إسلام ويب

إن إنكار عقيدة البعث يوم القيامة والحساب والجزاء هو سبب كل شر وفساد في الأرض؛ لأن من ينكر البعث لا يمكن أن يستقيم على الحق، حتى إذا جاء يوم القيامة جمع الله المشركين مع ما كانوا يشركون به من الملائكة والأنبياء والصالحين، فيقرر سبحانه المعبودين فيتبرئون ممن عبدوهم من دون الله، عند ذلك يوجه الله خطابه وتوبيخه للمشركين مقيماً عليهم الحجة، ومبيناً لهم أنهم لن يستطيعوا صرف شيء من العذاب عن أنفسهم، ولن يجدوا من ينصرهم من دون الله جل وعلا.

تفسير قوله تعالى: (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن مع سورة الفرقان فهيا بنا نصغي لتلاوة هذه الآيات المباركة، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس.

قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا * فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا * وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا [الفرقان:17-20].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ [الفرقان:17] وقراءة سبعية (ويوم نحشرهم) قراءتان سبعيتان.

ومعنى (نحشرهم). أي: نجمعهم في ساحة فصل القضاء، يوم يجمع الله البشرية والجن معاً في ساحة واحدة.

يجمعهم لماذا؟ ليحكم بينهم، ويدخل أهل الإيمان وصالح الأعمال الجنة، ويدخل أهل الشرك والمعاصي النار.

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الفرقان:17] فالملائكة عُبدوا والله من دون الله، عابدوهم يدعون أنهم يتوسلون بهم إلى الله؛ لأنهم بناته كما كان بعض العرب يعتقدون.

عيسى والبتول أمه معبودان يعبدهم النصارى إلى الآن!

اليهود عبدوا العزير وقالوا ابن الله!

المشركون عبدوا الأصنام والأحجار.

إذاً: يقول تعالى: ويوم نحشرهم ونحشر ما يعبدون من دون الله معهم من الملائكة والأنبياء والأولياء والصالحين الذين عُبدوا من دون الله أو عُبدوا مع الله، نحشرهم جميعاً ونقول: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ [الفرقان:17] يشير إلى المشركين الذين عبدوا غير الله ممن عُبدوا من الملائكة والأنبياء والأولياء وغيرهم أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ [الفرقان:17] وحدهم.

بم يجيب الأنبياء.. الملائكة.. الرسل.. الأولياء.. الصالحون الذين عُبدوا وما يريدون أن يُعبدوا؟

حاشا ولي من أولياء الله يرضى أن يسجد له، أو يركع له، أو يحلف به، أو تذبح له شاة، يتبرءون من هذا.

يقول الله لهم: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ [الفرقان:17] أمامهم أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ [الفرقان:17] أي: الطريق الموصل إلى رضانا وذلك بعبادتنا وحدنا دون من سوانا.

تفسير قوله تعالى: (قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ...)

بم يجيبون؟ قَالُوا سُبْحَانَكَ [الفرقان:18] تنزيهاً لك وتقديساً مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ [الفرقان:18] فكيف نتخذهم أولياء، ما ينبغي أبداً ولا يمكن أن يكون .. أن نتخذ من دونك أولياء نعبدك بهم أو نعبدهم معك.

هذه كلمة من؟ من عُبدوا من دون الله وهم كارهون لا يريدون ذلك -وقد قلت لكم- من الملائكة والأنبياء والأولياء، فيتبرءون ويقولون: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ [الفرقان:18] أنت ولينا فكيف نتخذ هؤلاء أولياء ونتقرب إليهم ويتقربون إلينا؟!

ثم يقولون: وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ [الفرقان:18] متعتهم يا رب في الدنيا بالمال والولد والسلطان والدولة والأعمار الطويلة.

مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ [الفرقان:18] وهنا لطيفة من ألطف اللطائف: وهي أن الذي يعطى في هذه الدنيا مالاً وسلطاناً وجاهاً قد ينصرف شيئاً فشيئاً حتى ينسى ذكر الله.

واسمع ماذا قالوا: وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ [الفرقان:18] ذكر الله عز وجل بعبادته والتقرب إليه والتزلف إليه، نسوا الذكر وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا [الفرقان:18] أي: هلكى مع الهالكين.

إذاً: لا تطلبن كثرة الأموال يا عبد الله! ولا تطلبن الجاه والسلطان؛ فإن هذه طرق سالكها قد يهلك والعياذ بالله تعالى.

وها هي ذي شهادتهم بين يدي الله قالوا: مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ [الفرقان:18] ونسوا ذكرك وكتابك ورسالتك التي توصي بها رسلك؛ فكانوا بذلك قوماً هالكين.

إذاً: يحشر الله عز وجل البشرية والجن -أي: الإنس والجن- في صعيد واحد، ومنهم من يعبدون غير الله فيواجههم بقوله: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ [الفرقان:17]. هذه المواجهة لمن؟ للأنبياء والملائكة والأولياء الذين عُبدوا من دون الله. أي: عبدهم الإنس والجن من دون الله. فيقول لهم والأولياء والصالحون يسمعون ومن عبدوهم وتولوهم يسمعون في ساحة واحدة: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ [الفرقان:17] هذا الكلام موجه لمن؟ للأنبياء والملائكة.. لمن عُبدوا من دون والله أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ [الفرقان:17]؟!

ماذا يقولون؟ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ [الفرقان:18] أبداً، أنت ولينا، حسبنا ولايتك، لا نطلب ولاية غيرك أبداً، ولكن الذي حدث أنك متعتهم بطول العمر ومتعت آباءهم بالمال حتى نسوا الذكر وكانوا بذلك قوماً هالكين.

هذا يتم والله في عرصات القيامة.. في ساحة فصل القضاء.

تفسير قوله تعالى: (فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً ...)

ثم قال تعالى: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ [الفرقان:19] أي: كذب الأنبياء والملائكة والأولياء والصالحين الذين كانوا يدعون إلى الله، كذبوا أهل الشرك فيما يقولون ويدعون.

إذاً فَمَا تَسْتَطِيعُونَ [الفرقان:19] الآن صَرْفًا وَلا نَصْرًا [الفرقان:19] فلا تستطيعون أيها المشركون الكافرون الفاسقون الفاجرون صرفاً عن النار، ولا نصراً ينصركم عنها ويبعدكم من ساحتها، انهزمتم وانكسرتم.

هذا الكلام في ساحة فصل القضاء فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ [الفرقان:19] إذاً فما يستطيعون اليوم صرفاً عن النار، ولا نصراً يبعدهم عنها.

وهنا يقول تعالى كلمة عامة للأبيض والأسود، للأولين والآخرين، يقول: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ [الفرقان:19] يا بني آدم! يا بني الجن وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19].

أولاً :كلمة الظلم تقرر معناها عندنا وهي أول ما تنصرف تنصرف إلى ظلم الله بمعنى أن عبادة الله تعطى لغير الله، حق الله يؤخذ ويعطى لغيره، فالمشركون والله ظالمون لله صرفوا حق الله الذي هو له وهو العبادة والطاعة فأعطوها لغيره من مخلوقاته، فأي ظلم أعظم من هذا؟

الذي يظلمك يأخذ عباءتك أو يأخذ ما في جيبك!

وحق الله على العباد هو العبادة إذ خلقهم ورزقهم وخلق الأكوان كلها من أجلهم، بل وخلق دار الشقاء ودار النعيم من أجلهم، ثم بعد ذلك يعبدون غيره؟

أي ظلم أفظع من هذا الظلم؟ والله تعالى يقول في كتابه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] لا أعظم منه وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] لأن ظلمك لأخيك بسرقتك ماله، أو ضربك جسمه، ظلم هذا ولكن ظلمك لله بأن تأخذ حق الله وتعطيه لعباده، فبدل أن تقبل على الله تقبل على زيد أو عمرو، وبدل أن تقول يا رب تقول يا سيدي فلان.

اسمعوا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ [الفرقان:19] ويتناول الظلم أيضاً ظلمك لنفسك.. ظلمك لغيرك.

والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، والله يكره الظالمين ولا يحبهم. إذاً: فاللفظ عام.

ومن يظلم منكم يا بني الناس نذيقه عذاباً كبيراً ألا وهو عذاب النار وما فيها من صنوف العذاب وألوان الشقاء والخسران.

فهيا بنا نسأل الله أن يعيذنا من الظلم والظالمين!

معشر المستمعين: قاعدة لغوية: الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، الكلمة الآن تقولها في الحلقة والناس منصتون مستمعون وترفع صوتك بكلمة ظلم، كلمتك هذه ليس هذا مكانها وليس هذا مجالها، فقد ظلمت!

الناس مصغون مستمعون جالسون وأنت تفرفش هكذا وتنام بينهم هذا ظلم ووضع للشيء في غير موضعه.

في الطريق.. ممر الناس تضع سيارتك في الطريق أو زنبيلك أو حاجتك وسط الطريق فقد ظلمت!

الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وظلمك لربك أعظم ظلم، وهو أنك تظلم ربك فتأخذ حقه وتعطيه لغيره ألا وهو الشرك، واسمعوا قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48] مبيناً ضلالاً بعيداً لا حد له.

التحذير من الظلم وذكر أنواعه

معاشر المستمعين وأكثركم زائرون! مرحباً بكم!

أنتم تزورون المسجد النبوي وتشرفتم بالسلام على رسول الله وصاحبيه وعلى أهل البقيع من أصحابه وأزواجه فهنيئاً لكم، واعلموا أنه ما زال في دياركم وبينكم من يدعو عبد القادر ويسأله ويستغيث به، ويدعو الأولياء والصالحين ويعكف على قبورهم ويذبح الذبيحة لهم وينذر النذر لهم، وهذا والله لهو الشرك الذي هو الظلم العظيم.

فاحذر يا عبد الله أن تحلف بغير الله، لا تقل: وحق سيدي فلان؛ فإن هذا والله من الشرك في عبادة الله تعالى!

واحذر أن تقول: لك علي يا سيدي فلان إذا تزوجت ابنتي أو رجع ولدي كذا أن نفعل لك كذا، فهذا والله نذر لغير الله، وهو شرك من أكبر الذنوب.

وآخر ما ينبغي أن تحذره: أن لا تحلف بفلان وفلان وفلان، احلف بالله فقط.

والظلم الثاني: لا تظلم أخاك بكلمة تؤذيه بها ولا بنظرة شزراً تؤلمه بها ولا أن تسلب منه ديناراً أو درهماً، ولا أن تمس عرضه ولا ولا؛ إذ ظلمك لإخوانك ظلم أيضاً عظيم، فلا ظلم في هذه الدنيا، الزم الحق واصبر عليه تنجو وتسعد، وهذه كلمة الله الموجهة إلينا جميعاً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ [الفرقان:19] يا بني الناس وبني الجان نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19] ألا وهو عذاب النار، يخلد في عذاب ولا يخرج منه أبداً.

أي عذاب هذا؟ تحتنا في الدركات السفلى في سجين، ولنا مثل حي ناطق نقول: ارفع رأسك غداً إلى الكوكب الشمسي.. نار ملتهبة أكبر من الأرض مليون ونصف مليون مرة.. من أوجد هذا الكوكب؟ من أوجد ناره؟ الله.

فهل يعجز عن إيجاد عالم آخر كله نار؟ لا والله. عالم علوي دار السلام، وعالم سفلي دار البوار، جنة فوق، ونار أسفل فقط، وهذه الكائنات كلها تتبخر وتذوب ولا يبقى فيها أحد ولا إنسان ولا جبل ولا ماء ولا ثلج ويبقى فقط عالم السعادة وعالم الشقاء أسفل.

وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ [الفرقان:19] يا عباد الله نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19] ما قال نعذبه، بل نذقه لأن الإذاقة لها معناها تذوق العذاب وألوانه وصنوفه.

عذاباً كبيراً.. من وصفه بالكبير؟ الرب الكبير. إذاً كيف يكون هذا العذاب الكبير؟ لا يقادر قدره ولا يعرف مداه أبداً.

تفسير قوله تعالى: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق...)

ثم وجه تعالى خطابه لمصطفاه ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليسليه ويصبره ويحمله على الثبات لأنه في فتنة عظيمة لو وقفنا نحن يوماً واحداً لها لهبطنا، يقول تعالى له: وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا [الفرقان:20].

وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [الفرقان:20]. والمرسلون: جمع رسول، وعدد الرسل -كما علمتم- ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً.

يجب أن تحفظ هذا يا عبد الله! كم عدد الرسل؟ ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً على عدة قوم طالوت.. على عدة أصحاب بدر.

قوم طالوت الذين قاتلوا جالوت وانهزم أمامهم وقامت دولة بني إسرائيل كانوا ثلاثمائة وأربعة عشر مقاتلاً!

قوم بدر أصحاب الرسول لما كان في بدر ثلاثمائة وأربعة عشر مجاهداً.

والرسل كم عددهم؟ ثلاثمائة وأربعة عشر.

والأنبياء غير الرسل فالأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي.

هل هناك فرق بين النبي والرسول؟ إي نعم. فالنبي هو المنبأ ينبئه الله ويخبره بما يلقي في روعه، أو بما ينزل إليه، ملك هذا النبي الرسول ينبئه ثم يبعثه بكتاب ورسالة إلى قوم من الأقوام.. إلى مدينة من المدن، رسول يحمل رسالة الله، فعدد الرسل قليل بالنسبة للأنبياء ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، أما الأنبياء فمائة وأربعة وعشرين ألف نبي، إذ ورد في الحديث الصحيح أن بني إسرائيل في وقت من الأوقات كانوا يقتلون سبعين نبياً في يوم واحد ويقيمون أسواقهم في المساء كأنما هي لا ألم ولا تعب.

فقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ [الفرقان:20] يا رسولنا مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ [الفرقان:20].

بالأمس سمعتم ما قال المشركون وهم يتبجحون: كيف يكون رسولاً لله ويأكل ويشرب ويمشي في الأسواق يبيع ويشتري؟ فالرسول يتألم لذلك والله يحمله على الصبر هنا فقال له: يا رسولنا ما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. وهذه الكلمة أيضاً صفعة على وجوه المشركين.

الرسل في بني إسرائيل وفي غيرهم اسألوا عنهم كانوا يأكلون ويشربون، كانوا يلبسون الثياب و.. كانوا يتسوقون في الأسواق، فلماذا تنفون هذا عن رسولنا صلى الله عليه وسلم؟!

وهي فقط فرية كاذبة وباطلة لا قيمة لها، ومع هذا يقول الله لرسوله: وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ [الفرقان:20] والله لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ [الفرقان:20] فلا تبالي بقولهم الذي قالوه واصبر.

معنى قوله تعالى: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون)

ثم قال تعالى: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ [الفرقان:20] هذا عام لنا ولهم ولمن قبلنا ومن بعدنا وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ [الفرقان:20] يا بني آدم لِبَعْضٍ فِتْنَةً [الفرقان:20] وننظر أتصبرون أو لا تصبرون؟!

الفتنة: الكافر يفتن المؤمن، الفقير يفتتن بالغني، المريض يفتتن بالسليم الصحيح. فهذه سنة الله في الخلق.. الابتلاء، لابد من الامتحان والابتلاء؛ لأن الدار هذه دار امتحان وابتلاء.

لم خلق الله الموت والحياة؟ ليبلوكم.

إذاً: يبتلى الإنسان بالغنى وينظر الله هل يصبر وينفق ويعبد الله أو يستغني ويفجر ويفسق؟!

يبتلى بالفقر فهل يسرق ويكذب أو يصبر؟!

يبتلى بالكفر فهل يعود ويتوب ويؤمن أم لا؟!

يبتلى بالمرض فهل يشفى أولا يشفى؟

وهكذا فهذه الدار دار ابتلاء.

ولنذكر أيضاً للسامعين حكمة علمية تكررت عندنا في الدرس وهي: لو قيل لنا: ما السر في وجود هذه الحياة الدنيا؟ ما الحكمة في وجودها؟ لم أوجدها الله؟ مع ما أوجد فيها من الفقر والغنى والمرض والصحة والكفر والإيمان ما سر وجود هذه الحياة؟

الجواب: والله الهادي إلى الصواب: الابتلاء بالعمل، سر هذه الحياة: العمل وهذا العمل نتلقى الجزاء عليه يوم القيامة، فإذا قيل لك: ما السر في يوم القيامة؟ لم ما أوجد الله عالم آخر بعدما يفني هذا العالم فالجواب: للجزاء على عمله في هذه الدنيا.

والله ما أخطأت ولن يستطيع ذو علم وعقل أن يرد علي، فعلة هذه الحياة العمل، اعملوا، والجزاء يوم القيامة.

اعمل يا عبد الله ليلاً نهاراً والجزاء تلقاه بعد ذلك في الدار الآخرة.

وقوله تعالى: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ [الفرقان:20] أي: اصبروا، يا فقير اصبر على فقرك فلا تكذب ولا تخلف وعداً ولا تسرق ولا ولا، وأكثر من عبادة الله ودعائه والضراعة إليه؛ لأنك مبتلى وستنجح بإذن الله!

يا أيها المريض! اصبر على مرضك واذكر ربك وتقرب إليه، ولا تلتفت إلى غيره أبداً، واسأل الشفاء منه فإنك مبتلى واصبر لتنجح.

يا أيها الصحيح القوي في بدنك.. في سمعك وبصرك! إنك مبتلى فاصبر فأطع ربك واشكره على هذه النعم ووظفها فيما يحب مولاك لتنجح.. وهكذا!

قوله: أَتَصْبِرُونَ [الفرقان:20] الاستفهام هنا بمعنى الأمر. اصبروا.

معنى قوله تعالى: (وكان ربك بصيراً)

وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا [الفرقان:20] وكان ربك يا رسولنا بصيراً عليماً بالصابرين والجازعين فكن من الصابرين ولا تكن من الجازعين.

والرسول ابتلاه الله بهؤلاء المشركين الكافرين ليلاً نهاراً يمشون وراءه ويسبونه ويشتمونه!

اصبر يا رسولنا حتى ينصرك الله، وقد نصره الله وهلك الكافرون والمشركون.

وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا [الفرقان:20]. يعرف الصابر من الجازع والثابت من القلق.. وهكذا.

اللهم اجعلنا من الصابرين! الصابرين على عبادة ربنا سواء كنا فقراء أو أغنياء، أصحاء أو مرضى! الصابرين مع المؤمنين ومع الكافرين.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

إليكم شرح الآيات في الكتاب لتزدادوا علماً وبصيرة!

معنى الآيات

قال: [ معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء ]. ما معنى عقيدة البعث والجزاء؟ الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بيوم القيامة، عقيدة البعث والجزاء البعث من القبور والجزاء على العمل في الدار الآخرة. هذا معنى عقيدة البعث والجزاء، نؤمن أن الله سيبعثنا من قبورنا أحياء ليجزينا على كسبنا وعملنا اليوم في الدنيا.

قال: [ ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مظاهر لها في القيامة ] هذه المظاهر اسمع منها [ إذ إنكار هذه العقيدة هو سبب كل شر وفساد في الأرض ] هذه تقدمت لنا بالأمس والله ما من شر ولا ظلم ولا فسق ولا فجور في هذه الدنيا إلا وسببه التكذيب بالبعث الآخر والجزاء عليه، فالذي ينكر يوم القيامة ولا يؤمن به لا يمكن أن يستقيم على الحق والخير أبداً، ولا يوثق فيه ولا يعول عليه في شيء فتأملوا!

قال: [ إذ إنكار هذه العقيدة ] عقيدة البعث والجزاء [ هو سبب كل شر وفساد في الأرض.

فقوله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الفرقان:17] أي: اذكر يا رسولنا يوم يحشر الله المشركين وما كانوا يعبدونهم من دوننا كالملائكة والمسيح والأولياء والجن.

فيقول لمن كانوا يعبدونهم: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ [الفرقان:17] أي: ما أضللتموهم ولكنهم ضلوا طريق الحق بأنفسهم فلم يهتدوا إلى عبادتي وحدي دون سواي.

فيقول المعبودون من الملائكة والأنبياء والأولياء: سُبْحَانَكَ [الفرقان:18] أي: تنزيهاً لك وتقديساً عن كل ما لا يليق بجلالك وكمالك مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ [الفرقان:18] أي: لا يصح منا اتخاذ أولياء من دونك فندعو عبادك إلى عبادتهم فنضلهم بذلك والعياذ بالله.

وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ [الفرقان:18] يا ربنا وَآبَاءَهُمْ [الفرقان:18] من قبلهم بطول الأعمار وسعة الأرزاق فانغمسوا في الشهوات والملاذ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ [الفرقان:18] أي: نسوا ذكرك وعبادتك وما جاءتهم به رسلك فكانوا بذلك قَوْمًا بُورًا [الفرقان:18] أي: هلكى خاسرين.

وقوله تعالى: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ [الفرقان:19] يقول تعالى للمشركين: فقد كذبكم من كنتم تشركون به، فقامت الحجة عليكم فأنتم الآن لا تستطيعون صرفاً للعذاب عنكم ولا نصراً أي: ولا تجدون من ينصركم فيمنع العذاب عنكم.

وقوله تعالى: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19] ] ومن يظلم منكم يا عباد الله نذقه عذاباً كبيراً [ هذا خطاب عام لسائر الناس يقول تعالى للناس: ومن يشرك منكم بي أي: يعبد غيري نُذِقْهُ [الفرقان:19] أي: يوم القيامة عذاباً كبيراً.

وقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ [الفرقان:20] أي: يا رسولنا مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ [الفرقان:20] إذاً فلا تهتم بقول المشركين ما لهذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ [الفرقان:7] ولا تحفل به فإنهم يعرفون ذلك ولكنهم يكابرون ويجاحدون.

وقوله تعالى: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً [الفرقان:20] أي: هذه سنتنا في خلقنا نبتلي بعضهم ببعض فنبتلي المؤمن بالكافر والغني بالفقير والصحيح بالمريض والشريف بالوضيع، وننظر من يصبر ومن يجزع ونجزي الصابرين بما يستحقون والجزعين كذلك.

وقوله تعالى: أَتَصْبِرُونَ [الفرقان:20] هذا الاستفهام معناه الأمر. أي: اصبروا إذاً ولا تجزعوا أيها المؤمنون من أذى المشركين والكافرين لكم ].

جاءني مؤمن من المؤمنين قال: أنا حالق وجهي وشاربي لأنني خائف. من يخوفك؟ قال: المسئولون يمنعوننا من اللحية.

فالجواب له ولغيره: يا عباد الله! اصبروا فلا يحل لمؤمن أبداً أن يحلق وجهه ولا يبقي علامة الرجولة فيه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ).

هل تستحسن لو أن امرأة تجعل شارباً ولحية وتخرج؟ هل فيكم من يرضى بهذا؟ لا. أبداً. فكذلك النساء لا يستبشرن برجل يحلق وجهه وشاربه ويكون مثلهن.

على الأقل بعض اللحية.. على الأقل شارب يدل على أنك رجل فحل، أما أن يحلق وجهه بكامله كالمرأة فلا.

ثم جاءت هذه الفتنة الأخيرة في بعض البلاد؛ لأن أصحاب اللحى هم الذين سببوا الفتنة فأصبح كل من في وجهه لحية يتهم أنه منهم، فهذا فتنة نصبر لها حتى يفرج الله عز وجل.

[ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا [الفرقان:20] أي: وكان ربك أيها الرسول بصيراً بمن يصبر وبمن يجزع، فاصبر ولا تجزع فإنها دار الفتنة والامتحان وإنما يوفى الصابرون يوم القيامة أجرهم بغير حساب ] جعلنا الله وإياكم منهم!

هداية الآيات

قال: [ من هداية هذه الآيات:

أولاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء ]. تقرير عقيدة البعث والجزاء. وما زلت أقول: يا عباد الله! يا مؤمنون! يا مؤمنات! الذي لا يؤمن ولا يصدق تصديقاً جازماً بأنه سيبعث ويحاسب على عمله، هذا الذي ليس في قلبه هذا الإيمان لا يوثق فيه أبداً، ولا خير فيه، ولا يعول عليه في شيء، فلا تصحبه ولا تزوجه ولا تمشي معه ولا تثق فيه، وهذا يدخل فيه البلاشفة الحمر.. الشيوعيون الذين يقولون: لا إله والحياة مادة فهم شر الخلق.

ونشروا هذه الفتنة في العالم وإلا قبل قرنين ما كان في الأرض من عهد آدم من ينكر الدار الآخرة ويكذب بها.

لابد أن هناك من يقول بالإيمان بيوم القيامة لكن إنكار وجود الله عز وجل ولقائه والجزاء على العمل هذه الآن مذهب شيوعي.. لعنهم الله.

[ ثانياً: يا لهول الموقف إذا سئل المعبودون عمن عبدوهم والمظلومون عمن ظلموهم ]. ويا للمحنة ويا للويل عندما تقف بين يدي الله تعالى ويسألك من ظلمك؟

[ ثالثاً: براءة الملائكة والأنبياء والأولياء من عبادة من عبدوهم ]. عبد القادر الجيلاني رحمة الله عليه وتغمده الله برحمته عبد عندنا.. عبدوه الملايين يحلفون بحق سيدي عبد القادر ويستغيثون به في الصحراء ليس فيها أحد!

يا عبد القادر يا راعي الحمراء يا سيدي كذا! فأية عبادة أعظم من هذه العبادة؟!

هؤلاء الذين عبدوهم من الأولياء يتبرءون منهم يوم القيامة، ما أمروهم بعبادتهم ولا دعوهم إلى ذلك، ولكن الشياطين زينت لهم تلك العبادة فيوم القيامة يتبرءون منهم!

والذين عبدوا الحسين وفاطمة .. سيارة مكتوب عليها يا حسين .. نداءات.. عبدوهم.

[ رابعاً: خطورة طول العمر وسعة الرزق إذ غالباً ما ينسى العبد بهما ربه ولقاءه ].

يا أهل المال احذروا إن المال قد يعمي ويصم عن الله ويشتغل الإنسان به وينسى ذكر الله فهو مبتلى فليحذر!

كيف يتصرف في هذا المال؟

أولاً: يخرج زكاته وافية.

ثانياً: لا يضيف إليه مالاً حراماً أبداً.

ثالثاً: ينفقه في سبيل الله لا في سبيل الشيطان؛ حتى ينجو.

[ خامساً: تقرير أن الدنيا دار ابتلاء فعلى أولى الحزم أن يعرفوا هذا ويخلصوا منها بالصبر والتحمل في ذات الله حتى يخرجوا منها ولو كفافاً لا لهم ولا عليهم ].

الدنيا دار ابتلاء.. دار امتحان، فعلى العقلاء أن يصبروا ويثبتوا على عبادة الله وطاعته حتى يلقوا ربهم فيكملون ويسعدون.

اللهم اجعلنا من السعداء الكمل إلى يوم نلقاك يا رب العالمين!



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الفرقان (4) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net