إسلام ويب

حكم من تسبب في موت أحد الأشخاص بسيارته

السؤال: شاء القدر على إنسان وعمل حادث, فصدم رجلاً كبير السن وذلك بالسيارة, فمكث في المستشفى عدة أيام وبعدها فارق الحياة, تغمده الله بواسع رحمته, ولم يكن ذلك مقصوداً من الشخص, إلا أن القدر شاء ذلك. فما الحكم في ذلك؟ هل يكفر عن ذلك بكفارة أم ماذا يفعل؟

الجواب على هذا السؤال في مقامين:

المقام الأول: التعبير بكلمة شاء القدر, فإن القدر تقدير الله تبارك وتعالى, وهو من صفاته, وصفات الله تعالى لا ينسب إليها شيء من صفات الربوبية كالمشيئة والتدبير وما أشبهها, فلا يصح أن يقال: دبر القضاء أو دبر القدر على فلان كذا وكذا؛ لأن المدبر هو الله, والذي يشاء هو الله, والقدر تقدير الله. فإذا كانت صفات الله تعالى لا تستحق أو لا يجوز أن تعبد فلا يقول الإنسان: سأعبد عزة الله، سأعبد قدرة الله، فإنه ليس لها شيء من الربوبية كالتدبير, وما أشبه ذلك. فالذي يجب أن يضيف الإنسان المشيئة إلى الله سبحانه وتعالى كما أضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه في كتابه, وكما أضافها إليه أيضاً نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله للرجل: ( بل ما شاء الله وحده). والآيات في هذا كثيرة معلومة.

المقام الثاني: الجواب عن هذا الحادث, ونحن لا نستطيع أن نعطي حكماً محدداً على هذه الصورة المعينة؛ إذ أنها تحتاج إلى تفصيل ومشافهة, ولكننا نقول بصفة عامة: إذا حصل الحادث فإما أن يكون بتفريط من قائد السيارة أو بتعدٍ منه.

والتفريط ترك ما يجب, مثل أن يدع الإنسان تفقد السيارة في حال يحتمل أن يكون فيها خلل, فيدع تفقدها, ثم يحصل الحادث من جراء هذا التفريط, فيكون في ذلك ضامناً؛ لأنه ترك ما يجب عليه.

أو بتعدٍ منه, والتعدي فعل ما لا يجوز, مثل أن يسير في خط معاكس للسير, أو يقطع الإشارة, أو يسرع سرعة تمنع في مثل هذا المكان, وما أشبه هذا يعني.

المهم أن القاعدة هي إذا كان الإنسان الذي حصل منه الحادث متعدياً بفعل ما لا يجوز أو مفرطاً بترك ما يجب فإنه يجب عليه في هذا الحادث شيئان إذا تلفت منه نفس:

الشيء الأول: الكفارة, وهي حق لله تعالى, وهي عتق رقبة مؤمنة, فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين, لا يفطر بينهما يوماً واحداً إلا بعذر حسي أو شرعي.

والأمر الثاني مما يجب عليه: الدية, لكن الدية تتحملها عنه عاقلته. وهذه حق لأولياء المقتول, وهم ورثته, إن عفوا عنها سقطت.

أما الكفارة فإنها حق لله, ولابد منها, حتى لو عفا أولياء المقتول عن الدية فإن الكفارة لا تسقط؛ لأن الكفارة حق لله, والدية حق للآدميين, ولا يلزم من سقوط أحد الحقين سقوط الآخر.

كما أن هذا لو كان لا يجد الرقبة ولا يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين فإن الكفارة تسقط عنه, وإن كانت الدية تجب لأولياء المقتول.

مثال الشيء الذي يكون بغير تعد منه ولا تفريط: أن ينكسر الذراع, أو أن يضرب الكفر مع تفقده له قبل أن يمشي, أو يأتي إنسان يكون هو الذي قابل السيارة على وجه لا يتمكن القائد من إيقاف السيارة, يعني: لو جاء فقذف أو رمى نفسه في الشارع والسيارة قد أقبلت، والقائد لا يتمكن من إيقاف السيارة، فإن هذا الذي رمى بنفسه هو الذي أهلك نفسه, فليس على هذا السائق شيء.

وكذلك أيضاً لو فرض أن الإنسان القائد قابلته سيارة, فرأى أن خير وسيلة ينجو بها من هذا الذي قابله أن يخرج عن الخط يميناً أو شمالاً, ففعل وتصرف, ثم إنه في تصرفه هذا حصل انقلاب السيارة ومات أحد معه, فإنه في هذه الحالة لا يضمن لا بدية ولا بكفارة؛ لأنه في هذه الحالة محسن, وقد قال الله تعالى: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91].

فبهذا يتبين أنه إذا كان الحادث نتيجة لتصرف مأمور به من قبل القائد يرى أنه أحسن من عدمه فإنه ليس عليه هنا ضمان لا بكفارة ولا بدية؛ لأن الله يقول: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91]. ولأنه تصرف تصرفاً مأموراً به ومأذوناً له به شرعاً, وقد قال أهل العلم من قواعدهم المقررة: ما ترتب على المأذون فليس بمضمون.

وكذلك من الأشياء التي لا ضمان فيها: لو كان القائد يسير فواجهه شيء في الخط بهيمة أو سيارة واقفة بدون إشارات أو ما أشبه ذلك، ثم إنه لم يعلم حتى وصل إلى حد لا يتمكن به من إيقاف السيارة, فانحرف ثم حصل الحادث من انحرافه الذي يرى أنه أقرب إلى النجاة, فإنه في هذه الحال ليس عليه ضمان لا بدية ولا بكفارة.

وهذه المسائل في الحقيقة دقيقة, تحتاج إلى تحقيق المناط, وإلى معرفة الشيء معرفة تامة. ولا ينبغي للإنسان أن يتسرع, فيُلزم الناس ما لا يلزمهم من دية أو كفارة, بل إنه ينبغي له أن يعلم أن الأصل السلامة والعصمة, كما أن الأصل أيضاً الضمان لما تلف. فهذان الأصلان متعارضان, وينبغي لطالب العلم أن يسلك ما يراه أقوم هذين الأصلين, وأن يتقي الله سبحانه وتعالى, فلا يلزم عباد الله في ما لا يلزمهم, ولا يسقط عن عباد الله ما يجب عليهم. والله أعلم.

مداخلة: قلتم: لعذر حسي أو شرعي، حبذا لو وضحتم معنى ذلك.

الشيخ: قلنا: إن الذي تسبب في القتل يلزمه صيام شهرين متتابعين, لا يفطر بينهما يوماً واحداً إلا بعذر حسي أو شرعي.

العذر الحسي كالمرض, يمرض الإنسان فلا يستطيع مواصلة الصوم.

والعذر الشرعي كالحيض والسفر, لأنه قد تكون الجانية امرأة, مثل ما لو كان طفلها إلى جنبها وهي نائمة, فتنقلب عليه ويموت, فعليها كفارته، فهذه يلزمها صيام شهرين متتابعين، فإذا أتاها الحيض فإن هذا الحيض لا يقطع التتابع؛ لأنه عذر شرعي, إذ أنه حساً يمكنها أن تصوم, لكن شرعاً لا يمكنها أن تصوم.

وكذلك السفر فإنه يبيح الفطر, وهو عذر شرعي؛ لأن المسافر يتمكن من الصيام.

وبهذه المناسبة أود أن أقول: إنه إذا كان الحادث سبباً في موت أكثر من واحد فإنه يجب على هذا الذي ألزمناه بالكفارة بعدد الأنفس, فإذا مات معه اثنان وجب عليه أربعة أشهر. لكن لا يلزم أن تكون هذه الأربعة الأشهر كلها متوالية, بل شهران متواليان, والشهران الآخران متواليان. فلو فصل بين الشهرين والشهرين بأيام فلا يضر؛ لأن كل كفارة مستقلة عن الأخرى. وإذا كان سبباً في موت ثلاثة وجب عليه صيام ستة أشهر, وهكذا.

مداخلة: لكن هذا أليس فيه حرج على المسلمين؟

الشيخ: فيه حرج, لكنه هو الذي تسبب بإحراج نفسه, هو الذي قتل, وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92], إلى أن قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [النساء:92]. مؤمناً واحداً. فكما أن الدية تتعدد فكذلك الكفارة تتعدد.

وفي الحقيقة أني أقول لك: إن هذا من حكمة الإسلام؛ حماية للنفوس, حتى لا يتسرع الإنسان في القتل, وحتى يحسب حسابه, وإلا فقد يقول قائل: حتى الخطأ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]. فقد يشتبه على بعضنا كيف وجبت عليه الكفارة مع الخطأ؟ الدية قد يقال: تجب مع الخطأ؛ لأنها حق آدمي, لا يفرق فيه بين العمد والخطأ. لكن الكفارة حق لله, وحق الله مبني على المسامحة, فلماذا وجبت الكفارة مع كون القتل خطأ؟

نقول هذا لأجل المبالغة في حماية النفوس, وعدم التسرع.

بيان ما يقوله الساجد في سجود السهو

السؤال: ماذا يقول الساجد للسهو في سجوده؟ هل يقول: سبحان ربي الأعلى, أو يقول: سبحان من لا ينسى ولا يسهى؟ وماذا يقول بين السجدتين, علماً بأن سجود السهو شرع لزيادة أو لنقص أو شك في الصلاة؟

الجواب: يقول في سجود السهو كما يقول في سجود الصلاة؛ لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: ( اجعلوها في سجودكم). فهو يقول كما يقول في سجود الصلاة, وكذلك في الجلسة بين السجدتين يقول فيها كما يقول في الجلسة بين السجدتين في صلب الصلاة.

ولا ينبغي أن يقول: سبحان من لا ينسى.. سبحان من لا يسهو, أو ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا؛ لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

المشروع عند مرور القارئ بآية يذكر فيها السجود

السؤال: مر قارئ قرآن بآية تحث أو يذكر فيها السجود كمثل قوله تعالى في سورة البقرة: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ [البقرة:34] الآية, وفي قوله تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19] . ماذا يقول الساجد المقدس عند هذه الآيات الكريمات؟

الجواب: هذا السائل ذكر آيتين إحداهما ليست موضع سجود, وهي قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34] . والآية الثانية قوله تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19] . وهي موضع سجود. وينبغي أن يعلم أن كون الآية موضع سجود أو غير موضع سجود أمر توقيفي ليس كلما ذكرت السجدة وجب السجود, وإنما هو أمر يتوقف على ما ورد, وهذا -ولله الحمد- معلوم في المصحف, فإنه قد كتب على كل آية سجدة علامة, فيسجد عندها, ولهذا لا سجود في الآية التي ذكر, وهي: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [البقرة:34] , ولا في السجود في مثل قوله تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43], ولا في مثل قوله تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:97-99]. والمهم أنه ليس كلما ذكر السجود يشرع سجود التلاوة. كذلك وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64] , ما فيها سجود, وإنما هو أمر توقيفي.

والذي يقوله في سجدة التلاوة يقول: سبحان ربي الأعلى, كما يقول في بقية السجود, ويقول: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي), ويقول: ( سبوح قدوس رب الملائكة والروح), ويقول ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك, وهي: ( اللهم لك سجدت, وبك آمنت, وعليك توكلت, سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره, فتبارك الله أحسن الخالقين)، ( اللهم اكتب لي بها أجراً, وحط عني بها وزراً, واجعلها لي عندك ذخراً, وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود). ثم يقوم من السجود بدون تكبير, ولا يسلم أيضاً؛ لأن سجود التلاوة يكبر عند السجود, ولا يكبر عند الرفع منه, ولا يسلم, ولا يتشهد فيه أيضاً, ولكن إذا كان الإنسان في صلاة فإنه يكبر إذا سجد للتلاوة, ويكبر إذا رفع منه أيضاً؛ لأنه لما كان في صلب الصلاة صار حكمه حكم سجود الصلاة, بمعنى: أنه يشرع فيه ما يشرع في سجود الصلاة. والذين وصفوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إنه كان يكبر في كل خفض ورفع.

ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ آية السجدة فيسجد, فعموم هذا النقل عن صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي أن الإنسان إذا سجد في صلاة فإنه يكبر إذا سجد وإذا رفع, خلافاً لما يتوهمه بعض الناس في كونه إذا سجد في صلاة يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا قام, فإن مقتضى السنة وعموم الأحاديث أن يكبر إذا سجد وإذا قام, هذا إذا كان سجود التلاوة في صلاة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب [145] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net