إسلام ويب

حرص الكافرون من الأيام الأولى للدعوة على أن يؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين، وأن يسعوا سعياً حثيثاً في هلاكهم وانطفاء النور الذي معهم، فأمر الله نبيه هنا أن يخاطبهم في هذا الشأن مبيناً أن هلاك أحد أو نجاته إنما هو بيد الله وحده، وإنما الخسران والبوار على القوم الكافرين، والله عز وجل إليه المآل والمرجع، وبيده الأرزاق، وإن أراد حرمان أحد من إحدى النعم فلن يمنعه من ذلك مانع، وضرب مثلاً لذلك بنعمة الماء الذي جعله أساساً للحياة.

تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم)

الحمد لله, نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه, ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: ها نحن مع خاتمة سورة الملك، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [الملك:28-30].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ [الملك:28] الآية، الآمر هو الله جل جلاله، والمأمور محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فهو تعالى يقول: قُلْ أَرَأَيْتُمْ [الملك:28], أي: أخبروني إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ [الملك:28]. لأنهم كانوا يعملون الليل والنهار على أن يموت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يهلك ويهلك أصحابه المؤمنون في مكة، فقد حاولوا قتله, وعملوا العجب معه، فقال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ [الملك:28], أي: أخبروني إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا [الملك:28], ونجانا منكم وأدخلنا الجنة، فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الملك:28]؟ أي: لا أحد. وهذا معناه: سينجينا الله ويسعدنا, ويعذبكم ويشقيكم ويهلككم أيها الظلمة! الذين يريدون أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تفسير قوله تعالى: (قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين)

قال تعالى: قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا [الملك:29], أي قل لهم: إنما ندعو الله، وندعو للرحمن ليعبد في الأرض؛ لأنه خلق الخلق كله من أجل أن يذكر ويشكر. ونحن ندعو الله عز وجل, وندعو الناس إلى عبادته. هذا هو الذي ندعو إليه، وندعو الناس إلى أن يؤمنوا به، وإلى أن يعبدوه. فهو الله الرحمن الرحيم، كما قال تعالى: قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا [الملك:29] واعتمدنا, وفوضنا أمرنا إليه. وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتعزية له؛ ليصبر ويثبت حتى تنتهي المشكلة. وقد انتهت بعد الهجرة إلى المدينة، وفتح الله عليه مكة.

ثم قال تعالى له: فَسَتَعْلَمُونَ [الملك:29] في يوم من الأيام مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ [الملك:29] نحن أو أنتم في الدنيا؟ وقد عرفوا أنهم هم الضالون، حيث دخل الناس في دين الله من أطراف الجزيرة كلها، ثم يوم القيامة يعرفون الحقيقة, أي: أنهم هم الذين كانوا في ضلال، وكانوا في هداية. ويعرفون أن المؤمنين وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في هداية، وأن المشركين والكافرين كانوا في الغواية والضلال. فقد علموا هذا في الدنيا, ويعلمونه في الآخرة.

تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين)

قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ أَرَأَيْتُمْ [الملك:30]؟ أي: أخبروني إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا [الملك:30]؟ فإذا غار الماء من الآبار -ومنها زمزم- فكيف تستخرجونه؟ وبأي واسطة تستخرجونه؟ ولذلك قال تعالى: فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [الملك:30] غير الله؟ فإذاً: لا تكفروا بالله وبرسوله, ولا تحاربوا الله ورسوله في دينه, فليس لكم من الله ملجأ. وهذا ماؤكم الذي في حياتكم لو أصبح غوراً وغار في الأرض ولم يستطع أن يصل إليه دلو ولا غير ذلك فكيف تفعلون؟ ومن يأتيكم بماء معين؟ وسيقولون: لا أحد إلا الله. إذاً: فاعبدوا الله، وآمنوا برسوله وكتابه ولقائه، واعبدوا الله عز وجل.

هكذا يفقههم ويعلمهم ويبصرهم. فآمن من آمن وضل من ضل.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الملك (6) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net