إسلام ويب

حاول كفار قريش إثناء النبي صلى الله عليه وسلم عن دعوته، وبذلوا في سبيل ذلك كل الوسائل الممكنة والتي كان منها ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم بالمال والنساء والزعامة، فأنزل الله آيات بينات يأمره فيها بالصبر على الدعوة وعلى حكمه سبحانه، ونهاه عن طاعة أولئك الآثمين والكفار، الذين غرتهم الحياة الدنيا ونسوا يوماً ثقيلاً سيندمون فيه أشد الندم.

تفسير قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الأمسيات الربانية ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن مع خاتمة سورة الإنسان المدنية، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا * إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا * نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الإنسان:23-31].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا [الإنسان:23]، الآيات، جاء الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة وأبو جهل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرضوا عليه عرضاً هو أن يترك الدعوة إلى الله وله أن يعبد ربه، وله منهم المال والأزواج والسيادة، فأنزل الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا [الإنسان:23]، أي: أكرمناك بسمو الدرجة وعلو المكان يا رسولنا، و نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا [الإنسان:23]، آية بعد آية، وسورة بعد سورة، فلا تلتفت إلى هؤلاء المبطلين.

تفسير قوله تعالى: (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً)

قال تعالى: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [الإنسان:24].

فَاصْبِرْ [الإنسان:24] -إذاً- لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [الإنسان:24]، أي: ما دمت قد علمت أنا أرسلناك وأنزلنا عليك كتابنا، وأنت ولينا ونبينا، إذاً فلا تقبل هذا العرض الباطل، وإنما ارفضه وأبعده عنك، واصبر على دعوتك التي تدعو إلى أن يعبد الله وحده ولا يعبد سواه من الآلهة الباطلة.

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا [الإنسان:24]، ألا وهو عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة وأبو جهل، وهؤلاء هم الذين عرضوا على الرسول هذا العرض والعياذ بالله تعالى، فأنقذه الله منه بقوله: فَاصْبِرْ [الإنسان:24]، أي: على دعوتك، ولا تبال بما يقولون، ولا تلتفت إلى ما يعرضونه عليك.

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [الإنسان:24]، والآثم هو كثير الآثام، والآثام هي معاصي الله ورسوله، وبالتالي كل من فعل معصية فقد أثم، والإثم ظلمة تقع على النفس فتتعفن وتنتن، والكفور هو كثير الكفر، وبالتالي فكل مشرك كافر.‏

تفسير قوله تعالى: (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً)

ثم أرشده ربه إلى ما يستعين به على الصبر على هذه الدعوة، فقال له: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً [الإنسان:25]، صلاة الصبح، وَأَصِيلًا [الإنسان:25]، صلاة الظهر والعصر.

تفسير قوله تعالى: (ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً)

قال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ [الإنسان:26]، وهي صلاة المغرب والعشاء، إذ كانت الصلاة في مكة قد فرضت، وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا [الإنسان:26]، وذلك بالتهجد الذي شرعه الله، وبهذا تستعين وتقف موقف الأبطال، ولا تبالي بتلك العروض الباطلة الفاسدة.

إذاً: هكذا يرشد الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول له: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ [الإنسان:25]، والمصلي يذكر الله دائماً، وذلك ما إن يقف إلا ويقول: الله أكبر، بُكْرَةً [الإنسان:25]، أي: صلاة الصبح، وَأَصِيلًا [الإنسان:25]، صلاة الظهر والعصر، وَمِنَ اللَّيْلِ [الإنسان:26]، صلاة المغرب والعشاء، ثم: وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا [الإنسان:26]، أي: اشغل آخر الليل أو ثلث الليل أو نصف الليل بالتسبيح وذكره جل وعلا.

تفسير قوله تعالى: (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً)

قال تعالى: إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا [الإنسان:27].

ثم يكشف الحق الستار عنهم ويبين حالهم وموقفهم لرسوله، فيقول تعالى: إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ [الإنسان:27]، والعاجلة هي الدنيا، فهي عاجلة وماضية بسرعة.

وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا [الإنسان:27]، ألا وهو يوم القيامة، فلا يلتفتون إليه ولا يسألون عن حال الناس فيه، وماذا يتم فيه؟ وإنما أمامهم الأكل والشرب والنكاح فقط، وهم -والله- كما وصفهم الرب تعالى، وللأسف اليوم ملايين البشر والله لهذه حالهم، إذ يتركون الآخرة، ولا يلتفتون إليها، ولا يسألون عنها، ولماذا خلقنا؟ وإلى أين نذهب إذا متنا؟ وكيف سنعود؟ وإنما فقط أمامهم الأكل والشرب والنكاح.

وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا [الإنسان:27]، فيا له من يوم! إنه اليوم ثقيل، ومن مظاهر ذلك اليوم: أن كل الأكوان تذوب ذوباناً كاملاً، ويخلق الله البشرية خلقاً جديداً فإذا هم على صعيد واحد، وبعد ذلك الحساب والجزاء، فإما بالنعيم المقيم لأهل الإيمان وصالح الأعمال، وإما بالعذاب الأليم في جهنم -والعياذ بالله- لأهل الشرك والكفر والذنوب والآثام.

تفسير قوله تعالى: (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم...)

ثم قال تعالى: نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ [الإنسان:28]، أي: عظامهم وغضاريفهم فقويناها، ولولانا ما كانوا، ولولانا ما قدروا على أن يقوموا ولا أن يجلسوا، فمن خلقهم؟ الله، فكيف لا يعبدونه؟ فكيف يكفرون به ويجحدونه ويعبدون غيره؟!

ثم قال تعالى: وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا [الإنسان:28]، أي: يمسخهم ربهم ويبدلهم غير هؤلاء، وسبحان الله! هنا لطيفة علمية: كثيراً ما نقول: هل تجد اثنين لا يَّميز بينهما؟ والله لا تجد، بل لو تجتمع البشرية كلها على صعيد واحد والله لا تجد اثنين لا يفرق بينهما، فسبحان الله! وأعظم من ذلك أنه لا يوجد واحد كالذي مات قبله، فلا إله إلا الله! فهذه هي العظَمة، وهذه هي القدرة، وهذا هو العلم، فمن مات منذ مائة سنة لو يبعثون لا تجد واحداً مثل واحد أبداً، ولا يوجد مثلهم مثلنا اليوم، فسبحان الله العظيم! فأي علم هذا؟ وأي عظمة هذه؟ هذا هو الله الذي يعبد ولا يعبد غيره، والكافرون والفاسقون والمجرمون يعصونه ويخرجون عن طاعته، ويا ويلهم يوم أن ينزل بهم عذاب ربهم في الآخرة! ويصيبهم الجوع والظمأ والبلاء والشقاء بلا نهاية، وفي الدنيا أيضاً يصيبهم البلاء والشقاء.

نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ [الإنسان:28]، عز وجل، وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ [الإنسان:28]، أي: خلقهم، وعظامهم، وذواتهم، وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا [الإنسان:28]، إي والله العظيم، إن الله على كل شيء قدير.

تفسير قوله تعالى: (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً)

ثم قال تعالى: إِنَّ هَذِهِ [الإنسان:29]، أي: هذه السورة المدنية-سورة الإنسان-التي قد عرض فيها مظاهر الكمال والعدل والرحمة والآداب والأخلاق والعلم والمعرفة، تَذْكِرَةٌ [الإنسان:29]، فمن قرأها أو سمعها تقرأ عليه وجد ما يتعظ به، فيذكر بها ربه ولقاءه.

فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الإنسان:29]، هيّا.. خذ طريقك إلى ربك، واعرفه، واعرف ما يحب وما يكره، وافعل المحبوب، واترك المكروه، وواصل مسيرتك إلى أن تقرع باب القبر، وتدخل الجنة بإذن الله تعالى.

فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الإنسان:29]، ألا وهو الإسلام.. سبيل الله، والإسلام أن تسلم قلبك ووجهك لله تعالى، ثم تطيعه فلا تعصيه، وتواصل مسيرك إلى ساعة وفاتك، فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الإنسان:29]، ليعرف الله ويحبه، ويعمل بطاعته ويصبح من أوليائه، اللهم اجعلنا منهم.

تفسير قوله تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله...)

ثم قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30]، ما عندكم قدرة على هداية أنفسكم، وبالتالي فاطلبوا الهداية من الله تعالى، وسلوه أن يرحمكم، وسلوه أن يعلمكم، وسلوه أن يفقهكم، إذ ليس هناك من يستغني عن الله تعالى، فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الإنسان:29]، ولكن إذا لم يشأ الله ذلك لم يكن أبداً، فلا بد من الحاجة إلى الله والافتقار إليه، وذلك بالدعاء والضراعة وسؤال الله طول الحياة الهداية والتوفيق، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30]، أولاً، لماذا؟ لأن الله عليم حكيم.

إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا [الإنسان:30]، بخلقه، حَكِيمًا [الإنسان:30]، في شرعه، فهذه هي صفات الكمال للرب تبارك وتعالى، فهو عليم بمن هو أهل للجنة وبمن هو أهل للنار، وهنا ألفت نظركم إلى أن الأرواح التي مسحها الله من ظهر آدم منها الشقي ومنها السعيد، فالشقي لا يمكن أن يسلم ولا أن يؤمن، بل حتى لو هددته بالقتل أو السجن فإنه لن يسلم حتى يدخل النار والعياذ بالله، ومن كان من أهل الجنة فأدنى كلمة يسمعها فإنه يستجيب ويؤمن ويعبد الله عز وجل، وذلك حتى يتحقق ويقع ما يكون في كتاب المقادير.

فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:29-30]، جل جلاله وعظم سلطانه، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا [الإنسان:30]، بخلقه، حَكِيمًا [الإنسان:30]، بعباده وحكمه فيهم، ومعنى هذا: افزعوا إلى الله فسلوه المغفرة والعفو والهداية والتوفيق دائماً وأبداً؛ فإنكم فقراء إليه وهو غني عنكم، ولا تتكبروا، ولا تتجبروا عليه.

تفسير قوله تعالى: (يدخل من يشاء في رحمته...)

ثم قال تعالى يخبر عن نفسه: يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ [الإنسان:31]، اللهم اجعلنا ممن تشاء إدخالهم في رحمتك، والحمد لله فقد أدخلنا في رحمته فهدانا إلى الإسلام، وأصبحنا نعبد الله فلا نشرك به شيئاً، ولا نخرج عن طاعته، ولا نفسق عن أمره ما استطعنا لذلك سبيلاً.

ثم قال تعالى: وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الإنسان:31]، أي: وأما الظالمون المشركون الفاسقون الفاجرون الذين خرجوا عن النظام، واعتزلوا الحق، وابتعدوا عنه فقد أعد لهم عذاباً موجعاً ألا وهو عذاب النار يوم القيامة والعياذ بالله تعالى.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

والآن مع هداية الآيات، قال الشارح: [ من هداية هذه الآيات: أولاً: حرمة طاعة ذوي الإثم وأهل الكفر في حال الاختيار ]، معشر المستمعين والمستمعات! لكل آية هداية، إذ ما أنزلها الله إلا ليهدي بها، فمن هداية هذه الآيات: لا يحل طاعة أهل الكفر والإثم إلا إذا كان إجباراً والحديد في عنقك، أما بدون إلزام أو إجبار فلا يحل لك طاعة فاسق ولا فاجر ولا كافر أبداً.

مرة أخرى: لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يطيع كافراً أو آثماً، إذ قال تعالى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [الإنسان:24]، اللهم إلا في حال الإكراه فقط، فهذا بلال عذبوه فقال له الرسول: أعطهم يا بلال ما يريدون، وهذا عمار كذلك عذبوه فقال له الرسول: أعطهم يا عمار ما يريدون، أما في حال الاختيار وعدم الضغط فلا يحل لمؤمن أن يطيع كافراً ولا آثماً في أي شيء كان، إذ إن الله ما أمره رسوله أن يطيع هؤلاء المشركين، مع أنهم عرضوا عليه الأزواج والأموال والأولاد، لكن فاصبر، ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً.

قال: [ ثانياً: على المؤمن أن يستعين بالصلاة والذكر والدعاء فإنها نعم العون ]، من هداية هذه الآيات الكريمة: الاستعانة على طاعة الله تعالى، والوقوف في جانب الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم الخروج عن الإسلام، نحتاج إلى أن نستعين على ذلك بالصلاة والتهجد بالليل، ففي هذا عون للمؤمن، وقد رأينا! والله ما من عبد يقيم الصلاة فيؤديها في أوقاتها خاشعاً أنه لا يعصي الله أبداً، بل لا يستطيع أن يعصي الله تعالى، واقرءوا: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، لكن أكثر الفسقة والفجرة ما يصلون، أو يصلون صلاة لا تنفعهم؛ لأنهم ما خشعوا فيها، ما عرفوا الله فيها، وإنما هي صلاة عادية لا تنفع، بل قد يصلي ويزني والعياذ بالله.

قال: [ ثالثاً: استحباب نافلة الليل ]، من هداية الآيات: استحباب نافلة الليل، ونافلة الليل تكون بعدما تصلي العشاء وقبل أن تنام، أو بعدما تنام ثم تستيقظ فتصلي إحدى عشرة ركعة، وذلك ركعتين ركعتين، ثم توتر بالحادية عشر، فهذا مستحب لكل مؤمن ومؤمنة.

قال: [ رابعاً: مشيئة الله عز وجل قبل وفوق كل مشيئة ]، فمن لم يشأ الله هدايته والله ما يهتدي، ومن لم يشأ الله إضلاله والله لا يضل، فالأمر أولاً وأخيراً كله لله تعالى، وبالتالي يجب أن نعود إلى الله في كل حالنا فنسأله ونتضرع إليه أن يحفظنا، وأن يقينا، وأن يكرمنا، وأن يعزنا؛ لأنه مالك كل شيء، والاستغناء عن الله -والعياذ بالله- هلاك في الدنيا والآخرة.

قال: [ خامساً: القرآن تذكرة للمؤمنين ]، القرآن سواء سورة الإنسان أو غيرها تذكرة للمؤمنين، فمن قرأه والله لقد ذكر الله تعالى، ومن استمع إليه والله لقد ذكر الله تعالى، وذكر الدار الآخرة والجنة والنار، وذكر الشريعة والعبادة كلها، ومن أعرض عن ذكر الله نسي والعياذ بالله تعالى.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الإنسان (3) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net