إسلام ويب

بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب خرج المسلمون من بيت الأرقم مظهرين أنفسهم لأهل مكة، ومجاهرين بدينهم الذي ارتضاه لهم ربهم، غير عابئين بما يصبه عليهم أهل مكة من الأذى والعذاب والنكال، فأقض مضاجع كفار قريش أن رأوا استعلاء المسلمين، وعدم مبالاتهم بأهل مكة، وتزايد أعدادهم بشكل مخيف، وعندها لجئوا إلى وسيلة جديدة وهي محاولة مساومة النبي صلى الله عليه وسلم على دعوته، ومحاولة ثنيه عن هدفه، فأرسلوا إليه كبار رجالاتهم والنخبة فيهم، ولكن أنى لهم أن يظفروا منه بشيء، فما يساومونه عليه ليس شيئاً في ملكه، وإنما هو دين رب العالمين.

تابع قصة إسلام حمزة رضي الله عنه

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد انتهى بنا الدرس إلى مقطوعة (قصة إسلام عمر رضي الله عنه)، ولا مانع من أن نعيد قصة إسلام حمزة -أسد الله في الأرض- لما بين الرجلين من صلة عجيبة. فبسم الله أقول:

[قصة إسلام حمزة رضي الله عنه] وحمزة هو ابن عبد المطلب ، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لقبه رسول الله بالأسد، شهيد أحد رضي الله عنه وأرضاه.

قال: [لقد مر يوماً أبو جهل -عليه لعائن الله- برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الصفا] والصفا من حيث نبتدئ السعي (جبل الصفا) [فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره: من العيب لدينه والتضعيف لأمره] وهذا شأن الكافر، فالكافر ميت، ونحن نقول: ميت، بينما آخرون يقولون: هو حي، نقتدي به ونأتسي، حتى في الأكل باليسار؛ لأنهم ما عرفوا، أما الذين عرفوا أن الكافر ميت، فقد عرفوا أنه لا يسمع، ولا يبصر، ولا يعي، ولا يفقه، ولا يفهم، بل يسعى كالبهيمة للأكل والشرب والنكاح، ولا يبالي بقتل أبيه أو أمه، فحياة الروح لا وجود لها، فإذا نُفخت فيه روح الإيمان وحيي -عندها- مُره يقوم ويفعل، وانهه ينتهي وينزجر؛ وحدثه يعي ويفقه؛ لأنه حي.

[فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم] يقول الله عز وجل: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] [ولم يكلمه، وكانت مولاة لـعبد الله بن جدعان ] وعبد الله بن جدعان من أشراف الكفار -والله- الذين في النار. أتدرون ماذا كان يصنع؟ كان يكسو ألف حلة كل حج، أي: يوزع ألف بدلة على الحجاج، وكان ينحر ألف بعير يطعمها في منى وعرفات، وهو كافر لكن من أشراف الكفار.

إذاً: كانت مولاة -خادمة بلغتكم- لـعبد الله بن جدعان [في مسكن لها تسمع ما قاله أبو جهل ] من الكلام السيئ القبيح [وشاء الله تعالى أن يمر حمزة رضي الله عنه راجعاً من قنص له متوشحاً قوسه] أي: عائداً من مكان الصيد؛ لأن أهل مكة ليس عندهم لا عنب ولا بطيخ، بل يعيشون على اللحم والماء، ولا يستطيع شعب ولا أمة ولا أهل قرية في العالم أن يعيشوا على الماء واللحم إلا أهل مكة، وهذا بدعوة إبراهيم عليه السلام.

[فقالت له المرأة: يا أبا عمارة !] فكنته، والكنية تكون بالأب أو الأم [لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفاً من أبي الحكم عمرو بن هشام ] فـعمرو بن هشام كان يكنى بـأبي الحكم وهو أبو جهل . والجاهلون يريدون أن يكونوا إخوان أبي جهل . فـأبو الجهل هو عمرو بن هشام ، وكل من يرضى بالجهل ولا يريد أن يتعلم يريد أن يكون من أبناء أبي جهل ؛ لأنه كان أبا الحكم فقالوا: أبو جهل ، ورضي بهذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وأقره.

فيا عبد الله! عليك أن تخلع ربقة الجهل عن نفسك، فوالله الذي لا إله إلا هو لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعيش العام والعامين وهو جاهل، ولو رحل على الإبل أو مشى على قدميه؛ حتى يعرف الله ويعرف ما يحب وما يكره، ويعرف كيف يتملقه ويقدم المحبوب ويبعد المكروه، وإلا كان في عداد الموتى.

قالت: [وجده هاهنا جالساً فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم] والله عز وجل يقول: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126] فلو أراد أن يعاقبه صلى الله عليه وسلم كان سبه كما سبه بلا زيادة ولا نقص، ولكنه صبر. والسورة مكية ولعلها نزلت في هذا [فاحتمل حمزة الغضب] الغضب حمل حمزة وكاد أن يطير به [فخرج يسعى ولم يلتفت إلى أحد] والناس جالسون في ظلال البيوت [حتى أتى أبا جهل -وهو جالس في نادي القوم حول المسجد- فضربه بالقوس فشج رأسه شجة منكرة] هذا حمزة أسد الله في الأرض.

[ثم قال: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول] وهنا انفتح باب دار السلام [فرُدّ ذلك علي إن استطعت، فقام رجال من بني مخزوم] من بني عم أبي جهل ؛ لأن قاعدتهم انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً [فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة !] ولن تجد هذا أبداً من كافر! فأشراف الكفار في العالم وسادتهم هم كفار قريش، وأنى لهم هذا الكمال؟! فعندما قام رجال يردوا لـأبي جهل ما فقد، قال: لا. خلوه!! فهل منا من يقول هذا اليوم؟ لا أحد من المسلمين، فكيف بالكفار والمجرمين والمشركين!

قال: [فإني والله قد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً] اعترف، ليس للخوف؛ فهو الآن منصور، رجاله إلى جنبه، فهل نتخلق بهذه الأخلاق؟ ومن أين لنا؟ فما ربينا في حجور الصالحين، بل نعيش تائهين في الأرض كالبهائم، والذي لا يجلس في حجور الصالحين -أي: بين أيديهم- الأعوام السبعة والثمانية والعشرة حتى يبلغ الخامس عشرة أنى له أن يعرف هذا الكمال، ومن أين يأتيه، وكيف يحصل عليه؟ هل يحصل عليه من المدارس الحكومية، وكل الهم النجاح فقط للوظيفة؟! أنه لا يريد بذلك وجه الله إلا من شذ وندر. ولو طُلب العلم لله ما وقعت هذه المحنة ولا كان هذا البلاء، ولكن ما طلب لله.

[وثبت حمزة من ساعتئذ على ما قاله] أي: على أنه على دين محمد صلى الله عليه وسلم [فأسلم وحسن إسلامه، ويومها عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز] ومن عز بز. وعز: ظهر في الأفق كوكب عظيم ينير مساحات كبيرة [وامتنع بإسلام عمه حمزة المعروف بينهم بأنه أعز فتى في قريش] امتنع رسول الله وما بقي واحد يصل إليه؛ لأن أبا طالب توفي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في فترة صعبة، فعندما كان أبو طالب يحمي رسول الله ما استطاع أحد أن يمسه أو ينال منه؛ لأن أبا طالب سيد مكة، لكن لما مات وقع الذي وقع، وهاهو ذا قد أتى الله بـحمزة ، فعز صلى الله عليه وسلم وامتنع بإسلام عمه المعروف بينهم بأنه أعز فتىً في قريش. وحمزة من أسماء الأسد، فـحمزة بمعنى: أسد.

قصة إسلام عمر رضي الله عنه

قال: [قصة إسلام عمر رضي الله عنه: وأما قصة إسلام عمر رضي الله عنه فهي كالتالي: مر عمر برجل مخزومي] أي: من بني مخزوم، من جماعة أبي جهل ، مر به في الطريق، فليس عندهم سيارات ولا دراجات فلهذا يمر بعضهم ببعض، والآن لا يلتقي بعضنا بعضاً لأننا طائرين [قد أسلم، فعابه عمر] قال له: كيف تسلم؟ كيف تدخل في هذا الدين؟ كيف تترك دين آبائك وأجدادك؟ ماذا أصابك؟ مع أنه مخزومي [فرد عليه الرجل بأنه إن أسلم هو فقد أسلم من هو أحق باللوم والعتاب مني يا عمر ] يقصد أخته وزوج أخته [فقال عمر : من هو؟ قال الرجل: أختك وختنك -أي صهرك-] يعني أختك وزوجها أسلما [فذهب عمر إلى دار أخته فاطمة ] واسمها فاطمة بنت الخطاب ؛ وفاطمة اسم شائع عندهم، ومعناه التي فطمت ابنها من الرضاع، فهي فاطم، ولما كان هذا خاصاً بالنساء قالوا: فاطمة [وهي تحت سعيد بن زيد ] وقد كان جد سعيد بن زيد أو أبوه ممن يضرب به المثل؛ لأنه كان من أهل لا إله إلا الله موحداً في بلاد الشرك قبل الإسلام [وسأل: ما هذا الذي بلغني عنكما؟ فردّا عليه. وما كان منه إلا أن ضرب رأس أخته فأدماه] لما ردّا عليه ما قال، غضب وضرب رأس أخته حتى سال منه الدم [فقامت إليه وقالت: وقد كان ذلك على رغم أنفك، فاستحيا عمر حين رأى الدم يسيل من رأس أخته وجلس].

(قد كان ذلك) أي: أسلمت على رغم أنفك يا عمر .

وأين هي الآن فاطمة بنت الخطاب ؟ إنها في دار السلام، فهيا نلتحق بها. وحياء عمر يدل على أنه كان متأهلاً للكمال.

قال: [وقد رأى بينهما] أي: بين الزوج والزوجة [كتاباً] ورقة فيها كتابة، ليست كتاباً ككتب اليوم فليس عندهم هذا [فقال: أروني هذا الكتاب، فقالت له فاطمة : إنه لا يمسه إلا المطهرون] ولم يكن ذلك القرآن كاملاً ولا ربعه ولكن آيات ستسمعونها إن شاء الله. فهذه فاطمة بنت الخطاب تواجه أخاها البطل والدم يسيل من رأسها، فما تنازلت ولا لانت ولا رق قلبها أو خافت، بل ردت بما هو الواقع: لا يمسه إلا المطهرون.

قال: [فقام عمر فاغتسل] وهل يفعل هذا المسلمون اليوم؟ فلو قالت امرأة لأخيها -الذي قال لها: أعطيني القرآن- قم فاغتسل، والله لن يغتسل. بل يسخر منها ويلعنها ويخرج.

ومن صعاليك المسلمين هؤلاء بالملايين! لن يغتسل ولن يأخذ الكتاب، بل يخرج غضبان وكفى، لكن عمر اغتسل، مع العلم أن العرب في الجاهلية كانوا يغتسلون من الجنابة، والكفار اليوم المتحضرون لا يغتسلون من الجنابة أبداً ولا يعرفون الغسل، ولهذا اختار الله تلك البقعة ليبعث فيها صفوة الخلق وإمام المرسلين؛ لوجود أهلية قديمة.

قال:[فأخرجا له صحيفة فيها: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] فقال: أسماء طيبة طاهرة] ما إن سمع بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] حتى قال: أسماء طيبة طاهرة؛ لأنهم ما كانوا يعرفونها أبداً، ولذلك في يوم الحديبية -يوم الصلح المشهور- لما أخذ السكرتير يكتب الوثيقة -وهو علي - قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل بن عمرو : لا. نحن لا نعرف الرحمن الرحيم، ولكن اكتب باسمك اللهم. فقال النبي: اكتب يا علي ! فانكمش، وانقبض، وعمر كاد يتمزق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسكتوا! اكتب باسمك اللهم. ثم قال اكتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله، فقال سهيل بن عمرو: لا. لو عرفناك رسولاً ما قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله! فغضب عمر .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسكتوا!

بهذا الدرس لو كان هناك كلية للسياسة الإسلامية وتخريج الساسة لحلوا كل مشاكل العرب، لكن أنى لهم أن يذوقوا هذا ويعرفوه؟ فالنيران مشتعلة والفتنة قائمة في كل مكان؛ لأنهم ما عرفوا الطريق إلى الله بعد.

لقد تنازل الرسول حتى عن كلمة (الله)، وعن كلمة (الرحمن الرحيم)، لما علم أن هذه الاتفاقية ستحقق شيئاً عظيماً مدته عشر سنوات، فالبلاد حرة، شرّق فيها أو غرّب لا يردك أحد عن دين الله، والآن عندنا ساسة ما شاء الله كسروا الرأس بالقدوم فلا بصيرة ولا نور.

[ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:1-2] إلى قوله تعالى: الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:8]] هذه الصحيفة كان فيها آيات من سورة طه سمعها عمر [فتعظم ذلك في صدر عمر وأسلم] لأنه كان يصغي ويسمع ليعلم، فما إن سمع هذه الآيات حتى دخل في الإسلام، وأقرأها الآن على مليون مسلم ممن يشربون الخمر أو الحشيش، فهل يتركونها؟

أولاً: ما يعون ولا يفهمون ولا يفقهون أبداً، ولا يدخل نور الكلمات في قلوبهم؛ لأنها مغلقة.

وأعيد تلاوة هذه الآيات، بسم الله الرحمن الرحيم -كيف سمعها عمر ؟ وكيف لان ورق؟ وكيف أسلم؟- طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:1-8] دخلت كلها في قلبه فحولته.

قال: [وقال لهما: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟] وكان مختبئاً في دار الأرقم [فقالت له: في دار الأرقم ] وهي الآن المكتبة الموجودة في طريق الحجون، تلك المكتبة هي دار الأرقم ، حولت إلى مكتبة لتبقى.

قال: [فذهب إلى دار الأرقم فقرع الباب] لم يدفعه لكن قرعه، وهذا قبل أن ينزل الأدب القرآني، فقد نزل الأدب في المدينة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27]، أي: حتى تصبحوا بشراً لا كالحيوانات تدفعون الأبواب [ففزع من في الدار، فقال لهم حمزة : ما لكم؟ قالوا: عمر ] المجموعة الذين في الدار خافوا؛ لأنهم مستخفون بدينهم، وعمر معروف بشجاعته وقوته، فظنوا أنه يريد تحطيمهم [قال: افتحوا له الباب] هذا حمزة أسد الله [فإنه إن أقبل قبلناه، وإن أدبر قتلناه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من الدار] الدار واسعة، والرسول في إحدى غرفها [فلما سمع الحديث خرج فتشهد عمر ، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها من في المسجد] كبروا لوم يصفقوا! وجماعتكم يصفقون أم يكبرون؟ والله إنهم يصفقون! وقد حضرت مؤتمراً إسلامياً عربياً منذ عشرين سنة، فعندما يدخل الزعيم -وكنا نحن ثلاثة من المدينة فقط نمثل السعودية- يصفقون ويهيجون، وليسوا بجالسين، بل يقفون ونحن لا نقف. ومن ثم البلاء ينزل والفتن تدور رحاها.. أمة أعرضت عن الله ورسوله ودينه ماذا ترجو لها؟!

والتكبير عندما يكون بصوت واحد خارج من الضمير يكون له أثره، وقد شاهدت يوماً في بيشاور -في الجهاد- شاباً -فقدناه من سنين- يربي مجموعة، لا أقول فيلق ولكن كتيبة ليغزو بها، فاستعرضها أمامي أنا ومن معي، فلما وقفوا كبروا: فكان تكبيرهم -والله- أشد وقعاً من دوي المدافع.

قال: [وقال عمر : ( ألسنا على الحق يا رسول الله؟ قال: بلى -أي: على الحق- قال ففيم الاختفاء؟! )] لم نختفي إذاً ونحن على الحق؟!

قال: [فخرجوا صفين عمر في أحدهما وحمزة في الآخر]، الأسدان! عمر في صف وحمزة في صف [وقد كان أسلم قبل عمر بثلاثة أيام -فقط- ولما دخلوا المسجد ورأتهم قريش -وبينهما حمزة وعمر - أصابتها كآبة وحزن شديد] تمزق حبلهم [وسمى النبي صلى الله عليه وسلم ساعتها عمر : الفاروق ] أي: الذي يفرق بين الحق والباطل. فاز عمر بهذا اللقب (عمر الفاروق )، والحمد لله أن حفظ الله لنا هذا التاريخ حتى نسعد به ساعة من حياتنا.

أرأيتم لو كنا نصفق أمام الكرة؟! تجد الكرة في الصين وجماعتنا هنا يصفقون في بيوتهم فرحين! أمجانين هؤلاء أم عقلاء؟ اهبطي يا أمة فقد هبطتي! من فعل بنا هذا؟ إنه العدو! الثالوث الأسود: المجوس واليهود والنصارى.

ارتفاع ضوء الشمس المحمدية، وعشا أبصار المشركين

قال: [ارتفاع ضوء الشمس المحمدية، وعشا أبصار المشركين] هذه مقطوعة جديدة، وصلتها بالأولى واضحة: (ارتفاع ضوء الشمس المحمدية)، فقد كان الضوء خافتاً، ثم ارتفع بوجود عمر وحمزة .

(وعشا أبصار المشركين) أي: عماها وشل نظرها.

قال: [إنه بعد أن أعلن النبي صلى الله عليه وسلم دعوته وجهر بها في أوساط المشركين -وهي دعوة واضحة سليمة لا عيب فيها، واضحة لا غموض ولا لبس فيها- عشت عنها أبصار المشركين] ما أصبحوا يشاهدونها [فلم يروا ما تحمله من الخير والهدى، فناصبوها العداء، وأصبحوا لها خصوماً ألداء، يحاربونها بكل ما لديهم من قوة وشدة. وفي العرض التالي تتجلى هذه الحقيقة] وهي مناصبة المشركين العداء للرسول والمؤمنين والإسلام.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [لقد مر بنا في قصة إسلام حمزة -قبل قليل- أنا أبا جهل وجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً عند الصفا، فنال منه سباً وشتماً، وعيباً لأمره، ولم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن الله تعالى قيض له أسداً من آساده] صبره عن عتاب أبي جهل أثمر له أسداً [حمزة بن عبد المطلب عم الحبيب صلى الله عليه وسلم، فضربه على رأسه فشجه شجة منكرة، وأغاظه بأتم غيظ إذ أسلم أمامه وحسن إسلامه] هذا حمزة .

قال: [وبإسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما دخلت الدعوة في طور جديد، فجاهر الرسول صلى الله عليه وسلم وصدع بما يأمره به ربه، فأقض هذا الموقف الجديد مضاجع المشركين، وأفزعهم، وزادهم هولاً وفزعاً، تزايد عدد المسلمين، وإعلانهم عن إسلامهم، وعدم مبالاتهم بعداء المشركين لهم، الأمر الذي جعل رجالات قريش يساومون رسول الله صلى الله عليه وسلم].

إن كان فيكم من درس في كلية السياسة أيها السامعون فليسمع هذا الدرس من مشرك من أهل مكة، وهل يستطيع سياسي أن ينظم هذه الكلمات أو يتفوه بها أو يقدر عليها؟ لا يستطيع، فلنسمعها، وأنا أعيد هذا الكلام؛ لأن الساسة والسياسيين هبطوا بالعالم الإسلامي إلى الحضيض، وانتشر الفقر والبلاء والفسق والفجور والإهانة والدمار. هذا هو الحاصل.

ولو كان هناك ساسة يعرفون كيف يسوسون الأفراد والشيوخ لرفعونا وما وضعونا، أم تريدون رعاة الإبل يرفعوننا؟ إن الساسة الذين تخرجوا من كليات السياسية -والله- لهم الذين ورطوا العالم الإسلامي.

قال: [وها هو ذا أبو الوليد عتبة بن ربيعة ] اسمه: عتبة بن ربيعة ويكنى بـأبي الوليد [يُبعث من قبل المشركين ليعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأوه حلاً للمشكلة في نظرهم] بعثه المشركون بحكومتهم ورجالهم إلى الرسول ليساومه في أمر الدعوة [فيقول له] أي: عتبة [يا ابن أخي!] يقول للرسول صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي! [إنك منا حيث قد علمت من السطة] أي: من الشرف [في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، ففرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها] أي: ليس بلازم أن تقبلها كلها، وهذا من أدب السياسة [فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( قل يا أبا الوليد أسمع )] ما قال: قل يا عتبة ! ولكن قال: قل يا أبا الوليد وأنا أسمع، وهذا من الكمال المحمدي، فهو مضرب المثل في الكمال، قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، عاش ثلاثاً وعشرين سنة وهو يقابل الأبيض والأسود. أنعمى عن سياسته ولا ندرسها ولا نقف عندها، ونأتي بسياسة الملاحدة والمشركين لنسوس بها المسلمين؟!

إنهم لا يقرءون سيرة رسول الله ولا يحبونها ولا ينظرون إليها أبداً، أضفوا عليها كلمة رجعية وتأخر والعالم قد تطور، أين العلم؟ الرجال والنساء ينزو بعضهم على بعض في الشوارع.

قال: [قال: يا ابن أخي! إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً] هذه المساومات [وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك]. أي: لا نبت في قضية إلا بحضورك ورأيك. وهم صادقون، فأصدق من خلق الله في الأرض العرب، في الزمان الأول.

وأعطيكم حكاية: كان الشيخ الطيب العقبي -من مدينة عقبة بن نافع الفاتح- تربى في هذه الديار، جيء به رضيعاً مهاجراً، ودرس في هذا المسجد وأصبح مضرب المثل، وأنا خبرت وعرفت فما رأيت أعلم من هذا الرجل، ولا أصدق منه. يقول: حججت أيام البدو والصراع والسلب والنهب والغصب على بعير، وكل الحجاج من أهل المدينة كانوا يحجون على الإبل والبهائم، فرئيس القافلة كلف بهذا الشيخ شاباً، قال له: أنت مع هذا الشيخ، فكان ينيخ له البعير الذي سيحمله عشرة أيام ذهاباً وعشرة أيام إياباً، إضافة إلى إقامة الحج التي تكون -على الأقل- شهراً، ويقدم له بعض الخدمات.

فهذا الشاب -يحدثنا الشيخ-: رق قلبه من سماع كلام الشيخ؛ لأنه كان يحضر صلاته، ووضوءه وغير ذلك .. فهو ملازم له، فلما رق قلبه قال له الشيخ: لو تتوب خيراً لك؟ أي: تترك هذا السلب والغصب. فقال: أستشير عمي! فإذا وافق أتوب، فلما جمعهم الله في مجلس، قال: يا عم! هذا الشيخ يقول لي: تب. فهل تأذن لي؟ قال له: لا لا. من للعائلة؟ من للأسرة إذا تبت؟!

عرفتم كيف الصدق؟ لأنه لو قال: تب وتاب، لن يمس مال امرئ ولا دمه ولا عرضه بعد ذلك. هذا هو الصدق مضرب المثل، فإذا قال العربي لا يتردد، أما الآن تجدنا نقول كلمة ونعمل غداً بخلافها، مع أننا نحفظ القرآن أيضاً.

قال: [وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا] أنت الملك [وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً] يعني: جنياً [تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه] أي: من هذا الذي تراه [فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه].

قال: [وفرغ عتبةمن كلامه] والرسول ساكت لم يقاطعه [ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، فقال: (أقد فرغت ياأبا الوليد؟)] يعني: هل فرغت يا أبا الوليد من كلامك وعرضك الذي عرضت؟ [قال: نعم. قال: (فاسمع مني)] كما سمعت منك [قال: أفعل] أي: أسمع [فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (بسم الله الرحمن الرحيم، حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت:1-2] )، ومضى رسول صلى الله عليه وسلم يقرأ وقد ألقى عتبة يديه وراء ظهره معتمداً عليهما وهو يسمع منصتاً، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم] هل يوجد هذا النوع من البشر الآن؟ ماذا يريد منا تلاميذ الكفار والمشركين؟ [إلى السجدة فسجد] أكثر من عشرين آية أو ثلاثين [ثم قال: ( قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك!)] أي: الذي تريد، فإن شئت الإسلام فادخل وإن شئت الكفر فامض فيما أنت فيه.

قال: [وعاد عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به] فراسة؛ لأن ذات النور القرآني والنور المحمدي بهره فتغير [فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، ووالله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، أطيعوني، واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه] أين درَس أبو الوليد؟ كيف وقف هذا الموقف؟ هل يقف المسلمون له ويعرفونه إلا من رحم الله، إلا أهل النور الإلهي فقط، أما أهل الظلم والفسق والفجور أنى لهم هذا؟!

قال: [فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. فما كان جوابهم إلا أن قالوا: سحرك يا أبا الوليد بلسانه. فقال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم!. كان هذا عرضاً].

معاشر الأبناء! إن منصور سيد هذا المجلس امرأته في المستشفى، فقال لي: ادع لها بالشفاء، فأمنوا على دعائي جزاكم الله خيراً.

اللهم يا ولي المؤمنين، ويا متول الصالحين، يا رحمان يا رحيم، يا رب العالمين، هذه أكف الضراعة قد رفعناها إليك سائلين ضارعين أن تشفي امرأة منصور شفاءً عاجلاً، شفاء لا يغادر سقماً؛ إنك ولي ذلك والقادر عليه.

واشف اللهم كل مريض فينا وبيننا، ومن يشكو ألماً في نفسه أو في نفس إخوانه.

اللهم اشف جميعنا إنك ولي ذلك والقادر عليه، واشف صدورنا وقلوبنا، وطهر نفوسنا وزكِ أروحنا، واجمعنا على كلمة الهدى يا رب العالمين.

وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , هذا الحبيب يا محب 21 للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net