إسلام ويب

الساعة آتية لا ريب فيها، فإذا قامت وعاين المجرمون أهوالها، فعندها يصدقون بما كانوا في الدنيا به يكذبون، فيدخلون النار يتقلبون في حرها وسعيرها، ويدعون الله عز وجل أن يضاعف العذاب لمن أغووهم في الدنيا من ساداتهم وكبرائهم، وكل منهم له ضعف ولكن لا يشعرون.

تفسير قوله تعالى: (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا * إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا [الأحزاب:63-68].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ [الأحزاب:63]، يقول الله تبارك وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ [الأحزاب:63]. والناس منهم الكافرون، ومنهم اليهود. فالعرب والمشركون يكذبون بالبعث الآخر، ويسخرون ويستهزئون بالحديث عنه؛ وذلك لظلمة نفوسهم، وجهلهم وكفرهم، فهم ما آمنوا بالدار الآخرة، ولا بما يتم فيها من جزاء على الكسب في هذه الدنيا. وأما اليهود فكانوا يسألون الرسول من باب الاختبار الامتحان هل يؤمن بالبعث والجزاء والدار الآخرة؟ لأنهم يؤمنون بالدار الآخرة؛ لأنهم أهل كتاب، فالتوراة بين أيديهم. فالفريقان يسألان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الله له: يَسْأَلُكَ [الأحزاب:63] أهل الكتاب عَنِ السَّاعَةِ [الأحزاب:63]. والمراد من الساعة: الساعة التي تقوم فيها القيامة، والساعة التي يفنى فيها هذا الكون، ويأتي الله بكون جديد. فهي الساعة التي تنتهي فيها هذه الحياة، ونقبل على حياة جديدة خالدة أبدية، لا تفنى ولا تنتهي يوم القيامة. فقال تعالى: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ [الأحزاب:63]. فأجبهم يا رسولنا! و قُلْ [الأحزاب:63] لهم: إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ [الأحزاب:63] ربي. وهو كذلك، فلم يطلع الله تعالى على الساعة ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، بل الملائكة المقربون كحملة العرش ككل الملائكة لا يوجد من يعلم فيهم متى تقوم الساعة، وكذلك جميع رسل الله وأنبيائه الذي أوحى إليهم وعلمهم، فإنه ما أعلمهم أبداً بيوم القيامة؛ لحكم عالية، ومن أظهرها: لو أن الناس يعلمون متى تكون فإنهم ما يعبدونه، وهذا كالموت، فلو يعلم الإنسان متى يموت غداً أو بعد غدٍ ما يعمل الآن. فأخفى الله تعالى شأن القيامة وشأن موت الإنسان، فلا يوجد بين الناس من يعلم أنه سيموت غداً أو بعد غدٍ، أو العام الفلاني أو الساعة الفلانية؛ ليبق ممتحناً مختبراً هل يعبد الله فيكمل ويسعد، أم يعبد الشيطان فيخسر ويشقى.

ثم قال تعالى: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [الأحزاب:63]. وإي والله إنها لقريبة، وقد أخبر تعالى بقربها في كتابه، إذ قال تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1]. وقال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]. والرسول الكريم يقول: ( بعثت أنا والساعة كهاتين، ويشير بأصبعيه السبابة والإبهام ). وليس بينهما فرق. وقد مضى الآن ألف وأربعمائة سنة وتسعة عشر عاماً، وما ندري متى تكون، ووالله ما ندري متى تظهر علامة من علامات الساعة الكبرى، ويومها تخمد الحياة، ويبقى المؤمن مؤمناً، والكافر كافراً. وعما قريب تظهر علامة من علامات الساعة الكبرى، وإذا ظهرت انتهى كل شيء، ويبقى المؤمن مؤمناً، والكافر كافراً، والبار باراً، والفاجر فاجراً. وقد قال تعالى: لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [الأحزاب:63]. وهي والله لقريب، وما قال: قريبة؛ لأن المراد بهذا أن يوم الساعة قريب.

تفسير قوله تعالى: (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً)

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ [الأحزاب:64] المكذبين بالبعث والجزاء، والمكذبين بتوحيد الله، والعابدين للأصنام والأحجار والشهوات، والكافرين برسولنا وما جاء به من الهدى، والكافرين بشرعنا، والكافرين برحمتنا وقدرتنا، فهؤلاء لعنهم الله، وأبعدهم من رحمته إبعاداً، فلا لا يرحمون أبداً، والعياذ بالله، وذلك بسبب إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ [الأحزاب:64]، وأبعدهم عن رحمته، وأذلهم وأخزاهم، وأشقاهم وأرداهم وأهلكهم. وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا [الأحزاب:64]، أي: وهيأ لهم وأحضر ناراً مستعرة، تحرق وجوههم، وتأكل لحومهم. وَأَعَدَّ [الأحزاب:64] وهيأ لَهُمْ سَعِيرًا [الأحزاب:64]. وهذا السعير هو النار المعروفة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشاهدها كما تشاهدون في التلفاز الذي يعرض فيه. فقد مر لما عرج به إلى الملكوت الأعلى، ودخل الجنة، وشاهد حورها وقصورها ونعيمها، وعند رجوعه عرضت عليه النار، فشاهد سعيرها ولهبها وشقاءها، والناس فيها.

ووالله إنه كان في هذا المسجد .. في هذا المحراب يصلي بالناس صلاة كسوف في النهار، وإذا به يتراجع إلى الوراء، ويتقهقر إلى الوراء، حتى اندهش المصلون، ثم بعد ذلك تقدم ومد يديه هكذا أمامهم، فسئل: لم فعلت هذا يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ( عرضت علي النار، فرأيت أكثر أهلها النساء ).وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وعرضت علي الجنة، فرأيت عنقود عنب في شجرة عنب، فهممت أن آخذه، ولو أخذته لأكلتم منه الدهر كله ). ولا يفنى، وهو غير قابل للفناء.

تفسير قوله تعالى: (خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً)

قال تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الأحزاب:65]. فيخلدون فيها خلوداً لا ينتهي، والآن الخلود عندنا طول العمر، خمسين عاماً .. ستين .. سبعين، ثم الموت لابد، ولا يخلد شيء في هذه الدار؛ لأنها ليست دار خلود، والكافرون كالمؤمنين، والصالحون كالفاسدين. فهي ما هي دار بقاء، بل دار عمل وامتحان للجزاء. ولكن دار الجزاء الأبدي لا تفنى أبداً.

والنار هيأها الله وأوجدها، وهي موجودة من قبل الآن بآلاف السنين أو ملايينها، فهي موجودة مهيأة للكافرين، وما إن يهلك الكافر إلا وتكون روحه في جهنم، ولكن بدون جسده، بل جسده في التراب، وروحه في النار. ويوم ما يبعث الله الخلائق ويخلق أجسامهم تدخل الأرواح في الأجسام، ويخلدون في النار بأرواحهم وأبدانهم، كما قال تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا [الأحزاب:65] يتولاهم، ويحاول إخراجهم من النار، أو إطفاءها عنهم، وَلا نَصِيرًا [الأحزاب:65] ينصرهم ويدافع عنهم أيضاً، وينقذهم من النار. ووالله لا ولي ولا نصير لهم أبداً. ولن يأتي الولي والنصير والله حكم بحكمه وقضى بقضائه وكتب الخلد عليهم في جهنم، فهم لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [الأحزاب:65].

تفسير قوله تعالى: (يوم تقلب وجوههم في النار ...)

قال تعالى مخبراً متى يخلد الكافرون في النار و لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [الأحزاب:65]: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [الأحزاب:66]. وأنتم تعرفون أن الشاوي الذي يشوي اللحم يقلبها هكذا. وكذلك وجههم تتقلب، مرة هنا ومرة هنا، وتتقلب في النار، وكذلك تتقلب وجوههم مرة سوداء ومرة خضراء، كما قال هنا: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [الأحزاب:66]، أي: وهم في داخل ذلك العالم، عالم الشقاء، الذي نارنا هذه التي نستوقدها ونطبخ طعامنا عليها جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، أي: قطعة من سبعين جزءاً. وقد أرانا الله إياها وأوجدها لنا لنتعظ، ولنرهب الله ولنخافه. ولكن الشياطين منعتنا، فالكافر يشاهد النار ولا يسأل من أين أتت، ولا من أين جاءت، ولا كيف يتقيها يوم القيامة.

قال تعالى: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66]. ويتمنون ولكن لا ينفعهم التمني، فهم يقولون: يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ [الأحزاب:66]، فعبدناه وحده، وما عصيناه، وأطعنا رسوله، فآمنا به واستجبنا له وأطعناه. ويقولون: يَا لَيْتَنَا [الأحزاب:66]! ولا ينفع هذا التمني والبكاء.

وقوله: يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66]، تقف عليها هكذا، وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66]. والأصل: (وأطعنا الرسول). ولكن هنا إذا وقفت تقف عليها بالألف، فتقول: وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66]. الرسول هو الذي أرسله إليهم، فنوح مع قوم نوح، وإبراهيم مع قوم إبراهيم، وعيسى مع قوم عيسى، ومحمد مع قوم محمد، فهو الرسول الذي أرسله الله إلينا؛ ليعلمنا وليهدينا وليبصرنا. فالواجب أن نؤمن به، ونمشي وراءه، ونقلده ونتبعه؛ حتى نكمل ونسعد، ولكنهم حاربوه، وحاولوا قتله، وكذبوه وكفروا بما جاء به. وهذا هو جزاؤهم إذاً.

تفسير قوله تعالى: (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا)

قال تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا [الأحزاب:67]. والسادة هم الذين كانوا يسودونهم ويحكمونهم، وهم كبراءهم في الشرف والمال والسلطان. فقالوا: أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا [الأحزاب:67]، أي: فأضلونا عن الطريق المسعد المنجي، وأبعدونا عن طريق الحق، وتركونا في طريق الباطل، فعبدنا الشيطان وعصينا الرحمن، وفسقنا عن أمر الله، وأطعنا الشيطان، والعياذ بالله.

وهذه الآية يجب أن نعيها، وأن نفهم معناها. فإياك أن تطيع في معصية الله أحداً كائناً من كان، سواء كان جباراً .. سلطاناً .. ملكاً .. عزيزاً، وقل ما شئت.

وقد كان الخرافيون يطيعون مشايخهم الضلال، ويعتبرونهم كبراء عندهم. والآية الكريمة تقول: لا يعبد إلا الله، فهو الخالق الرازق المدبر، الذي إليه مصير كل شيء. فإذا أمرك بأمر فيجب أن تطيعه، وإذا أمرتك أمك .. أبوك .. سلطانك .. ملكك بأن لا تفعل هذا فلا تستجب، إلا حالة الإكراه؛ إذ قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]. وأما إذا لم يكن هناك إكراه، وأمر الحاكم بفعل كذا أو ترك كذا مما هو معصية لله ورسوله فلا طاعة. واسمعوا كلمة الطائعين في هذا: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا [الأحزاب:67]. وفي قراءة: (سادتِنا). وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا [الأحزاب:67]. وأبعدونا عن طريق الحق. فأحلوا لهم المحرمات، وحرموا عليهم المحللات. وهذا مشاهد في العالم، ومرئي مسموع. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، اللهم إلا في حال الإكراه، فإذا لم تطق العذاب وطلب منك أن تقول أو تفعل فافعل، ولكن قلبك ينبغي أن يبقى مملوءً بالإيمان، كارهاً لذلك الفعل، غير راضياً عنه.

تفسير قوله تعالى: (ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً)

قال تعالى حاكياً بأن الداعين على سادتهم وكبرائهم يقولون أيضاً: رَبَّنَا [الأحزاب:68]! أي: يا ربنا! آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ [الأحزاب:68]، أي: يا رب! ضاعف العذاب لهؤلاء الرؤساء والسادة الذين أضلونا لما أطعناهم، ويا رب! اجعل العذاب يضاعف عليهم، ويعذبون مثلما نعذب مرتين وضعفين، والاثنان ضعفهما أربعة، والثلاثة ضعفها ستة، فاجعل عذابنا ضعفين لهم؛ مقابل أنهم هم الذين أضلونا عن الهدى وأبعدونا عن طريق الحق، فعصينا الرحمن وعبدنا الشيطان. فهم يقولون: رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا [الأحزاب:68] كثيراً. وهذه قراءة سبعية، وهي المشهورة، وما قرأ كَبِيرًا [الأحزاب:68] إلا حفص . والكبير كثير أجراؤه، والكثير كبير. فهم يقولون: وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا [الأحزاب:68] لا ينقطع، وأبعدهم عن الرحمة، وأبعدهم عن رضاك، وزدهم عذاباً وبلاءً وخسراناً أبداً. هذا دعوة الهالكين في جهنم على من أضلوهم وكفروهم، وفسقوهم وفجروهم. فهم يدعون عليهم هكذا.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

إليكم شرح الآيات من الكتاب مرة ثانية، فتأملوا يرحمكم الله.

قال: [ معاني الآيات:

قوله تعالى: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ [الأحزاب:63]، أي: ميقات مجيئها. والسائلون مشركون وأهل الكتاب، فالمشركون يسألون عنها استبعاداً لها، فسؤالهم سؤال استهزاء ] كما كانوا في مكة [ واليهود يسألون امتحاناً للرسول صلى الله عليه وسلم، فأمره تعالى أن يجيب السائلين بجواب واحد، وهو إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:63]، أي: انحصر علمها في الله تعالى؛ إذ أخفى الله تعالى أمرها عن الملائكة والمقربين منهم، والأنبياء والمرسلين منهم كذلك، فضلاً عن غيرهم. فلا يعلم وقت مجيئها إلا هو سبحانه وتعالى.

وقوله تعالى: وَمَا يُدْرِيكَ [الأحزاب:63]، أي: لا أحد يعلمك بها أيها الرسول!

وقوله: لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [الأحزاب:63]، أي: وما يشعرك يا رسولنا! لعل الساعة تكون قريبة القيام، وهي كذلك، قال تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ [الأنبياء:1]. وقال: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر:1]. فأعلم بالقرب ولم يعلم بالوقت؛ لحكم عالية؛ منها: استمرار الحياة كما هي حتى آخر ساعة.

وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا [الأحزاب:64]، المكذبين بالساعة المنكرين لرسالتك الجاحدين بنبوتك لعنهم، فطردهم من رحمته، وأعد لهم ناراً مستعرة في جهنم. خَالِدِينَ فِيهَا [الأحزاب:65]، إذا دخلوها لم يخرجوا منها أبداً. لا يَجِدُونَ وَلِيًّا [الأحزاب:65]، أي: يتولاهم، فيدفع العذاب عنهم، وَلا نَصِيرًا [الأحزاب:65]، أي: ينصرهم ويخلصهم من محنتهم في جهنم.

وقوله ] تعالى: [ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [الأحزاب:66]، تصرف من جهة إلى جهة، كما يقلب اللحم عند شيه، يقولون عند ذلك: يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66]. يتحسرون متمنين لو أنهم أطاعوا الله وأطاعوا الرسول في الدنيا، ولم يكونوا عصوا الله والرسول.

وقوله تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا [الأحزاب:67]، هذه شكوى منهم واعتذار. وأنى لهم ] أي: وكيف لهم [ أن تقبل شكواهم، وينفعهم اعتذارهم؟ ] فقالوا: [ أطعناهم فيما كانوا يأمروننا به من الكفر والشرك وفعل الشر، فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا [الأحزاب:67]، أي: طريق الهدى، فعشنا ضالين، ومتنا كافرين، وحشرنا مع المجرمين. رَبَّنَا [الأحزاب:68]! أي: يا ربنا! آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ [الأحزاب:68]، أي: ضاعف يا ربنا! لسادتنا وكبرائنا الذين أضلونا ضاعف لهم العذاب، فعذبهم ضعفي عذابنا. وَالْعَنْهُمْ [الأحزاب:68]، أي: وأخزهم في العذاب خزياً كبيراً، يتوالى عليهم دائماً وأبداً ].

هداية الآيات

قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:

[ من هداية ] هذه [ الآيات ] المباركة:

أولاً: بيان أن علم الساعة استأثر الله به، فلا يعلم وقت مجيئها غيره ] هذه أول هداية في الآيات، وهي: أن علم الساعة استأثر الله بها فقط، ولا يعلمها ملك ولا نبي ولا رسول، فضلاً عن غيرهم. وهذه عقيدة كل مؤمن ومؤمنة.

[ ثانياً: بيان أن الساعة قريبة القيام، ولا منافاة بين قربها وعدم علم قيامها ] فقرب الساعة متأكد ويقيني، ووالله إنها لقريبة؛ إذ أخبر الله تعالى بقربها في آيتين وأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثم لا منافاة بين قربها وبين عدم معرفتها، فمثلاً: الموت نعرف الآن أنه قريب، ولكن ما نعرف متى نموت. فلا فرق بين قربها وبين عدم علمها.

[ ثالثاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوال الكافرين فيها ] وهذا هو السر في هذه الحياة. فإن قيل لك: لم خلق الله هذه الحياة؟ فقل: خلقنا لنعبده بذكره وشكره، المتمثل في طاعته في أمره ونهيه. والسر في خلق الحياة الثانية والعلة من وجودها: الجزاء على العمل في هذه الدنيا، فالآن العمل صالح وفاسد، والجزاء والله شقاوة وسعادة.

[ رابعاً: بيان أن طاعة السادة والكبراء في معاصي الله ورسوله يعود بالوبال على فاعليه ] كما علمتم. فطاعة السادة والكبراء والحاكمون والمتصرفون والمشايخ والمربون والمعلمون في معصية الله ورسوله مصير صاحبها الهلاك والدمار. فلهذا لا يحل أن تطيع أباك ولا أمك، ولا شيخك ولا زميلك، ولا أميرك ولا حاكم في معصية الله ورسوله، اللهم إلا في حال الإكراه بالتعذيب والضرب والقتل، هنا أذن لك أن تقول ما يطلبون منك أن تقول، ولكن قلبك ينبغي أن يبقى مملوءً بالإيمان؛ لقوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106].



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأحزاب (19) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net