إسلام ويب

إن المشركين من أهل مكة وممن حولهم من الأعراب كانوا يكذبون بالآخرة والحساب والجزاء، مما حملهم على تسمية الملائكة إناثاً، جهلاً منهم وسفهاً، وهذا إنما هو مما أوحى به إليهم الشيطان، فبيَّن الله عز وجل هنا أنه عليم بهم وبما يمكرون، يعلم سبحانه أهل الغواية كما يعلم أهل الهداية، فليس على النبي إلا الدعوة إلى الله والإعراض عمن كفر وتولى، واكتفى بمتاع الحياة الدنيا.

تفسير قوله تعالى: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى)

الحمد لله, نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فها نحن مع سورة النجم المكية، ومع هذه الآيات، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى * وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:27-30].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! سبق في السياق الكريم أن المشركين بمكة وما حولها من مشركي العرب ينكرون البعث والدار الآخر، لا يؤمنون بالدار الآخرة، ومن ثم أصبحوا يسمون الملائكة إناثاً، والله تعالى يقول مبكتاً إياهم وموبخاً: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ [الزخرف:19]؟ لما خلق الله الملائكة هل كنتم حاضرين، هل كنتم تشاهدون؟ كيف تقولون: بنات؟ ‏

أثر التكذيب بالآخرة في سلوك العبد

والعلة لهذا التكذيب وهذا الكفر وهذا الإنكار وهذا الشرك حصرها تعالى في تكذيبهم بالبعث الآخر؛ إذ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى * وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ [النجم:27-28].

وهنا فكل من كذب بالدار الآخر ولم يؤمن ولم يوقن بأنه سيحيا بعد موته وسوف يسأل عما عمل، وسوف يحاسب عليه، وسوف يجزى به إما بالنعيم المقيم في الجنة دار النعيم، وإما بالعذاب الأليم في دار الجحيم, من لم يؤمن بهذا الجزء من أركان الإيمان فهو شر الخلق، الذي لا يؤمن بالدار الآخرة وأنها حق، وأن هذه الحياة الأولى مؤقتة وستنتهي، وأن هذه الدار دار عمل فقط, أما الجزاء ففي الدار الأخرى، أن هذه الدار الدنيا دار عمل خيراً كان أو شراً، إيماناً أو كفراً، توحيداً أو شركاً، هكذا شاءها الله، أما الجزاء على العمل فليس هنا وإنما هو في الدار الآخرة، فأوجد الله تعالى الدار الآخرة من أجل أن يجزي فيها العاملين في الدار الأولى هذه، فالذي لا يوقن أنه سيبعث وسيحاسب على كل عمله وسيجزى به لا خير فيه أبداً، ولا يعول عليه في شيء، ولا يوثق فيه في شيء أبداً.

وانظر إلى العالم الكافر من الأمريكان إلى اليابان، ما سبب كفرهم؟ والله! إنه عدم إيمانهم بالدار الآخرة، لو آمنوا بالدار الآخرة لجاءوا يسألون المسلمين: كيف ننجو يوم القيامة؟ ما هي الأعمال التي ننجو بها، دلونا على ذلك؟ وسيصبحون مسلمين، لكن لا يؤمنون بالبعث والدار الآخرة، وهذا -والعياذ بالله تعالى- عمىً في القلوب، لم أوجدكم الله؟ لم يميتكم؟ أللعبث واللهو والباطل؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، أنت تبني عمارة فهل تبنيها لتعبث بها وتهدمها؟ تغرس شجرة ثم تعبث بها؟ فكيف يخلق الله هذا الخلق لا لشيء وإنما لعبث فقط؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

معشر المستمعين! يجب أن يكون إيمانناً بالدار الآخرة كإيماننا بالله، إيماناً يقينياً لا ريب فيه ولا شك ولا اضطراب أبداً، وبذلك نستطيع أن نستقيم طول حياتنا، فلا نميل يميناً ولا شمالاً، بل نمشي في طريق الحق حتى يتوفانا الله عز وجل.

والمشركون كانوا يؤمنون بالله، لكن إيمان جهالة وعدم علم وبصيرة، يؤمنون بالله وما عرفوه وما سألوا عنه؟ فلما نزل القرآن يبين صفات الله أعرضوا عنه؛ لأن الشياطين تمنعهم، فكانوا شر الخلق.

تزيين الشيطان موبقات الجرائم للخلق

هكذا يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ [النجم:27] أي: بالدار الآخرة، بالحياة الآخرة الآتية, لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى [النجم:27], قالوا: بنات الله، قالوا: إن الله أصهر إلى سروات الجن فأنجب الملائكة وهن بنات، وهذا -والله- من الشيطان, ولا يقوله إنسان من عنده أبداً، ولا يقع في قلبه، ما هو إلا وحي إبليس فقط, إبليس زين لهم هذا، أنه أصهر الله إلى سروات الجن, ومن خلق الجن حتى يتزوج الله ببناتهم؟!

وهكذا ما زال الشيطان إلى الآن يزين الزنا، يحسن اللواط، يزين الربا، يحسن القتل وسفك الدماء، يحسن الكذب والخيانة.. وهكذا كل جريمة الشياطين هي التي تزينها وتحسنها، فزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل.

ونحن نقول: الملائكة خلق الله، خلقهم من مادة النور، خلقهم ليعبدوه فقط, وهم موجودون منذ أن خلقهم الله، ولهم أعمال يقومون بها, وقد عرفتم الكثير منها، منها أن كل واحد منا معه ملكان بالنهار وملكان بالليل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ), إذا صليت العصر تسلم اثنان منهم العمل، فيكملان النهار معك والليل كله، فإذا صليت الصبح يستلم عمل النهار الملكان الآخران.

فلهذا كانت هنا فضيلة عجيبة, وهي لمن يشهد صلاة الصبح وصلاة العصر مع المؤمنين في بيوت الرب، هذه فضيلة عظيمة؛ إذ يسألهم الرب تبارك وتعالى: كيف وجدتم عبادي وكيف تركتموهم؟ فيقولون: وجدناهم في الصلاة وتركناهم في الصلاة، وهو -والله- كذلك، وجدناهم في صلاة الصبح ووجدناهم في صلاة العصر، معناه أنه ليس عندهم عمل باطل أبداً، وحقاً وصدقاً أن الذي يشهد الصلاتين مع إيمانه ويقينه بالله وبلقاء الله والدار الآخرة يستقيم طول نهاره وطول ليله، لا تزل قدمه ولا يقع في جريمة من الجرائم؛ لأنه حي بصير سميع، وصاحب القلب الميت والانتكاسة الشيطانية يقع في كل المفاسد والمهالك.

إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ [النجم:27] أي: بالدار الآخرة، لم سميت الآخرة؟ لأن هذه هي الحياة الأولى, والثانية الدار الآخرة.

تفسير قوله تعالى: (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً)

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى * وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ [النجم:27-28], من أين جاءهم العلم؟ هل رووه عن الأئمة أو عن العلماء أو عن الأنبياء والمرسلين، هل نزل به كتاب الله؟ من أين أتاهم العلم؟ ما لهم من علم أبداً، لا عقل ولا رواية ونقل أبداً, إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ [النجم:28] فقط، والله! ما يتبعون في أقوالهم وعباداتهم وأهوائهم وما هم عليه إلا الظنون، أما الحق فلا، وما عرفوه وما وصلوا إليه؛ لأن الحق يأتي من طريق الله، من طريق رسله وأنبيائه، من طريق العلماء، من طريق كتابه ووحيه, فكيف يعرفون وهم يعيدون عن ذلك كل البعد؟

إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم:28] هذه لنا كما كانت لهم، اعلموا أنه يجب علينا ألا نعيش على الظن أبداً، دائماً على اليقين، فإن قلت كلمة فقلها على علم، وإلا فاسكت لا نتكلم بالظن أبداً، وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إياكم والظن ) احذروا, ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ).

معشر المستمعين! يجب أن نسمو، أن نعلو، أن نرتفع، أن نكون في درجتنا التي أنزلنا الله فيها وهي الإيمان بالله ولقائه والدار الآخرة، أننا لا نقول بالظن أبداً، لا تقل: أظن فلاناً فعل، وفلاناً قال كذا، وفلانة قالت كذا, فهذا لا يجوز، لا يجوز أبداً عندنا إلا اليقين فقط.

واسمعوا قوله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي [النجم:28] أدنى غنىً مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم:28], فإن سئلت عن شيء فقل الحق ولا تتكلم بالظن أبداً، وإن أردت شيئاً فلتطلبه بالحق لا باللهو ولا باللعب، ما نخرج عن دائرة الحق أبداً، وهذا شأن المؤمنين أولياء الرحمن المتقين.

تفسير قوله تعالى: (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا)

ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النجم:29], لو كان رسول الله موجوداً الآن فسيعرض عن الملايين، أعرض, أعطهم عرضك ولا تلتفت إليهم ولا تنظر إليهم ولا تتكلم معهم، من هؤلاء؟ المصابون بهذا المرض العظيم: عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا [النجم:29] فلم يقرأ القرآن ولم يسمعه ولم يتعلمه ولم يعمل بما فيه، وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النجم:29], لم يرد إلا الأكل والشرب والنكاح، إلا اللباس والثياب، السكن، السيارات، الأموال.. هذه مهمتهم، هؤلاء يجب الإعراض عنهم، لماذا؟ لأنهم آيسون من رحمة الله، أعرضوا عن ذكر الله وعبادته وطاعته وأقبلوا على الشهوات والأهواء والأطماع والدنيا وأوساخها.

فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا [النجم:29] أي: أعرض عن القرآن وعبادتنا, وَلَمْ يُرِدْ [النجم:29] في دنياه شيئاً إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النجم:29], ما يذكر الآخرة ولا يفكر فيها أبداً، ولا يسأل عنها, همه فقط أن يأكل ويشرب وينكح ويلبس، وهذه الصورة يتمثلها ملايين البشر، وأعظم أولئك المنكرون للدار الآخر والمكذبون بها، أما المؤمنون بالدار الآخرة فما يستطيعون أن يستمروا على المعصية، ما يثبتون على المعاصي, يتراجعون ويتوبون، أما الذي لا يؤمن بلقاء الله والدار الآخرة فهذا يعصي الله ألف سنة ولا يبالي ولا يعرف التوبة ولا يتوب أبداً.

فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النجم:29], والآية الكريمة -يا أهل العلم- منسوخة بآية الجهاد، متى هذا؟ لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة وما معه رجال، والمؤمنون أقلية والكافرون هم المالكون والحاكمون، فماذا يصنع رسول الله مع هؤلاء؟ يعرض عنهم؛ لأنهم عمي صم بكم ما يستفيدون منه، لكن لما نزل بالمدينة وقوي برجاله ومن معه شرع الله له الجهاد فأمره بقتالهم حتى يؤمنوا ويسلموا ويدخلوا الإسلام، لكن بالنسبة إلينا الآن ما عندنا إلا هذا، نراهم فاسقين فاجرين كافرين فهل نقاتلهم؟ ما لنا إلا أن نعرض عنهم، ما عندنا قدرة على قتالهم، لو أن عندنا قدرة على قتالهم فهل سنسمح بدولة إسلامية لا تطبق الشريعة؟ أعوذ بالله! لن نرضى بهذا ولن نسمح أبداً، ونلزمها بأن تطبق شرع الله عز وجل، لكن لما كنا كعهد الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ما علينا إلا العمل بظاهر الآية: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النجم:29].

تفسير قوله تعالى: (ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى)

ثم قال تعالى: ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [النجم:30] هذه حقيقة أخرى، هذا مبلغهم من العلم, فالذين يحكمون المسلمين ولا يطبقون شرع الله ولا يقيمون حدود الله ولا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، ويرضون بالزنا والربا والخمر والفساد والشر، هذا منتهى علمهم, هذا مبلغ علمهم، ما علموا، والله! لو علموا علم اليقين لما استطاع أحدهم أن يبيت ليلة واحدة وهو فاسق أو فاجر، ما يقوى على هذا، هذا مبلغهم من العلم.

والآن يسمونهم بالعلمانيين والعولمة من جديد، فلا شيء إلا العلم فقط، فالعلم عندهم هو الذي يجلب لك الطعام والنكاح والشراب، أما قولك: آمنت بالله ورسوله، آمنت بالدار الآخرة، هذا حرام, هذا حلال؛ فلا، فالوقت ما هو بوقته! والعياذ بالله تعالى.

هذه الآية كأنها نزلت الليلة: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النجم:29] فقط, لا يبني مسجداً ولا يقرأ آية من كتاب الله، ما له هم إلا الدنيا.

ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:30] إي والله، إن ربك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ [النجم:30] ما سبيل الله؟ الطريق الموصلة إلى رضاه وإلى جواره في دار السلام، ما هذه السبيل؟ هي إسلام القلب والوجه للرب, فيصبح العبد لا يرى إلا الله، لا يخاف إلا الله، لا يعطي ولا يمنع إلا من أجل الله، لا يقوم ولا يقعد إلا لله، لا ينام ولا يستيقظ إلا من أجل الله, ذلك هو المسلم, أسلم قلبه لله ووجهه.

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ [النجم:30] إن ربك يا رسول الله هو أعلم بمن ضل عن سبيله، ضل عن السبيل: ترك الطريق وما عرفها.

فالكفار، المشركون، الخرافيون، الضُلّال، الفساق، الفجار.. كلهم ما هم في الطريق، ضلوا السبيل، مشغولون بأهوائهم وشهواتهم، فالله أعلم بهم, ومعنى هذا أنه سيجزيهم على جهلهم وشركهم وكفرهم وفسقهم وفجورهم، يعلن أنه أعلم بهم منك يا رسول الله، وذلك من أجل أنه سيجزيهم على شركهم وكفرهم وفسقهم وفجورهم.

وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:30] واستقام ومشى إلى باب الجنة, وذلك الطريق الذي علمتموه أيها المستمعون, فعن يمينك الفرائض والواجبات، وعن شمالك المحرمات والمكروهات, وأنت ماش لا تترك واجباً عن يمينك، ولا تفعل محرماً عن شمالك، إلى متى؟ إلى أن تلفظ أنفاسك وتموت في هذه الدنيا, هذا هو الصراط المستقيم.

لا أنه يمشي في الصراط ويترك واجباً ويفعل محرماً، يمشي خطوات فيفعل واجباً ويترك واجباً، ويفعل محرماً, فهذا يتخبط، فهل هذا يهتدي؟ هل هذا يصل إلى باب الجنة؟ لا بد من الاستقامة, ما هناك اعوجاج لا عن يمين ولا عن شمال، أي: لا تترك واجباً أوجبه الله، ولا تفعل محرماً حرمه الله, سواء كان معتقداً أو قولاً أو عملاً أو صفة أو ذاتاً.

والله تعالى نسأل أن يهدينا وأن يوفقنا لما يرضيه، وأن يعيننا على ذلك؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

[ هداية الآيات:

من هداية الآيات:

أولاً: أكثر الأمراض مردها إلى قلب لا يؤمن بالآخرة ].

من هداية الآيات التي جاءت هذه الآيات تحملها لنا: أن أكثر الفسق والفجور والظلم والشر والفساد منشؤه عدم الإيمان بكتاب الله ولقاء الله، واحلف بالله ولا تحنث، كل الشرور والمفاسد في الشرق والغرب ناتجة عن عدم الإيمان بالله ولقائه.

[ ثانياً: أكثر الفساد في الأرض هو نتيجة الجهل وعدم العلم اليقيني ].

من هداية الآيات: أن أكثر الفساد في الأرض من شر وفساد وخبث وكفر ناشئ عن عدم العلم، ما علموا، فالذي عرف الطريق يسلكه، والذي ما عرف يتخبط فيمشي يميناً وشمالاً، فأكثر ما في المؤمنين والكافرين من الفسق والفجور والشر والفساد ناتج عن عدم العلم، أما قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]؟ حصر الخشية فيهم, وهل جاهل يخشى الله؟ والله! ما يخشاه، ما عرف الله بجلاله وكماله وعظمته وقدرته حتى يخافه ويرهبه, ما عرف، فلهذا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.

وها هي المدارس في العالم الإسلامي عامة، لكن الشيطان حول الهدف من كونها طريقاً إلى أن يعبد الله إلى الوظيفة، فالآن المدارس في الشرق والغرب للبنين والبنات لا هم لها إلا الوظيفة، اسأل رب البنت أو أبا الولد فسيقول: الوظيفة، ما يسأله هل صلى أو ما صلى، ذكر الله أو نسيه!

لهذا فالذي أقوله والله يشهد: إن أردنا أن نتوب توبة نصوحاً، إن أردنا أن نرجع إلى هدي محمد صلى الله عليه وسلم فلنسلك هذا المسلك الذي سلكه نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو إذا مالت الشمس إلى الغروب وآن أوان المغرب يجب أن يقف العمل في بلادنا، لا دكان مفتوح ولا مقهى ولا مصنع ولا متجر، ونتوضأ ونأتي بنسائنا وأطفالنا إلى مسجد الحي، إلى جامع الحي الذي يتسع لنا كلنا رجالاً ونساء وأطفالاً، نصلي المغرب كما صلينا، ونجلس كما جلسنا, وليلة آية من كتاب الله نرددها حتى تحفظ، يحفظها الرجال والنساء والصغار والكبار في ربع ساعة، ثم تشرح لنا وتفسر لنا، فنعلم مراد الله منها، فإن كان عقيدة اعتقدناها، وإن كان أدباً تأدبنا به، وإن كان واجباً قمنا به، وفي الليلة الثانية حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في ربع ساعة يحفظ، فإذا حفظ شرح وبيّن، وهكذا طول العام، فهل يبقى جاهل في القرية أو جاهلة؟ والله! ما يبقى.

وإذا انتفى الجهل وانتهى انتهاء كاملاً فهل يقع الفسق والفجور والظلم والشر؟ والله! لا يقع، ما نحتاج إلى عسكر ولا بوليس، أما قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]؟ فهل العلماء يزنون، هل العلماء يسرقون، هل العلماء يكذبون، هل العلماء يفجرون؟ العلماء ما يفعلون ذلك؛ لأنهم عرفوا الطريق إلى الله، فالجهل هو المحنة, هو المصيبة, وقد فتحنا المدارس وحولها إبليس إلى دنيا لا إلى أخرى، حتى نبقى وتبقى هذه الأمة هابطة.

[ ثالثاً: التحذير من الماديين؛ فإنهم شر وخطر, وواجب الإعراض عنهم لأنهم شر الخليقة ].

من هداية هذه الآيات التي تدارسناها: أنه حذرنا ربنا من عباد الدنيا والشهوات وأطماعها، حذركم من أرباب الدنيا والعاملين لها ليلاً ونهاراً، هؤلاء لا خير فيهم.. لا خير فيهم.. لا خير فيهم، فاحذرهم وابتعد عنهم، أعرض عنهم ولا تلتفت إليهم؛ لأنهم ما عرفوا الله ولا أقبلوا عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة النجم (3) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net