إسلام ويب

إن حب الدنيا والميل إليها وطلب متاعها أمر فطري وغريزي لدى الإنسان، ولولا أن الله عز وجل أراد الخير لأوليائه لما بين لهم حقيقتها، ولما كشف لهم زيف زخرفها، ثم لخاضوا فيها كما خاض الكافرون، ولتكالبوا عليها كما تكالب الغافلون المغرورون، فجعلها عندهم حقيرة كما هي عنده حقيرة، وعوضهم عنها بالآخرة الباقية.

تفسير قوله تعالى: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فها نحن مع هذه الآيات من سورة الزخرف المكية، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35].

مناسبة الآيات لما قبلها

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! تقدمت الآيات السابقة في بيان الحكمة في وجود فقير وغني، ومريض وصحيح، وفاضل وناقص، الحكمة في ذلك أن يتعاون الناس على حياتهم، فيخدم الفقير الغني، والقوي الضعيف، فالآية الكريمة تقول: وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الزخرف:32] لم؟ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا [الزخرف:32] أي: خدماً وعمالاً.

فالله تعالى يقول: وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الزخرف:32] هذا ذو أموال طائلة، وهذا دونه، وهذا فقير، ما السر في ذلك؟ لم يا رب فعلت هذا؟

قال: من أجل أن يتخذ بعضهم بعضاً خدماً يخدمونهم، فمن يخدم الغني لو أن الناس كلهم أغنياء؟ لو أن أهل مدينة فقط أو قرية كل أهلها أغنياء فمن سيخدمهم؟ هذه حكمة الفقر والغنى، هذه العلة من الفقر والغنى.

والآن يبين تعالى حكماً آخر: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [الزخرف:33] أي: على الكفر والشرك والباطل والشر والخبث، لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ [الزخرف:33]، سلالم من فضة عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ [الزخرف:33] للسطوح وما فوقها.

وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [الزخرف:33] على الكفر لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا [الزخرف:33-35] أي: ذهباً.

قال تعالى: وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الزخرف:35]، وقد عرفنا السر في وجود الغنى والفقر، والآن عرفنا تدبير الله عز وجل، فلو أغنى الكفار كلهم وأصبحوا أغنياء لما آمن المسلمون، ولدخلوا معهم في الكفر، ولاستجابوا لدعوتهم.

يقول تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [الزخرف:33] أي: على الكفر، لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ [الزخرف:33] جل جلاله وعظم سلطانه لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ [الزخرف:33]، السقف من فضة، وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا [الزخرف:33-34] من فضة وَسُرُرًا [الزخرف:34] أسرة عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ [الزخرف:34] من فضة وذهب، وَزُخْرُفًا [الزخرف:35] والزخرف هو الذهب، وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الزخرف:35].

حقارة الدنيا وهوانها على الله تعالى

إليكم ما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: ( لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ).

لو كانت الدنيا بما فيها تعدل عند الله عز وجل جناح بعوضة لما سقى الكافر منها شربة ماء أبداً؛ لأنه يكره الكافرين ويكره وجودهم، فكيف يمتعهم، لكن الابتلاء في الدنيا والجزاء في الآخرة.

قال أحد الصالحين: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف -أي: من طين- يبقى لاختار العقلاء الآخرة على الدنيا. وهو اختيار الباقي على الفاني، فالدنيا مهما كانت ستفنى، فكيف نختار الفاني على الباقي؟!

ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )، الدنيا حقيقتها: سجن المؤمن، المؤمن مسجون في الدنيا، إي والله، فمتى يخرج من هذا السجن؟ حين يموت ويلتحق بالملكوت الأعلى.

( وجنة الكافر )، يأكل، يشرب، ينكح، فما يبالي بشيء، فهو في متاع.

ويقول الحسن : والله! لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك، فكيف لو فعل؟! مع أن الله عز وجل أعلمنا بأنه لو شاء لمتع الكافرين، ولكن مع هذا أكثر الناس مقبلون على الدنيا، وأكثر الناس مع الدنيا يطلبونها ويسعون لها.

هكذا يقول تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ [الزخرف:33] أبيضهم وأسودهم، من عرب وعجم، أُمَّةً وَاحِدَةً [الزخرف:33] على ملة واحدة، ألا وهي ملة الكفر والعياذ بالله، لولا هذا لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ [الزخرف:33] التي يسكنونها سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ [الزخرف:33] سلالم، جمع معراج، وهو الذي يصعدون عليه إلى السطح، وسبحان الله؛ فهذه الآية من ألف وأربعمائة سنة، وهذه المصاعد العصرية جديدة جداً، فسبق القرآن بالإخبار عنها، والآن لو كانوا أغنياء فسيجعلونها من ذهب، يجعل مصعده في بيته من ذهب أو من فضة، وقد يفعلون أيضاً.

أخبر الله بهذا الخبر قبل أن يوجد: وَمَعَارِجَ [الزخرف:33] جمع معراج، عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ [الزخرف:33] إلى ما فوق السطح.

وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا [الزخرف:34-35] والزخرف في اللغة العربية: الذهب، أي: يجعل هذه المباني والبيوت والسقوف والمعارج بعضها من ذهب وبعضها من فضة، فيكون ذلك أجمل وأحسن.

ثم قال تعالى: وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الزخرف:35]، كل هذا الذي سمعتم من معارج الذهب وأسرة الذهب والفضة، والسقوف والبيوت والأبواب؛ كل ذلك متاع الحياة الدنيا، والمتاع ما يتمتع به المسافر في الطريق وينتهي ويفنى، المتاع: ما يتمتع به فترة من الزمن وينتهي وينقضي، فمتاع الحياة الدنيا هو هذا.

معنى قوله تعالى: (والآخرة عند ربك للمتقين)

وَالآخِرَةُ [الزخرف:35] أي: الحياة الآخرة بعد الحياة الدنيا الأولى، وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ [الزخرف:35] يا رسول الله، أو أيها السامع الكريم، الآخرة عند ربك لمن؟ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:35] اللهم اجعلنا منهم، فهيا بنا نشرح كلمة المتقين.

المتقون: جمع متق، فمن هو المتقي؟ كيف يتقي؟ يتقي بالسلاح، بالحصون العالية؟ بم يتقي؟ بالجيوش الجرارة؟ بم يتقي الله؟

هذا هو السؤال: بم يتقى الله عز وجل؟ أي: بم يتقى عذاب الله وسخط الله وغضبه، بأي شيء؟ بالأموال، بالرجال؟ بماذا؟

الجواب واحد، ألا وهو: بالإيمان الصحيح والعمل الصالح مع الابتعاد عن الشرك والكفر والفسق والفجور.

لو قيل لك: بم يتقى الله؟ بأي شيء؟

فالجواب أن تقول: يتقى بالإيمان به وبطاعته وطاعة رسوله، إي والله، ما يتقى الله إلا بهذا، لا بجيش ولا بأمة ولا بسلاح ولا مال، يتقى بالإيمان وصالح الأعمال، وبالبعد عن الشرك والفسق والفجور، ومن ثم تبقى النفس نقية طاهرة مشرقة كأرواح الملائكة، هذه النفس يرضى الله عنها ويرضيها وينزلها بجواره في الجنة دار السلام.

وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ [الزخرف:35] يا أيها السامع لمن؟ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:35]، لا تقل: للأشراف ولا للأغنياء، ولا لفلان وفلان، لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:35] الذين اتقوا ربهم فما عصوه وما كفروا به، ما كذبوه، ما فسقوا عن أمره، ما خرجوا عن طاعته، هم الذين اتقوا غضب الله وسخطه، والآخرة لهم، أي: الجنة هي دارهم، الجنة دار الأبرار، الجنة دار السلام.

وقد عرفها الله لنا وبينها في آيات من كتابه، فعرفنا حورها وقصورها وأنهارها ونعيمها، وزاد فوق ذلك أن أخذ رسولنا وعرج به إليها، فرآها بعينيه وشاهدها مشاهدة العيان، شاهد حورها وقصورها وأنهارها.

سر استحقاق المتقين الجنة وبيان علامة التقوى

فالجنة دار المتقين: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72]، وما السر في ذلك؟

السر في ذلك هو أن الإيمان والعمل الصالح عملية تطهر النفس البشرية وتزكيها وتطيبها، كما أن الماء الطيب والصابون الصالح ينظفان الجسم والثوب والبدن، كذلك الإيمان الصحيح لا مجرد دعوى الإيمان، الإيمان الحق والعمل الصالح مهمتهما تزكية النفس وتطهيرها؛ حتى تصبح طيبة طاهرة.

وإن قلت: كيف نعرف أن النفس زكت وطابت وطهرت؟

فالجواب: إذا رأيت أخاك لا يغشى الذنوب، لا يرتكب المعاصي، لا يفعل الأعاجيب؛ فاحلف بالله على أن نفسه لزكية طاهرة، وإذا رأيته يخون ويغش ويخدع ويكذب ويفجر ويفعل ويفعل؛ فوالله! إن نفسه خبيثة لا نور فيها أبداً.

فهل عرفتم هذه الحقيقة أو لا؟ ذو النفس الزكية الطيبة الطاهرة ما يقدر على أن يقول كلمة كفر، ما يستطيع أن ينظر نظرة محرمة، ما يقدر على أن يتناول ريالاً واحداً حراماً، والله! ما يستطيع، وهذا مشاهد عندنا نشاهده، والذين يغشون الذنوب ويتخبطون فيها كيف حال نفوسهم؟ إنها والله مظلمة عفنة منتنة، بسبب ماذا؟ صبوا عليها أطنان الذنوب والآثام من الكفر والشرك إلى المعاصي.

وهذا حكم الله تعالى الذي ما يغيب عن أذهان المؤمنين والمؤمنات، أقسم عليه بأعظم إقسام: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] فمن يرد على الله؟ أفلح وفاز ونجا من النار ودخل الجنة مع الأبرار الذي زكى نفسه، أي: طيبها وطهرها، فأصبحت كأرواح الملائكة نوراً مشرقاً.

وقد عرفتم أننا نعرف ذلك فينا، فذو النفس الخبيثة معروف عندنا، وذو النفس الطيبة معروف عندنا، آثارها تدل عليها، طابت أو خبثت، طهرت أو تعفنت.

أهمية العلم في تحقيق التقوى

معشر المستمعين والمستمعات! كيف نحصل على الإيمان والتقوى؟

الجواب: نحصل على ذلك بالعلم، واسمعوا قول الرب تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، فالذي ما يعرف كيف يتقي الله كيف يتقيه؟ مستحيل، لا بد أن تعرف كيف تتقي الله، وبم تتقيه؟ وهل هذا يحصل بالمنام أو بالأنساب والقبائل؟ لن يحصل هذا إلا بالعلم، فلهذا أعلنها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ).

وخلاصة هذه الكلمة معشر الأبناء أنك أولاً تقوي إيمانك بربك، أنت شهدت أن لا إله إلا الله، فكيف علمت أنه لا إله إلا الله؟ تقول: لأن رسول الله أخبرنا، لأن الملائكة شهدوا بهذه الشهادة، لأن الله عز وجل شهد، فأنا مع شهادة الله وملائكته ورسله؛ إذ قال تعالى من سورة آل عمران المدنية: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ [آل عمران:18] شهدوا أن لا إله إلا الله، وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18] وأنت تقول: أنا أشهد بما شهد الله به وشهد به ملائكته ورسله وأهل العلم من عباده، وهذه اللطيفة تساوي الدنيا وما فيها لمن فهمها ووعاها.

فأنت كيف تشهد أن لا إله إلا الله؟ ما دليلك؟ ما علمك؟

تقول: أنا نظرت إلى الكون فعلمت أن هذا الكون مكوَّن، وأن له مكوِّناً، هذا المكون هو الله الذي لا إله إلا هو، نظرت إلى ذرات الكون تتجلى فيها العلوم والمعارف والحكم.

ثم تقول: من وهبني سمعي؟ من وهبني بصري؟ من وهبني طعامي وشرابي؟ لا بد من واهب، ألا وهو الله، فآمنت أنه لا إله إلا هو بالعلم.

والذي قلت لكم: أنا سمعنا الله تعالى يقول: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:18] فأنا أشهد بما شهد الله به، شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ [آل عمران:18] أيضاً شهدوا، وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18] كذلك، وهم الأنبياء والرسل والعلماء.

إذاً: هل تشهدون أن لا إله إلا الله؟ من أين أخذتم هذا؟

الجواب: اقتداء بربنا، ما دام الرب العليم الحكيم قد شهد أنه لا يوجد إله إلا هو؛ فنحن كذلك نشهد بشهادة الله، ما دام ملايين الملائكة في الكون العلوي والسفلي يسبحون الله الليل والنهار، ويشهدون أن لا إله إلا الله؛ فأنا لم لا أشهد؟

فالملائكة والأنبياء والرسل كلهم شهدوا أن لا إله إلا الله، وأنا لم لا أشهد أن لا إله إلا الله؟ والرسل ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً أوحى الله إليهم، يشهدون وأنا لا أشهد؟ هل أنا أعمى أو مجنون؟!

نراك تشهد على شهادة صعلوك تقول: شهد فلان فنشهد بشهادته، فكيف بشهادة مائة وأربعة وعشرين ألف نبي وثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً؟!

إذاً: شهدت أنه لا إله إلا هو، فاعبده؛ لأن الإله معناه: المعبود، تقول: لا معبود إلا الله، إذاً: هيا نعبده، فبم نعبده؟

لا بد أن نعرف بم نعبد الله، وذلك بسهولة: نطيعه فيما يأمرنا به وفيما ينهانا عنه، نطيع الله فيما يأمرنا بفعله فنفعله، وفيما ينهانا عن فعله فنتركه، وبذلك نكون عابدين لله عز وجل، فكيفيات العبادة تحتاج إلى علم، أمرك الله إذا قمت إلى الصلاة أن تتوضأ، فلا بد أن تعرف كيف تتوضأ، إذا أجنبت لا بد أن تعرف كيف تغتسل، وبين لنا ذلك في كتابه وشرحه وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، إذاً: فلا بد من العلم، ومن أجل ذلك نحن جالسون نطلب العلم ونتعلم، والله تعالى نسأل أن يعلمنا وينفعنا بما يعلمنا.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

والآن مع هداية الآيات.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

[ هداية الآيات:

من هداية الآيات:

أولاً: الميل إلى الدنيا وطلب متاعها فطري في الإنسان، فلذا لو أعطيها الكافر بكفره لمال إليها كل الناس وطلبوها بالكفر ].

من هداية الآيات: أن حب الدنيا فطري وغريزة في الإنسان، فطرته تجعله يرغب في الطعام والشراب والنكاح واللباس، أليس كذلك؟ هي غريزة، فمن هنا لولا أن الله عز وجل حفظنا وأبعدنا عن هذه الدنيا الوسخة لكنا مع الكافرين نطلبها كما يطلبونها، لكننا عرفنا قيمتها فلذا لا نطلب منها إلا ما يسد حاجتنا فقط، أما ما يفيض ويزيد فلسنا في حاجة إليه أبداً.

[ ثانياً: هوان الدنيا على الله وعدم الاكتراث بها؛ إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء ) ].

إي والله ما أوهنها، ما أحقرها، ما أوسخ هذه الدنيا! ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ) لما أعطاها الكافر، ( ما سقى كافراً منها شربة ماء )؛ لأنه يكرهه إذ كفر به.

قال: [ وفي صحيح مسلم : ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) ]، فالمؤمن بالنسبة إلى ما يستقبله من النعيم المقيم هو في الدنيا مسجون، فمتى يرفع سجنه؟ إذا مات وخرجت روحه إلى الملكوت الأعلى، والله! إن الدنيا لسجن المؤمن، والكافر هي جنته؛ لأنه إذا خرج منها فإلى جهنم، فالدنيا جنة الكافر، هذه كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم.

[ ثالثاً: بيان أن الآخرة خير للمتقين ].

من هداية الآيات: بيان أن الدنيا أخس وأحقر ولا قيمة لها بالنسبة إلى الآخرة، فالآخرة أعظم وهي أحق أن تطلب ويسعى لأجلها، أما الدنيا فلا قيمة لها.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الزخرف (5) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net