إسلام ويب

إن الذين يُعبدون من دون الله سواء كانوا أنبياء أو صالحين، أو ملائكة أو شياطين، أو أمراء أو سلاطين، لا يملكون لأنفسهم الشفاعة يوم القيامة فضلاً عن أن يملكوها للآخرين، ممن عبدهم من دون الله من المشركين، فعلى أهل العقول العارفين أن يخلصوا دينهم لرب العالمين، حتى يكونوا يوم العرض عليه من الناجين.

تفسير قوله تعالى: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فها نحن مع هذه الآيات من خاتمة سورة الزخرف المكية، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86-89].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86].

عبدة الملائكة كعبدة عيسى، كعبدة العزير، كعبدة الأصنام والأحجار، هؤلاء يعبدونهم بحجة أنهم يشفعون لهم عند الله في الدنيا والآخرة، يعبدونهم بأنواع العبادات، يشركون بهم في عبادة الله بحجة أو بزعم أنهم يشفعون لهم عند الله يوم القيامة، فاسمع الخبر:

يقول تعالى: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ [الزخرف:86] أبداً يوم القيامة ولا في الدنيا أيضاً إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ [الزخرف:86] شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، شهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى عبد الله ورسوله، شهد بالحق وهو يعلم ما يشهد به ويقول.

حكم إيمان المقلد وشهادته

وهنا اسمعوا أهل العلم يقولون: إيمان التقليد لا ينفع، شهادة التقليد لا تنفع، لا بد من العلم؛ لقول الله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ [الزخرف:86] والحال أنهم يعلمون ما شهدوا به.

فأنت إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله فهل عرفت أنه لا يوجد إله يعبد بحق إلا الله؟ فإن عرفت وعلمت؛ لأنك نظرت إلى الخلائق كلها فوجدتها مخلوقة مربوبة، وأن لها خالقاً هو الله، فهو خالق كل شيء، ومالك كل شيء ورب كل شيء، فمن ثم شهدت أنه لا يستحق أن يعبد إلا هو، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله.

وكذلك شهادة أن محمداً رسول الله مع علمك بها، حين تقول: أشهد أن محمداً رسول الله كيف عرفت؟ ما هو علمك؟ فتقول: علمت أن الله أنزل عليه كتابه القرآن العظيم، لولا أنه رسوله لما أنزل عليه هذا القرآن، فشهدت لأن الله عز وجل أخبر أنه أرسله وأنه نبيه ورسوله إلى البشرية، شهدت لأن ملايين المؤمنين والمؤمنات يشهدون هذه الشهادة، وأنا أشهدها على علم. فلا بد أن تكون شهادة العبد على يقين وعلم، لا مجرد أنه سمع الناس يقولون فقال.

الأدلة والبراهين على وحدانية الله تعالى وصدق الرسالة المحمدية

فكيف شهدنا أنه لا إله إلا الله؟ ما أدلتنا؟ ما براهيننا؟ ما هي علومنا؟

الجواب: نبدأ بأنفسنا، أنا مخلوق، فمن خلقني؟ أمي مخلوقة فمن خلقها؟ أبي مخلوق فمن خلقه؟ هذه الشمس وهذا القمر مخلوقان فمن خلقهما؟ هذه الكائنات حولنا وبين أيدينا ووراءنا وأمامنا، وهذه الموجودات من أوجدها؟ لا بد من موجد لها، وموجدها يستحيل أن يكون غير قادر على كل شيء، ويستحيل أن يكون غير عليم بكل شيء، ويستحيل أن يكون غير حكيم في كل شيء، ومن ثم ليس هناك إلا الله، هو الإله الحق، هو الذي نشهد بأنه لا إله إلا هو، فجميع الآلهة التي عبدها الجهال ليست شيئاً أبداً ولا تستحق العبادة، ولا هي آلهة حق، ولكن الإله الحق هو الله خالقنا وخالق كل شيء، وربنا ورب كل شيء، وهو على كل شيء قدير، شهادة على علم.

وشهدنا أن محمداً رسول الله، والملايين من المؤمنين والمؤمنات شهدوا بذلك، وأعظم ذلك معجزاته التي بلغت ألف معجزة وزيادة، كل معجزة تدل على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعظم من ذلك كله القرآن الكريم الذي في صدورنا وبين أيدينا، فعلى من نزل؟ قطعاً ما نزل إلا على محمد بن عبد الله، إذاً: فهو -والله- لرسول الله، وكيف يوحي إليه وينزل عليه كتابه ولا يكون رسوله؟

فنشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بعلم، كما قال تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86] والحال أنهم يعلمون بشهادتهم التي شهدوها.

أما أن يقول العبد: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وما يعرف؛ فإنه ما ينتفع بهذا؛ لأن الله اشترط العلم فقال: وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86] والحال أنهم يعلمون، ليس مجرد كلمة لا إله إلا الله.

ومن ثم فالذي يشهد على علم أنه لا إله إلا الله والله! ما يعبد غير الله أبداً، لا بركوع ولا سجود ولا دعاء ولا خوف ولا حب، لا يعبد إلا الله الذي شهد أنه لا معبود إلا هو، والذي شهد أن محمداً رسول الله لا يستطيع أن يعيش إلا على ما كان عليه رسول الله، وما بينه رسول الله من العبادات والطاعات والصالحات؛ لعلمه.

ولهذا يقول تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] فالذي ما عرف جلال الله ولا كماله ولا عظمته ولا قدرته كيف يخاف الله؟ كيف يحبه؟ كيف يطيعه؟ إن لم يكن علم وأيقن أنه رب كل شيء وأنه على كل شيء قدير، يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يعز ويذل، فلذلك يخافه وما يقوى على معصيته أبداً، ما يقدر على معصية الله لا بترك واجب أوجبه الله ولا بفعل محرم حرمه الله.

وهذا هو الواقع، فأكثر الفساق والفجار والظلمة والمعتدين والمبطلين جهال ما عرفوا الله ولا محابه ولا مكارهه، فلهذا طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وبدون العلم بالله ومحابه ومكارهه وما عنده لأوليائه وما لديه لأعدائه؛ كل هذا إذا لم يعرفه العبد فلن يستطيع أن يتقي الله.

صحة موافقة الله تعالى والملائكة وأولي العلم في الشهادة بالوحدانية

وعندي لطيفة أرجو أن تكون سليمة صحيحة: جاء من سورة آل عمران قول الله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18] فأيما مؤمن يقول: ما دام أن الله شهد أنه لا إله إلا هو فأنا أشهد بشهادة الله، ما دام أن الملائكة يشهدون أن لا إله إلا الله فأنا أشهد بما تشهد به الملائكة وإن لم أعرف، وأولو العلم: الرسل والأنبياء والعلماء، كلهم شهدوا أن لا إله إلا الله، فأنا أشهد أيضاً بشهادتهم أنه لا إله إلا الله، ولنِعمَ التقليد هذا.

هذا معنى قوله تعالى: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ [الزخرف:86] أي: يعبدون من دونه ويدعونهم، ما يملكون الشفاعة أبداً، اللهم إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86] فهذا يملك الشفاعة ويشفع ويُشفع له.

اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى

وهنا الشفاعة أعظمها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أن يشفع الرسول للخليقة وللبشرية كلها في أن يحكم الله بينهم يوم القيامة؛ إذ لم يوجد من يقدر على أن يقول: يا رب! اقض بيننا أو احكم بيننا لننتهي من هذا الوقوف الذي دام خمسين ألف سنة، فيأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها.. أنا لها؛ لأن الله أخبره في القرآن بأنه سيشفع للخليقة وللبشرية، فيأتي فيخر ساجداً تحت العرش، ويلهمه الله تعالى أذكاراً ومحامد ما كان يعرفها، فيحمد الله تعالى بها ويثني عليه، ولا يزال ساجداً يحمد الله ويثني عليه حتى يقول له الله تبارك وتعالى: ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع.

فيشفع للخليقة كلها فيقضي الله بينهم، فيدخل أهل الإيمان وصالح الأعمال الجنة، ويدخل أهل الشرك والكفر النار والعياذ بالله، وينتهي الموقف.

شروط الشفاعة يوم القيامة

ثم بعد ذلك قد يشفع الله من يشاء من أنبيائه، قد يشفع من يشاء من أوليائه، فلان ولي الله يشفعه الله في فلان أو فلانة، ولكن لا يشفع إلا من أذن الله له بالشفاعة، هذه الأولى، إذا لم يأذن الله لك بأن تشفع في ابنك أو في أمك وأنت عبد صالح فلن تشفع ولا تقبل لك شفاعة، لا بد أن يأذن الله لك في الشفاعة.

ثانياً: ولا تقبل الشفاعة إلا لمن رضيه الله أن يدخله الجنة ويجاوره، فهذه خطوتان:

الأولى: أن لا تشفع حتى تستأذن الله ويقول لك: اشفع في فلان وفلان وفلان.

ثانياً: لا بد أن الذي تشفع فيه رضي الله عنه فأذن لك في الشفاعة له ليدخل الجنة.

ودليل هذه القضية قوله تعالى من سورة النجم: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا [النجم:26] اللهم إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26] أذن الله لموسى، أذن لـعبد القادر الجيلاني ، أذن لعيسى، أذن لفلان، فحين يأذن له هل يقول: نشفع في فلان وفلان من المشركين والظالمين؟ ما يرضى الله ذلك، ولا يقبل شفاعتهم حتى يشفعوا فيمن رضي الله عنه، وتأملوا قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ [النجم:26] أن يشفع وَيَرْضَى [النجم:26] عن المشفوع له، فلم يبق لنا طريق نسلكه إلا أن ندعو الله عز وجل أن يشفع فينا أنبياءه وصالح عباده، ندعو الله تعالى أن يجعلنا من الشافعين الذين يشفعون.

هكذا يقول تعالى: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ [الزخرف:86]، لا جبريل ولا ميكائيل ولا عيسى ولا الملائكة ولا محمد، إلا من بعد أن يأذن الله لمن شهد بالحق، والحال أنهم يعلمون، وهم أهل لا إله إلا الله.

تفسير قوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون)

ثم قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ [الزخرف:87] يا رسولنا، ولئن سألت مشركي مكة ومشركي العرب وأنت رسولهم، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87].

هذه لطيفة اعلموها: الذي وضع البلشفية الشيوعية العلمانية حديثة العهد لإضلال البشرية هم بنو عمنا اليهود عليهم لعائن الله، مضت آلاف السنين على البشرية ولا يوجد بينهم من ينكر وجود الله؛ إذ بالعقل يقول: من خلقني؟ فيقول: هو الله، ويتوارثون هذا من آدم وأولاده وأحفاده، فالبشرية كلها تشهد بوجود الله، لو سألت أي شخص: من خلقك؟ فسيقول: الله.

ولما تمكن اليهود من السيطرة على العالم بالسحر والمال وضعوا هذه القاعدة، وهي: لا إله والحياة مادة، لا إله أبداً، الحياة مادة فقط.

وانتشرت هذه البلشفية الحمراء وابتدأت بالديار الروسية، وانتشرت حتى دخلت بلاد العرب والمسلمين: لا إله والحياة مادة!

ولما انكسرت الشيوعية وانهزمت منذ أعوام وضعوا خطة جديدة: العلمانية، تقديس العلم، لا تقل لي: رسول الله ولا غيره، بل العلم فقط، لا سعادة ولا هناء ولا قوة ولا عزة إلا بالعلم، فجحدوا وجود الله.

فالعلمانيون ورثوا الشيوعية البلشفية الحمراء، ولما انهزمت الشيوعية وانكشف أمرها أوجدوا فكرة جديدة هي العلمانية، فلا تسعد ولا تكمل إلا بالعلم فقط، فنفوا وجود الله عز وجل.

وها هم عرب الجزيرة المشركون يقول تعالى عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ [الزخرف:87] يا رسولنا مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] هو الذي خلقنا، إي والله العظيم؛ لأنك ما تستطيع أن تقول: أنا خلقت نفسي، فمن خلقك؟ لا بد لك من خالق، وكأس فيه ماء أو حليب موضوع على طاولة هل هناك من يقول: هذا أوجد نفسه؟! هاتوا عاقلاً يقول: أوجد نفسه، لا بد من موجد له أوجده أو وضعه، فكيف -إذاً- بنا وبالكون كله، هل أوجد نفسه؟ كأس ما يوجد نفسه، فالموجد هو الله رب السماوات والأرض ورب العالمين، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ [الزخرف:87] وعزة الله لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87].

ثم قال تعالى: فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [الزخرف:87] يا سبحان الله! كيف يصرفون عن الحق؟ يعلمون أن الله خالقهم ويعبدون الأحجار معه؟ يا للعجب! كيف يصرفون عن عبادة الله وحده وهم يعلمون أنه لا خالق لهم إلا الله؟

تعجب الرحمن: كيف يكفرون؟ كيف يعبدون غير الله وهم يعلمون أنه لا خالق إلا الله؟ فما دمت عرفت أن لا خالق لك إلا الله فهو الذي تعبده، فكيف تعبد صنماً أو قبراً؟ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [الزخرف:87].

هذا معنى قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ [الزخرف:88] يا رسولنا، أي: سألت المشركين مَنْ خَلَقَهُمْ [الزخرف:87] فالجواب هو أنهم يقولون: الله هو الذي خلقنا، إذاً: كيف تصرفون عن عبادته وتعبدون الأصنام والأحجار أو الشهوات والأهواء؟ يا للعجب!

تفسير قوله تعالى: (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون)

ثم قال تعالى: وَقِيلِهِ يَا رَبِّ [الزخرف:88] كما في قراءة حفص ، وفي قراءة نافع : (وقيلَهُ يا رب)، وقرئ: (وقيلُهُ)، والثلاثة جائزة.

وَقِيلِهِ [الزخرف:88] أي: وعنده علم قيله، والقيل بمعنى القول، قال يقول قولاً وقيلاً، القيل: القول، وعند الله علم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ [الزخرف:88] هذا العلم عند الله، هذه القولة قولة الرسول صلى الله عليه وسلم، هو الذي قال: يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ [الزخرف:88] فأنزل عذابك بهم وسخطك عليهم، صبر وتعب عشر سنين فما استجابوا، فشكا إلى ربه: يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ [الزخرف:88].

هذا القول الذي قاله الرسول علمه الله عز وجل، ولذا قال: وَقِيلِهِ [الزخرف:88] أي: وعلم بقيله: يا رب إن هؤلاء كفار قريش قوم لا يؤمنون، ما هم متهيئون للإيمان، بعد الحجج والبراهين والمعجزات ما آمنوا.

ونذكر هنا معجزة عظيمة وقعت والرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، حيث قالوا: يا محمد! إذا كنت رسول الله كما تزعم فادع الله أن ينفلق القمر فلقتين، والقمر في ليلة الرابع عشر أو الخامس عشر من الشهر، فدعا ربه فانفلق القمر فلقتين على جبل أبي قبيس وهم يشاهدون، واقرءوا مصداق ذلك قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر:1-2] قالوا: سحركم، هل القمر ينفلق وينقسم؟ سحركم في أعينكم فقط، قالوا ذلك حتى لا يؤمنوا، والشياطين هي التي تزين هذا وتحسنه، وقد أخبر تعالى بهذا الخبر: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ [القمر:1-3].

هنا قال: وَقِيلِهِ [الزخرف:88]، أي: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ [الزخرف:88].

تفسير قوله تعالى: (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون)

قال تعالى له: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الزخرف:89]، أمر الله تعالى رسوله بعد ذلك العناء والتعب، بعد تلك القسوة والشدة التي يعانيها منهم فقال: فاصفح عنهم، سامحهم، لا تقاتلهم، لا تضربهم، لا تسب ولا تشتم، فاصفح عنهم وقل كلاماً طيباً، سلام المتاركة لا سلام التحية.

وهذا منسوخ، فلما دخل المدينة وآمن أهل المدينة وكثر أتباعه فرض عليه الجهاد فقال: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5] فهذه الآية منسوخة بآية الجهاد، ولكن حين تكون في بلد لا تقام فيه حدود الله، ولا الحاكم يقول ذلك ولا يفعل به، فهل تضرب وتقتل؟ لا يجوز: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ [الزخرف:89] قل الكلمة التي تنجو بها.

فمن كان يعيش في بلد لا تقام فيه الحدود، لا تقطع يد السارق ولا يرجم الزاني ولا يقتل القاتل، في هذه الحالة أنت كحال الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، ما عندك إلا أن تقول الكلمة الطيبة وتصفح عمن آذاك وسبك وشتمك، وتقول الكلمة الطيبة فقط، لماذا؟ ما هناك حاكم يقيم الحدود، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، ما هناك دولة تقيم الحدود وتقاتل، ولما جاء المدينة وتقوى شرع الله القتل والجهاد وإقامة الحدود.

فقوله تعالى: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ [الزخرف:89] لا تؤاخذهم لا بالسب ولا الشتم، ولا بالضرب، وَقُلْ سَلامٌ [الزخرف:89] أي: سلام متاركة، ما هو بسلام تحية، سلام المتاركة والبعد عنهم فقط.

فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الزخرف:89] عاقبة هذا الكفر وهذا الشرك وهذا الإلحاد، وقد علموها، ما إن نزل صلى الله عليه وسلم المدينة في العام الأول حتى فرض الله الجهاد وكانت معركة بدر وهلكوا فيها.

فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الزخرف:89]، وفي قراءة سبعية (فسوف تعلمون)، أي: الرسول صلى الله عليه وسلم هو القائل لهم هذا.

وفي بلاد الكفر لا تقام حدود، لا يقتل قاتل، لا يرجم زان، ولا تقطع يد سارق، فكيف تعمل أنت؟ من سبك أو شتمك فقل: سامحك الله، لا تقاتل ولا تدخل في معركة باطلة.

أنت تدعون إلى الله في هذه المدينة، في هذه القرية، فإذا سبك ساب أو شتمك شاتم أو ضربك ضارب فهل ترد عليه؟ لا، قل: عفا الله عنك، سامحك الله، حتى تقوم الدولة الإسلامية، وحينئذ من ظلم واعتدى يقام الحد عليه، واذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بالصفح والصبر، ضربوه، أرادوا قتله، فعلوا وفعلوا، وما قتل أحداً ولا ضرب أحداً ولا سب أحداً، والله يقول: اصفح.. اصفح، قل سلام فسوف يعلمون، حتى هاجر إلى المدينة وقامت دولة الإسلام.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

والآن مع هداية الآيات.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

[ هداية الآيات:

من هداية الآيات:

أولاً: لا يملك الشفاعة يوم القيامة أحد إلا الله تعالى، فمن أذن له شفع ومن لم يأذن له لا يشفع، ولا يشفع إلا لأهل التوحيد خاصة، أما أهل الشرك والكفر فلا شفاعة لهم ].

أول هداية هذه الآيات الأربع: أن الشفاعة لا يملكها إلا الله فقط يوم القيامة، لا عيسى ولا موسى ولا نوح ولا آدم ولا محمد صلى الله عليه وسلم، إلا من أذن الله له فيشفع، والذي يشفع فيه هو ذاك الذي مات على لا إله إلا الله محمد رسول الله، من أهل التوحيد، أما أهل الشرك والكفر فلا يشفع لهم أحد، ولو أراد عيسى أن يشفع فوالله ما تقبل شفاعته في هؤلاء المشركين أبداً، هذه هي الحقيقة.

أولاً: لا شفاعة إلا من الله فهو مالكها، وقد شفع رسوله محمداً في البشرية كلها أولاً، ثم أيما نبي، أيما صالح، أيما أب يريد أن يشفع فلا يشفع إلا بعد أن يأذن الله له، فيقول: اشفع يا عبدنا.

ثم إذا قال: أنا أشفع في أبي لهب أو في ابني الفاجر الكافر لا تقبل شفاعته، إلا لمن مات على التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذه هي الحقيقة.

[ ثانياً: مشركو العرب على عهد النبوة موحدون في الربوبية مشركون في العبادة ].

مشركو العرب في الجاهلية في بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا موحدون في الربوبية: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، من خلق السماوات والأرض؟ فسيقولون: الله، فهم موحدون، ما هناك ثان مع الله، لا خالق إلا الله، ولكنهم مشركون في العبادة يعبدون الأصنام لتشفع لهم عند الله يوم القيامة.

[ ثالثاً: مشروعية الصفح والتجاوز عند العجز عن إقامة الحدود وإعلاء كلمة الله تعالى ].

مشروعية الصفح والحلم والصبر إذا كانت حدود الله لا تقام، إذا لم يكن هناك دولة تقيم حدود الله بيننا فما علينا إلا أن ندعو إلى الله ونصبر ونتحمل، إن شتمنا أو ضربنا ما نقول شيئاً صبراً لله عز وجل وندعو إلى الله، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

حكم التبرك بجبل أحد ودرجة الحديث المروي في كونه من جبال الجنة

السؤال: هل صحيح أن جبل أحد من جبال الجنة، وهل يجوز أخذ بعض أحجاره للتبرك بها؟

الجواب: الحديث الذي فيه أن جبل أحد من جبال الجنة موضوع أو ضعيف، ولو صح فلا يجوز أخذ حجر ولا تراب منه أبداً؛ إذ الرسول صلى الله عليه وسلم ما أذن في هذا ولا فعله ولا فعله أصحابه ولا أولادهم ولا أحفادهم، فلا نبتدع بدعة.

والذي صح فيه: ( أحد جبل يحبنا ونحبه )، فمن كان من جماعة رسول الله يجب أن يحب أحد كما أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحب هذا الجبل ولا حرج.

وذات مرة اضطرب الجبل تحت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو جالس عليه مع بعض أصحابه، فقال له: ( اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) آية من آيات النبوة المحمدية، والله! إنه لرسول الله، لهذا الخبر العظيم، لما انتهت المعركة ودخل المساء وانهزم المؤمنون آوى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجبل وجلس عليه ومعه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وإذا بالجبل من الفرح يضطرب بوجود الرسول صلى الله عليه وسلم فوقه، فيقول له صلى الله عليه وسلم: ( اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) من هو النبي؟ محمد صلى الله عليه وسلم، من هو الصديق؟ أبو بكر رضي الله عنه، إعلان بأن أبا بكر لا يموت قتيلاً كما مات عمر وعثمان ، مات في بيته الطاهر، وشهيدان من هما؟ عمر مات شهيداً في المدينة في المحراب، وعثمان كذلك.

هذا هو رسول الله، كيف يخبر بهذا الغيب؟ قال: ( فإنما عليك نبي وصديق ) هذا أبو بكر رضي الله عنه، ( وشهيدان ) وهما عمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، فهذه آية النبوة.

امتناع شفاعة الأولياء لمن أشرك بهم في الدنيا

السؤال: هل الأولياء الذين يستشفع بهم سيتبرءون من الذين يستشفعون بهم يوم القيامة أم أنهم يشفعون لهم عند الله؟

الجواب: قال تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86] هؤلاء الذين يشهد لهم الملائكة والأنبياء والصالحون، أما المشرك الهابط فكيف يشفع له؟ لا يشفع له أحد، كيف تعبد مع الله عبد القادر وتذبح له وتنذر له وتحبه وتخافه وتقول: يشفع لي! والله! إنه لموقف المشركين الذين كانوا بمكة يعبدون الأصنام ويقولون: ستشفع لنا!

حكم مجالسة القريب الملحد وزيارته لهدايته

السؤال: عندي شخص من أسرتي ذهب إلى دولة من الدول لطلب العلم الدنيوي، فتغيرت عقيدته وأصبح لا يؤمن بوجود الله، فهل علي أن أزوره إذا عاد وأن أجالسه؟

الجواب: زره من أجل أن تعلمه أنه أشرك وكفر، فليخرج من هذا الشرك والكفر، وليؤمن بالله ورسوله ولقائه لعل الله ينقذه على يديك، أما كونك تتركه ليبقى على شركه فيا ويحك أنت وهو.

نعم زره وخذ إليه العلماء، وأعلموه بأن هذه النظرية باطلة، شيوعية عمياء يهودية لا قيمة لها.

أمارات قبول الحج

السؤال: هل هناك شيء يدل على أن الحج قد قبل بعد عودة الحاج إلى بلاده؟

الجواب: هذه لطيفة علمية، فهل إذا عاد الحاج إلى بلاده يعرف أنه قد غفرت ذنوبه؟

نقول: يعرف ذلك، فإذا عاد إلى بلاده فأصبح براً تقياً صالحاً، يكره الظلم، الفسق، الفجور، المعاصي؛ فليعلم أن نفسه طابت وطهرت وأنه أصبح مغفور الذنوب، وأما إذا عاد رأساً إلى الزنا والفجور فوالله! ما غفر له.

ما يضاعف من الأعمال الصالحة في الحرمين

السؤال: هل الأعمال الصالحة تضاعف في الحرمين كما تضاعف الصلوات؟

الجواب: لا علم لنا، عندنا أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة، أما الأعمال الأخرى فما نقول: إنها تضاعف، ولكننا نقول: هي أفضل منها في غيرهما، والله يباركها ويزيد فيها، كما أن الأعمال السيئة أقبح في هذه البلاد من غيرها، فالأعمال الصالحة في البلاد الطاهرة حسنة، والأعمال السيئة في البلاد الطاهرة سيئة قبيحة.. وهكذا.

شمول مضاعفة الصلاة جميع أجزاء المسجد النبوي

السؤال: فضيلة الصلاة في المسجد النبوي الشريف هل تستوي بالنسبة للحرم القديم والحرم الجديد؟

الجواب: نعم على حد سواء، سواء كنت في الروضة أو كنت في غرب المسجد أو في شرقه، ما دام أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يباع فيه ولا يشترى ولا يسكن، فالصلاة في أوله وفي آخره بألف صلاة.

وعندنا كلمة عمر التي ما ننساها، فلما زاد في المسجد الغربي بكى الناس وقالوا: كيف؟ قال: اسكتوا؛ إنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو بلغ صنعاء في اليمن، أليس هذا مسجد الرسول؟ فماذا تقول إن قيل: مسجد من هذا؟ تقول: مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فالصلاة فيه بألف صلاة في أوله وفي آخره وفي وسطه.

بعض الأذكار التي تقال عقب الصلاة

السؤال: سمعت شخصاً يقول بعد الصلاة: (أستغفر الله) ثلاث مرات، ثم يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول: (اللهم أجرني من النار) سبع مرات، فهل هذه وردت؟ وما هي الأذكار التي بعد الصلاة؟

الجواب: نعم ورد وصح عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم أن تقول بعد المغرب: اللهم أجرني من النار.. اللهم أجرني من النار.. اللهم أجرني من النار -أي: احفظني- سبع مرات.

ثانياً: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، صح هذا عن نبينا صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح وصلاة المغرب، فما ننسى هذا الورد أبداً، ولو أن نقوله ونحن نمشي.

وورد أنك تقولها وأنت على هيئتك، لا تقوم وتبدل مكانك، على ما أنت عليه كما سلمت، فإذا قلت: السلام عليكم ورحمة الله تقول: أستغفر الله.. أستغفر الله.. أستغفر الله، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وحينئذ تقول: اللهم أجرني من النار.. إلى أن تنهيها، وبعد ذلك لا تقوم ولا تتحرك، ابق على ما أنت عليه، وادع الله بهذه الدعاء: اللهم إني أسألك رضاك والجنة.

حكم قضاء الصلوات المتروكة عمداً

السؤال: ما رأي الدين في قضاء ما فات من الصلوات؟

الجواب: علمتم أننا نحاول أن نجمع كلمة المسلمين، وأن يتحد منهجهم، فنجمع بين رأيي العلماء، وقد وجد رأيان: رأي يقول: تقضى الفوائت ولو بعد أربعين سنة، فضلاً عن عام أو أشهر.

ورأي آخر: قالوا: الصلاة التي تركت عمداً لا تقضى؛ لأن صاحبها كفر، والكافر إذا أسلم وتاب لا يطالب بقضاء ما فات أبداً ولا شيء عليه، فتوبته تجب ما قبلها.

فجمعنا بين المذهبين العظيمين فقلنا: من استطاع أن يقضي فليقض، ولكن لا كما يفعل العوام، حيث يصلون بسرعة شديدة: الله أكبر، سمع الله لمن حمده.. يعبثون، فما ينتفع بهذا أبداً، لا بد أن يكون خاشعاً باكياً مطمئناً في ركوعه، في سجوده، في دعائه.. فهذه ينفع الله بها، أما أن يصلي في مجلس واحد صلاة خمسة أيام في ربع ساعة فهذه الصلاة باطلة باطلة باطلة.

ومن قال: أنا كنت كافراً -والعياذ بالله- ما صليت، أقول له: أكثر من النوافل ليعوضك الله عز وجل، فالناس يصلون ثلاثين ركعة في اليوم، فصل سبعين ليعوضك الله.

هذا الذي قلته وكتبته وأقوله.

حد الربح الجائز

السؤال: ما نسبة الأرباح المسموح بها شرعاً بالنسبة للتجارة؟

الجواب: لا يجوز أن تأخذ أكثر من الثلث، هذا الدكان يبيع الكيلو بعشرة ريالات، وهذا كذلك، وأنت يجوز لك أن تبيعه بأحد عشر ريالاً، أما بثلاثة عشر فقد غششت هذا المؤمن وزدت عليه، اللهم إلا إذا كانت هذه البضاعة في المدينة تساوي عشرة ريالات وهي مشتراة بريال واحد، وكل الدكاكين يبيعون بعشرة فنعم بعها بعشرة، تربح تسعة أجزاء ولا حرج.

فيا عبد الله! لا تغش أخاك ولا تخدعه، إذا كانت البضاعة تساوي عشرة في الدكاكين وأنت تحتال عليه لكبر سنه أو لجهله أو لكونها امرأة وتبيعها بثلاثة عشر أو بأربعة عشر؛ فهذا لا يجوز أبداً، لكن بأحد عشر أو اثني عشر لا بأس، أما الثلث فلا يجوز، اللهم إلا إذا كانت البضاعة في كل الدكاكين تساوي عشرة فأنت تبيعها بعشرة أو بأحد عشر ولا بأس، وإن اشتريتها بريال واحد، لا تقل: كيف نأخذ تسعة ريالات زيادة، كانت تساوي ريالاً واحد، فاشتريتها فأصبحت تساوي مائة، تبيعها بمائة ولا حرج.

وإذا باع بأقل من القيمة فله ذلك، أراد أن يرحم هذه العجوز أو هذا المهاجر، فهي تساوي عشرة فباعها له بتسعة، لا حرج، أعطاه من عنده، هذا إكرام له.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الزخرف (15) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net