إسلام ويب

إن الناظر في حال الأمة المحمدية المعاصر ليجد أشياء وعجائب يندى لها الجبين، من ذلة بعد عزة، وبدعة بعد سنة، وتخاذل بعد نصرة، وتشرذم وتفرق بعد وحدة وجماعة؛ وما ذلك إلا بسبب تركهم كتاب الله وراءهم ظهرياً، وتخليهم عن آداب وتعاليم الإسلام، واقتدائهم بالغرب وتعاليمهم وأخلاقهم، والرضا بذلك الدون والهوان والذلة والصغار ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

الدنيا وتأثيرها في المجتمع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [الأحزاب:70] يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71].

أما بعد:

فيا أيها الناس: في دنيانا المحيطة بنا أمثلة وضروب تتلون وتتجدد، ثم إن بعضها يتبع بعضاً على وجه المطالبة الحثيثة بحيث إن النفوس المؤمنة تستمرئها بسبب تتابعها رويداً رويداً حتى تألفها فلا تكاد تتحول عنها، وهذه الأمور -عباد الله- إنما هي نماذج لأحزان وأشجان وقروحٍ تمس بلاد الإسلام حسية ومعنوية، مما يجعلها سبباً لكثير من الناس في أن يسعوا جاهدين على إزالة همومهم وغمومهم بشيء من الكيوف الموقوتة، والسراب الخادع، من كل ما هو من زخرف الدنيا وزينتها، والذي يجب على المسلمين جملة ألا يغتروا بما يرونه من زخرف الحياة الدنيا وزينتها في أمة تقطعت روابطها وانفصمت عراها قال تعالى: وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:131].

من أجل الدنيا وزينتها يغش التجار ويطففون، ومن أجل الدنيا يتجبر الرفعاء ويستكبرون، ومن أجل الدنيا وزخرفها يروج الصحفي بقلمه الكذب والزور، ويخفي الحقائق وهي أوضح من فلق الصبح، ومن أجل الدنيا يصبح المرء مسلماً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا مقيت.

كل الناس على هذه البسيطة يغدو فبائع نفسه فمعتقها، أو نفسه فموبقها، من مترفٍ مبطون يأكل ولا يشبع، داؤه العضال هو: أن تذكره بذوي المسغبة أو المسكنة أو المصاب الجلل من بني ملته، ومن قارونيٍ يجمع ويجمع ثم يأخذ ويمنع، ومصابه الجلل في أن تحثه على الإنفاق في سبيل الله جهاداً ودعوة وصدقة، ومن شباب وفتياتٍ دعوا إلى الفضيلة فأبوا، ونودوا إلى صيانة النفس فتمردوا، وألقوا ثيابهم لكل قادمٍ ناهب، وكشفوا أوعيتهم لكل سبع والغ.

والحق -عباد الله- أن هذا الانطلاق المحموم في مهام الحياة ودروبها أفراداً ومجتمعاتٍ دون اكتراثٍ بما كان ويكون، أو الاكتفاء بنظرة خاطفة لبعض الأعمال البارزة أو الأعراض المخوفة؛ الحق أن ذلك نذير شؤم والعياذ بالله، وقد عده الله سبحانه سمة من سمات المنافقين الذين لا كياسة لديهم ولا يقين لهم قال تعالى: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة:126].

أيها المسلمون: في الليلة الظلماء يفتقد البدر، وفي لهيب الشمس وسموم الحر يستطلب الظل وتستجلب النفحات، وما أروع العدل حين يطغى الجور، والإنصاف حين يعلو الغمط، والوقوف مع النفس في مكاشفة ومصارحة في عصرٍ غلبت عليه المجاملات والرتابة، والفرقة والوحشة والتنافر بين النفوس شذر مذر.

ومن هنا يأتي الحديث ضرورياً عن الوحدة والاجتماع والتآلف والتآخي والتناصر والتكاتف في عصرٍ كثرت فيه الموجعات وقلت فيه الرادعات ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أهمية وحدة الأمة وأسس روابطها

أيها المسلمون! لطالما تحدث المتحدثون، وهتف الهاتفون من أمة الإسلام بأنه يجب أن تكون هناك وحدة قوية راسخة الأسس شامخة المعالم تطال أمة الإسلام طراً، حتى تكون بعد ذلك صخراً صلباً تتحطم أمامه أمواج الضعف وتتخاذل، وهذه الدعوة في حقيقتها ليست مستحيلة ولا ضرباً من التخييل أو نزوة من أحلام اليقظة، كلا. عباد الله! فلو كان الأمر كذلك لما حض الباري جل شأنه عباده المؤمنين على أن يكونوا إخوة في الله، متناصرين متعاونين، تجمعهم كلمة واحدة ورابطة واحدة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] ولما حرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يتلاحم المسلمون ويكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، غير أن السؤال الذي قد يشغل بال الكثيرين هو كيف نبني هذه الوحدة؟

وعلى أي أساس يجب أن تنهض ليشتد عودها ويستقيم ظلها، أتقام هذه الوحدة على أساس من اللغة؟

لا؛ فاللغة وحدها غير كافية إذ قد يكتنفها مسلمٌ وكافر، فضلاً عن أنه لم يكن اللسان يوماً ما هو سبيل الاتحاد والوحدة، فكم هم الذين يتكلمون بلغتنا ومن بني جلدتنا وهم في الحقيقة شياطين في جثمان أنس، كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عند مسلم في صحيحه .

أفتقام إذاً هذه الوحدة على أساس من الجنس؟

كلا؛ فالجنس وحده ليس معياراً يعتمد عليه أو يجعل تكئة للإتلاف العميق، فالإسلام لا يقيم للجنس في تقديره وزناً، فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب، وإن كان لهم من أصلهم نسبٌ يفاخرون به فإنه لا يعدو كونه الطين والماء: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

إذاً على ماذا تقام هذه الوحدة وبأي شيء تكمل؟

إنها لا تقوم حقيقة إلا على أساس يجمع الأرواح قبل أن يجمع الأشباح، ويقنع العقول إثر سيطرته على القلوب، ويؤلف بين الرغبات والأهواء كما يؤلف بين النبات والماء، هذا الأساس بكله هو عقيدة الإيمان المستقرة في الخواطر والصدور، وملة الإسلام التي تظل أبناءها جميعاً ليتفيئوا ظلالها بلواء العلي الغفار: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [البقرة:138].

إنه يجب علينا جميعاً أن نؤمن بأن الدعوة للوحدة ليست عصبية أو جنسية أو إقليمية أو تأليباً على الشر أو اعتزاماً للبطش والعدوان، بل هي الوحدة المؤمنة العادلة التي يلزمها أن تقوم للناس بالحق والقسط، والدين الإسلامي هو أقوى وترٍ حساسٍ في نفوس المؤمنين على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وتباين أقطارهم وبلدانهم، ولن تجتمع كلمتهم يوماً ما دون أن تؤسلم قضاياهم وتحدد معاييرها من خلال الإطار الإسلامي الخالد والإسلام بحقيقته ليس إلا.

والإسلام في حقيقة أمره إنما انطلق في وحدته من خلال توحيد الخالق سبحانه وتعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2] ووحدة الرسول صلى الله عليه وسلم: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح:29] ووحدة الدين: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] ووحدة الكتاب: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] ووحدة القبلة: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144] ووحدة الأمة: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [المؤمنون:52] هذه هي معايير الوحدة الحقة، وأي وحدة سواها فهي كالظئر المستأجرة أو النائحة المزورة.

مكملات الوحدة وحقيقتها

عباد الله: إن من مكملات الوحدة وتداعياتها نصرة الأخ المسلم وخوض ميدان دعمه حال اشتباكه مع قوى الباطل في معركة موصولة الكر والفر، ولا يحصل مثل ذلك إلا بترويض النفس على شيء من المجاهدة والمثابرة، وحمل هم الإسلام لنضمن شيئاً من الكفاية ونتقي الفضول، ولنكون أعون شيءٍ على رفع مستوى الثغور والجبهات لأمة الإسلام، وتوفير العزة إرضاءً لله سبحانه، فإنه ولا شك لا يتفق طمعٌ في الدنيا وانتصار للمثل العليا، كما أنهما لا ينسجمان ألبتة: حرص على إعلاء كلمة الله، وحرص على تكثير المغانم والعب منها، مع استرضاء الخلائق واستفزازهم بالخور والجبن.

وهنا التفاتة سريعة إلى دنيا الناس في مجملها تجاه النصرة والخذلان والرفعة والدون، فإنها يمكن أن تصور لنا الناس كحال رجلين اثنين، إما رجلٌ له مالٌ وبنون طال أجله وأدبر شبابه، وكان واجباً عليه أن يتهيأ للآخرة بزادٍ حسن، ومثله لو قتل في سبيل الله، فإنه لم يترك وراءه شيءٌ يخاف عليه الضيعة لا الزوجة العجوز ولا الأولاد الكبار، ومع هذا فهو أشبه ما يكون بشيطانٍ أخرس أو ناطقٍ يفرق من كلمة حق، ويوجل من موقف شرف، ويتشبث بأذيال الحياة طلباً للمزيد بنهمٍ وسعار.

وفي المقابل: مثل شباب لهم آمال وتعتريهم صبواتٌ أيما صبوات، ولهم أحمال وعليهم أعباء، ومثلهم لو توثقت علائقهم بالدنيا أو قهرتهم الصبوة بكلكلها لما كان في سيرتهم كبير عجبٍ، ومع هذا كله يذهلون عن الدنيا المقبلة، ويتركون ذرية ضعافاً خافوا عليهم، ويقبلون على نصرة دين الله بنبلٍ وجلال، هذان مثلان مضروبان يمكن تنزيلهما في واقع الناس على كافة المحاور شعوباً وحكوماتٍ وأفراداً كلاً بحسبه.

مظاهر عزة الإسلام في فلسطين

ومن باب أن الشيء بالشيء يذكر، فإن المؤمن الصادق لا يمل كثرة الحديث عن ثالث المسجدين وعن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فلسطين الأبية؛ لأنها اليوم تعد نقطة الارتكاز في ميدان القضية الإسلامية والجهاد الإسلامي.

وقضيتها حديث القضايا الإسلامية، وساحتها محطة انتحارٍ وكشفٍ لقوة المسلمين وغيرتهم على دينهم وأوطانهم وحرماتهم، فهي أرض المسلمين، ولا تصلح إلا للمسلمين، أرض أظهرت صور رجالها البواسل حينما أخرجت العالم من مكتبه، والعامل من معمله، واستنجدت المرأة في بيتها، والطفل في مدرسته، أمسوا على وهج النار، وأصبحوا على دخان البارود إنهم يدافعون عن دينهم وكرامتهم، إنهم يسوقون في وجوه الغاصبين شباباً أنضر من الزهر، وأبهى من الوضاءة، وأثبت من الجبل، وأمضى من العاصفة، إنهم يكافحون بشيوخٍ لهم حماسة الشباب، وشبابٍ لهم همة الشيوخ، ونساء لهم قوة الرجال، وصغار لهم عزائم الكبار، ولأن هلك منهم فوجٌ ليأتون بأفواج، ولأن صبر مغتصبهم يوماً ما ليرمونه بأيام.

إن من يستشعر مثل هذا ليس له منطلق إلا الإسلام، فإنه سيوقن ولا ريب أن المسلمين أصحاب دين لا يموت ولا ينبغي له أن يموت مهما هبت الأعاصير وادلهمت الخطوب، وهو باقٍ خالد إلى قيام الساعة وعندما يشرئب أعداؤه أن تشيع جنازته، فإنهم سيصعقون ببزوغ شمسه من جديد.

علاقة القوة بانتصار الإسلام

كما أنه ينبغي علينا جميعاً أن ندرك جيداً بأن انتصار المسلمين وانكسارهم لا يرجع إلى قوة أعدائهم أو ضعفهم، وإنما الانتصار والانكسار في الحقيقة يعودان إلى الأمة الإسلامية نفسها، فإذا وحدت كلمتها ومن قبل ذلك وحدت ربها ولزمت أمره وأقامت حقه، فإنها منصورة لا محالة: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].

والقلة والكثرة ليست هي المعيار الحقيقي؛ فقد انتصر المسلمون في بدر وهم قلة أذلة قال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123] ثم هزموا في حنين وهم كثرة كاثرة: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة:25].

والمسلمون -عباد الله- إنما ينتصرون إذا أحسنوا علاقتهم بالله وعزموا على نصرة دين الله، فإن من لا يعرف إلا الله لن يغلبه من لا يعرف الله، ومن لا يعرف إلا الحق لن يغلبه من لا يعرف إلا الباطل: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما قلت إن صواباً فمن الله وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.

ضرورة الارتباط بالله سبحانه

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه المتقين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها الناس! إن العجب كل العجب أن تثقل النفس المؤمنة حتى لا تطلب رفعةً، أو تقنط حتى لا يكون لها أملٌُ، أما لو أيقن المسلمون أن لهذا الكون مدبراً عظيم القدرة، وأنه القاهر فوق عباده، تخضع كل قوةٍ لعظمته، وتدين كل سطوة لجبروته، وأن هذا القادر العظيم بيده مقاليد كل شيء يصرف عباده كيف يشاء لما أمكن مع ذلك أن يتحكم فيهم اليأس، أو تغتال آمالهم غائلة القنوط، فما على المسلمين إلا أن يتحقق بينهم روح الإخاء والتضامن في الدين، فيأخذ القوي بيد الضعيف، ويشد المقتدر من أجل العاجز، وترفع راية التوحيد المحضة، ويطرح التفاهم بإخلاص في الأمور مع الاعتماد على الله واللجوء إليه، مع بذل الأسباب المادية ومحض النصح للقيادة ابتغاء وجه الله، فدين الله وشرعه وإن ضعف فيه شخص المتقين المجاهدين فهو باقٍ خالد، وضعت فيه صفات المتقين، وخطط المجاهدين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

كما أن الواجب على المسلمين عامة أن يبحثوا في كل مظنة ضعف عن سبب قوةٍ، ولو أخلصوا في تلمس ذلك وطلبه لانقلب الضعف إلى قوة؛ لأن الضعف قد ينطوي على قوةٍِ مستورة يؤيدها الله بعنايته ورعايته، فإذا هي تهد الجبال وتحير الألباب: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [الفتح:7].

سمع معاوية رضي الله عنه أن رجلاً من خصمائه شرب عسلاً فيه سمٌ فمات فقال رضي الله عنه: إن لله جنوداً منها العسل.

كما أنه ينبغي علينا جميعاً أن نعترف بأخطائنا في الواقع والتي يتكاثر عدها ويستحيل حصرها والتي تخل بنظام السببية في النصر والتمكين، وأن يكون هذا الطرح بصورة صريحة في واقعنا عبر كافة الوسائل المتاحة دون اقتراف خياناتٍ قاتلة من ذوي الأقلام المؤثرة والألسن المستميلة، في حق دينهم وأمتهم بتجاهل تلك القضايا المهمة، والتي بتجاهلها وغض الطرف عنها يؤخر يوم النصر ولا يقدم، فتقود إلى الغرق في بحر لجي من الخداع والتضليل، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم.

فهل يرتفع شعار الإسلام وترفرف رايته في تحليل القضايا الإسلامية؛ أم تبقى تحت الرايات العلمانية لنبلغ بها القاع والعياذ بالله: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40-41].

هذا وصلوا -رحمكم الله- على من أمركم الله بالصلاة عليه فقد قال عز من قائل عليماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم انصر إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم سدد آراءهم وثبت أقدامهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم طهر بيتك المقدس من هؤلاء الأرجاس، اللهم خالف بين كلمتهم واجعلهم غنيمة للإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم!

اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام!

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم ما سألناك من خير فأعطنا، وما لم نسألك فابتدئنا وما قصرت عنه آمالنا وأعمالنا من الخيرات فبلغنا.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , وحدة الأمة للشيخ : سعود الشريم

https://audio.islamweb.net