إسلام ويب

يعجب المرء لعقل هذا الإنسان إذا استحوذ عليه الشيطان، فإنه يسوقه إلى مهاوي الردى وسبل الطغيان، فقد حملهم على أن نسبوا لله الواحد الأحد ما يكرهونه لأنفسهم من الولد، فواحدهم يهم ويكرب إذا بشر بولادة الأنثى، ورغم ذلك لم يرعووا عن نسبتهن لله العلي الأعلى، كما نسبوا له الملائكة الأطهار، وزعموا أن هذا كان هو دين آبائهم الأبرار، فويل لهم مما تزينه لهم عقولهم.

تفسير قوله تعالى: (وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فها نحن مع هذه الآيات من سورة الزخرف المكية، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ * أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ * وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ * وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:15-23].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هيا لنقضي هذه الدقائق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين في مكة كأننا معهم قبل دخولهم في الإسلام.

قال تعالى: وَجَعَلُوا لَهُ [الزخرف:15] أي: لله، مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا [الزخرف:15] ما هذا الجزء؟ ما هذا النصيب من العباد؟

قالوا: الملائكة بنات الله، كيف هذا؟ قالوا: أصهر إلى الجن وأنجب الملائكة! فمن يقول هذا من ذوي العقول؟ الله خالق الملائكة أيتخذهم أولاداً له؟ الله الذي يقول للشيء: كن فيكون، الذي أوجد كوكب الشمس يحتاج إلى زوجة وإلى ولد؟ وسبقهم النصارى فقالوا: عيسى ابن الله! ولا عجب.

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ [الزخرف:15] عباده الملائكة، خلقهم قبل أن يخلقنا، قبل أن يخلق آدم وحواء، فهم عبيده وعباده، يعبدون الليل والنهار لا يفترون أبداً طول الدهر.

ثم علل تعالى هذا القول بقوله: إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ [الزخرف:15] الإنسان قبل أن يدخل المستشفى، قبل أن يستعمل الوصفة الطبية ذات الأرقام الثمانية، قبل ذلك هذا شأنه: كثير الكفر والعياذ بالله، وكفره بين واضح ظاهر.

لو آمنوا بالله وكتابه ورسوله ما وقفوا هذا الموقف ولا قالوا هذا القول الباطل السيئ، لكنهم ما هذبوا، ما ربوا، ما دخلوا في رحمة الله؛ فلهذا يجب أن ندخل الناس في دين الله، فيؤمنوا بالله وكتابه ورسوله، وبذلك يصبحون أهلاً لأن يعقلوا ويفهموا ويعملوا.

تفسير قوله تعالى: (أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين)

ثم قال تعالى: أَمِ اتَّخَذَ [الزخرف:16] أي: الرب تعالى مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ [الزخرف:16]، يا عقلاء! هل الله عز وجل يتخذ الملائكة بنات له وأنتم يعطيكم الذكور؟ ما هذا الفهم السقيم، ما هذا الهبوط النازل إلى أسفل سافلين؟

هم يكرهون البنت كرهاً عجباً، ما يريد أحدهم أن يولد له بنت خوفاً من العار والهون والدون، فكيف تكرهون البنات وتجعلونهن لله؟ كيف هذا الإيمان؟ كيف هذا الفهم وهذا السقم؟

تفسير قوله تعالى: (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم)

قال تعالى: أَمِ اتَّخَذَ [الزخرف:16] أي: هو تعالى مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ [الزخرف:16] أنتم بِالْبَنِينَ [الزخرف:16] في الوقت الذي إذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [الزخرف:17] حزين متألم، وجهه أسود، هذا حالهم في مكة وفي غيرها، إذا قيل لأحدهم وهو في السوق أو في البستان: ولدت لك بنت؛ فإنه يظل طول النهار في كرب وحزن ويسود وجهه، هذه البنت تكرهها أنت وتنسبها لله، أما تستحي؟ أين عقلك؟

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ [الزخرف:17] هو لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا [الزخرف:17] من قولهم: الملائكة بنات الله، نعبدهم ونتوسل بعبادتهم إلى الله.

قال تعالى: إذا بشر أحدهم بالأنثى ظَلَّ [الزخرف:17] طول النهار وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [الزخرف:17] كئيب حزين.

تفسير قوله تعالى: (أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين)

ثم قال تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]، تنسبون إلى الله تعالى البنات وهن ينشأن في الحلية، في الذهب والفضة واللباس، وهن في حال الخصومة ما يستطعن أن يجادلن.

وهذه لطيفة: فالمرأة إذا تقدمت بحجة لا تكون لها، بل تكون عليها، ما من امرأة تقدمت بحجة إلا كانت عليها ولم تكن لها، فما هي أهل للخصومة والخصام والجدال أبداً.

أَوَمَنْ يُنَشَّأُ [الزخرف:18] ويربى فِي الْحِلْيَةِ [الزخرف:18]، فالبنات أما ينشأن في الحلية؟ ينشأن في اللباس والذهب والفضة حتى يجملن.

وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18] لا يفصح ولا يبين، فالمرأة ما هي بأهل لأن تجادل أو تخاصم، ولهذا لا يحل أبداً أن توظف امرأة قاضية، أو حاكمة، أو أميرة أبداً، ما هي بأهل لذلك، وأيما قوم ولوا أمرهم امرأة فوالله! ما ينجحون ولا يفلحون أبداً.

فاسمع ما وصف الله تعالى به المرأة من قوله: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ [الزخرف:18]، والحلية: الذهب والفضة واللباس الجميل، وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18] ما يفصح وما يعرف؛ حتى قالت الحكماء: ما ألقت امرأة حجة إلا كانت عليها وليست لها في أي خصومة، فكيف تجعلون لله البنات وأنتم تعرفون ضعفهن وعجزهن وقصورهن؟ كيف هذا؟

تفسير قوله تعالى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ...)

ثم قال تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا [الزخرف:19] وقراءة نافع : (عند الرحمن)، وقراءة حفص : (عباد الرحمن)، جعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن وعباد الرحمن إناثاً.

قال تعالى: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ [الزخرف:19]، فهل حين خلق الله الملائكة كان أبو جهل هناك يشاهد؟ هل كان العرب موجودين في الملأ الأعلى يوم خلق الملائكة؟ كيف يقولون ويكذبون هذا، بأي عقل؟ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ [الزخرف:19]؟ لقد خلق الله الملائكة قبل أن يخلق الإنس والجن، هم أول من خلق من المخلوقات، فكيف يدعون هذه الدعوى ويقولون: الملائكة بنات الله؟ فهل حضروا حين خلقهم وشاهدوا كيف خلقهم؟

وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ [الزخرف:19] جعلوهم إِنَاثًا [الزخرف:19]، قال تعالى مستفهماً موبخاً مؤدباً: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ [الزخرف:19]، هل كانوا حاضرين حين خلق الملائكة؟

سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف:19] عنها يوم القيامة، ويا ويلهم.

تفسير قوله تعالى: (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ...)

وقالوا أيضاً: وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ [الزخرف:20]، لم تعبدون الملائكة؟ قالوا: بنات الله، نتوسل بعبادتهم إلى الله ليرزقنا وينصرنا ويكون معنا! ثم قالوا: لو شاء الرحمن ما عبدناهم!

أقسام إرادة الله تعالى

وهنا مسألة علمية: فإرادة الله نوعان: إرادة كونية وإرادة شرعية.

الكونية: لا تتخلف أبداً، إذا أراد الله تكوين شيء فلا بد أن يكون.

والإرادة الشرعية: يريد منك أن تصوم، وقد لا تصوم، يريد منك أن تحج، وقد لا تحج؛ لأن هذا امتحان وابتلاء من أجل الجزاء في الدار الآخرة، فالله يريد منا الذكرى والاستقامة أو لا؟ يريد هذا منا، لكن هذه إرادة شرعية، لو أراد أن يكون بإرادة كونية لكان، لكن امتحننا بهذه الإرادة الشرعية، والله يريد منا الصدق والوفاء، والعدل، والطهر، والصفاء، والرحمة، والأخوة.. كل هذا يريده الله، فهل هذه إرادة كونية لا بد أن تقع، أم هي شرعية نمتحن بها؟

إنها إرادة شرعية نمتحن بها، فماذا قال المشركون في مكة؟ ماذا قال أبو سفيان وأبو جهل وعقبة ؟

قالوا: لو شاء الرحمن ما عبدناهم، أي: لو شاء أننا لا نعبدهم فلن نعبدهم، فلهذا عبدناهم لأنه شاء ذلك منا! وهذه فلسفة إبليسية، حيث قالوا: لو شاء الرحمن ألا نعبدهم لما عبدناهم، لكن لما عبدناهم فمعنى هذا أنه أراد ذلك منا! هذه الفلسفة الباطلة التي يعيش عليها الملاحدة اليوم.

معنى قوله تعالى: (ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون)

قال تعالى: مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ [الزخرف:20] أبداً إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الزخرف:20] يكذبون ويدجلون ويقولون الباطل، فهل عندهم علم بهذا أنه لو شاء الرحمن ما عبدوهم؟

وبعض الهابطين منا يقول: لو شاء الرحمن ما زنيت، لو شاء الرحمن ما كنت كذا وكذا، وهذا باطل وجهل؛ فمشيئة الله نوعان: كونية وشرعية.

فالكونية: إذا أراد الشيء فلا بد أن يكون.

والشرعية: يريد منك كذا، وقد لا يكون؛ ليجزيك بذلك، وإلا فلماذا أوجد عالم الشقاء النار بكل ما فيها، وأوجد عالم الجنة بكل ما فيها؟ من أجل الجزاء على الكسب والعمل في هذه الدنيا.

تفسير قوله تعالى: (أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون)

ثم قال تعالى: أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ [الزخرف:21] من قبل القرآن فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ [الزخرف:21]، هل عندهم دليل على هذا الباطل؟ هل نزل فيهم كتاب قبل القرآن؟ هل بعث الله فيهم رسولاً قبل محمد؟ من أين يقولون هذا؟

لو كان عندهم كتاب لقالوا: نحن نستمسك بكتابنا، لو جاءهم رسول قبل محمد صلى الله عليه وسلم لقالوا: رسولنا فلان، وكل هذا باطل.

أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ [الزخرف:21] أي: من قبل القرآن فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ [الزخرف:21]؟ لا والله أبداً، لا كتاب ولا رسول كان في العرب من عهد إسماعيل.

تفسير قوله تعالى: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)

قال تعالى: بَلْ قَالُوا [الزخرف:22] هذا المهرب الحقيقي، بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22]، هذا هو المرتكز الذي يرتكزون عليه، قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [الزخرف:22] أي: على ملة، وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22] فاسكت يا محمد فلن نستجيب لك، ما نحتاج إلى ما تقول، وجدنا آباءنا وأجدادنا على هذه العقيدة وهذه العبادة، ونحن معهم مهتدون أيضاً وما نحن بضالين! فهل سمعتم كلام الضلال؟ فلا إله إلا الله.

تفسير قوله تعالى: (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة ...)

قال تعالى هنا: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ [الزخرف:23] يا محمد فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23].

هكذا يسلي الله رسوله ويقول له: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ [الزخرف:23] أي: مدينة، مِنْ نَذِيرٍ [الزخرف:23] أي: رسول، إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا [الزخرف:23] المترفون: أصحاب المال والثروة، أصحاب الطعام الشهي واللباس النظيف، هؤلاء هم الذين يريدون أن يبقوا على ما هم عليه، ما يريدون أن تتغير الحال أبداً.

وإلى اليوم ادخل إلى قرية وادع إلى الإصلاح فسيستجيب الفقراء والمساكين، والأغنياء يتعصبون وما يريدون، إلا أن يشاء الله إنقاذهم؛ لأنهم لاهون مشغولون بالدنيا.

هكذا يقول تعالى: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23] مقتدون بمن سلفنا وسبقنا.

وكأننا قضينا هذه الدقائق في مكة مع رسولنا صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل، فآمنا بالله.. آمنا بالله.

أسألكم بالله: هل هذا القرآن يقرأ على الموتى؟ أما نستحي حين نقرؤه على الموتى ولا نقرؤه على الأحياء؟ إن هذا القرآن يقرأ على الأحياء لا على الأموات، فهذا هو العلم وهذه هي المعرفة.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

اسمعوا هداية الآيات وما فيها من النور.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

[ هداية الآيات:

من هداية الآيات:

أولاً: تقرير صفة من صفات الإنسان قبل شفائه بالإيمان والعبادة، وهي الكفر الواضح المبين ].

من هداية الآيات التي قرأناها وتدارسناها: تقرير ما عليه الإنسان قبل هدايته من الكفر المبين إذا لم يعالج ويداو ليشفى من كل ما فيه من شر وخبث وفساد، فلا يعرف الحق ولا يؤمن به أبداً إلا إذا عولج وشفي، وبم يعالج؟ بالإيمان وصالح الأعمال، فإن آمن بالله ولقائه واستقام على طاعة الله ورسوله نجا وأصبح أهلاً لأن يقول ويسمع منه.

[ ثانياً: وجوب إنكار المنكر ومحاولة تغييره في حدود ما يسمح به الشرع وتتسع له طاقة الإنسان ].

من هداية هذه الآيات: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجوب بيان الطريق للناس، وجوب بيان الطريق للبشرية، هذه هي مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم التي قام بها، وعلى أمته أن تقوم بها مثله أيضاً.

فهذا الصراع الذي كان بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين أليس هو بأمر بمعروف ونهي عن منكر؟ ما قال: اتركهم كافرين.

[ ثالثاً: بيان حال المشركين العرب في الجاهلية من كراهيتهم البنات خوف العار، وذلك لشدة غيرتهم ]، ما يحبون البنت أبداً، كما قال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا [الزخرف:17] فكيف يكون حاله؟ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [الزخرف:17] لماذا؟ خوف العار، يخاف على ابنته أن يطأها فحل من الفحول، كيف تصبح تحت فلان؟

[ رابعاً: بيان ضعف المرأة ونقصانها، ولذا تكمل بالزينة، وإن النقص فيها فطري في البدن والعقل معاً ].

من هداية هذه الآيات: بيان أن الأنثى ضعيفة البدن والعقل معاً، ضعيفة البدن فما تستطيع المرأة أن تتحمل الأثقال، هل تحمل القنطار والقنطارين؟ هل تعمل في المزرعة؟ ما تستطيع لأنها ضعيفة البدن، وكذلك هي ضعيفة العقل، أليس كذلك؟ هذا إخبار الله، وهذا هو الواقع، فمن يقول: لا؟ والله! إنها لضعيفة البدن والعقل معاً، وقد بينت لكم أنه إذا تقدمت بحجة تنقلب عليها، ما تعرف الحجة ولا الخصومة.

[ خامساً: بيان أن من قال قولاً وشهد شهادة باطلة فسوف يسأل عنها يوم القيامة ويعاقب عليها ].

من قال قولاً بدون علم، وشهد شهادة باطلة؛ فوالله! ليسألن عنها يوم القيامة ويعذب بها.

[ سادساً: حرمة القول على الله بدون علم، فلا يحل أن ينسب إلى الله تعالى شيء لم ينسبه هو تعالى لنفسه ].

لا يحل لإنسان مهما كان أن يقول عن الله شيئاً لا يعلمه، لا صفة ولا ذاتاً ولا شريعة، لا نقول على الله إلا ما علمنا أنه قاله، فلنحذر القول على الله عز وجل، فهم كذبوا على الله ونسبوا إليه البنات فندد بهم ولعنهم وتوعدهم بالعذاب، لا تقل: قال الله إلا على علم، لا تنسب إلى الله الشيء إلا إذا كنت موقناً أن الله موصوف به.

[ سابعاً: حرمة التقليد للآباء وأهل البلاد والمشايخ، فلا يقبل قول إلا بدليل من الشرع ].

وهنا لطيفة: نحن نصلي وبعض إخواننا مسبلون أيديهم ما يضعونها على صدورهم، لماذا؟ آلله أمرهم بذلك؟ الجواب: اللهم لا، آلرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك؟ الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمر بذلك، فلماذا؟ إنه التقليد فقط، جماعة استقلت عن جماعة المسلمين وخرجت عن جماعة المؤمنين وأصبحت لها هيئة خاصة وصورة خاصة، إذاً: ما أرفع يدي لأنني إباضي، أو لأنني زيدي، أو لأنني رافضي، وهذا والله خطأ فاحش.

فالأئمة الأربعة -مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد- جمعوا أمة الإسلام، ما خرجوا بها عن الإسلام أبداً، هؤلاء الأربعة كلهم -والله- يقبضون أيديهم ويأمرون الأمة بذلك، ولا تقل: نحن المالكية فينا من يقول؛ لأن الأمة لما هبطت بدأت أمور سياسية تظهر فيهم، والله! ما هي إلا سياسة فقط، فلماذا أنا لا أقبض يدي والأمة تقبض أيديها؟ لنسأل أهل العلم، والله! ما رؤي صلى الله عليه وسلم في الصلاة إلا وهو قابض يديه على صدره.

وهذا هو التقليد الأعمى، فما نقلد إلا بالدليل، فما الدليل على أن هذا القبض ممنوع أو حرام ولا يجوز؟ ما الدليل على أن السدل سنة؟ هات قال الله وقال رسوله، ما دليلك؟ لا تقل: قال شيخي وقال فلان وفلان في جماعتي.

فهذه الهداية السابعة: ما نقلد في دين الله أحداً، ما علينا إلا أن تأتيني بـ(قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم)، ما نتبع أهواء الناس.

قال المؤلف في الهامش في قوله تعالى: وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ [الزخرف:20]: [ قولهم منظور فيه إلى أن مشيئة الله -وهي إرادته- قسمان: إرادة كونية وإرادة تكليفية شرعية.

فالإرادة الكونية القدرية هذه لا تتخلف أبداً، فما شاء الله كان.

والإرادة الشرعية التكليفية هي التي قد تتخلف؛ لأن الله تعالى وهب عبده إرادة واختياراً، وبحسب ما يختاره يكون جزاؤه، والمشركون لا علم لهم بهذا، فلذا نفى عنهم العلم راداً باطلهم بجهلهم ].

وقد بينا هذا، فإرادة الله نوعان: إرادة أزلية كونية، إذا قال للشيء: كن فيكون.

وإرادة شرعية، يريد منا أن نصوم، يريد منا أن نحج، وتقع هذه الإرادة وقد لا تقع، إن استجبنا لها جزانا بذلك خير الجزاء، وإن أعرضنا وتكبرنا عذبنا أشد العذاب، هذه إرادة التكليف والتشريع.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الزخرف (3) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net