم، وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا [الفرقان:75]، أي: تتلقاهم الملائكة بالتهاني والتحيات ] يهنئونهم لما ينزلون تلك الغرف [ تَحِيَّةً وَسَلامًا [الفرقان:75]، أي: بالدعاء بالحياة السعيدة والسلامة من الآفات إذ هي حياة بلا ممات، وسعادة بلا منغصات.

وقوله تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا [الفرقان:76]، أي: في تلك الغرفة في أعلى الجنة.

وقوله: حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا [الفرقان:76]، أي: طابت موضع إقامة واستقرار. إلى هنا انتهى الحديث عن صفات عباد الرحمن وبيان جزائهم عند ربهم.

وقوله تعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان:77]، أي: قل يا رسولنا لأولئك المشركين المنكرين للرحمن، قل لهم مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي [الفرقان:77]، أي: ما يكترث لكم أو يبالي بكم لَوْلا دُعَاؤُكُمْ [الفرقان:77]، إياه. أي: عبادة من يعبده منكم إذ الدعاء هو العبادة، ما أبالي بكم ولا أكترث لكم، أما وقد كذبتم بي وبرسولي فلم تعبدوني ولم توحدوني وإذاً: فَسَوْفَ يَكُونُ [الفرقان:77] العذاب لِزَامًا [الفرقان:77]، وقد أذقتموه يوم بدر، وسوف يلازمهم في قبورهم إلى نشورهم، وسوف يلاحقهم حتى مستقرهم في جهنم ].

هداية الآيات

قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:

أولاً: حرمة شهود الزور وحرمة شهادته]. حرمة شهود الزور وحضور مجالسه، وحرمة شهادة الزور وهو القول بالكذب، كأن تقول: فلان سرق وهو لم يسرق، فلان فعل وهو لم يفعل،هذه شهادة الزور.

ومشاهد الزور: مجالس الباطل والمنكر، لا يحضرونها ولا يشهدونها.

سؤال: هل يوجد بالمملكة سينما؟ الجواب: لا. عبد العزيز لما أسس الدولة وجاءت السينما ما فتح أبواب السينما؛ لأنها والله لشهادة زور، كل ما يعرض في السينما هو باطل وزور وكذب ويفسد القلوب والعقول، وشهود الزور هو حضور مجالسه، فمن هنا كانت فتنة التلفاز.

التلفاز لو كان لا يعرض فيه إلا ذكر الله، إلا الدعوة إلى الله، إلا كيف تتأدب النفوس وتكمل الأخلاق لقلنا: يجب أن يكون عندنا، ولكنه خليط حسنة مع ألف سيئة، خير مع ألف شر، فلهذا يترك تركاً كاملاً، أما فتنة الصحون الهوائية فهذه والعياذ بالله صاحبها -كما نقول- قد يموت على سوء الخاتمة.

قال الشيخ غفر الله لنا وله ولوالدينا أجمعين في النهر: [ قيل في الزور: إنه كل باطل زور وزخرف وأعظمه الشرك وتعظيم الأنداد. وقال ابن عباس : إنه أعياد المشركين. وقال عكرمة : اللعب كان في الجاهلية يسمى الزور. وقال مجاهد : الغناء. ويطلق اليوم على التصوير والصور؛ إذ هو الزور والكذب قطعاً.

والحكم في شاهد الزور: أن يجلد أربعين جلدة ويسخم وجهه ويحلق رأسه ويطاف به في السوق. بهذا حكم عمر رضي الله عنه. وتسخيم الوجه: أن يسود بالفحم ].

هذا قضاء عمر في شاهد الزور، وفي بعض البلاد الإسلامية لما هبطنا تجد أفراداً حول المحكمة جالسين، ما مهمتكم؟ يقول: إذا استدعى إذا احتاج إلينا أحد نشهد معه.

يجلس حول المحكمة كم شخص طول النهار وإذا سألتهم: ما حاجتكم؟ قال: لنشهد من احتاج إلى شهادتنا نشهد معه مقابل ريال أو دينار.

هل هناك هبوط أكثر من هذا الهبوط؟! يبيع دينه وصلته بربه ويقطعها من أجل الريال والدرهم، ويترك العمل وما يعمل ويقعد يشهد الزور.

ويوجد أيضاً بعض الجماعات تتعامل مع بعضها البعض بالزور، شهدنا معكم وتشهدون معنا بالزور -والعياذ بالله- والسبب في ذلك أنهم ما عرفوا الله حتى يحبوه.. ما عرفوا الله حتى يرهبوه، فالذين ما عرفوا الله ما أحبوه ولا رهبوه ولا خافوه، فكيف يستقيمون إذاً؟ كيف يستقيمون في الحياة فيتركون الباطل والشر والفساد ويقبلون على الخير والهدى والصلاح؟ غير ممكن أبداً، فعلتهم الجهل.. ما عرفوا.

[ ثانياً: فضيلة الإعراض عن اللغو فعلاً كان أو قولاً ]. فضيلة الإعراض عن اللغو سواء كان قولاً أو فعلاً.

كيف نعرض عنه، لا نقبل هكذا بل نعطيه ظهورنا ولا نسمع ولا نشاهد، ما دام لغواً وكلاماً أو عملاً لا ينتج حسنات لمعادنا يوم القيامة ولا درهماً لمعاشنا اليوم فهذا العمل من اللغو فنعرض عنه ولا نلتفت إليه، ونكرم أنفسنا بهذا.

[ ثالثاً: فضيلة تدبر القرآن وحسن الاستماع لتلاوته والاتعاظ بمواعظه والعمل بهدايته ]. فضيلة تلاوة القرآن والاجتماع عليه ثم تدبر الآيات والتفكر فيها ومعرفة معانيها، وهذا عباد الله إن أردناه حقاً هو أن أهل الحي في المدينة من المدن يوسعوا مسجدهم حتى يكون يتسع لكل أفرادهم ألف أو ألفين ولو بالخشب والخطب، ثم إذا دقت الساعة السادسة ومالت الشمس إلى الغروب يقولون: يقف العمل. يا فلاح ألق المسحاة! يا كاتب ألق القلم! يا خياط ارم الإبرة! تعالوا! ويتوضئون ويأتون بنسائهم وأطفالهم ويصلون المغرب أمة واحدة، ويجلس لهم المعلم والنساء وراء الستارة والأطفال دونهن، والفحول جالسون، وليلة آية من كتاب الله ، وليلة حديثاً من أحاديث رسول الله، طول العمر.

أسألكم بالله! هل يبقى في هذه القرية أو في هذا الحي جاهل؟ والله ما يبقى. مستحيل سنة ولا تتبدل، فالطعام يشبع والماء يروي والنار تحرق والحديد يقطع، سنة الله وسماع المؤمن كلام الله لا بد وأن يتعلمه ويعمل به. عرف هذا العدو وأبعدنا عن المساجد وعن مجالس العلم.

[ رابعاً: فضيلة علو الهمة وسمو الروح وطلب الكمال والقدوة في الخير ].

من هو صاحب الهمة العالية؟

الجواب: الذي لا ينزل ويهبط مع السفلة والساقطين أو الهابطين وينزل معهم ويتكلم معهم ويتعامل معهم، لسمو درجته وعلو مكانته يتباعد عما هو لغو وباطل، وهذا شأن عباد الرحمن، بدل ما تجلس مع السفهاء يتكلمون وينطقون تقوم من المجلس طلباً لعلو همتك وكرامتك، فلا تدخل مع السفهاء في كلام ولا حديث، تقدم لنا أنه إذا سبه ساب لا يقول له سبة أخرى، بل يقول له حسنة حتى يطفئ تلك السيئة.

[ خامساً: لا قيمة للإنسان -وهو أشرف الحيوانات- لولا عبادته الله عز وجل، فإذا لم يعبده كان شر الخليقة]. إي نعم. الإنسان أفضل المخلوقات.. أفضل الحيوانات، ولا يوجد حيوان أفضل من الإنسان، والإنسان خلقه الله وشرفه وأكرمه وهو أفضل من الحيوانات على اختلاف أنواعها، لكن إذا كفر بالله وجحد الله وشرعه وكتابه وأعرض عن دينه يهبط حتى يكون أسوأ مخلوق بل شر المخلوقات، والدليل من سورة البينة: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، أي: الخليقة. من شر الخليقة؟ الكفار، لا القردة ولا الخنازير ولا الكلاب، فشر الخليقة على الإطلاق هم الكافرون بربهم.

أيخلقك ويرزقك ويخلق الحياة لك ويهبك هذا الكمال ولا تؤمن به؟! ولا تريد أن تطيعه؟! ولا تريد أن تحبه.!

أراك عظمته وجلاله ولا تخافه ولا ترهبه؟

إذاً: أنت شر الخلق، وصدق الله العظيم إذ قال: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6].

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الفرقان (14) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net