إسلام ويب

ذكرت سورة الحاقة جملة من أحوال الكون يوم القيامة، فإسرافيل ينفخ في البوق، وحينها تنشق السماء، والملائكة على أطرافها ويحمل العرش ثمانية أملاك أو صفوف، ويعرض الناس للحساب وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة، فمن أعطي كتابه بيمينه كانت العيشة الراضية نصيبه.

تفسير قوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الأمسيات الربانية ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن ما زلنا مع سورة الحاقة القيامة الساعة، ومع هذه الآيات المباركة، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع، قال تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:13-24].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ [الحاقة:13]، هذه الآيات تقرر عقيدة البعث والجزاء، أي: أن تعتقد اعتقاداً جازماً أنك ستبعث حياً يوم القيامة فتحاسب وتجزى على عملك خيراً أو شراً، والإيمان باليوم الآخر هو الركن الخامس من أركان الإيمان الستة، وعلى كل فهذا السياق كله في تقرير هذه العقيدة، فاسمعوا إلى الله وهو يقول: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ [الحاقة:13]، والذي ينفخ في الصور، أي: البوق، ملك اسمه إسرافيل، فإذا نفخ تلك النفخة صعق كل شيء وتحطم، وهذا أولاً.

تفسير قوله تعالى: (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة)

ثانياً: قال تعالى: وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً [الحاقة:14]، أي: أصبحت كلها كالتراب بتلك الصيحة .

تفسير قوله تعالى: (فيومئذ وقعت الواقعة)

فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ [الحاقة:15]، فيا من يسأل: متى تقع الواقعة؟ متى تقع القارعة؟ متى تقع الحاقة؟ الجواب: إذا نفخ في الصور نفخة واحدة؛ لأن هناك نفختين بعد ذلك، إذ النفخات ثلاث، فالأولى نفخة الفناء والدمار والتخريب، وذلك حتى لا يبقى شيء في الأرض ولا في السماء، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ [الحاقة:15]، أي: وقعت الساعة والقيامة.

تفسير قوله تعالى: (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية)

ثم قال تعالى: وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ [الحاقة:16]، أي: تذوب السموات السبع، سماء فوق سماء.

تفسير قوله تعالى: (والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية)

قال تعالى: وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17].

وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا [الحاقة:17]، أي: أن الملائكة يكونون صفوفاً يطوفون بالبشرية، وَالْمَلَكُ [الحاقة:17]، أي: والملائكة، عَلَى أَرْجَائِهَا [الحاقة:17]، أي: نواحيها وأقطارها.

ثم قال تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17]، أي: ويحمل عرش ربك يا رسول الله! أيها السامع الكريم! يومئذ ثمانية، والعرش هو سرير الملك، فالسموات والأرضون السبع كلها بين يدي الله تعالى، وهذا العرش يحمله أربعة من الملائكة أعناقهم تحت العرش وأرجلهم في تخوم الأرض السابعة، ويضاعف العدد يوم القيامة فيصبحون ثمانية، إذ الآن ومنذ أن خلقهم الله أربعة فقط، وبهذا أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم.

وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17]، أي: من الملائكة أصحاب الأجسام العظيمة، إذ يحملون هذا العرش الذي هو أكبر من الأرض بمليون مرة، بل أكبر من السموات والأرضين بملايين المرات، وبالتالي ما علينا إلا أن نقول: آمنا بالله.

تفسير قوله تعالى: (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية)

قال تعالى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ [الحاقة:18]، أي: يوم أن يقع هذا الذي سمعتم تعرضون على ربكم، والعرض ثلاث عرضات، فهذه هي العرضة الأولى، وهي عرضة الجدال والخصومة، فيقول العبد: أنا ما فعلت كذا وكذا، وفي العرضة الثانية تعطى فيها الكتب، وفي الثالثة ينزل الجبار عز وجل فيسعد السعداء ويشقي الأشقياء.

ثم قال تعالى: لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]، فأسرارنا وأعمالنا السرية والله تظهر كلها علانية لله تعالى، ولا يخفى شيء أبداً من سلوكنا وأعمالنا طيلة أعمارنا وحياتنا، ومستحيل أن يختفي سارق أو زاني أو كاذب أو حاج أو مجاهد أو مرابط أبداً، بل مهما أسررت العمل وأخفيته فالله به عليم، وكل ذلك ليجزينا به، ولو كان يخفى عليه بعض الأعمال ما يتم الجزاء أبداً كما يريد الله تعالى، فلهذا يقول تعالى: لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]، صغرت أو كبرت.

تفسير قوله تعالى: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه)

ثم بعد ذلك: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [الحاقة:19]، جاء الجبار عز وجل ووزعت كتب أعمالنا معشر المستمعين، فهذا العبد قد عُمِّر ثمانين سنة أو تسعين أو مائتين أو عاماً واحداً، والله لكل أعمالنا مكتوبة ومدونة، وقبل اليوم لا يسع المؤمن إلا أن يقول: آمنت بالله، فهذه الأعمال طيلة سبعين سنة أو ثمانين تكتب يومياً، فكم ستكون؟ قناطير وأطناناً من الكتب، ومع هذا نؤمن بذلك لأن الله قد أخبر بذلك، أما اليوم فقد سمعتم أن مكتبة فيها ألف كتاب في صفحة واحدة، أو مكتبة فيها ألف كتاب يجمعونها في ورقة، فانظر كيف نقترب من الساعة؟ وإلا فثمانين سنة والملائكة تكتب ليل نهار كم ستكون كمية الكتاب؟ أطناناً وقناطير من الكتب، فكيف ستجمع؟ وكيف تعطى في كتاب واحد؟ ولكن الله تعالى أخبر فقال: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ [الحاقة:19]، الوحيد، بِيَمِينِهِ [الحاقة:19]، وهو علامة سعادة العبد وإيمانه وسلامة عقيدته.

ولما يأخذ كتابه بيمينه يقول: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة:19]، أي: هاكم خذوا فاقرءوا كتابيه، فيخاطب بذلك كل البشرية الواقفة في عرصات القيامة، ومعنى هذا: أن كتابه كله حسنات، وليس فيه سيئة واحدة أبداً، حتى لو عمل السيئات فقد تاب منها في الدنيا وانمحت، وما بقي لها أثر.

تفسير قوله تعالى: (إني ظننت أني ملاق حسابيه)

ويعلل لذلك علة معقولة فيقول: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20]، وظننت هنا بمعنى: أيقنت، أي: علمت في الدنيا وأيقنت أنني ملاق حسابي، ومن ثَمَّ ما زنيت، وما فجرت، وما كذبت، وما سرقت، وما خدعت، وما تركت عبادة من عبادات الله تعالى، وما عصيت الله ولا رسوله أبداً؛ لأني مؤمن وموقن بهذه الساعة وبما في هذا الكتاب، فلهذا تفضلوا واقرءوا كتابيه، والله ما فيه سيئة، وإنما كله حسنات، وقد قلت لكم: إن فعل معصية فقد تاب منها وانمحت وما بقي لها أثر، إن هذا -والله- تعليل عجيب.

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ [الحاقة:19]، أي: هاكم، خذوا، اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة:19]، والأصل: كتابي، لكن للوقف والسجع قال: كتابيه.

إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20]، وهذا الظن بمعنى اليقين والعلم، إذ يطلق لفظ الظن على اليقين والعلم حتى اليوم، تقول: ظننتك كذا وكذا، بمعنى: أيقنت أنك كذا وكذا، إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20]، أي: إني أيقنت أني ملاق حسابي وجزائي على عملي في هذه الدنيا الخالية، المارة، الفانية.

تفسير قوله تعالى: (فهو في عيشة راضية)

قال تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [الحاقة:21]، أي: هذا الذي أوتي كتابه بيمينه وقال: تفضلوا فاقرءوا كتابيه، ثم علل ذلك بقوله: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20]، هذا والله لهو في عيشة راضية مرضية، ألا وهي الجنة دار السلام وما فيها من النعيم المقيم، فيا عباد الله! لم لا نتعظ؟ لم لا نعزم من الآن على التوبة والعودة إلى الرب ونحن نشاهد هذه الأحداث والله كأنها بين أيدينا لا ينتقص منها شيء أبداً كما تسمعون؟!

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة:19]، لماذا؟ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20]، فهو كتاب نقي طاهر، ليس فيه سيئة واحدة، ومن ثم قال تعالى بناءً على ذلك: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [الحاقة:21]، أي: في حياة السعادة، دار النعيم المقيم، وذلك من مآكل ومشارب ومطاعم، فماذا تقول في الجنة؟!

تفسير قوله تعالى: (في جنة عالية)

يقول تعالى: فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ [الحاقة:22]، أي: في جنة عالية فوق السماء السابعة، وهي الآن -والله- موجودة بما فيها من النعيم المقيم، بما فيها من أرواح المؤمنين الطاهرين، والمؤمنات الطاهرات.

تفسير قوله تعالى: (قطوفها دانية)

ثم قال تعالى: قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ [الحاقة:23]، والقطوف جمع: قطف، وهو ما يقتطف من تفاح، ومن عنب، ومن خوخ، ومن رمان، ومن تمر، ومن غير ذلك، فكل القطوفات دانية قريبة، فهو جالس متكئ ويجني ما شاء من أنواع الثمار، ولا يقوم ولا يتحرك ولا يحمل عصا، وإنما -والله- متكئ على سريره ويتناول ما شاء من الفاكهة.

قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ [الحاقة:23]، أي: قريبة متدلاة من أهلها في دار النعيم، وقد علمنا غير ما مرة أنك إذا اشتهيت شيئاً قل: سبحانك اللهم يحضر ما اشتهيته، فإن أكلت أو شربت حتى اكتفيت فقل: الحمد لله رب العالمين لا يبقى أمامك كأس ولا صحفة ولا آنية أبداً، إذاً فنعيم الجنة في ثلاث كلمات: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:10].

تفسير قوله تعالى: (كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية)

قال تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا [الحاقة:24]، أي: يقول لهم الرب: كلوا واشربوا، وتقول لهم ملائكته الموكلون بهم في الجنة: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا [الحاقة:24]، لا ألم فيه ولا تعب ولا نصب أبداً، وإنما أكل هانئ، فيأكلون ويشربون، فلا يمرضون، ولا يتألمون، ولا يتقيئون أبداً، وإنما يأكلون ما شاءوا أن يأكلوا من أنواع الفواكه واللحوم والأطعمة، ويشربون ما شاء الله أن يشربوا من أنهار الجنة الخمسة، وكل ذلك هنيئاً لهم فيه، بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24]، والأيام الخالية والله هذه التي نعيشها.

كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا [الحاقة:24]، بسبب ما أسلفتموه وقدمتموه من العبادات والطاعات لله عز وجل، وذلك من الجهاد، والرباط، والصلاة، والزكاة، والحج، والاعتمار، وقول الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام مع البعد عن الشركن والذنوب، والآثام، فهذا كله أسلفوه وقدموه في الدنيا، ومن ثم يقال لهم: بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24]، فأيامنا هذه -والله- ستخلو، فأمس قد خلا، والليلة ستخلو غداً، والأيام كلها خالية، فقولوا: اللهم اجعلنا منهم، اللهم قوّ عزائمنا في عبادتك وطاعتك، وأبعدنا عن الذنوب يا رب العالمين.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

والآن مع هداية الآيات، قال الشارح: [ من هداية هذه الآيات: أولاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء ]، من هداية هذه الآيات القرآنية التي تدارسناها بفضل الله ومنته علينا: تقرير مبدأ البعث والدار الآخرة، وأكرر القول: والله إن الرجل أو المرأة، أبيض كان أو أسود لا يؤمن بالدار الآخرة وما يجري فيها لا يصلح ولا يكون له شأن بين الناس أبداً، وهو شر الخلق، فلا يعول عليه، ولا يوثق فيه، ولا حتى ينظر إليه، إذ إنه شر الخلق؛ لأن من فقد هذه العقيدة ما يقف دون شر ولا باطل ولا سوء، إذ سيفعل كل منكر، لكن صاحب هذه العقيدة تحمله على أن يطيع الله ورسوله، تحمله على ألا يعصي الله ولا رسوله، تحمله على أن يعبد الله ويتقيه، لكن فاقدها هو شر الخلق والعياذ بالله.

قال: [ ثانياً: بيان كيفية الانقلاب الكوني لنهاية الحياة الأولى وبداية الحياة الثانية ]، من هداية الآيات: بيان كيف ينقلب الكون؟ كيف تنقلب هذه الحياة وتنتهي وننتقل إلى الحياة الثانية؟ وتبدأ ينفخ إسرافيل نفخة يذوب ويتحلل كل شيء، ولا يبقى حي في الأرض أبداً، فالسماء تذوب، والجبال تدك، ولا يبقى إلا الملائكة يحوطون بنا ونحن على صعيد واحد.

قال: [ ثالثاً: تقرير العرض على الله عز وجل للحساب ثم الجزاء ]، إي والله! سوف نعرض على ربنا وينظر إلينا ويحاسبنا ويجزينا، فمن عمل صالحاً أدخله الجنة، ومن عمل سيئاً أدخله النار، وقد قلت لكم: إن العروض ثلاثة.

قال: [ رابعاً: آثار الإيمان بالبعث والجزاء ظاهرة في سلامة كتاب المؤمن من السيئات، فقد علل لذلك بقوله: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20]، فلذا لم أعص ربي ]، من هداية الآيات: أن ثمار ونتائج العقيدة الصحيحة بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن الدار الآخرة حق؛ تتجلى حقائقها وتظهر ثمارها في سلوك العبد، فأيما مؤمن مستقيم لا يكذب، ولا يفجر، ولا يخون، ولا يكذب، ولا يشرك، فإن علامة ذلك أنه والله مؤمن بالدار الآخرة، أما المجرمون الفساق الفجار الكفار المشركون والله ما هم بمؤمنين، ولا يوجد في قلوبهم إيمان بالدار الآخرة، وإن سمعوها، وإن قالوا، لكن ما استقر في نفوسهم شيء أبداً، إذ لو استقر في قلب العبد أنه سيبعث ويسأل ويحاسب والله ما يعصي الله تعالى، بل ويعمل ما استطاع على أن يعبد الله ولا يعصيه.

قال: [ خامساً: إثبات حقيقة وهي قول العامة: الدنيا مزرعة الآخرة، أي: من عمل في الدنيا نال ثمار عمله في الآخرة، خيراً أو شراً ]، هذه اللطيفة أخذناها من العامة، إذ يقولون: الدنيا مزرعة الآخرة، والله العظيم! فهنا نزرع الشر أو الخير، ثم في الآخرة نحصد، لكن يختلف الناس في الزرع، فهذا يزرع الحنظل، وهذا يزرع الشيشة، وهذا يزرع البر، وهذا يعمل الصالحات، وهذا يعمل السيئات، فالدنيا مزرعة لكن الحصاد هناك، فهيا بنا نزرع ما يرضي ربنا عنا، فنزرع الإيمان والعمل الصالح، ولا نزرع الشرك والكفر والفسوق والفجور، وذلك لنكمل ونسعد عما قريب.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الحاقة (2) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net