إسلام ويب

بعد أن ذكر الله حال المكذبين بيوم الدين، وما ينتظرهم يوم القيامة من العذاب الأليم، ذكر هنا أوصاف المؤمنين، الذين يدخلهم الله جنات النعيم، فذكر من ذلك أنهم كانوا في الدنيا محسنين، وكانوا لا ينامون من الليل إلا أقله، ويبذلون من أموالهم لأهل الفقر من سائل ومحروم، ويقومون لله في الأسحار يستغفرون.

تفسير قوله تعالى: (إن المتقين في جنات وعيون)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن مع سورة الذاريات المكية، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة الآيات، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:15-23].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! بعد أن بين تعالى مصير المكذبين بالبعث والجزاء والدار الآخرة، أولئك المشركون الكافرون، وهم في جهنم خالدون؛ ذكر هنا ما وعد به المتقين المؤمنين الموحدين، فقال عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الذاريات:15]، إذا كان الفاجرون الكافرون في الجحيم؛ فالمتقون في جنات النعيم، والمتقون من هم يرحمكم الله؟

واحدهم متق، من هو المتقي؟ الذي يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية تقيه من عذاب الله، فما هذه الوقاية؟ هل هي جبال، حصون، جيوش؟ ما هي إلا الإيمان والعمل الصالح، والبعد عن الشرك والعمل السيئ، بهذا يتقى الله عز وجل، بم يتقى الله؟

بطاعته وطاعة رسوله، بفعل الصالحات وترك المحرمات، بهذا تتم الوقاية للعبد، فلا يعذبه الله يوم القيامة، بل لا يهينه ويذله في دار الدنيا.

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ [الذاريات:15] والجنات: جمع جنة، والمراد من الجنة البستان الذي أشجاره تجن وتغطي، والعيون تجري في تلك البساتين تحت القصور والأشجار، ألا وهي الجنة للمتقين الذين اتقوا ربهم فما كفروا ولا فجروا، مصيرهم الجنة، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الذاريات:15] اللهم اجعلنا منهم.. اللهم اجعلنا منهم.

تفسير قوله تعالى: (آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين)

آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ [الذاريات:16] مستلمين ما أعطاهم من أنواع النعيم المقيم في الجنة، من مآكل، مشارب، ملابس، مطاعم، فوق ما تتصور أو تدرك.

آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ [الذاريات:16]، وعلل تعالى ذلك بقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ [الذاريات:16] إنهم قبل هذا الإنعام في الجنة محسنين في الدنيا.

ومن هو المحسن، وما هو الإحسان؟

الإحسان فسره النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل لما جاء في صورة إنسان، وسأله عن الإحسان، فقال: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه )، إذا قمت في الصلاة أو الرباط أو الصدقة أو الزكاة أو الذكر، إذا قمت في العبادة تعلم أن الله يراك، تعبده كأنك تراه؛ حتى تحسن العبادة وتتقنها وتجودها، فإن عجزت عن هذه المرتبة وهي سامية وعالية فدونها أن تعبد الله وأنت موقن بأن الله يراك، ومن ثم تحتاج إلى إصلاح العبادة، كيف ينظر إليك الله ولا تصلح عبادتك؟

فالإحسان هو أن تؤدي العبادة على الوجه المطلوب، سواء كانت وضوءاً أو غسلاً أو كانت صلاة ذات ركوع وسجود، أو كانت رباطاً أو جهاداً، العبادة نحسنها ونتقنها ونجودها، من أجل ماذا؟ من أجل أن تثمر ثمرتها، ألا وهي تزكية النفس وتطهيرها؛ إذ سر العبادة وثمرتها ونتاجها: تزكية النفس وتطهيرها، واقرءوا: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] بم تزكو النفس، بم تطيب، بم تطهر؟ بالماء والصابون؟ الجواب: لا، ولكن بالعمل الصالح.

فهؤلاء المتقون أهل الجنة قال تعالى عنهم: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ [الذاريات:16] وكما يحسنون العبادة ويتقنونها ويجودونها حتى تزكي نفوسهم وتطهرها، هم كذلك يحسنون إلى عباد الله ولا يسيئون، لا إلى قريب ولا إلى بعيد، ليس من وصفهم أنهم يسيئون، بل يحسنون، والله يحب المحسنين، يحسنون في القول والعمل كما يحسنون في الاعتقاد والتصديق، يحسنون أيضاً مع الناس فلا يسيئون ولا يظلمون ولا يعتدون ولا يجورون.

إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ [الذاريات:16] هذه صفة.

تفسير قوله تعالى: (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون)

ثانياً: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17] أي: ما ينامون، أي: لا ينامون من الليل إلا قليلاً منه، وأكثره هم عابدون فيه راكعون ساجدون، ولنعلم أنهم كانوا إذا صلوا المغرب فالمنافقون ينامون، ما يصبرون حتى يصلوا العشاء، فلهذا من يصلي المغرب في المسجد ويبقى في المسجد ويصلي العشاء فينام ثلاث ساعات ويقوم الليل ينتظم في سلك هؤلاء الذين وصفهم الله بقوله: قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17]، والذين ما يصلون العشاء وينامون عنها ولا يصلون الصبح وينامون عنها ما هم من أهل هذه الصفات بحال من الأحوال.

ومعنى هذا: أننا نرجو أن نكون ممن قال الله فيهم: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17] أي: ما ينامون.

تفسير قوله تعالى: (وبالأسحار هم يستغفرون)

ثالثاً: وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18] والأسحار: جمع سحر، وقت السحور، وهو السدس الأخير من الليل، السدس الأخير من الليل هو وقت السحور، وهو وقت الاستغفار، تستغفر الله: أستغفر الله لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات، أستغفر الله وأتوب إليه، أستغفر الله العظيم، ما دمت في هذا الجزء من الليل، فالوقت هذا وقت استغفار، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18].

والذين يبيتون أمام التلفاز والشاشات هل يصلون الصبح؟ ما يصلونها، إذاً: كيف يستغفرون بالأسحار؟ ما يعرفون وقت السحور، مع أن هذا الوقت ينزل فيه الرب إلى سماء الدنيا وينادي عباده المؤمنين: ادعوني أستجب لكم، استغفروني أغفر لكم، وهذه ضربة قاسية في فتنة هذا التلفاز في البيوت والعكوف حوله، فقد بدل الحياة وغير نظام الإسلام، فأصبح أكثر الناس لا يصلون الصبح ولا يشهدونها، نبرأ إلى الله من هذا الصنيع، ونتوب إليه إن فعلنا مثله.

تفسير قوله تعالى: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)

رابعاً: من صفاتهم التي ورثوا بها هذا النعيم في الجنة: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19] هذا تدخل فيه الزكاة أولاً، الزكاة الفريضة والقاعدة من قواعد الإسلام تكون في الدينار والدرهم، في الأنعام، في الحيوانات، في الثمار، في الحبوب، هؤلاء المتقون أهل الجنة في أموالهم حق للسائل والمحروم، لمن يسألهم ولمن لا يسألهم، فمن هو المحروم؟

المحروم ذاك الذي يستحي أن يسأل فيقول: أعطني أنا فقير أو ما عندي شيء، فهؤلاء هم المحرومون؛ لأنهم ما يسألون، أما السائلون والطالبون فيعطون بسرعة؛ لأنهم يسألون، ويبقى من لا يسأل لحيائه وعفته، هذا ما ينسى، هذا يعطى الزكاة وغير الزكاة.

والآية تشمل الزكاة وتشمل الصدقة مطلقاً، تخرج زكاتك في الربيع أو في الصيف، وطول العام وأنت تنفق من مالك على السائل والمحروم، لا في وقت واحد.

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19] بمعنى: واجب عليهم يدفعونه، ويعطونه لمن سأل ولمن لم يسأل لعفته وحيائه.

تفسير قوله تعالى: (وفي الأرض آيات للموقنين)

ثم قال تعالى: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ [الذاريات:20]، وفي الأرض هذه التي نعيش عليها آيات وعلامات تدل على ماذا؟ على وجود الله، وعلى حلمه ورحمته، على علمه وقدرته، على عظمته وجلاله، تلك المستوجبة لعبادته وحده دون من سواه، وإذا دلت على وجود الله وعلى علمه وقدرته ورحمته دلت على وجود الدار الثانية والبعث الآخر والحياة الآخرة، دلت على أن محمداً رسول الله، وعلى أن هذا القرآن كلام الله؛ لأن الآيات نزلت في مكة وهم يكذبون بألوهية الله وبرسول الله، وبالبعث الآخر يوم القيامة، قال تعالى: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ [الذاريات:20] لمن؟ لِلْمُوقِنِينَ [الذاريات:20] لأنهم أحياء بصراء، يفهمون ويعرفون، أما أموات القلوب والنفوس -والعياذ بالله تعالى- فما يشاهدون شيئاً، ما يسأل فيقول: لم السماء فوقنا؟ ما يقول: ما هذه الكواكب؟ وينزل المطر فما يقول: لماذا نزل المطر؟ أين كان المطر؟ يأكل ويشرب وما يسأل: لماذا أكل وشرب؟ كيف يأكل وكيف يشرب؟

والشاهد عندنا: أن هذه الآيات الكونية يستفيد منها وينتفع بها الموقنون، أي: المؤمنون البالغون درجة اليقين في إيمانهم، ليس مجرد إيمان، بل هو اليقين، والذين لا يقين لهم أو لا إيمان لا يشاهدون شيئاً في الأرض، وإلا فلو كانوا عقلاء لقالوا: من جاء بالليل؟ من يذهب به؟ من يأتي بالنهار؟ لا بد من فاعل فمن هو؟ لا بد أن نسأل عنه من هو؟ فيقال لنا: إنه الله، فنؤمن بالله.

هذه الأطعمة وهذه الأشربة وهذه المياه من أوجدها؟ من خلقها؟ فهم حيوانات وبهائم عميان؛ لأنهم لا بصيرة لهم لكفرهم والعياذ بالله، أما أهل الإيمان واليقين فيشاهدون آيات الله في الكون حتى في البعوضة والنملة فتتجلى لهم قدرة الله وعلمه وحكمته.

تفسير قوله تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)

قال تعالى: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ [الذاريات:20]، وَفِي أَنفُسِكُمْ [الذاريات:21] أيها العميان أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] انظر إلى نفسك تأكل هذا الطعام، من أين جاءك هذا الطعام؟ من خلقه؟ كيف يتحول هذا الطعام إلى غذاء وتنمو به أعضاؤك وعظامك، وتسلم وتكمل؟ هذا الماء الذي تشربه كيف يتحول إلى بول منتن عفن؟ كيف أنت تنطق؟ أخبرنا كيف تسمع؟ كيف تمد يدك وتمشي برجلك؟ من خلقك؟

وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] من فكر في نفسه فقط عرف أنه مخلوق، والمخلوق لا بد له من خالق، فيذهب إلى الشرق والغرب يسأل عن خالقه، ما دمت ما وجدت من يدلك فابحث عنه في الشرق والغرب فيقال لك: إنه الله، فتقول: آمنت به.. آمنت به.

وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] من أوجد أصابعك، أناملك، أظفارك، حاجبك في عينك؟ اسأل: من الخالق، من الموجد؟ فلا بد وأن يقال لك: الله، فتؤمن بالله، والله! إن فينا من أعظم الآيات الدالة على وجود الله وعلى علمه وقدرته وعظمته وجلاله، وبذلك استحق أن يعبد وحده ولا يشرك بعبادته.

وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] يخاطب الكفرة المشركين الذين يكذبون بالبعث والدار الآخرة، الذين يشركون مع الله الأصنام والأحجار ويعبدون غير الله تعالى.

تفسير قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون)

ثم قال تعالى: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22] من يقول: لا فهو مجنون، هذه الأمطار التي تصب في الأرض وتنبت بها النباتات والزروع من أوجدها؟ آباؤنا، أجدادنا، أمهاتنا، السحرة والدجالون؟

فرزقنا من السماء، وكل ما نوعد به من خير أو شر -والله- في السماء عند الله عز وجل، هذه السماء التي يجهلونها، وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22] من عذاب مقيم أو نعيم دائم؛ إذ حكمه إلى الله وهو الذي يعذب ويرحم، وكتاب المقادير حوى ذلك كله، حوى السعادة والشقاء، فعجباً لهذا القرآن، كلام من هذا؟ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22].

تفسير قوله تعالى: (فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون)

ثم اسمعوا الرب تعالى يقسم بنفسه، فيقول: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الذاريات:23] أقسم الله تعالى بنفسه؛ إذ لا إله غيره ولا رب سواه، وله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الذاريات:23] من رب السماء والأرض؟ هل من خالق خلق السماء أو خلق الأرض غير الله؟ والله! لا وجود لخالق إلا الله، فهو ربهما وخالقهما ومالكهما.

فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ [الذاريات:23] أي: الموعد والجزاء يوم القيامة حق؛ لأنهم كذبوا بالبعث والدار الآخرة، وسر ذلك أن يستمروا على الشرك والباطل والشر والخبث والفساد فقط، والآن هناك ملايين البشر من بيض وحمر وصفر يعتقدون أن لا بعث ولا آخرة، من أجل أن يستمروا على الفسق والفجور والظلم والشر والفساد، هذه هي العلة.

وأهل مكة المشركون كانوا يعتقدون أن لا بعث ولا جزاء، فكانت هذه الآيات تنزل عليهم، وهداهم الله عليها وآمنوا بالله ولقائه.

هكذا يقول تعالى: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ [الذاريات:23] أي: القيامة والبعث والعودة والدار الآخرة لَحَقٌّ [الذاريات:23]، (إنه) أي: محمد رسول الله لحق، أي: لا إله إلا الله حق، مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:23] هل هناك من ينفي أنه ينطق؟ حين تقول: يا عثمان! أعطني ماء هل تشك في هذا النطق؟ فموعد لقاء الله أحق من هذا، مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:23] وهل فينا من ينفي نطقه فيقول: أنا لا أنطق؟ ها هو ينطق، فحين يقول: أنا لا أنطق أما نطق؟ حق لا بد منه، كذلك البعث والدار الآخرة حق، كذلك نبوة رسول الله حق، كذلك توحيد الله حق، والسورة مكية كما علمتم، والمكيات مهمتهن إيجاد عقيدة سليمة صحيحة يصبح صاحبها قادراً على أن يعبد الله بما شرع له من أنواع العبادات؛ إذ الشرائع نزلت في المدينة، أما مكة ففيها الآيات التي تقرر أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن البعث الآخر حق الدار الآخرة حق؛ ليتهيأ بذلك العبد لأن يعبد الله الليل والنهار وهو مسرور فرح بذلك.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

والآن مع هداية الآيات.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

[ هداية الآيات:

من هداية الآيات:

أولاً: بيان ما للمتقين من نعيم مقيم في الدار الآخرة ].

من هداية هذه الآيات أولاً: بيان نعيم أهل الإيمان والتقوى في الآخرة، بين تعالى لنا نعيم المتقين في الجنة بهذه الآية الأولى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ [الذاريات:15-16].

[ ثانياً: بيان صفات المتقين من التهجد بالليل والاستغفار في آخره والإنفاق في سبيل الله ].

بيان صفات المتقين وما أكثرها، ومن بينها هذه الصفات الثلاث في هذه الآية: التهجد، والاستغفار في السحر وقيام الليل بالصلاة، والإنفاق في سبيل الله من الزكاة وغير الزكاة.

[ ثالثاً: بيان أن في الأرض كما في الأنفس آيات، أي: دلائل وعلامات على قدرة الله على البعث والجزاء ].

في الأرض والسماء آيات عظيمة تدل على وجود الله، على قدرته، على علمه، على حكمته، على ربوبيته، على ألوهيته، على البعث الآخر، فنحتاج إلى أن نتذكر وننظر ونتفكر فقط، وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ [الذاريات:20].

[ رابعاً: بيان أن في السماء رزق العباد، فلا يُطلب إلا من الله تعالى، وأن ما نوعده من خير وشر أمره في السماء ومنها ينزل بأمره تعالى، فليكن طلبنا الخير من الله دائماً وتعوذنا من الشر بالله وحده ].

هذه الهداية لطيفة: ما دمنا آمنا بأن رزقنا في السماء وأن الخير والشر كله عند الله؛ فهل يجوز أن نطلب غير الله؟ أي عقل يجيز هذا وأنت موقن أن رزقك في السماء وما تطلبه في السماء؟ فارفع يديك إلى الله، كيف تدعو فلاناً وفلاناً، أو صنماً أو حجراً؟

لقد أخبر تعالى فقال: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22] فما بقي لكم أمل في الأرض أبداً، لا رجاء لأحد، ما معنا إلا الله فقط، رزقنا وما نرجوه وما نريده كله في السماء، إذاً: فلا ندعو إلا الله، ولا نتوسل إلا إلى الله، ولا نستغيث إلا بالله، ولا نطرح إلا بين يدي الله، وهذا هو شأن المؤمنين المتقين.

[ يروى أن الحسن رحمه الله تعالى كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه: فيه والله رزقكم، ولكنكم تحرمونه بخطاياكم ].

الحسن البصري من الصالحين من السلف، كان إذا رأى السحاب قال للناس: انظروا، هذا السحاب رزقكم، ولكن تمنعونه بذنوبكم، فيمر السحاب وما ينزل مطر.

قال المؤلف في الهامش: [ وذكر القرطبي عند تفسير هذه الآية قصة مأثورة عن الأصمعي ، خلاصتها: أن أعرابياً قال له: اقرأ علي من كلام الرحمن شيئاً. فقرأ عليه: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22] ففهمها الأعرابي على حقيقتها، فكسر قوسه ونحر بعيره، فتصدق به وتاب إلى ربه، ولقيه بعد سنة فطلب منه أن يسمعه من كلام الرحمن، فقرأ عليه: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ [الذاريات:23] فأخذ الأعرابي رداءه وهو يقول: من يُغضب الرحمن؟ من يُغضب الرحمن؟ وما زال يرددها حتى مات ].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الذاريات (2) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net