إسلام ويب

في مطلع هذه السورة دعوة من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ألا يهلك نفسه حسرة على قومه، لإعراضهم عنه وكفرهم بما جاء به من الحق والهدى، فهم لا يستحقون منه ذلك، ثم يبين له ربه أن مشيئته سبحانه هي المهيمنة على كل شيء، ولو شاء لجاءهم بآيات يخضعون لها ويذلون، إذ لم تكفهم الآيات المبثوثة في الأرض وفي أنفسهم، بسبب ما في قلوبهم من الضلال، وما في أبصارهم من العمى.

تفسير قوله تعالى: (طسم)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن مع فاتحة سورة الشعراء المكية، تأملوا الآيات، قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ * وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء:1-9] صدق الله العظيم.

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: طسم [الشعراء:1] هذه تعرف بالحروف المقطعة، وهي كثيرة، نحواً من سبع وعشرين سورة مفتتحة بهذه الحروف، بعضها حرف واحد كـ ن [القلم:1] و ق [ق:1] و ص [ص:1]، وبعضها مركبة من حرفين يس [يس:1]، طس [النمل:1]، وبعضها مركب من ثلاثة أحرف الر [يونس:1]، وبعضها من أربعة أحرف المر [الرعد:1]، وبعضها من خمسة أحرف كهيعص [مريم:1].. سور مفتتحة بهذه الحروف المقطعة.

تفويض معاني الحروف المقطعة في فواتح السور إلى الله تعالى

أهل التفسير إذا سألتهم عن معناها يقولون لك: الله أعلم بمراده بها. وهذا الذي ينبغي أن نعيش عليه. سألتني: ما معنى يس [يس:1]؟ أقول لك: الله أعلم بمراده بهذه الحروف.

إذاً: إذا سألت: ما معنى المص [الأعراف:1]؟ تقول: الله أعلم بمراده بها، هو الذي أنزلها، وهو الذي يعرف مراده منها؛ وذلك لأنه لم يثبت أبداً أن النبي صلى الله عليه وسلم فسّرها بمعنى من المعاني.

ثلاثاً وعشرين سنة والرسول يتلو القرآن والقرآن ينزل فما قال: (الم) معناها كذا أو كذا، ما قال ذلك قط.

ومن يتكلم بعد ذلك؟! وقد تكلم بعض العلماء وتخبطوا وأوردوا كلاماً طويلاً لكن لا معنى له ولا فائدة فيه، ولا يبقى إلا أن نقول: الله أعلم بمراده بها، وهذا هو التفويض لله.

أسرار الحروف المقطعة في فواتح السور

وهنا لطيفتان من العلم والمعرفة أفادتهما هذه الحروف:

اللطيفة الأولى: هي أن القرآن الكريم مؤلف مركب من هذه الحروف.. القرآن الكريم من الفاتحة إلى الناس مائة وأربعة عشر سورة مركب من هذه الحروف؛ من الطاء والسين والصاد والضاد والعين والقاف واللام.. فيا من تكذبون بأن القرآن كلام الله! تفضلوا وأنتم عرب فصحاء بلغاء وهو مركب من هذه الحروف فألفوا لنا وركبوا لنا سورة من مثله، نتحداكم! فعجزوا.

تحداهم تعالى بأن يأتوا بمثل هذا القرآن فما استطاعوا، وتحداهم بعشر سور فقط فما استطاعوا، وأخيراً بسورة واحدة ووالله ما استطاعوا، قال تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] إذاً فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24].

فهذا الكلام الإلهي المركب من هذه الحروف تحدى الله تعالى به الإنس والجن معهم على أن يأتوا بمثله فما استطاعوا!

تحداهم أن يأتوا بعشر سور فما استطاعوا! تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة فما استطاعوا والله!

ضرب الله على قلوبهم وأسكت أفواههم فما استطاعوا أن يكذبوا أو يأتوا بسورة.

هذه اللطيفة.. هذا الكلام المعجز مركب من هذه الحروف، لو كان مركباً من حروف أعجمية سيقولون: هذا ليس من لغتنا فلا نستطيع ونعذر. لكن هذه هي الحروف التي تتحدثون بها أنتم ونساؤكم وأطفالكم طول العام مؤلف منها!

يا من يكذبون بالقرآن ويقولون: شعر وسحر وليس من كلام الله نتحداكم أن تأتوا بسورة فقط مركبة من هذه الحروف التي تتكلمون بها!

عجزوا! إذاً: قولوا: آمنا بالله وبكتابه وبرسوله.

اللطيفة الثانية: كان المشركون من أهل مكة.. بعض الطغاة الجبابرة لا يستطيعون أن يسمعوا، بل صدر أمر حكومي بالمنع لكل مواطن أن يسمع كلام محمد صلى الله عليه وسلم، والله العظيم ممنوع أن تسمع ما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم، وفي سورة فصلت يقول تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26] إذا قرأ ورفع صوته فصيحوا أنتم بالكلام الباطل حتى لا يصل كلامه إلى القلوب والصدور.

فلما صدر هذا الأمر من حاكمهم أبي سفيان رضي الله عنه - وكان ذلك قبل أن يسلم- أصبح لا يجوز لمواطن أن يسمع كلمة من كلام الله خشية أن يؤمن ويسلم.

ومن العجيب أن أبا سفيان وعقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف كانوا لما صدر الأمر بالمنع يأتون بالليل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ويصلي في بيته ويسمعون ولكن في الظلام، وكل من يأتي يجد إخوانه فيقولون: كيف ننهى الناس عنه ونحن نسمع؟ ممنوع هذا، من الليلة لا نحضر أبداً، ولا يصبرون، فلما يجيء الظلام وينام الناس يأتون ليسمعوا وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26].

إذاً: اللطيفة هي: أن هذا القرآن المركب من طسم [الشعراء:1]، المص [الأعراف:1] إذا سمعه العربي لا يستطيع إلا أن يسمع، يمد عنقه يسمع؛ لأنه أمر عجب: كهيعص [مريم:1].

إذاً: إذا سمع البدوي أو الوطني والعربي هذا الكلام يصغي ويسمع، فكان يجذبهم لسماعه، فإذا سمعوا وتأملوا دخلوا في الإسلام، وهذه هي اللطيفة الثانية.

ونعود إلى شرح الكلمة طسم [الشعراء:1] أصلها طاء، سين، ميم. وقرئ (طا سين ميم) وقراءة الجمهور على أن تدغم النون في الميم لأنها ساكنة (طاء سين ميم) أدغمت النون في الميم لأن النون سكنت، وإذا سكنت مع الميم لا بد وأن تدغم وتدخل فيها طسم [الشعراء:1].

تفسير قوله تعالى: (تلك آيات الكتاب المبين)

ثم قال تعالى: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [الشعراء:2] أي: هذه الحروف كـ (طسم) والتي سمعتم بعضها منها تركبت آيات الكتاب الكريم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [الشعراء:2] القرآن العظيم الْمُبِينِ [الشعراء:2] للحقائق، للشرائع، للآداب والأخلاق، للسياسات، مبين لكل متطلبات الحياة، والله لمبين للحلال والحرام، والحق والباطل، والتوحيد والشرك، والإيمان والكفر، القرآن مبيّن لهذا كله.

تِلْكَ [الشعراء:2] الآيات التي تألفت من تلك الحروف هي آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [الشعراء:2].

والمراد من الكتاب هنا: القرآن. والمبين. أي: الموضح المبيّن لسبل السلام وطرق السعادة لمن آمن به وعمل به. هذا معنى قوله: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [الشعراء:2].

تفسير قوله تعالى: (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين)

ثم قال تعالى: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3]. من المخاطب؟ الله. هو الذي يخاطب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: لَعَلَّكَ [الشعراء:3] يخاطب رسوله ويتكلم معه، ويقول له: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ [الشعراء:3] أي: يا رسولنا لعلك قاتل نفسك بالهم والغم والكرب حتى تموت؛ لأن قومك أبوا أن يؤمنوا بك وبما جئت به، فلا يحملك ذلك على أن تقتل نفسك هماً وغماً.

ومعنى هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعاني، يقاسي الشدائد، أتعاب، آلام؛ لأنهم يضحكون منه ويسخرون به، ويستهزئون بما يقول، ويصدرون قرارات جائرة والعياذ بالله، ومنها منعهم الناس من السماع لهذا الكلام.

إذاً: الرسول يتألم ويكاد يموت حزناً، فخاطبه ربه: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3] والله عز وجل رحمة برسوله ولطفاً به وبالمؤمنين ينهاه عن هذا، لا يسمح له أن يغتم ويكرب ويحزن حتى يقتل نفسه.

إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48] بلغ واصبر سواء آمنوا أو لم يؤمنوا فهذا غير مهم عندك، والواجب عليك أن تبلغهم حتى يعلموا وبعد ذلك كفروا أم آمنوا أنت لست مسئولاً عنهم.

وهذه الجملة تدل دلالة واضحة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرب، يحزن، يغتم، يتألم إلى حد الموت من الكفار لما يضحكون ويسخرون ويستهزئون ويكفرون به وهو رسول الله إليهم.

ومن أراد أن يجرب.. في بيتك مر أولادك وزوجتك واصبر وما يستجيبون لك، تكاد تكرب وتحزن أو تطلق المرأة. أمر عادي هذا.

أما إذا كنت في قرية.. في مسجد القرية وتعلم وتبلغ وكذا والناس معرضون يضحكون ويسخرون فلا تطيق أبداً.. ترحل، ولكن رسول الله مأمور بالثبات واللزوم حتى يبلغ رسالة ربه، والله رحمة به يخفف عنه فيقول له: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3].

تفسير قوله تعالى: (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)

ثم قال تعالى: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ [الشعراء:4].

إِنْ نَشَأْ [الشعراء:4] نحن رب العزة والجلال والكمال إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ [الشعراء:4] لو أردنا أن نلزمهم بالإيمان فهو سهل علينا، نرفع الجبال كلها فوق رءوسهم: هاه! تؤمنون أو تكفرون؟

نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً [الشعراء:4]أي: ملائكة يشاهدونهم فوق رءوسهم فيؤمنون ويظلون خاضعين أذلاء، لكننا لا نريد أن نكرههم على الإيمان؛ لأن الإيمان لا ينفع صاحبه إلا إذا كان اختيارياً إرادياً وليس بالإكراه والقوة، وإلى الآن لا يحل لنا أن نكره إنساناً على الإيمان، قال تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256] لماذا؟ لأنه إذا آمن مكرهاً لا ينتفع بإيمانه، فهو من الخوف فقط والشدة والضرب آمن، وهو بقلبه غير مؤمن، فلا ينفعه هذا الإيمان أبداً.

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ [الشعراء:4] على من؟ على مشركي مكة وكفارها الذين يجالدون ويجادلون، نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً [الشعراء:4] من آيات الله الدالة على عظمته وجلاله وكماله سواء سحباً أو أمطاراً أو ملائكة أو صواعق والعياذ بالله، أو جبالاً يرفعها من فوق فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ [الشعراء:4] من الخوف متى تنزل عليهم.

فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ [الشعراء:4] ومعنى هذا: لا تحزن يا رسول الله على عدم إيمانهم فأنت عليك البلاغ والبيان فقط، أما نحن لو أردنا أن يؤمنوا بالقوة بسهولة ننزل عليهم صاعقة من السماء ويؤمنون كلهم، ولكن الإيمان بالإكراه لا ينفعهم، فالإيمان بالاختيار والإرادة، بنفسك تؤمن تحيا بذلك الإيمان، وتصبح أهلاً لأن تطيع الله ورسوله فيما يأمرانك به وينهيانك عنه أما بالإكراه فلا.

هل يجوز لك أن تأخذ السكين أو البندقية وتقول ليهودي: آمن أو أقتلك؟ والله لا يجوز.

أو هل لك أن تأخذ سيفاً تصلته وتقول للمشرك: تؤمن أو أقتلك، يقول: لا أؤمن فتقتله؟ لا يجوز، قال تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256].

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً [الشعراء:4] ما الآية؟ علامة على قدرة الله، على غضب الله، على رضاه، على ما يريد أن يصيب به عباده، هذه هي الآية، جبال يرسلها من فوق أو صواعق.

ومعنى قوله: فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ [الشعراء:4] إن عبرنا عن الأعناق بالرؤساء فيظلون خاضعين، وإلا اللفظ كما هو أعناقهم هي التي تخضع وتذل وتنكسر، ولا حرج.

تفسير قوله تعالى: (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين)

ثم قال تعالى: وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ [الشعراء:5].

وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ [الشعراء:5]أي: جديد؛ لأن الآيات ما نزلت في يوم واحد ولا في شهر ولا في عام، بل كانت تنزل وتتابع، وإذا ما جاءتهم آية من عند الله عز وجل محدثة جديدة كانوا عنها معرضين، يعطونها عرضهم ولا يلتفتون إليها ولا يقبلون عليها، مع أن الآية تنزل يومياً يوماً بعد يوم آيات جديدة، والرسول يتلوها، وأصحابه كـأبي بكر يتلونها على المشركين، لكنهم لا يؤمنون.

إِلَّا كَانُوا عَنْهُ [الشعراء:5] أي: عن ذلك الذي نزل محدثاً من الذكر مُعْرِضِينَ [الشعراء:5].

هكذا يقول تعالى مخبراً عن حال المشركين الكافرين في مكة: وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ [الشعراء:5].

تفسير قوله تعالى: (فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون)

ثم قال تعالى: فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الشعراء:6].

فَقَدْ كَذَّبُوا [الشعراء:6] هذه فاء السببية الفصيحة فَقَدْ كَذَّبُوا [الشعراء:6] أعلن الله تعالى عن تكذيبهم والله لقد كذبوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الشعراء:6] أي: فسيأتيهم أخبار هذه الكبيرة.. أخبار تلك الآيات التي كانوا يستهزئون بها؛ إذ كانوا يسخرون من الإسلام ومن الإيمان ومن الله ورسوله، يقولون: أي عذاب هذا؟ أنزل علينا العذاب! هات العذاب الذي تخوفنا به! كانوا يطالبون بالعذاب، ليسوا بمؤمنين أبداً لا بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله.

فَقَدْ كَذَّبُوا [الشعراء:6] هذه شهادة الله، والله لقد كذبوا. وحينئذ ما الذي يحصل؟ قال تعالى: فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ [الشعراء:6] أي: أخبار مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الشعراء:6] أي: سوف ينزل بهم العذاب، وقد نزل مرتين: مرة في بدر دمروا، صناديدهم كلهم قتلوا في غزوة بدر، ومرة ثانية بالقحط والجدب سبع سنوات حتى أكلوا الصوف والوبر والجيف.

فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ [الشعراء:6] أخبار مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الشعراء:6] من عذاب الله عز وجل ويسخرون، وقد حصل، وأما في الآخرة لا تسأل، فإن جهنم مصيرهم الأبدي.

تفسير قوله تعالى: (أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم)

ثم قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [الشعراء:7]. أي: أولم ير الذين يكذبون بالبعث الآخر -ويقولون: كيف بعدما نصبح عظاماً نخرة نحيا من جديد ونحاسب ونجزى بأعمالنا- ما أنبت الله في الأرض؟!

المكذبون بالبعث المتعجبون يقولون: كيف لما نصير تراباً نحيا من جديد؟ قالوا: هذا لا يعقل ولا نقبله أبداً.

وهذا المعتقد بينا غير ما مرة أن الذي لا يؤمن بالبعث والحياة الثانية والجزاء فيها عبد لا خير فيه، ولا يوثق فيه، ولا يعول عليه في شيء أبداً؛ لأنه شر الخلق.

إذاً: يقول تعالى: ألم يروا بأعينهم الأرض ميتة التي لا نبت فيها ولا عشب ولا شجر، فننزل عليها من السماء فإذا فيها من كل أنواع الأشجار والنباتات.

أما كانت الأرض ميتة؟ بلى. وهذه النخلة العظيمة كيف وجدت؟!

هذه الأشجار الكبيرة أما وجدت ونبت من التراب؟!

إذاً: كيف نعجب إذا متنا وأصبحنا تراباً وعظاماً أن يحيينا ربنا؟!

هيا نشاهد كيف يحيي هذه المخلوقات بين أعيننا!

المكذبون بالبعث الآخر.. الذين لا يؤمنون بيوم القيامة، ولا بما يتم في ذلك اليوم من حساب وجزاء إما بالجنة دار النعيم أو بالنار دار البوار والخزي العار، هؤلاء المكذبون كانوا يعجبون، حتى إن العاص بن وائل أخذ عظماً رميماً وكسره بين يدي رسول الله عند الصفا وقال له: تزعم أن ربك يحيي هذا؟ والعياذ بالله.

فهذا المثل واضح، الأرض ميتة لا نبت فيها ولا عشب ولا زرع ولا نخلة ولا شجرة، فينزل الله تعالى عليها المطر من السماء.. ستة أشهر وإذا بها نخيل وأشجار، حيت بعد الموت، وكذلك الإنسان أيضاً يفنى ويبقى ذاك العظيم الذي في آخر خرزات ظهره، ينزل ماء من السماء فينبت كما ينبت العشب والله العظيم.

هذه الآيات التي عملت عملها، فما هي إلا خمس وعشرون سنة والإسلام قد عم الأرض من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب بهذه الآيات القرآنية.

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [الشعراء:7] أي: حسن من أنواع النباتات والأشجار.

تفسير قوله تعالى: (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين)

ثم قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:8].

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً [الشعراء:8] وأي آية عظيمة لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:8].

أخبر تعالى بعلمه الأزلي القديم أن أكثر هؤلاء المتعصبين المتنطعين المجادلين لا يؤمنون، ولهذا أكثرهم ماتوا في بدر وما آمنوا، أما غيرهم فقد أسلموا ودخلوا في الإيمان عام الفتح، فما بقي أحد في مكة إلا ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

إِنَّ فِي ذَلِكَ [الشعراء:8] الذي بينا من كون الأرض الميتة ينزل الله عليها الماء من السماء فتحيا، وكذلك العظام تحيا بعد الموت وتعودون كما كنتم لتحاسبون وتجزون، إن في هذا لَآيَةً [الشعراء:8] ولكن مع الأسف وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:8]، أكثر هؤلاء المعاندين المكذبين ماتوا كافرين؛ لأن الله قضى في كتاب المقادير بأنهم لا يؤمنون ولا يدخلون الجنة دار الأبرار فيهلكون مع الكفار.

تفسير قوله تعالى: (وإن ربك لهو العزيز الرحيم)

وأخيراً يقول تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء:9].

وَإِنَّ رَبَّكَ [الشعراء:9] يا رسول الله، وإن ربك أيها المؤمن السامع لَهُوَ الْعَزِيزُ [الشعراء:9].

ما معنى العزيز؟ العزيز هو القاهر الغالب الذي لا يحال بينه وبين ما يريده!

العزيز في لغة القرآن: الغالب الممتنع الذي لا يحال بينه وبين مراده أبداً مهما كانت الحال.

الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء:9] الجبار بالكافرين والعصاة والطاغين، والرحيم بالمؤمنين. ومن آثار رحمته سبحانه: أن كثيراً من أولئك الكفار دخلوا في الإسلام وأصبحوا أولياء الله ورحمهم الله؛ لأن الله عزيز غفور، غفر لهم ورحمهم.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:8] مع الأسف وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء:9] فقد رحم من شاء.

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرحمة قسمها الله مائة قسمة احتفظ بتسع وتسعين لأوليائه في الجنة، وقسمة واحدة أنزلها على الأرض فالخليقة كلها تتراحم بها، حتى الحيوانات تشاهدها كيف ترحم بعضها بعضاً.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

والآن نزداد معرفة بشرح الآيات في الكتاب فتأملوها.

معنى الآيات

قال: [ معنى الآيات:

قوله تعالى: طسم [الشعراء:1] هذه إحدى الحروف المقطعة ] كما علمتم [ تكتب طسم ] فقط تكتب هكذا [وتقرأ طا سين ميم بإدغام النون من سين في الميم الأولى ] بإدغام النون في الميم طا سين تدغم في الميم الأولى [ والله أعلم بمراده منها ] هكذا كان السلف الصالح، لا يفسرون ولا يشرحون (الم)، ولا (ق)، ولا (يس)، ولا (طه) بل يقولون: الله أعلم بمراده بها.

[ وفيها إشارة إلى أن القرآن مؤلف من مثل هذه الحروف، وعجز العرب عن تأليف مثله بل سورة واحدة من مثله، فدل هذا قطعاً على أنه كلام الله ووحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ] وليس بكلام البشر.

[ وقوله: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [الشعراء:2] أي: الآيات المؤلفة من مثل هذه الحروف هي آيات الكتاب أي: القرآن الْمُبِينِ أي: المبين للحق من الباطل، والهدى من الضلال، والشرائع والأحكام.

وقوله تعالى: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أي: قاتلها ومهلكها أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3] أي: إن لم يؤمن بك وبما جئت به قومك ] من العرب.. من كفار قريش [ فأشفق على نفسك يا رسولنا ] ارحمها، ارفق بها [ولا تعرضها للغم القاتل، فإنه ليس عليك هدايتهم وإنما عليك البلاغ، وقد بلغت، وإنا لو أردنا هدايتهم بالقسر والقهر لما عجزنا عن ذلك: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ [الشعراء:4] أي: إنا لقادرون على أن ننزل عليهم من السماء آية كرفع جبل أو إنزال كوكب أو رؤية ملك، (فظلت) أي: فتظل طوال النهار أعناقهم خاضعة تحتها تتوقع في كل لحظة نزولها عليهم لتهلكهم، فيؤمنوا حينئذ إيمان قسر وإكراه، ومثله لا ينفع صاحبه، فلا يزكي نفسه ولا يطهر روحه؛ لأنه غير إرادي له ولا اختياري ].

الإيمان لا ينفع مع الإكراه، لو تقوم تصلي من الخوف فقط والله ما تنتج صلاتك حسنة واحدة، وما تزكي نفسك أبداً!

لو تخرج ما في جيبك كله من المال وتعطيه إذا لم ترد به وجه الله والله لا يزكي نفسك؛ لأنك ما أردت وجه الله.

[ وقوله تعالى: وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ [الشعراء:5] أي: وما يأتي قومك المكذبين لك من موعظة قرآنية وحجج وبراهين تنزيلية تدل على صدقك وصحة دعوتك ممّا يحدثه الله إليك ويوحي به إليك، لتذكرهم به إلا أعرضوا فلا يستمعون إليه ولا يفكرون فيه ] والعياذ بالله.

[ وقوله تعالى: فَقَدْ كَذَّبُوا [الشعراء:6]. يخبر تعالى رسوله بأن قومه قد كذبوا بما أتاهم من ربهم من ذكر محدث وعليه فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ [الشعراء:6] أي: أخبار مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الشعراء:6] وهو عذاب الله تعالى للذين كذبوا برسوله ووحيه، وجحدوا توحيده، وأنكروا طاعته.

وفي الآية وعيد شديد وهم عرضة له في أية لحظة ] من اللحظات [ إن لم يتوبوا.

وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [الشعراء:7] إن كانت علة هذا التكذيب من هؤلاء المشركين هي إنكارهم للبعث والجزاء وهم كذلك فلم لا ينظرون إلى الأرض الميتة بالقحط، ينزل الله تعالى عليها ماء من السماء فتحيا به بعد موتها، فينبت الله فيها من كل زوج. أي: صنف من أصناف النباتات. كريم. أي: حسن.

أليس في ذلك آية على قدرة الله تعالى على إحياء الموتى وبعثهم من قبورهم وحشرهم للحساب والجزاء. فلم لا ينظرون؟

[ وقوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً أي: علامة واضحة للمشركين على صحة البعث والجزاء ] في الدار الآخرة [ ففي إحياء الأرض بعد موتها دليل على إحياء الناس بعد موتهم.

وقوله تعالى وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:8] يخبر تعالى أن فيما ذكر من إنباته أصناف النباتات الحسنة آية على البعث والحياة الثانية، ولكن قضى الله أزلاً أن أكثر هؤلاء المشركين لا يؤمنون.

وقوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء:9] يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ [الشعراء:9] أي: الغالب على أمره المنتقم من أعدائه الرَّحِيمُ [الشعراء:9] بأوليائه، فاصبر لحكمه وتوكل عليه، وواصل دعوتك في غير غم ولا هم ولا حزن، وإن العاقبة للمؤمنين بك المتبعين لك ].

أسألكم بالله! هل يقرأ القرآن على الموتى؟! ماذا يستفيدون الموتى إن قرأت عليهم القرآن؟

هل يقومون يصلون؟

هل من كان عليه ديون يقوم يتبرأ منها؟

ما قرئ القرآن على موتى أبداً في عهد رسول الله وأصحابه والقرون الذهبية الثلاثة، وإنما القرآن قرئ على الموتى لما احتال الثالوث الأسود المكون من المجوسية، واليهودية والصليبية، لما احتالوا على المؤمنين ليصرفوهم عن روحهم التي بها حياتهم وهو القرآن، فحولوا القرآن إلى الموتى، يقرأ على القبور.

نكرر هذا القول طول العام: اليهود والنصارى والمجوس فكروا كيف يهبطون بهذه الأمة بعدما سادت وعلت وسمت وارتفعت فقالوا: ما السر في رفعتها، في كمالها، في قوتها؟

قالوا: السر هو القرآن. إي والله القرآن.. عرفوا. قالوا: إذاً هيا نبعدهم عن القرآن أولاً.

قالوا: نأخذ المصاحف ونحرقها، نقتل الحافظين للقرآن ولا ينفع ذلك؛ لأن الله تكفل بحفظ القرآن: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] فشلوا.

قالوا: إذاً: ماذا نصنع؟ فوضعوا قانوناً وقالوا للمسلمين: تفسير القرآن صوابه خطأ، وخطؤه كفر. أي: إذا فسرت آية أخطأت.. ارتكبت خطيئة وذنباً، وإن أخطأت في التفسير كفرت. فكممونا وألجمونا، لا نتكلم عن القرآن أبداً، ما دام الذي يفسره يكفر إذا جهل ويذنب إذا لم يجهل فمن يفسر القرآن؟

إذاً ماذا يصنع المسلمون بالقرآن؟

قالوا: اقرءوه على الموتى، فأصبح إذا مات الميت يجتمعون في بيته سبع ليال.. ثلاث ليال.. إحدى وعشرين ليلة.. بحسب الغنى والفقر، يجتمعون يقرءون القرآن، أو يأتون إلى المقبرة ويقرءون القرآن على القبور.

لا إله إلا الله! أرأيتم هذا؟ صنيع من هذا؟ الأعداء الذين يعملون والله إلى الآن على إبعادنا من القرآن والدين الإسلامي.

هداية الآيات

قال: [ هداية الآيات:

أولاً: بيان أن القرآن الكريم معجز؛ لأنه مؤلف من مثل طا سين ميم، ولم يستطع أحد أن يؤلف مثله ].

القرآن معجز، دلت الآية الأولى على أن القرآن الكريم معجز للخليقة.. للإنس والجن.

[ ثانياً: بيان ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يناله ] ويصيبه [ من الغم والحزن بتكذيب قومه له ].

وقد قلت لكم: أيما مؤمن يدعو إلى الله ويكذب يصاب بالهم والكرب، أو يشرد، فكيف إذاً بمن ابتلي بأمة كافرة لا تؤمن بالله وهو يدعوها إلى الإيمان بالله.

[ ثالثاً: بيان أن إيمان المكره لا ينفعه ] وكذا صلاته، صدقاته، كل عمل لا تعمله لوجه الله خوفاً من الله حباً فيه لا يزكي نفسك ولا يطهرها.. كالرياء الذين يتصدقون ليراهم الناس هل ينتفعون بهذه الصدقة؟ الجواب: لا، لا تزكي أنفسهم، فلهذا قال في هداية الآيات: [ ثالثاً: بيان أن إيمان المكره لا ينفعه، ولذا لم يكره الله تعالى الكفار على الإيمان بواسطة الآيات التي ينزلها عليهم ].

لو شاء أن يكرههم -كما قدمنا- رفع الجبل فوقهم وقال: تؤمنون أو لا؟ يؤمنون، يشاهدون ملائكة فوق رءوسهم فيؤمنون، لو أراد إيمانهم بالإكراه لآمنوا، لكن لا يكرههم عن الإيمان؛ لأن إيمان المكره لا ينفع العبد، ولا يزكي النفس ولا يطهر الروح.

[ رابعاً: التحذير من عاقبة التكذيب بآيات الله وعدم الاكتراث بها ].

التحذير من عاقبة التكذيب بآيات الله وعدم الاكتراث بها.

الجزء الأخير: (عدم الاكتراث بها) المسلمون الآن جلهم غير مكترثين بالآيات، ولا يطبق شرع الله في ديارهم، فما هم بمكترثين.

ولا ننسى يا زوارنا الكرام وهنيئاً لكم! أن تبلغوا إخوانكم في دياركم أنه لا طريق ولا سبيل إلى النجاة والعودة إلى الكمال والسعادة في الدنيا والآخرة إلا بالعودة إلى بيوت الله وقراءة كتاب الله ودراسة كتاب الله، والعمل بما فيه.

والطريقة المبينة: أهل القرية يجتمعون بعد صلاة المغرب أمام إمامهم أو معلمهم وليلة يدرسون آية وليلة حديثاً.. وهكذا طول العام يتعلمون ويعملون، فلا تمض سنة إلا وهم أولياء الله ما بينهم زان ولا فاجر ولا كاذب ولا سارق، ولا يكلفهم هذا شيء، أهل المدن.. كل حي أهل الحي يجتمعون ويوقفون العمل إذا دقت الساعة السادسة وقالوا: هيا نجتمع على كتاب الله. هذا هو الطريق.

[ خامساً: في إحياء الأرض بالماء وإنبات النباتات المختلفة فيها دليل على البعث الآخر ] على الحياة الثانية.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الشعراء (1) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net