إسلام ويب

أنزل الله من الغيث ما تحيا به القلوب، كما أنزل من الغيث ما تحيا به الأبدان، وربط بعضها ببعض، وكما قال علي رضي الله عنه: [ ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة ].

فإذا أهمل العباد غيث القلوب ماتت، وبموتها تموت أبدانهم وأرضهم، لذا كان لزاماً عل الناس الأخذ بكلا الغيثين ليتحقق لهم ما يريدون من رضا الله عليهم، ونزول مطره إليهم.

الماء أصل نماء الحياة

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مغيث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، وجابر كسر المنكسرين، ورافع البلاء عن المستغفرين.

لا إله إلا الله! مجيب الدعوات، وغافر الزلات، وفارج الكربات، ومنزل البركات، وغادق الخيرات، سبحانه مِن إله كريم، ورب رحيم، عم بفضله وكرمه جميع المخلوقات.

لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، سبحان مَن يعطي ويمنع! ويخفض ويرفع! ويصل ويقطع! إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود:56].

اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، وإليك يُرجع الأمر كله، علانيته وسره، فأهلٌ أنت أن تُحمد، وأهلٌ أنت أن تُعبد، وأنت على كل شيء قدير.

لك الحمدُ كلُّ الحمد لا مبدا له>>>>>ولا منتهىً والله بالحمد أعلمُ

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق تقواه، فإن مَن اتقى الله حفظه ووقاه، ومَن سأله منحه وأعطاه، ومَن توكل عليه كفاه وآواه.

أيها المسلمون: إن دلائل وحدانية الله وآيات قدرته كثيرة، لا تُعدُّ ولا تُحصى، وشواهدُ عظمته وفيرة، لا تُحد ولا تُستقصَى.

فواعجباً كيف يُعصى الإله>>>>>أم كيف يجحده الجاحدُ

ولله في كل تحريكةٍ>>>>>وتسكينةٍ أبداً شاهدُ

وفي كل شي له آيةٌ>>>>>تدل على أنه الواحدُ

أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:63].

ولكن القلوب عن آيات الله غافلة، والنفوس عن شواهد قدرته لاهية، والعقول عن دلائل عظمته شاردة، إلا من رحم الله.

فأين المتفكرون؟! وأين المتأملون؟! أين أولو الألباب؟! وأين أهل البصائر، عن التفكير في عظمة رب الأرباب، وقدرة مسبب الأسباب، وخالق الناس من تراب؛ ليقودهم ذلك إلى توحيد ربهم جلَّ وعَلا، وإخلاص الدين له، وإفراده بالعبادة دون سواه؟!

إخوة الإسلام: هنالك نعمة من نعم الله، وآية من آياته، لا غنى للناس عنها، هي مادة حياتهم، وعنصر نمائهم، وسبب بقائهم، منها يشربون ويسقون، ويحرثون ويزرعون، ويرتوون ويأكلون، تلكم -يا رعاكم الله- هي نعمة الماء والمطر وآية الغيث والقطر.

إخوة الإيمان: الماء أصل النماء الفائق على الهواء والغذاء والكساء والدواء، هو عنصر الحياة وسبب البقاء، مَن الذي أنشأه من عناصره إلا الله؟! ومَن الذي أنزله من سحائبه إلا الله؟!

أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ [الواقعة:68-70].. وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30].. وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً [الفرقان:48-50].

تلك كوكبة من آيات كتاب الله، تدل على عظمة هذه النعمة، وأهمية تلكم المنة.

نعمة المطر وأثر الذنوب في منعها

أمة الإسلام: إنه لا يَقْدُر هذه النعمة قَدْرَها إلا مَن حُرِمَها، تأملوا في أحوال أهل الفقر والفاقة التي تغلب على حياة من ابتلوا بالجدب والقحط والجفاف والمجاعة، سائلوا أهل المزارع والمواشي: في أي حالة من الضُّرِّ يعيشون، من قلة الأمطار وغور المياه، وهي سبب خصب مزارعهم وحياة بهائمهم؟!

أرأيتم يا من تنعمون بوفرة المياه: ماذا لو حُبِسَ الماء عنكم ومُنعتم إياه؟! هل تصلح لكم حال؟! وهل يقر لكم قرار؟! وهل تدوم لكم حياة؟! قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [الملك:30].

إنه لا منجى ولا ملجأ من الله إلا إليه.

ومن حكمته تبارك وتعالى ألا يديم عباده على حالة واحدة، بل يبتليهم بالسراء والضراء، ويتعاهدهم بالشدة والرخاء، ويمتحنهم خيراً وشراً، نعماً ونقماً، محناً ومنحاً: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155].

ومن ابتلاء الله لعباده: حبسُ القطر أو تأخيرُه عنهم، أو نزعُ بركته منهم، مع ما للمطر من المنافع العظيمة للناس والبهائم والزروع والثمار؛ وما في تأخيره من كثير من المضار.

معاشر المسلمين: إن للغيث أسباباً جالبة وأخرى مانعة، هل سألنا أنفسنا ونحن في مواسم الغيث؟! هل أخذنا بأسباب نزوله؟! أم قد نكون نحن بأفعالنا سبباً في منعه؟!

تعالوا بنا نعرض شيئاً من أحوالنا، لعلها تكون ذكرى نافعة، وسبباً في تقويم أوضاعنا على منهج الله، لنحظى برزقه الوافر الذي لا يُنال إلا بمرضاته، فالغيث جماع الرزق، قال تعالى: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22] والمطر أصل البركات، قال سبحانه: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96].

فيا عباد الله: لنحاسب أنفسنا:ألم نقصر في تحقيق الإيمان والتقوى؟!

ألم تتسلل إلى بعض أهل الإسلام لوثات عقدية، ومظاهر شركية، وأخرى بدعية؟!

ما ميزان الصلاة، وهي ثاني أركان الإسلام، والفارق بين الكفر والإيمان، وقد خف مقدارها، وطاش ميزانها عند كثير من الناس؛ إلا من رحم الله؟!

وإذا سألت عن الزكاة المفروضة وإخراجها، ترى العَجَب العُجاب من بخل بعض الناس وتقصيرهم في أدائها، مما نزع البركة من الأموال، وكان سبباً كبيراً في منع القطر من السماء، أخرج البيهقي والحاكم وصححه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ولم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يَمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا ).

لقد راجت المنكرات، وعمت المحرمات في كثير من المجتمعات، فلم يتمعَّر منها وجه، ولم يشمئز منها قلب إلا من عصم الله؛ قتلٌ وزنا، ظلمٌ وربا، خمورٌ ومسكرات، مجونٌ ومخدرات.

وفي مجال المعاملات غشٌّ، وتزوير، وبخسٌ، ومماطلة، ورشاوى، في انتشار رهيب للمكاسب المحرمة، والمعاملات المشبوهة، وتساهل في حقوق العباد.

وعلى الصعيد الاجتماعي: هناك مشكلاتٌ أسرية معقَّدة، وعلاقات اجتماعية مفكَّكة، ساد كثيراً من القلوب الحسدُ، والبغضاء، والحقد، والضغينة، والشحناء، وقل مثل ذلك في مظاهر التبرج والسفور والاختلاط، وما أفرزته موجات التغريب من مساوئ في النساء والشباب، مما يذكي الجريمة، ويثير الفتنة، ويشحذ الغريزة، من مظاهر محرمة، وصور ماجنة، وأفلام خليعة، يتولى كِبْرَ ذلك كثيرٌ من الوسائل الإعلامية، والقنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية، حتى ضعفت الغيرة في النفوس، وقل التآمر بالمعروف، والتناهي عن المنكر، مع أنه قِوام أهل الدين، وبه نالت هذه الأمة الخيرية على العالمين، وحصل القصور في مجال التربية والدعوة والإصلاح، مع شيء من مظاهر التحلل والإباحية والعولمة والانفتاح.

فأين الغيرة الإيمانية؟! وأين الحمية الإسلامية؟!

وأين الشهامة الإنسانية؟!

وعلى الصعيد العالمي والدولي: هناك حروب وحوادث، ومصائب وكوارث؛ فتن وبلايا، ومحن ورزايا، ظُلْم وإرهاب، وفوضى واضطراب.

فاللهم سلِّم سلِّم! ورُحماك ربنا رُحماك! وإلى الله المشتكى! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

عباد الله: إن ذنوبنا كثيرة، ومعاصينا عظيمة، وإن شؤم المعاصي جسيم وخطير، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: وهل في الدنيا شر وبلاء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟!

الذنوب ما حلت في ديار إلا أهلكتها، ولا في مجتمعات إلا دمرتها، ولا في نفوس إلا أفسدتها، ولا في قلوب إلا أعمتها، ولا في أجساد إلا عذبتها، ولا في أمة إلا ألَمَّتْها؛ إنها تُقِضُّ المضاجع، وتدَع الديار بلاقع.

فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أن ما عند الله لا يُسْتَنْزَل إلا بالتوبة النصوح، يقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: [[ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة ]].

عباد الله: لقد شكوتم إلى ربكم جدب دياركم، وتأخر المطر عن إبَّان نزوله عن بلادكم وأوطانكم، فما أحرى ذلك أن يدفعكم إلى محاسبة أنفسكم ومراجعة دينكم!

إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].

أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].

وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].

وما ابتلي المسلمون اليوم بقلة الأمطار، وغور المياه, وانتشار الجدب والقحط، وغلبة الجفاف والمجاعة والفقر في بقاع كثيرة من العالم إلا بسبب الذنوب والمعاصي.

رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوب>>>>>وقد يورث الذل إدمانُها

وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوب>>>>>وخير لنفسك عصيانُها

***

أسباب منع القطر من السماء

أيها الأحبة في الله: إن تشخيص الداء في هذه القضية يحمل في طياته أسباباً كثيرة، منها:

1- غفلة العباد.

2- وقسوة قلوبهم.

3- وضعف إيمانهم.

4- وانتشار الذنوب والمعاصي بينهم، لا سيما منع الزكاة.

5- ونقص المكاييل والموازين.

6- والتقصير في الدعاء والضراعة.

7- والإعراض عن التوبة والتسويف فيها.

9- وإغفال الاستغفار، الذي هو السبب العظيم في إسْتِنْزال المطر من السماء.

يقول تعالى عن نوح عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].

وقال سبحانه عن هود عليه السلام: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [هود:52].

واستسقى عمر رضي الله عنه فلم يزد على الاستغفار، فقيل له في ذلك، قال: [[لقد طلبتُ الغيث بمجاديح السماء التي يُسْتَنْزَل بها المطر ]].

فالاستغفار -يا عباد الله- هو الدواء الناجع في حصول الغيث النافع، ولا بد في الاستغفار أن يكون صادقاً، فقد قال بعض السلف : استغفارنا يحتاج إلى استغفار.

فلنتقِ الله عباد الله! ولنعلم أنه ليس طلب الغيث بمجرد القلوب الغافلة والعقول اللاهية، وإنما يتطلب تجديد العهد مع الله، وصدق العمل بشريعة الله، وفتح صفحة جديدة من حياة الاستقامة، وإصلاحاً شاملاً في كل مرافق الحياة، ومع هذا كله ففضل الله واسع، ورحمتُه وسعت كل شيء، وعفوه عَمَّ كلَّ التائبين.

فما ضاق أمرٌ إلا جعل الله منه مخرجاً، ولا عَظُم خطبٌ إلا جعل الله معه فرجاً، فمنه يكون الخوف، وفيه يكون الرجاء.

هاهو جلَّ وعَلا ينادي عباده للتوبة والإنابة: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

ويقول سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82].

وإن مواعظ ربنا لجليلة، وعطاياه لجزيلة، بابه للسائلين مفتوح، وعطاؤه للمقبلين ممنوح، وفضله للراغبين يغدو ويروح، فاشكروه على ما أعطى، وارجعوا عن المعاصي والأخطاء، جددوا التوبة لغياثكم، واتركوا التشاحن، واخرجوا من المغانم، وأحسنوا الظن بربكم، وتسامحوا وتراحموا، ولا تقنطوا من رحمة الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

وإني لأدعو الله حتى كأنما>>>>>أرى بجميل الظن ما الله صانعُ

أنواع الغيث

أيها الإخوة في الله: مِن رحمة الله بعباده أن أنزل لهم من الغيث نوعين اثنين:

أحدهما: معنوي.

والآخر: حسي.

فالأول: غيث القلوب والأرواح بالكتاب والسنة، وهذا الغيث هو مادة حياة القلوب، وصفاء الأرواح، وبه تتحقق سعادة الدارَين، وصلاح الحياتَين، وهذا الغيث -يا عباد الله- هو ما يفتقده الناس اليوم على الحقيقة، بل إن ضرورتهم إليه وحاجتهم له أشد من الغيث الحسي، وهو غيث الأرض بالمطر.

ولا يحصل الثاني إلا بتحقق الأول.

فعلينا -يا عباد الله- أن نتفقد قلوبنا: هل رَوِيت من القرآن، أم هي ظامئة عطشى؟!

يجب علينا أن ننظر في صحائفنا: هل هي ربيع بوحي الله، أم قاحلة جدباء؟!

لعل ذلك يدفعنا إلى إصلاح حالنا، وتقوية الإيمان في قلوبنا.

عباد الله: يا من خرجتم تستغيثون! هنيئاً لكم اجتماعكم هذا، لقد أجبتم داعي الله، وأحييتم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتثلتم أمر ولي الأمر وفقه الله.

فلا حرمكم الله فضله وثوابه، وحقق آمالكم، واستجاب دعاءكم.

وإنه لمن الحرمان العظيم تساهل بعض الناس في حضور دعوة الخير، وإحياء سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

هذا وإن الارتباط بين الغيث المعنوي والحسي عظيم ووثيق؛ فإذا أجدبت الأحاسيس والمشاعر، وقحطت المعاني الخيرة والمثل العليا في النفوس والضمائر، وساد الناسَ جفافٌ في الإيمان والسلوك، ذلَّت الأمة بمنع القطر، وإذا رويت بالإيمان والتقوى سَعِدَت في الأولى والأخرى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:42-43].

فيا عباد الله: ألم يأن لنا أن تخشع قلوبنا لذكر الله؟!

فلنتقِ الله عباد الله! ولنتأس بنبينا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد خرج يوم الاستسقاء متخشعاً متذللاً متضرعاً مجتهداً في الدعاء؛ لأن الاجتهاد في الدعاء من أعظم الأمور التي يُسْتَنْزَل بها المطر.

يقول سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].

وقد ورد أن الله عزَّ وجلَّ يستحيي من عباده إذا رفعوا أيديهم إليه أن يردها صفراً، أي: خائبتَين.

أتهزأ بالدعاء وتزدريهِ>>>>>ولم تدرِ ما صنعَ الدعاءُ

سهامُ الليل لا تخطي ولكن>>>>>لها أمد وللأمد انقضاءُ

إذا علمتم ذلك -يا عباد الله- فارفعوا قلوبكم وأيديكم إلى ربكم ومولاكم، والهجوا بالثناء عليه سبحانه، طالبين الغيث منه، راجين لفضله، مؤمِّلين لكرمه، مُلِحِّين عليه بإغاثة القلوب والأرواح، وسقي البلاد والعباد، ومتى علم الله إخلاصكم وصدقكم وتضرعكم أغاث قلوبكم بالتوبة إليه، وبلدكم بإنزال المطر عليه.

لا إله إلا الله غياث المستغيثين، وراحم المستضعفين، وجابر كسر المنكسرين!

لا إله إلا الله العليم الحليم!

لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم!

نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله.

نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه.

اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك.

عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [يونس:85-86] .

لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:149].

لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.

اللهم إنا خلقٌ من خلقك فلا تمنَعَنَّا بذنوبنا فضلك.

اللهم آنس قلوبنا بالإيمان واليقين، وبلادنا بالخيرات والأمطار يا رب العالمين.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً.

اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً طبقاً عاماً واسعاً مجللاً نافعاً غيرَ ضار، عاجلاً غيرَ آجل.

اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.

اللهم اسقِِ عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت.

اللهم أغثنا غيثاً مباركاً تحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد.

اللهم أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته عوناً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين.

اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركاتك، وأنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض.

اللهم ارفع عنا الجَهد والقحط والجفاف، وعن بلاد المسلمين يا رب العالمين، واكشف عنا من الضر ما لا يكشفه غيرك.

اللهم إنَّ بالعباد والبلاد من اللأواء والجَهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك.

اللهم ارحم الشيوخ الركَّع، والبهائم الرتَّع، والأطفال الرضَّع.

اللهم اكشف الضر عن المتضررين، والكرب عن المكروبين، وأسبغ النعم، وادفع النقم عن عبادك المؤمنين.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على خاتم النبيين، وإمام المتقين، وأشرف المرسلين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن والقحط وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم وفق إمامنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك.

اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة يا رب العالمين.

اللهم أمِدَّ بالعون والتسديد والتوفيق أميرنا وسائر المسلمين.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: لقد كان من سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم بعدما يستغيث ربه أن يقلب رداءه، فاقلبوا أرديتكم اقتداءً بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وتفاؤلاً أن يقلب الله حالكم من الشدة إلى الرخاء، ومن القحط إلى الغيث، وليكون ذلك شعاراً وعهداً تأخذونه على أنفسكم بتغيير لباسكم الباطل إلى لباس الإيمان والتقوى، بدلاً من لباس الذنوب والمعاصي.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم لا تردنا خائبين، ولا عن بابك مطرودين، ولا من رحمتك محرومين.

اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , خطبة الاستسقاء (نعمة الغيث والقطر) للشيخ : عبد الرحمن السديس

https://audio.islamweb.net