إسلام ويب

بعد إسلام أبي بكر الصديق قام رضي الله عنه من أول يوم بدعوة من يتوسم فيهم قبول الدعوة من رجالات قريش، فقام سراً بدعوة عثمان رضي الله عنه، فما لبث أن أسلم، ثم توالى دخول طليعة الصحابة في الإسلام كالزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص وغيرهم، فكانوا هؤلاء هم اللبنة الأولى التي قامت عليها دعوة الإسلام، ثم توالى دخول الناس في الإسلام أفراداً أفراداً على تخوف من قريش وبطشها.

إسلام الصديق وأثره في الدعوة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

قد انتهى بنا الدرس إلى مقطوعة [إسلام الصديق وأثره في الدعوة] إسلام أبي بكر الصديق وأثر إسلامه في دعوة الإسلام، أي: في انتصارها وانتشارها.

قال: [لقد أسلم الصديق مبكراً] وقد علمنا أن أول من أسلم من الرجال الصديق ، ومن الأطفال علي ، ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة [إذ هو أول من أسلم من الرجال الأحرار كما تقدم] وأنتم تعرفون قيمة الأسبقية، يقول الله عز وجل: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:10-11] [وقد تَوَجه الرسول صلى الله عليه وسلم] ومعنى (توجه): وضع على رأسه تاج العز [بكلمة] ليس بتاج من نحاس أو فضة أو ذهب، ولكن بكلمة تساوي ألف تاج وتاج [لم يظفر بها أحد غير أبي بكر الصديق ، وهي قو له صلى الله عليه وسلم: (ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر)] والكبوة التأخر وعدم التقدم [( وترددٌ إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له، وما تردد فيه )] ومعنى عكم: تريث وتأمل، ولكنه على الفور آمن.

وأعيد هذا التاج من الكلم المحمدي عليه الصلاة والسلام: يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( ما دعوت أحداً إلى الإسلام ) أي للدخول فيه، وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام؟ إي نعم. أما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ [النحل:125]، وقال: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94]، قال: (إلا كانت فيه عنده كبوه ونظر وتردد، إلا ما كان من أبي بكر الصديق ، ما عكم عنه حين ذكرته له، وما تردد فيه )، فاز بها ابن أبي قحافة رضي الله عنه.

[وكان الصديق رضي الله عنه في سن قريبة من سن الرسول صلى الله عليه وسلم] لعله ليس بينهم إلا أشهر [وكان ذا حسب ونسب في ديار مكة وبين سكانها] ما كان صعلوكاً من أمثالنا، أو شخصاً عادياً، بل كان ذا حسب ونسب ومكانة في مكة (أم القرى) [وهو وإن لم يكن هاشمياً] أي ليس بهاشمي النسب [فهو تيمي قرشي] وحسبه أنه من قريش [يمتاز بحسن الخلق، وكرم النفس، والمعرفة بأنساب العرب؛ حتى إنه ليضرب به المثل في ذلك] كان نساباً وحيداً، يعرف قبائل العرب وأفخاذها وبطونها من عدنان.

[وما إن أسلم رضي الله عنه عن قناعة وعلم] فلم يسلم وهو متردد أو شاك أو مرتاب، أو عن جهل فدخل في الإسلام بدون علم، ولكن أسلم عن علم وقناعة [بما دخل فيه من دين الله تعالى، حتى أخذ يتصل بخيار رجالات قريش في مكة] ما إن أسلم -على الفور- عن علم وقناعة، وفهم الدين الإسلامي الذي دعاه إليه صديقه صلى الله عليه وسلم حتى أخذ يتصل بخيار رجالات قريش في مكة، فيزورهم بالليل أو بالنهار في مكان يخلون فيه بأنفسهم [يعرض عليهم الإسلام سراً] فقط؛ إذ ممنوع من يتكلم باسم الإسلام [فأجابه وأسلم على يديه نخبة ممتازة كان لها] أي: لتلك النخبة الممتازة [الأثر الكبير في نشر الدعوة داخل مكة وخارجها. وأفراد هذه الطليعة] التي كانت بسبب أبي بكر [هم:

عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الخليفة الراشد رضي الله عنه وأرضاه] أسلم عثمان بدعوة أبي بكر [ويكنى بـأبي عبد الله أو بـأبي عمرو ] منهم من يقول: أبو عبد الله ، ومنهم من يقول أبو عمرو [ويلقب] والكنية غير اللقب [بـذي النورين ] فالكنية ما صدّرت بأب أو أم، واللقب ما كان للمدح أو الذم. ويلقب هذا الخليفة الراشد بـذي النورين [لتزوجه بابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم] إذ تزوج ببنتين من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فاز بهذا أحد سوى أبي عبد الله عثمان بن عفان ، فـعلي تزوج بـفاطمة فقط، أما هذا فتزوج بابنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة رضي الله عنها، وهما [رقية ثم أم كلثوم رضي الله عنهما] تزوج رقية وبعد أن ماتت تزوج أم كلثوم ، وهما بالبقيع، ولهذا يلقب بـذي النورين؛ لأنه أخذ نوراً ولما انطفأ زاد نوراً ثانياً. من وهبه هذا ومن أعطاه؟ إنه الله، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورغم ذلك ذبحوه في بيته الماديون المتكالبون على الدينار والدرهم، فقد أثار الاشتراكيون في مصر والعراق والشام الثائرة على عثمان ، يقولون: عثمان يفعل بالأموال ويتصرف فيها ويوظف بني عمه ويعمل ويعمل .. حتى ألبوا عليه الدنيا، وجاءوا بالآلاف وحاصروا المدينة النبوية. أرأيتم قبح المادة ورجالها؟!

والثاني من تلك الزمرة الطاهرة الطيبة: [الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي ] وهذا قرشي أيضاً وليس بهاشمي [يكنى بـأبي عبد الله ] لأن ولده عبد الله ، صاحب المفاخر والمواقف العظيمة، وكذلك أمنا عائشة تكنى به؛ لأنه ابن أختها، وهي لم تلد فكنيت بـأم عبد الله ، تعني ابن أختها، فـالزبير أبو عبد الله ، وعائشة أيضاً أم عبد الله . وفضل الله عظيم!

[وهو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم] عيسى بن مريم له حواريون، والزبير حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أعظم من حواري عيسى وأجلّ .. والحواريون هم الأنصار، وليس هناك حاجة إلى ذكر عيوب بني إسرائيل [وابن عمته صفية بنت عبد المطلب ] الزبير ابن عمة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن صفية بنت عبد المطلب ، أخت عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ابن عمته رضي الله عنه وأرضاه.

ثالثاً: [عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة القرشي ذو الهجرتين رضي الله عنه وأرضاه] الهجرة الأولى إلى الحبشة، والثانية إلى طيبة (المدينة النبوية).

لو كنا في الهند أو في الغرب ونتكلم عن المدينة نهتز، والآن تجمدت أرواحنا، ولهذا يُرتكب فيها الذنوب والآثام، والذي يرتكب الذنوب في المدينة كالذي يرتكبها في المسجد، لأنها حرم؛ ولهذا أنصح الذين لا يريدون أن يستقيموا أن يرحلوا منها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( المدينة حرام من عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل )، وهل بلغ هذا إخواننا؟ إي بلغ، ولكنهم لا يبالون. وسبب عدم مبالاتهم أنهم ما عرفوا الله، ولا عرفوا ما عنده ولا ما لديه؛ فلهذا هم تائهون في ضلال المادة وأباطيلها، تخرج من المسجد النبوي فتجد أمامه ما هو معلق، يسميه أهل المدينة (الدش)، يلتقط فيه كل صورة قبيحة من العالم، من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، والرجل أمامه يضحك مع امرأته وبناته وأولاده، يتنزهون ويرفهون عن أنفسهم.

هؤلاء يدخلون تحت تلك اللعنة أم يخرجون؟ والله إلا أن يتوبوا، فإن عجلوا بالتوبة نجو، وإلا فحولهم تدور، لا يقبل منه صرف ولا عدل.

ورابع الطليعة: [سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاص -والد سعد - مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي ، خال الحبيب صلى الله عليه وسلم إذ جد سعد أهيب عم آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه مجاب الدعوة حتى قيل فيه: احذروا دعوة سعد . فرضي الله عن سعد وأرضاه] ومعنى مجاب الدعوة أنه إذا سأل الله تعالى شيئاً أعطاه، وقد ظفر بهذا الكمال بواسطة الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مع رغبته هو، فنحن دائماً نقول في المشيئة الإلهية: إن الله يدخل من يشاء في رحمته، ولكن لا يظن بمن يغني أنه يدخل في الرحمة وهو لا يريدها! فلابد وأن تطلب الرحمة وتقرع أبوابها، ومن ثم لا يطردك الله.

إذاً: طلب أن يكون مجاب الدعوة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: يا رسول الله! ادع الله تعالى لي أن يجعلني مجاب الدعوة، أي: سله أن يجعلني من مجاب الدعوة، فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( أطب مكسبك تجب دعوتك ) وهذه الجملة -والله- خير من ألف ريال، فالكسب الذي تكسبه وبه تأكل وتشرب وتكتسي وتسكن وتركب -هذا الكسب- اجعله حلالاً أي: لا تأكلن إلا الحلال، ولا تشربن إلا الحلال، ولا تلبسن ولا تركبن ولا تسكنن إلا من حلال، فإذا أصبحت كذلك تجاب دعوتك -ومن أراد منكم أن يبتدئ فمن الليلة إن شاء الله- لأن الذي لا يطيب مكسبه تتعلق به حقوق الآخرين، ويدعون عليه، فكيف ينجو؟ كيف يرقى إلى مستوى أن تجاب دعوته ونفسه تتلوث وتصاب بالظلمة والعفن؟ مثل هذا لا يُرفع له عمل إلى الله، فكيف ترفع له دعوة؟

إن هذه الكلمة -أقسم بالله- لهي خير من أكبر منهج وضع للسياسية الأمنية في العالم، التي هي عبارة عن برامج ومناهج البوليس والأمن، كتب وخطط يتنافسون فيها، هذه الكلمة -والله- أنفع من تلك كلها، فلو أخذ كل واحد منا وواحدة بهذه الكلمة ما بقيت سرقة ولا غش، ولا خداع، ولا شهادة زور، ولا باطل، ولا احتيال .. فماذا نبغي بالعسكر أو البوليس؟!!

هذا أستاذ الحكمة صلى الله عليه وسلم ومعلمها يقول: ( أطب مكسبك تجب دعوتك )، فأهل القرية إذا استقاموا على منهج الله، وأصبحت قلوبهم وأرواحهم أنوار تتلألأ كأنهم كوكب في السماء وهم في الأرض، ستستنير بهم الأرض كما تستنير السماء بالكواكب.

وخامس هؤلاء الطليعة: [طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب القرشي ، يكنى بـأبي محمد الفياض أحد العشرة المبشرين بالجنة، قتل في وقعة الجمل رضي الله عنه وأرضاه] ووقعة الجمل وقعت لما حدث الخلاف بين علي ومعاوية ، وقامت أم المؤمنين -وسيطة الخير- التي لم تعرف الدنيا وسيطاً مثلها لا من الرجال ولا من غيرهم وحدث الذي حدث، تلك هي وقعة الجمل. وهناك استشهد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [فهؤلاء النفر الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه] وهم خمسة رجال أسلموا على يد الصديق رضي الله عنه، والجائزة هي: ( لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )، والحمر واحد أحمر، وهو البعير الأحمر، والجمع حُمُر، (والنعم) الإبل، وأغلى أنواع الإبل هي الحمر، لا البيض العيس ولا السود [يضاف إليهم علي رضي الله عنه وزيد رضي الله عنه، وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين فيصبحون ثمانية أنفار] وإلى الآن: ليس في الإسلام إلا رسول الله وثمانية أنفار [هم أهل السبق في الإسلام، إذ آمنوا وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل كل أحد من الناس باستثناء السيدة خديجة رضي الله عنها إذ كانت أول المؤمنين].

نتائج وعبر من مقطوعة: (إسلام الصديق وأثره في الدعوة)

قال: [نتائج وعبر: من نتائج هذه المقطوعة من السيرة العطرة ما يلي:

أولاً: بيان فضل أبي بكر الصديق ] فهل تشكون في فضله؟ أو لعل بينكم من يلعنه -والعياذ بالله-؟!!

[ثانياً: بيان فضل الدعوة إلى الله، وفضل من يهدي الله على يديه فرداً أو أفراداً.

ثالثاً: بيان شرف هؤلاء الأنفار الثمانية لسبقهم في الإسلام؛ إذ أثنى تعالى عليهم في قوله: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100]].

سبحان الله! رضا الله عنهم مقبول محمود، أما هم فكيف يرضون عن الله؟ إكرام الله لهم بإعطائهم كل ما سألوا، وبالتالي رضاهم عنه عز وجل بما آتاهم وأعطاهم.

أفواج السابقين بعد الأولين

والآن مع [أفواج السابقين بعد الأولين] الأولين كانوا ثمانية فقط، والآن تأتي الأفواج بعد هذا، فوج بعد فوج.

[وما إن أسلم أولئك النفر الكرام، حتى تتابع أشراف قريش يدخلون في الإسلام فيؤمنون بالله رباً وإلهاً، لا إله غيره، ولا ربّ سواه، وبمحمد نبياً ورسولاً، وبالقرآن هدى ونوراً].

لما ظهرت هذه الطليعة كالكواكب الزهر، وبالطبع الناس يقلدون -وتعرفون التقليد عندنا يقلد بعضنا بعضاً- لكن من يُقلّد أكثر ويقبل إذا كان ذا شرف ومكانة ورئاسة، فإنه يتبع بسرعة، أما الفقير والمسكين فلا يقلد بكفاية

قال: [فأسلم -أولاً- أبو عبيدة عامر بن الجراح القرشي الملقب بأمين هذه الأمة] نحن عندنا أمين للمدينة، وهذا أمين أمة الإسلام قاطبة، ما فاز بهذا غيره، وملقبه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو [أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو الذي انتزع -بأسنانه- من رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقتي الدرع يوم أحد] الرسول صلى الله عليه وسلم دخل الدرع في وجهه، فمن ينتزعه؟ ليس عندهم سيارة إسعاف ولا أطباء .. أتى أبو عبيدة فانتزعهما بأسنانه حتى سقطت [فسقطت بذلك ثناياه رضي الله عنه وأرضاه] وهذا شرف له، ويبعث يوم القيامة هكذا.

أبو سلمة : عبد الله بن عبد الأسد بن هلال القرشي ، وأمه برة بنت عبد المطلب ] هل أسميتم من بناتكم برة؟ لا.. لا، ولكن سميتم بيان ورانيا، المهم: من ولدت له في هذا الأسبوع بنتاً فليسمها برة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف أن يكون هذا في معنى التزكية للنفس، فلما سأل الجارية: ما اسمك؟ قالت: برة ، قال: لا، أنت زينب .

إذاً: نسخنا ذلك الحكم! والحمد لله، لأن برة من البرور، والله يقول: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32] ومعناه: أنه كان يصحح الأخطاء، فهو مسئول عظيم، رجل الأمة صلى الله عليه ألفاً وسلم.

قال: [فهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هاجر الهجرتين وشهد بدراً] ومعنى شهد بدراً: حضر وقعة -معركة- وغزوة بدر؛ لأن الذين حضروا غزوة بدر سجلوا في ديوان السابقين، وأعطوا شهادة أو وساماً ما حلم به أحد؛ إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـعمر -لما أراد أن يضرب رأس ذاك الذي راسل قريشاً عن حسن نية وهو حاطب بن أبي بلتعة -: ( لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) .

[وتوفي سنة ثلاث من الهجرة] أي: بعد ثلاث سنوات -فقط- من هجرة الرسول صلى الله عليه إلى المدينة توفي هذا البطل أبو سلمة [وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته إكراماً له واعترافاً بفضله في إسلامه -أم سلمة - فأصبحت أم المؤمنين].

وليفهم السامعون: أن النبي صلى الله عليه وسلم وُسع عليه في الزواج، حتى جمع بين تسع نسوة، فقد تزوج إحدى عشرة، ولكن الجمع كان بين تسع، وفحولنا أُذن لهم بأربعة فقط، والسبب هو علم الله تعالى بعجزنا ونقصاننا وتقصيرنا، وعدم قدرتنا على العدل بين المؤمنات، أما من كان مضرب المثل في الكمال كرسول الله صلى الله عليه وسلم -والله- لو تزوج مائة ما جار ولا حاف ولا ظلم ولا غمط حقاً لكمالاته.

وشيء آخر: ما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بكراً إلا عائشة فقط، وتزوجها لأنها بنت أبي بكر الصديق ، الوزير الأول والخليل للرسول صلى الله عليه وسلم، إكراماً له، أما باقي النساء فمن باب ما سمعتم.

امرأة استشهد زوجها وبقيت ثكلى مرمية هنا وهناك، فآواها إلى بيت النبوة إكراماً لها ولزوجها الشهيد. فمن منكم من يتزوج لهذا الغرض؟ للأسف لا نعرف هذا المعنى أبداً، فلسنا من ذاك الطراز الأول، فالواحد فينا لا يتزوج إلا لشهوة وإما لمال فقط، أما غرض آخر فهو نادر كالذهب [وهذا من إكرام الله تعالى لها ولـأبي سلمة رضي الله عنهما وأرضاهما].

وقد ظلت أم سلمة سنة كاملة وهي تبكي، بعد أن خرج زوجها مهاجراً وأرادت أن تلتحق به ومنعها المشركون من ذلك، فكلما أرادت أن تخرج ردوها من الطريق، فتجلس -فيما يسمى بالأبطح- تبكي طوال الليل. هذه أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

الأرقم بن أبي الأرقم : وهو عبد مناف بن أسد القرشي ، أسلم عاشر عشرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استخفى في داره بالصفا] ومعنى استخفى: اختفى واستتر عن عيون المشركين؛ لأنهم لا يسمحون له أن يجتمع مع أحد [يدعو الناس إلى الإسلام سراً حتى اكتمل عدد المسلمين أربعين رجلاً] كانوا عشرة ثم أصبحوا أربعين ببركة هذا الداعي، وببركة بيته عند الصفا [وكان آخرهم إسلاماً عمر بن الخطاب رضي الله عنهم] آخر من أسلم من الأربعين عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ويومئذٍ خرجوا من الدار وصلوا جهرة حول الكعبة.

وكان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم أيد هذا الدين بأحد العمرين ) إما عمرو بن هشام أبا جهل وإما عمر بن الخطاب ، فاستجاب الله له وأيده بـعمر بن الخطاب .

عثمان بن مظعون القرشي ] وهو أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، دفين البقيع، وكان أول من دفن من المهاجرين في المدينة وقبره موجود إلى الآن [ويكنى بـأبي السائب ، وهو أخ للنبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع، وهو أول مهاجر توفي بالمدينة النبوية] أول مهاجر توفي بالمدينة النبوية عثمان بن مظعون [ومن فضائله وكمالاته الروحية: أنه امتنع من شرب الخمر في الجاهلية قبل الإسلام] قبل أن تطلع الشمس المحمدية، وقبل أن يعرف الله، أبى أن يشرب الخمر، مع أن أهل مكة مقيمين على القمار والمسكرات؛ لأنهم تجار والأموال المتوفر، وليس عندهم إلا رحلة الشتاء والصيف، وبعد ذلك يتوجهون إلى الأندية والخمر.

[وقال: لا أشرب شراباً يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي] عجب هذا الرجل! بلّغ إخواننا الذين يشربون الخمر والحشيشة وينتسبون إلى الإسلام أيضاً، قال: (لا أشرب شراباً يذهب عقلي) هذا أولاً (ويضحك بي من هو أدنى مني) أي: فضلاً وكمالاً، لأنه إذا سكر وهاج يقول الباطل ويُضحك حتى الأولاد منه، (ويحملني على أن أنكح كريمتي) وكريمته: أخته، أو بنته. وهذا حاصل موجود.

عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي ، وكان أسنّ من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين] أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنوات [هاجر إلى المدينة مع أخويه الطفيل وحصين ، أسلم قبل دخول الرسول صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وكانت له منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدراً، يكنى بـأبي الحارث رضي الله عنه وأرضاه.

وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي القرشي ابن عم عمر بن الخطاب رضي الله عنهما] وزيد أبا سعيد هذا كان يوحد الله بالجاهلية، وهو أحد أربعة رجال لا يعترفون بالأصنام والأوثان [وصهره أيضاً] أي: ابن عم عمر وزوج أخته فاطمة بنت الخطاب [إذ كانت تحته فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها] وهنا قال: كانت تحته ولم يقل كانت فوقه! ولذلك أسمع الذين يطالبون بمساواة المرأة مع الرجل بأنهم كفروا وخرجوا من الإسلام!! كيف يفرق الله بينهما وأنت تطالبون بالمساواة فترث المرأة كما يرث الرجل؟!! والله لكافر هذا ولم يبقَ له حظ في الإسلام؛ لأنه رد على الله حكمه.. وادعى أنه أعلم من الله وأعرف منه.

ومما نقصه منذ سنتين -أظن- : أنه صلى إمام المسجد النبوي صلاة الصبح بسورة التحريم، فقرأ قول الله تعالى: كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ [التحريم:10]، فتعجبتُ! لأني قرأت القرآن آلاف المرات، فما خطر ببالي هذا ولا عرفته إلا في تلك الساعة، فقد قال الله: كَانَتَا تَحْتَ [التحريم:10] ولم يقل: فوق ولا مساوية ولا محاذية ولكن (تحت)؛ فلهذا الذين ينادون بالمساواة بين المرأة والرجل في بعض العالم الإسلامي بشروهم بأنهم كفرة فجرة من أهل النار، ولا حظّ لهم في الإسلام، فكأنهم يقولون: لعل الله غالط في قوله: (تحت).

فالزوج فوقها هو المدير، وهو الرئيس والمسئول وهي تحته، كيف يُطالب بأن تكون إلى جنبه، بل طالبوا بالفوقية أيضاً وأن تكون فوق الرجل، والشاهد من هذا في هذه الحادثة بالذات أنه قال: إذ كانت تحته فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها [التي كانت سبب إسلام أخيها عمر رضي الله عنه] فاطمة هذه لما أسلم زوجها رضي الله عنه سعيد بن زيد بن نفيل أسلمت، فقيل لـعمر : تتعنتر يا عمر وأختك قد دخلت في الإسلام؟! فاغتاظ واشتد غضبه وذهب إلى بيتها وهي عند زوجها سعيد، فدخل ووجدهم يقرءون آيات من سورة طه في ورقة، فخبئوها -وباختصار!- قال لها: أعطيني ما في هذه الورقة، فقالت: لا أعطيك حتى تغتسل، فأنت كافر. فاغتسل وقرأ الآيات فانقلب رأساً على عقب، ومشى إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم ليعلن إسلامه، فلما دخل عليهم فُجعوا، ظنوا أنه يريد أن يضربهم، فهدأهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: افتحوا له الباب فقد جاء الله به.

فهذه فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها أسلمت قبل عمر ؛ لأن سعيد زوجها أسلم قبله.

أسماء وعائشة بنتا الصديق ] أسماء وعائشة بنتا أبي بكر الصديق [أسلمت عائشة وهي طفلة صغيرة] ممكن في الخامسة أو السادسة من عمرها [وأما أسماء فكانت متزوجة بـالزبير بن العوام حين أسلمت] حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته [فرضي الله عنهما وأرضاهما] أي: أسماء وعائشة . ومن لم يحبهما فهو كافر زنديق، وليس معناه فقط أنه إذا لم يحبهما كفر، لا، بل ما وصل إلى كرههما حتى تجاوز مراحل في الكفر والباطل.

خباب بن الأرت حليف بني زهرة التميمي] وخباب هذا هو الذي وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً في ظل الكعبة، فقال: ( يا رسول الله! ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ -لأنهم يذوقون مر العذاب- فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم: إنكم تستعجلون! لقد كان فيمن كان قبلكم يؤتى بالرجل فيوضع المنشار على رأسه فيقسم نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه ولحمه، لا يرده ذلك عن دينه ولكنكم تستعجلون ) واسمع يا خباب ! ( سيأتي يوم لينصرن الله هذا الدين، حتى يمشي الرجل من كذا إلى كذا لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ) وبالفعل أمنت الجزيرة أمناً كاملاً.

عبد الله بن مسعود بن أم عبد الهذلي

و عمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص

و مسعود بن القاري بن ربيعة من القارة، وهم قوم رماة لقبوا بالقارة.

وهكذا توالى إسلام من أكرمهم الله بالإسلام، فأسلم جعفر بن أبي طالب وامرأته، وأسلم عياش وامرأته، وخنيس ، وعامر بن ربيعة بن عنز بن وائل ، وعبد الله بن جحش وأخوه أبو أحمد ، وحاطب بن الحارث وامرأته فاطمة بنت المجلل ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وعمار بن ياسر العنسي المذحجي حليف بني يقظة، وصهيب بن سنان الرومي -نسبة إلى الروم- إذ كان قد أسر في أرض الروم -وهي الشام- فاشتري منهم، وورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صهيب سابق الروم )].

أي: أول من أسلم من الروم، فسبقهم إلى الإسلام.

قال: [فرضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مأوانا ومأواه، آمين.

لقد بلغ المسلمون هذا العدد الكبير وما زالت الدعوة سراً لم يجهر بها بين صفوف قريش؛ لأن هذا العدد غير كافٍ في دفع ما يتوقع من أذى تصيب به قريش المسلمين، وقبل كل شيء أن الله تعالى لم يأذن بعد لرسوله والمؤمنين بالجهر بالدعوة، ولو أذن لهم لجهروا بها وكلفهم ذلك ما كلفهم، وسيأتي اليوم الذي يؤذن لهم فيه، وسوف يتعرضون لألوان من التعذيب والاضطهاد، يتلقون ذلك بطيب نفس ورحابة صدر؛ لأنه في ذات الله، وما كان في ذات الله فهو محبوب للحبيب الصادق].

نتائج وعبر من مقطوعة (أفواج السابقين إلى الإسلام)

قال: [نتائج وعبر: لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبر نجملها فيما يلي:

أولاً: بيان فضل السبق في الخير وأهله.

ثانياً: تقرير مبدأ وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ).

ثالثاً: بيان فوز الأرقم بن أبي الأرقم بمنقبة عظيمة، وهي اتخاذ داره مركزاً للدعوة أيام ضعفها واستخفائها، وهي أحرج أوقات مرت بها الدعوة.

رابعاً: بيان فضيلة فاطمة بنت الخطاب بسبقها للإسلام وهداية أخيها عمر بسببها.

خامساً: إن من النساء من فُزن بالسبق في الإسلام، وهن: عائشة وأسماء بنتا الصديق ، وفاطمة بنت الخطاب ، وأسماء بنت عميس امرأة جعفر ، وأم سلمة امرأة أبي سلمة أم المؤمنين وغيرهن رضي الله عنهن وأرضاهن].

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , هذا الحبيب يا محب 19 للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net