إسلام ويب

علم الله عز وجل محيط بكل شيء، استخلف البشر في الأرض لينظر كيف يعملون، فمن كفر منهم فإن مصيره إلى الجحيم، وقد صور الله حال الكافرين يوم القيامة وهم في النار يصطرخون، سائلين الله أن يرجعهم إلى الدنيا ليعملوا صالحاً وكانوا قبل ذلك يلعبون، فيزجرهم المولى قائلاً لهم: اخسئوا فيها ولا تكلمون.

تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا...)

الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن الليلة مع سورة فاطر المكية، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات مجودة مرتلة، ثم نتدارسها إن شاء الله، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

بسم الله الرحمن الرحيم: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ * إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا [فاطر:36-39].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! في الآيات السابقة -وقد درسناها في الليلة السابقة- بين تعالى فضل هذه الأمة التي آمنت بكتابه القرآن الكريم، وبالذي نزل عليه وهو النبي محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، وآمنت بلقاء ربها، فكل من دخل في الإسلام منذ أن بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم فهو مسلم من المسلمين، قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [فاطر:32-33].

ولما ذكر الله عز وجل تلك الأمة الإسلامية، وما أعد لها وما هيأ لها من نعيم مقيم في الجنة، ناسب أن يذكر أمم الكفر، تلك الأمم التي جاء الإسلام فأعرضت عنه وأدبرت، بل وحاربته وما زالت تحاربه إلى اليوم، فاسمعوا ما يتم لهم وما يجري عليهم.

قال تعالى وقوله الحق: وَالَّذِينَ كَفَرُوا [فاطر:36] أي: بالقرآن ومن نزل عليه، وكفروا بالتوحيد وعبادة الله وحده، وكفروا بلقاء الله والجزاء على الكسب في هذه الدنيا.. وهؤلاء الكافرون قال تعالى فيهم: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ [فاطر:36] وجهنم طبقة، ودركة من دركات النار، ونارها أشد حرارة وأشد ألماً، والذين كفروا بالقرآن وبمن نزل عليه، وبما حواه ودعا إليه من عبادة الله وحده، هؤلاء الذين كفروا بيضاً كانوا أو حمراً، صفراً أو سوداً، عرباً أو عجماً هذا النوع يقول تعالى فيهم: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ [فاطر:36] وهذا نصيبهم، لا الجنة دار النعيم المقيم، بل: لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [فاطر:36] أي: لا يقضى عليهم بالموت فيموتون ويستريحون، فلا موت يوم القيامة أبداً، بل الموت الآن في دار الكسب والعمل والارتحال منها بالموت إلى الدار الآخرة، أما يوم القيامة وهم في الجحيم في نار جهنم أخبر تعالى أنهم لا يموتون، لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [فاطر:36]، ولو كانت الحياة دائمة والعذاب يخفف لهان الأمر، ولو كانوا يموتون ويستريحون، فلو يعذبون ألفي سنة أو مليون سنة ويموتون فسيكون هذا العذاب سعادة لهم، لكن لا هذا ولا ذاك، فلا يموتون فيستريحون ولا يخفف عنهم من عذابها.

وهذه إرادة الله سبحانه وتعالى، فهو خالق هذه العوالم كلها، الملائكة والإنس والجن والحيوانات والسماوات والأرضين، وخلق هذه العوالم كلها لحكم عالية، ما خلقهما لهواً ولا لعباً، فالذين آمنوا برسوله ومشوا وراءه فعملوا الصالحات وتجنبوا المحرمات، زكت نفوسهم وطابت أرواحهم، فأعد لهم دار النعيم المقيم الخالد الأبدي، والذين أعرضوا وتكبروا وأصروا على الشرك والفجور والمعاصي أعد لهم كذلك دار البوار جهنم -والعياذ بالله تعالى-، قال تعالى مخبراً عنهم: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [فاطر:36]، فنعوذ بالله من الكفر وأهله، ونعوذ بالله من النار وأهلها.

ثم قال تعالى كالتوقيع: كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36] أي: ممن كفروا قبل النبوة المحمدية في عهد موسى وداود وإبراهيم ونوح عليهم السلام، كل كفور أبيض كان أو أسود، في الأولين أو الآخرين، وهكذا يكون جزاء الله لكل كافر.

والكفور: كثير الكفر وكبيره، والعياذ بالله تعالى.

وأما الكفر: فالجحود لله، بأن قالوا: لا نؤمن بالله، والجحود بكتابه، بأن قالوا: لا نؤمن بأن هذا كتاب الله، والجحود لرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن قالوا: لا نؤمن بهذه الرسالة، والجحود بالشريعة.. وذلكم هو الكفران والكفر والعياذ بالله.

كذلك يجزي الله كل كفور، سواء كان ابن نبي أو أبا نبي، وقد علمنا أن آزر والد إبراهيم الرحيم، هو في جهنم، ووالد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النار؛ لأن الله العليم الحكيم أعد للنفوس ما يزكيها ويطهرها، وهو الإيمان والعمل الصالح، فمن آمن بالله ولقائه ورسوله، وعمل الصالحات زكت نفسه وطابت وطهرت، وأصبح أهلاً لرضا الله وجواره في الجنة، ومن انتكس وانعكس، وأقبل على الكفر والشرك والذنوب والآثام، فتدست نفسه وخبثت لن يرضاه الله في جواره ولن ينزله الجنة دار النعيم المقيم، ولكن أعد له دار البوار جهنم وبئس القرار، وهذا هو حكم الله: كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36].

تفسير قوله تعالى: (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل...)

قال تعالى مخبراً عن حال الكافرين في جهنم: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا [فاطر:37] أي: يصرخون بأعلى أصواتهم وهم يبكون -وقل ما شئت ولا أراك الله وجوههم-، ويقولون: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا [فاطر:37] أي: من النار نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37]، أي: نعمل العمل الذي يزكي نفوسنا ويطهرها من الخيانة، والغش والخداع، والكذب والكفر، والفسق والفجور.

لطيفة: ليس هناك كافر براً تقياً، فكل كافر خبيث النفس خبيث الروح، وسلوكه كله خبث -والعياذ بالله تعالى-؛ لأن ظلمة الكفر في نفسه، فلا يرى بها الحق ولا المعروف ولا الخير.

وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا [فاطر:37] يا ربنا أَخْرِجْنَا [فاطر:37] من النار نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37]، فيقول الله تعالى لهم -بواسطة ملائكته أو يخاطبهم ولا حرج-: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر:37] أي: أولم نطل أعماركم إلى الستين والسبعين سنة، أي: عمر طويل يتذكر فيه من تذكر، كيف تمضي الأربعون سنة والخمسون والستون والسبعون ولا تذكرون لِم خلقتم؟ ومن أجل ماذا خلقتم؟ وإلى أين تذهبون؟ ومن خالقكم؟ وهكذا ما تتذكرون؟

أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ [فاطر:37] أي: نطول أعماركم ونؤتكم بأعمار مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر:37]، فلهذا من عاش أربعين سنة انتهى عقله، قد كان يطيش أو يهيم أو يضل، فبعد الأربعين يجب أن يكمل عقله، وبعد ذلك يجب أن يتحاشى الذنوب والآثام، ويبتعد عن الفواحش والأباطيل والمنكرات؛ لأنه انسلخ من نصف عمره ودخل في النصف الثاني، أما من بلغ الستين فقد أعذر الله إليه، وكيف بالذي بلغ سبعين من السنين لا يفكر من خلقه؟ ولا يسأل: أنا من خلقني؟ فإذا قيل له: خلقك الله، يسأل: لِم خلقني؟ يقول: لتعبده، يقول: كيف نعبده؟ يقال له: افعل كذا وكذا، فيفعل، لكن يمضي عليه سبعون أو ستون سنة وهو لا يسأل، بل مغموس في الشهوات والأباطيل والمنكر واللعب واللهو.

ولهذا يوبخهم تعالى هذا التوبيخ: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] أي: جاءكم الذي ينذركم، أما بعث الله محمداً نذيراً للعالمين؟

وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] أيضاً النذير هو الشيب، فإذا ظهر الشيب في رأسك أو في وجهك اعلم أنك والله! تقترب من القبر.

وأيضاً النذير هو موت إخوانك أو أعمامك أو آبائك، أو أجدادك أو جيرانك، فكل من تدفنهم أليس موتهم نذير لك؟ فما بعد هذا النذير من نذير!

أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ [فاطر:37] أي: نطل أعماركم، ونعطيكم أعماراً يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر:37] هذا أولاً، وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37].

إذاً يقول تعالى بعد هذا التأنيب: فَذُوقُوا [فاطر:37] أي عذاب جهنم، وهو أصناف العذاب التي لا حد لها، فليست ناراً تحرقه فحسب، فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37]، والله! لا يوجد يوم القيامة من ينصر أولئك الظالمين.

هذا والله! في عالم الشقاء في جهنم فَذُوقُوا [فاطر:37] العذاب وصنوفه فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37] أي: ليس لهم من ينصرهم أو يخرجهم من النار، أو من يطفئ عليهم النار؛ لأن الله قضى بذلك وحكم، ولا ننسى أن أهل الإيمان والتوحيد إذا دخلوا النار لبعض ذنوبهم، يخرجهم الله تبارك وتعالى بعدما يحترقون ويصبحون كالفحم، وينبتون كما ينبت الزرع على باب الجنة.

تفسير قوله تعالى: (إن الله عالم غيب السموات والأرض إنه عليم بذات الصدور)

ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [فاطر:38]، فمن الكفار من كان يعرف ولا يريد أن يعبد الله عز وجل، ومنهم من كان عالماً ويصر على الكفر والفسق والفجور، والله مطلع على صدره، فلهذا يعذبه.

إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [فاطر:38] أي: لا يغيب في السماوات ولا في الأرض شيء عن الله، بل كل ذرة معلومة لله ومعروفة عنده في السماوات وفي الأرض.

إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [فاطر:38] أي: عليم بما في صدور العباد من خير أو شر، أو من إيمان أو كفر، أو من طاعة أو معصية، أو من حسد أو غير ذلك، إن الله عليم بذات الصدور.

ومن هنا يقولون: أخرجنا نعمل صالحاً، والله قد علم ما في صدورهم، وهو أنه لو أخرجهم من النار وردهم للحياة الدنيا لعادوا إلى الكفر والفسق والفجور، قال تعالى في آية أخرى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28]، وهذا نشاهده في بعض الناس إذا مرض يتألم ويبكي، وما إن يصح حتى يعود إلى الكفر والفسق والفجور، أو من نجده فقيراً مسكيناً يتسول، وما إن يستغني حتى يطغى ويتكبر، وينسى ذلك الوضع كله.

اعلموا معاشر المستمعين والمستمعات! أن ما في صدوركم معلوم لله معروف، فلنطهر صدورنا من الغش والخداع، والنفاق والكذب، والشك والريب، ولتكن صدورنا طاهرة نقية كظواهرها.

تفسير قوله تعالى: (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض...)

ثم قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ [فاطر:39] أي: هو الله وحده من جعلنا خلائف جيلا بعد جيل، وأمة بعد أمة، وهو الله عز وجل يخلف بعضنا بعضاً، ومائة سنة وسيأتي جيل يخلفنا، وهكذا الابن يخلف أباه وأمه، وهكذا يخلف الأخ أخاه.

وقال تعالى: فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ [فاطر:39]؛ لأننا شاهدنا أجيالاً كفروا وهلكوا، وأمماً كفرت وعذبها الله وأبادها، ولنعتبر بقوم عاد وثمود وفرعون و.. و..، بل وها نحن الآن نسمع بهذا الطوفان، بل وبهذا الخسف الذي ينزل الزلزال فهل تبنا؟

وهل بلغنا أن تركيا أعلنت توبتها إلى الله، وعملت بتحكيم شرع الله، وطالبت العلماء أن يحضروا توبةً إلى الله؟ ولكن والله ما فعلوا!

فهذا الطوفان الذي أصابها هل قالوا: من أصابنا؟ ولماذا أصابنا؟

لو قيل لهم: ربكم الذي فعل هذا، لقالوا: ندعوه ونعبده حتى يدفع عنا، لكن ما سألوا ولن يسألوا.

وباقي الأمم تسمع وتتخوف، لكن هل خافوا من الله؟ وهل سألوا عن الله، وهل بحثوا رجالهم عن الإسلام، ما هو؟ كيف يسلمون؟

الجواب: لا لا، ولهذا قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا [فاطر:39]

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ [فاطر:39]، أي: الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، فهيا بنا نعبده عبادة الحق، وعبادة العلم، فنزكي أنفسنا ونطهر أرواحنا ونتهيأ للقائه، والله! ما ندري أنصبح أو لا نصبح، فما لنا غافلون معرضون؟!

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ [فاطر:39] وأهلكه الله به وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [فاطر:39] يوم القيامة إِلَّا مَقْتًا [فاطر:39] أي: غضباً شديداً وعذاباً أليماً وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا [فاطر:39] في الدنيا والآخرة، فهل بلغكم أن دولة كافرة نجحت، وطابت وطهرت وسادت؟!

ما هو إلا الظلم والخبث والشر والفساد.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

قال: [ من هداية الآيات:

أولاً: بيان مر العذاب وأليمه الذي هو جزاء الكافرين].

بيان مر العذاب، وهذا العذاب الذي سمعتم هو جزاء الكافرين، فنبرأ إلى الله من الكفر وأهله.

[ثانياً: الإعذار لمن بلغه الله من العمر أربعين سنة].

أعذر الله من أعطاه أربعين سنة وما أماته، فلا يستطيع أن يعتذر يوم القيامة أبداً، فلو مات في سن العشرين أو في سن الثلاثين قد يعتذر: آه لو طال عمري لعبدتك! لكن إذا أعطاك أربعين أعذر إليك وما بقي لك عذر، فكيف بالخمسين أو الستين؟

[ثالثاً: الكافر يعذب أبداً لعلم الله تعالى به، وأنه لو عاش آلاف السنين ما أقلع عن الكفر ولا حاول أن يتوب منه فلذا يعذب أبداً].

هذه اللطيفة: لعلم الله تعالى بالكافرين علماً حقيقياً، هو يعلم أنهم لو عاشوا ملايين السنين ما عبدوا الله، لو أحياهم وردهم إلى الدنيا والله ما عبدوا، فلهذا جازاهم بالعذاب الأبدي الذي لا نهاية له.

[رابعاً: في كون البشرية أجيالاً جيلاً يذهب وآخر يأتي مجال للعظة والعبرة، والعاقل من اعتبر بغيره].

كون الناس يذهبون جيلاً بعد جيل فيه عظة كبيرة وعبرة للمعتبرين، أيها المستمعون! هل سيبقى هذا المجلس هكذا طول الحياة؟ والله! لنفقد بعضنا بعضاً يوماً بعد يوم، فلِم لا نتعظ؟ جيلاً بعد جيل، أمة بعد أمة، عائلة بعد عائلة إلى أين سيذهبون؟ ومن ذهب بهم؟

وهكذا حتى نقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونعبد الله ونمشي وراء رسول الله، فنحل ما أحل ونحرم ما حرم.

[خامساً وأخيراً: الاستمرار على الكفر لا يزيد صاحبه إلا بعداً عن الرحمة، ومقتاً عند الله تعالى، والمقت أشد الغضب].

الاستمرار على الكفر لا يزيد صاحبه إلا هوناً ودوناً وعذاباً وسخطاً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة فاطر (9) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net