إسلام ويب

تحدث الشيخ حفظه الله عن الخلل الذي أصاب المسلمين، والنكايات المتلاحقة التي لحقت بهم، وأوضح أن سبب ذلك يرجع بشكل رئيس إلى السبب النفسي (من عند أنفسكم) وأن الله تعالى لم يكن ليهلكنا ونحن مصلحون، وسرد عدة مفاهيم تعتبر غاية في الأهمية فيما يعانيه المسلمون اليوم على مختلف الأصعدة، ثم بين خطر المعصية وأنها سبب من أعظم أسباب الهزيمة.

أحوال المسلمين

الحمد لله القوي المتين، الملك الحق المبين، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ما اتخذ صاحبة ولا ولداً، ليس له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وخيرته من خلقه، أتى بالمحجة وأقام الحجة، وأشهد أمته على نفسه عام الحجة، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على طريقهم واقتفى.

أما بعد:-

فإن النصيحة المبذولة لي ولكم -عباد الله- هي تقوى الخالق جل شأنه، فهي عدة الصابرين، وذخيرة المجاهدين، وسلوان المصابين، ما خاب من اكتسى بها، ولا ندم من اكتنفها، بها النجاة في الأولى، والفوز في الأخرى، لا يسألكم الله رزقاً هو يرزقكم والعاقبة للتقوى.

أيها الناس: لعل المسلمين في ثنايا هذه العصور المتأخرة هم أكثر الناس آلاماً، وأوسعهم جراحاً، ولعل أرضهم وديارهم وأموالهم هي التي يستنسر بها البغاة، وتستأسد الحمر، والمسلمون مع ذلك يتجرعون هذه الجراحات في صياصيهم وهم لا يكادون يسيغونها.

ويحملون معها أثقالاً إلى أثقالهم.

إنهم يدعون إلى الاستكانة والاستجداء دعاءً، وتتقاذفهم مضارب الغالبين إلى أن يعترفوا بأن حقهم باطل، وباطل غيرهم حق .. يزج بهم في كل مضيق من أجل أن يقلبوا الحقائق، ويتقبلوا أضدادها على مضض حتى ينطق لسانهم بالرسم المغلوط، والفهم المقلوب، فتكون عبارتهم لعدوهم بلسان حالهم.

إذا مرضنا أتيناكم نعودكم>>>>>وتخطئون فنأتيكم ونعتذر

أسباب الهزيمة

أيها المسلمون: إن المتأمل في هزائم المسلمين المتلاحقة، وضعفهم الحثيث، واستكانتهم المستحوذة عليهم أمام أعدائهم؛ يجد أنها لم تكن بدعاً من الأمر، ولا هي نتائج بلا مقدمات، ولم تكن قط قد قفزت هكذا طفرة دونما سبب، وإنما هي ثمرة خلل وفتوق في ميدان الأمة الإسلامية، وتقصير ملحوظ تجاه خالقها ورسولها صلى الله عليه وسلم ودينها، وهذه الثغرات والفتوق هي التي أذكاها أعداء الإسلام بما يبثونه عبر سنين عديدة من المكر والخديعة، واللت والعجن منذ زمن على الإسلام والمسلمين.

وبسبب نقمتها هذه اختبأت وراء صور الاستعمار المتنوعة، تناولت من خلاله ما تشاء من الأساليب، فإذا احتاج الأمر إلى المكر لانت، وإذا احتاج الأمر إلى القسوة بطشت، وهي في لينها تبثُّ السمَّ في العسل، وفي شدتها تحترف الهمجية والجبروت، وهي في كلتا الحالتين لا تنام عن غايتها أبداً، ولو نامت بإحدى مقلتيها فإنها بالأخرى يقضانة ساهرة وهذا سر أسفنا المتصاعد يا عباد الله.

أيها المسلمون: إن الكثيرين منا ليتساءلون إثر كل بلية تحل بدار الإسلام ما السبب؟.. وكيف؟.. ولم؟.. ومم؟.. وعم؟.. كل صور الاستفهام تتناثر صيحاتها في مسامعنا حيناً بعد آخر.

ولكن هل نجعل هذا التساؤل جديداً على أسماعنا؟ أم أن في أفئدتنا وما أعطانا الله من صلة بكتابه العزيز، ما يذكر بسؤال مماثل للرعيل الأول في أزمة هي من أشد الأزمات التي حلت بهم، ألا وهي هزيمتهم في معركة أحد ، يندبون حالهم، ومن ثم يتساءلون فيقول الله عنهم: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا [آل عمران:165] فيجيبهم الله بخمس كلمات لم ينسب ولا في كلمة واحدة سبب الهزيمة إلى جيش ولا إلى عدة، ولا إلى تحرف في قتال، وإنما قال لهم بصريح العبارة: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].

يقول الله لهم ذلك؛ ليبين لهم ولمن بعدهم بوضوح أن خواتيم الصراعات والمدافعات بين الأمم على كافة الأصعدة لا يمكن أن تقع خبط عشواء، وإنما هي وفق مقدمات أثمرت النتيجة بعد استكمال أسبابها: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30].

الحكمة من الهزيمة

تقع الهزائم ليستيقظ الناس، وتتوالى الضربات لتحل المحاسبة محل النفس، ويتضح مثل هذا بما أتبع الله الآية بقوله: وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا [آل عمران:166-167].

لقد كتب الله سبحانه على نفسه النصر لرسله وأوليائه، فقال سبحانه: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21].

ولكن الله سبحانه علق هذا النصر بتحقيق الإيمان في القلوب واستيفاء مقتضاياته في كل مناحي الحياة، وهذه هي سنة الله في النصر، وسنة الله لا تحابي أحداً، وحين تقصر الأمة وتفرط فعليها أن تقبل النتيجة المرة؛ لأنها مع كونها مسلمة إلا أن ذلك لا يقتضي خرق السنن وإبطال النواميس.

إلقاء اللائمة على الغير

أيها المسلمون: إن على رأس الضعف الأصيل البعد عن تشخيص الأحداث بصورتها الحقيقية، مع الاكتفاء بمجرد التلاوم، وإلقاء التبعة على الغير، فعامة الناس يلقون باللائمة على العلماء والمصلحين والمثقفين، وهؤلاء بدورهم يلقون باللائمة على الساسة والقادة الآخرين، وما القادة، والساسة، والعلماء، والمصلحون، والعامة إلا جزء من كل، ولا استقلال في اللوم لصنف دون آخر، وإلا كان جرماً واستكباراً وخروجاً عن الواقعية، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {كلكم راع، وكل راع مسئول عن رعيته }.

ثم إن المنصف الحذق يلمح من خلال هذا التلاوم المشترك أنه ليس في الحقيقة أحد ملوم، إذ كل يلقيه على الآخر؛ فيلزم من ذلك الدور، وهو ممنوع عند جميع العقلاء.

ورحم الله مالك بن دينار حينما وعظ أصحابه موعظة وجلوا منها، وارتفع بكاؤهم، وبينما هم كذلك إذ فقد مصحفه الذي بين يديه، فالتفت إليهم وقال: ويحكم تبكون جميعاً فمن الذي سرق المصحف إذاً؟!

مفاهيم لتشخيص الداء واستجلاب الدواء

عباد الله: لأجل أن نصل إلى حال راقية من المكاشفة والوضوح في الطرح، ولأجل أن نحسن تشخيص الداء، لنستجلب الدواء؛ فإن ثمة مفاهيم ينبغي ألا تغيب عن أذهاننا طرفة عين، حتى نصل إلى المقصود، ويتَّحد الهدف.

الناس إن لم يجمعهم الحق شعبهم الباطل

فمن هذه المفاهيم: أن الناس إن لم يجمعهم الحق شعبهم الباطل، وإذا لم توحدهم عبادة الرحمان، فرقتهم غواية الشيطان، وإذا لم يستهوهم نعيم الآخرة اجتالهم متاع الدنيا، فتخاصموا عليها، ولو غلغلنا النظر في كثير من الابتسامات لرأينا حب الدنيا والأثرة العمياء تكمن وراء هذه الحزازات، وهذا هو سر الوهن العظيم الذي سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: {وليقذفن الله في قلوبكم الوهن قيل: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت }.

ويظهر هذا الأمر جلياً في سبب من أسباب هزيمة المسلمين في أحد حيث يقول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [آل عمران:152].

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[والله ما علمت أن معنا في أحد من كان يريد الدنيا إلا لما نزلت هذه الآية ]] ولأجل هذا -يا عباد الله- كانت هذه الهزيمة، حينما لم يستجب أقوام منهم لوصية الله تبارك وتعالى في أول عظة للمسلمين، بعدما انتصروا في معركة بدر ، بأن يوحدوا صفوفهم، ويلموا شملهم، حيث قال سبحانه: بسم الله الرحمن الرحيم: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال:1].

أنزل الله عليهم هذه الآية ليقطع على النفس مطامع الدنيا، وغلبة حب الغنيمة على حب نصر دين الله ورفعته.

منطق الأعداء واحد

ومن المفاهيم التي يجب أن تعرف: هو أن منطق الأعداء الحاقدين واحد، وهو برمته ليس جديداً على الساحة العامة، كما أن قلب الحقائق وتشويه صورة المسلمين ليست هي بدعة العصر الحديث، فمنطق المجرمين واحد، ولو تطاولت القرون، وإن شئتم -يا رعاكم الله- فاسمعوا قول فرعون عن موسى عليه السلام: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26].

هذا هو منطق فرعون الأول، يُظهر غيرته على دين الناس وأمنهم، فهو يخاف عليهم من إفساد موسى في الأرض، فيقرر أن موسى يرهب أهل الأرض جميعاً فهو لا يستحق البقاء .. هذا هو منطق فرعون الأمس، وهاهو التاريخ يعيد نفسه، وما أشبه الليلة بالبارحة! فهل يتعظ المسلمون ويقولون من بعد ذلك: أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران: 165].

إن استجابة النفس للدعاوى الأفاكة، والاستسلام لشيوعها، والتي تصل بسبب قوة طرحها والتأثير الإعلامي لها إلى درجة الرضا بها، والقبول لها، ومن ثم يتحول الافتراء إلى حقيقة مسلَّمة، وواقع لا مماراة فيه، ولنضرب مثالاً على هذا فنقول: نحن نعلم أن حقوق المسلمين ودماءهم في أقطار كثيرة تهدر وترخص، حتى لو داهمهم مغتصب، والتوت عليهم يد معتد، فأبدوا مقاومة واهنة أمام المغير عليهم، ودفعوا براحاتهم أفتك أنواع السلاح، وارتفعت صيحات وشنشنات أخزمية تقول: المسلمون معتدون، المسلمون إرهابيون، ومن ثم يكون هذا، تبريراً للدبابات والمجنـزرات أن تصب جام غضبها على أمة لا تملك إلا الحجارة.

ويبدو أن مثل هذا الإفك لا ينقطع أبداً، وأن الإصرار بأن المسلمين إرهابيون أكذوبة كبرى، فهي كما يقول علماء النفس: نوع من الإسقاط الذي يدفع المرء إلى اتهام غيره بما في نفسه هو من شر. وقديماً قيل: كل إناء بما فيه ينضح. ومع ذلك كله تصاب أمة الإسلام بصدمة عنيفة من قبل آراء عالمية تصف المالك الطريد إرهابياً لا حق له، وتجعل اللص الغالب ربَّ بيت محترماً، ثم بعد ذلك يقول المسلمون: أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].

الحذر من المنافقين

المفهوم الثالث: يتجلى في الحذر من المغرضين ومن بني جلدة المسلمين، والذين يعرفون في لحن القول والله يعلم إسرارهم، هم سر في ضعف المسلمين، وثغرةٌ صارخةٌ في صفوفهم، يعدُّ أمثالهم في دول كبرى طابوراً خامساً حسب قواميسهم، فهم يتقونهم في مجتمعاتهم وبكل ما يملكون من سبل، وإن معرفة مثل هؤلاء والوقاية منهم سبب رئيس في تحصيل القوة والبعد عن الهزيمة، وعلينا أن نعلم جميعاً أن الله سبحانه وتعالى فعل ما فعل بالمسلمين في أحد لحكم ظاهرة، منها: قوله جل وعلا: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ [آل عمران:167].

إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

ومفهومٌ رابع عظيم: وهو أن تغير هذا الواقع المرير إلى واقع رفيع مرهون ولا شك بتغير واقع الناس أنفسهم، وهذا يعني -بداهة- أنه متى دب الضعف، وتأخر النصر؛ فإن هناك أسباباً تؤخره بلا ريب، ورأس هذه الأسباب: هو أن الباحثين عن نصر الله وتغير حالهم لم يغيروا ما بأنفسهم، ولذلك كان الغنم بالغنم، والغرم بالغرم، والله جل شأنه يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:11].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صواباً فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم

المعصية وأثرها في الهزيمة

الحمد لله الكبير المتعال، له الحمد على كل حال، وله الشكر بالغدو والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شديد المحال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المفضال، صاحب النوال، وسديد المقال، صلى الله عليه وعلى آله وأصاحبه وإخوانه والآل.

أما بعد:-

فاتقوا الله أيها المسلمون! واعلموا أن ثمة مفهوماً مهماً ينبغي ألا يغفل عنه، لأنه لبٌّ في الموضوع، وعمود ارتكاز في التصحيح، ألا وهو المعصية وما لها من أثر وشؤم وموقع عظيم في تحديد معايير النصر والهزيمة.

وإن من يلقي النظر على غزوة أحد ، وإلى السبب الرئيسي للهزيمة؛ يجد أنه يكمن في المعصية، والتي تلقى المسلمون بسببها لطمة موجعة أفقدتهم من رجالهم سبعين بطلاً، على رأسهم سيد الشهداء حمزة رضي الله تعالى عنه فردتهم الهزيمة إلى المدينة ، وهم يعانون الأمرّين من جرائها وشماتة كفار قريش.

وإن تعجبوا يا عباد الله! فعجب أمر هذه المعصية في أحد ! إنها لم تكن في فشو زناً بينهم، ولا في احتساء خمرة مسكرة، ولم تكن في إقصاء شريعة وتحكيم قوانين خارجة عنها، ولا في فساد امرأة أو انحراف شباب، بل إنهم خرجوا إلى أحد ومعهم إيمانهم بالله، وحبهم لرسوله صلى الله عليه وسلم، ودفاعهم عن الحق، وطلبهم رفعة الدين ونصرته.

وكل ذلك في الواقع يرشحهم بأقوى أنواع الترشيح في أن ينتصروا ولا يهزموا، ولكن يبلو الله المؤمنين في أحد فينزل الرماة عن الجبل، لا لقصد عصيان الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لما رأوه من الانتصار للمسلمين، فخاف بعضهم فوات حظه من الغنائم، ثم كانت الكارثة .. هزيمة موجعة فاجعة مهولة، وأثابهم الله غماً بغم، وكسرت رباعية الرسول صلى الله عليه وسلم، وشج رأسه، وقتل سبعون شهيداً.

فالله أكبر ما أعظم أثر المعصية على واقع المسلمين! حتى في أحلك الظروف.

تلك هي معصيتهم فما هي معاصينا إذاً؟

إنه لسؤال صعب والجواب عليه أشد من لعق الصبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) رواه أحمد وغيره.

إن شؤم المعصية يعم مهما قل حجمه، أو ضعف الاكتراث به، إنه يمحق البركة، ويفسد العمل، ولو كان جهاداً في سبيل الله.

دخلت العالية امرأة أبي إسحاق السبيعي على عائشة رضي الله عنها، ودخلت معها أم ولد زيد بن أرقم ، فقالت: [[يا أم المؤمنين! إني بعت غلاماً من زيد بثمانمائة درهم نسيئة، وإني ابتعته منه بستمائة نقداً فقالت لها عائشة رضي الله تعالى عنها: بئس ما اشتريت، وبئس ما شريت، إن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بطل، إلا أن يتوب ]] رواه الدار قطني بسند جيد.

فرحماك يا رب رحماك! ولا حول ولا قوة لنا إلا بك!

هذا وصلوا -رحمكم الله- على خير البرية وأزكى البشرية، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال عز من قائل عليماً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين .. اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم انصر إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان.

اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم .. اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم اجعل شأنهم في سفال، وأمرهم في وبال، واجعلهم غنيمة للإسلام والمسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , قل هو من عند أنفسكم للشيخ : سعود الشريم

https://audio.islamweb.net