إسلام ويب

جاء صالح عليه السلام إلى قومه يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، وتذكر نعمه سبحانه وتعالى وشكره عليها، ويحذرهم أن يسلكوا سبيل المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وأتاهم بناقة الله لتكون لهم آية، لكن عقروا الناقة، وكذبوا بالرسالة، فأخذهم العذاب، وكانوا آية لمن بعدهم.

تفسير قوله تعالى: (كذبت ثمود المرسلين ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده )، وها نحن مع سورة الشعراء المكية، فتأملوا الآيات!

قال تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ * قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء:141-159].

تقرير قصص القرآن لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات: هذا القصص الخامس أو السادس، إذ قص تعالى في هذه السورة قصص الأنبياء أولهم نوح، وثانيهم إبراهيم، وثالثهم هود، ورابعهم صالح، وخامسهم لوط، وسادسهم شعيب.. سبعة أنبياء.

أولاً: ألفت نظر المستمعين إلى أن هذا القصص أكبر دليل على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الدار الآخرة حق؛ إذ منزل هذا الكتاب الحامل لهذا القصص هو الله وليس غير الله، الله الذي قال: لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وقال لرسوله: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19].

والذي نزل عليه هذا القصص في هذا الكتاب مستحيل أن يكون غير رسول الله، والله إنه لرسول الله، فلهذا لما نقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، أقول على علم ضروري: أنه لا إله إلا الله، لا يستحق أن يعبد في الخلق إلا الله عز وجل، وأن محمداً رسول الله حقاً وصدقاً، ولن يكون غير الرسول أبداً، وهذا القرآن ينزل عليه.

تكذيب ثمود لنبيهم صالح واستحقاقهم العذاب

بالأمس علمنا أن عاداً أهلكهم الله، وكانوا في جنوب الجزيرة ما بين حضرموت وعمان، وكانوا من أقوى الشعوب وأقدرهم في هذه الحياة، ولكن الله عز وجل أرسل عليهم ريحاً صرصراً دامت سبع ليال وثمانية أيام، فوالله ما بقي منهم أحد، لا رجل ولا امرأة، لا طفل ولا طفلة.

وأما هود صلى الله عليه وسلم نبيهم ورسولهم والمؤمنون معه فنجحوا، اتجهوا من الجنوب إلى الشمال، فنزلوا في المنطقة التي تعرف اليوم بمدائن صالح، ديار ثمود، وعاشوا قروناً وتوالدوا وتكاثروا، ومات العلماء وظهر الجهل والخرافة والبدعة، وغشاهم ذلك الضلال، فبعث الله إليهم رسولاً منهم.

لما نزلوا بديار ثمود نزلوا مؤمنين معهم هود عليه السلام ولكن بمرور الأيام والأعوام الشياطين تزين الباطل وتحسن القبيح، وتدعو إلى الشرك والضلال والخرافة، فتم ذلك بالفعل وحصل، فمن رحمة الله بعباده أن بعث فيهم رسولاً كريماً هو صالح عليه السلام، قال تعالى: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا [الأعراف:73]، ومن سورة والشمس وضحاها يقول تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:11-15] كذبت ثمود بسبب طغيانها.. الطغيان يحمل صاحبه على الكفر والعناد والعياذ بالله.

إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا [الشمس:12] هذا يقال له: قدار بن سالف شر تلك القبيلة وأسوأهم حالاً.

قدار بن سالف هو الذي أخذ يعرض فكرة ذبح الناقة وعقرها على الشعب بكامله، فما يعرض ذلك على رجل إلا قال: افعل ونحن معك، فعقرها، حتى سقطت.. ضربها في رجليها فسقطت ثم ذبحها.

وهنا استوجبوا العذاب.. استوجبوا نقمة الله عز وجل. إذاً: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا [الشمس:14] ثلاثة أيام فقط: الأربعاء والخميس والجمعة، فما إن دقت الساعة حتى جلسوا على ركبهم جاثمين لا يتحركون ولا يقومون ولا يأكلون ولا يشربون يوم الأربعاء، ويوم الخميس اصفرت وجوههم، ويوم الجمعة اسودت وجوههم، وصباح السبت أخذتهم تلك الصيحة فأخرجت أرواحهم وهلكوا عن آخرهم.

لما دعاهم إلى أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فاعبدوا الله وحده ولا تشركوا به غيره، وأطيعوني لأبين لكم كيف تعبدون ربكم.. سخروا منه وتحدوه وقالوا: إن كنت رسولاً فائتنا بآية تدل على أنك رسول الله؛ إذ هم يؤمنون بالله، ولكن عبدوا معه الأصنام والأوثان بدعوى التوسل بها إلى الله، كما يفعل جهال المسلمين، يعبدون القبور بحجة التوسل بها إلى الله عز وجل.

قال لهم: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد أن تخرج لنا ناقة من هذا الجبل .. إن كنت رسول الله بحق فادع الله يخرج لنا ناقة من هذا الجبل، وقام يصلي وما زال قائماً يصلي حتى انفتح الجبل وخرجت منه ناقة عشراء، وهي ناقة الله عز وجل.

إذاً: تفضلوا اتركوا لها الماء يوماً.. العين التي تستقون منها لها يوم ولكم يوم آخر، والماء الذي تشربه في يومها غداً يتحول كله إلى لبن خالص فما من عجوز ولا شيخ ولا رجل ولا.. إلا يقوم يحلب حتى يملأ أوانيه ويدخل بيته وتمشي هي دائماً طول النهار والليل في ذلك البلد.

هذه أكبر معجزة ما عرفت الدنيا نظيرها، ومع هذا طغيانهم فسقهم فجورهم حرمهم من الإيمان والعياذ بالله فأهلكهم الله عز وجل

وهيا بنا نسمع ما جاء في هذا القصص من سورة الشعراء كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:141] يعني صالحاً الرسول، وقد علمنا أن من كذب رسولاً يعتبر شرعاً مكذباً بكل الرسل، فلهذا قال: كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:141] جمع رسول إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ [الشعراء:142] وهذه الأخوة عرفتم أمس في هود أنها أخوة نسب وليست أخوة دين، هم مشركون وهو موحد فهي أخوة نسب فهو من قبيلتهم أَخُوهُمْ صَالِحٌ [الشعراء:142] ماذا قال لهم؟ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:142] يحثهم على التقوى ويحضهم عليها، حتى لا يهلكوا في الدنيا، حتى لا يخلدوا في العذاب في الدار الآخرة.

وقد عرفنا أن الله عز وجل يتقى بطاعته بعد الإيمان به، آمن بالله واتقه بفعل أمره وترك نهيه تكن وليه وتسلم وتنجو من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

وقال لهم: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [الشعراء:143] كما قالها هود من قبل ونوح إِنِّي لَكُمْ [الشعراء:143] لا لغيركم رَسُولٌ أَمِينٌ [الشعراء:143] على رسالتي أبلغها كما أمرني ربي لا أخون ولا أغش ولا.. ولا...

إذاً فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [الشعراء:144] اتقوا الله، خافوه، ارهبوه، فأطيعوني تلك الطاعة التي تزكي نفوسكم، وتهذب أرواحكم، وتكمل عقولكم، وتصبحون أهلاً للحياة في الدنيا وأهلاً للسعادة في الدار الآخرة.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [الشعراء:144] طاعة الرسول ضرورية لا بد منها، إذ كيف تعبد الله إذا لم تطع الرسول وهو الذي يبين لك ما تقول وما لا تقول، وما تفعل وما لا تفعل، فالطاعة ضرورية للرسول فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [الشعراء:144].

وقال لهم كما قال من قبله نوح وهود: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:145].

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ [الشعراء:145] أي: على هذا البيان والبلاغ، وهذه الدعوة مِنْ أَجْرٍ [الشعراء:145] أبداً ولو قل الأجر.

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الشعراء:145] قل أو كثر فأجري على الله، هو الذي أرسلني وهو الذي يثيبني ويجزيني بدعوتي، أما أنتم فخذوها فقط مجاناً، أعلمكم ليلاً نهاراً ولا أطلب منكم قرشاً ولا دينار ولا درهماً، وأنا أجري على ربي هو الذي يجزيني ويثيبني على ذلك. وهذه حال عامة الرسل وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.

هل كان يسأل الناس دينار أو درهماً؟ لا والله.

تفسير قوله تعالى: (أتتركون في ما هاهنا آمنين ...)

ثم قال لهم: أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ [الشعراء:146].

أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا [الشعراء:146] في هذه الديار مدائن صالح آمِنِينَ [الشعراء:146]، أتتركون في هذه الأرض المباركة.. في هذه الديار الطيبة آمنين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ [الشعراء:147-148] ولا تشكرون الله عليها، ولا تقولون: من رزقنا هذا الخير؟ من وهبنا هذا العطاء الفاضل؟!

جنات: بساتين. عيون: سائلة. نخل طلعها هضيم. أهل النخل يعرفون الطلع الذي يطلع من قلبها.

وهضيم: لين هش.

هكذا يذكرهم بنعم الله. من أوجد هذا الماء؟ من أوجد هذه التربة وهذا الطين؟ من أوجد هذه الأشجار؟ من أوجد هذه النخيل؟ أليس الله؟ قولوا الله. إذاً: اعبدوه وحده ولا تشركوا به سواه.

أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ [الشعراء:146] آمنين من الخوف ومن الجوع ومن المرض ومن العطش.. كانوا على أحسن حال.. ديارهم مباركة، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ [الشعراء:147-148].

تفسير قوله تعالى: (وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين)

ثم قال: وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ [الشعراء:149] وقرئ أيضاً: فرهين.

ينحتون من الجبل.. الجبال بالآلات التي عندهم يفتحونه ويجعلونه قصراً، ففي الشتاء لا يخافون البرد أبداً؛ لأنهم يدخلون في أعماق الجبال، وهم الذين بآلاتهم الحديدية يبنون قصوراً داخل الجبل وغرفاً ومجالس.

من أقدرهم على هذا؟ الله. من وفقهم؟ الله. إذاً كيف لا يعبدونه ويعبدون سواه؟

وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا [الشعراء:149] حال كونكم فَارِهِينَ [الشعراء:149] متميزين، متبخترين، حاذقين.. قل ما شئت بالفراهة.

تفسير قوله تعالى: (فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين ....)

وهنا قال أيضاً فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [الشعراء:150] لما ذكرهم بهذه النعم العظيمة قال: يجب أن تتقوا الله المنعم عليكم بهذه النعم.. مساكنكم العظيمة، حدائقكم وبساتينكم، أموالكم، أمنكم وسيادتكم وحدكم في هذه البلاد.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ [الشعراء:150-151] وهم الفاسقون الظالمون المجرمون، الذين خرجوا عن طاعة الله وطاعة رسوله صالح عليه السلام، إذ كان هناك رجال أقوياء يأمرونهم بهذا الباطل ويحثونهم عليه، ويقولون: لا تستجيبوا لهذه الدعوة ولا تقبلوها، أراد أن يسلب عليكم حياتكم، أراد أن يقلقكم ويزعجكم، اصبروا اثبتوا على ما أنتم عليه ولا تسمعوا لدعوته ولا تستجيبوا أبداً. من القائل؟ المسرفون في الخبث والشر والفساد.

والآية تندد بالإسراف، وقد حرمه الله على أمة محمد فقال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31].

الله لا يحب المسرفين، إذاً والله ما نسرف حتى لا نفقد حب الله لنا.

والإسراف هو: ما زاد على الضروريات، وقد يكون الإسراف في الثياب، في الطعام، في المركوب، في المنزل..

الإسراف: ما زاد عن الحاجة ولست في حاجة إليه هو إسراف ولا يجوز للمؤمن أن يستعمله أو يأخذه.

وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31] انظر المسرفين في الفسق والفجور كانوا ينهون أمتهم عن اتباع صالح والمشي وراءه ليسلموا وينجوا ويسعدوا، فقال لهم على لسان الرسول: وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ [الشعراء:151] لا تستجيبوا لهم.

المسرفون في قوم صالح كانوا ينهون عن الإيمان واتباع الرسول صالح، ويحذرونهم من العواقب كما يرون هم ويقولون، فقال تعالى: وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ [الشعراء:151] من هم؟ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [الشعراء:152] فسر لنا شأن المسرفين، وأنهم يفسدون في الأرض بالمعاصي، الذين يأكلون الربا بيننا ويشربون الخمور ويتعاطون الفواحش والمنكر، والله لهم المسرفون المفسدون. كل عمل بمعصية الله ورسوله يعتبر فساداً في الأرض.

وكل معصية لله ورسوله فاعلها يعتبر فاسداً؛ إذ ذلك العمل فساد، وكل عامل بما أمر الله ونهى الله كل عامل بطاعة الله ورسوله هو مصلح وعمله إصلاح وليس بفساد.

الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ [الشعراء:152] من هم الذين يفسدون في الأرض؟ وكيف يفسدون فيها؟

الجواب: يفسدون فيها بمعصية الله ورسوله، بترك الواجبات وإهمال الفرائض، بغشيان الذنوب وارتكاب المحرمات وفعل المنكر وما إلى ذلك وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [الشعراء:151-152] هذه دعوة صالح لثمود.

تفسير قوله تعالى: (قالوا إنما أنت من المسحرين ...)

بم أجابوه؟ هيا نسمع بم أجابه قومه: قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [الشعراء:153] عقلك فاسد مسحور، مسحّر أفسدك السحر، أبطل عقلك، أهبطك فنزلت إلى هذا المستوى.. هذه حقيقتك. كيف نتبعك؟ كيف نستجيب لك وأنت من المسحّرين الفاقدي العقل بالمرة؟!

وهذا فيه دليل على أن السحر قديماً وليس حديثاً وهو يفسد القلب والعقل معاً والعياذ بالله.

فقالوا: إنما أنت من المسحّرين، فلهذا تقول وتدعو إلى أشياء لا ينبغي أن تكون ولا تنفعنا أبداً، وتريد أن تفسد علينا سعادتنا في دنيانا وكمالنا فأنت مسحور بل مسحّر. هذا جوابهم أولاً: إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [الشعراء:153].

ثانياً: مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشعراء:154].

مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا [الشعراء:154] ما الفرق بيننا وبينك أنت؟ أنت لست ملكاً من الملائكة، ولا أنت الرب تبارك وتعالى، فأنت واحد منا فقط، فكيف نمشي وراءك ونخرج عن سعادتنا وكمالنا في دنيانا ونتبعك أنت ونقول بما تقول؟ بأي حق؟

مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا [الشعراء:154] فقط، ليس هناك فرق بيننا وبينك.

كيف نتبعك ونترك ما عليه آباؤنا وأجدادنا ونغير بلادنا رأساً على عقب ونصبح في حال غير هذه الحال ونحن في سعادة وكمال؟

وهذا يمليه الشيطان على ألسنة أوليائه، وإلى اليوم يقال هذا في الدعوة التي لا يريدونها أن تكون دعوة لله، يقولون مثل هذا القول: مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا [الشعراء:154] وعليه فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشعراء:154] إن كنت من الصادقين فيما تقول فهات آية تدل على صدقك وأنك رسول الله ونبي الله، وأن ما جئتنا به من عند الله، وأنت أمين عليه.

هات آية تدل على ذلك؟

وهل تنفعهم الآية؟ هل نفعت الآية قريشاً لما قالوا: إن كنت كما تقول فلينفلق القمر فلقتين: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] ودعا الله والله انفلق القمر فلقتين وراء جبل فلقة وفلقة قبله، وشاهدوا وما آمنوا على ذلك.

وهذه قاعدة لا ننساها وهي: أن المعجزات ليست لازمة للإيمان، فكم يشاهدون من الآيات وما يؤمنون، ورسولنا أعطي أكثر من ألف معجزة فهل آمنت البشرية كلها؟ لا.

المعجزة آية تدل على صدق الرسول، أما الإيمان فقد لا يؤمنون، والذين كتب الله شقاءهم في الأزل وأنهم من أهل النار لا يؤمنون ولو شاهدوا ألف آية.

قالوا: فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشعراء:154] فيما تقوله وتدعيه من أنك رسول الله إلينا.

ماذا تريدون من آية؟ قالوا: أن يخرج لنا من هذا الجبل أمامنا ناقة عشراء. والعشراء مضى عليها عشرة أشهر وهي حبلى، فما إن خرجت حتى ولدت.

قام صالح يصلي -وهذه لطيفة- وهو واضع يديه على صدره في صلاته وإخواننا الآن في المسجد لا يضعون أيديهم على صدورهم؛ لأنهم قالوا: مذهبنا. أي مذهب عندنا؟ مذهبنا مذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، أما الروافض والخوارج فهم يتعمدون ذلك حتى لا يدخلوا مع جماعة المسلمين.

السياسة توحي بهذا حتى في يوم من الأيام يسودوا ويحكموا، فلهذا لا ينضمون إلى المسلمين.. لا بد من علامات مميزة فارقة، هذه العلامات أنه لا يرفع يديه ولا يقول إلا: الله أكبر، ولا يضع يديه على صدره، وجماعة من فقهاء المالكية قلدوا بعضهم بعضاً وهو خطأ، فهذا مالك رحمه الله إمام المسجد النبوي يروي في موطئه ويقول: ( إن مما أدرك الناس من النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، ووضع اليمين على اليسار فوق الصدر في الصلاة ).

هذه من آدم إلى اليوم.

فيا إخواننا الذين تسدلون أيديكم والله لفاتكم أجر ووضع اليد هذه آية الخضوع!

وقف صالح عليه السلام يدعو الله وما زال كذلك حتى انفرج الجبل وانشق وخرجت ناقة ما رأت الدنيا نظيرها.. عشراء، ووضعت ولدها بين أيديهم.. تفضلوا احلبوا.. كل تلك المدينة يحلبون ليل نهار ولا ينقطع لبنها أبداً، وهي تشرب عين البلاد وحدها يوماً كاملاً.

أية آية أعظم من هذه الآية؟ فهل آمنوا؟ والله ما آمنوا، وأهلكهم الله بعد أن أعطاهم فرصة ثلاثة أيام: فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود:65].

تفسير قوله تعالى: (قال هذه ناقة لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم)

قال تعالى: قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء:155] الشرب: القسمة، القسم من الماء، هذا اليوم لها وغداً لكم لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء:155]. كيف ناقة تشرب عيناً كاملة؟ كيف يتحول ذلك الماء كله إلى لبن؟

قولوا: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، إن الله على كل شيء قدير.

ليست قضية سحر بالعيون، بل يحلبون اللبن ويشربونه طول النهار، ومع الأسف ما آمنوا؛ لأن الشر والفساد متوغلان فيهم والعياذ بالله.

هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء:155] معروف عندكم حتى ما تختلطوا.

تفسير قوله تعالى: (ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم)

ثم قال تعالى: وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء:156].

وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ [الشعراء:156] ولا تمسوها لا بعصا ولا بحجر ولا بشيء يسير إليها أبداً، ولا تمنعوها من الماء ولا تؤذوها بأي أذى.

وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء:156] أي: إن مسستموها بسوء يأخذكم عذاب يوم عظيم، يوم الصعقة والصيحة التي أخرجت قلوبهم والعياذ بالله إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ [يس:29].

وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء:156] وقد بينت السنة أن قدار بن سالف عليه لعائن الله وجد بين كفار مكة نظيره وهو عقبة بن أبي معيط وكأنه قدار بن سالف .

إذاً: أخذ يتجول في البلاد ويأخذ الإذن منهم: هل تسمحون فأنا أريد أن أعقر الناقة. فقالوا: افعل، فوافقوا والعاقر واحد، الذي ذبح الناقة واحد، وأخذهم الله كلهم لأنهم موافقون راضون.

لو أن شخصاً قال: لا. لكان ينجو، كل من يعرض عليهم يقولون: افعل. خلينا ننظر ماذا يحدث؟

إذاً فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء:156] .

تفسير قوله تعالى: (فعقروها فأصبحوا نادمين)

ثم قال تعالى: فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ [الشعراء:157] يوم الأربعاء انهاروا، هبطوا تماماً، بركوا على ركبهم، ندموا.

هل ينفعهم الندم هذا؟ والله ما نفعهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول واحفظوا: ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر )؛ لأن الروح تأخذ تفارق الجسم، تبدأ من الرجلين، تصعد حتى تصل إلى الحلق ثم يصبح ما يستطيع النطق (يغر غر غر) فإذا بلغت الروح الحلقوم فلا توبة، أما مجرد مرض ويبست رجلاه وارتفع المرض إلى ركبتيه فلو تاب تقبل توبته؛ لأنه يرجى له أن يحيا، لكن إذا وصلت الحلقوم فلا توبة: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الواقعة:83-87] هذا تحد الله لعباده فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ [الواقعة:83] أي: الروح الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الواقعة:83-87] استطاع الأطباء كلهم أن يرجعوا الروح وقد بلغت الحلقوم، ولو استطاعوا لحافظوا على حياة الأبالسة كالرؤساء الروس .. ستالين ولينين ، ما استطاعوا.

هكذا يقول: وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء:156] قال تعالى: فَعَقَرُوهَا [الشعراء:157] عقروا الناقة.. كسروا رجليها وطاحت وذبحوها.

فَعَقَرُوهَا [الشعراء:157] نسب العقر إليهم أجمعين أمة كاملة، فهل كلهم شاركوا في هذا؟ لا والله، العاقر واحد قدار بن سالف لكن برضاهم وموافقتهم اعتبروا أنهم هم فاعلو العقر فَعَقَرُوهَا [الشعراء:157].

فلهذا في بيتك، في عملك، في مدينتك.. لا ترض بالمعصية، فإن رضيت وإن لم تفعلها والله تورطت فيها.

لا ننسى هذه: في بيتك، في قريتك، في طريقك، في سفرك، في جماعة.. إذا عصي الله عز وجل فلا ترض بالمعصية أبداً، اكرهها وندد بها تنجو، أما أن تأكل معهم وتشرب وتضحك والله كأنك فعلتها.

وهنا تأملوا قوله تعالى: فَعَقَرُوهَا [الشعراء:157]؟ نسب هذا إلى أمة بكاملها فهل الأمة كلها شاركت في عقر الناقة؟ عقرها واحد فقط، لكن موافقتهم، سكوتهم، رضاهم بذلك جعلهم موافقين كأن ما باشروا بأيديهم عقرها.

إذاً: في أي مدينة حتى في مدينة الرسول، في مسجد الرسول لا نرضى بمعصية الله والرسول، فإن الرضا بها كفعلها، ومن هنا لو كنا لا نرضى بالمعصية في بيتنا يتوب من عصا الله فيها.. في قريتنا يتوب من عصا الله فيها.. لكن سكوتنا ورضانا يشجع على ذلك، وإذا جاءت المحنة تعمنا كلنا والعياذ بالله .. ولله سنن لا تتخلف.

تفسير قوله تعالى: (فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين)

قال تعالى: فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:158].

فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ [الشعراء:158].. قال تعالى في سورة هود: فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود:65] الأربعاء والخميس والجمعة فقط أحياء لكن كالأموات، صباح السبت صيحة واحدة خرجت أرواحهم ولم يبق واحد، ومن اتبع عبد الله ورسوله صالحاً عادوا إلى مكة.. رجعوا ما ذهبوا إلى الشام؛ لأن هذه المدائن فوق المدينة بكذا مائة كيلو متر، تعرف الآن بمدائن صالح والجبال والقصور موجودة إلى الآن وقفنا عليها، ونهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضحك هناك أو نأكل ونشرب، تمر بها للموعظة وتشاهد فقط؛ لأنها ديار الظالمين والعياذ بالله.

ثم قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:158].

إِنَّ فِي ذَلِكَ [الشعراء:158] الذي سمعتم.. إن في ذلك المذكور لَآيَةً [الشعراء:158] وأية آية أعظم من هذه تدل على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله كما كانت تدل على أن لا إله إلا الله وأن صالحاً رسول الله فما آمنوا وهلكوا؟!

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:158] مع الآية ما آمن إلا القليل، وأهل مكة هؤلاء الطغاة ما آمن منهم إلا القليل مع هذا العرض العجيب لهذا القصص الكريم في كتاب الله عز وجل؛ لأن الذين كتب الله شقاءهم لن يؤمنوا.

أعيد إلى أذهانكم وتأملوا: أول ما خلق الله من الكون خلق قلماً، وقال: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، وذلك والله لمدون في كتاب محفوظ، كتاب المقادير الإمام المبين.

انظر: يدي هذه الرفعة لها والله مكتوبة، جلوسنا هذا وإصغاؤنا وكلامنا والله لمكتوب بالحرف الواحد، لا يخرج شيء عن كتاب المقادير أبداً.

وهكذا الذي استمرت الحياة آلاف السنين ما خربت، ما فسدت باقية منتظمة؛ لأنها وفق نظام دقيق.

إذاً: هذا كتاب المقادير كتب فلان سعيد على أنه إذا جاءته الدعوة لباها وأجابها وفرح بها، وعبد الله وزكى نفسه فهو من أهل الجنة.

فلان كتب بالشقاوة بالنار؛ لأنه إذا جاءته الدعوة ينكرها ويكفر بها ويصيح في وجه داعيها ولا يستجيب، فاكتبوه من أهل النار.

ولطيفة علمية أخرى وهي: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من سره ) وأثلج صدره وأفرحه ( أن يوسع في عمره ويزاد في أجله فليصل رحمه ).

من أحب منكم أيها المستمعون أن يوسع الله رزقه، وأن يزيد في عمره فليصل رحمه الله.

كيف يتم هذا؟ الجواب: عمر فلان ستين سنة، ولكنه سوف يصل رحمه من آبائه وأمهاته وأخواته وإخوانه، فاكتبوا له تسعين سنة، فيكتبون تسعين فزاد ثلاثين سنة.

رزق فلان كان خمسين قنطار بر.. عشرين قنطار بيض.. كذا.. كذا، محدودة.. في ضيق، لكن سيبر بأمه، بأبويه ويطيعهما، ويصل رحمه، فوسعوا له فيكتبوا له ضعف ذلك، فلما يخرج للدنيا يتسع كذلك:( من سره أن يوسع له في رزقه ويزاد في عمره فليصل رحمه الله ) دعوة إلى صلة الرحم، فلو وصل الناس أرحامهم لاتحدت الأمة وما اختلفت أبداً ولا أكل بعضها بعضاً. والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونسمع، وهيا بنا مع هداية الآيات.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

قال: [ من هداية الآيات:

أولاً: دعوة الرسل واحدة ولذا التكذيب برسول يعتبر تكذيباً بكل الرسل ].

دعوة الرسل واحدة فالذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى وإن آمنوا بعيسى ويحيى وزكريا وإبراهيم فهم والله كافرون، فمن كذب رسولاً يعتبر مكذباً بكل الرسل؛ لأن دعوتهم واحدة، والذي أرسلهم واحد، فمن كذب واحداً كأنما كذبهم أجمعين.

[ ثانياً: الأمانة شعار كل الرسل والدعاة الصادقين الصالحين في كل الأمم والعصور ].

الأمانة هي ضد الخيانة شعار الأنبياء والمرسلين والصالحين والدعاة إلى يوم الدين، فالداعي إلى الله يجب أن يكون أأمن الناس، يؤمن على كل شيء حتى الكلمات التي يقولها، فلا يغش ولا يخون، ولا يخدع ولا يكذب؛ إذ دعوة الرسل تقوم على الأمانة: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [الشعراء:143].

[ ثالثاً: مشروعية التذكير بالنعم ليذكر المنعم فيُحب ويطاع ].

خطباء الأمة في المساجد ينبغي أن يذكروا إخوانهم بالنعم التي أنعم الله بها عليهم حتى يشكروها، والذي لا يذكر بالنعمة لا يشكر.

نحن الآن آمنون في المسجد فلنقل: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله، وكلمة الحمد لله هي الشكر، بل هي رأس الشكر، كلما تذكر نعمة قل: الحمد لله. تكن من الشاكرين.

[ رابعاً: التحذير من طاعة المسرفين في الذنوب والمعاصي لوخامة عاقبة طاعتهم ].

التحذير من طاعة العصاة ودعاة الباطل.. يحذرنا هذا الكلام الإلهي من أن نطيع العصاة ونمشي وراء الفسقة والفجرة، فإن العاقبة سيئة والعياذ بالله.

[ خامساً: تقرير أن الفساد في الأرض يكون بارتكاب المعاصي فيها ].

تقرير حقيقة وهي أن الفساد يقع في الأرض، في القبيلة، في الأمة، في البيت.. في أي مكان بسبب المعاصي والله العظيم، فالمعاصي تسبب الفساد في الأرض.

[ سادساً: تقرير أن السحر من عمل الناس، وأنه معلوم لهم معمول به منذ القدم ].

تقرير أن السحر من عمل الناس، وتدعو إليه الشياطين وتزينه للناس، وأنه من قديم الزمان وباق إلى اليوم.

السحر والعياذ بالله تعالى يزينه الشيطان ويحسنه لأوليائه ليفعلوه، ومن فعل السحر مسخ ولو صلى أمامك وصام والله لا صلاة ولا صيام.

الذي يفعل السحر كافر بإجماع الأمة، ويجب قتله، ولا تقبل توبته منه!

إذا عرف شخص بالسحر وجرِّب وأفسد قلوب الناس فيجب أن يقتل وأن لا تقبل له توبة والعياذ بالله.

والذي يأتيه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، فمن أتى كاهناً أو عرافاً أو ساحراً ليسحر له لا تقبل صلاته أربعين يوماً والعياذ بالله.

كيف نأتي الساحر ونحن نعرف أن وجوده حرام ولا يحل أبداً؟!

كيف نرضى بوجوده ونأته ليسحر لنا؟

[ سابعاً: سنة الناس في المطالبة بالآيات عند دعوتهم إلى الدين الحق ].

سنة الناس أو البشرية في أنهم يطالبون دائماً بالمعجزات والأدلة والبراهين على صدق الدعوة. هذه سنة الله في الخلق.

[ ثامناً: وجود الآيات لا يستلزم بالضرورة إيمان المطالبين بل أكثرهم لا يؤمنون ]. كما بينت لكم: وجود المعجزات التي هي آيات لا يستلزم الإيمان أبداً؛ إذ رأينا قوماً بكاملهم ما آمنوا.

هذه أعظم آية.. من جبل تتولد عنه ناقة وتشرب الماء وحدها فما آمنوا، فلهذا لسنا في حاجة إلى معجزات أبداً، بل نبين الدعوة ونوضح الطريق وكفى.

[ تاسعاً:] وأخيراً [ الندم من التوبة، ولكن لا ينفع ندم ولا توبة عند معاينة العذاب أو أماراته ].

الندم من التوبة، والتوبة هي:

أولاً: الإقلاع عن المعصية، خاتم ذهب في يدك ارمه في الأرض.

ثانياً: الندم والتأسف والتألم. آه! يا ليتني ما لبست هذا الخاتم مثلاً.

ثالثاً: الاستغفار.

رابعاً: العزم الأكيد على ألا تعود إلى الإثم الذي تركته.

إذاً: التوبة عندنا هي: أولاً: الندم عن المعصية. ثانياً: التخلي عنها. ثالثاً: الاستغفار.. كلمة أستغفر الله والدموع. رابعاً: العزم الأكيد على ألا نعود إلى هذا الإثم أبداً ولو نقطع ولو نصلب.

وأما التسويف وتأخير التوبة.فلا ينبغي.. التوبة ينبغي ألا تؤخر ولا تؤجل أبداً: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17] لا تقل: بعدما أتزوج أتوب، بعدما أتوظف أتوب، بعدما كذا.. هذا الكلام من كلام الشياطين، فالتوبة تجب بمجرد ما ترى نفسك وقعت في معصية الله، ارفع رأسك وقل: أستغفر الله وأتوب إليه وكلك عزم على ألا تعود لهذا الإثم، والندم كما قلنا لا بد منه، تندم على ما مضى وتستغفر دائماً.

هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما نسمع.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الشعراء (11) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net