إسلام ويب

إن الله عز وجل من رحمته بعباده المؤمنين شدد عليهم في أمرين، وحذرهم من عدوين لدودين، وأمرهم بالاحتراز منهما، والحذر من فتنتهما، فالعدو الأول هو الدنيا، التي تخدع الناس بزينتها وغرورها، فتصرفهم عما خلقهم الله له من عبادته، والعدو الثاني هو الشيطان، الذي ما يفتأ يوسوس للإنسان، ليحرمه من دخول الجنان، ويصرفه إلى عذاب النيران.

تفسير قوله تعالى: (وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك...)

الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن الليلة مع سورة فاطر المكية، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات مجودة مرتلة، ثم نتدارسها إن شاء الله، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

بسم الله الرحمن الرحيم: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [فاطر:4-7].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [فاطر:4]، قائل هذا القول هو الله عز وجل، وهذا كلامه في كتابه، ويخاطب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، يقول له: وإن يكذبوك يا رسولنا، ولم يؤمنوا بك ولا بما جئت به، ولم يقبلوا توحيدنا وعبادتنا وحدنا، وإن كذبوك في البعث والجزاء يوم القيامة، وإن كذبوك فلا تعجب ولا تكرب ولا تحزن ولا تغتم أبداً؛ فقد كذبت رسل من قبلك، أي: مئات الرسل كُذّبوا، وأول الرسل نوح عليه السلام كُذِّب وهو يدعو إلى الله لمدة تسعمائة وخمسين عاماً ليلاً ونهاراً، في السر والعلن يدعو إلى الله، وإلى أن يُعبد الله وحده، وقومه يعبدون يغوث، ويعوق، ونسراً، وهي أصنام سموها آلهة، فلم يتبعه ولم يؤمن بدعوته سوى نيف وثمانين نسمة بين رجل وامرأة، وليست دعوته عليه السلام سنة واحدة أو عشر سنوات، أو مائة سنة، بل تسعمائة وخمسين عاماً وهو يدعوهم إلى الله، واقرءوا سورته في القرآن الكريم: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا [نوح:1] يا قوم اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [نوح:10-12].. آيات، ولكن ما استجابوا.

فيا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم! لا تكرب ولا تحزن إذا لم يستجب لك كفار قريش ومن وراءهم؛ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [فاطر:4].

إبراهيم عليه السلام كيف واجه الكفار وقد حكموا بإعدامه، فأوقدوا النار وأججوها، وضلوا أربعين يوماً وهم يعدونها ليحرقوه، فوضعوه في منجنيق ورموا به في ذلك الجحيم، إلا أن الله عز وجل أكرمه فلم تعد النار عليه، ولم تحرق سوى الكتاف في يديه ورجليه.

وما ننسى تلك اللطيفة التي عرض له بها جبريل وهو في طريقه إلى النار: هل لك يا إبراهيم حاجة؟ قال: أما إليك فلا، (حسبي الله ونعم الوكيل)، قالها أصحاب رسول الله لما طوقهم العدو وأحاط بهم من كل مكان، قالوا: (حسبنا الله ونعم الوكيل).

ثم أجلوه وخرج مهاجراً من ديار العراق إلى أرض الشام.

وموسى عليه السلام ماذا فعل الفراعنة به؟ بنو إسرائيل أنفسهم ماذا فعلوا بموسى؟

وهكذا عيسى روح الله وآيته، واجه اليهود وحكموا بإعدامه، وتآمروا على قتله فصلبوا من تمثّل به.

إذاً: فلا تكرب يا رسولنا ولا تحزن أبداً، وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [فاطر:4].

وقوله تعالى: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [فاطر:4] وقراءة سبعية: (وإلى الله تَرْجِعُ الأمور)، أي: رجوعها إلى الله، فمن شاء الله إيمانه آمن، ومن شاء ضلاله ضل، ومن شاء هدايته اهتدى، ومن شاء عدم الهداية ضل.

ترجع الأمور إلى الله، والله عز وجل يهدي من أحب الهداية ورغب فيها وطلبها، وسعى لها، والله لا يهدي من رغب في الضلال وطلبه ومشى في طريقه واعترض الحق ولم يستجب له، ذلك أراد الله ضلاله، وإلى الله لا إله غيره من مخلوقات ترجع الأمور، ففوض أمرك إلى الله، وسلمه إليه، ولا تكرب يا رسول الله ولا تحزن.

سلاه وحمله على الصبر، وهذه الجملة من كتاب الله توجه إلى كل داع في بلاد العرب، في بلاد العجم، إذا لم يُستجب لدعوته، إذا لم تُقبل دعوته، إذا حورب، إذا ضُرب، إذا أوذي، يقرأ هذه الآية ينشرح صدره وتطيب نفسه، ويطمئن ويسكن ويواصل دعوته.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا...)

ثم قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [فاطر:5] وهذا النداء عام يشمل المؤمن والكافر، والبر والفاجر، ولكنه يتناول أولاً الكافرين والمشركين، وإلا كلنا من الناس.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ [فاطر:5] ناداهم ليلفت نظرهم وليصغوا ويسمعوا النداء، وليعلمهم بقوله: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [فاطر:5] والله! لحق ينجزه كما واعد، وذلك لكمال قدرته ولعظيم قدرته، وليس بالعاجز حتى يعد ويخلف، فإن ما وعد الله به والله! لحق، ومن ذلك: الموت بعد الحياة، ومن ذلك: الحياة بعد الموت، ومن ذلك: الجزاء على العمل في الدنيا خيراً أو شراً.. ولا بد وأن يتم، وعد الله للمؤمنين الصالحين بالنصر في الدنيا والعز والكرامة فيها، والطهر والصفاء في حياتهم، ووعده للكافرين الفاسقين الفاجرين بالخبث والفساد والشر، ووعد الله أهل الإيمان والعمل الصالح بالجنة والنعيم المقيم، وعده للكافرين المشركين بالنار والعذاب الأليم، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [فاطر:5] نادانا ليعلمنا هذا العلم.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ [فاطر:5] لبيك اللهم لبيك، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [فاطر:5] إذاً: فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [فاطر:5]، فمن آمن بوعد الله وعلم أنه حق ما تغره الحياة الدنيا، وإن طال عمره وإن سمن وإن لم يمرض، وإن غني ولم يفتقر، لن يغنيه هذا.

فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [فاطر:5] فإنها زائلة، ذاهبة، منتهية لا محالة، فلا يغتر الإنسان بماله، ولا بولده، ولا بدولته وسلطانه، ولا، ولا، ولا.. فإنه ممتحن مبتلى ومختبر بذلك المال، وأولئك الأولاد وتلك الدولة، وهذا مجرد امتحان واختبار، فالملك بيد الله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [فاطر:5] والحياة الدنيا تغر أصحاب الأموال بأموالهم، وأصحاب الصحة البدنية والعافية بأبدانهم، وأصحاب الدولة بدولتهم وهكذا تغرهم وتخدعهم، فيظنون أنهم لا يموتون ولا يبتلون ولا يصابون، وفجأة يصاب الصحيح ويمرض، ويفتقر الغني ويصبح فقيراً.

فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [فاطر:5] والغرور هو إبليس عليه لعائن الله، كثير الغرور، فعول كأكول كثير الأكل، وشروب كثير الشرب، وهنا الغرور هو عدونا إبليس عليه لعائن الله.

يا أيها المؤمنون! يا أيها الصالحون! لا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، إذاً فالغرور من الدنيا ومن الشيطان، ونحن بينهما ولا ينجو إلا من نجاه الله.

الدنيا تزخرف الطعام والشراب، والنكاح واللباس، والمراكب والصحة والعافية، و.. و..، والشيطان يزين ويحسّن الزنا والربا والفجور والخيانة والخداع والغش.. فكل ذلك يزينه ويغرر به، ولن ينجو إلا من نجاه الله.

ولهذا يجب علينا أن نفزع إلى الله دائماً وأبداً، نلوذ بجنابه، ولا ننسى ذكره أبداً، ولا ننسى وعده أبداً، ولا ننسى ما وصانا به وحذرنا منه؛ لأنه لا ولي لنا إلا الله

وإلا نحن بين فتنتين: الدنيا من جهة وهي تغر، والشيطان من جهة ثانية وهو يزين ويحسّن الباطل وما إلى ذلك.

ولهذا لا ينجو إلا من نجاه الله، فهيا بنا نقرع باب الله: يا ربنا نجنا، يا ربنا نجنا، يا ربنا احفظنا، يا ربنا اعصمنا، يا ربنا كن لنا، يا ربنا أعذنا من الشر كله، والدنيا وما فيها والشيطان وإضلاله، فلا بد من الفزع إلى الله عز وجل؛ لأننا بين فتنتين.

تفسير قوله تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً ...)

ثم قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ [فاطر:6] وهذا خبر يخبرنا تعالى به بأن الشيطان عدو لنا، وإن كنا لا ندري ولا نعرف هل هو صديق أم عدو، فقد أخبرنا الله تعالى بأنه عدونا، وعدوك من الناس لن يحب لك الخير، ولن يرغب في إسعادك وكمالك، ولن يحب لك السعادة، فعدوك لا يريد إلا إهانتك وإذلالك وعجزك وامتحانك وهكذا..، فالشيطان عدو يخبر تعالى بعداوته، ويجب أن نعرف هذه العداوة، فلا نستجيب له أبداً.

كنت في المنزل أشرب شاياً مع حبيبات صغيرة حتى أتقوى بها على الدرس لأني ضعيف، فشربت الكأس الأول والثاني والثالث، وطالعت الدرس وواصلت الدراسة والعمل، وغرني بالرابعة ولما تنبهت له، والله! ما كملته بل رددته وعرفت أنها منه، فالعدو يزين لك الطعام حتى تأكل وتمتلئ بطنك فتعجز، ويزين لك الشراب حتى تمتلئ بطنك، ويزين لك اللباس حتى كذا وكذا، فهذه مهمته، فقد يزين لك حتى سواقة السيارة وتفرح بها حتى تقع في فتنة، فالمهم نحذر هذا العدو الذي يعيش بيننا، فلا نستجيب له أبداً وإلا والله! لنهلك.

واسمع ما يقول الرب تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ [فاطر:6] أي: اجعلوه عَدُوًّا [فاطر:6]، لا تجعلوه صديقاً وحبيباً وولياً لكم، والله! ما يأمرنا إلا بالشر، والله! ما ينهانا إلا عن الخير، فهذه مهمة العدو وهذه حقيقته، فعدوك لن يحب لك الخير، بل يحب لك الشر، فيريد أن تمرض وأن تعمى، وأن تعجز أن تكون كذا وكذا.

آه! لو عرفت البشرية هذا، لو عرف المؤمنون هذا، لو عرف أهل القرآن هذا ما استجابوا للشيطان ولا مشوا وراءه، ولا حققوا مطلباً من مطالبه أبداً، حتى التدخين الذي يزينه ويحسنه ويجعله في جيبه ويتكبر به، والله لهو الذي حسنه وزينه.

فالتدخين ليس فيه لا مادة غذائية ولا صحية، ولا مادة كرامية إيمانية صالحة، بل ليس فيه إلا الرائحة الكريهة والأذى للملائكة حولك، والأذى لبدنك والتبذير بمالك وما إلى ذلك، فلماذا إذاً زينه الشيطان حتى للنساء؟!

فيحسن التدخين للأولاد؛ لأن هذه مهمته، يريد إغواءنا وإفسادنا، وأن يلقينا في العفونات والأخباث.

إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر:6] فلو قلنا: لا ما نتخذه عدواً هو ولينا، نكون خرجنا من الإسلام وكفرنا بالله، وما أصبحنا بالمؤمنين ولا مسلمين.

فلهذا إذا عرفت أية قضية أنها من تزيينه ودعوته إليك ارفضها، وآمن بالله، واكفر بالشيطان.

إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر:6].

معنى قوله تعالى: (إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)

ثم قال تعالى ليشجعنا على عداوته والبعد منه وعدم الاستجابة له في أي موضوع وحالة، قال تعالى: إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] وهذا خبر والمخبر هو الله عز وجل.

فالشيطان يريد من أوليائه ومن حزبه أن يكونوا من أصحاب السعير، أي: جهنم المستعرة؛ لأنه هو فيها، بل يريد أن يكون بنو آدم كلهم معه، وقد عرفنا أن هذا العدو كان مع الملائكة من الجن، وكان يعبد الرحمن عز وجل، ولما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، أمره أن يسجد مع الملائكة فتكبر هذا الخبيث وقال: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا [الإسراء:61] وهذا هو الكبر، ولما تكبر أبلسه الله فسمي إبليس، ومعنى (أبلسه) أي: مسح الخير منه نهائياً، لن يقع معه خير أبداً، ولما أُبعد من الجنة وطرد منها وفكر واهتدى، فقال: سبب إبلاسي وإبعادي هو آدم، فهيا نعمل على إفساده وإخراجه من الجنة، فما كان منه إلا أن اتصل بآدم، فهو ما دخل الجنة بل مطرود منها، وما دخل في أفعى كما تقول بعض الكتب والغافلون، فإبليس يتصل بروح آدم كما يتصل بنا بدون ما نلمس ولا نرى.

إذاً: فزين لآدم الأكل من شجرة في الجنة، وهذه الشجرة نهى الله تعالى آدم وزوجه حواء أن يأكلا منها، فجاء العدو واتصل بآدم فزين له الأكل من الشجرة، وقال: لو تأكل من هذه الشجرة لن تموت أبداً، فهذه شجرة الخلد، قال تعالى: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا [طه:120-121] ما إن أكل آدم وحواء حتى انكشفت سوأتهما؛ إذ كانا لا يُرى منهما فرج ولا.. ولا، سبحان الله!

مثال ذلك: الآن الملائكة موجودون في الحلقة ولا نراهم.. وكذلك آدم وحواء قبل أن يعصيا الله ما كان يرى منهما شيء، وما إن أكلا من الشجرة حتى بدت لهما سوآتهما ونظر إلى فرجه ونظرت إلى فرجها، فأخذا يلصقان أوراق الشجر ويستران عوراتهما، ومن ثم ما أصبحا أهلاً للجنة، فأهبطهما إلى الدنيا وهبط العدو معهما، يريد من أولاد آدم أن يدخلوا النار كلهم، وواجه الله بقوله: فَبِعِزَّتِكَ [ص:82] يا رب، لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83] اللهم اجعلنا منهم.

إذاً عرفتم: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] السعير: النار المستعرة الملتهبة في جهنم.

تفسير قوله تعالى: (الذين كفروا لهم عذاب شديد...)

ثم قال تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ [فاطر:7] لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [فاطر:7] الجنة دار السلام، سبحان الله!

الذين كفروا بالله ولقائه، وكفروا بالله ورسوله، وكفروا بالله وشرعه فما آمنوا ولا عبدوا الله لهم عذاب شديد، ألا وهو في دار البوار جهنم والعياذ بالله تعالى، وما إن يموت أحدهم حتى يدخلها.

والذين آمنوا بالله ولقائه، آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات، ففعلوا ما أمر الله بفعله وتجنبوا ما أمر الله بتركه، هؤلاء لهم مغفرة أولاً لذنوبهم، ما يبقى ذنب عندك أبداً والجنة بعد ذلك، اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وحقق لنا ولايتك يا رب العالمين.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

من هداية هذه الآيات: [أولاً: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيها كل دعاة الحق إذا كذبوا وأوذوا فعليهم أن يصبروا].

من هداية الآية الأولى: أن الله أنزل هذا ليسلي الرسول صلى الله عليه وسلم ويحمله على الصبر والثبات حتى يواصل دعوته، وقد فعل وانتصر، وهي صالحة لكل مؤمن حتى في بيته، يدعو زوجته وأولاده عليه أن يصبر ولا ينزعج ولا.. ولا، فقد أوذيَ الرسل ودعوا ولم يستجب لهم، فاصبر أيضاً حتى تنتصر.

[ ثانياً: تقرير البعث والجزاء المتضمن له وعد الله الحق].

إن وعد الله حق بالموت بعد الحياة، ثم بالجزاء إما بالنعيم المقيم لأهل الإيمان والعمل الصالح، وإما بالعذاب الأليم في جهنم.

عقيدة البعث والجزاء، عقيدة الإيمان بيوم القيامة، بالساعة، هذه العقيدة قلت ألف مرة: الذي سلبها ولم يعطها لا خير فيه بالمرة، شر من الخنازير والقردة، ولا يعول عليه ولا يوثق فيه أبداً ما دام لا يؤمن بلقاء الله تعالى، والمؤمن بلقاء الله يوم القيامة مهما ما كان فيه خير.

[ثالثاً: التحذير من الاغترار بالدنيا، أي: من طول العمر وسعة الرزق وسلامة البدن].

التحذير من الاغترار بالدنيا بطول العمر وسعة الرزق، فأصحاب الأعمار الطويلة يقول لك: ما أموت، عش خمسين ستين، فيغتر وينخدع، كذلك المال والطعام والشراب ينسى الله عز وجل مغتراً بهذه الحياة الدنيا، لو عرف أنه مبتلى فيها وممتحن ليذكر ويشكر آمن ولن يجزع ويسخط، لكن إذا ما آمن وما عرف الطريق يا ويله، كيف يهتدي؟!

[رابعاً: التحذير من الشيطان ووجوب الاعتراف بعداوته، ومعاملته معاملة العدو، فلا يقبل كلامه، ولا يستجاب لندائه، ولا يخدع بتزيينه للقبيح والشر].

المهم يا معشر المستمعين والمستمعات! الشيطان لا يتمثل لنا في شكل إنسان أو حيوان، بل يوسوس الشيطان في قلوبنا وفي صدورنا، فكلما زين لك باطلاً العنه واتركه، وكلما حسن لك محرماً اجتنبه وابتعد عنه، وكلما دعاك إلى أن تترك عبادة أو تتخلى عن طاعة اجتنبه وابتعد عنه، وأنت حرب عليه والله ناصرك، فلا تستجب له.

[وأخيراً: بيان جزاء أولياء الرحمن أعداء الشيطان، وجزاء أعداء الرحمن أولياء الشيطان].

نعم في الآية بيان جزاء أولياء الله وجزاء أعداء الله، المؤمنون العاملون للصالحات في الجنة، والمشركون العابدون غير الله والكافرون في جهنم، وهذا في آخر الآية.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة فاطر (2) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net