إسلام ويب

صفة التيمم

السؤال: سائل يسأل عن موضوعين: الموضوع الأول: عن الوضوء، وقد أفردناه في حلقة، والموضوع الثاني: عن التيمم، ونرجو أن نضيف إليه بعض الأسئلة من المستمعين، يقول في رسالته: كيف يتيمم من عدم الماء، لأنني خرجت مع مجموعة من الطلاب، فكان لكل مجموعة منهم طريقة، فمنهم من يضرب الأرض أربع مرات، واحدة للوجه وواحدة لليدين إلي المرفقين وواحدة للرأس والأذنين وواحدة للرجلين، وبعضهم ضرب ضربتين، واحدة منهما للوجه والثانية لليدين فقط، أما أنا فقد أنكروا فعلي لأني ضربت ضربة واحدة للوجه واليدين فقط، فقالوا: من علمك هذا التيمم؟ فقلت: سمعته من محدث في المسجد، فقالوا: وهل كلما سمعت في المسجد صحيح؟

الجواب: سؤال الأخ ذكر أن جماعة اختلفوا في كيفية التيمم على ثلاثة وجوه، وأصح هذه الوجوه هو ما عمله الأخ السائل، حيث ضرب بيديه الأرض مرة واحدة مسح بها وجهه وكفيه، وهذه الصفة هي الصفة الصحيحة التي دل عليها حديث عمار بن ياسر في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم له كيفية التيمم، فإن عمار بن ياسر رضي الله عنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنب فلم يجد الماء، فتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فبين له النبي عليه الصلاة والسلام أنه يكفيه أن يقول بيديه هكذا، وضرب بيديه الأرض مرة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه، وهذه هي الكيفية المشروعة المستحبة.

وأما ضرب الأرض مرتين: واحدة للوجه والثانية للكفين، فهذه الصفة قال بها بعض أهل العلم بناءً على حديث ضعيف في ذلك، ولكن الصواب ما أشرنا إليه من قبل، وأما الذين ضربوا أربع مرات، وجعلوا واحدة للوجه وواحدة لليدين وواحدة للرأس وواحدة للرجلين، فما أشبه اجتهادهم هذا باجتهاد عمار بن ياسر الذي أشرنا إليه، حيث ظنوا أن طهارة التيمم كطاهرة الماء تشمل الأعضاء الأربعة، ولكن الصواب معك أنت أيها السائل، حيث ضربت مرةً واحدة.

وأما قولهم: هل كل ما سمعت يكون صحيحاً صواباً؟

فنقول كما قالوا: ليس كل ما يُسمع يكون صواباً، بل الصواب ما وافق الكتاب والسنة، لا ما قرئ، وكثيراً ما نسمع أشياء تقال لا سيما على سبيل الوعظ والتخويف والترغيب، نسمعها وهي ليست بصحيحة، وعلى هذا فينبغي الحذر في مثل هذه الأمور مما يُسمع أو يُكتب.

مداخلة: لكن قلتم: إنه يضرب الأرض بيديه ثم يمسح اليمنى على اليسرى، ثم يمسح وجهه وظاهر كفيه، لكن لو ضرب الأرض ومسح مباشرة وجهه؟

الشيخ: لا حرج، يبدأ بالوجه أولاً، ثم باليدين ثانياً؛ لأن الله يقول: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] ، فقدم الوجه.

مداخلة: لكن إذا فرك أو مسح يداً بيد ما يُذهب الغبار من اليدين؟

الشيخ: ما يضر، ذهاب الغبار ليس بواجب، بل إنه في صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفخ في كفيه حينما أراد أن يضرب بهما الأرض، ثم مسح، فهذا يدل على أن مسألة الغبار ليست بلازمة، ولهذا يجوز التيمم على القول الراجح على الأرض التي لا غبار فيها، كالرمل والأرض المبلولة بالماء والمطر وما أشبهها.

حكم التيمم لكل صلاة ولو لم يحدث الإنسان

السؤال: هل يلزم المسلم أن يتيمم لكل صلاة ولو لم ينتقض التيمم؟

الجواب: لا يلزمه أن يتيمم لكل صلاة إذا لم ينتقض التيمم، وانتقاض التيمم يكون بوجود الماء، فإذا وجد الماء فإنه يجب عليه أن يستعمل الماء، ويكون انتقاض التيمم أيضاً لبرء الجرح ونحوه مما تيمم من أجله، فإذا برئ وأراد الصلاة فلابد أن يتوضأ لزوال المبيح.

والمهم أن بطلان التيمم يكون بزوال المبيح الذي أباح التيمم، سواء كان عَدَم الماء فوجده، أو كان من أجل مرض ثم عوفي، وكذلك أيضاً يبطل التيمم بمطلات الوضوء إن كان عن وضوء، وبمبطلات الغسل إن كان عن غسل، وأما خروج الوقت فإنه لا يُبطل التيمم، فلو تيمم لصلاة الظهر مثلاً واستمر على طهارته حتى دخل وقت العصر، فإنه يبقى على طهارته ولا حرج عليه؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل التيمم طهارة، فقال بعد ذكر التيمم: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6]، وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرض طهوراً، والطهور ما يطهر، فقال: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، فالأرض طهور والماء طهور، فكما أن الماء يطهر فكذلك الأرض تطهر إذا تمت شروط إباحة التميم، وفي الحديث أيضاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين)، فسماه الرسول وضوءاً، والوضوء ما يتوضأ به ويرفع الحدث، فالتيمم مطهر رافع للحدث، وإذا رفع الحدث فإنه لا يعود الحدث إلا بأسبابه، وهي النواقض المعروفة.

التيمم على البلاط والفرش

السؤال: هل يجوز أن يتيمم المصلي على فرش المساجد اليوم أو على البلاط، لأنه يتعذر وجود التراب الطاهر خاصة في المدن الكبيرة؟

الجواب: يجوز التيمم على الأرض وما اتصل بها من الحيطان، لأنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه تيمم على الحائط، وعلى هذا فالتيمم على البلاط جائز، لأنه متصلٌ بالأرض، وأما التيمم على الفرش فلا ينبغي أن يتيمم على الفرش، إن لم يكن عليها غبار، وإن كان عليها غبار فإنه يصح التيمم عليها من أجل الغبار الذي هو من جنس الأرض، ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يتيمم عليها إلا إذا لم يجد شيئاً يتيمم به من الأرض، وما يتصل بها من الحيطان ونحوها.

صورة التيمم بدلاً عن الوضوء أو الغسل واحدة

السؤال: هل هناك فارق بين التيمم بدلاً من الوضوء والتيمم بدلاً من الغسل؟

الجواب: ليس بينهما فرق، فإذا تيمم عن جنابة بقي على طهارته هذه من الجنابة ولا يعيد التيمم لكل صلاة، بل لا يعيده إلا إذا أجنب مرة ثانية فيعيد التيمم عن هذه الجنابة الأخيرة، أو إذا وجد الماء فإنه يجب عليه أن يغتسل، وإن لم تتجدد الجنابة، لأنه كما أسلفنا زوال المبيح للتيمم يوجب انتقاضه، وأما إذا تيمم عن الوضوء فهو أيضاً باق على طهارته حتى يوجد ناقض من نواقض الوضوء، فإذا وجد ناقض من نواقض الوضوء وجب عليه أن يتيمم عن الوضوء، وعلى هذا فلا فرق بينهما، إذا تيمم عن جنابة لا يعيد التيمم لها إلا بوجود سبب وجوبه، وإذا تيمم للوضوء لا يعيد التيمم له إلا بوجود سبب وجوبه وهو الحدث الأصغر.

مداخلة: لكن أنا فيما أعتقد أن السائل يقصد بالفرق في الهيئة أو في الكيفية، لأنه كما عرفنا منكم قبل قليل أن التيمم ضربة واحدة يمسح الإنسان وجهه وظاهر كفيه بها، ولكن مثلاً عن الجنابة يكفي ذلك؟

الشيخ: أي نعم، التيمم كيفيته عن الجنابة وعن الوضوء واحدة، ولا فرق بينهما، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، فلا فرق بين هذا وهذا، كله على حد سواء، وذلك لأن التيمم فرع وليس بأصل حتى يُلحق به، بل هو فرع طهارة مستقلة، ثم إن المقصود منه إظهار التعبد لله سبحانه وتعالى، وهذا كافٍ في التيمم عن الجنابة وعن الحدث الأصغر.

كيفية اغتسال المتيمم الذي تعددت موجبات غسله

السؤال: إذا كان على الإنسان أكثر من غُسل في البرية، وتيمم لهذه الموجبات لعدم الماء، ثم وصل بعد وقت إلى المدينة، فهل من الأفضل أو من السنة أن يغتسل أم يجب عليه وجوباً الاغتسال عن تلك الجنابات؟

الجواب: يجب عليه وجوباً أن يغتسل عن الجنابات التي كانت عليه وتيمم عنها، فإذا تيمم عن جنابة من أجل عدم الماء، ثم وجد الماء، وجب عليه أن يغتسل، وإذا تيمم عن جنابة من أجل المرض، ثم برئ من المرض يجب عليه أن يغتسل، لأنه إذا زال المبيح للتيمم انتقض التيمم ووجب استعمال الماء، وفي الحديث الذي أشرنا إليه قبل: ( فإذا وجد الماء فليتق الله وليُمسه بشرته).

من أحكام التيمم لمن يخرجون للبرية

السؤال: هل يجوز لمن يخرجون للبرية في عطلة الربيع وأمثالها أن يتيمموا لقلة الماء، أو لشدة البرد، مع العلم أنهم يملكون سيارات ويذهبون بها خارج المدينة، ويعرفون أنهم سيقيمون كذا أيام في البرية؟

الجواب: إذا لم يكن عندهم ماء فإنه يجوز لهم أن يتيمموا عن الجنابة وعن الحدث الأصغر، وأما إذا كانوا يخافون البرد، فإن كان عندهم ما يسخنون به الماء، وجب عليهم تسخينه واستعماله، وإن لم يكن عندهم ما يسخنون به الماء فإنه يجوز لهم أن يتيمموا، وفي كلتا الحالتين إذا وجدوا الماء بعد ذلك وجب عليهم الغسل إذا كان تيممهم عن جنابة، والوضوء إذا كان تيممهم عن حدثٍ أصغر.

مداخلة: لكن مثل هؤلاء كيف يخرجون من المدينة ومعهم السيارات ولا يأخذون ماء؟

الشيخ: قد تكون سيارات غير قابلة لحمل الماء فيها، أو فيها مشقة في حمل الماء، والله سبحانه وتعالى يقول: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، وحمل الماء من أجل الوضوء به ليس بواجب، لأنه قد يشق على الإنسان.

مداخلة: لكن أليس على الإنسان أن يشتري الماء؟

الشيخ: يشتريه إذا حضر وقت الصلاة، أما قبل ذلك فلا، إذا حضر وقت الصلاة وجب عليه أن يتوضأ.

مداخلة: لكن لا يكلف نفسه بحمله؟

الشيخ: إي نعم، لا يكلف نفسه بحمله.

مداخلة: إذا كان فيه كلفة شديدة، أما إذا كان عنده وسائل نقل؟

الشيخ: حتى إذا كان عنده وسائل نقل فلا يظهر لي وجوب حمله عليه من أجل الوضوء، لأنه مأمور بالوضوء إذا حضرت الصلاة، فإذا حضرت الصلاة إن وجد الماء توضأ به وإلا فلا.

حكم التيمم في حق من خشي خروج الوقت إذا أراد إيجاد الماء أو تسخينه

السؤال: بالنسبة لتسخين الماء، إذا كان الإنسان يتكاسل أو قام متأخراً من نومه في البرية، ويخشى من فوات الوقت، فما الذي يفعل؟ هل يسخن الماء أم يتيمم؟

الجواب: لا، يجب عليه أن يسخن الماء ولو كان يخشى خروج الوقت، وذلك لأن النائم إذا قام من نومه فوقت الصلاة في حقه من استيقاظه، وليس من دخول وقتها؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، فجعل وقتها عند الذكر بالنسبة للنسيان، وكذلك عند الاستيقاظ بالنسبة للنوم، فنحن نقول: إذا قمت مثلاً من نومك قبل طلوع الشمس بنحو خمس دقائق أو عشر دقائق، إن تيممت أدركت الصلاة في الوقت، وإن اغتسلت خرج الوقت، فنقول: اغتسل ولو خرج الوقت، وذلك لأن وقت الصلاة في حقك كان عند استيقاظك من النوم وليس من طلوع الفجر، لأنك معذور به.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب [128] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net